الأقدام في أزقَّة الكوفة وشوارعها , وبالتالي في أزقَّة الشام وشوارعه ؟ هل كان قصد يزيد الاستئثار بالحكم فقط أم إذلال الهاشميين والتشفّي منهم ؟
أليس هذا دليلاً على التباين بين الخير والشرَّ الَّذي ظهر بأجلى معانيه في نفس كلٍّ من الحسين بن علي (عليهالسلام
) ويزيد بن معاوية ؟
أليس ذلك واضحاً على طبائع وأمزجة البيتين الذين مثَّلهما هذان الرجلان ؟ وبالتالي أليس ذلك دليلاً على التفاوت العظيم بين سموَّ الأخلاق وحطَّتها ؟
نعم إنه لكذلك , وهذه المعركة الَّتي حدثت بالطفِّ مشهورة وقائعُها , ومعروفة قصَّتها , لا تتبدَّل ولا تتغيَّر وإن تبدَّلت الألفاظ وتغيَّرت التعابير. فدعنا إذاً نتحدَّث عنها بهذه المناسبة المباركة باختصار.
نحن الآن في المدينة المنورة , مدينة النبي (صلىاللهعليهوآله
) الثانية , ومعقل الأحرار من أنصاره دعاة الإيمان وبناة الدين الإسلامي , فهلمَّ بنا لنحضر مجلس أميرها والحاكم عليها بأمر خليفة الشام لنرى ما سيحدث بين أميرين.
هذا الوليد جالس على كرسي الإمارة في قصر الإمارة , وهذا الحسين بن علي (عليهالسلام
) قادم من بيته مع رهط من الصفوة الممتازة من أهله وصحبه. يدخل الحسين (عليهالسلام
) فيحيي القوم بلهجة تدلُّ على عظم نفسه وعزَّتها وإبائها , ثمَّ يسأل الأمير عما يريده منه , فيبلغه الأمير بموت معاوية وتنصيب ولده يزيد من بعده , ثمَّ يقول : وها أنا قد أرسلت إليك لأطلب منك مبايعة الخليفة الجديد.
وبذلك السؤال وهذا الجواب ينقطع حبل المجاملة فجأة , وينفجر بركان الكرامة الشامخ الآنف , فيتقدَّم أمير الحقَّ نحو أمير يزيد ليعلن له رأيه بصراحة دونها كلُّ صراحة , وليقول له ذلك القول الذي سجَّله التأريخ بأحرف من ذهب: (( إنّنا بيت النبوَّة ومهبط الوحي , ومعدن الرسالة , ويزيد شاربٌ للخمر , محبٌّ للفجور , قاتل للنفس المحترمة , ومَن كان مثلي لا يبايع مثله )).
هذا ما قاله الحسين (عليهالسلام
) , وإنه واللهِ لقولٌ فصل , بل إنه والله لهو الدرس الذي يجب أن يتعلَّمه كلُّ إنسان يعيش في بلد اكفهرَّت أجواؤه بأعاصير من المبادئ المستترة تحت ألوان شتّى من ثياب المكر والخداع , فابتُلي بأنواع متعدَّدة من أشباه الرجال.