المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة7%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 767

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 767 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93949 / تحميل: 5895
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

والثناء عليه.

روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:

خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه خير أمنيته...(1) .

ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري... شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضاعليه‌السلام وله كتب(2) .

ومنهم: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري وكان من خواص الإمام العسكريعليه‌السلام ورأى صاحب الزمان، وهو شيخ القميين ووافدهم(3) .

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين حديثا مبسوطا وجاء في آخره: إنه قال للإمام العسكريعليه‌السلام :... سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

____________________

(1) رجال الكشي ج 2 ص 858.

(2) رجال النجاشي ج ص 217.

(3) الخلاصة ص 15.

٢٢١

قال الراوي: فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا، قال سعد:

(راوي الحديث): فلما انصرفنا من حضرة مولانا من حلوان [المعروف اليوم بـ (پل ذهاب)] على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام ) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله(1) .

ومنهم: سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي الأشعري أبو القاسم، شيخ هذه الطائفة، وفقيهها ووجهها(2) .

ومنهم غيرهم وهم كثير.

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 464 ومنتهى الآمال ج 2 ص 685 - 686.

(2) رجال النجاشي ج 1 ص 401.

٢٢٢

وأما من برز من غير الأشعريين في العلم والتقوى والفضيلة فمن العسير جدا إحصاؤهم، فإن هذه المدينة أشبه شئ بمدرسة كبرى تخرج منها رجال العلم والإيمان، وأصبحوا منائر هدى ورشاد، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، ووالده علي بن الحسين، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم ووالده إبراهيم بن هاشم، وغيرهم كثير ممن كانوا من أجلاء هذه الطائفة وعظمائها وقد تكفلت كتب الرجال ببيان أحوالهم ومختلف شؤونهم ومن أراد المزيد فليراجع.

٢٢٣

قم وأهلها في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

ومن خلال ما تقدم يتبين ما لهذه المدينة المقدسة من المنزلة عند أهل البيتعليهم‌السلام وما لأهلها من الشأن والمكانة.

وقد مر أن قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، في بيان فضلها وأفضليتها على كثير من البقاع.

فمنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه ذكر كوفة، قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائمعليه‌السلام

٢٢٤

ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة(1) .

ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلي يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبل [ما] بين عينيه، وقال: يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب، وفتح إليه بابا من أبواب الجنة(2) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء(3) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 95 وبحار الأنوار ج 60 ص 213.

(2) تاريخ قم ص 94 وبحار الأنوار ج 60 ص 212.

(3) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

(4) تاريخ قم ص 97 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

٢٢٥

ومنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته(1) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(2) .

ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال لي:

أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد - صلوات الله عليه - ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه(3) .

ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بياع السابري قال: كنت يوما عند أبي الحسنعليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم، إلى المهديعليه‌السلام ، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214 - 215.

(2) بحار الأنوار ج 60 ص 215.

(3) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

(4) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

٢٢٦

ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة(1) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أما إنهم أنصار قائمنا، ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة(2) .

ومنها: ما روي عن الرضاعليه‌السلام ، قال: للجنة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(3) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنة قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث(4) ....

ومنها: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه، فرد عليهم وقربهم، ثم قال لهم:

____________________

(1) تاريخ قم ص 99 وبحار الأنوار ج 60 ص 217.

(2) تاريخ قم ص 93 وبحار الأنوار ج 60 ص 218 - 219.

(3) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

(4) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

٢٢٧

مرحبا بكم وأهلا، فأنتم شيعتنا حقا، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(1) .

ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من الله على عباده بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...(2) .

وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدل على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمةعليهم‌السلام لهم، وعنايتهم بهم، مما جعل من هذه المدينة حصنا منيعة للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ورسوخ في الاعتقاد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 260.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 458.

٢٢٨

مفاخر القميين:

وذكر أن لأهل قم مناقب وفضائل أخرى امتازوا بها على سائر الناس، وعدت من مفاخرهم وأولياتهم.

قال الشيخ النمازي: مفاخر أهل قم كثيرة، منها: أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمةعليهم‌السلام .

ومنها: أنهم أول من بعث الخمس إليهم.

