ولما اغتصب الاُمويُّون الخلافة وأودعوها إلى يزيد بن معاوية المعروف بنزقه وطيشه وانحرافه عن الطريق الّتي رسمها المشرع الأكبر , رأى الحسين (عليهالسلام
) - بصفته عميد الهاشميين , ووريث صاحب الدعوة الإسلاميّة - بأنه أصبح شرعاً مسؤولاً عن حياض الإسلام.
أضف إلى ذلك أن الأكثريَّة من زعماء المسلمين من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله
)المقرَّبين طعنوا بخلافة يزيد , وثارت بعض البلدان الإسلاميّة وفي مقدَّمتها العراق فرفضت البيعة , وكتبت إلى الإمام الحسين مبايعةً إيّاه , وطالبة منه القدوم إليها. فلم يكن إذن للحسين(عليهالسلام
) من بدًّ إلّا أن يلبَّي دعوة الداعين ويثور على يزيد.
ولـمّا لم يكن الحسين من الساعين لأخذ الحكم حبّاً بالحكم ذاته , بل ليجعله واسطة لنشر لواء الفضيلة ومحاربة الرذيلة , وإنه بناء على ذلك لا يريد أن يفرض نفسه على الناس فرضاً كما يفعل الكثير من صغار النفوس ممَّن تمكّنت في نفوسهم شهوة السلطة من الحكّام الطغاة , بل ليترك للناس الفرصة للتفكير بمن هو أصلح للحكم بالرغم من إلحاح أهل العراق وغيرهم عليه بالقدوم , فقد تأخَّر , وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليستطلع آراء القوم , فأضاع بذلك عامل المباغتة الَّذي يعرفه العسكريون اليوم في الوقت الَّذي تمسك به خصمه وخسر بذلك المعركة عسكرياً.
وبالطبع ليس المهمُّ أن يخسر صاحب أيَّة فكرة المعركة أو يربحها عسكرياً , بل المهم أن يربحها معنوياً , وأن يصل إلى الغاية الَّتي يريدها حتّى ولو ضحى في سبيل ذلك بنفسه. وقد كان للحسين ما أراد.
صحيح أن الحسين (عليهالسلام
) قد قُتل هو وأصحابه , وأن العدوَّ قد مثَّل بأجسادهم , ولكن نار ثورة الحسين لم تخمد , وقد بقيت مشتعلة حتّى هدمت الظلم والجور , وعلَّمت الناس كيف يكون شهيد المبدأ , وكيف تموت الرجال.
لقد هدم الحسين (عليهالسلام
) بثورته ملك اُمية , وثلَّ عرشهم , وأقضَّ مضاجعهم , بل وحتّى بيتهم العتيد قد قضى عليه وهدمه معنوياً , وجعله لا يذكر إلّا واللعنة مقرونة به.
وأنت ترى الآن أن كلَّ فرد تقريباً من العرب والمسلمين يشرَّفه أن ينتسب للبيت الهاشمي , بل ويشرَّفه أن يكون خادماً لهم , ولكن هذا الفرد لا يشرَّفه أن ينتسب للبيت الاُموي. وأنت ترى أيضاً أن الحسين ما ذكر اسمه إلّا وصلّى الناس وسلموا عليه , وما ذكر اسم يزيد إلّا وصُبَّت عليه اللعنات كما تصبُّ على إبليس الرجيم.
ولم تمرَّ إلّا أيام معدودات على مصرع الحسين (عليهالسلام
) حتّى ثار دعاة الفضيلة من أنصاره على الحكم الاُموي , وثأروا للكرامة الهاشميَّة المضامة الثأر الأليم , فقضوا على كل اُموي , وأجهزوا على الجرحى من فلولهم , ونبشوا الدوارس من قبورهم , فمثلوا بالعظام الرميمة , وجاؤوا بأشلاء بعضهم فأطعموهم النار الحامية , وذرُّوها في الريح العاصف رماداً حقيراً.