المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة10%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 767

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 767 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94435 / تحميل: 6009
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له ( أي علماً له )(١) .

وفي القولين الأخيرين محاولة لتصحيح الرؤية مع التحفّظ على التنزيه، ولكنّها غير ناجعة لأنّ الحسّ السادس إذا كان حسّا، لا يتعلّق إلّا بالمادّة والمادّيّات، والله سبحانه فوقها، وأمّا تحوّل العين إلى القلب وتصحيح الرؤية بالعلم فهو خارج عن البحث، فإنّ البحث إنّما هو رؤية الله بالعيون والأبصار المتعارفة لا بالقلب. فالمعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة والإمامية والزيديّة ينكرونها وأهل الحديث والأشاعرة يثبتونها ولولا ظواهر بعض الآيات والأحاديث الواردة في المقام، لالتحقت الأشاعرة بالعدليّة في نفي الرؤية، ولكنّها صدّتهم عن التنزية في المقام.

ما هي حقيقة الرؤية ؟

إنّ في الرؤية قولين معروفين :

١ ـ انعكاس صورة المرئيّ بواسطة الهواء الشفّاف الذي لا لون له فلا يستر ما ورائه إلى الرطوبة الجليدية التي في العين وانطباعها في جزء منها، وذلك الجزء الذي تنطبع فيه الصورة، زاوية رأس مخروط متوّهم، لا وجود له أصلاً، قاعدته سطح المرئيّ، ورأسه عند الباصرة(٢) .

٢ ـ يخرج من العين جسم شعاعيّ على هيئة المخروط المتحقّق، رأسه على العين وقاعدته تلي المبصر، والإدراك التام إنّما يحصل من الموضع الذي هو موضع سهم المخروط.

هذان القولان يتعلّقان بالقدماء من الطبيعيين.

والأوّل لمدرسة أرسطو، والثاني لغيره، وقد كشف العلم الحديث عن حقيقة

__________________

(١) مقالات الإسلاميين: ص ٢٦١ ـ ٢٦٥ و ٣١٤.

(٢) مقالات الإسلاميين: ص ٣٢١.

٤٢١

الرؤية بعد دراسة تركيب العين وأجهزتها، وحداهم البحث إلى دعم القول الأوّل لكن بصورة أدق، وعلى ذلك فالرؤية بالأبصار والعيون المتعارفة لا تتحقّق إلّا أن يكون المرئيّ في جهة ومكان ومسافة خاصّة بينه وبين الرائي، ولا محيص في تحقّق الرؤية عن المقابلة، وفي ضوء ذلك نحكم بامتناع وقوع الرؤية على الله سبحانه لاستلزامه كونه ذا جهة ومكان خاص حتى تتحقّق الرؤية، وما ذكرناه وإن كان كافياً في إبطال الرؤية ولكن تكميلاً للبحث نأتي بأدلّة المنكرين وهو دليل واحد يقرّر بوجوه.

تقرير أدلة المنكرين بوجوه أربعة :

« إنّ الله تعالى ليس في جهة ولا في مكان بدليل أنّ ما كان في الجهة والمكان مفتقر إليهما وهو محال عليه. والله تعالى ليس بمرئيّ بدليل أنّ كل مرئي لابد أن يكون في جهة(١) .

وكل من نفى الرؤية يعتمد على ذلك البرهان وحاصله أنّ الرؤية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً أو في حكم المقابل والمقابلة إنّما تكون في حقّ الأجسام ذوات الجهة والله تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً.

ويمكن تقرير البرهان بصورة اُخرى وهو أنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها أو على بعضها، فعلى الأوّل يلزم أن يكون محدوداً متناهياً محصوراً شاغلاً لناحية من النواحي وخلوّ النواحي الاخرى منه تعالى وذلك مستحيل، وإمّا أن تقع على بعض الذات فيلزم أيضا أن يكون مركبّاً متحيّزاً ذا جهة إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة الباطلة المرفوضة في حقّه تعالى.

هذا ويمكن تقريره بوجه ثالث هو أنّ الرؤية بأجهزة العين نوع إشارة بالحدقة وهو سبحانه منزّه عن الإشارة.

__________________

(١) مجموعة الرسائل العشر، المسئلة ١٦ ـ ١٧.

٤٢٢

وبتقرير رابع: إنّ الرؤية لا تتحقّق إلّا بانبعاث أشعّة من المرئيّ إلى أجهزة العين وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذات أبعاد ومعرضاً لعوارض وأحكام جسمانيّة وهو المنزّه عن كلّ ذلك(١) .

وهذه التقارير الأربعة تعتمد لبّاً على أمر واحد: وهو أنّ تجويز الرؤية يستلزم كونه جسماً أو جسمانيّاً غير أنّ الطرق مختلفة، والأوّل يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم أن تكون ذا جهة وحيّز، والثاني يعتمد على كونه سبحانه متناهية إذا وقعت الرؤية على تمام الذات أو مركّبة إذا وقعت على بعضها، والثالث يعتمد على أنّها تستلزم الإشارة، وهو فوق أن يقع في إطارها، والرابع يعتمد على أنّها تستلزم أن يكون جسماً وذا عوارض جسمانيّة.

والحاصل أنّ إثبات الرؤية والأبصار بغير مقابلة وجهة مع كون الرؤية بالعيون والأبصار كالجمع بين وجود الشيء وعدمه نظير تصوّر كون المربّع فاقداً لبعض أضلاعه وهو في الوقت نفسه مربّع تام.

وما ربّما يظهر من بعض محقّقي الأشاعرة من الجمع بين الرؤية وعدم الجهة وما يشابهها محاولة باطلة(٢) لا تليق أن تسطّر.

وربّما يتصوّر أنّ كون ما في الآخرة يغاير ما في الدنيا، فلعلّ الرؤية هناك متحقّقة بلا جهة واشارة، وهذا أشبه بالسفسطة، فإنّ المراد من المغايرة هو كون ما في الآخرة أكمل ممّا في الدنيا، لا المغايرة من حيث الماهيّة والواقعيّة، والقواعد العقليّة لا تخصّص بل هي سائدة في الدارين.

__________________

(١) لاحظ أنوار الملكوت في شرح الياقوت: ص ٨٢ ـ ٨٣، واللوامع الالهية: ص ٨١ ـ ٨٢ وقواعد المرام في علم الكلام ـ للشيخ ميثم بن على البحراني المتوفّى عام ٦٨٩ ـ وكشف المراد: ص ١٨٢.

(٢) لاحظ شرح التجريد للفاضل القوشجي.

٤٢٣

القرآن يتلقى الرؤية أمراً منكراً

إنّ الدقّة في الآيات الواردة حول الرؤية وسؤال بني اسرائيل إيّاها من نبيّهم يقف على أنّ القرآن يقابلها بالاستنكار الشديد فيتلقّاها أمراً منكراً.

١ ـ قال سبحانه:( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) ( البقرة / ٥٥ ).

٢ ـ قال سبحانه:( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) ( النساء / ١٥٣ ).

٣ ـ وقال سبحانه:( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إلّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) ( الأعراف / ١٥٥ ).

٤ ـ وقال سبحانه:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ ) ( الأعراف / ١٤٣ ).

ومن أمعن في هذه الآيات من دون رأي مسبق يقف على أنّ القرآن يستنكر رؤية الله ويقابل من يطلبها، بالصاعقة والرجفة واللّوم، فمع هذه النصوص كيف يمكن لنا القول بجواز رؤيتها في الدنيا والآخرة، أو في خصوص الآخرة ؟ فإنّ الأحكام العقليّة لا تقبل التخصيص، فالجمع بين الضدين أو النقيضين محال في الدارين، وهكذا القواعد الرياضيّة صادقة فيهما، فهي لا تتخلّف في ظرف من الظروف وإلّا صارت قضايا مشكوكة غير منتجة.

٤٢٤

سبحانك أنت القائل:( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) .

سبحانك أنت القائل:( لَن تَرَانِي ـ يا موسى ـ) مقروناً بلن للتأبيد في النفي.

سبحانك أنت القائل:( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) .

إنّ الذين يتمنّون رؤيته في الدنيا والآخرة إنّما يتمنّون أمراً محالاً غافلين أنّ العيون لا تدركه بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، فهو قريب من الأشياء، غير ملابس، بعيد عنها غير مبائن(١) .

