المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة5%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 767

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 767 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86447 / تحميل: 4380
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة ) إلى قوله:( وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ ) .

وَكَما في قوله تعالى في سورة الزمر:( أَم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ * قُلْ للهِِ الشَّفَاعَةُ ) .

والعجب من المتكلّف حيث أعجبه التمسّك بهذه الاية في منع الاستشفاعات في غير موضع من كتابه.

وهي كما ترى، والمغالطة في إسقاطهم لصدر الاية كما عرفت.

ومثلها ما في سورة يونس:( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) .

وفي سورة الروم:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الُْمجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ) .

وفي سورة الاعراف:( يَوْمَ يَأتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا ) .

وفي سورة الكهف:( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ) .

وفي سورة الانعام( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةِ بَاسِطُوا أَيدِيهُمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ.. ) إلى قوله:( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاء ) إلى غيرها فانها صريحة وافية للمقام.

وبين ما سيقت للردّ على مقالة اليهود ; حيث قالوا: نحن أبناء الانبياء، وآباؤنا يشفعون لنا.

فأجابهم الله بقوله تعالى في سورة البقرة:( وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

وقال تعالى في هذه السورة:( وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً وَلاَ

٢١

يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

قال المفسّرون: إنّ حكم هذه الايات مختصّ باليهود ; حيث قالوا: نحن أبناء الانبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فآيسهم الله من ذلك، فخرج الكلام مخرج العموم، والمراد به الخصوص.

أقول: وهب أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصيّة السبب، إلاّ أنّ تخصيص مثل هذا العامّ بمثل هذا السبب المخصوص، ممّا يكفي فيه أدنى دليل ; وكيف بالدلائل القطعيّة القائمة للشفاعة؟! فيخصّص بها قطعاً.

فسقط الاستدلال بالنكرة في سياق النفي تارة.

وبعدم الانتصار اُخرى.

وبعدم إجزاء نفس عن نفس ثالثة.

وهكذا الكلام في نظائرها.

وبين ما سيقت لبيان شدّة الموقف وأهواله، وأنّه - يومئذ - لا ينفع الكفّار بيعهم وخلّتهم وشفاعتهم - بعضهم - في دفع العذاب عن خليله أو مولاه:

مثل ما في سورة الدخان قوله تعالى:( يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ ) .

وقوله في سورة البقرة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ ) .

قال الرازي: لما قال:( وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ ) أوهم ذلك - أي ألخُلّة والشفاعة مطلقاً - فذكر تعالى عقيبه:( والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ليدلّ على أنّ ذلك النفي مختصّ بالكافرين، وعلى هذا التقدير تكون الاية دالّة على إثبات الشفاعة في حقّ الفسّاق.

وبين ما لبيان أنّ الشفاعة الثابتة مختصّة بالمرضيّين:

٢٢

كقوله تعالى في سورة طه( يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) .

وقوله تعالى:( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) أي لمن ارتضى الله دينه، وسيأتي بيانه.

أو لبيان أنّ المجرمين غير قادرين على الشفاعة إذ لا يملكونها:

كما في سورة مريم قوله تعالى:( وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ) ألا تنظر إلى قوله بعده:( إلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) إلى غير ذلك.

٢٣

٢٤

المقام الثاني

[ثبوت الشفاعة في العقيدة الاسلاميّة]

اعلم: أنّ الشفاعة أن يستوهب أحد لاحد شيئاً، ويطلب له حاجة، وأصلها من الشفع الذي هو ضدّ الوتر، كأنّ صاحب الحاجة كان فرداً، فصار الشفيع له شفعاً، أي صارا زوجاً.

وقد أجمع المسلمون كافّة على ثبوت الشفاعة، خلافاً للخوارج وبعض المعتزلة، حيث خصّوها بزيادة المنافع للمؤمنين ورفع درجات المثوبين والمستحقّين.

مع ضرورة حكم العقل بحسن العفو عن الكبائر وصريح الُمحْكمات من الكتاب والسُّنّة، كما سيجيء ذكرها.

مع ما عرفت من الجواب عمّا تمسّك به المانع المتكلّف من المتشابهات.

٢٥

[الاجماع على الشفاعة]

ولو لم يقم الاجماع على ثبوتها بهذا المعنى، وكانت الشفاعة بحيث يصحّ إطلاقها على مجرّد طلب الزيادة، لكنّا شافعين للرسول بقولنا: «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد».

ضرورة أنّا لم نطلب له(صلى الله عليه وآله وسلم)إلاّ الزيادة في فضله.

وحيث بطل هذا القسم تعيّن الثاني.

لا يقال: إنّ ذلك إنّما كان لوضوح علوّ رتبة الشفيع على المشفوع له وانحطاطهم عنه، وإنّ غرض السائل من الصلوات هو التقرّب بذلك إلى المسؤول ; وإن لم يستحقّ المسؤول له بذلك السؤال منفعة زائدة.

فإنّا نقول: إنّ الرتبة غير معتبرة في الشفاعة، ويدّل عليه لفظ الشفيع المشتقّ من الشفع.

على أنّا، وإن قطعنا أنّ الله يكرّم رسوله ويعظّمه ; سواء سألت الاُمّة ذلك أو لم تسأله، ولكنّا لم نقطع بأنّه لا يجوز أن يزيد في إكرامه بسبب سؤال الاُمّة ; على وجه لولا سؤالهم لما حصلت الزيادة، ومع جواز هذا الاحتمال وجب أن يبقى جواز كوننا شافعين للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

قال العلامة القوشجي: اتّفق المسلمون في ثبوت الشفاعة ; لقوله تعالى:( عَسَى رَبُّك أَنْ يَبْعَثَكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) ، وفُسّر بالشفاعة.

قال: ثمّ اختلفوا: فذهب المعتزلة إلى أنّها زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب.

وأبطله المصّنف: بأنّ الشفاعة لو كانت كذلك لكُنّا شافعين للنبيّ ; لانّا نطلب زيادة المنافع له.

٢٦

والتالي باطل ; لانّ الشفيع أعلى رتبة من المشفوع له. انتهى.

وقال العلاّمة في «البحار» في ما حكاه عن النَوَويّ في «شرح صحيح مسلم»(١) : إنّه قال: قال القاضي عياض: مذهب أهل السُّنّة جواز الشفاعة عقلاً.

ووجوبها سمعاً بصريح الايات وبخبر الصادق(عليه السلام)، وجاءت الاثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف ومن بعدهم من أهل السُّنّة عليها.

ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلّقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجّوا بقوله تعالى:( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) وأمثاله، وهي في الكفّار.

وأمّا تأويلهم أحاديث الشفاعة وغيرها فهي صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار. انتهى.

