المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة10%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 767

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 767 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94408 / تحميل: 6002
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تاريخ بغداد للخطيب :

حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج ، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : ( دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً ، وقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة )(1) .

مجمع الزوائد :

( فإنّي سمعت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق ، أو : الحق مع علي حيث كان. قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أم سلمة ، قال : فأرسل إلى أم سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال ولم؟ قال : لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت )(2) .

( وعن أم سلمة أنّها كانت تقول : كان علي على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهد معهود قبل يومه هذا )(3) .

الإمامة والسياسة :

__________________

1 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 14 / 321 ، ونحوه في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب tat من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 3 / 119 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 tat / 73 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 / 177 ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي ص tat 598 ط لاهور.

2 ـ مجمع الزوائد 7 : 235.

3 ـ مجمع الزوائد 9 : 134.

٢٢١

( فدخل [ محمّد بن أبي بكر ] على أخته عائشة ، قال لها : أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : علي مع الحق والحق مع علي )(1) .

ربيع الأبرار للزمخشري :

( استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال : تبع علي بن أبي طالب. قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(2) .

تفسير الرازي :

( وأمّا أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار )(3) .

مناقب ابن مردويه :

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة : 73.

2 ـ ربيع الأبرار للزمخشري ، وبهذا اللفظ أخرجه الخوارزمي في ( المناقب ) من طريق tat الحافظ ابن مردويه ، والحموي في ( فرائد السمطين ) في الباب السابع والعشرين عن tat طريق الحافظين أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري.

3 ـ تفسير الرازي 1 : 205 ، ومستدرك الحاكم 3 ص 125 ، جامع الترمذي 2 ص 213 ، tat كنز العمال 6 ص 157 ، نزل الأبرار 24 ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 7 ص 35 ، tat وقال : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات.

٢٢٢

( عن أبي ذر أنّه سئل عن اختلاف الناس فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي )(1) .

ولا عجب أن يكون الحقّ معه يدور حيثما دار ، وهو من وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه بمنزلة رأسه من بدنه وأنّه كنفسه ، وأنّه معيار الحقّ ولو كان لوحده وكلّ الناس في صفّ آخر و

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي منّي بمنزلة رأسي من بدني )(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو كنفسي فأخذ بيد علي فقال هو هذا )(3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من

__________________

1 ـ انظر : مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : 113 ـ 118.

2 ـ المناقب للخوارزمي ص 87 و 91 ط الحيدرية ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 92 حديث 135 و 136 ، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30 ، الرياض النضرة للطبري ج 2 / 172 و214 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 7 / 12 ط السعادة بمصر ، ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 63.

3 ـ المستدرك على الصحيحين ج 2 / 120 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 368 ح 867 ، مجمع الزوائد ج 9 / 163 ، الصواعق المحرقة ص 75 ط الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 40 ، 285 ط اسلامبول ، كنز العمال ج 15 / 144 حديث 412 ط 2 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 89 ط الحيدرية وص 32 ط بيروت ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 40 ط الحيدرية ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 81.

٢٢٣

هدى )(1) .

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، يا عمار ، إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ.

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدّوه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو علي عليه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار ، فقال علقمة والأسود لأبي أيوب : يا هذا حسبك! حسبك رحمك الله! حسبك رحمك الله )(2) .

هذه كلمات عربية يفهمها كلّ من عرف العربية ، وهي عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى ، فلابدّ من أخذ كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدّية وتدبّر ؛ لأنّه كلام مرشد الأمّة.

وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة :

1 ـ قول عائشة : فأقبل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غضباناً محمرّاً وجهه ، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه مع الحق والحق معه.

2 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أعيذك بالله أن تكوني منبحة كلاب الحوأب ).

3 ـ أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك إن لأمتي منك يوماً مراً.

__________________

1 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج 3 / 170 ح 1208 ، المناقب للخوارزمي ص 57 وص 105 ح 110.

2 ـ تاريخ بغداد 13 / 186 ، كنز العمال 12 / 212 ، فرائد السمطين 1 / 178 ، مناقب الخوارزمي : 57 و 124 رواه ابن عساكرعن أبي صادق ، والخطيب البغدادي في البداية والنهاية : 7 / 307 ، وابن جرير في كنز العمال : 11 / 352.

٢٢٤

4 ـ أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

5 ـ شهادة أم سلمة وعمار وسعد و بمقام عليعليه‌السلام .

6 ـ ألا وأنّه ليس أحد أفقه في دين الله ، ولا أعلم بكتاب الله ، ولا أقرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين

7 ـ لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت.

8 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مع الحق.

علي مع القرآن.

علي نفسي.

علي بمنزلة رأسي من بدني.

يا عمار ، إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي.

طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله

إذن ثبت أنّ علياًعليه‌السلام هو ممثل الحق ، وفرقته هي صاحبة الحق في كلّ عصر ، وقد بيّنا أنّ أتباعه من نصروه في الجمل وصفين والنهروان ، ومن وفى له في ذريته في كربلاء وغيرها ، ومن نهج نهجه ، وأخذ عنه ومنه ، وتمسّك بحبله عبر الخط الرسالي المستمر في ذرّيته الذين لا تخلو الأرض من حجّة منهم كي لا تبطل

٢٢٥

حجج الله وبيّناته :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ) (1) .

