يوم الحسين (عليه‌السلام)

يوم الحسين (عليه‌السلام)0%

يوم الحسين (عليه‌السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 206

  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28189 / تحميل: 3782
الحجم الحجم الحجم
يوم الحسين (عليه‌السلام)

يوم الحسين (عليه‌السلام)

مؤلف:
العربية

وتعاقبت الأيّام فتعاملت أسباب الريب وعوامل الظنون الخفيَّة في النفوس المريضة حتّى تزاحمت عليه تزاحم المياسر في القداح , وتخادعت فيه حتّى حملت صحف الله على الرماح , فأصبح الأمر ملكاً عضوضاً جائراً بعد أن كان إيتوبيا فاضلة :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيسٌ ولم يسمر بمكَّة سامرُ

وكان لا بدّ من إمام يفتل وشائج العقيدة المهلهلة من بعد قوَّة , ويشدُّ ربطها بعد النكث , ويبرمه بعد النقض , فكان الإمام , وكان النصح المحض والنزاهة الحرَّة , والرجوع إلى الرأي.

ولكن أنّى لهم الرجوع إليه وقد ضيَّعوه ؟ وأنّى لهم الرضا بالعقل , والعاطفة غلابة , وخبث الحران جيّاش , والقوم في فوضى الجاهليّة يتخبَّطون , وفي العصبيَّة القبليَّة يتمسكون ؟ فلم تفد ضحايا صفّين والمرج والنهروان لتدعيم النفوس الماردة بالإيمان.

وسار الزمن , وقافلة الريب والأهواء تدوس العقيدة المحضة , فتفرَّقت الآراء شيعاً , كلُّ حزب بما لديهم فرحون , حتّى كادت النفوس أن تمسي من الحقيقة والهدى خلاء , وأن يخفت صوت المنادي بـ (حيّ على الفلاح) صبحاً ومساءً لولا أن ينهض السبط نهضته , فبهر الدنيا ونادى : (لا) , فزلزل الآفاق بندائه : ( لا , لا يخفتن صوت الحق والرباح , ولا يغمر الفساد على الصلاح وفيَّ قطرة من دماء , ونفس من إباء وعزيمة ومضاء ).

وكان في خروجه وقطعه الحزون والنجود ليل نهار , وفي أخذه العهد من شيعته ومواليه عبرةٌ وموعظة , وكان في استشهاده هو وآله وصحبه الغرًّ الميامين بناء للعقيدة لا يهدُّ , وتجديد للدين الحنيف لا يصيبه البلاء والقدم ؛ ففي خروجه وتجشُّمه الصعاب مع أطفاله ونسائه عبرة للزعامة الحقَّة , وفي أخذه العهد من مواليه موعظة حسنة تذكّرهم

١٢١

باجتماع كلمتهم على ولائه , ثمَّ بخروجهم عليه وتفريطهم بابن رسول الله وخاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وإني لأرى في هذا البكاء المساوق للزمن طوال الأحقاب حسرةً تحزّ في القلوب , وندامة تعقب [سدَّماً على](١) التفريط في الإمام (عليه‌السلام ). وأرى في اللطم على الصدر وشقَّ الجيوب صورة المفجوع برأيه , المتحسر على وحدته , القادم على تراجعه في طاعة زعيمه.

فما بكاؤنا على السبط الشهيد فحسب , وإنما على إضاعتنا له , وما نحيبنا إلّا على أننا جمعنا الكلمة ثمَّ تفرقنا , ووحدّنا الرأي ثمَّ انشعبنا , كما أرى في وقوف الحسين (عليه‌السلام ) مع صحبه للموت صبراً , تجديداً للدين , ودعامة لليقين , وتركيزاً للإيمان , وحياة للإسلام.

لقد أراد الحسين (عليه‌السلام ) كلَّ ذلك فكان له ما أراد , وإذا بالقلوب تلتهب إيماناً وحبّاً , وبالعقيدة تتأصَّل فيها وتتمركز , وإذا بالأسى يتتجدَّد عاماً فعاماً , بل

____________________

(١) ما بين معقوفين ورد في الأصل بصورته.

١٢٢

وسيبقى إلى الحشر وهو يزداد عجباً وضراماً.

قد عذلت الجزوع وهو صبورُ

وعذرت الصبور وهو جزوعُ

عجباً للعيون لم تغد بيضاً

لمصابٍ تحمرُّ منه الدموعُ

وأسىً شابت الليالي عليه

وهو للحشر في القلوب رضيعُ

يا أبا عبد الله , لتهنأ في ملكوتك ؛ فإن شجرة العقيدة الراسخة الَّتي قد سقيتها بدمك الطهر قد آتت اُكلها , وهاهم المسلمون قد عقدوا الخناصر على ولائك وولاء جدَّك , لا فرق في ذلك بين أحمرهم وأسودهم , وقد تناسوا الأضغان وتحابّوا في الله إخوانا. وهاهم على سرر متقابلين , ولمرضاة الله ومرضاتك عاملين. فرضوان الله عليك يا شهيد العقيدة والإباء , وعلى صحبك شهداء كربلاء.