ومنها: أنهمعليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان، كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد، وغيرهم، ممن يطول بذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وأنهم اشتروا من دعبل ثوب الرضاعليه‌السلام بألف دينار من الذهب، إلى غير ذلك.

ومنها: قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام وثواب زيارتها(1) .

ومن طريف ما يروى ما جرى لدعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور، وكان من قصته أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقالعليه‌السلام : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقمسا

وأيديهم من فيئهم صفرات

____________________

(1) مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 600.

٢٢٩

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ، وقال له: صدقت يا خزاعي، فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلب كفيه ويقول: أجل، والله منقبضات، فلما بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر، فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال بلى: يا ابن رسول الله فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.

ثم نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه

٢٣٠

بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة، وسأل ثوبا من ثياب الرضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف به، وأنفذ الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له:

خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها(1) .

وفي رواية أخرى: أن دعبل الخزاعي قال: لما قلت (مدراس آيات) قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.

واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني، وسألني عن خبري، ثم قال: يا دعبل أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين، فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا.

فلم تكن إلا ساعة حتى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن (مدارس آيات) فذكر أنه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بقريب من ذلك.

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني،

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 264.

٢٣١

فقال: نعم، ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي:

احفظ هذا تحرس به.

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني.

قال: ثم كررت راجعا إلى العراق، فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد، وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة، ومتفكر في قول سيدي الرضاعليه‌السلام ، إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد: (مدارس آيات خلت من تلاوة) ويبكي، فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذلك ويلك؟ فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت: من هو؟ قال:

دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي، فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الأمر أشهر من ذلك، فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال: قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها، كرامة لك،

٢٣٢

ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده، فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا - أي كنا في حمايته - إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة(1) .

وفي رواية: أن دعبل أخذ الصرة والجبة وانصرف وصار من مرو في قافلة، فلما بلغ (ميان قوهان)، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن علي، قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل، وقال له:

أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد عليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ

____________________

(1) كشف الغمة ج 2 ص 261 - 263.

٢٣٣

كثير، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار، فأبى عليهم وسار عن قم.

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضاعليه‌السلام : إنك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة، وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها، ونجتهد ونرجوا أن تسلم.

فاغتم لذلك دعبل غما شديدا، وجزع عليها جزعا عظيما، ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية، وعصبها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (1) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 265.

٢٣٤

وإنما ذكرنا هذه الرواية بطولها لما فيها الطرافة واللطافة والدلائل، كما أن فيها دلالة على ولاء أهل قم وحبهم لآل محمدعليهم‌السلام .

العلويون في قم:

أشرنا فيما تقدم إلى أن سياسة حكام بني أمية وبني العباس كانت تعتمد على البطش بالعلويين وقهرهم وتشريدهم، وكان بنو العباس هم الأشد في ذلك كما اعترف المأمون العباسي، وقد أدى ذلك إلى نزوح العلويين عن مواطنهم وتفرقهم في أطراف الأرض إلى حيث يجدون الأمن والأمان، وقد مرت علينا نماذج من أولئك الذين اضطرتهم الظروف العصيبة التي عصفت بهم إلى التنكر والتواري عن الأنظار خوفا على أنفسهم وأعراضهم وذويهم.

ولما كانت مدينة قم من المدن السباقة إلى التشيع والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام أصبحت ملاذا لبعض هؤلاء حيث التجأ إليها كثير من العلويين ولا سيما بعد أن دفنت فيها السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وأصبح حرمها الشريف مزارا وملاذا.

ومنذ أن اتخذ بعض العلويين من قم موطنا ومستقرا له بدأ الوجود العلوي بالانتشار، ولا زالت بعض السلالات العلوية التي ينتهي نسبها إلى أولئك الذين سكنوا قم واستوطنوها باقية إلى اليوم كالسادة البرقعيين فقد ذكرت بعض المصادر أن أول من دخل مدينة قم من السادة الرضوية هو موسى بن الإمام الجوادعليه‌السلام في سنة 256 هـ، وهو المعروف بالمبرقع، وكان يضع على وجهه برقعا دائما فلذا لقب بالمبرقع، وتوفي في قم سنة 296 هـ، وقد التحق به أخواته زينب، وأم

٢٣٥

محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ثم جاءت بعدهن بريهة بنت موسى، وتوفين بقم، ودفن عند فاطمة المعصومةعليها‌السلام (1) كما ذكرناه فيما تقدم.