[العقل يدل على صحّة الشفاعة]

وأمّا العقل فقد قالت الفلاسفة في هذا المقام: إنّ واجب الوجود عامّ الفيض تامّ الجود، فحيث لا تحصل الشفاعة فإنّما هو لعدم كون القابل مستعدّاً، ومن الجائز أن لا يكون مستعداً لقبول ذلك الفيض من شىء قبله عن واجب الوجود، فيكون ذلك الشيء كالمتوسّط بين واجب الوجود وبين ذلك الشيء الاوّل.

ومثاله في المحسوس أنّ الشمس لا تضيء إلاّ للقابل المقابل، وسقف البيت لما لم

____________________

(١) شرح صحيح مسلم، للنووي ٣/٣٥ باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحّدين من النار.

٢٧

يكن مقابلاً لجِرْم الشمس، فلا جَرَمَ لم يكن فيه استعداد لقبول النور عن الشمس، إلاّ أنّه إذا وضع طشت مملوّ من الماء الصافي، ووقع عليه ضوء الشمس، انعكس ذلك الضوء من ذلك الماء إلى السقف، فيكون ذلك الماء الصافي متوسّطاً في وصول النور من قُرص الشمس إلى السقف الذي غير مقابل للشمس.

وأرواح الانبياء والاوصياء والصالحين، كالوسائط بين واجب الوجود وبين الخلق.

والتحقيق: أنّ المعصية ليست بما هي علّة للتعذيب والخلود، وإنّما هي المقتضي له لولا المانع ; من الاستشفاعات المنصوبة من الله الرؤوف المالك للشفاعة.

كما يشهد به الكتاب والسُّنّة وبداهة حكم العقل مع قرينة شدّة الرأفة والرحمة منه تعالى.

ولذلك فرّق الشارع بين نيّة الحسنة ونيّة السيّئة في الاستحقاق وعدمه، مع أنّهما في الاقتضاء سواء ; سبقت رحمته غضبه.

فقد ظهر: أنّ الحديثين إنّما سيقا لبيان الاقتضاء:

أمّا الاوّل: فبدليل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في النبوي: (لو لم ترسلوا عليها ناراً فتحرقوها).

أمّا الثاني: فبضرورة ما في السباق من احتمال العثرات، وصريح ما ورد في الحَبْط من الايات والعمومات، النافية لاستحقاق العقوبة على نيّة السيّئات، وأنّها لا تكتب مالم يتلبّس بها.

وبالجملة: فلو لم تكن المعاصي مقتضيات لما كان النادم عليها ماحياً لها تائباً عنها، كما صحّ: أنّ (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من سرّته حسنته وسأته سيّئته فهو مؤمن).

٢٨

وذلك لوضوح أنّ من ساءته سيّئة، فهو النادم منها التائب عنها الماحي لها، ومعه فلا غَرْوَ ولا عجب أن يجعل الله الامر بالمودّة والتمسّك والتوسّل بذوي القربى من أهل بيت رسوله، مانعاً لتأثير المعصية، شافعاً فيها، توبة عنها، ماحياً لها، وإن رغم الراغمون، وخسر هنالك المبطلون.

[تذبذب بين المعتزلة والاشعرية]

وليت شعري، ولا يكاد ينقضي تعجبي، من هؤلاء الاخوان، وما أدري أنّهم - في إنكارهم للشفاعة - أشعريّة أم معتزلة، وبأيّهما اقتدوا؟ وبأيّ ديانة دانوا فتديّنوا؟

فإن كانوا في الاُصول أشعرية فقد عرفت أنّ مذهبهم على ثبوتها وإثباتها.

وإلاّ فيرد عليهم ما يرد على المعتزلة من المناقضة لاصلهم، فإنّ من قال بقاعدة التقبيح والتحسين، فقد التزم في المسألة موافقة الاشعريّين، فظهر أنّهم دانوا بالشفاعة من حيث لا يشعرون.

[الايات الدالة على ثبوت الشفاعة]

وأمّا الايات: فقد قال الله تعالى في سورة الاسراء:( عَسى رَبُّكَ أن يَبْعَثَكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) .

وقال في سورة الضحى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) .

وقال في سورة المؤمن:( ألَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْن الَّتِي

٢٩

وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهمْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وقال تعالى في سورة يوسف حاكياً مقالة الاسباط:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) إلى قوله:( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ) .

وقال تعالى في سورة النساء:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُم جَاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) .

وقال تعالى في حكايته عن عيسى(عليه السلام):( إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وقال تعالى حكاية عن إبراهيم:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

فقد دلّت الايات كغيرها على ثبوت الشفاعة لنبيّنا خاصّة وللملائكة والنبيّين والاولياء والصالحين عامّة وشفاعة القرآن أيضاً.

حيث لا يجوز حمل هذه الايات على الكافر، فإنّه ليس أهلاً للمغفرة بالاجماع.

ولا يجوز حملها على صاحب الصغيرة.

ولا على صاحب الكبيرة بعد التوبة ; لانّ غفرانه لهم واجب عقلاً عند الخصم، فلا حاجة له إلى الشفاعة.

فلم يبقَ حملها إلاّ على صاحب الكبيرة قبل التوبة.

[الروايات الدالة على ثبوت الشفاعة]

ويؤيّد ذلك: ما رواه الرازي عن البيهقي: (أن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا تلا هاتين الايتين رفع يديه، وقال: إلهي أُمّتي أُمّتي، وبكى، فقال الله: يا جبرائيل اذهب إلى محمّد - وربّك أعلم - فَسَلْهُ ما يبكيك؟ فأتاه جبرائيل، وسأله فأخبره

٣٠

رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بما قال، فقال الله: يا جبرائيل اذهب إلى محمد وقل له: إنّا سنُرضيك في أُمّتك)(١) .

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الصحيح: (ادّخرتُ شفاعتي لاهل الكبائر من أُمّتي)(٢) .

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): (واُعطيت الشفاعة) رواه البخاري(٣) .

وصحّ أيضاً عنه فيما أخرجه بإسناده عن عمران بن حصين، قال: (يخرج من النار بشفاعة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)فيدخلون الجنّة، ويسمّون الجهنّمّيين)(٤) إلى غير ذلك.

وقال الرازي في قوله تعالى:( وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) إجلالاً له حيث أكرمه بوحيه، وجعله سفيراً بينه وبين خلقه، ومن كان كذلك فإنّ الله لا يردّ شفاعته، فكانت الفائدة في العدول عن لفظ الخطاب إلى الغيبة ما ذكرناه(٥) .

____________________

(١) التفسير الكبير للرازي.

(٢) مجمع الزوائد ٧/٥، مسند أحمد ٢/٣١٣ و ٣/٢٠ بلفظ أخّرت، ولاحظ سنن ابن ماجة ٢/١٤٤١، والترمذي ٤/٤٥، والحاكم في المستدرك ١/٦٩ و ٢/٣٨٢.

