يوم الحسين (عليه‌السلام)

يوم الحسين (عليه‌السلام)0%

يوم الحسين (عليه‌السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 206

  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28205 / تحميل: 3782
الحجم الحجم الحجم
يوم الحسين (عليه‌السلام)

يوم الحسين (عليه‌السلام)

مؤلف:
العربية

الذكرى الاُولى

لسنة ١٣٦٧ه - ١٩٤٦م

الساعة : ٥ بعد الظهر

عدد الكراسي : ١٢٠٠

منهج الحفلة الكبرى

مساء يوم العاشر من محرم (١٣٦٧) ه , الموافق (٢٤/١١/١٩٤٧) م

١ - القرآن الكريم … المقرىء الشيخ عبد الكريم الحمداني

٢- لبيك اللهمَّ لبيك (كلمة الافتتاح) … عبد الرزّاق العائش

٣ - كلمة ارتجاليَّة … الاُستاذ محمّد جواد جلال

٤ - درس في الجهاد (قصيدة) … للاُستاذ محمّد جعفر نقدي - عمارة

٥ - وإن فناء في الحق … الاُستاذ عبّود شبر

٦ - (قصيدة) … للعلامة المرحوم السيد عبد الصاحب شبر(١)

٧ - سموُّ المبدأ … عبد الأمير الحاج حسّون

٨ - رأى العز بالموت فاختاره (قصيدة) … الشيخ محمّد علي اليعقوبي - نجف

٩ - الوثنية … العلاّمة السيد عبد الله الموسوي

١٠ - قصيدة … للاُستاذ إبراهيم الوائلي(٢)

١١ - صبر الحسين … الاُستاذ فؤاد الراوي

١٢ - نضال الحسين (قصيدة) … الأديب محمّد هاشم الجواهري

١٣ - من أعماق التأريخ (قصيدة) … السيّد محمّد جمال الهاشميّ - نجف

١٤ - كلمة ارتجاليَّة … الشيخ عبد الصاحب الكاظمي

١٥ - القرآن الكريم … الشيخ علي السبيعي

____________________

(١) ألقاها السيد بنفسه ولكن الهيئة لم تحتفظ بنسخة منها.

(٢) ألقاها بالنيابة الاُستاذ محمود محمّد الحبيب , وكذلك لم تحتفظ الهيئة بنسخة منها.

٦١

موجز وصف إحتفال اليوم العاشر

كان يوم عاشوراء هذه السنة يوم سعادة وشقاء في آن واحد , كان يوم سعادة بصورة عامَّة ؛ حيث هطلت فيه الأمطار بغزارة , وبطبيعة الحال المطر رحمة ينتظرها القانع والمعترُّ على حدٍّ سواء ؛ إذ يُحيي الله به الأرض بعد موتها , وكان يوم شقاء للجنة التأبين الحسينيّة في البصرة بصورة خاصة ؛ حيث كاد يطوَّح بجميع جهودها الَّتي بذلتها في سبيل الاحتفال بذكرى الحسين (عليه‌السلام ) احتفالا رائعاً.

ولكنَّ الله سبحانه أبى أن تضيع تلك الجهود الجبّارة سدىً ؛ لما علمه من صدق عزيمة اللجنة وإخلاصها لشهيد العدل وأنصاره , فما إن أزفت الساعة الاُولى بعد الظهر حتّى أمسكت السماء مدرارها , ثمَّ أخذت تلك الغيوم المتلبَّدة تتقشَّع رويداً فرويداً , وهكذا أزفت الساعة الثانية وكل شيء معدٌّ على أحسن ما يرام , فاكتظت قاعة الثانوية بالوافدين من مختلف الطبقات , يتقدَّمهم العلماء الروحانيون من مختلف الملل والنحل وقناصل الدول الأجنبية, ورؤساء الدوائر الحكوميَّة.

ولما أزفت الساعة (٤٥ : ٢) افتتح الحفل بآي من الذكر الكريم , ثمَّ تقدَّم الخطباء والشعراء حسب المنهج , فكان احتفالاً رائعاً حقّاً لم تشهد له البصرة من قبل نظيراً , ولكن من المؤسف حقّاً أن الافتتاح تأخّر عن الموعد زهاء (٤٥) دقيقة , فحال هذا التأخير دون إلقاء بعض الكلمات والقصائد المدوَّنة في المنهج , من ضمنها قصيدة الشاعر الكبير السيد محمّد جمال الهاشمي , وكلمة الاُستاذ أحمد الحمد الصالح , وكلمة الاُستاذ كمال الجبوري , فاللجنة تعتذر إلى حضرات الأساتذة , وتسأله تعالى ألاّ يحرم الجمهور من إنتاجهم.