إنّ المصرّين على جواز الرؤية يتخيّلون أنّها عقيدة إسلامية وردت في الكتاب والسنّة ولكنهم غفلوا عن أنّها طرحت من قبل الأحبار والرهبان بتدليس خاص، فهم الأساس لهذه المسائل التي لا تجتمع مع قداسته وتنزيهه سبحانه، فهذا هو العهد العتيق مليء بالأخبار عن رؤيته تعالى وإليك مقتطفات منه :

١ ـ « رأيت السيّد جالساً على كرسي عال فقلت: ويل لي لأنّ عينيّ قد رأتا الملك ربّ الجنود » ( أشعياء / ٦: ١ ـ ٦ ). والمقصود من السيّد هو الله جلّ ذكره.

٢ ـ « قد رأيت الربّ جالساً على كرسيّه وكل جند البحار وقوف لديه » ( الملوك: الأوّل / ٢٢ ).

ومن أراد التبسّط في ذلك فليرجع إلى سفر التكوين قصة آدم وحواء وقصة يعقوب وإبراهيم ترى فيها أشياء واُموراً ممّا يندى له الجبين ويخجل القلم عن الإشارة إليه.

غير أنّ المغفلين من أهل الحديث أخذوا بالأحاديث الموضوعة على وفق ما جاء في العهدين حقائق راهنة، فاتخذوا الرؤية عقيدة إسلامية شوّهوا بها المذهب.

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٤.

٤٢٥

أدلة القائلين بالرؤية

إنّ القائلين بالرؤية استدلّوا بآيتين :

١ ـ قوله سبحانه:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ *تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) ( القيامة / ٢٢ ـ ٢٥ ). وقد شغلت هذه الآية بال الأشاعرة والمعتزلة.

المثبّتون يصرّون على أنّ النظر في « الناظرة » بمعنى الرؤية، والنافون يصرّون بأنّه بمعنى الانتظار، والفريقان يتصارعان في تفسير الآية مستشهدين ببعض الأشعار والجمل.

غير أنّا نضرب على الكلّ صفحاً لأنّ البحث فيهما يستدعي تفصيلاً، ولكن نلفت نظر المستدلّين بها إلى أمرين ولو تدبّروا فيهما تدبر إنسان حر غير متأثّر بآراء قومه ونحلته، لعرفوا أنّ الآية لا تدل على مقصودهم بتاتاً.

١ ـ ترى أنّه سبحانه يقول:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) فينسب النظر إلى الوجوه لا العيون، فلو كان المراد أنّ أهل الجنة ينظرون إليه سبحانه ويرونه فلماذا نسب الرؤية إلى الوجوه مع أنّه قائم بالعيون وهذا يدلّ على أنّ « ناظرة » في الآية وإن كانت بمعنى الرؤية لكنها تهدف إلى معنى آخر غير الرؤية الحسّيّة، وإنّ النظر في المقام كنظر الفقير إلى الغني، والخادم إلى مخدومه، والمرؤوس إلى رئيسه فالكل ينظرون إلى أسيادهم لكن نظراً معنوياً لا حسّياً.

٢ ـ إنّ الآيات تشتمل على جمل متقابلة، فلو كان هناك إجمال في إحدى الجمل يصحّ تفسيره بمقابله ومقارنه الواضح، وإليك مقارنة هذه الجمل.

أ ـ « وجوه يومئذ ناضرة »

يقابلها قوله: « وجوه يومئذ باسرة »

ب ـ « إلى ربّها ناظرة »

يقابلها قوله: « تظن أن يفعل بها فاقرة ».

فلو كان هناك إبهام في أحد المتقابلين، يرفع بالمقابل إبهام المقابل الآخر ،

٤٢٦

فهلمَّ معي نستوضح معنى « إلى ربّها ناظرة ».

فهل المقصود الجدّي هو النظر والرؤية ؟

أو هو التوقّع والانتظار ؟

فيمكن رفع الابهام وامعان النظر في مقابله أعني: « تظن أن يفعل بها فاقرة » فإنّ مفاده أنّ الطائفة العاصية تتوقّع نزول عذاب يكسر فقارها ويقصم ظهرها، فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد من مقابله خلاف ذلك، وأنّ هٰؤلاء المطيعين يتوقّعون خلاف ما تتوقّعه الطائفة الاُخرى يتوقعون فضله وكرمه ورحمته وأين هذا من الرؤية ؟

بذلك يظهر أنّ التركيز على الوجوه دون العيون لأجل إفادة هذا المعنى، أي أنّ وجوها تنتظر العذاب، وأن وجوهاً متوجهةً إلى الباري تنتظر الرحمة.

وهذا نظير قول القائل :

إنّي إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

ويقال: أنظر إلى الله ثمّ إليك.

فإنّ النظر في هذه الموارد وإن كان بمعنى الرؤية، ولكنّها كناية عن انتظار الرحمة، فقول التلميذ لاُستاذه، والولد لوالده، والخادم لسيده: « أنا أنظر إليك » بهذا المعنى.

وقال آخر :

وجوه ناظرات يوم بدر

إلى الرحمان يأتي بالفلاح

أي منتظرات لإتيانه تعالى بالنصرة والفلاح.

وقال أيضاً :

كل الخلائق ينظرون سجاله

نظر الحجيج الى طلوع هلال

أي ينتظرون عطاياه انتظار الحجّاج لظهور الهلال وطلوعه.

٤٢٧

حتى لو كان النظر في الآية بمعنى الانتظار، أو بمعنى الرؤية، لا تدلّ على رؤيته سبحانه يوم القيامة، بل ليست بصدد هذا الأمر أصلاً، ولا فرق بين تفسير الكلمة بالنظر، أو الانتظار.

وما ربّما يتصوّره البعض من أنّ « ناظرة » لو كانت بمعنى الرؤية تمّت دلالة الآية، ولو كانت بمعنى الانتظار لم تتم ولم تدل، كلام سطحي ينمّ عن عدم تعمّق في السياق الذي جاءت به الآية كما ستعرف.

وخلاصة القول: إنّ الآية ـ سواء من النظر فيها بمعنى الانتظار أو الرؤية ـ تهدف أمراً آخر، لا ارتباط له بمسألة الرؤية أصلاً، ولا يعرف هذا إلّا بمقارنة الآية المذكورة بالآيات المقابلة لها.

فإنّ الآية الثانية أي( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) يبيّن ما هو المتوقّع عند المؤمنين كما أنّ الآية الرابعة أي( تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) يبين ما هو المتوقع عند العاصين، فحيث كان المقصود في الآية الرابعة هو توقّع العصاة للعذاب الإلهي كان المقصود في الآية الثانية ( بحكم التقابل ) هو توقّع المطيعين المتّقين الرحمة الإلهية، وهذا هو هدف الآية الثانية، فتفسير النظر برؤية جماله وذاته غريب عن مرمى الآية وهدفها.

إذا عرفت هذا فلا يتفاوت بأن يفسر « ناظرة » بمعنى الانتظار، فيكون معناه المطابقي هو انتظار رحمته بدل انتظار عذابه، أو يفسّر بالرؤية فيكون المراد منه ـ بالمآل ـ انتظار الرحمة، لأنّ الرؤية في هذه الموارد تكون كناية عن انتظار الرحمة، وتوقع اللطف من الجانب الآخر.

يقال: فلان ينظر إلى يد فلان، ويراد منه أنّه معدم محتاج، ليس عنده شيء، وإنّما يتوقع أن يعطيه ذلك الشخص، فما أعطاه ملكه، وما منعه حرم منه.

وهذا ممّا درج عليه الناس في محاوراتهم العرفية اليوميّة إذ يقول أحدنا لصديقه الذي يتوقّع منه المعونة والمدد :

٤٢٨

« إنّما ننظر إلى الله ثم إليك ».

وهذا مؤلّف « أقرب الموارد » عند ما يذكر هذا المثال يفسّره بقوله: « إنّما أتوقع فضل الله ثم فضلك ».

فالكلام هو عن توقّع الرحمة ووصولها وشمولها وعدم توقّعها ووصولها وشمولها.