وتنتشر في قم قبور السادة العلويين وهي مزارات يقصدها أهل قم والوافدون إليها، وهي كثيرة.

منها: مزار فيه قبران أحدهما لموسى المبرقع، والثاني قبر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى.

ومنها: مزار كبير يعرف بـ (چهل اختران) ويحوي عدة من قبور السادة العلويين منهم: محمد بن موسى المبرقع، وزوجته بريهة بنت جعفر بن الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وزينب بنت الإمام موسى، وأم محمد بنت موسى، وأبو علي محمد بن أحمد بن موسى، وبناته:

فاطمة، وبريهة، وأم سلمة، وأم كلثوم، وغيرهن من العلويات والفاطميات وكلهن من أعقاب وذراري موسى المبرقع(2) .

هذا وقد انتشر أعقاب موسى المبرقع عدا قم في الري وقزوين وهمدان وخراسان وكشمير والهند وسائر البلدان(3) .

وقد تولى بعضهم النقابة والأمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة، فإن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي كان رجلا فاضلا تقيا ورعا للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحا عاقلا، وكان رئيسا ونقيبا في قم، وأميرا للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في

____________________

(1) تاريخ قم ص 215 - 216.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 570.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 571.

٢٣٦

الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة.

وكان ابنه أحمد بن محمد المعروف بالأعرج سيدا جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيسا نقيبا في قم، وكان رجلا متنسكا متعبدا محببا إلى قلوب الناس، سخيا جوادا واسع الجاه، ولد بقم سنة 311 هـ وتوفي في شهر صفر سنة 358 هـ، وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمي.

وكان ابنه أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعيا حقوقهم، وفوضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم(1) .

وخلاصة القول أنهم كانوا أشراف هذه المدينة وأجلاءها في العلم والعمل.

ومنها: مزار أحمد بن قاسم بن أحمد بن علي بن جعفر العريضي، المعروف بـ (شاه أحمد قاسم)، وهو معروف بالشرف والجلالة، وقبره مزار كافة الناس، وكان عليه سقيفة، فلما جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة 295 هـ إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة 371 هـ أن ساكن هذه البقعة رجل فاضل، وفي زيارته ثواب عظيم، فبني قبره بالخشب وجدد، وأصبح يزار، وقال بعض الثقات: كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 571 - 572.

٢٣٧

والمعلولون ويتوسلون به فيجدون الشفاء ببركة روحه الطاهرة(1) .

أقول: أشار إلى ذلك أحد الأساتذة من السادة العلماء الأجلاء، وأرشدني إلى زيارته والتوسل به، وأن حرمه موضع إجابة، وقد توسل به في بعض المهمات فقضيت حاجته.

وحرمه اليوم أحد المعالم البارزة في قم، وقد دفنت في حرمه أخته فاطمة.

وفي جواره دفن كثير من العلماء والمؤمنين، ويزدحم الزوار عند قبره ولا سيما في ليالي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

ومنها: مزارقيل: إن حمزة بن الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام قد دفن فيه(2) .

وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فنقل العلامة القمي عن بعض كتب العلامة المجلسي أن قبر حمزة بن موسىعليه‌السلام يقرب من قبر (السيد) عبد العظيم(3) (الحسني).

وقد تقدم ما نلقناه من رجال النجاشي أن السيد عبد العظيم الحسني كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وذكر غيره أن قبره في إصطخر من شيراز(4) .

وذكر المحدث القمي أن في مدينة قم الطيبة مزار يعرف بـ (شاهزاده حمزة)، ولأهل هذه البلدة اعتقاد تام فيه ويحترمونه

____________________

(1) تاريخ قم ص 225.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 367.

(4) المجدي في أنساب الطالبيين ص 117.

٢٣٨

ويعظمونه، وله قبة وصحن، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أن هذه الشخص هو حمزة بن موسىعليه‌السلام ، كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها، أنه قال: جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (1) .