٦٢

لبَّيك اللهمَّ لبَّيك

عبد الرزّاق العائش

أيُّها الحفل الكريم , نحن الآن كما لو كنّا في حومة كربلاء نسمع ونرى ما يجري فيها من صراع عنيف بين الحقَّ والباطل , نسمع صوت الحق يطبَّق الأرجاء مردَّداً : يا أيها الذين آمنوا جاهدوا في الله حق جهاده. فيجيبه سبط أحمد : لبَّيك اللهمَّ لبَّيك. ونرى ما يجري على صعيدها من دم زاكٍ وما تسيل على رمضائها من نفوس طاهرة.

هذا والحسين رافع يداً إلى السماء ليسجَّل هذه الذكرى على صفحة الخلود , واليد الاُخرى يودع بها تلك الجسوم التي تناثرت أشلاؤها على صخرة الرذيلة في سبيل الذود عن الفضيلة. يودَّع تلك الهياكل الَّتي كانت قبل سويعات شموساً مشرقة في سماء العزَّ فعراها الاُفول , فلا يسعنا إذاً والحال هذه إلّا أن نقف بين يديه وقفة ملأها رهبة وخشوعاً فنحييه بصمت رهيب(١) .

شكراً لكم أيُّها السادة هذه التحية الصامتة الناطقة , صامتة بشكلها , ناطقة بمعناها ؛ إذ عبَّرت عن مدى اتّباعكم للحقَّ وأنصاره , وعن مدى تأثير هذه الذكرى المقدسة في نفوسكم , حتّى إن الطبيعة العاتية(٢) لم تُحل دون تلبيتكم لنداء هذا الواجب , فجزاكم الله عن الحسين (عليه‌السلام )وعن أهله خير الجزاء.

عبد الرزَاق العائش - البصرة

____________________

(١) قيام مدة دقيقة حداداً على هذا الراحل العظيم.

(٢) كان اليوم مطيراً حتّى ساعة الاحتفال.

٦٣

درس في الجهاد

محمد الشيخ جعفر النقدي

المجد غرس ما رواه سوى الطلا(١)

حيِّ الشهيدَ وخذ بسيف نضاله

وتعلَّم الإخلاص من أبطاله

الرافعين إلى التحرُّر مشعلاً

فاق الضحى بسنائه ومناله

الآسرين لدى الخصومة باطلاً

المطلقين الحق من أغلاله

المنزلين على العدوَّ صواعقاً

لا يحفلون بخيله ورجاله

الساهرين حماية لإبائهم

وهدى النبيِّ وصحبه وعياله

المفتدين كرامة بدمائهم

الظامئين إلى الرَّوى(*)

اللابثين مع الحقوب وذكرهمْ

يُتلى ومجدُهمُ يُرى بكماله

لاتبكِ لا يجدي البكاء باُمّةٍ

ثكلى ولكن سر على منواله

رام الخلود بأن يقوَّم اُمة

ولو اَنّ نيل مرامه بقتاله

إنّ الخلود لـمَن يذود عن الحمى

بدمائه وبولده وبماله

والمجد غرس ما رواه سوى الطلا

من لا يجود به لقطف نواله

قسماً بأرض الطفَّ والدم نير

والدمع منتشر على أطلاله

وصوارم حمراء عند اُسوده

باتت مؤرقة على أشباله

وزفير أرملة يروح إلى السما

يشكو عتوَّ محرّم لهلاله

____________________

(١) ألقاها الاُستاذ حاد جريء السامر.

(*) لا يخفى السقط هنا. (موقع معهد الإمامين الحسنين)