ولنا في الكتاب العزيز نظير لهذا، إذ يقول سبحانه :

( وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ ) ، فكل هذا كناية عن طردهم عن ساحته، ويشعر بذلك قوله في الآية المتقدمة عليها( بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) .

فالآيتان بهذا الشكل من حيث الموضوع والحكم.

من أوفى بعهده واتقى ; يحبّه الله.

ومن اشترى بعهد الله وإيمانه ; لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم.

فبقرينة المقابلة بين الجزئين يعلم أنّ المرا د هو حبّه سبحانه المستلزم للجزاء الحسن، وعدم حبّه المستلزم للجزاء السيء.

فالمراد ب‍ « لا ينظر إليهم » ليس هو عدم رؤية الله لهم ومشاهدتهم، فالرؤية وعدم الرؤية ليست أمراً مجدياً أو ضارّاً إنّما ايصال الرحمة وعدم ايصالها للشخص هو النافع أو المضرّ بحاله، فيكون جملة « لا ينظر إليهم » كناية عن عدم اللطف والرحمة.

وهذه الآية شغلت ـ مع الأسف ـ بال المعتزلة والأشاعرة قروناً عديدة فركّزوا البحث في تحديد معنى « ناظرة » وأنّها بمعنى الانتظار أو الرؤية، فكلّ استظهر مايطابق مختاره، وقد غفلوا عن مفتاح حل المشكلة، وأنّه يجب ملاحظة الآية من حيث السياق والهدف والقرائن الحافة بها.

٤٢٩

هذا ويؤيّد ما ذكرناه من أنّ النظر ولو كان بمعنى الرؤية ليس المقصود منه الرؤية البصريّة الحسّيّة بل المراد هو الكناية عن انتظار الرحمة الإلهية، وتقديم المفعول وهو « إلى ربّها » على العامل وهو « ناظرة » نظير قوله تعالى:( إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ ) ونظائرها، فإنّ تقديم المفعول يدل على معنى الاختصاص لأنّ الإنسان لا يتوقّع هنا إلّا رحمة الله وعنايته ولطفه، وأمّا النظر بمعنى الرؤية، فلا ينحصر بالله لأنّ الناس ينظرون إلى غير الله أيضاً كما تدلّ عليه آيات وروايات.

قال الزمخشري: « معلوم أنّهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلّهم، فإنّ المؤمنين نظّارة ذلك اليوم لأنّهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه ـ لو كان منظوراً ـ محالٌ فوجب حمله على معنى يصحّ معه الاختصاص، والذي يصحّ معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر، ما يصنع بي تريد معنى التوقّع والرجاء ومنه قول القائل :

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك زدتني نعما(١)

نعم أورد عليه صاحب « الإنتصاف » بقوله :

« إنّ المتمتّع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه، ولا يؤثّر عليه غيره ولا يعدل به ـ عزّ وعلى ـ منظوراً سواه، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شيء، ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظة، ولم يؤثر عليه، فكيف بالمحبّ منه عزّ وجلّ إذا أحظاه للنظر إلى وجهه الكريم »(٢) .

أقول: لو صحّ ما ذكره صاحب « الإنتصاف » وأنّ النظر إنّما هو بمعنى الرؤية البصرية الحسّيّة، وإنّ المؤمن ينظر إلى الله سبحانه، وإنّ جمال الله تعالى يجذبه ،

__________________

(١) الكشاف: ج ٤، ص ١٦٥.

(٢) نفس المصدر.

٤٣٠

لزم قصر النظر يوم القيامة عليه سبحانه لأنّه لا يعدل به غيره، ولزم أن لا ينظر إلى سواه لأنّ غيره في مقابله ليس بديعاً ولا جميلاً جاذباً مع أنّا نرى أنّ الآيات والروايات تتحدّث عن نظر الإنسان في ذلك اليوم إلى أشياء غيره تعالى كما هو واضح لمن أمعن النظر في الآيات الواردة حول الجنّة وأهلها وقصورها وحورها وفواكهها و فعلى قول صاحب « الانتصاف » يترك كل ذلك سدى ولا ينصرف المؤمن من رؤية الله إلى غيرها وهو كما ترى.

٢ ـ الآية الثانية :

قال تعالى:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) .

وجه الاستدلال انّه لو كانت الرؤية ممتنعة لكان موسى واقفاً عليه وعندئذ لما أقدم على السؤال والسؤال دليل على الامكان(١) .

والجواب يتوقّف على بيان اُمور :

١ ـ هل كان هناك ميقات واحد أو ميقاتان ؟

جاءت قصّة ميقات موسى في آيتين :

الأولى: قوله سبحانه:( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إلّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) ( الأعراف / ١٥٥ ).

الثانية:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ

__________________

(١) شرح التجريد للقوشجي: ص ٣٢٩.

٤٣١

جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ ) ( الأعراف / ١٤٣ ).

فعندئذ يجب امعان النظر في أنّه هل كان هناك ميقاتان أو ميقات واحد ذو شأن خاص. قال سبحانه:( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ) ( الأعراف / ١٤٢ ).

وقال سبحانه:( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ *ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( البقرة / ٥١ ـ ٥٢ ).

فهاتان الآيتان تعرضان عن ميقات واحد وأنّه كان في بدء الأمر ثلاثين ليلة ثم تمّم بعشر، ولو كان هناك ميقات آخر مثله أو أزيد أو أقل كان المناسب ذكره والتنويه به.

٢ ـ هل مات القوم بالصاعقة أو الرجفة ؟

إذا كان هناك ميقات واحد وقد هلك فيها قوم موسى بعذاب الله، فما كان السبب في موتهم هل كان هو الرجفة أو الصاعقة ؟ نرى أنّه سبحانه نسب موتهم في بعض الآيات إلى الصاعقة ( البقرة / ٥٥ والنساء / ١٥٣ ) وفي البعض الآخر إلى الرجفة ( الأعراف / ١٥٥ ).

والجواب: إنّ المراد بالرجفة رجفة الصاعقة، لا الرجفة في أبدانهم وله نظير في القرآن الكريم، مثلاً يقول في قوم صالح:( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) ( الأعراف / ٧٨ ).

وقال فيهم أيضاً:( فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( فصّلت / ١٧ ).

٤٣٢

والصواعق السماوية لا تخلو من صيحة هائلة تقارنها ولا ينفك ذلك غالباً عن رجفة الأرض وهي نتيجة الاهتزاز الجوي الشديد، فالظاهر أنّ عذابهم كان بصاعقة سماوية اقترنت بصيحة هائلة ورجفة في الأرض فأصبحوا في دارهم أي في بلدهم جاثمين ساقطين على وجوههم وركبهم.

٣ ـ هل كان هناك سؤالان أو سؤال واحد ؟

إنّ الكليم لـمّا أخبر قومه بأنّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه، قالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، فاختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه فخرج بهم إلى طور سيناء، وسأل ربّه أن يكلّمه فلمّا سمعوا كلامه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، وعند ذلك أخذتهم الصاعقة بظلمهم وعتوّهم واستكبارهم.

وإليه يشير قوله سبحانه:( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) ( البقرة / ٥٥ ).

وقوله:( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ) ( النساء / ١٥٣ ).

وقوله:( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ) .

كل هذه الآيات راجعة إلى هذه الحادثة أي سؤال قوم موسى منه أن يريهم ربّهم ثمّ إنّ الكليم طلب منه سبحانه أن يحييهم حتى يدفع اعتراض قومه عن نفسه إذا رجع إليهم، فلربّما قالوا: إنَّك لم تك صادقاً في قولك: إنّ الله يكلّمك، ذهبت بهم فقتلتهم، فعند ذلك أحياهم الله وبعثهم معه، وإلى هذا الطلب يشير قول الكليم في الآية الثالثة :

( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ ) .

ثمّ إنّ قومه بعد الإحياء وقفوا على أنّه لا يمكنهم رؤيته سبحانه، فطلبوا منه أن

٤٣٣

يسأل موسى الرؤية لنفسه لا لهم حتى تحل رؤيته لله مكان رؤيتهم فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية أو يسمعوا كلامه بأنّه لا يرى، وعندئذ أقدم الكليم على السؤال تكبيتاً لهٰؤلاء واسكاتاً لهم، وبما أنّه لم يقدم إلّا إثر الإصرار من جانبهم لم يوجّه إلى الكليم من جانبه سبحانه أي لوم وعتاب أو مؤاخذة وعذاب بل اكتفى بقوله:( لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ ) .