(٣) صحيح البخاري ١/١١٣ و ٢١١، وصحيح مسلم ٢/٦٣، وسنن النسائي ١/٢١١، والدارمي ١/٣٢٣، ومسند أحمد ٤/٤٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٧/٢٠٢ و ٢٠٣ الرقاق، وصحيح مسلم ١/١٢٣ الايمان، والترمذي ٤/١١٤، وسنن ابن ماجة ٢/١٤٤٣ الزهد، ومسند أحمد ٤/٤٣٤، وراجع مجمع الزوائد للهيثمي ١٠/٣٧٩، وكنز العمال ١٤/٤٠٨ و ٥٠٦ و ٥١٣ و ٥٤١.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي.

٣١

أقول: ومثلها في الدلالة قوله:( الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ ) فإنّ هذه الاية نصّ صريح في المدّعى، ولا سيّما بقرينة ذكر الاستغفار الملازم لاسقاط العقاب وذكر( الذين آمنوا ) و( الذين تابوا ) إلى غير ذلك.

والمناقشة فيها: بأنّ قيد التوبة واتّباع السبيل مما هي قرينة على ثبوت الشفاعة بالمعنى الخاصّ وصرفها عن عموم الدعوى لانّ التائب والمتّبِع للسبيل لا يفتقران إلى الشفاعة بالمعنى العامّ.

مدفوعة: بالنقض بقيد المغفرة الظاهرة في معنى الحطّ والستر للذنب، وحلاًّ: بأنّ القيدين هنا من باب ذكر بعض أفراد العامّ وأقسامه، فلا يُخصّص العامّ بها، وهذا ثابت في علم أُصول الفقه.

ثم يدلّ أيضاً على ثبوت الشفاعة للملائكة قوله تعالى في صفتهم في سورة الانبياء:( وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) .

ووجه الاستدلال: أنّ صاحب الكبيرة هو المرتضى عند الله بحسب إيمانه وتوحيده، وكلّ من صدق عليه أنّه المرتضى عند الله بهذا الوصف وجب أن يكون من أهل الشفاعة، فإنّ الاستثناء من النفي إثبات.

وإذا ثبت أنّ صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملائكة، وجب دخوله في شفاعة الانبياء وشفاعة نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بعدم القول بالفصل.

(لا يقال:) إنّ صاحب الكبيرة فاسق، والفاسق ليس بمرتضىً بحسب فسقه وعصيانه.

لانا نقول: قد تبيّن في العلوم المنطقية أنّ المهملتين لا تتناقضان، فالمرتضى بحسب إيمانه لا ينافيه عدمه بحسب فسقه.

وقال الرازي: اعلم أنّ هذه الاية أقوى الدلائل لنا في إثبات الشفاعة لاهل الكبائر.

٣٢

وتقريره: هو أنه من قال: «لا إلهَ إلاّ الله» فقد ارتضاه في ذلك، ومتى صدق عليه أنّه ارتضاه الله في ذلك فقد صدق عليه أنّه ارتضاه الله، لانّ المركّب متى صدق فقد صدق - لا محالة - كلّ واحد من أجزائه، وإذا ثبت أنّ الله قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الاية.

وقال في قوله تعالى:( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) ، كما نرى في المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيّين.

ثم قال: احتجّ أصحابنا بمفهوم هذه الاية، وقالوا: إنّ تخصيص هؤلاء بأنّهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين يدلّ على أنّ غيرهم تنفعهم شفاعة الشافعين.

وفي تفسير آخر: فما تنفعهم شفاعة الشافعين كما نفعت للموحّدين.

وقال في قوله تعالى:( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّك مَقَاماً مَحْمُوداً ) :

قال الواحدي: أجمع المفسّرون على أنّه مقام الشفاعة كما قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الاية (هو المقام الذي أشفع فيه لاُمّتي).

ثمّ أخذ في بيان وجوه الاستدلال بها، وتضعيف ما فسّره البعض بآرائهم.

ورواه أبو السعود في تفسيره عن أبي هريرة.

وقال في قوله تعالى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) : عن تفسير وكيع قال: ولسوف يُشفّعك، يا محمّد، يوم القيامة في جميع أهل بيتك وفي أُمّتك، وتدخلهم الجنّة ترضى بذلك عن ربّك.

وعن فردوس الديلمي قال: الشفعاء خمسة: القرآن والرحم والامانة ونبيّكم وأهل بيت نبيكم.

والعلاّمة أبو السعود في تفسيره عن سعيد بن جبير قال: يدخل المؤمن الجنّة، فيقول: أين أبي وولدي؟ وأين زوجي؟ فيقال له: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: إنّي كنتُ أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنّة بشفاعته وسبق الوعد

٣٣

بالادخال.

ثمّ قال في الجواب عن شبهة هؤلاء: والادخال لا يستدعي حصول الموعود بلا توسّط شفاعة واستغفار، وعليه مبنى من قال: إنّ فائدة الاستغفار زيادة الكرامة والثواب، والاوّل هو الاولى، لانّ الدعاء بالادخال فيه صريح، وفي الثاني ضمنيّ، انتهى كلامه.

وعن بشر بن ذريح البصري، عن محمّد بن عليّ(عليهما السلام) في قوله تعالى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) قال: قال: (الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة).

وقال الرازي في هذه الاية: يعني به الشفاعة تعظيماً لنبيّه.

قال: عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وابن عبّاس: إنّ هذا لهو الشفاعة في الاية.

يروى أنّه لما نزلت الاية قال(صلى الله عليه وآله وسلم): (إذن لا أرضى وواحد من أُمّتي في النار).

ثمّ قال: واعلم أنّ الحمل على الشفاعة متعيّن، ويدلّ عليهوجوه ذكرها هناك(١) .

وفي «النهاية» لابن الاثير قال في ترجمة «وحا» من في حديث أنس: (شفاعتي لاهل الكبائر من أمّتي حتّى حكم وحاء)(٢) . قال: وهما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يَبْرِيْنَ، ومثله قال في ترجمة «حَكَم».

وفي مرفوعة جابر عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث له أنّه قال: (أنا سيّد ولد آدم ولا فخر،

____________________

(١) التفسير الكبير للرازي.

(٢) انظر كنز العمال ١٤/٤١٢.

٣٤

وفي ظلال الرحمن يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ولا فخر، ما بال قوم يزعمون أنّ رحمي لا ينفع، بل حتّى يبلغ حانكم أنّي لاشفع فأُشفّع) الخبر إلى قوله: (حتّى إنّ إبليس ليتطاوَل طمعاً في الشفاعة)(١) .

وعن عبدالله بن عبّاس عن النبيّ أنّه قال: ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلاّ شفّعهم الله فيه(٢) .

إلى غير ذلك من الايات والروايات في إثبات عموم الشفاعة بما ورد من أعيان علماء السُّنّة والجماعة ومفسّريهم، مالا يحتمله هذا المختصر، فليراجع المطوّلات.