__________________

1 ـ الأنفال : 47.

٢٢٦
٢٢٧

الدليل الثاني عشر : آية المباهلة

قوله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

المباهلة : مفاعلة من البهلة ، وهي : اللعنة ، ومأخذها من الإبهال ، وهو : الإهمال والتخلية ؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من واد واحد ، ومعنى المباهلة أنّ يجتمعوا إذا اختلفوا ، فيقولوا بهلة الله على الظالم منّا )(2) .

بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى ، والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صرار ، أي : أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشيء دونه ، وأبهلت فلاناً خليته وإرادته تشبيهاً بالبعير الباهل.

والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرّع ، نحو قوله عزّ وجلّ :( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر : نظر الدهر إليهم فابتهل ، أي : استرسل فيهم فأفناهم )(3) .

__________________

1 ـ آل عمران (3) : 61

2 ـ الفائق في غريب الحديث 1 : 125.

3 ـ مفردات غريب القرآن : 63.

٢٢٨

قصّة المباهلة :

نصّ ماجاء في معرفة علوم الحديث للنيسابوري :

حدّثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا الحسين ابن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال ثنا حبّان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وفي قوله عزّ وجلّ :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) إلى قوله( الكاذبين ) نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى نفسه ، ونساءنا ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم.

قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال هؤلاء أبناءنا وأنفسنا ونساءنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )(1) .

أحكام القرآن للجصّاص :

ونصّه مايلي : ( مطلب : في المباهلة وما رواه أصحاب السير في شأنها.

قوله تعالى( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الاحتجاج المتقدّم لهذه الآية على النصارى في قولهم : إنّ المسيح هو ابن الله ، وهم وفد نجران ، وفيهم السيّد والعاقب قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فأنزل الله تعالى( إن مثل عيسى عند الله

__________________

1 ـ معرفة علوم الحديث : 49.

٢٢٩

كمثل آدم ) ، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة.

وقال قبل ذلك فيما حكي عن المسيح( ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ) إلى قوله تعالى :( إنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ) ، وهذا موجود في الإنجيل ؛ لأنّ فيه : ( إنّي ذاهب إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم ). والأب السيّد في تلك اللغة ألا تراه قال : ( وأبي وأبيكم ) فعلمت أنّه لم يرد به الأبوّة المقتضية للبنوّة فلمّا قامت الحجّة عليهم بما عرفوه واعترفوا به وأبطل شبهتهم في قولهم : إنّه ولد من غير ذكر بأمر آدم عليه السلام ، دعاهم حينئذ إلى المباهلة ، فقال تعالى :( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، فنقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة ، فأحجموا عنها ، وقال بعضهم لبعض : ( إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ).

وفي هذه الآيات دحض شبه النصارى في أنّه إله أو ابن الإله ، وفيه دلالة على صحّة نبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الذي كان يمنعهم من المباهلة؟ فلمّا أحجموا وامتنعوا عنها دلّ أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل المعجزات ، وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين.

وفيه الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ، وقد

٢٣٠

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : ( إن ابني هذا سيّد ). وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : ( لا تزرموا ابني ). وهما من ذريته أيضاً ، كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام بقوله تعالى :( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى قوله تعالى :( وزكريا ويحيى وعيسى ) وإنما نسبته إليه من جهة أمّه ؛ لأنه لا أب له.

مطلب : في أنّ ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو قوم أمّه.

ومن الناس من يقول : إنّ هذا مخصوص في الحسن والحسين رضي الله عنهما أنّ يسمّيا ابني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيرهما ، وقد روي في ذلك خبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلّ على خصوص إطلاق اسم ذلك فيهما دون غيرهما من الناس ؛ لأنه روي عنه أنّه قال : ( كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي ). وقال محمّد فيمن أوصى لولد فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة : ( إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد الابنة ). وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنّ ولد الابنة يدخلون فيه. وهذا يدّل على أنّ قوله تعالى وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك مخصوص به الحسن والحسين في جواز نسبتهما على الإطلاق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيره من الناس لما ورد فيه من الأثر ، وأنّ غيرهما من الناس إنّما ينسبون إلى الآباء وقومهم دون قوم الأم ، ألا ترى أنّ الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أنّ ابنه يكون هاشمياً منسوباً إلى قوم أبيه دون أمّه ، وكذلك قال الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فنسبة الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبنوة

٢٣١

على الإطلاق مخصوص بهما لا يدخل فيه غيرهما ، هذا هو الظاهر المتعارف من كلام الناس فيمن سواهما )(1) .

شواهد التنزيل :

ونصّه ما يلي : ( قوله عزّ اسمه :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .

حدّثني الحاكم الوالد رحمه الله ، عن أبي حفص بن شاهين في تفسيره ، [ عن ] موسى بن القاسم ، [ عن ] محمّد بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن عتبة بن جبيرة ، عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن سعد بن معاذ قال قدم وفد نجران العاقب والسيد فقالا : يا محمّد إنك تذكر صاحبنا؟ فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم. فقال النبي : هو عبد الله ورسوله. قالا : فأرنا فيمن خلق الله مثله وفيما رأيت وسمعت. فأعرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهما يومئذ ونزل [ عليه ] جبرئيل [ بقوله تعالى ] :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (2) الآية.