كمال الجبوري - البصرة

* * *

١٢٣

ثورة الحسين (عليه‌السلام )

رشيد ياسين

رشيد ياسين ١٩٢٩م

* ولد في بغداد.

* حاصل على بكلوريوس في المسرح , وماجستير في الفلسفة وعلم الجمال من جامعة صوفيا بلغاريا.

* شاعر وناقد وباحث.

* اشتغل في الصحافة , وكانت له مناظرات حول نظرية الفن والمسرح , ترجم الكثير من الأعمال الأدبيّة والدراسات من الانكليزيّة والبلغاريّة.

من مؤلفاته المطبوعة :

١ - أوراق مهملة (شعر) - دمشق ١٩٧٢م.

٢ - الموت في الصحراء (شعر) ١٩٨٦.

١٢٤

ثورة الحسين (عليه‌السلام )

رشيد ياسين

حدَّثينا عن يومه المأثورِ

وارفعي عنه حالكات الستورِ

وابعثيه يا ذكريات دموعاً

في المآقي ووقدة في الصدورِ

وأنيري للخابطين بديجو

ر الضلالات والعماء الكبيرِ

صفحةً للجهاد قد سطرتها

رسلُ الحق بالنجيع الطهورِ

* * *

حدَّثينا عن نهضة ذعر الطا

غوت من رجعها الأبي النذيرِ

واستفاقت ندمانه وهوى الكأ

س ومادت جوانب الماخورِ

وانجلت ظلمة الخنوع فهبَّت

زمر المسلمين للتكفيرِ

فإذا الشام ملعب للمنايا

وإذا الملك كالحطام النثيرِ

وإذا الغاشمون من آلِ حربٍ

ميسم العار في جبين الدهورِ

شرَّد كالنعاج أذعرها النصـ

ـل ففرَّت ومالها من مجيرِ

ذاك عرش الطاغوت قام على الرقِّ

فألوى به انتفاض الأسيرِ

* * *

١٢٥

إيه يا كربلاء كم خضبت أر

ضك أهواء ثمَّ أو غدورِ

كم ظلوم أقام فيك على الأشـ

ـلاء أركان عرشه والسريرِ

كم شهيد كانت دماه وَقِيداً

لسراج الآمال في الديجورِ

إيه يا كربلاء عودي بهاتيـ

ـك المآسي من نائيات العصورِ

وصفي موكب الحسين وقد قا

م يلبَّي ضراعة المستجيرِ

ومضى يقطع الصحارى مجدّاً

بين رمل من لفحها وهجيرِ

قاصداً كربلاء حتّى إذا ما

أنزلته فيها يد المقدورِ

ومضى يسأل الاُولى بايعوه

بعهود الخداع والتغريرِ

كيف خانوا أما لديهم فضولٌ

من إباءٍ أو وازع من ضميرِ

لم يجد غير أنفس دنَّستها

شهواتٌ مسعورةٌ في الصدورِ

زمر باعت الكرامة بالما

ل وداست على النهى والشعورِ

وأتت تحمل الحسين على طا

عة جبّارها الأثيم الكفورِ

فانبرى مشعل الإباء حسينٌ

صارخاً في قطيعها المأجورِ

يا عبيد الزناة من آل سفيا

ن ويا باعة التقى بالفجورِ

لم أجئ طامعاً لديكم بملك

رفعته مقوَّسات الظهورِ

فنفوس الهداة ترغب عمّا

تهب الأرض من متاع حقيرِ

إنّما جئتكم لأرفع عنكم

ألف وزر وألف قيد ونيرِ

وأزيح الآثام عن ألق الحقِّ

وألوي بسطوة السكَّيرِ

مستبيح الأعراض في مخدع البغـ

ـي وجلاد شعبه المأسورِ

يا ضحايا الشرور جئت أقيكم

بكياني إعصار تلك الشرورِ

غير أنّ العين التي تألف الظلّ

ماء تخشى أن تستحمَّ بنورِ

* * *

١٢٦

فتروَّوا حيناً ولكنّما الشهـ

ـوة غالت فيهم بقايا الضميرِ

فانبروا كالذئاب تغترف الدّ

م لتطفي من غلها المسعورِ

واستحرَّ القتال فالأرض سيل

من نجيع ومدرج للنسورِ

ورجال الحسين يهوون كالأنـ

ـجم في لجَّة الفناء الغميرِ

يا لها ساعة أفاضت على الدنـ

ـيا سناء من داميات النحورِ

* * *

وانجلى النقع والحسين وحيدٌ

ما له في جهاده من نصيرِ

تتناهى إليه ولولة الأطـ

ـفال بالغالَّ من وراء الستورِ

وأنين الجرحى ونوح الثكالى

بنشيج مقطَّع محرورِ

فانتضى سيفه وهبَّ إلى البا

غين غضبان هازئاً بالمصيرِ