٦٤

قسماً تصدقه الدماء بكربلا

ويعيده التأريخ في أجياله

ما طهّر الإسلام من خذّاله

إلّا نجيعٍ سال فوق رماله

متدفَّقاً كالسيل في أرجائه

يسقي الحقائق في نفوس رجاله

حيّ الشهيد مرتّلاً آياتك الـ

ـغرا تحيَّة معجب بنضاله

وقم احتفاءً بالدماء فإنها

عنوان مجد خطَّ في أسماله

وسل القرون المبصرات فهل رأت

كأبي الحسين وهل رأت كمثاله

من ذا يخاطب حتفه بيمينه

ويهزُّ سيفاً مصلتاً بشماله

(إن كان دين محمّد لم يستقم

إلّا بقتلي) فليعد لمآله

أنا لست ممَّن يغرمون لسلطةٍ

كلا ولا أنا للنضار بواله

لكنّ لي جنباً حملت به الهوى

حباً إلى نيل العلا ووصاله

لم يخشَ عدَّة خصمه وعديدَه

ويعيذه الإيمان من أهواله

والمرء بالإيمان يدرك غاية

كبرى ويبلغ منتهى آماله

* * *

ذكرى الحسين تطلّعي بجهاده

فالدهر قد ألقى نقاب خياله

فوحي علينا كالزهور ونوَّري

كالشمس أو فاسمي كغرِّ فعاله

صبَّي الجهاد من السماء فكلّنا

صديانُ منتظرٌ سنا إقباله

محلت رياضُ المجد بعد ربيعهِ

وتساقطت أوراقُها بزواله

أين الفتوح وأين زهو رجاله

والملك تيّاهٌ ببرد جلاله

وعزائم كالخيل مسرعة بهم

صوب الردى فرحين لاستقباله

وشرائع ركعت (أثينة) عندها

ورنا لها (سقراط) من تمثاله

مثلٌ سرت والذكريات تعيدها

أملاً يخادعنا الزمان بآله(١)

شعَّ التمدُّن في البلاد ولم يزل

وطني يسير على بعيد خياله

____________________

(١) الآل : السراب. العين ٨ / ٣٥٩ آل.

٦٥

الغرب أدرك في سنا أسحارِه

قصداً وضلَّ الشرقُ في آصاله

والغرب جرّد سيفه وبموطني

غمدَ اليراع صيانة لضلاله

والغرب قد بلغ السماء مجاهداً

في حين لم تبلغ ظهور جباله

حتّامَ نلبث حائرين بضلة

والكل يعلم ما يجول بباله

طمعٌ يطوف على الممالك متلفاً

زرع الشعوب مخرّباً لظلاله

* * *

هذي شهيدَ الحق نفثة شاعرٍ

يرثي لحال بلاده ولحاله

ألقى بذكراك الشجية أنة الـ

ـقلب الشجي محرّداً بعقاله

سيم الشقاء بفكرة وقّادة

تأبى لرفعتها على استغلاله

كم وقفة فيها صرخت باُمتَّي

صوتاً أهزَّ الجيل من زلزاله

يا قوم قد جار الغريب بأرضكم

فحذارِ من أشراكه وحباله

يبدو بسربال الصديق إليكمُ

والكيد مرسوم على سرباله

أبديتم وهناً فراح يقودكم

ويخوض وهنكمُ إلى آماله

ما (القدس) نأسوه الجراح أليمة

إلّا ضحية رشقة لنباله

وضحية الأرباب بين جواره الـ

ـمقتفين خطاه في أعماله

واللاغطين إذا تفوَّه مصلحٌ

يرمي لفكَّ الحرَّ من أغلاله

من ذا يروق له السكوت بمعشرٍ

أضحى يعربد من طلى جهّاله

حمماً عليه من الفؤاد صببتها

أيروم يخمدها أخٌ بجداله

دعه يجدَّ إلى المحال بخطبه

أو هل ينال المرء بعض محاله

لا بدَّ للبركان فترةُ غمضةٍ

ويعود بعد زوالها بوباله

* * *

٦٦

قل للشباب وقد تهاون عزمه

واليأس عوَّده على إهماله

واستبدل الخلق القويم بغيره

ويد الغريب سعت إلى إبداله

لذ بالحسين وخذ لنفسك منهلاً

من خُلْقه الزاكي وطيب خلاله

وليرتوِ العقل الغليل برشفةٍ

ما دام ظمآناً إلى سلساله

الدين والقسطاس سرُّ نقائه

والعلم والأخلاق رمز جماله

ما جلَّ للأقطار صرحُ مفاخر

إلّا وكان العلم اُسُّ جلاله

وبسلّم الأخلاق يُرفع موطنٌ

وبدونه يهوي لأسوأ حاله

واربأ بنفسك أن تكون مسالماً

لمن اعتدى بل فانصرف لنزاله

سر في النضال فتلك خيرُ وسيلةٍ

للمرء تبلغه مدى استقلاله

فهو الذي يسدي البلاد أمانها

ويعيد حقَّ الفرد من خذاله

* * *

محمّد النقدي - العمارة

٦٧

وإنّ فناءً في الحق لهو عين البقاء

السيد عبّود شبّر

منذ أن خلق الله الحياة على وجه الأرض والإنسان يفكَّر في علاجٍ لآلامه جميعها , اقتصادية كانت أم اجتماعية, ومنذ ذلك الحين وحتّى الآن لم يترك الله الأرض خالية من رجال فكَّروا في علاجات لهذه الآلام الَّتي تعانيها البشريَّة المعذَّبة.

