الحسين السبط والعقيدة
كمال الجبوري
مدرَّس في ثانوية البصرة للبنين
سادتي الماجدين , لا بدّ لارتباط العقل الإنساني بالدرجات العليا من الكمال الروحي , ولإيصال الوشائج بين الجسم الفاني والروح الخالدة , وللمقارنة بين الناسوت المجسّم واللاهوت المتسامي , أقول : لا بدّ لكلَّ هذه من روابط توازن بينها وتُعدُّ لها ؛ لئلاّ تطيش الحلوم , ويستغرق الفكر في مجال التصاعد الحي القهري صعداً تحوَّل به النظر من المحسوس إلى ما يسمّى بالتداعي.
إذ لا تتمكّن حواس البشر وهي محدودة ممازة من حصرها في إطار يحرزها من المروق إلّا بالقناعة والتمكين , ولا تكون القناعة إلّا بالأمان الروحي المتأتَّي من الأعماق , والصادر عن الإرادة , والمدفوع من الباطن , الخفي من الوجدان.
وكان لا بدّ لهذه القناعة الموسومة بالإيمان , المترابطة بالعلل , الثابتة من أوشاج تربطها بالحس , وأسباب تعقدها بالنفس , ألا وهي الَّتي نسميها بالعقيدة ؛ استخلاصاً من معنى عقدها المتين , واستنتاجاً لما توجده في النفس من رضا متبيَّن.
وعلى هذا الأساس البين , والنهج الواضح بنى علماؤنا القدامى قواعدهم المنطقية لترسيخ العقائد ؛ فأفردوا لها فصولاً كاملة , ووصفوا لها الحدود البينة والاُسس الثابتة , وأبانوا ما يعتورها من علل ويصيبها من زلل , وما يقوَّمها من أسباب ويمركزها من عوامل حتّى أصبح علماً قائماً بذاته يتدارسونه , وعليه يعتمدون وبه يتداولون.
ولقد جاء المصطفى (صلىاللهعليهوآله
) بلاهوته القديم , ونهجه المستقيم لاُناسيًّ من الاُمَّيين ؛ فتقبَّلته فئة فتح الله على بصيرتها بالهدى والفقه والتقرُّب من ذات البارئ المصور , لدرجة أنَّ أحدهم كان من المعرفة والقربى الروحية بأن لو كشف له الغطاء ما ازداد يقيناً , وتقبّلته فئة اُخرى كان العمى قد ران على بصيرتها , والضلال قد تطابق على نفوسها , وعصبية الجاهليّة الخرقاء قد علت طريقها , فعزفت عن الهدى ودين الحق أطواراً , وأخيراً تحمَّلته بالقوّة وإن كانت لتكيد له سراً وجهراً.
ومضى الإسلام قدماً والقلوب الآسنة لم تطهر من الأوشاب , والحفائظ الآنية ولم تُطوَ إلّا على الرين المحض وإن كانت صورها تظهر في التكالب على العرض الزائل والمتع الفانية بما فيها من أدران وخبث ظاهر للعيان , وكيف لا وهي تتلاقفها تلاقف الاُكرة , وتتراشق عليها تراشق اليعاسيب على الزهرة.