وإليه ينتهي نسب السلالة الصفوية الذين حكموا إيران أكثر من قرنين من الزمان(2) ، وذكرنا فيما تقدم أن أربعة من سلاطينهم دفنوا بجوار السيدة المعصومةعليها‌السلام .

ومنها: مزار كبير يعرف اليوم بـ (گلزار) قيل: إن علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام مدفون فيه(3) .

وقد اختلف في ذلك أيضا، وقيل: إنه مدفون في العريض من نواحي المدينة، وسكن فيها، وله أولاد كثيرون، وهم العريضيون(4) .

وقال العلامة المجلسي: وأما كونه مدفونا في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة، لكن أثر قبره الشريف موجود قديم وعليه اسمه مكتوب(5) .

وهناك مزارات أخرى في قم تنسب لأولاد الأئمةعليهم‌السلام وأحفادهم من السادة الحسنيين والحسينيين والموسويين والرضويين وغيرهم

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(4) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(5) بحار الأنوار ج 102 ص 273.

٢٣٩

وقد ذكرهم القمي في تاريخه، والعلوي العمري في مجديه(1) ويقصدهم الزائرون ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة، فعسى أن يتهيأ لها من يسد هذا الفراغ.

والخلاصة أن أرواح الطيبين والصلحاء تحيط بقم وأهلها، وتدفع عنها وعنهم عاديات الزمان.

____________________

(1) تاريخ قم ص 205 - 239 والمجدي في أنساب الطالبيين ص 128 و 220 و 313.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

نفسا. وفي مناقب ابن شهر اشوب كان افقه اهل زمانه واحفظهم لكتاب الله وكان اجل الناس شأنا واعلاهم في الدين مكانا واسخاهم بنانا وافصحهم لسانا واشجعهم جنانا قد خصه الله لشرف الولاية وحاز ارث النبوة وبوء محل الخلافة سليل النبوة وعقيد الخلافة.

(واما صفته في لباسه) فروى الحميري في قرب الاسناد انه قال لولده الرضاعليهما‌السلام البس وتجمل فان علي بن الحسين كان يلبس الجبة الخز بخمسمائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا وتلا «قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق».

قوم كأولهم في الفضل آخرهم والفضل ان يتساوى ابدء والعقب

المجلس الثالث

مما جاء في دلائل امام الكاظمعليه‌السلام ما ذكره المفيد عليه الرحمة قال كان موسى بن جعفرعليهما‌السلام اجل ولد ابي عبد اللهعليه‌السلام قدرا واعظمهم محلا وابعدهم في الناس صيتا ولم ير في زمانه اسخى منه ولا اكرم نفسا وعشرة وكان اعبد اهل زمانه واورعهم واجلهم وافقههم واسخاهم كفا واكرهم نفسا واجتمع

٥٢١

جمهور شيعة ابيه على القول بامامته والتعظيم لحقه والتسليم لامره ورووا عن ابيه بصا عليه بالامامة واشارة اليه بالخلافة واخذوا معالم دينهم ورووا عنه من الايات ما يقطع بها على حجته وصواب القول بامامته.

قال فممن روى صحيح النص بالامامة من ابي عبد الله على ابنه ابي الحسن موسىعليهما‌السلام من شيوخ اصخاب ابي عبد اللهعليه‌السلام وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم. المفضل بن عمر الجعفي.؟ ومعاذ بن كثير. وعبد الرحمن ابن الحجاج. والفيض بن المخختار. ومنصور بن حازم. ويعقوب السراج وسليمان بن خالدج. وصفوان الجمال وغيرهم ممن يطول الكلام بذكرهم وقد روى ذلك من اخوته اصحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (ثم) ذكر المفيد رواية كل واحد من هؤلاء باسنيدها ونحن ننقلها بخذف الاسناد.