على أن العالم وإن وجد به رجال طيبون كهؤلاء لم يخلُ أيضاً من رجال هبطوا بالإنسان إلى درك الحيوانيَّة ؛ فاُولئك يريدون نَصفه وإرشاده لطريق الخير ؛ اقتناعاً منهم بأنه أثمن مخلوقات الله , وهؤلاء يقودونه للشرَّ ؛ اقتناعاً منهم بأنه حيوان يحاول ستر غرائزه بالثياب الأنيقة , وإشباع رغائبه من كلِّ ما هو لذيذ في هذه الحياة , وهو بالتالي لا يهمُّه إلّا التفكير بالمرأة وبالرغيف واللباس , ويدفعه تفكيره هذا إلى اصطناع الأخلاق تارة , وارتكاب الجرائم تارة اُخرى.

وهنا يبدو واضحاً بأن المجتمع الإنسانيَّ ينقسم إلى قسمين حتماً تتصارع فيهما مبادئ الخير ومبادئ الشرَّ , وهنا يبدو أيضاً لكلَّ مَن يفكّر في أمر هذا المجتمع بأنه مشكلة يصعب حلها , فما هو السر في ذلك ؟

جاءت الأديان السماوَّية وكلُّها تفسَّر لهذا المجتمع , وقد شرحت لنا حكمة هذه الحياة شرحاً وافياً , وعلَّمتنا أن الحياة السعيدة هي الحياة نفسها , وأن سعادة الإنسان قد تنبثق في نفسه وهو جائع محروم لو أنه جرى وراء المعاني الطيبة , وأفهمتنا أن اللذَّة الَّتي يتخلَّلها قرع الكؤوس ومصاحبة الغانيات ما هي من الحياة السعيدة بشيء مطلقاً , إنما الحياة السعيدة تكون كاملة عندما يكون عند الإنسان شرف وكرامة يعتزُّ بهما. هنا كان للخير حزب وللشرَّ حزب آخر تتناسب قوتهما وضعفهما في جميع الأدوار مع المؤيدين لأحدهما وقلَّتهم للثاني.

واستمرت الحال على هذا المنوال , إلى أن يقول حضرة الكاتب : إنهم يطلبون منه أن يعيش عيشة هانئة على أن يبايع خليفة فاجراً مبتذلاً , إنهم يطلبون منه أن يتنعم بنعم الحياة على أن تعبث الأيدي الفاسدة بتراث المسلمين فرفض ذلك بإباء وشمم ؛ لأن الثمن كان أغلى من تلك الحياة ؛ ولأن رجلاً مثله نذر نفسه لإعلاء كلمة الحقَّ ونشر الفضيلة لا يمكن أن يحيد عن مبدئه فينزل إلى الدرك الأسفل من الذلَّة والهوان.

هناك ضرب القدر ضربته القاسية , فاندخر الحقُّ أمام الباطل , وسقط ذلك الرجل الحرُّ في اليوم العاشر من المحرَّم في ميدان الشرف والمروءة.

عبّود شبّر - البصرة

٦٨

سموُّ المبدأ

عبد الأمير الحاج حسّون

قد كان صاحبُ هذا الحفل جوهرةً

نفيسةً صاغها الرحمن من شرفِ

عزَّت فلم تعرف الأيام قيمتها

فردّها غيرةً منه إلى الصدفِ

* * *

سادتي الأماجد , لا أراني بحاجة إلى تعرُّف شخصيَّة الحسين بن علي (عليهما‌السلام ) ؛ فهو تلك الشخصية الفذَّة الَّتي لا تماثلها شخصيَّة , وهو ذلك البطل العظيم الَّذي لم ينجب العالم بعده بطلاً يضارعه أو يضاهيه , وهو من ذلك البيت الهاشمي الرفيع الَّذي أقل ما قيل فيه , قولُ الفرزدق :

من معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهمُ

كفرٌ وقربهم منجىً ومعتصمُ

إن عُدَّ أهل التقى كانو أئمتهمْ

أو قيل مَن خيرُ أهل الأرض قيل همُ

* * *

٦٩

وإنما الذي أكسب الإمام هذه الذكرى الفريدة ؛ لأنها جاءت عن عقيدة مُثلى , وفي سبيل مبدأ سام , وبشكل بطولي فريد , وإيمان لم يتزعزع ؛ فهو يرى أنصاره يتخطَّفهم الموت , ويستنزل منهم إلى الأرض كلَّ ساعة فارساً صنديداً , ويرى حرمه يتفجَّعن ويتصايحن مذعورات ممّا يستقبل سيّدهن من الموت وهو الحمى الَّذي يلجأن إليه , ويعتمدن عليه , ويرى ولده الرضيع يُقتل بين يديه وهو يستقي الماء له بعد أن أضناه العطش.