دائراً في جموعهم يزرع المو

ت فتعدو كالأرنب المذعورِ

ومضى في نضاله غير أن الـ

ـفرد يعيا أمام جمع غفيرِ

فتهاوى على الثرى وتقضَّت

بُقية من [لهافة](١) المحرورِ

فانبرت طغمة الزنى تطأ المو

تى وتقسو على عذارى الخدورِ

* * *

يا شهيد الإخلاص كم من شهيدٍ

فجَّر النور من ظلام القبورِ

يا نبيَّ الجهاد في كلَّ قلبٍ

أنت جرح مخضّب بالنورِ

أنت حادي الأقوام إن غام مرقا

ها وتاهت في عتمة الديجورِ

ليس تهوي صروح دين بناه

رسل الحقَّ بالنجيع الطهورِ

* * *

رشيد ياسين - البصرة

____________________

(١) هكذا في الاصل.

١٢٧

شهيد الحقِّ والعدالة

كاظم السوداني

كاظم السوداني

* شاعر , ومحقق.

* ولد في النجف , ودرس المقدمات في المعاهد العلميّة النجفيّة , كتب الشعر منذ إيفاعه وأنشده في المناسبات الاجتماعيّة.

* له من الكتب المطبوعة (المنظومة الحيدريّة) - النجف ١٩٣٦م.

١٢٨

شهيد الحقِّ والعدالة

كاظم السوداني

( ومنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنُهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنُهم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً ) (١) .

أيُّها الحفل الكريم , حقّاً إن المنطق ليقصر , والبيان ليعجز , واليراع لتقف عاجزة عن تحبير كلَّ ما تجيش به نفسي من الآلام والحزن لمصاب الحسين بن علي (عليه‌السلام ).

أيُّها السادة , لا اُريد أن اُذكَّر بعظم هذا المصاب الهائل الَّذي نزل على الاُمَّة الإسلاميّة نزول الصاعقة المهلكة , فترك قلوباً ينهشها الحزن , وأكباداً يفتتها الألم , وأنّات عميقة ملؤها الأسى والأسف , وإنما أردت أن اُحدَّثكم عن مزايا ذلك الإنسان السماوي وحقيقة العمل الَّذي أقدم عليه ؛ فضحّى تلك التضحية المجيدة الَّتي سطّرها له قلم الدهر بمداد من ذهب على صفحة الوجود السرمديَّة.

يا حضرات الأفاضل , هناك فئة ممَّن كتب الله لهم السعادة , وامتحن قلوبهم للإخلاص , وطهَّر ضمائرهم من شوائب الأنانيّة والطمع , ونزَّههم من مواقع الزيغ والضلال , وأبعدهم عن مواطن الضعف والاستكانة , والخور والخنوع , ووهبهم من خصال الشجاعة والبسالة , ومزايا العظمة والبطولة , ومفاخر

____________________

(١) سورة الأحزاب / ٢٣.

١٢٩

القوة والنضال ما لم يهبه إلى غيرهم ؛ فحمَّلهم من المهمات ما تنوء بحمله كواهل الفتيان وأحلام الشيوخ , وأخص منهم بالذكر الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) ؛ فقد كان (عليه‌السلام ) شجاعاً باسلاً , وحكيماً مدبراً , قويَّ الإيمان بالله , ثابت الجنان والعزيمة , صلب العود , متين الإرادة , بعيداً عن مواطن الاستسلام.

سادتي , تلك هي صفحات أعماله البيضاء الخالدة المجيدة شاهد عدل وبرهان صادق على ما كان ينويه (عليه‌السلام ) من إسعاد للاُمة الإسلاميّة وإنقاذها مما كان يحيق بها من مكروه وحيف , ومما يعتري صفوفها من الوهن والتفكُّك في عهد دولة الظلم والاستبداد , دولة يزيد بن معاوية وفئته الطاغية العابثة.

فتقدَّم مع أفراد عائلته وأنصاره من المؤمنين بفكرته لإنقاذ الدين الإسلامي والاُمَّة الإسلاميّة من مخالب الضلال والجور والاستغلال , وهو قوي الإيمان بالفوز , شديد اليقين بالنجاح , مشرق الأمل , رابط الجأش.