فعادا وقالا : يا محمّد هل سمعت بمثل صاحبنا قط؟ قال : نعم. قالا : من هو؟ قال : آدم ، ثمّ قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) الآية. قالا : فإنّه ليس كما تقول. فقال لهم رسول الله [ صلّى

__________________

1 ـ أحكام القرآن 2 : 18.

2 ـ آل عمران (3) : 59.

٢٣٢

الله عليه وآله وسلم ] :( تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، فأخذ رسول الله بيد علي ومعه فاطمة وحسن وحسين [ و ] قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا. فهمّا أنّ يفعلا ، ثمّ إنّ السيّد قال للعاقب : ما تصنع بملاعنته؟ لئن كان كاذباً ما تصنع بملاعنته ، ولئن كان صادقاً لنهلكن!! فصالحوه على الجزية ، فقال النبي [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] يومئذ : والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد )(1) .

فتح الباري :

( ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ، فذكر هذا الحديث [ حديث المنزلة ] وقوله : لأعطين الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله ، وقوله لما نزلت :( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

تفسير ابن كثير :

( قال : ( والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى وإنّ إبليس لمعهم ) ، ثمّ سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرّنا إن كنت نبيّا أنّ نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتّى

__________________

1 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت 1 : 155.

2 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 7 : 60.

٢٣٣

أخبركم بما يقول لي ربّي في عيسى ).

فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية :( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين ) فأبوا أنّ يقرّوا بذلك.

فلمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي ، وإنّي والله أرى أمراً ثقيلا ، والله لئن كان هذا الرجل مبعوثاً فكنّا أوّل العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منّا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلّا هلك ، فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال : أرى أنّ أحكمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له : أنت وذاك.

قال : فتلّقى شرحبيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ( وما هو )؟ فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لعلّ وراءك أحداً يثرب عليك )؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي ، فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل ، فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يلاعنهم حتّى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كلّ ثمرة وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل

٢٣٤

عليهم وترك ذلك كلّه لهم على ألفي حلّة ، في كلّ رجب ألف حلّة ، وفي كلّ صفر ألف حلة. وذكر تمام الشروط وبقية السياق.

والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسع لأنّ الزهري قال : كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآية الجزية إنّما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية.

وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العاقب والطيّب فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على أنّ يلاعناه الغداة. قال : فغدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أنّ يجيبا ، وأقرّا له بالخراج. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي بعثني بالحق لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي ناراً ).

قال جابر : وفيهم نزلت( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قال جابر( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي طالب ،( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن الأزهري ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند به بمعناه. ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا )(1) .

__________________

1 ـ تفسير القرآن العظيم 1 : 379.

٢٣٥

جامع البيان ، الطبري :

عن قتادة في قوله :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا ) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله الكاذبين ).

حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت( أبناءنا وأبناءكم ) ؟ قال : ( حسن وحسين ).

حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية :( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود :

٢٣٦

ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا )(1) .

صحيح مسلم :

( ولما نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :

1 ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ).

2 ـ عبارة : ( وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني. وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).

3 ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ( معاوية يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).

4 ـ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي

__________________

1 ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري3 : 409.

2 ـ صحيح مسلم 7 : 120 ، باب فضائل عليعليه‌السلام ، مسند أحمد 1 : 185 ، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص.

٢٣٧

طالب( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

5 ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.

6 ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).

7 ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ، وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وصدقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا )(1) .

وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج أبناء الإمام عليعليه‌السلام ، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله : هل لك دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمامعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدل بكلمة :( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ المفيد ما هذا نصّه.

وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله :( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

__________________

1 ـ الصواعق المحرقة 2 : 454 ، الباب الحادي عشر ، الآية التاسعة.

٢٣٨

ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم الله عزّ وجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها ، فلم لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال )(1) .

8 ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته تكذيب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء

__________________

1 ـ عن الفصول المختارة للشيخ المفيد : 38.

٢٣٩

الأربعة إلّا أنّه يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة(1) .

ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ الأقرب في المباهلة بقولنا :

أوّلاً : أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.

ثانياً : أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من عليعليه‌السلام ، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا عليعليه‌السلام ؟ وقد اعترف بذلك بنفسه.

ثالثاً : أنّ الإمام عليعليه‌السلام له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.

رابعاً : يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).

نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي على فاطمة والحسنين عليهم

__________________

1 ـ منهاج السنّة 7 : 122 ـ 130.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ذلك فقال علي فنحن أهل البيت الذين اختصنا الله باية الطهارة يا شيخ فبقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به وقال بالله انكم هم فقال علي بن الحسين (ع) تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله (ص) انا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اني أبرأ اليك من عدو آل محمد من جن وانس ثم قال هل لي من توبة فقال له نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا فقال أنا تائب فبلغ يزيد حديثه فأمر به فقتل.