ينظر كلَّ ذلك وهو يتلوّى من شدَّة الصدى , ويقاسي من حر العطش ما لا يحتمله حاضر ولا جأش رابط , ولكنه مع ذلك كان حاضر البال , رابط الجأش , قويّاً على الأحداث , لا يهين ولا يستكين , تزول الجبال ولا يزول, ويلين الحديد ولا يلين , يستعذب أن يلقى كلَّ هذا الأذى في سبيل الله , ملبَّياً هذا الصوت الّذي يستعذبه على أئمة الضلال , ويستصرخه في أعماق فؤاده , فيشدُّ على أعداء الله فعل أبيه من قبل , فإذا هم كرماد اشتدت فيه الريح في يوم عاصف.

سادتي , عاش الحسين حراً , ومات حراً , وترك للأجيال تاريخاً هو ملء الدنيا نوراً , وملؤها عطراً. فما أحوجنا أيها السادة إلى تضحية كتضحية الحسين (عليه‌السلام ) ، وما أحوجنا أيُّها الأخوان إلى رفاق كرفاق الحسين (عليه‌السلام ) ، دأبهم الصدق في العمل , ورائدهم الإخلاص والنزاهة في الواجب.

والسلام عليكم.

عبد الأمير الحاج حسّون - البصرة

٧٠

رأى العزَّ بالموت فاختاره

محمّد علي اليعقوبي

الشيخ محمّد علي بن يعقوب النجفي

* ولد في ٢٩ / شباط / ١٨٩٦ في النجف

* قرأ على والده مبادئ العلوم , انقطع إلى السيّد القزويني بعد وفاة والده عام (١٩١١) م. التحق إبَّان الحرب الاُولى بالمجاهدين في (الشعيبة).

* اشتهر خطيباً وداعية من دعاة الإصلاح.

* تولى عام (١٩٣٦) م رئاسة الرابطة الأدبيّة في النجف.

* توفي عام (١٩٦٥) م.

* له : (البابليات) ، (المقصورة العليَّة) ، (عنوان المصائب) ، إضافة إلى شعره المنشور عام (١٩٥٧)م.

أعلام الأدب العراقي الحديث ١ / ٢٢٨.

٧١

رأى العز بالموت فاختاره(١)

الشيخ محمّد علي اليعقوبي

تناسى ببابل أوطارهُ

فتىً أرضح الشيب أعذارهُ

أمن بعد ما جاوز الأربعين

يطاوع باللهو أمّارهُ

إذا ما الشباب انطوى سفره

فخلَّ الهوى واطوِ أسفارهُ

فما أنا من بعدها ذو هوىً

يقاسي من الحبِّ أطوارهُ

يناجي نجوم الدجى ساهراً

وكان ينادم أقمارهُ

إذا ما صفا عيشه برهةً

أناخ له الدهر أكدارهُ

* * *

فدع ذكريات الصبا إنني

ذكرت الحسين وأنصارهُ

قضوا ظمأ حول ماء الفرات

فلا فجَّر الله أنهارهُ

فلله يوم لسان الزمان

يردَّد للحشر أخبارهُ

أطلَّ على الكون في نكبةٍ

بها طبّق النَّوحُ أقطارهُ

إذا رام نسيانه العاملون

أهاج المحرَّمُ تذكارهُ

تردَّت ثياب العلا هاشم

واُميُّ اكتست في الوغى عارهُ(٢)

عشيَّة قد نهض ابنُ الطليق

من المصطفى طالباً ثارهُ

أيملك شرُّ عبيد الأنام

خيارَ الأنام وأحرارهُ

فأدرك في قتل أبنائه

وسبْي ذراريه أوتارهُ

____________________

(١) ألقاها الاُستاذ كاظم مكي حسن.

(٢) كذا بزيادة الواو , وهو يخلٌّ بالوزن.

٧٢

بنفسيَ ثاوٍ بحرِّ الهجير

ثلاثاً سوى الوحشما زارهُ

ومذ خيَّروه الردى والهوان

رأى العز بالموت فاختارهُ

تلفَّع طمر الثنا والدماء

إذ ابتزَّت القوم أطمارهُ

وصدر نشا فوق صدر النبي

به أودع الله أسرارهُ

غدا لخيول العدى حلْبة

تُعفي السنابك آثارهُ

* * *

وبيت تذبُّ الظبا دونه

وتمنع سمر القنا جارهُ

تسامى بمن فيه حتّى غدت

جميعُ الملائك زوّارهُ

فغودر بالطفَّ نهب العداة

وقد هتكوا منه أستارهُ

وفرَّت كرائمه خيفة

فرار القطا عاف أوكارهُ

تلفُّ الضلوع على أكبدٍ

بها شبّ زند الأسى نارهُ

وسيقت إلى الشام نحو اللئام

تعاني من السير أخطارهُ

وليس لديها سوى ناحلٍ

به أنشب السقم أظفارهُ

تعاين بالرمح رأس الحسين

فتذري من الدمع مدرارهُ

إذا ضلَّ بالليل حادي الظعون

تتبّع في السير أنوارهُ

* * *

محمّد عليًّ اليعقوبيُّ - النجف

٧٣

الوثنيَّة في العهد الاُموي(١)