[تمويه في إنكار الشفاعة]

وبعدما أسلفناه وما سيأتي في معنى الاستشفاع بالاولياء، فلا يُصغى إلى شىء ممّا تكلّف به محمد بن عبد الوهّاب في رسالته من التمويه والمغالطة تبعاً لامامَيْهِ ابن القيّم وابن تيميّة بقوله:

فإن قال: إنّ النبيّ أُعطي الشفاعة وأطلبه مما أعطاه الله.

فالجواب: إنّ الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا ; يعني به الشرك، وقال( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) .

إن كنت تدعو الله أن يشفّعه فيك فأطعه في قوله:( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِأَحَداً ) .

____________________

(١) مجمع الزوائد ١٠/٣٧٦ و ٣٨٠ عن الطبراني في الاوسط.

(٢) مسلم ٣/٥٣، والترمذي ٢/٢٤٧، وابن ماجة ١/٤٧٧، والنسائي ٤/٧٥، مسند أحمد ٣/٦٦ كلهم في الجنائز، وانظر كنز العمال ١٥/٥٨١، ومجمع الزوائد ٥/٢٩٢.

٣٥

وأيضاً فإنّ الشفاعة أعطاها غير النبيّ، فصحّ أنّ الملائكة يشفعون، والاولياء يشفعون، والافراط يشفعون أتقول: إنّ الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟! فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين.

أقول: إعلم أنّ موضع المغالطة من كلامه، هو أنّه زعم أنّ الشفاعة هي شفع الغير مع الله في المسألة والدعوة لقضاء الحوائج.

ولم يَدْرِ المسكين أنّ الشفاعة - كما مرّ تعريفها في صدر المقام - هو شفع الغير وضمّه مع المستشفع للذهاب إلى الله وتوجّههما معاً إليه سبحانه، ودعاؤنا الشفيع دعوته لذلك، لا ما توهّمه المغالط.

[ليست الشفاعة بشرك]

وبعدما ثبتت الشفاعة إجمالاً وتفصيلاً، كتاباً وسنةً، إجماعاً وعقلاً، حيّاً كان الشفيع أو ميّتاً، فقد علم بالضرورة من الشريعة:

أنّها ليست بشرك.

وأنّ الاستشفاعات والتوسّلات لا تنافي شيئاً من التوحيد ولا الاخلاص.

وأنّ دعاء الصالحين والالتماس منهم إنّما هو لكي يدعو الله للعباد بالرحمة والمغفرة، فليس من الدعاء المنهيّ عنه.

وإنّما الدعاء المنهيّ عنه في قوله تعالى:( فَلاَ تَدْعوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) هو أنّ العبد يقرن الصالحين بالله في دعائه، ويسألهما معاً في عرض واحد، وذلك بقرينة لفظ «مع»، وكما هو معنى الشرك والتشريك في العبادة، فإنّ الاشراك هنا وضع المعبوديّة في غير الله.

٣٦

كما في قوله:( يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .

وقوله تعالى عن إبليس:( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) .

قال الرازي: أي بإشراككم إيّاي مع الله في الطاعة.

وقوله تعالى عن موسى:( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

بجعله شريكاً له معه في النبوّة.

وأمّا إذا لم يكن سؤاله حقيقة إلاّ من الله، ولم يكن له النظر مستقلاًّ إلاّ إليه تعالى دون غيره، فيدعو الله ويسأله بوجه نبيّه، فهذا ليس من الشرك في شىء.

يفصح منه لفظ الشرك المشتقّ من مادّة الاشراك بجعل الشريكين على نمط واحد.

فلو سأل العبد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يغفر له ذنبه، أو سأل النبيّ مع الله بقوله: يا ألله ويا نبيّ الله اغفرا لي ذنبي، كان ذلك شركاً منه.

وأمّا لو سأله أن يسأل الله غفران ذنبه، فهذا من غفران الذنب الموعود من الله بالشفاعة، والسؤال منه تعالى، لا من النبيّ.

وإنّما المسؤول من النبيّ التماس دعائه من الله تعالى ليسأله بوجهه.

[صور من الادعية المأثورة]

وهذه دعواتنا المأثورة عن الائمّة(عليهم السلام)، حيث نقول:

(اللّهمّ إن كانت الذنوب والخطايا قد أخلقت وجهي، فإنّي أسألك بوجه حبيبك محمّد).

وفي الدعاء عند النوافل الليليّة:

(اللّهمّ إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأُقدّمهم بين يدي حوائجي في الدنيا والاخرة، فاجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والاخرة ومن

٣٧

المقرّبين.

أللّهمّ ارحمني بهم، ولا تعذبّني بهم...) الدعاء.

فليس المراد بالاستغاثات والتوسّلات إلاّ طلب الدعاء من المستغاث، كما في قوله عزّوجلّ في القدسيّات: (يا موسى ادعُني بلسان لم تعصِني به، فقال: يا ربّ وأين ذلك؟ فقال: بلسان الغير).

وأيضاً، فإنّ بني إسرائيل قد دعوا الله بلسان نبيّهم في مواضع من القرآن ; حيث حكى الله عنهم في قوله تعالى:( لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ) الايات.

فأنِصفْ وراجع.

أين هذا من دعاء الغير أو شركة الغير مع الله في الدعاء؟!

سُبحانك إنْ هذا إلاّ بهتان عظيم.

وكيف كان، فقد عرفت أنّ الايات والروايات لاتدلّ على النهي بشيء من ذلك كلّه، بل الايات على خلافه كما عرفت.

[الاستشفاع بالاموات]

ثمّ، ومن أوهن المناقشات والشفاعات والتوسّلات، هو المناقشة في جوازها بعد موت الشفيع.

وذلك لثبوت جوازها مطلقاً ; من غير فرق بين النشآت.

بعد صريح عبارته في رسالته بشفاعة الملائكة والاولياء والافراط.

وصريح الايات بحياتهم المستقرّة بعد موتهم.

ومع اتّحاد المناط في الغايات.

وحكم العقل بحسن الواسطة من غير تخصيص ولا تبعيض.

٣٨

وبالجملة: فقد أطنب الوهابيّة في شبهة العابد بالمعبود، وشبهة الزيارة بالعبادة ; حتّى صاروا بجمودهم وخضوعهم لشبهتهم هذه، كأنّهم آلة هدم الاسلام باسم الاسلام.

قد أوضحنا الجواب عن الاُولى.

[الزيارة والعبادة]

وأمّا الثانية: فأمّا قوله فيما نسجه:

«ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الاولياء التي لا يقدر عليها إلاّ الله...» إلى قوله: «وأمّا بعد موته - يعني به النبيّ - فحاشا إنّهم ما سألوه عند قبره، بل أنكر السلف...» إلى آخر كلماته.

فأقول:

وليت شعري ما هذا النكير؟!

وما قياس الانبياء والشهداء - المصرّح بحياتهم المستقرّة في القرآن - بسائر الموتى؟!