فاعترض طريقه جمع غفير بكامل عدّتهم وعددهم من أنصار يزيد , ولكنه (عليه‌السلام ) رغم قلة أعوانه آلى على نفسه أن يردَّ الحق إلى نصابه , والعدل إلى مكانه , وتلك هي سجيته , لولا أن القدر قد لعب دوره المؤلم معه ؛ فخر (عليه‌السلام ) في مثل هذا اليوم صريعاً بعدما شاهد مصرع أفراد عائلته الواحد تلو الآخر.

أيها الحفل الكريم , هذا هو الحسين بن علي (عليه‌السلام ) شهيد الحقَّ والعدالة , الَّذي ضرب مثلاً رائعاً في التضحية الصادقة في سبيل إنقاذ أبناء اُمته مما كان يحيق بهم , اُولئك الَّذين استصرخوه فلبّى صراخهم بدمائه , واستنجدوا به فأجاب طلبهم بروحه.

هذا هو الحسين شهيد الحق والعدالة , ورمز البطولة والتضحية , فلنأخذ منه مثلاً , ولننهج نهجه , فنعم الطريق الَّذي سلكه , ونعم المبدأ الَّذي اعتنقه.

كاظم السوداني

١٣٠

في موكب الحسين (عليه‌السلام )

كاظم محمود الصائب

تواكب آفاق الوجود المواكبُ

فتهوى لترصيع البنود الكواكبُ

حقائبُ أسرار الدهور تألُّقٍ

وترجيع أصداء الزمان مواكبُ

نداءُ المنى صورٌ ولامعة السرى

حداة فأي الضفّتين تصاقبُ

مثالية غرّاء قام بها التقى

واُخرى نحت حيث الهوى والرغائبُ

فإن كانت الاُولى فتلك رفارفٌ

وإن كانت الاُخرى فتلك المثالبُ

ضفافٌ هي الأعراف في عيلم الدنا

تنصُّ على أنّ الأماني كواعبُ

تؤلّف ما بين الدم الحر والمنى

فضائل قد قامت عليها المذاهبُ

فإن عرجت نحو الأماني سوافحاً

فقد قدَّست تلك الدماء المطالبُ

فداء المنى في شرعة الواقع الدَّما

ومجد الأمانيِّ الدماءُ السواكبُ

فإن داعبتها الماضيات قواضباً

فجلُّ المنى ما داعبتها القواضبُ

إذا عدم الحق الهضيم مطالباً

فقد نال من مجد الكيان المطالبُ

* * *

أبا حسن ما صال شبلك دارعاً

إذ استعرت إلّا إضمحلت كتائبُ

نضال أبى السجّاد سنَّ لنا الإبا

فهل أدركت نهج النضال الأعاربُ

أتمحو سجلاً بالحضارات حافلاً

لترسخ أنباءُ الجناةِ الكواذبُ

إذا سنَّ منهاج الإباء أوائلٌ

فقد نسيت ذاك النضال العواقبُ

تطلُّ بأعقاب الدهور اُبوَّةٌ

وتصرخ في صلب الزمان الترائبُ

تشيد الصروح العاتيات أباعدٌ

فتدعمها كيلا تميل الأقاربُ

أصارخةُ الأجيال إمّا بعثتها

فدوَّي بها وليغلُ باللوم عاتبُ

١٣١

أصارخة الأجيال إمّا بعثتها

فدوّي بها ولتسعدنك النوادبُ

رِدِي مورداً في موكب الدهر مفرداً

تقهقر فيه الدهر والدهر راعبُ

هو الثورة الكبرى على الظلم عاتياً

هو الحقُّ والحقُّ المناضل غالبُ

لقد ضربت في مكمن الجور باطلاً

فباد لأنّ الله بالحقَّ ضاربُ

نبيَّ الهدى أعظم بسبطك صائلاً

ينافح عن حقَّ تبنّاه غاصبُ

يرفّ على سبط النبي لواؤه

يواكبه فيه الكماة الأطايبُ

أبا العَرَب امنح اُمَّة العُرْب يقظةً

فقد ساورتها اللاسعات العقاربُ

شعوبيَّةٌ رقطاء لا زال شملها

شتيتاً وقد ضاقت عليها المذاهبُ

أوارث ساقي الموت في يوم خيبرٍ

وقاهر جيش الشرك والشرك واثبُ

هب (الضاد) من سر البطولة آية

تعود بها تلك العصور الذواهبُ

طوى حيدرٌ في مأزق الرعب (مرحباً)