العلامة عبد الله الموسوي

إليكم أيها المسلمون الحاضرون كلمة قصيرة , ونتفة يسيرة من ظلمة الاُمويّين الدامسة الَّتي غشيت هذا الدين المتين الَّذي أسَّسه سيّد المرسلين (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وأشاد صرحه بحسامه عليٌّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

هذا التاريخ يحكي لنا ما قام به شيخ الاُمويّين ورئيس الطلقاء أبو سفيان جدُّ يزيد وأبو معاوية الحامي للوثنيَّة والداعي إليها ؛ فإنه لم ينفك منذ بزغت شمس الرسالة المحمّديَّة يؤلَّب أنصاره من اليهود وغيرهم من المشركين على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وما من ثورة تثور من حماة الوثنيَّة إلاّ وهو القائد لها والمحزَّب أحزابها , و[المضرم](٢) اُوارها , حتّى منَّ الله على الرسول بفتح مكة فمنَّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على عدوَّه اللدود عدوَّ دينه وشرعه وناموسه , وعفا عنه.

ولم يقتصر المنقذ الأعظم والرسول المكرَّم على العفو عنه وسلامة نفسه فحسب , بل تعدّى ذلك إلى ما هو أعظم وأكبر ؛ فجعل دار أبي سفيان مأمناً لمن دخل فيها , فنادى منادي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم الفتح : (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن).

فصلّى الله عليك يا أبا القاسم , فلقد كنت ينبوعاً لمكارم الأخلاق.

____________________

(١) ألقاها الأديب غالب الناهي.

(٢) في المطبوع : (والضارم).

٧٤

هذا ما فعله الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مع شيخ الطلقاء , فلننظر إذاً ما جزاء الرسول الأعظم من هذا العدو القديم للإسلام الذي دخل فيه كرهاً ! نعم كان جزاؤه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن دخل ذات يوم على عثمان وهو أعمى , ومعه [رجال] من بني أبيه , فقال : أفيكم أحد من غيركم ؟

قالوا : لا.

قال : ياعثمان , ويا بني اُميَّة , تلقّفوها تلقُّف الكرة , فو الَّذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم , ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة(١) .

هذا أبو سفيان أبو الطلقاء , وهذا جزاء الرسول منه على ما أولاه من مكارم الاخلاق في يوم الفتح التي لم يعرف التأريخ مثلها كرماً وأخلاقاً , فقد أظهر للدين أبو سفيان حقده الدفين.

وأمّا معاوية الطليق ابن الطليق فهو القائل : ما قاتلتكم لتصلُّوا ولا لتصوموا , ولا لتزكُّوا ولا لتحجُّوا , وإنما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم. وهو الَّذي ألحق زياد بن أبيه بأبيه شيخ الطلقاء مراغمة لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وردّاً لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر ))(٢) .

وهو المحارب لأمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) والسابُّ له , وقد قال فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا عليُّ , حربك حربي وسلمك سلمي ))(٣) . وقال فيه : (( يا عليُّ , مَن سبَّك فقد سبَّني , ومن سبَّني فقد سبَّ الله ))(٤) .

وأكبر جريمة وأعظم جريرة ارتكبها الطليق معاوية أخذه البيعة لولده يزيد وليس فيه خصلة واحدة تؤهَّله للخلافة ؛ فلقد كان يزيد شرَّيباً للخمور , لاعباً بالطنبور , فاسقاً فاجراً , فمعاوية جنى جنايتين على الاسلام ؛ جناية بتولّيهِ أمر

____________________

(١) الكنى والألقاب ١ / ٨٨.

(٢) الوسائل ٢٦ / ٢٧٤ , أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه , ب٨ , ج١.

(٣) البحار ٢٦ / ٣٤٩.

(٤) المجالس السنيَّة ٤ / ٢٤٠ - ٢٤٢.

٧٥

المسلمين وغصبه علي (عليه‌السلام ) خليفة الرسول الأمين , والجناية الاُخرى أخذه البيعة بالسيف لولده يزيد.