وما معنى إضافة الاستغاثة إلى العبادة؟!

وما المانع من الاستغاثة عند قبور الاولياء؟!

وما المراد بقوله: «لا يقدر عليها إلاّ الله»؟!

وما هذا الخبط؟!

ثمّ وما هذا التحاشي والخلط ودعوى الانكار؟

أفعلى عمد تركوا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم؟

فإن كان المانع منها هو شبهة الشرك، فقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.

٣٩

وقد تقدّم أنّ الساعي لحاجة إخوانه عند باب مولاه لا يرتفع عن مقام العبودية بشيء.

فليست الشفاعة والاستشفاع إلاّ قسماً من الدعاء الشامل لجميع الناس، واختصاص الاولياء والخواصّ بها باعتبار قبولها.

وقد ورد في باب زيارة النبيّ - كما عن حُجّة الاسلام الغزالي - قال: «ثمّ ترجع وتقف عند رأس رسول الله - بين القبر والاُسطوانة اليوم - وتستقبل القبلة...» إلى قوله: «ثمّ تقول: (أللّهمّ إنّك قلت - وقولك الحقّ..( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ وَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحيماً ) .

أللّهمّ إنّا قد سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، وقصدنا نبيّك متشفّعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا، تائبين من زللنا)...» إلى قوله: (أللّهمّ لا تجعله آخر العهد من قبر نبيّك ومن حرمك يا أرحم الراحمين).

ومعاذ الله أن يرفع المسلمون أحداً من هؤلاء المَزُورين عن مقام العبوديّة، أو يذكرهم في الدعاء بغير الاستشفاع والتوسّل.

فأين وصمة الشرك؟!

ثم وما حديث التبعيض والتخصيص؟!

وهل ظفر المتكلّف بعد ما تقدّم في الشفاعات والتوسّلات بآية أو رواية تخصّص بها العمومات، أو تقيد بها المطلقات؟

أو يناقض بها ما صرّح به من قبل بقوله: «فصحّ أنّ الملائكة يشفعون، والاوليآء يشفعون، والافراط يشفعون»؟!

وليت شعري، فإن كان المناط في الشرك هو مجرّد التوسّل بالغير والاستشفاع به.

فهو الموجود عيناً في الاخرة، كما ورد أنّ الناس يسألونهم الشفاعة يوم

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وقد تحدث علي مرة في أمر العقوبة من قتلة عثمان ، فاذا بجيش يبلغ عشرة آلاف يشرعون الرماح ويجهرون بانهم (( كلهم قتلة عثمان )) فمن شاء العقوبة فليطبقها عليهم جميعاً.

ولو ان المطالبين بدم عثمان التمسوا أقرب الطرق إلى الثأر له ، والقصاص من العادين عليه ، لقد كان هذا أقرب الطرق إلى ما أرادوا. يؤيدن ولي الأمر حتى يقوى على اقامه الحدود ، ثم يحاسبونه بحكم الشريعة حساب انصاف.

أم الذين لاموه لقبوله التحكيم ، فيخيل الينا من عجلتهم الى اللوم انهم كانوا أول من يلومه ويفرط في لومه لو انه رفض التحكيم وأصر على رفضه ، لأنه لم يقبل التحكيم وله مندوحة عنه ولكنه قبله بعد احجام جنوده عن الحرب ، ووشك القتال في عسكرهم خلافاً بين من يقبلونه ويرفضونه.

وقبله بعد ان حجز الحفاظ والقراء نيفاً وثمانين فزعة للقتال لشكهم في وجوب القتال وذهاب البعض الى تحريمة.

وبعد ان توعدوه بقتله كقتل عثمان ، وأحاطوا به يلحون عليه في استدعاء الأشتر النخي الذي كان يلاحق أعدائه مستحصداً في ساحة الحرب على امل النصر القريب.

والمؤرخون اللذين صوبوا رأيه في التحكيم وخطئوه في قبول ابي موسى الأشعري ، على علمه بضعفه وتردده ، ينسون ان ابا موسى كان مفروضاً عليه، كما فرض عليه التحكيم في لحظة

٢٢١

واحدة وينسون ما هو أهم من ذلك ، وهو ان العاقبة متشابهة سواء ناب عنه ابو موسى الأشعري او ناب عنه الأشتر او عبد الله بن عباس. فان عمرو بن العاص لم يكن ليخلع معاوية ويقر علياً في الخلافة ، وقصارى ما هنا لك ان الحكمين سيفترقان على تأييد كل منهما لصاحبه ورجعة الأمور الى مثل ما رجعت اليه. وان توهم بعضهم ان الاشتر او ابن عباس كان قديراً على تحويل ان العاص عن رأيه ، والجنوح به الى حزب علي ، بعد مساومته التي ساومها في حزب معاوية. فليس ذلك على التحقيق بمقنع معاوية ان يستكين ويستسلم ، وحوله المؤيدون والمترقبون للمطامع يعز عليهم اخفاقهم كما يعز عليه اخفاقه.

فليس في ايدي المؤرخين الناقدين اذن حل اصوب من الحل الذي اذعن به وهو يسوي بينه وبين غيره في عقباه.

المجلس الحادي عشر

كان السبب في قتل امير المؤمنين ((ع)) ان نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكة كروا الأمراء فعابوهم وعابوا اعمالهم وذكروا

٢٢٢

اهل النهروان وترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض لو انا شرينا انفسنا لله عز وجل فأتينا ائمة الضلال وطلبنا غرتهم فارحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا باخواننا الشهداء بالنهروان فتعاهدوا على ذلك عند انقضاء الحج فقال عبد الرحمن بن ملجم المرادي انا اكفيكم علياً وقال البرك بن عبد الله التميمي انا اكفيكم معوية وقال عمرو بن بكر السهمي انا اكفيكم عمرو بن العاص وتعاقدوا على ذلك وتواثقوا على الوفاء واتعدوا لشهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه ثم تفرقوا ( فأما ) صاحب معاوية فانه لما وقعت عينه عليه ضربه وقيل ضربه وهو راكع فوقعت ضربته على اليته وجاء الطبيب فقال ان السيف مسموم فاختر اما ان احمي لك حديدة واجعلها في الضربة فتبرأ واما أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك فقال اما النار فلا أطيقها وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني فسقاه الدواء فعفي وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك وقال له البرك ان لك عندي بشارة قال ما هي فأخبره خبر صاحبه وقال ان علياً يقتل في هذه الليلة فاحتبسني عندك فان قتل فلك في رأيك وان لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق ان أمضي فأقتله ثم أعود اليك حتى تحكم في بما ترى فحبسه عنده فلما اتى الخبر بقتل علي خلى سبيله وقيل بل قتله من وقته وفي ذلك يقول معاوية يخاطب عمرو بن العاص :