فهبَّ إلى الثأر القديم المراحبُ

يعز على سبط النبوَّة أن يرى

كيان الحمى قد داهمته النوائبُ

* * *

أساطير أحداث الزمان عجائبٌ

وأغربها أن تُستطاب الغرائبُ

إذا ما توارى الحقُّ والحقُّ لاحبٌ

وصالت على الاُسد الاُباة الثعالبُ

(فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ)

فقد طاولت تلك الصدور الذنائبُ

إذا المجد لم تدعم حماه بواطش

غزته وعاثت فيه أيد نواهبُ

أباعثها في مسمع الدهر صرخةٌ

وعاها فوالاها الزمان المخاطبُ

أموقدها في مسمع الظلم ثورةٌ

سمعنا الصدى لكن ترامى التجاوبُ

١٣٢

مفيض سناها نهضةٌ هاشميَّةٌ

رأى القوم مغزاها فأين التجاربُ

إذا ما أهابت للكفاح تحفّزاً

رماها بطرفٍ شاخصٍ وهو غائبُ

أسبط الهدى أوقدت فيها مشاعلاً

قد اقتبست منها النجوم الثواقبُ

أفض قبساً من نورها ينجلِ الدجى

فترتدَّ عن اُفق الكيان الغياهبُ

* * *

مرتَّلة الألحان في سبط أحمدٍ

أعيدي نشيداً فالنشيد المناقبُ

فسبط الهدى في موكب الدهر آيةٌ

يشنَّف سمع الدهر فيها التعاقبُ

فإن رتَّلتها بالنشيد مشارقٌ

فقد أكبرتها للنضال المغاربُ

* * *

محمود الصائب - البصرة

١٣٣

من وحي الحسين (عليه‌السلام ) صدى كربلاء

محمد هاشم الجواهري

صوتٌ تعالى فملء الكون إصغاءُ

باسم الفضيلة والأيّام أصداءُ

بعثْته حين لا أهل ولا وطنٌ

وحال دونهما جيش وصحراءُ

هذي حواليك أشلاء مبعثرةٌ

ضجَّت لمصرعها سحب ورمضاءُ

لكلَّ أنَّة قلب منك موجعة

معاول بصروح الظلم صمّاءُ

أفديك من بطل حيّا مآثره

لكلَّ جيل فم للدهر وضّاءُ

يختال من يومك المشهود ملتمعاً

سيف بكفَّك في الهيجاء مضّاءُ

يا من رفعت لواء النصر مندفعاً

إلى الجهاد أحاطتك الأرقّاءُ

قم واستعد عزمات ما برحت لها

فذي فلسطين للأعداء أرجاءُ

لها على القدس قلب بات منصدعاً

وناظر في مجال الحرب بكّاءُ

هل مشعل يا ربيب الوحي تمنحه

لنا فتلك حواشي الاُفق ظلماءُ

غامت بآفاقنا الأجواء وانبعثت

مع الزمان أعاصير وأنواءُ

يحيا على ظلمات الجهل معظمنا

وغيرنا في سماء النور أحياءُ

يا فكرة في هضاب الطفَّ ثائرة

ضجَّت ليومك في الأحقاب أصداءُ

حطَّمت عرشاً طغى بالحكم معتسفاً

شادت قواعده النكراء أهواءُ

هذي ثعالب صهيون بأجمتنا

عاثت وعنها أكفّ الليث شلاّءُ

ذكراك تستعرض الأجيال صارخة

مجد يواكب مسراها وعلياءُ

سبط الهدى ناوأت دنياك شرذمةٌ

عيونها عن سناء الحقَّ عشواءُ

شلَّت يد البغي لا جالت وقد عقمتْ

عن أن يكون لها في الحقَّ سيماءُ

* * *

محمد هاشم الجواهري

١٣٤

رمز النضال

عبود شبر

يحدَّثنا التأريخ أحاديث شتّى عن كثير من الحركات الثورية الَّتي حدثت وقائعها في عالمنا هذا , ويقصُّ علينا أنواعاً من القصص المثيرة , ويرينا نماذج متعددة لصراع يحتدم عادة بين جنسين من البشر متنافرين , متضاربين في المأكل والمشرب , وفي العقيدة والتفكير.

هؤلاء يعملون حسب ما تُمليه عليهم ضمائرهم الحيَّة , وطبقاً لصفات النخوة والشهامة الَّتي جبلوا عليها , ولا يضيرهم أن يضحُّوا في سبيلها , وأن يتحملوا أعظم المصائب وأقسى الآلام , واُولئك يعملون للمنافع والمغانم , ولا يهمهم أن يسلكوا في سبيل الحصول عليها طريق الشر , ويرتكبوا أحطَّ الجرائم طبقاً لما تملي عليهم ضمائرهم الملوَّثة ونفوسهم الخسيسة الجشعة.