أترجو الخير من دنيا أهانت

حسين السبط واختارت يزيدا

المجلس السابع

مما جاء في سخاء زين العابدين (ع) وبره للفقراء وكثرة صدقاته وعتقه وبذله المال في سبيل الله تعالى ما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء أنه (ع) فاسم الله ماله مرتين (وروى) المفيد بسنده أنه لما حضرت زيد بن اسامة بن زيد الوفاة (وفي رواية) محمد بن اسامة جعل يبكي فقال له علي بن الحسين (ع) ما يبكيك فقال علي خمسة عشر الف دينار ولم أترك لها وفاء فقال له علي (ع) لا تبك فهي علي وأنت منها بريء فقضاها عنه (وفي الفصول المهمة) كان علي (ع) يتصدق سراً ويقول صدقة السر تطفئ

٤٢١

غضب الرب (قال) وقال ابن عائشة سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين (ع) (وروى) المفيد بسنده وصاحب الفصول المهمة أنه كان بالمدينة كذ وكذا أهل البيت ياتيهم رزقهم وما يحتاجون اليه لا يدرون من أين ياتيهم فلما مات علي بن الحسين (ع) فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاالى منازلهم (وعن الباقر ع) أنه كان يحمل جراب الخبر على ظهره بالليل فيتصدق به (وعن) الباقر (ع) أيضاً أنه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام والحطب حتى ياتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه وكان يغطي وجهه اذا ناول فقيراً لئلا يعرفه فلما توفي (ع) فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين (وفي خبر) أنه كان اذا جنه الليل وهدأت العيون قام الى منزله فجمع ما يبقى فيه عن قوت أهله وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيراً ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه فاذا رأوه تباشروا به وقالوا جاء صاحب الجراب (وقال الزهري) لما مات زين العابدين (ع) فغسلوه وجد على ظهره محل فبلغني أنه كان يستقي لضعفاء جيرانه بالليل (وفي رواية) أنه لما مات (ع) فغسلوه جعلوا ينظرون الى آثار سواد في ظهره فقالوا ما هذا فقيل كان يحمل جُرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيها فقراء أهل المدينة (وعن الباقر ع) أنه لما وضع زين العابدين (ع) على المغتسل نظروا

٤٢٢

إلى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره الى منازل الفقراء والمساكين (وكان) يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له الى عياله من طعامه (وكان) لا ياكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله (وكان) اذا تقضى الشتاء تصدق بكسوته واذا تقضى الصيف تصدق بكسوته وكان يلبس في الشتاء ثياب الخز فقيل له تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا تليق به لباساً فلو بعتها فتصدقت بثنها فقال اني أكره ان ابيع ثوبا صليت فيه (وفي رواية) انه كان يبيعها ويتصدق بثمنها ويقول اني لأستحي من ربي ان آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه (وخرج) ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه له (وكان) اذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً ولا أمة بل يكتب ذنوبهم عنده فاذا كان آخر ليلة منهم جمعهم وقرأ عليهم تلك الذنوب فيقرون بها ثم يطلب

٤٢٣

منهم أن يسألوه العفو عنهم فيفعلون ثم يقول : رب انك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت فاعف عنا فانك أولى بذلك منا ثم يعتقهم فاذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تغنيهم عما في أيدي الناس (وما) من سنة الا وكان يعتق في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين الى أقل أو أكثر مثل ما اعتق في جميعه وما استخدم خادماً فوق حول حتى لحق بالله تعالى.

المجلس الثامن

مما جاء في جوامع مناقب زين العابدين (ع) وفضائله (ما رواه) المفيد في الارشاد بسنده قال سمع سائل في جوف الليل وهو يقول أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه ذاك علي بن الحسين (ونظر) (ع) يوم عرفة الى قوم يسألون الناس فقال ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم انه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكون سعيداً( ) (وكان) (ع) يابى أن يواكل أمه فقيل له يا ابن رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تواكل أمك فقال اني أكره أن تسبق يدي لما

٤٢٤

سبقت عينها اليه (وقال) له رجل يا ابن رسول الله اني لأحبك في الله حباً شديداً فقال اللهم اني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض (وكان) اذا جاءه طالب علم قال مرحباً بوصية رسول الله (ص) ثم يقول ان طالب العلم اذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض الا سبحت له (وقال) الباقر (ع) ان أبي ضرب غلاماً له قرعة واحدة بسوط وكان بعثه في حاجة فأبطأ عليه فبكى الغلام وقال تبعثني في حاجتك ثم تضربني فبكى أبي وقال يا بني اذهب الى قبر رسول الله (ص) فصل ركعتين ثم قل الله اغفر لعلي بن الحسين خطيئته يوم الدين ثم قال له اذهب فأنت حر لوجه الله (وضرب) مملوكا له على ذنب ثم دخل منزله فأخرج السوط وتجرد له وقال اجلد علين بن الحسين فأبى فأعطاه خمسين ديناراً (وقال (ص) ما تجرعت جرعة أحب الي من جرعة غيظ أعقبها صبراً وما أحب الي بذلك حمر النعم فأجابه علي بن الحسينعليهما‌السلام ما ولدت ام محفر أشر وألأم.

