الإهداء
إلى البطل الخالد والمرشد الأعظم الذي علَّمنا كيف تكون التضحية في سبيل العقيدة المقدَّسة والمبدأ السامي.
المقدّمة
بين العراق والشعر ترابط وجداني قلّما نجد له نظيراً في بلد آخر ؛ فالعراق بلد الشعر ، وليس ذلك ادّعاءً , إنما حقيقة يقرّها من يعرف العراق ومن يعرف الشعر ؛ فالعراقي يقطع الصمت بالبيت أو البيتين يترنم بها مع نفسه أو يسمع حاضريه ، وإذا عزّ عليه الاستشهاد بالقريض أسعفته الذاكرة بالشعبي.
وليس في العراق كله مَن لا يستشهد بأبيات الشعر الحكمي ، وليس فيه مَن لا يحب الشعر , لا فرق في حب الشعر بين الاُمّي والمتعلم , وبين العالم الفذ والإنسان البسيط , وبين التاجر الغني والفقير المعدم ، اشتركوا جميعاً بحبّ الشعر.
يتفجر في العراق عيوناً. ينابيع رقراقة. بركاناً لاهباً هائجة ثورته. وبين هذا وذاك يكون شعر العراق أو عراق الشعر. جمال الشعر أن يكون عراقياً , وجمال العراق أن يبقى شاعراً. ومَن لا يعرف الشعر لا يعرف العراق , والعكس صحيح.
من العراق برز فحول الشعر العربي قديماً وحديثاً ، برعوا في القريض والشعبي ، ومنهم من برع في الاثنين معاً.
من العراق ظهرت مدارس شعرية متميزة أثّرت في مجمل الحياة الأدبيّة العربية ؛ فالسياب صنع الشعر الحر ، وأسّس مدرسته الشعرية التي سرعان ما أثّرت في العالم العربي وانضمّ إليها الشعراء الآخرون أجيالا بعد أجيال.
والشيخ عبد المنعم الفرطوسي رائد الملاحم التاريخية في الشعر الحديث ، ومن النجف الأشرف ينتشر الشعاع الأدبي ليشمل العراق كله ، وأوّل ما تتعلق به أماكن النخيل الشامخات. سوق الشيوخ.
والبصرة. البصرة تلك الحلم الأرضي الذي عشقه الماء والنخيل فالتصقا به منذ القدم.
كانت البصرة مركزاً من مراكز التحرك الإسلامي التي تتسم بالوعي والتحدي والقدرة على التفاعل مع الحدث ، والتعبير عنه من خلال الموقف المطلوب ؛ فلقد تطلّب الظرف ذات يوم أن يكون الموقف احتجاجاً جماهيرياً , فنهضت البصرة الإسلاميّة بانتفاضة جماهيرية ساهمت في إرباك السلطة البعثية في الستينات , وتطلّب الظرف مرة اُخرى وبعد قرابة الثلاثة عقود أن تحدث انتفاضة شعبية كبيرة فكانت كذلك في الانتفاضة الشعبانية المباركة.
وما كانت البصرة لتنجح في تجربة الثورة والانتفاضة لولا أنها مهّدت السبيل بمرحلة طويلة من البناء التغييري الواعي على أساس الإسلام ؛ فقد كان التحرك الإسلامي يتخذ من كل المواقع منطلقات لنشر الفكر الإسلامي وتعميقه في الأوساط الجماهيرية , المناطق السباقة في هذا المجال. ومع أنّ العراق كله كان ساحة النشاط الإسلامي الحركي إلاّ أنّ البصرة كانت من عطاءاتها سريعة واضحة.