وأما غشُّه وخداعه فيكفيك ما أنزله بعبد الله بن سلام القرشي وزوجته اُرينب (أو زينب بنت إسحاق) , وهي لعمر الحقَّ قضية يندى لخزيها جبين التأريخ خجلاً , [وكادت أن تودي](١) بحياة هذا المسكين المغفَّل لولا حفيد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وفلذة كبد الزهراء البتول حسين السبط(عليه‌السلام ) , فلقد والله أنقذه من براثن موت محتم.

هذه من علاه إحدى المعالي

وعلى هذه فقس ما سواها

هذا معاوية الاُمويُّ , وهذه عقيدته , وهذه سيرته.

وأما يزيد فهو ابن ميسون وابن معاوية , وحفيد أبي سفيان وهند بنت عتبة , وفيه ما في اُصوله وزيادة. أما قبل الاستيلاء على المسلمين فهو المقدام في شرب الخمور , واقتناء القينات والجواري المغنيات , وجمعه الكلاب المهارشة , وحمام السبق.

وهو الفارس في مطاردة الحيوانات لللهو , ولكنه الجبان لا في الحرب فحسب , بل حتّى في المشاهدة لميدان النزال؛ فإنّ التأريخ يحدثنا أن أباه معاوية أرسل جيشاً للقسطنطينية ليغزو الروم دفاعاً عن الإمبراطورية الاُموية بقياده سفيان بن عون , وأوعز إلى يزيد بالمسير معه , فتثاقل يزيد بالمسير , وتمارض حتّى سار الجيش.

ولـمّا اُصيب الجيش في طريقه بالجوع والمرض أنشأ يزيد قائلاً :

ما إن اُبالي بما لاقت جموعهمُ

بالفرقدونة من حمّىً ومن مومِ(٢)

إذا اتَّكأت على الأنماط مرتفقاً

بدير مران عندي اُم كلثومِ

هذا يزيد بن ميسون قبل استيلائه على الملك , وأما بعد استيلائه , فهو الَّذي هدم بيت الله , والَّذي هتك حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، والَّذي أباح المدينة لعسكره

____________________

(١) في المطبوع : (ولأودن).

(٢) الموم : الجدري , والحمّى. لسان العرب ١٣ / ٢٢٤ (موم).

٧٦

ثلاثة أيّام.

قل لي بربَّك , أيُّ ظلمة غشيت الدعوة المحمّدية أعظم من هذه الظلمة ؟ وأيّ طخية عمياء دهمت الدين الاسلاميَّ أكثر من هذه الطخية ؟

وإنّي اُقسم بالله قسماً بارّاً , لولا فجر الاُمَّة ونهارها , وسيّد الشهداء أبوها لقوَّضت الدولة الاُمويَّة قوائم الإسلام, ولهدَّمت أركانه , وفكَّكت أعضاءه , وقطَّعت أوصاله , وفصمت عراه. ولكنه الحسين سبط رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وابن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) وثب من عرينه , وباع على الله نفسه بمقتضى :( إنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأنَّ لَهُمُ الجُنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ اللهِ فَيَقتُلونَ ويُقتَلُون وَعداً عَلَيهِ حَقّاً في التَّورّاةِ والإِنجِيلِ والقُرآنِ وَمَن أوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعكُم الَّذي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ ) (١) .

إي والله , لقد فزت يا أبا عبد الله , وفتحت فتحاً نوَّهت به عند خروجك إلى العراق بقولك وخطابك لأبناء آبائك : (( يا بني هاشم , مَن لحق بي منكم استشهد , ومَن لم يلحق لم يبلغ مبلغ الفتح )). فلقد فتحت وأبلجت بنورك طرق الدين الَّذي أسَّسه جدك سيد المرسلين , ونشر ألويته بسيفه أبوك أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، وفضحت بصبحك فحمة دجى الاُمويين , وقوَّضت أركان دولتهم الطويلة العريضة , وأبدتهم من جديد الأرض.

فصلّى الله عليك وعلى روحك المقدَّسة وبدنك الطاهر , وعلى أنصارك المجاهدين معك , وعلى السالكين سبيلك , المقيمين ذكراك وعزاءك , والباكين عليك ورحمة الله وبركاته.

عبد الله الموسوي - البصرة

____________________

(١) سورة التوبة / ١١١.