٤٢٥

قيوده من حلمه بقيود رب حلم يقيد الضرغاما

المجلس التاسع

قال ابن الصباغ امالكي في الفصول المهمة في معرفة الائمة : من كلام زين العابدين علي بن الحسين «ع» ضل من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له سفيه يعضده (وقالعليه‌السلام ) عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته (وقالعليه‌السلام ) اياك والابتهاج بالذنب فان الابتهاج به اعظم نم ركوبه (وقالعليه‌السلام ) من ضحك ضحكة مج من عقله محة علم (وقالعليه‌السلام ) فقد الاحبة غربة وقالعليه‌السلام من قنع بما قسم الله له فهومن اغنى الناس (واوصى) ولده محمد الباقر «ع» فقال يا بني لا تصحب خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق لا تصخبن الفاسق فانه يبيعك باكلة فما دونها قال يطمع فيها ولا ينالها والبخيل فانه يقطع بك احوج ما تكون اليه والكذاب فانه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب اليك البعيد والاحمق فانه يريد ان يبفعك فيضرك وقاطع الرحم فاني رايته ملعونا في ثلاثة مواضع من كتاب الله تعلى (وعن ابي حمزة الثمالي عن زين العابدينعليه‌السلام قال اذاكان يوم القيامة

٤٢٦

نادى مناد ليقم اهل الفضل فيقوم اناس فيقال انطلقوا الى الجنة قبل الحساب فتقول لهم الملائكة من انتم فيقولون نحن اهل الفضل فنقول وما كان فضلكم قالوا كنا اذا حهل علينا حلمنا واذا اسيء الينا غفرنا ثم ينادي ليقم اهل الصبر فيقوم اناس فتقول لهم الملائكة من انتم فيقولون نحن اهل الصبر فيقال لهم وما صبركم قالوا صبرنا انفسنا على طاعة الله وصبرنا انفسنا عن معصية الله ثم ينادي ليقم جيران الله في داره فيقوم اناس وهم قليل فتقول له مالملائكة من انتم فيقولون كنا نتحاب في الله ونتزازر في الله فتقول لكل طائفة ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين (وروى) الشيخ في الامالي انه قيل لعلي بن الحسين «ع» كيف اصبحت يا ابن رسول الله قال اصبحت مطلوبا بثمان : اللع تعالى يطلبني بالفرائض والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنن والعيال بالقوت والنفس بالشهوة والشيطان باتباعه والحافظان بصدق العمل وملك المةت بالروح والقبر بالجسد فانا بين هذه الخصال مطلوب وقال لابنه الباقر «ع» اياك ومعاداة الرجال فانه لن يفدمك مكر حليم او مفاجأة لئيم وبلغه قول نافع بن جبير في معاوية : كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر. وقيل له من اعظم الناس خطرا قال من لم لر الدنيا لنفسه خطرا (وفي) تحف العقول قال صلوات الله عليه من كرمت عليه نفلسه هانت عليه الدنيا. وقال بحضرته رجل اللهم اغنني عن خلقك فقال

٤٢٧

ليس هكذا انما الناس بالناس ولكن قل اللهم اغنني عن شرار خلقك. وقالعليه‌السلام اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فان الرجل اذا كذب في الصغير احترا على الكبير. كفى بنصر الله لك ان ترى عدوك يعمل بمعاصي الله في ك. الزهد في آية من كتاب الله «لكيلا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم». طلب الحوائج الى النالس هو الغنى الحاضر ان احبكم الى الله احسنكم عملا وان انجاكم من عذاب الله اشدكم خشرة لله. وان اقربكم من الله او سعدكم خلقا وان ارضاكم عند الله اسعاكم على عياله. ان المعرفة زكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه. ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا. يا ابن آدم انك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جل وعز فاعد له جوابا. لا حسب لقرشي ولا لعربي الا بتواضع ولا كرم الا بتقوى ولا عمل الا بنية ولا عبادة الا بالتفقه. خمس لو رحلتم فيهن لالفيتموهن وما قدرتم على مثلهن. لا يخاف عبد الاذنبه. ولا يرجو الا ربه. ولا يستحي الجاهل اذا سئل عما لايعلم ان يتعلم. والصبر من الايمان يمنزلة الراس من الجسد. ولا ايمان لمن لا صبر له. يا ابن ادم ارض يما اتيتك تكن من ازهد الناس. زاعمل بما افترضت عليك تكن مناعبد الناس. واجتنب عما حرمت

٤٢٨

عليك تكن من اورع الناس. كم من مفتون بحسن القول وكم من مغرور بحسن الستر عليه. وكم من مستدرج بالاحسان اليه. يا سرأتاه لمن غلبت احداثه عشراته يريد ان السيئة بواحدة والحسنة بعشرة. من اشتاق الى الجنة سارع الى الحسنات وسلا عن الشهوات ومن اشفق من النار بادر بالتوبة الى الله من ذنوبه ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها. ان الله ليبغض البخيل والسائل الملحف. ان من اخلاق المؤمن الانفاق على قدر الاقتار والتوسع على قدر التوسع وانصاف الناس من نفسه وابتداؤه ايهم بالسلام. زما من شيء احب الى الله بعد معرفته من طلبه منك فان كان اهله فقد اصبت موضعه وان لم يكن باهل كنت انت اهله وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك واعتذر اليك فاقبل عذره. مجالسة الصاحين داعية الى الصلاح. وادب العلماء زيادة في العقل. واستنماء المال تمام المروءة وارشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الاذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا واجلا. وفي تذكرة الخواص قالعليه‌السلام ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وان قوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وان قوما عبدوه شكرال فتلك عبادة الاحرار وكان يقول عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة وعجبت لمن شك ف الله وهو يرى عجائب مخلوقاته وعجبت ام يشك في النشاة الاخرى وهو يرى النشاة

٤٢٩

الاولى وعجبت لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.