(قال الفضل بن عمر) كنت عند ابي عبد الله فدخل ابو ابراهيم موسىعليهما‌السلام وهو غلان فقال لي استوص به وضع امره عند من تثق به اصحابك (وقال معاذ بن كثير) للصادق «ع» اسال الله الذي رزق اباك منك هذه المنزلة ان يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها فقال قد فعل الله ذلك قال من هو جعلت فداك فاشار الى العبد الصالح وهو راقد فقال هذا الراقد وهو يومئذ غلام

٥٢٢

(وقال عبد الرحمن بن الحجاج) دخلت على جعفر بن محمدعليهما‌السلام وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر «ع» يؤمن على دعائه فقلت له جعلني الله فداك من ولي الامر بعدك قال ان موسى قد لبس الدرع واستوت عليه فقلت له لا احتاج بعد هذا الى شيء (وكانت) هذه درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لبسها واستوت عليه نم اولاد الائمةعليهم‌السلام فهو الامام (وقال الفيض بن المختار) لابي عبد الله «ع» خذ بيدي من النار لنا بعدحك فدخل ابو ابراهيم وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به (وقال منصور بن حازم) قلت لابي عبد الله «ع» بابي انت وامي ان الانفس يغدي بها عليها ويراح فاذا كان ذلك فمن ؟ فقال اذا كان ذلك فهذا صاحبكم وضرب على منكب ابي الحسن الايمن وهو يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا (وقال سليمان بن خالد) دعا ابو عبد الله ابا الحسنعليهما‌السلام يوما ونحن عنده فقال لنا عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم بعدي (وقال صفوان الجمال) سألت ابا عبد الله «ع» عن صاحب هذا الامر فقال انصاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب قاقبل ابو الحسن «ع» وهو صغير ونعه بهمة(١) مكية وهو يقول لها اسجدي لربك فاخذه ابو عبد اللهعليه‌السلام وضمه اليه وقال بابي وامي من لا يلهو

____________________

(١) البهمة اولاد الضأن والمعز والبقر وفي نسخة عناق مكية والعناق كسحاب الانثى من اولاد المعز.

- المؤلف -

٥٢٣

ولا يلعب (وقال اسحاق بن جعفر الصادق ع) كنت عند ابي فساله علي بن عمر بنعلي قال جعلت فداك الى من تفزع ويفزع الناس بعدك فقال الى صاحق هذين الثوبين الاصفرين والغديرتين وهو الطالع عليكم من الباب فما لبثنا ان طلع علينا ابو ابراهيم موسى وهو صبي وعليه ثوبان اصفران (وقال علي بن جعفر الصادق ع) سمعت ابي يقول لجماعة منخاصته واصحابه استوصوا يابني موسى خيرا فانه افضل ولدي ومن اخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي (قال المفيد) وكان علي بن جعفر شديد التمسك باخيه موسى والانقطاع اليه والتوفر على اخذ معالم الدين منه وله مسائل مشهورة عنه وجوابات رواها سماعا منه.

ومما جاء ف فضائل الامام موسى بن جعفر عليهمنا السلام ومعجراته ودلائل امامته ما وراه الكيني بسنده عن هشام بن سالم قال كنا بالمدينة بعد وفات الصادق «ع» انا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبدالله بن جعفر انه صاحب الامر بعد ابيه فدخلنا عليه والناس عنده فسألناه عن الزكاة في كم تجب فقال في مئتي درهم خمسة دراهم فقالنا له ففي مائة قال درهمان ونصف قلنا والله ما تقول المرجئة هذا(١) فقال والله ما

____________________

(١) المرجئة من الارجاء وهو التاخير (وثيل) هم القائلون لايضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة لانهم اعتقدوا =

٥٢٤

ادري ما تقول المرجئة فخرجنا ضلالالا ندري اين نتوجه انا وابو جعفر الاحول(١) فقعدنا في نعض ازقة المدينة باكين نقول الى المرجئة الى القدرية(٢) الى المعتزلة الى الزيدية الى الخوارج فبينما نحن كذلك اذ رايت شيخا يومي بيده فخفت ان يكون عينا للمنصور لانه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر اليه الناس فيؤخذ وتضرب عنقه فقلت للاحوال تنح فتنحى وتبعته لاني ظننت اني لا اقدر على التخلص منه حتى ورد على

____________________

= ان الله ارجأ تعذيبهم (وقيل) هم الذينلا يقطعون على اهل الكبائر بشيء من عفو او عقوبة بل برجئون ذلك الى يوم القيامة (وقيل) هم الجبرية الذين يقولون ان العبد لا فعل له لانهم يؤخرون امر الله (وانما) قال هشام ذلك واستجهل عبد الله بن جعفر لان نصاب الفضة مائتا درهم ولا يجب في الاقل منها شيء.