٢٢٣

نجوت وقد بل المرادي سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه اذا سجد وهو أول من عملها في الاسلام وأما صاحب عمرو بن العاص فوافاه تلك الليلة وقد وجد علة وشرب دواء واستخلف صاحب شرطته خاردة بن أبي حبيبة من عامر ابن لؤي يصلي بالناس فضربه بسيفه وهو يظنه عمراً فأخذ وأتى به عمرو فقتله ودخل من غد الى خارجة وهو يجود بنفسه فقال له أما والله يا ابا عبد الله ما أراد غيرك قال عمرو ولكن الله أراد خارجة وفي ذلك يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة :

٢٢٤

وليتها اذ فدت عمراً بخارجة

فدت علياً بمن شاءت من البشر

وأما ابن ملجم فانه اقبل الى الكوفة فلقي بها اصحابه فكتمهم امره مخافة ان ينتشر ثم رأى رجلا من اصحابه من تيم الرباب فصادف عنده قطاماً بنت الأخضر من تيم الرباب وكان امير المؤمنين ((ع)) قتل اباها واخاها بالنهروان وكانت من اجمل نساء اهل زمانها فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد اعجابه فخطبها فقالت له ما الذي تسمي لي من الصداق فقال لها احتكمي ما بدا لك فقالت له انا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل علي بن ابي طالب فقال لها لك جميع ما سألت وأما قتل علي فأنى لي بذلك قالت تلتمس غرّته فان انت قتلته شفيت نفسي وهناك العيش معي وان قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا فقال لها اما والله ما اقدمني هذا المصر وقد كنت هاربا منه لا آمن مع اهله الا ما سألتني من قتل علي فلك ما سألت وفي ذلك يقول ابن ابي مياس الفزازي وقيل المرادي من الخوارج وقيل انها للفرزدق.

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب علي بالحسام المصمم

فلامهر أغلى من علي وان غلا

ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم

قالت فانا طالبة لك من يساعدك على ذلك ويقويك ثم بعثت إلى وردان بت مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم فتحمل ذلك لها وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من اشجع يرى رأي الخوارج يقال له شبيب بن بجرة فقال هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال وما هو قال تساعدني على قتل علي قال هبلتك الهبول لقد جئت شيئاً ادّا وكيف نقدر على ذلك قال نكمن له في المسجد الأعظم فاذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فاذا نحن قتلناه شفينا أنفسنا وادركنا ثأرنا فلم يزل به حتى أجابه فدخلا المسجد الأعظم على قطام وهي معتكفة فيه قد ضربت عليها قبة فقالا له قد أجمع رأينا على قتل هذا الرجل قالت لهما اذا اردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع فلبثا أياماً ثم اتياها ليلة الاربعاء وقيل ليلة الجمعة لتسع عشرة وقيل لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ومعهما وردان فدعت لهم بحرير فعصبت بهم صدورهم وتقلدوا سيوفهم ومضوا فجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنينعليه‌السلام الى الصلاة وقد كانوا قبل ذلك القوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام وواطأهم على ذلك وحضر في تلك الليلة

٢٢٥

٢٢٦

الى المسجد لمعونتهم وكان حُجر بن عديرحمه‌الله بائتاً تلك الليلة في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك (ضحك خ ل) الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال له قتلته يا أعور وخرج مبادرا ليمضي الى أمير المؤمنين (ع) فيخبره الخبر ويحذره من القوم فخالفه أمير المؤمنينعليه‌السلام في الطريق فرجع والناس يقولون قتل أمير المؤمنين (قال) بعض أهل الكوفة اني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله الى آخره اذ نظرت الى رجال يصلون قريباً من السدة وخرج أمير المؤمنين (ع) لصلاة الفجر فأقبل ينادي الصلاة الصلاة فما ادري أنادى أم رأيت بريق السيوف فضربه شبيب بن بجرة وهو يقول الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق وضربه عبد الرحمن بن ملجم وهو يقول ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله وصاح لا حكم الا لله يا ابن أبي طالب فاثبت الضربة في وسط رأسه الشريف (وقيل) انه لما حصل في المحراب هجموا عليه (وفي رواية) ضربه ابن ملجم وهو ساجد فصاح علي (ع) لا يفوتنكم الرجل أو لا يفوتنكم الكلب (وفي البحار عن بعض الكتب) انه (ع) لما أحس بالضربة لم يتأوه وصبر واحتسب ووقع على وجهه قائلا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ثم صاح وقال قتلني ابن ملجم قتلني اللعين ابن اليهودية فزت ورب

٢٢٧

الكعبة أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول جاء امر الله وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثار جميع من في المسجد وصاروا يدورون ولا يدرون اين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة واحتمل امير المؤمنين (ع) فأدخل داره وأمر ابنه الحسن (ع) ان يصلي بالناس الغداة (وقيل) أمر جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن اخت امير المؤمنين (ع) ولما حمل امير المؤمنين (ع) إلى داره ووضع على فراشه قعدت ابنته لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه فنظر اليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقراً واحسن مقيلا ثم أغمي عليه ثم افاق فقال رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرني بالرواح اليه عشاء ثلاث مرات (وكأني) بأمير المؤمنين (ع) وقد احدق به اهل بيته وابناؤه وبناته وهم يبكون وينتحبون بينهم الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وزينب وأم كلثوم ولبابة وسائر أبناء امير المؤمنين (ع) وبناته وكلما نظروا الى وجهه الشريف ولحيته الكريمة وهما مخضبان بالدماء وقد اصفر لونه وتزايد ولوج السم في بدنه اشتد بهم الحزن وسالت منهم العبرات وهم ينشجون نشيجاً ولا يرفعون اصواتهم مخافة ان ينزعج امير المؤمنين (ع) (وفي البحار) عن بعض الكتب ان ام كلثوم لما بلغها الخبر صاحت واابتاه واعليا وامحمدا وا سيدا وأن الحسن (ع) جعل ينادي وانقطاع ظهراه يعز عليّ والله ان اراك هكذا ففتح امير المؤمنين (ع) عينيه وقال يا بني لا جزع عل ابيك بعد اليوم هذا

٢٢٨

جدك محمد المصطفى وجدتك خديجة الكبرى وامك فاطمة الزهراء محدقون منتظرون قدوم ابيك فطب نفساً وقر عيناً وكف عن البكاء ، واقبل الناس من كل جانب حين سمعوا الخبر ومما قيل عن لسان زينب كأنها تخاطب اباها امير المؤمنين (ع).