وفي كشف الغمة قال اياك وبالغيبة فانها ادام كلاب النار.

ومما نسب اليه من الشعر قوله :

اتحرقني بالنار يا غاية المنى البيتين المتقدمين في بخامس

وقوله :

نحن بنو المصطفى ذوو غصص يجرعها في الانام كاظمنا

عظيمة في الانام محنتنا اولنا مبتلى وآخرنا

يفرح هذا الورى بعيدهم ونحن اعيادنا مآتمنا

والناس في الامن والسرور وما يامن طول زمان خائفنا

وما خصصنا به من الشرف الطا ئل بين الانام آفتنا

يحكم فينا والحكم فيه لنا جاحنا حقنا وغاصبنا

وقوله :

من عرف الرب فلم تغنه معرفة ارب فذاك الشقي

ما ضر ذا الطاعة ما ناله في طاعة الله وما ذا لقي

ما يصنع العبد بغير التقى والعز كل العز للمتقي

وقال بعد خطبة خطبها بالكوفة :

لا غرو ان قتل الحسين فشيخه قد كان خيرا من حسين واكرما

فلا تفرحوا يا اهل كوفان بالذي اصاب حسينا كان ذلك اعظما

٤٣٠

قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي ارداه نار جهنما

ونسب اليه ابن شهر اشوب في المناقب قوله :

لكم ما تدعون بغير حق اذا ميز الصحاح من المراض

عرفتم حقنا فجحتمونا كما عرف السواد من البياض

كتاب الله شاهدنا عليكم وقاضينا الاله فنعم قاضي

وينسب اليه كما في مجموعة الامثال الشعرية التي في الخزانة الرضوية :

واذا بليت بعسرة فاصبر لها صبر الكرام فان ذلك احزم

لا تشكون الى العباد فانما تشكوا الرحيم الى الذي لا يرحم

وعن الصادق «ع» قال بكى علي بن الحسين على ابيه الحسينعليهما‌السلام عشرين سنة او اربعين سنة(١) وما وضع بين يديه طعام الا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله اني اخاف عليك ن تكون من الهالكين قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون اني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني لذلك عبرة.

لقد تحمل من ارزائها محنا لم يحتملها نبي او وصي نبي

____________________

(١) هذا ينافي ما تقدم في المجلس الاول من ان بقاءه بعد ابيه كان اربعا وثلاثين سنة او ثلاثا وثلاثين سنة والله اعلم.

- المؤلف -

٤٣١

المجلس العاشر

في الفصول المهمة يروى ان علي بن السحينعليهما‌السلام اعتل فدخل عليه جماعة من اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعودونه فقالوا كيف اصبحت يا ابن رسول الله فدتك انفسنا قال في عافية والله المحمود على ذلك كيف اصبحتم انم جميعا قالوا اصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وادين فقال من احبنا لله ادخله الله ظلا ظليلا يوم لا ظل الا ظله ومن احينا يريد مكافاتنا كافاه الله عنا الجنة ومن احبنا لفرض دنيا آتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب (وعن) الباقر «ع» قال لما حضرت ابي علي بن الحسين الوفاة ضمني الى صدره وقال يا بني اوصيك بما به ابي حين حضرته الوفاة وبما ذكر ان اباه اوصاه به قال يا بني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله (وعن) ابي الحسن الرضاعليه‌السلام ان علي بنم الحسينعليه‌السلام لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثم فتح عينيه وثرا اذا وقعت وانا فتحنا وقال الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوا من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئا (وروى) الكليني انه لما حضرت علي بن الحسينعليه‌السلام الوفاة اغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال الحمد لله الذي اورثنا الجنة نتبوا منها حيث نشاء فنعم

٤٣٢

اجر العاملين ثم قال احفرا لي وابلغوا الى الرشح (اي وشح الماء من الارض) ثم مد الثوب عليه فمات (وفي رواية) انه لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثلاث مرات فقال ي المرة لاخيرة الحمد لله الذي صدقنا وعده الى اخر الاية ثم قبض صلوات الله عليه (وفي الفصول المهمة) يقال انه مات مسموما سمه هشام بن عبد الملك في ملك اخيه الوليه فلما توفي غسله ولده الاما محمد الباقرعليه‌السلام واعانته على غسله ام ولد له وحنطه وكفنه وصلى عليه ودعنه (قال) سعيد بن المسيب وشهد جنازته البر والفاجر واثنى عليه الصالح والطالح وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ودفن في البقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباسعليهم‌السلام .