(١) هو محمد بن النعمان صاحب الطاق الذي ذكر اولا كان صيرفيا بطاق المحامل بالكوفة وهو الذي يسميه العامة شيطان الطاق واصحابنا مؤمن الطاق.

(٢) القدرية المنسوبون الى القدر وقد اختلف ف المراد منهم فالاشاعرة يقولون هم المعتزلة لاسنادهم الافعال الى قدرتهم وعليه فالنسبة الى القدرة مع ان الظاهر انها الى القدر وقيل هم المجبرة الذين يثبتون كل الامر بقدر الله تعالى وينسبون القبائح اليه سبحانه ذكره المطرزي في المغرب في مادة جهم وهو الاقرب.,

- المؤلف -

٥٢٥

باب ابي الحسن موسىعليه‌السلام ثم خلاني ومضاى فاذا خادم بالباب فقال ادخل رحمك الله فدخلت فقال لي ابو الحسنعليه‌السلام : لا الى المرجئة ولا الى القدرية ولا الى المعتزلة ولا الى الزيدية قلت جعلت فداك مضى ابوك قال نعم قلت مضى موتا قال نعم قلت فمن لنا بعده قال ان شاء الله ان يهديك هداك قلت جعلت فداك ان عبد الله اخاك يزعم انه الامام بعد ابيه فقال عبد الله يريد ان لا يعبد الله قلت فمن لنا بعده فاجابني كالاول قلت افانت هو قال لا اقول ذلك فقلت في نفسي لم اصب طريق المسألة فقلت عليك امام قال لا فدخلني شيء لا يعلمه الا الله اعظاما ل وهيبة ثم قلت جعلت فداك اسألك كما اسأل اباك قال سل ولا تذع فان اذعت فهو الذبح فسألتهفاذا هو بحر لا ينزف قلت جعلت فداك شيعة ابيك ضلال فالق اليهم هذا الامر وادعهم ايك فقد اخذت علي الكتمان قال من انست منه رشدا فالق اليه وخذ عليه الكتمان فان اذاع فهو الذبح واشار بيده الى حلقة ، فخرجت من هنده ولقيت ابا جعفر الاحول فقال لي ما وراء ك قلت الهدى وحدئته بالقصة ثم لقينا زرارة وابا بصير فدخلا عليه وسالاه وقطعا عليه ثم لقينا الناس افواجا فكل من دخل اليه قطع عليه الا طائفة عمار الساباطي وبقي عبد الله لا يدخل علي ه من الناس الا القليل.

ولم يزلعليه‌السلام على هذا الحال حتى حمله الرشيد مقيدا من مدينة جدة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى العراق فحبسه في البصرة ثم في

٥٢٦

بغداد حتى مضت عليه اربع سنوات او سبع سنوات وهو محبوس ثم دس اليه الرشيد السم فمات منه وهو في حبس السندي بن شاهك غريبا مسموما شهيدا مظلوم صابرا محتسبا.

واموا البراءة عند الناس من دمه والله يشهد ما كانوا بريئنا

المجلس الرابع

مما جاء في عبادة الكاظمعليه‌السلام وشدة خوفه من الله تعالى ما ذكره المفيد في الارشاد (قال) كان ابو الحسن موسىعليه‌السلام افبد اهل زمانه (روي) انه كان يصلي نوافي اللي ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر لله ساجدا فلا يرفع راسه من السجود حتى يقرب زوال الشمس (وكان) كثيرا فيقول : اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك (وكان) من دعائه : عظم الذني من عبدك فليحسن العفر من عندك (وكان) يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع (وكان) احسن الناس صوتا بالقرآن وكان اذا قرأه يحزن ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين

ومما جاء في سخاء الكاظمعليه‌السلام وبره ما ذكره المفيد ايضا قال كان ابو الحسن موسىعليه‌السلام اوصل الناس لاهله ورحمه وكان

٥٢٧

يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين(١) والورق(٢) والادقة(٣) والتمور فيوصل اليهم ذلك ولا يعملون من اي جهة هو (وجاء) محمد بن عبد الله البكري الى المدينة يطلب بها دينا فاعياه فاتى اليلا ابي الحسن موسىعليه‌السلام فخرج اليه ومعه غلام فاطعمه رسأله عن حاجته فاخبره فقال للغلام اذهب واعطاه صرة فيها ثلثمائة دينار (وروى) ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده انه كان موسى بن جعفر «ع» اذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير وكانت صراره ما بين الثلثمائة الى مئتي دينار فكانت صرار موسى مثلا. وعن عمدة الطالب كان اهله يقولون عجبا لمن جائته صرة موسى فشا القلة.