وبعبارة اُخرى إنّ موسى كان من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز، ولكن ما كان طلب الرؤية إلّا لتكبيت هٰؤلاء الذين وصفهم بأنّهم سفهاء وتبرّأ من فعلهم، فبما أنّهم لجّوا وتمادوا وقالوا بأنّهم لا يؤمنون به حتى يراه موسى ويخبرهم به أو يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله « لن تراني » فطلب موسى الرؤية ليسمعوا كلامه ويزول ما دخلهم من الشبهة، ولأجل ذلك قال:( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ولم يقل ( ربّ أَرهم ينظروا إليك ).

ويؤيّد تعدّد السؤال مع كون الميقات واحد، أمران :

١ ـ إنّ الرجفة عمّت جميع الحاضرين في الميقات إلّا موسى نفسه فانّه لم يصبه شيء بل شاهد باُمّ عينيه أنّهم ماتوا إثر نزول العذاب.

قال سبحانه:( فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ) فإنّ الظاهر من ترتّب « قال » على قوله « فلمّا أخذتهم » إنّ موسى لم يصبه شيء حتى الاغماء والغشيان بل قال ما قال بعد موتهم بلا فصل.

وأمّا عند ما تصدّى موسى نفسه للسؤال وقال أرني أنظر إليك، كانت نتيجة ذلك سقوطه صعقاً ثمَّ إفاقته وتوبته وإنابته، فأصابه شيء لم يصبه عند السؤال الأوّل.

وحاصل هذا الوجه أنّه يمكن استكشاف تعدّد الواقعة باختلاف الأثر وهو كونه7 سالماً غير مصاب بشيء في الواقعة الاُولى وكونه صعقاً في الواقعة الثانية، وهذا يكشف عن تعدّد السؤال.

٤٣٤

٢ ـ نرى أنّه سبحانه يذكر سؤال القوم مع نزول الصاعقة والرجفة، ويذكر السؤال الثاني بتجلّي الرب على الجبل وصيرورته دكّاً وسقوط موسى صعقاً، ثمّ إفاقته وإنابته من دون ذكر لطروء شيء على قوم موسى، فالقول بوحدة الواقعتين لا ينسجم مع ظواهر هذه الآيات.

ما وجه تقديم سؤال موسى على سؤال قومه ؟

إنّ هذا التقرير يعرب عن أنّ قوم موسى تقدّموا بالسؤال أوّلاً فأخذتهم الصاعقة فبعدما أحياهم سبحانه تقدّم موسى إلى السؤال ثانياً بإلحاح قومه حتى يرى موسى ربّه أو يُسمِع لهم كلام الرب بأنّه لا يمكن رؤيته، وعلى هذا كان الأليق تقديم سؤال القوم على سؤال موسى مع أنّ المصحف الكريم حكى سؤال موسى أوّلاً بقوله:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ( الأعراف / ١٤٣ ).

ثمّ حكى سؤال قومه في الآية رقم ١٥٥ من تلك السورة أعني قوله:( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) فما هو السر في تقديم ما حقّه التأخير ؟

والجواب: إنّ تقطيع القصة الواحدة إلى قصص متعدّدة والانتقال من حديث إلى آخر لحكمة في ذلك غير عزيز ولا غريب في القرآن الكريم، وليس القرآن كتاب قصّة حتى يعاب بالانتقال قبل تمامه، وإنّما هو كتاب هداية ودلالة وحكمة، يأخذ من القصص ما يهمّه(١) .

وبعبارة اُخرى: إنّ العود إلى ذلك الجزء في آخر القصة بتفصيل وتبيين لأجل إظهار العناية به من جميع أجزاء القصة، والله سبحانه ذكره في الأثناء بما أنّه جزء من القصة، ولأجل حفظ التسلسل والترابط بين أجزائها ثمّ عاد إليه بعد الانتهاء من بيان

__________________

(١) الميزان: ج ٨، ص ٢٨٥.

٤٣٥

القصة لاستعراضه بنحو مشروح، وذلك لأجل إبراز العناية بهذا الجانب من القصة فانّها كانت مسألة هامّة وكبيرة في حياة أكابر بني اسرائيل حيث جرت عليهم ما جرت، وأنّه لولا دعاء موسى لما عادت الحياة إليهم.

وعلى هذا فلا دلالة في سؤال موسى على امكان الرؤية بعد كونه بسبب إصرار القوم وإلحاحهم، وكان إقدامه لأجل تكبيتهم واسكاتهم.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من تعدد السؤال هو الظاهر من الحديث المروي عن عليّ بن موسى الرضا7 قال: إنّ كليم الله رجع إلى قومه، فأخبرهم أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، فلمّا جاء بهم إلى الميقات وسمعوا كلامه، قالوا: لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلمّا قالوا هذا القول العظيم بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، ثم أحياهم سبحانه بطلب من موسى، فقالوا: إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى: يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفيّة له، وإنّما يعرف بآياته، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل، فأوحى الله إليه يا موسى إسألني ما سألوك ولن اُوآخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: ربّ أرني أنظر إليك(١) .

كلام لصاحب « الكشّاف »

وهناك كلام ذكره علّامة المعتزلة « الشيخ محمود الزمخشري » صاحب الكشّاف، والجواب عن الاستدلال بالآية مبني على وحدة السؤال هذا نصّه :

« ما كان طلب الرؤية إلّا لتكبيت هٰؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلّالاً وتبرّأ من فعلهم وليلقمهم الحجر، وذلك انّهم حينما طلبوا الرؤية أنكر عليهم، وأعلمهم

__________________

(١) التوحيد للصدوق، باب ما جاء في الرؤية، الحديث ٢٣، نقلناه ملخّصاً.

٤٣٦

الخطأ ونبّههم على الحق، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا: « لابد ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ». فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله: « لن تراني » ليتيقّنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة، فلذلك قال:( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) .

فان قلت: فهلّا قال « أَرهم ينظروا إليك »، قلت لأنّ الله إنّما كلّم موسى7 وهم يسمعون، فلمّا سمعوا كلام ربّ العزّة أرادوا أن يرَ موسى ذاته فيبصرونه معه كما أسمعه كلامه فسمعوا منه، إرادة مبنيّة على قياس فاسد(١) . فلذلك قال موسى:( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) .

ولأنّه إذا ضُجِر عمّا طلب، وأنكر عليه مع كونه نبيّاً، وقيل له « لن يكون » ذلك « كان غيره أولى بالإنكار، ولأنّ الرسول إمام اُمّته فكان ما يخاطب به راجعاً إليهم أيضاً.

ثمّ إنّ قوله( أَنظُرْ إِلَيْكَ ) صريح في التشبيه والتجسيم وجلّ موسى أن يكون مجسّماً أو مشبّهاً وهذا دليل على أنّه ذكر ذلك ترجمة من مقترحهم وحكايةً لقولهم وجَلّ صاحبُ الجمل من أن يجعل الله منظوراً إليه، مقابلاً بحاسّة البصر، فكيف بمن هو أعرف في معرفة الله من المتكلّمين والفلاسفة ؟

فان قلت: ما معنى « لن » ؟ قلت: « تأكيد النفي الذي تعطيه « لا »، وذلك لأنّ « لا » تنفي المستقبل تقول: لا أفعل غداً، وإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً، والمعنى أنّ فعله ينافي حالي كقوله: « لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له » فقوله:( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) نفي للرؤية فيما يستقبل « ولن ترانى » تأكيد وبيان لأنّ الرؤية منافية لصفاته »(٢) .

__________________

(١) وهذا القياس عبارة عن أنّهم كما سمعوا صوته عن طريق موسى، يمكن لهم رؤية ذاته عن طريق رؤية موسى أيضاً قياساً فاسداً.

(٢) الكشّاف ـ تفسير سورة الاعراف ـ: ج ١، ص ٥٧٣ ـ ٥٧٤.