فيا لامام محكم الذكر بعده تداعت له اركانه والجوانب

ويا لفقيد قد اقامت مآتما عليه المعالي فهي ثكلى نوادب

(مراثي زين العابدينعليه‌السلام )

قال الشاعر المجيد السيد صالح النجفي الشهير بالقزويني من قصيدة :

٤٣٣

الا يا امين الله وابن امينه على خلقه العافي به والمناقب

لك الحجر الميمون دون محمد مقر بفرض الود جهرا مخاطب

وكم لك بالقرصين بذلا لعائل وتكليمك الصخر الاصم مناقب

وما استلمت الركن لله ساعيا عليك انحنت بالاستلام الجوانب

وتذهب عنك الناس بمنى مهابة ويسرى وقد ضاقت عليها المذاهب

فدان ابن مروان لعزك خاضعا كما لك دانت عجمها والاعارب

رضاك رضى الباري وسخطك سخطه وفي محكم التنزيل ودكك واجب

فياليت لا كان الطريد ولم تكن تنوبك من ال الطريد النوائب

ودس اليك السم غدرا بمشرب وليد فلا ساغت لديه المشارب

فيا لامام محكم الذكر بعده تداعت له اركانه والجوانب

ويا لسقيم شفه السقم والبكا ويا لنحيل انحلته المصائب

ويا لفقيد قد اقامت مآتما عليه المعالي فهي ثكلى نوادب

فلا عجب بيت النبوة ان دجا ومن افقه بدر الامامة غارب

وماد قوام للعلى ومقوم وجب سنام للفخار وغارب

ولله افلاك البقيع فكم بها كواكب من ال النبي غوارب

حوت منهم ما ليس تحويه بقعة ونالت بهم ما لم تنله الكواكب

فبوركت ارضا كل يوم وليلة تطوف من الاملاك فيها كتائب

وفيها الجبال الشم حلما هوامد وفيها البحور الفعم جودا نواضب

٤٣٤

مناقبهم مثل النجوم كانها مصائبهم لم يحصها الدهر حاسب

وهم للورى اما نعيم مؤيد واما عذاب في القيامة واصب

وقال الشيج ابراهيم بن يحيى العاملي الطيبيرحمه‌الله يذم الدنيا ويرثي اهل البيت عموما. ومنهم زين العابدينعليه‌السلام من قصيدة :

ليهن المخلصين من العباد نعيم لا يروع بانفاد

وحسب العاكفين على المعاصي عذاب النار في يوم المعاد

ارى الدنيا تصول على بنيها بانياب واظفار حداد

تعرفت الجماجم من معد وحطمت القماقم من اياد

وحكت الفوارس من نزار وعدنان عن الخيل الجياد

وحسبك عبرة غدر الليالي باكرم رائج فيها وغادي

ومكنت الارذل من اخيه وكان اعز من صل بوادي

واسلمت الزكي الى ابن هند فسلطت الضلال على الرشاد

واغرت بالحسين فتى علي امير المؤمنين فتى زياد

مصاب طبق الدنيا ورزء يذوب لذكره قلب الجماد

والقت بعد ما بلغت مناها كلاكلها على زين العباد

ربيع المجدبين اذا رماهم زمان السوء بالعام الجماد

اقر بفضله الحج المنادى واكرم بالمنادى والمنادي

وقالرحمه‌الله ايضا يذم الدنيا ويرثي اهل البيت عموما

٤٣٥

ومنهم زين العابدين «ع» من قصيدة :

حسب الفتى من حطام الدهر والنشب ما صان ماء محياه عن الطلب

هبني حويت كنوز المال قاطبة اليس غاية حاويها الى العطب

خفض عليك فان العيش معركة والناس ما بين مسلوب ومستلب

لا خير في هذه الدنيا وان سلمت ولا سلامة من هم ومن نصب

بينا ترى المرء طلقا في اعنتها اذ راح يحجل في قيد من النوب

اليك عن حية الوادي فقد كمنت لو كنت تعلم بين الماء والعشب

وكم لها من قتيل في عشيرته صبرا على رغم ام برة واب

وحسبنا عبرة عبراء ما فعلت بانجم الدهر اهل الفضل والحسب

اودت باحمد خير الخلق ثم رمت وصبه بسهام الغدر من كثب

وبزت البضعة الزهراء نحلتها وارثها بعد رد الصدق بالكذب

وافرغت سمها في المجتبى حسن ومزقت صنوه بالسمر والقضب

وصار في اسرها السجاد مرتهنا واركبته على عار من القتب

زين العباد على الشأن من شهدت بفضله السن الاقلام والكتب

بدر التمام الذي مولاه كونه من نوره قبل خلق السبعة الشهب

اغر ابلج لا تعزى نقيبته يومنا لغير بني او وصي نبي

تقول حساده ان قلت والده محمد ان هذا اشرف النسب

٤٣٦

(ابو جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين)

(ابن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام )

المجلس الاول

الامام بعد علي بن الحسين وخامس ائمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ولده محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