ومما جاء في حلم الكاظم ع وسخائه وكرم اخلاقه ان رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي ابا الحسن موسى «ع» ويسبه اذا رآه ويشتم عليا «ع» فقال له بغ ض مواليه دعنا نقتل هذا الفاجر فقال لا ثم ركب حتى اتاه في مزرعة له ودخل مزرعته بحماره فصاح لا تدس زرعنا فلم يصغ اليه اقبل حتى نزل عنده وباسطه وضاحكه وقال له كم غرمت في زرعك هذا فقال مائة دينار قال وكم ترجو ان تصيب قال لست اعلم الغيب قال انما قلت لك كم ترجو قال ارجو ان يجيء منه مائتا دينار

____________________

(١) الذهب.

(٢) الفضة.

(٣) جمع دقيق.

- المؤلف -

٥٢٨

فاخرج ابو الحسن «ع» صرة فيها ثلثمائة دينار وقال هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجوا فقام العمري فقبل راسه وساله الصفح عن فارطه فتبسم اليه ابو الحسن «ع» وانصرف ثم راح الى المسجد فوجد العمري جالسا فلما رآه العمري قال اللع اعلم حيث يجعل رسالته فقيل له قد كنت تقول غير هذا فقال قد سمعتم ما قلت الان وجعل يدعو لابي الحسن فقال ابو الحسن للذين سألوه في قتل العمري ابما كان خيرا ما اردتم او ما اردت.

ومما جاء في علم الكاظم «ع» ما ذكره المفيد قال كان ابو الحسن موسى «ع» افقه اهل زمانه واحفظهم لكتاب الله (وسأل) محمد بن الحسن الشيباني ابا الحسن موسى «ع» بمحضر من الرشيد وهم بمكة فقال له ايجوز للمحرم ان يظلل على محمله فقال له موسى «ع» لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال محمد بن الحسن افيجوز ان يمشي تحت الاظلال مختارا فقال له نعم فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له ابو الحسن موسى «ع» افتعجب من سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتستهزئ بها ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كشف الظلال في احرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم وان احكام الله يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل ساء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا (قال المفيد) وقد روى الناس عن ابي الحس نموسى فاكثورا (وعن) احمد بن حنبل انه لما روى عنه قال حدثني

٥٢٩

موسى بن جعفر قال حدثني ابي جعفر بن محمدح وهكذا الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال احمد وهذا اسناد لو قرئ على المجنون افاق.

(ومما جاء) في جوامع مناقب الكاظم «ع» ما رواه المفيد في الارشاد انه لما خرج الرسيد الى الحج وقرب من المدينة فقال له الربيع ما هذه الدابة التي تلقيت عليها امير المؤمنين وانت ان طلبت عليها لم تدرك وان طلبت عليها لم لفت فقال انها تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير وخير الامور اوساطها (ولما) دخل هارون المدينة توجه لزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه الناس فتقدم الى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم معتخرا بذلك على غيره فتقدم ابو الحسن موسى «ع» فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابه فتغير وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه (وساله) الرشيد فقال لم زعمتم انكم اقرب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منا فقال يا امير المؤمنين لو ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انشر فخطب اليك كريمته هل كنت تجبه فقال سبحان الله وكنت اعتخر بذلك على العرب والعجم فقال لكنه لا يخطب الي ولا ازوجه انه ولدنا ولم يلدكم (وسأله) الرشيد لم قلتم انا ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوزتم ان ينسبوكمن اليه فيقولا يا بني رسولالله وانتم بنو علي وانما ينسب الرجل الى ابيه دون جده (فقال) اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن ذريته داود

٥٣٠

٥٣١

٥٣٢

٥٣٣

٥٣٤

٥٣٥

٥٣٦

٥٣٧

٥٣٨

٥٣٩

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767