يعز الهواشم يا فخرها

ويا سورها العالي او ذخرها

يا فارس حنين او بدرها

وامطيع بسيفك كفرها

ثنيتك اليتواكد جمرها

والموت ما يجسر يطرها

وهامتك بالمرهف طبرها

وشيبك تخضب من حمرها

* * *

قل لابن ملجم والاقدار غالبة

هدمت ويلك للاسلام اركانا

قتلت افضل من يمشي على قدم

و اول الناس اسلاما وايمانا

هذا ما كان من امر امير المؤمنين ((ع)) واما ابن ملجم وصاحباه فانهم هربوا نحو ابواب المسجد وتبادر الناس لأخذهم ( اما ابن ملجم ) فلحقه رجل من همدان (وقيل) المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب فطرح عليه قطيفة كانت في يده ثم صرعه واخذ السيف من يده وجاء به الى امير المؤمنين ((ع)) (واما الشبيب) فاخذه رجل فصرعه وجلس على صدره واخذ السيف من يده ليقتله بيده فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي ان يعجلوا عليه لا يسمعوا منه فوثب عن صدره وخلاه وطرح السيف من يده ومضى شبيب هاربا حتى دخل على ابن عم له فرآه يحل الحرير عن

٢٢٩

صدره فقال له ما هذا لعلك قتلت امير المؤمنين فأراد ان يقول لا فقال نعم فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه ودخل عليه فقتله وافلت الثالث فانسل بين الناس وقيل انه اخذ وقتل في تلك الليلة.

يا ضربة من شقي اوردته لظى

فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا

اشقى مراد اذا عدت قبائلها

واخسر الناس عند الله ميزانا

اني لأحسبه ما كان من بشر

كلا ولكنه قد كان شيطانا

المجلس الثاني عشر

روى الصدوق في الفقيه عن سليم بن قيس الهلالي قال شهدت وصية علي بن ابي طالب حين أوصى الى ابنه الحسنعليهما‌السلام وأشهد على وصيته الحسين ((ع)) ومحمداً وجميع ولده ورؤساء اهل بيته وشيعته ثم دفع اليه الكتب والسلاح ثم قال يا بني أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أوصي اليك وأن أدفع اليك كتبي وسلاحي كما أوصى الي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تدفعه الى ابنك علي ابن الحسين ثم اقبل الى ابنه علي بن الحسين فقال له وأمرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تدفع وصيتك الى ابنك محمد بن علي فأقرئه من رسول

٢٣٠

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومني السلام ثم اقبل على ابنه الحسن ((ع)) فقال يا بني أنت ولي الأمر بعدي وولي الدم فان عفوت فلك وان قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.

( أقول ) وهذه الوصية رواها أيضاً الكليني في الكافي عن الكاظم ((ع)) وذكرها ابوالفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين والشريف الرضي في نهج البلاغة وعلي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة وغيرهم مع تفاوت في الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وأتمها رواية الكليني والصدوق ونحن نجمع بين ما في تلك الروايات كلها بحسب الامكان. ثم قال اكتب :

(وصية أمير المؤمنين عليعليه‌السلام )

(للحسن والحسينعليهما‌السلام بعد ما ضربه ابن ملجم )

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن ابي طالب اوصى انه بشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره عليى الدين كله ولو كره المشركون ثم ان صلاتي ونشكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين أوصيكما بتقوى الله وان لا تبغيا الدنيا وان بغتكما ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا بالحق واعملا للأجر (للآخرة خ ل ) وكونا للظالم خصما وللمظوم عونا أوصيكما ( ثم اني اوصيك يا حسن خ ل ) وجميع ولدي واهل بيتي ( واهلي خ ل) ومن بلغهم

٢٣١

كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن الا وانتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ( بتقوى الله ونظم امركم وصلاح ذات بينكم خ ل ) فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول صلاح ذات البين أفضل منعامة الصلاة والصيام وان البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ( وان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين خ ل ) ولا قوة الا بالله ( ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم خ ل ) انظروا ذوي ارحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا ( فلا تغيرن خ ل) ( لا تغبوا خ ل ) أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من عال يتيما حتى يستغني اوجب الله له الجنة كما اوجب للآكل مال اليتيم النار والله الله في القرآن فلا يسبقكم الى العمل به غيركم والله الله في جيرانكم فان الله ورسوله أوصيا بهم فانها وصية نبيكم ما زال يوصينا حتى ظننا انه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فانه انه ترك لم تناظروا وان ادنى ما يرجع به من امه ان يغفر له ما سلف من ذنبه والله الله في الصلاة فانها

٢٣٢

خير العمل وانها عمود (عماد خ ل) دينكم والله الله في الزكاة (في زكاة اموالكم خ ل) فانها تطفىء غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه (فانه خ ل) جنة من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم (والسنتكم خ ل) فانما يجاهد في سبيل الله رجلان امام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية (في امة خ ل) نبيكم فلا يظلمن بين اظهركم (ظهرانيكم خ ل) والله الله في اصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثاً ولم يؤوا محدثا فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث والله الله في الفقراء والمساكين فاشركوهم في معايشكم والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فان آخر ما تكلم به رسول الله ان قال اوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت ايمانكم ثم قال الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من ارادكم وبغى عليكم (يكفكم من بغى عليكم وارادكم بسوء خ ل) قولوا للناس حسناً كما أمركم الله عزل وجل ولا تتركن (لا تتركوا خ ل) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم (فيولى عليكم شراركم خ ل فيولى الأمر غيركم خ ل) ثم تدعون فلا يستجاب لكم. عليكم ( يا بني خ) بالتواصل ( بالتواضع خ ل) والتباذل والتبار واياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب حفظكم الله من اهل بيت وحفظ فيكم نبيكم ( نبيه خ ل) واستودعكم الله خير مستودع واقرأ عليكم السلام ورحمة الله

٢٣٣

وبركاته (سلام الله ورحمته خ ل) يا بني عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قتل امير المؤمنين لا تقتلن بي الا قاتلي انظروا اذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا يمثل بالرجل فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (وفي رواية) انه نظر الى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما اوصيت به اخويك قال نعم قال فاني اوصيك بمثله وأوصيك بتوقير اخويك لعظم حقهما عليك فلا توثق أمراً دونهما ثم قال اوصيكما به فانه شقيقكما وابن ابيكما وقد علمتما ان ابوكما كان يحبه (وقال) للحسن ((ع)) اوصيك يا بني بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها وايتاء الزكاة عند محلها فانه لا صلاة الا بطهور ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة وأوصيك بعفو الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتثبيت في الأمر والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش ثم لم يزل يقول لا اله الا الله لم ينطق بغيرها حتى قبض صلوات الله وسلامه عليه.

بنفسي ومالي ثم اهلي واسرتي

فداء لمن امسى قتيل ابن ملجم

علي أمير المؤمنين ومن بكت

لمقتله البطحا واكناف زمزم

واصبحت الشمس المنير ضياؤها

لفقد علي لونها لون ادهم

٢٣٤

المجلس الثالث عشر

(روي) ان امير المؤمنين ((ع)) لما احتضر جمع بينه حسناً وحسيناً ومحمد بن الحنفية والأصاغر من ولده فوصاهم وكان في آخر وصيته يا بني عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا اليكم وان فقدتم بكوا عليكم (وروى) المفيد في المجالس والشيخ في الامالي بسندهما عن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي (فقال) هذا ما اوصى به علي بن ابي طالب أخو محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمه وصاحبه.