وربما صادف أن تقترن أعمال الأخيار بالمنافع أحياناً , ويتراءى للبعض أنه بعض أعمال الأشرار تقترن بالشهامة بعض الوقت. ولكن لا يصعب على ذوي البصائر والألباب من المنصفين أن يعزلوا بين المعسكرين إذا ما اصطدما ؛ إذ إنّ كلَّ معسكر لا بدَّ وأن ينحو نحو الغاية الَّتي يريدها , وأن ينكشف عمل كلَّ واحد إذا ما اشتدَّ الصراع. وشتّان بين مشرَّق ومغرَّب.

والتأريخ عندما يحدَّثنا عن هذه الحركات , ويقصُّ علينا من أخبار الأخيار والأشرار فإنَّه لا يبخل علينا بالتحذير من دسّ المغرضين الذين يحاولون طمس الحقائق وتشويه أخبار الثقة من الرواة.

وقد أثبتت الحقيقة الّتي لا مراء فيها بالرغم من محاولة المغرضين لتشويه التأريخ وإرباكه ببعض الدسَّ , على أنه - أي التأريخ - واصل لا محالة إلى نتيجة واحدة , هي أن الصراع أو الصدام , أو سَمَّه ما شئت أن تسمّيه , ما هو في الحقيقة إلّا نزاع مستمرٌّ بين الحقَّ والباطل , هو نزاع بين مبدأين :

* مبدأ الحق الذي يعتنقه رجال مخلصون من طراز اُولئك الذين يكلّفون الأيّام ضدَّ طباعها , والّذين يعزُّ عليهم الإذعان والتسليم حتّى ولو عزَّ عليهم النصر , ويضحُّون بأنفسهم , ويفنون في سبيل الحقَّ ليحيوا قضية مخذولة ليس لها بغير موتهم حياة.

١٣٥

* ومبدأ الباطل الَّذي يتَّصف مقتنوه بأحطّ ما بالنفس من جشع وخنوع لصغار المتع والأهواء.

ومعركة الطفَّ الّتي حدثت وقائعها منذ [نيف وألف](١) من السنين ما هي إلّا نموذج صادق للنزاع الَّذي ذكرناه آنفاً , وهي بحدَّ ذاتها لم تكن نتيجة تنافس بين رجلين في سبيل الرئاسة والزعامة كما يتوهَّم البعض , إنما هي في الحقيقة اختلاف في الرأي والعقيدة والطباع بين بيتين :

* البيت الهاشمي الرفيع , وقد مثَّله شريف المدينة الحسين بن علي (عليهما‌السلام ) بأشرف ما في نفسه من غيرة على الحقَّ , وكراهة للنفاق , وأعظم ما اتصف به من كرم الأخلاق ونبل المحتد.

* والبيت الاُموي , وقد مثَّله طاغية الشام يزيد بن معاوية بأرذل ما في نفسه من خسَّة طبع وخنوع وحطَّة في الأخلاق.

أجل لو كان القصد الزعامة أو الاستئثار بالحكم فما هي الغاية إذاً أن تطأ الخيل صدر الحسين بعد مصرعه ؟! لقد مات الحسين (عليه‌السلام ) فانعدم بموته المنافس , فلِم هذا العمل الإجراميُّ يا ترى ؟ وما هو القصد من سبي النساء وإجاعة الأطفال ؟ ولِم التشهير بحرائر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والسير بهن حاسرات الرؤوس , حافيات

____________________

(١) كذا ورد الأصل.

١٣٦

الأقدام في أزقَّة الكوفة وشوارعها , وبالتالي في أزقَّة الشام وشوارعه ؟ هل كان قصد يزيد الاستئثار بالحكم فقط أم إذلال الهاشميين والتشفّي منهم ؟

أليس هذا دليلاً على التباين بين الخير والشرَّ الَّذي ظهر بأجلى معانيه في نفس كلٍّ من الحسين بن علي (عليه‌السلام ) ويزيد بن معاوية ؟

أليس ذلك واضحاً على طبائع وأمزجة البيتين الذين مثَّلهما هذان الرجلان ؟ وبالتالي أليس ذلك دليلاً على التفاوت العظيم بين سموَّ الأخلاق وحطَّتها ؟

نعم إنه لكذلك , وهذه المعركة الَّتي حدثت بالطفِّ مشهورة وقائعُها , ومعروفة قصَّتها , لا تتبدَّل ولا تتغيَّر وإن تبدَّلت الألفاظ وتغيَّرت التعابير. فدعنا إذاً نتحدَّث عنها بهذه المناسبة المباركة باختصار.