٤٣٧

وهذا الجواب مبنيّ على وحدة السؤال بشهادة قوله: « فان قلت فهلّا قال أرهم ينظروا إليك » فهذا يعرب عن أنّه لم يتقدّم سؤال من بني اسرائيل حول رؤية الله، إذ لو تقدّم السؤال وترتب عليه نزول الصاعقة والرجفة ; لما كان هناك مورد للسؤال بقوله: « أَرهم ينظروا إليك » لـمّا رأى أنّ طلب الرؤية لهم استعقب نزول العذاب، ولم يبق إلّا السؤال لنفسه نيابة عنهم حتى يترتب عليه أحد الأمرين أمّا الرؤية أو الردّ ويتمّ الحجة على القوم، وإن كان القوم لا يأملون إلّا الشقّ الأوّل.

وعلى كل تقدير سواء كان هناك سؤالان أم كان سؤال واحد فليس في سؤال موسى دلالة على امكان الرؤية بعد كون سؤاله لأجل قومه وإثر إصرارهم والحاحهم.

ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّت بقوله سبحانه:( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) من جهة اُخرى قالوا: « إنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه، والمعلّق على الممكن ممكن، لأنّ معنى التعليق أنّ المعلّق يقع على تقدير وقوع المعلّق عليه، والمحال في نفسه لا يقع على شيء من التقادير.

والجواب: إنّ الاستدلال مبني على أن يكون المراد من قوله:( فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ) هو امكان الاستقرار ولا شك انّه أمر ممكن، والمعلّق على الأمر الممكن أيضاً ممكن.

ولكن الظاهر أنّ المراد هو استقراره بعد التجلّي والمفروض انّه لم يستقر بعد ذلك بدليل قوله سبحانه:( جَعَلَهُ دَكًّا ) وهذا نظير قولك: « أنا أعطيك هذا الكتاب إن صلّيت » فالمراد هو قيام المخاطب بها بالفعل، لا امكان قيامه.

وهذا الاستدلال من الأشاعرة من غرائب الاستدلال.

٤٣٨

الرؤية القلبيّة

ثمّ إنّ للعلّامة الطباطبائي نظرية في معنى الرؤية نذكرها هنا ملخّصة :

يقول العلّامة: « والذي يعطيه التدبّر أنّ حديث الرؤية والنظر الذي وقع في الآية إذا عرضناه على الفهم العامّي المتعارف حمله على رؤية العين ونظر الأبصار الذي يهيّئ للباصر صورة مماثلة لصورة الجسم المبصر في شكله ولونه.

وبالجملة، هذا الذي نسمّيه الابصار الطبيعي يحتاج إلى مادة جسمية في المبصر والباصر جميعاً وهذا لا شك فيه.

والتعليم القرآني يعطي اعطاءً ضرورياً أنّ الله تعالى لا يماثله شيء بوجه من الوجوه في خارج ولا ذهن البتة.

وما هذا شأنه لا يتعلّق به الابصار بالمعنى الذي نجده من أنفسنا البتة، ولا تنطبق عليه صورة ذهنية لا في الدنيا ولا في الآخرة ضرورة.

وقد أطلق الله الرؤية وما يقرب منها في موارد كثيرة من كلامه فتارة أثبتها، وتارة نفاها.

فربّما تفسّر الرؤية بحصول العلم الضروري لمبالغة في الظهور ونحوها كما قيل.

وفيه أنّا لا نسمّي كل علم ضروري رؤية. مثلاً إنّا نعلم علماً ضروريّاً بوجود « لندن » ولم نرها ولا نسمّيه رؤية.

وأوضح من هذا علمنا الضروري بالبديهيات الأوّلية التي هي بكلتيها غير مادّيّة ولا محسوسة، مثل قولنا « الواحد نصف الاثنين » فإنّها علوم ضرورية يصحّ اطلاق العلم عليها، ولا يصحّ اطلاق الرؤية عليها البتة.

نعم بين معلوماتنا ما لا نتوقّف في إطلاق الرؤية عليه واستعمالها فيه، نقول: وأراني اُريد كذا وأكره كذا واُحبّ كذا.

٤٣٩

وتسمية هذا القسم من العلم الذي يجد فيه الإنسان نفس المعلوم بواقعيته الخارجية رؤية مطرّدة.

والله سبحانه في ما أثبت من الرؤية يذكر معها خصوصيّات ويضم إليها ضمائم يدلّنا على أنّ المراد بالرؤية هذا القسم من العلم الذي نسمّيه في ما عندنا أيضاً رؤية كما في قوله:( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) ( فصّلت / ٥٣ و ٥٤ ).

حيث أثبت أوّلاً: انّه على كل شيء حاضر ومشهود له، لا يختصّ بجهة دون جهة، وبمكان دون مكان، وبشيء دون شيء بل شهيد على كل شيء، محيط بكل شيء، لو وجده شيء لوجده على ظاهر كل شيء وباطنه ومع نفس وجدانه وعلى نفسه.

وثانياً يثبت على هذه السمة لقاؤه، لو كان هناك لقاء لا على نحو اللقاء الحسّي الذي لا يتأتّىٰ البتة إلّا بمواجهة جسمانية وتعيّن جهة ومكان وزمان.

وبهذا يشعر ما في قوله:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) ( النجم / ١١ ) من نسبة الرؤية إلى الفؤاد الذي لا شبهة في كون المراد به هو النفس الإنسانية الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلّق على يسار الصدر داخلاً.

ونظير ذلك قوله تعالى:( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ *كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) ( المطفّفين / ١٤ و ١٥ ).

دلّ على أنّ الذي يحجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي أنفسهم وبين ربّهم فحجبهم عن تشريف المشاهدة، لولا المعاصي لرأوه بقلوبهم أي أنفسهم لا بأبصارهم وأحداقهم.

فبهذه الوجوه يظهر أنّه تعالى يثبت في كلامه قسماً من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسيّة وهي نوع شعور في الإنسان يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلة حسيّة أو فكرية، وانّ للإنسان شعوراً بربّه غير ما يعتقد بوجوده من

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

الثلاثاء الثاني أو الخامس أو الثالث عشر من رجب أو للنصف من ذي الحجة أو السابع منه أو السابع والعشرين منه سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين وتدل بعض الأدعية على ولادته هو وأبوهعليهما‌السلام في رجب(١) (قال المسعودي) في اثبات الوصية حمل الى المدينة وهو صغير في السنة التي حج فيها أبو جعفر بابنة المأمون (وتوفي) بسر من رأى يوم الثلاثاء أو الاثنين الثالث من رجب أو لثلاث أو أربع أو خمس بقين من جمادى الآخرة نصف النهار سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسامراء وكان المتوكل أشخصه من المدينة اليها (وكان) عمره يوم وفاته أربعين سنة أو الا أياماً أو احدى وأربعين سنة وأشهراً أو وسبعة أشهر أو اثنتين وأربعين سنة عل يحسب اختلاف الأقوال والروايات في اريخ المولد والوفاة (أقام) منها مع أبيه ست سنين وأربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر أو ثمان سنين الا نصف تيسير لي ضبط اسمها هل هي بالصاد والراء المهملتين والياء المثناة من تحت كما في أكثر النسخ وهل الياء مشددة أو مخففة أو بالباء الموحدة أو بالقاف والنون كمكا يوجد ذلك كله في النسخ المختلفة فليضبط ، من وجده.

____________________

(١) وهو اللهم اني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب الخ.

- المؤلف -

٦٤١

شهر وبعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة أو وتسعة أشهر وهي مدة امامته وهي بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز وتوفي في آخر ملك المعتمد (وكانت) مدة اقامته بسر من رأى عشرين سنة أو عشرين وتسعة أشهر (وامه) أم ولد يقال لها سمانة المغربية (كنيته) أبو الحسن ويقال أبو الحسن الثالث (وأشهر الثابه) الهادي ويلقب بالنجيب والمرتضى والنقي والمتوكل والعسكري وغيرها (قال) ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : وكان ينهى أصحابه عن تلقيبه بالمتوكل لكونه يومئذ لقب الخليفة العباسي وسبب تسميته بالعسكري هو وابنه الحسنعليهما‌السلام ان المحلة التي سكناها بسامراء كانت تسمى عسكراً (وقال) سبط بن الجوزي انما نسب الى العسكر لأن المتوكل أشخصه الى سر من رأى فاقام بها اه. وكانت سامراء تسمى العسكر لأن عسكر المعتصم نزلها (نقش خاتمه) الله ربي وهو عصمتي من خلقه (بوابه) عثمان بن سعيد (شاعره) العوني والدليمي ومحمد بن اسماعيل الصميري (له من الأولاد) أربعة ذكور وبنت واحدة وهم أبو محمد الحسن الامام بعده والحسين ومحمد توفي في حياة أبيه وجعفر وهو الذي ادعى الامامة بعد وفاة أخيه الحسن العسكري وعرف بجعفر الكذاب وعائشة.