((وصية ثانية لأمير المؤمنينعليه‌السلام ))

أول وصيتي اني اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسوله وخيرته اختاره بعمله وارتضاه لخيرته وان الله باعث من في القبور وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور. ثم اني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما اوصاني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاذا كان ذلك يا بني الزم بيتك وابك على خطيئتك ولا تكن الدنيا أكبر همك وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها والزكاة في اهلها عند محلها والصمت عند الشبهة والاقتصاد والعدل والصمت في الرضا والغضب وحسن الجوار واكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم والتواضع فانه من

٢٣٥

افضل العبادة وقصر الأمل واذكر الموت وازهد في الدنيا فانك رهن موت وعرض بلاء وصريع سقم واوصيك بخشية الله في سر امرك وعلانيتك وانهاك عن التسرع بالقول والفعل واذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به واذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه واياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء فان قرين السوء يغير جليسه وكن لله يا بني عاملا وعن الخنا زجوراً وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهياً وواخ الاخوان في الله واحب الصالح لصلاحه ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله وإياك والجلوس في الطرقات ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم واقتصد يا بني في معيشتك واقتصد في عبادتك وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه والزم الصمت تسلم وقدم لنفسك تغنم وتعلم الخير تعلم وكن لله ذاكراً على كل حال وارحم من أهلك الصغير ووقر منهم الكبير ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله وعليك بالصوم فانه زكاة البدن وجنة لأهله وجاهد نفسك واحذر جليسك واجتنب عدوك وعليك بمجالس الذكر واكثر من الدعاء فاني لم آلك يا بني نصحاً وهذا فراق بيني وبينك وأوصيك بأخيك محمد خيراً فانه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له وأما اخوك الحسين فهو ابن امك ولا اريد الوصاة بذلك والله الخليفة عليكم واياه أسأل أن يصلحكم وان يكف الطغاة والبغاة عنكم والصبر حتى ينزل الله الأمر ولا قوة الا بالله

٢٣٦

العلي العظيم (ثم) قال للحسن ابصروا ضاربي اطعموه من طعامي واسقوه من شرابي ياحسن ان أنامت فلا تغال في كفني فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لا تغالوا في الأكفان واوصاهم ان يحنطوه بفاضل حنوط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الا يا عين ويحك فاسعدينا

الا فابكي أمير المؤمنينيا

رزئنا خير من ركب المطايا

وخيسها ومن ركب السفينا

افي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طراً اجمعينا

المجلس الرابع عشر

روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة في أماليه باسناده الى الأصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم لعنه الله امير المؤمنين علي بن ابي طالب ((ع)) غدونا عليه نفر من أصحابنا انا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج الينا الحسن بن عليعليهما‌السلام فقال يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا الى منازلكم فانصرف القوم غيري واشتد البكاء في منزله فبكيت وخرج الحسن فقال الم اقل لكم انصرفوا فقلت لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلاي ان انصرف حتى أرى امير المؤمنين قال وبكيت

٢٣٧

فدخل الدار ولم يلبث ان خرج فقال لي ادخل فدخلت على أمير المؤمنين ((ع)) فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفر وجهه فما ادري وجهه أشد صفرة ام العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت فقال لي لا تبك يا اصبغ فانها والله الجنة فقلت له جعلت فداك اني اعلم والله انك تصير الى الجنة وانما أبكي لفقداني اياك يا امير المؤمنين (وروى) الراوندي في الخرائج عن عمرو بن الحمق قال دخلت على علي ((ع)) حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت ليس عليك بأس انما هو خدش قال لعمري اني لمفارقكم ثم أغمي عليه فبكت ام كلثوم فلما افاق قال لا تؤذيني يا أم كلثوم فانك لو ترين ما ارى ان الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما امامك خير لك مما انت فيه (وروى) أبو الفرج الأصبهاني في المقاتل باسناده ان صعصعة بن صوحان استأذن عى علي ((ع)) وقد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه اذن فقال صعصعة للآذن قل له يرحمك الله يا امير المؤمنين حيا وميتاً فلقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما فابلغه الآذن اليه فقال قل له وانت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة (ولما) ادخل ابن ملجم على أمير المؤمنين صلوات الله عليه نظر اليه ثم قال اي عدو الله الم احسن اليك قال بلى قال فما حملك على هذا (وفي رواية) انه قال لقد كنت أعلم انك قاتلي وإنما احسنت اليك لأستظهر بالله عليك (ثم قال) النفس بالنفس فان انا مت

٢٣٨

فاقتلوه كما قتلني وان سلمت رأيت فيه رأيي فقال ابن ملجم والله لقد ابتعته بالف فان خانني فابعده الله (ونادته) ام كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين قال انما قتلت اباك قالت يا عدو الله اني لأرجو أن لا يكون عليه بأس قال لها فاراكي انما تبكين علي اذاً والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الأرض لأهلكتهم (ثم) أخرج من بين يديه وان الناس لينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ماذا فعلت اهلكت امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتلت خير الناس وانه لصامت لم ينطق فذهب به الى الحبس وجاء الناس الى أمير المؤمنين ((ع)) فقالوا مرنا بامرك في عدو الله لقد اهلك الأمة وافسد الملة فقال لهم ان أنا عشت رأيت فيه رأيي وان هلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار (وفي رواية) انه قال احبسوا

٢٣٩

هذا الأسير أطعموه واسقوه واحسنوا اساره (ثم) جمع له اطباء الكوفة فلم يكن أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني وكان أبصرهم بالطب وكان متطبباً صاحب كرسي يعالج الجراحات (قال) أبو الفرج وكان من الاربعين غلاماً الذين سباهم خالد بن الوليد في عين التمر (وفي الاستيعاب) وهو الذي تنسب اليه صحراء أثير فلما نظر إلى جرح أمير المؤمنين ((ع)) دعا برئة شاة حارة وتتبع عرقاً منها فاستخرجه فادخله في الجرح ثم نفخه ثم استخرجه فاذا عليه بياض الدماع وإذا الضربة قد وصلت الى ام رأسه فقال يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك فيئس الناس عند ذلك من أمير المؤمنين ((ع)). وماذا كانت حالة أهل البيتعليهم‌السلام حين سمعوا هذا الكلام من أثير وما جرى على الحسن والحسين وزينب وام كلثوم ولبابة وسائر أولاد أمير المؤمنين ((ع)) حين تيقنوا ان أمير المؤمنين مفارقهم عاجلا وميت من ضربته تلك.

لا شك أنهم أجروا العيون بالدموع والتهبت نار الوجد والحزن

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767