ولد الباقر «ع» بالمدينة يوم الجمعة وقيل يوم الاثنين غرة رجب (وقيل) ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة على المشهور وقيل ستة ونخمسين (وقبض) بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة وقيل في ربيع الاول وقيل الاخر سنة اربع عشرة ومائة وقيل خمس عشرة ومائة وقيل ست عشرة ومائة وقيل سبع عشرة ومائة وقيل ثمان عشرة ومائة وعمره يومئذ سبع وخمسونه سنة مثل عمر ابيه وجده وقيل ثمان وخمسون وقيل ستون وقيل خمس وستون(١) (اقام) منها مع جده الحسينعليه‌السلام ثلاث سنين وقيل

____________________

(١) اذا كان ولد في ثالث صفر سنة ٥٧ وقبض في سابع ذي =

٤٣٧

اربع سنين ومع ابيه اربعا وثلاثين سنة وعشرة اشهر وقيل تسعا وثلاثين وبعد ابيه تسع عشرة وشهرين وقيل ثماني عشرة وهي مدة امامته وهي بقية ملك الوليد بن عبد الملك وملك سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وتوفي في ملك هشام بن عبد الملك (ودفن) بالبقيع الى جانب ابيه زين العابدين وعن ابيه الحسن في القبة اليت فيها العباسعليهم‌السلام .

(وام) الباقرعليه‌السلام فاطمة بنت الحسن بن علي «ع» وتكنى ام عبد الله قال الصادقعليه‌السلام كانت صديقة لم تدرك في ال الحسن امرا مثلها فهو هاشمي بين هاشميين وفاطمي بين فاطميين واول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسينعليهما‌السلام (وكنيته) ابو جعفر ويقال ابو جعفر الاول.

(ولقبه) الباقر لانه بقر العلم بقرا اي فجره تفجيرا وقيل شقه شقا واظهره اظهارا (وفي الفصول المهمة) لقب به لبقره

____________________

= الحجة سنة ١١٤ يكون عمره ٥٧ و١٠ اشهر و٤ ايام واذا كان ولد في ثالث صفر وقبض في ربيع الاول يكون عمره ٥٧ سنة واياما وان كان ولد في غرة رجب وقبض في سابع ذي الحجة يكون عمره ٥٧ و٦ ايام واذا كان ولد غرة رجب وقبض في ربيع الاول يكون عمره ٥٦ سنة و٨ اشهر واياما.؟

- المؤلف -

٤٣٨

العلم وهوتفجره وتوسعه وفي الصحاح لقب به لتبقره في العلم اي توسعه فيه (وفي القاموس) لقب به لتبحره في العلم (وفي لسان العرب) لقب به لانه بقر العلم وعرف اصله واستنبط فرعه وتوسع فيه والتبقر التوسع. (وشاعره) كثير والكميت واخوه الورد والسيد الحميري (وبوابه) جابر الجعفي (ونقش خاتمه) العزة لله (وقيل) رب لا تذرني فردا (وعن) الثعلبي في تفسيره وغيره انه نقش على خاتمه هذه الكلمات :

ظني بالله حسن. وبالنبي المؤتمن. وبالوصي ذي المنن. وبالحسين والحسن.

وخلف سبعة اولاد ١- جعفر الصادق ٢- عبد الله امهما ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر ٣- ابراهيم ٤- عبد الله لم يعقبا. امهما ام حكيم الثقفية ٥- علي ٦- زينب لام ولد ٧- ام سلمة لام ولد (وقيل) بل له ابنة واحدة اسمها زينب وتكنى ام سلمة.

قوم هم الغاية في فضلهم فالاول السابق كالاخر

بدا بهم ونور الهدى مشرقا وميز البر من الفاجر

ومع هذه المناقب والفضائل التي كانت لمولانا الباقرعليه‌السلام فقد نحي عن مقامه ومرتبته من خلافة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغصب حقه وعاش جليس بيته مقتصرا على عبادة به ومناجاته وحرم الكثيرون من الاستضاءة بنور علمه لشدة الخوف والتقية او

٤٣٩

للحسد والعداوةومع ذلك كله فقد اشرق من انوار علمه ما جلا ظلمات الجهالة وعم البر والبحر ولم يزل كذلك حتى قضى نحبه ولقي ربه مظلوما مقهورا صابرا محتسبا ويروى انه مات مسموما

لله اي مصيبة جلت فلا يلفى لها في الكون بعض نظائر

ذهبت بركن الدين مصباح الهدى غوث المؤمل والامام الباقر

المجلس الثاني

كانت صفة الباقرعليه‌السلام في خلقه وحليته على ما في الفصول المهمة اسمر معتدلا وفي المناقب كان ربع القامة رقبق البشرة جعد الشعر اسمر له خال على خده ضامر الكشح حسن الصوت مطرق الراس واما في اخلاقه واطواره فكاناصق الناس لهجة واحسنهم بهجة وكان ظاهر الجود مشهور الكرممعروفا بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله وكان اقل اهل بيته مالا واعظمهم مؤونة وكان يتصدق كل جمعة بدينار وكان اذا احزنه امر جمع النساء والصبيان ثم دعا فامنوا زكان كثير الذكر يمشي وانه ليذكر الله وياكل الطعام وانه ليذكر الله ويحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكان يجمع ولده فيامرهم بالذكرحتى تطلع الشمس ويامر بالقراءة من كان يقرا منهم ومن كان

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767