قوم لهم في كل أرض مشهد لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم منى والمشعران لهم والمروتان لهم والمسجد

قوم أتى في هل أتى مديحهم هل شك في ذلك الا ملحد

٦٤٢

المجلس الثاني

(أما صفته في خلقة وحليته) ففي الفصول المهمة صفته أسمر اللون (وأما صفته في أخلاقه وأطواره) ففي مناقب ابن شهر اشوب كان أطيب الناس مهجة وأصدقهم لهجة وأملحهم من قريب وأكملهم من بعيد اذا صمت علته هيبة الوقار واذا تكلم سماه البهاء وهو من بيت الرسالة والامامة ومقر الوصية والخلافة شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة وقال عبد الله بن يحيى بن خاقان لو رأيته لرأيت رجلا جليلا (جزلا ج ل) نبيلا خيراً فاضلا وفي شذرات الذهب كان فقيهاً اماماً متعبداً.

(وأما صفته في لباسه) فسيأتي في المجلس الرابع ان سعيد الحاجب وجد عليه جبة صوف وقلنسوة منها ولكن هذا لا يدل على ان ذلك كان لباسه دائماً بل الظاهر ان هذا كان لباسه حال الصلاة وانه حال مواجهة الناس كان يلبس لباساً نفيساً كآبائه.

هم آل ميراث النبي اذا اغتدوا وهم خير سادات وخير حماة

اذا لم نناج الله في صلواتنا بأسمائهم لم يقبل الصلوات

* * *

٦٤٣

المجلس الثالث

قال المفيد عليه الرحمة كان الامام بعد أبي جعفر الجواد ابنه أبو الحسن علي بن محمد الهادي لاجتماع خصال المامة فيه وتكامل فضله وانه لا وارث لمقام ابيه سواه وثبوت النص عليه بالامامة والاشارة اليه من ابيه بالخلافة (فمن) النصوص على امامته (ما رواه الكليني) بسنده عن اسماعيل بن مهران قاللما استدعى المعتصم ابا جعفر من المدينة الى بغداد قلت له جعلت فداك انت خارج الي فقال الامر من بعدي الى ابني علي (وما رواه) الصدوق) في اكمال الدين بسنده عن ابي جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام انه قال ان الامام بعدي ابني علي امره امري وقوله قولي وطاعته طاعتي والامامة بعده في ابنه الحسن (وروى) الحميري انه قيل لأبي جعفرعليه‌السلام ان حدث بك واعوذ بالله حادث فالى من قال الى ابني هذا يعني ابا الحسنعليه‌السلام (الحديث) الى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي يضيق عنها المقام.

(وفي اعلام الورى) مسنداً عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي قال كنت مع ابي على باب المتوكل وانا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الى عباسي وجعفري ونحن وقوف اذ جاء ابو الحسن

٦٤٤

فترجل الناس كلهم حتى دخل فقال بعضهم لبعض لم نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا باكبرنا سناً والله لا ترجلنا له فقال ابو هاشم الجعفري والله لتترجلن له صغره اذار ايتموه فما هو الا ان اقبل وبصروا به حتى ترل له الناس كلهم فقال لهم ابو هاشم اليس زعمتم انكم لا تترجلون له فقالوا له والله ما ملكنا انفسنا حتى ترجلنا (وروى) الكليني بسنده ان المتوكل قال ويحكم قد اعياني امر ابن الرضا(١) وجهدت ان يشرب معي وان ينادمني فامتنع وجهدت ان اجد فرصة في هذا المعنى فلم اجدها فقيل له ان لم تجد من ابن الرضا ما تريده فهذا اخوه موسى قصاف عزاف ياكل ويشرب ويعشق ويتخالع فأحضره وأشهره فيشيع الخبر عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه وبين اخيه ومن عرفه اتهم اخاه بمثل فعاله فقال اكتبوا باشخاصه مكرما فأشخص مكرما فتقدم المتوكل ان يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس وعزم على انه اذا وافى اقطعه قطيعة وبنى له فيها وحول اليها الخمارين والقيان وتقدم بصلته وبره وأفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره

____________________

(١) المراد به الهاديعليه‌السلام وعبر عنه بابن الرضا في هذا المقام وغيره بكثرة وذلك لشدة شهرة الرضاعليه‌السلام فنسب اليه وقال ابن شهر اشوب في المناقب والطبرسي في اعلام الورى في ترجمة الحسن العسكريعليه‌السلام كان هو وابوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا

- المؤلف -

٦٤٥

هو فيه فلما وافى موسى تلقاه ابو الحسنعليه‌السلام الى الموضع الذي يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له ان هذا الرجل احضرك ليتهكك فلا تقر له انك شربت نبيذاً قط واتق الله يا اخي ان تركب محظوراً فقال له موسى انما دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدركك ولا تعص ربك ولا تفعل ما يشينك فما غرضه الا هتكك فأبى عليه موسى فكرر عليه ابو الحسن القول والوعظ فلم يقبل فقال له اما ان الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمعان عليه ابدا فاقام ثلاث سنين يبكر كل يوم الى باب المتوكل فيقال له قد شرب دواء فما زال كذلك حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه على الشراب.

مناقب آل المصطفى قدوة الورى بهم يبتغي مطلوبه كل طالب

مناقب تجلى سافرات وجوهها ويجلو سناها مدلهم الغياهب

المجلس الرابع

مما جاء في سعة علم ابي الحسن علي بن محمد الهاديعليه‌السلام ما ذكره ابن شهر اشوب في المناقب وغيره قال لما سم المتوكل (وفي رواية) مرض نذر لله ان عوفي ان يتصدق بمال كثير فلما عوفي

٦٤٦

سأل الفقهاء فاختلفوا في المال الكثير ولم يجد عندهم فرجا فقال له الحسن حاجبه ان اتيتك يا امير المؤمنين بالصواب فمالي عندكقال عشرة آلاف درهم والا ضربتك مئة مقرعة قال قد رضيت فأتى ابا الحسن علي بن محمد الهادي «ع» فسأله فقال قل له يتصدق بثمانين درهما (وفي رواية) بثلاثة وثمانين دينارا فأخبر المتوكل فسأله ما العلة ان الله تعالى قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغت ثمانين موطنا فرجع اليه فاخبره ففرح واعطاه عشرة الاف درهم. (وسال) المتوكل ابن الجهم من اشعر الناس فذكر شعراء الجاهلية والاسلام ثم انه سال ابا الحسن علي الهادي فقال الحماني حيث يقول:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة بمط خدود وامتداد اصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا عليهم بما فاهوا(١) نداء الصوامع

ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا عليهم جهير الصوت في كل جامع

فان رسول الله احمد جدنا ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال المتوكل وما نداء الصوامع يا ابا الحسن ؟ قال : أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمداً رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدي أم جدك فضحك المتوكل ثم قل هو جدك لا ندفعك عنه (وقال) له المتوكل يوما : ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب قال ما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله

____________________

(١) بما نهوى خ ل

- المؤلف -

٦٤٧

تعالى طاعة نبيه على جميع خلقه وفرض طاعته على نبيه فسر المتوكل بذلك وانما أراد ابو الحسن أن طاعة الله مفروضة على نبيه

اليكم كل مكرمة تؤول اذا ما قيل جدكم الرسول

كفاكم من مديح الناس مدحا اذا ما قيل أمكم البتول

المجلس الخامس

فيما جاء عن أبي الحسن علي بن محمد الهاديعليه‌السلام من المواعظ والحكم (قال ع) ان الله جعل الدنيا بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا (وقال ع) من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك (وقال ع) من هانت عليه نفسه فلا تامن شره (وقال ع) من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه (وقال ع) الغناء قلة تمنيك والرضا بما يكفيك والفقر شره النفس وشدة القنوط (وقال ع) المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان (وقال ع) الحسد ما حي الحسناب والعجب صارف عن طلب العلم والبخل أذم الاخلاق والطمع سجية سيئة (وقال ع) السهر ألذ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام (يريد) به الحث على قيام الليل وصيام النهار (وقال ع) الغضب على من تملك لؤم (وقال ع)

٦٤٨

الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة (وقال ع) خير من الخير فاعله وأجمل من الجميل قائله وارجح من العلم حامله وشر من الشر جالبه وأهول من الهول راكبه (وقال ع) للمتوكل في كلام دار بينهما لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه ولا الوفا ممن غدرت به ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له.

اذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحسبك من هاد يشير الى هادي

ينابيع علم الله أطواد دينه فهل من نفاد ان علمت لاطواد

نجوم متى نجم خبا مثله بدا فصلى على الخابي المهيمن والبادي

المجلس السادس

قال المفيد عليه الرحمة كان سبب شخوص أبي الحس نعلي الهاديعليه‌السلام الى سر من رأى ان عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسعى بأبي الحسنعليه‌السلام وكان يقصده بالأذى (وقال) المرتضى في عيون المعجزات والمسعودي في اثبات الوصية أن بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين كتب الى المتوكل ان كان لك في الحرمين حاجة فاخرج ابن محمد منها فانه قد دعا الناس الى نفسه واتبعه خلق كثير وتابع بريحة الكتب في هذا المعنى (وقال) سبط بن الجوزي في

٦٤٩

تذكرة الخواص قال علماء السير انما أشخصه المتوكل من المدينة الى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته فبلغه مثام علي الهادي بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه فدعا يحيى بن هرثمة وقال اذهب الى المدينة وانظر في حاله وأشخصه الينا قال يحيى فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيما ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسناً اليهم ملازماً للمسجد ولم يكن عنده ميل الى الدنيا فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه وانه لا بأس عليه ثم فتشت منزله فلم أجد فيه الا مصاحف وأدعية وكتب العلم فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته (قال المفيد) وبلغ أبا الحسنعليه‌السلام سعاية عبد الله بن محمد بن فكتب الى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه ودعاه فيه الى الحضور الى سر من رأى على جميل من الفعل والقول وهذه نسخة الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم ويثبت به عزك وعزهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربه واداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأي أمير المؤمنين صرف عبد الله ابن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ كا ن على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعند

٦٥٠

ما قرفك به ونسبك اليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وقولك فيترك محاولتة وانك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وامره باكرامك وتبجيلك والانتهاء الى أمرك ورأيك والتقرب الى الله والى امير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك والنظر اليك فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما احببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل اذا شئت وتنزل اذا شئت وتسير كيف شئت وان احببت ان يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين فما أحد من اخوانه وولده وأهل بيته والخاصته الطف منك منزلة ولا أحمد له إثرة ولا هو لهم أنظر ولا عليهم الشفق وبهم ابر واليهم اسكن منه اليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب ابراهيم بن العباس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين (فلما) وصل الكتاب الى أبي الحسن «ع» تجهز للرحيل واستأجل ثلاثة ثم خرج متوجهاً نحو العراق (قال المسعودي) واتبعه بريحة مشيعاً فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك وعلي حلف بايمان مغلظة لئن شكوتني الى أمير المؤمنين أو أحد

٦٥١

من خاصته لأجمرن(١) نخلك ولأقتلن مواليك ولأغورن عيون ضيعتك ولأفعلن ولأصنعن فقال له أبو الحسين «ع» ان أقرب عرضي اياك على الله البارحة وما كنت لأعرضنك عليه ثم أسكوك الى غيره من خلقه فانكب عليه بريجة وضرع اليه واستعفاء فقال قد عفوت عنك (ولم يزل ع) سائراً ومعه يحيى بن هرثمة حتى وصل الى بغداد (قال المسعودي) فخرج اسحاق بن ابراهيم وجملة القواد فتلقوه (قال سبط بن الجوزي) قال يحيى لما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد فقال لي يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتوكل من تعلم فان حرضته عليه قتله وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة فقلت له والله ما وقعت منه الا على كل أمر جيمل ثم صرت الى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فاخبرته بوصوله فقال والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق فلما دخلت على المتوكل سالني عنه فاحبرته بحسن سيرته وسلامة نيته وورعه وزهادته واني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وان أهل المدينة خافوا عليه فاكرمه المتوكل وأحسن جائزته (قال المسعودي) لما خرج الهادي

____________________

(١) جمرت النخلة قطعت جمارها بضم الجيم وتشديد الميم وهو شحمها الذي في جوفها وااذ قطع ذلك يبست لا محالة.

المحقق

٦٥٢

«ع» الى سر من رأى تلقاه جملة أصحاب المتوكل حتى دخل اليه فاعظمه وأكرمه ثم انصرف عنه الى دار قد اعدت له (وقال المفيد) لما وصل الى سامرا تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه فنزل في خان يقال له خان الصعاليك وأقام فيه يومه ثم أمر المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها. وأقام أبو الحسن «ع» مدة مقامه بسر من رأى مكرماً في ظاهر حاله ويبتغي له المتوكل الغوائل في باطن أمره وكان يجتهد في إيقاع حيلة به ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكن من ذلك (وروى) صقر الكرخي قال لما حمل المتوكل سيدنا ابا الحسن الهاديعليه‌السلام الى سر من رأى احببت ان اسأل عن خبره فنظر الي الزرافي حاجب المتوكل ثم أمرني بالدخول فلما انفض النس قال لعلك جئت تسأل عن خبر مولاك قلت ومن مولاي ؟ مولاي أميرالمؤمنين قال أسكت مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني على مذهبك فحمدت الله فقال أتحب ان تراه ؟ قلت نعم قال اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده فلما خرج قال لغلام له خذ بيده وادخله الحجرة التي فيها العلوي المحبوس فدخلت فاذا مولاي جالس عل ىصدر وبحذائه قبر محفور فسلمت فرد علي السلام وأمرني بالجلوس فلما نظرت الى القبر بكيت فقال لا عليك لن يصلوا الينا بشيء الآن فحمد الله ثم قال ودع واخرج فلا آمن عليك أن تؤخذ (وروى) الراوندي في الخرائج عن ابن أرومة قال دخلت على سعيد الحاجب وكان المتوكل دفع اليه أبا الحسن

٦٥٣

عليه‌السلام ليقتله فقال سعيد اتحب أن تنظر الي الهك قلت سبحان الله الذي لا تذكره الأبصار قال هو الذي تزعمون انه امامكم قلت ما أكره ذلك قال قد أمرت بقتله وأنا ف اعله غدراً وعنده صاحب البريد فاذا خرج فادخل اليه فلما خرج دخلت عليه واذا بحياله قبر محفور فلما رأيته بكيت بكاء شديداً فقال ما يبكيك قلت ما أراه قال لا تبك فانه لا يتم لهم ذلك فسكن ما بي. (قال المسعودي) واعتل أبو الحسن علي الهاديعليه‌السلام علته التي توفي فيها صلى الله عليه فأحضر أبا محمد ابنه وأوصى ثم توفي شهيداً مسموماً قال ابن بابويه سمه المعتد وقال المسعودي في اثبات الوصية ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين وخلق كثير منالشيعة ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم اسود ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكأن وجهه وجه أبيه لا يخطي منه شيئاً وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد الا قام على رجليه ووثب اليه أبو أحمد الموفق فقصده أبو محمد فعانقه ثم قال له مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناي كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع الا العطسة والسعلة ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى خرج بها الى الشارع وكان أبو محمد صلى عليه قبل ان يخرج الى الناس وصلى عليه لما اخرج المعتمد ثم دفن في دار من

٦٥٤

دوره وصارت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة وقيل لابنه محمدعليه‌السلام في شق ثيابه فقال للقائل يا أحمق ما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارونعليهما‌السلام .