نحن الآن في المدينة المنورة , مدينة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الثانية , ومعقل الأحرار من أنصاره دعاة الإيمان وبناة الدين الإسلامي , فهلمَّ بنا لنحضر مجلس أميرها والحاكم عليها بأمر خليفة الشام لنرى ما سيحدث بين أميرين.

هذا الوليد جالس على كرسي الإمارة في قصر الإمارة , وهذا الحسين بن علي (عليه‌السلام ) قادم من بيته مع رهط من الصفوة الممتازة من أهله وصحبه. يدخل الحسين (عليه‌السلام ) فيحيي القوم بلهجة تدلُّ على عظم نفسه وعزَّتها وإبائها , ثمَّ يسأل الأمير عما يريده منه , فيبلغه الأمير بموت معاوية وتنصيب ولده يزيد من بعده , ثمَّ يقول : وها أنا قد أرسلت إليك لأطلب منك مبايعة الخليفة الجديد.

وبذلك السؤال وهذا الجواب ينقطع حبل المجاملة فجأة , وينفجر بركان الكرامة الشامخ الآنف , فيتقدَّم أمير الحقَّ نحو أمير يزيد ليعلن له رأيه بصراحة دونها كلُّ صراحة , وليقول له ذلك القول الذي سجَّله التأريخ بأحرف من ذهب: (( إنّنا بيت النبوَّة ومهبط الوحي , ومعدن الرسالة , ويزيد شاربٌ للخمر , محبٌّ للفجور , قاتل للنفس المحترمة , ومَن كان مثلي لا يبايع مثله )).

هذا ما قاله الحسين (عليه‌السلام ) , وإنه واللهِ لقولٌ فصل , بل إنه والله لهو الدرس الذي يجب أن يتعلَّمه كلُّ إنسان يعيش في بلد اكفهرَّت أجواؤه بأعاصير من المبادئ المستترة تحت ألوان شتّى من ثياب المكر والخداع , فابتُلي بأنواع متعدَّدة من أشباه الرجال.

١٣٧

إنّ قول الحسين (عليه‌السلام ) هذا لدرس بليغ , لو اتَّعظ به شبابنا ورجالنا لما رأيتنا بالغين هذه الحالة الَّتي يُرثى لها من تفسُّخ الأخلاق وتلوُّن العقائد والمبادئ , ولكن أنّى لنا الوصول إلى المنزلة الّتي وصل إليها الحسين (عليه‌السلام ) ؟!

لقد أعلنها أبو عبد الله حرباً شعواء على الظلم والجور في واقعة الطفَّ , تلك الواقعة الّتي سجَّلت له أشرف صفحة من صفحات البطولة والجهاد في سبيل الحقَّ منذ ذلك الوقت البعيد , ولا زالت لنا مثلاً رائعاً في الإباء والفناء لم يسبق للتأريخ العربي أن حمل لنا بأروع منها , إنها لثورة فكريَّة عنيفة قام بها الحسين وصحبه على الظالمين , وهم يعلمون أنهم إذ يثورون ويأبون مبايعة يزيد إنما يبذلون في سبيل ذلك أرواحاً عزيزة كريمة شريفة ؛ ذلك لأنهم يعلمون أيضاً أن المستشهدين يخسرون حياتهم وحياة ذويهم , ولكنهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة فتظفر بالنهاية بكلَّ شيء ؛ ففضَّلوا الموت على حياة يأباها من كان مثلهم , فكانوا بذلك خير مثل لكل من أحبَّ أن يعيش ويموت كريماً.

ولو أن الحسين (عليه‌السلام ) ساير القوم وبايع يزيد لنال كلَّ ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ به الأعين , ولعاش عيشة راضية , ولكنَّه لو فعل ذلك لطعن مبادئ محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) طعنة نجلاء , واتَّخذ المسلمون خضوعه من بعده حجة يعتصمون بها للسير في طريق الشرَّ.

لو أن الحسين (عليه‌السلام ) سالمهم وسلَّم لهم لما رُفعت راية الإسلام , ولطُعن الشرف والكرامة بالصميم , ولكنه رفض كلَّ ما منّي به بإباء وشمم , وفضَّل الموت على الحياة ؛ ذلك لأنه يعتقد بأن الحياة ما غلت إلى درجة أن تُشترى بالشرف, ولا وهن الشرف إلى هذا الحد حتّى تشترى به الحياة ؛ فسار في عزيمته , ولم يتخلَّ عن مبادئ جدَّه وإباء أبيه وشرف اُسرته , وخرج من مجلس الوليد ولسان حاله يقول :

فإذا لم يكن من الموت بدٌّ

فمن العجز أن تموت جبانا

وما إن حلَّ اليوم المشهود , واحتدم القتال بين قوى الخير وقوى الشرَّ إلّا وهوت تلك الأجسام الطاهرة في ميدان الشرف والمروءة , وارتفعت تلك الأرواح المخلصة الأمينة إلى الملأ الأعلى لتفرض نفسها على الزمن فرضاً , ولتسجَّل لها أنصع صفحة في سجلَّ الخالدين من الشهداء والأبرار.