رزء له يبكي النبي وفاطم لا غرو فيه أن تشق جيوب

ما ان يفي شق الجيوب بحقه حق عليه أن تشق قلوب

(مراثي علي الهاديعليه‌السلام )

قال المؤلف تجاوز الله عنه وأنشأها في سنة ١٣٢٧

يا راكب الشدنية الوجناء عرج على قبر بسامراء

قبر تضمن بضعة من أحمد وحشاشة للبضعة الزهراء

قبر تضمن من سلالة حيدر بدراً يشق حنادس الظلماء

قبر سما شرفاً على هام السها وعلا بساكنه على الجوزاء

بعلي الهادي الى نهج الهدى والدين عاد مؤرد الأرجاء

يا ابن النبي المصطفى ووصيه وابن الهداة السادة الأمناء

أناؤوك بغياً عن مرابع طيبة وقلوبهم ملأى من الشحناء

كم معجز لك قد رأوه ولم يكن يخفى على لاأبصار نور ذكاء

ان يجحدوه فطالما شمس الضحى خفيت على ذي ملقة عميتاه

٦٥٥

براً وتعظيما أروك وفي الخفا يسعون في التحقير والايذاء

كم حاولوا انقاص قدرك فاعتلى رغما لأعلى فنة العلياء

فقضيت بينهم غريباً نائياً بأبي فديتك من غريب نائي

قاسيت ما قاسيت فيهم صابراً لعظيم داهية وطول بلاء

فلأ بكينك ما تطاول بي المدى ولأمزحن مدامعي بدمائي

وقال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني من قصيدة :

لقد مني الهادي على ظلم جعفر بمعتمد في ظلمه والجرائم

أتاحت له غدراً يدا متوكل ومعتمد في الجور غاش وغاشم

وأشخص رغما عن مدينة جده الى الرجس اشخاص المعادي المخاصم

ولاقى كما لاقى من القوم أهله جفاء وغدراً وانتهاك محارم

وعاش بسامراء عشرين حجة يجرع من أعداه سم الأراقم

بنفسي مسجونا غريباً مشاهداً ضريحاً له شقته أيدي الغواشم

بنفسي موتوراً عن الوتر مغضيا يسالم أعداء له لم تسالم

بنفسي مسموماً قضى وهو نازح عن الأهل الأوطان جم المهاضم

بنفسي من تخفي على القرب والنوى مواليه من ذكر اسمه في المواسم

فهل علم الهادي الى الدين والهدى بما لقي الهادي ابنه من مظالم

وهل علم المولى علي قضى ابنه علي بسم بعد هتك المحارم

وهل علمت بنت النبي محمد رمتها الاعادي في ابنها بالقواصم

سقى أرض سامراء منهمر الحيا وحيا مغانيها هبوب النسائم

معالم قد ضمن أعلام حكمة بثور هداها يهتدي كل عالم

٦٥٦

لئن أظلمت حزنا لكم فلقربما تضيء هنا منكم بأكرم قائم

ومنتدب لله لم يثنه الردى وفي الله لم تأخذه لومة لائم

ويملأ رحب الأرض بالعدل بعدما قد امتلأت أقطارها بالظالم

امام هدى تجلو كواكب عدله من الجور داجي غيه المتراكم

به تدرك الأوتار من كل واتر وينتصف المظلوم من كل ظالم

قال علي بن عيسى الاربلي في مدح الامام علي الهادي «ع»

يا ايهذا الرائح الغادي عرج على سيدنا الهادي

واخلع اذا شارفت ذاك الثرى فعل كليم الله في الوادي

وقيل الأرض وسف تربة فيها العلى والشرف العادي

وقل سلام الله وقف على مستخرج من صلب أجواد

مؤيد الأفعال ذو نائل في المحل يروي غلة الصادي

يعفو عن الجاني ويعطي المنى في حالتي وعد وايعاد

مبارك الطلعة ميمونها وماجد من نسل امجاد

ولاهم من خير ما نلته وخير ما قدمت من زاد

وقال أبو الغوث المنبجي أسلم بن مهوز شاعر آل محمد وكان معاصراً للبحتري فالبحتري يمدح الملوك وهو يمدح آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان البحتري ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :

ولهت الى رؤياكم وله الصادي يذاد عن الورد الروي بذواد

٦٥٧

محلى عن الورد اللذيذ مساغه اذا طاف وراد به بعد وراد

فأعليت فيكم كل هوجاء جسرة ذمول السرى تقتاد في كل مقتاد

أجوب بها بيد الفلا وتجوب بي اليك ومالي غير ذكرك من زاد

فلما تراءت سر من را تجشمت اليك تعوم الماء في مفعم الوادي

اذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحسبك من هاد يشير الى هادي

مقاويل ان قالوا بهاليل ان دعوا وفاة بميعاد كفاة لمرتاد

اذا اوعدوا اعفوا وان وعدوا وفوا فهم أهل فضل عند وعد وايعاد

كرام اذا ما أنفقوا المال أنفدوا وليس لعلم انفقوه من انفاد

ينابيع علم الله أطواد دينه فهل من نفاد ان علمت لأطواد

نجوم متى نجم خبا مثله بدا فصلى على الخابي المهيمن والبادي

عباد لمولاهم موالي عباده شهود عليهم يوم حشر واشهاد

هم حج الله اثنتا عشرة متى عددت فثاني عشرهم خلف الهادي

بميلاده الأنباء جاءت شهيرة فأعظم بمولود وأكرم بميلاد

(ابو محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام )

المجلس الأول

الامام بعد أبي الحسن علي بن محمد الهدي «ع» وحادي عشر

٦٥٨

أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين وثاني الحسنين ولده الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

ولد الحسن العسكري «ع» بالمدينة يوم الجمعة أو الاثنين في ربيع الأول أو في العاشر أو الرابع أو الثامن من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين أو احدى وثلاثين ومائتين وشخص الى العراق بشخوص والده اليها وله أربع سنين وشهور (وتوفي) بسر من رأى يوم الجمعة مع صلاة الغداة أو الأحد أو الاربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول على المشهور أو في أول يومه منه أو فيالثاني عشر منه أو في ربيع الآخر سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون أو تسع وعشرون سنة ، أقام منها مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا وبعد أبيه ست سنين أو خمس سنين وهي مدة امامته وخلافته وهي بقية ملك المعتز أشهراً ثم ملك المهتدي وتوفي في ملك المعتمد بعد مضي خمس سنين منه ودفن بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه عليهما بجانبه في دارهما (امه)أم ولد يقال لها حديث أو حديثة (وقيل) سوسن وقيل سليل ولعلها سميت بجميع ذلك على التعاقب.

(كنيته) أبو محمد (أشهر القابه) العسكري ويلقب بالتقي والخالص والزكي وغيرها وانما لقب هو وأبره بالعسكري لأن المحلة التي سكناها بسامراء كانت تسمى عسكراً أو ان سامراء نفسها تسمى عسكراً لأن عسكر المعتصم نزلها وكان هو وأبوه

٦٥٩

زجده يعرف كل واحد منهم بابن الرضا (نقش خاتمه) سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (وقيل) انه لله شهيد (أو) ان الله شهيد (بوابه) عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان (شاعره) ابن الرومي على ما في الفصول المهمة (له من الأولاد) ولده المسمى باسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكنى بكنيته ليس له ولد غيره.

ابكي وهل يشفي الغليل بكائي بدرين قد غربا بسامراء

علمين من رب البرية للورى نصبا باعلى قنة العلياء

نجمان يهدى السالكون لربهم بهداهما في الفتنة العمياء

بعلي الهادي وبالحسن ابنه كشف الكروب ومدفع اللأواء

يا آل أحمد ما ببعض صفاتكم ولو اجتهدت يفي جميع ثنائي

انى وقد نطق الكتاب بمدحكم نصاً فأخرس ألسن البلغاء

وعليكم الصلوات في صلواتنا تتلى بكل صبيحة ومساء

المجلس الثاني

(أما صفته في خلقه وحليته) ففي الفصول المهمة : صفته بين السمرة والبياض ووصفه أحمد بن عبيد الله بن خاقان بانه اسمر اعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن له جلالة وهيأة حسنة.

(وأما صفته في أخلاقه واطواره) فقال أحمد بن عبيد الله بن خاقان المذكور ايضا انه لم ير ولم يسمع بمثله في هديه وسكونه

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767