فسلام عليك يا أبا عبد الله , وعلى المستشهدين بين يديك , وكفاك فخراً أن تكون رمز النضال ما بقي التأريخ.

عبّود شُبّر

* * *

١٣٨

أبو الشهداء

كاظم مكّي حسن

علم الهدى ومعلَّم الأحرارِ

كم في جهادك من عُلا وفَخارِ

تمضي الدهور وتنقضي أحداثها

وحديث ذكرك دائم التكرارِ

أبقيت ما بقي الزمان مآثراً

للمكرمات روائع الآثارِ

هي خير ما يبقى الحياة عزيزة

وأجلُّ ما فيها من الأسرارِ

هي دعوة للحقَّ لم ينفكَّ في

ليل يرفُّ لواؤها ونهارِ

أعظم بنهضتك الَّتي لم تلتئم

إلّا على فيض الدماء الجاريِ

سارت مسير الشمس تبعث في الورى

روحَ الكرامة والشعاع الساري

ما حدت فيها عن ثباتك رهبةً

من خارجين على الهدى أشرارِ

دنياك دنيا الخالدين ولم تكن

للخالدين سوى رفيع منارِ

والدين فيك خليقة جبلت على

شيم الاُباة وعزة الأبرارِ

فكأنما خلقت صفاتك للورى

شهباً تشعُّ بأسطع الأنوارِ

هي في الحياة عجائب لم تستقم

إلّا لدى شمم من الأحرارِ

فخرَ الزمان بها وخلَّد ذكرها

وأقامها للمجد خير شعارِ

وبنى بها حصن المحامد شامخاً

يزهو بكل خميلة معطارِ

ما قام قبلك يابن بنت محمدٍ

داعٍ تحدّى أعنف الأقدارِ

قهرت عزيمتك الخطوب ولم تكن

وغدت بلا حدًّ ولا مقدارِ

وغدوت معجزة الجهاد ولم تدع

فيه لذي هممٍ مجال فخارِ

* * *

١٣٩

يا باذل النفس الكريمة للعلا

ثمناً لقد أتعبت كلَّ مُجارِ

عفت الحياة على الهوان ولم تضع

جنباً على ذلٍّ بها وصغارِ

ومضيت في ركب الفضيلة للردى

حتّى التقيت به غريب الدارِ

ولقد سلكت إليه كلَّ مفازةٍ

زخرت بألوانٍ من الأخطارِ

في فتية مثل الليوث شجاعةً

ومن البهاء يُرون كالأقمارِ

أنصار إيمان تجاوز صبرهم

يوم الجهاد مواقف الأنصارِ

يتسابقون إلى المنون كأنها

هي خير ما التمسوا من الأوطارِ

زهدوا بدنياهم وجادوا للعلا

والصالحات بأطيب الأعمارِ

وقضوا وقد مُلئوا هدىً وحماسة

دون الحسين وشرعة المختارِ

وجرت دماؤهمُ فكانت أنجماً

تسري بآفاق العُلا ودراري

حمل الهوان خصومهم وتسربلوا

بالذلَّ وانغمسوا بكلَّ شنارِ

راموا نعيماً لا يزول فما رأوا

لهمُ مصيراً غير حرِّ النارِ

وتجرّعوا غصص الحياة بذلّة

وعليهمُ دارت رحى الأكدارِ

زرعوا الرذيلة في أديم حياتهم

بغياً فلم يجنوا سوى الأوضارِ

لا غرو إن قُتلوا بدائهمُ فما

عقبى الهوى والبغي غير دمارِ

والجور لا يضفي على أتباعه

إلّا ثياب مذلَّة وبوارِ

والظالمون وإن تطاول عهدهم

فإلى الخراب مصيرهم والعارِ

والحكم مجلبة المصائب والشقا

إن كان تحت مطامع الأغرارِ

* * *

يا ثائراً للحقَّ ينشد عزَّةً

ما أنت إلا السيّد الثوارِ

أحبطت ما عمل الطغاة بنهضةٍ

جبّارة قامت على جبّارِ

وهدمت ما شادوا عمىً وضلالة

وهتكت ما ضربوا من الأستارِ

قد كان عزمك في النضال أشدَّ من

جيشٍ على هاماتهم جرّارِ

١٤٠