٧٧

صبر الحسين (عليه‌السلام )

فؤاد الراوي

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ ) (١) , وقال تعالى :( وَالصَّابِرينَ في البَأسَآءِ والضَّرآءِ وَحِينَ البَأس اُولئك الَّذِينَ صَدقُوا واُولئك هُمُ المُتَّقُونَ ) (٢) , وقال عزّ وجلّ :( وَبَشِرِ الصَّابِريِنَ الَّذِينَ إذآ أَصَابَتهُم مُّصِيبةٌ قَالُوا إِنَّا لله وإِنَّا إِليهِ رَاجعُونَ r اُولئك َعلَيهِم صلَوَاتٌ مِن رَّبِهِم وَرَحمَةٌ وَاُولئك هُمُ المُهتَدُونَ ) (٣) .

صدق الله العظيم

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( قال الله عزّ وجلّ : إذا وجَّهت إلى عبدٍ من عبيدي مصيبةً في بدنه أو مالِه أو ولده , ثمَّ استقبل ذلك بصبر جميل , استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً , أو أنشر له ديواناً )).

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( في الصبر على ما تكره خيرٌ كثير )). ومن جوامع الكلام قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( الصبر عون على الخطوب )) , وللإمام علي (عليه‌السلام ) : (( أيها الناس , احفظوا عنّي خمساً , فلو شددتم إليها المطايا حتّى تضنوها(٤) لم تظفروا بمثلها ؛ ألا لا يرجونَّ أحدكم إلّا ربه , ولا يخافنَّ إلّا ذنبه , ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم , وإذا سُئل عمّا لا يعلم أن يقول : لا أعلم.

ألا وإنّ الخامسة الصبر ؛ فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد , ومَن لا صبر له لا إيمان

____________________

(١) سورة آل عمران / ٢٠٠.

(٢) سورة البقرة / ١٧٧.

(٣) سورة البقرة / ١٥٥ - ١٥٧.

(٤) أي سلكوها.

٧٨

له , ومَن لا رأس له لا جسد له. ولا خير في قراءة إلّا بتدبر , ولا في عبادة إلّا بتفكُّر , ولا في حلم إلّا بعلم. )) إلى آخر ما قاله.

وقال العبّاس (رضي‌الله‌عنه ) في صبر الحسين (عليه‌السلام ) : أما أنت يا أخي , لو وزنت السماء والأرض بصبرك وثباتك لرجحتَ.

وروي أن الحجة صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه) لـمّا زار جدَّه الحسين (عليه‌السلام ) قال: (( يا جدّاه , لقد عجبتْ من صبرك ملائكة السماء )). والله أعلم.

ومما قيل في رثاء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ونسب إلى الأمير علي (عليه‌السلام ) في قول بعض الروايات ؛ لأنّ الأنبياء والأولياء قيل: لم يقولوا شعراً , وذلك في الحث على الصبر الجميل , الَّتي منها قوله (عليه‌السلام ) :

يعزي المعزَّي ثمَّ يمضي لشأنه

ويبقى الـمُعزّى في أحرّ من الجمرِ

سأصبر حتّى يعلم الصبر أنني

صبرت على شيء أمرَّ من الصبرِ

* * *

وقال الشاعر في الصبر :

بنى الله للأخيار بيتاً سقوفُه

همومٌ وأحزانٌ وحيطانه الصبرُ(١)

وأدخلهم فيه وأغلق بابه

وقال لهم مفتاحُ بابكم الصبرُ

* * *

ومما يروى للسيّد حيدر الحلي في الصبر الجميل قوله :

له الله مفطوراً من الصبر قلبه

ولو كان من صمَّ الصفا لتصدَّعا

وظاهر فيها بين درعين نثرة

وصبر ودرع الصبر أقواهما معا

ومما قاله الفرزدق الشاعر في قصيدته المشهورة في مدح علي بن الحسين (عليهما‌السلام ) :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلَّهمُ

هذا التقيُّ النقيُّ الطاهر العلمُ

____________________

(١) أي النبات.

٧٩

إلى أن يقول :

من معشر حبُّهم دينٌ وبغضهمُ

كفرٌ وقربهم منجىً ومعتصمُ

وقال أعشى همدان قصيدة يتوجّع بها مما أصاب أتباع الحسين (عليه‌السلام ) عندما أرادوا الأخذ بثأره من الاُمويِّين , وهي أحد المكتمات (أي القصائد اللاتي كن يكتمن في ذلك الزمان) , ومنها قوله :

إلى أن يقول :

بقوم همُ أهل التقيَّة والنهى

مصاليتِ أنجادٍ سراةٍ مناجبِ

وغودر أهل الصبر صرعى فأصبحوا

تعاورهم ريحُ الصبا والجنائبِ

فيا خير جيشٍ للعراق وأهلِه

سقيتم رواباً كلَّ أسحم ساكبِ

فإن قتلوا فالقتل أكرمُ ميتةٍ

وكل فتىً يوماً لإحدى الشواعبِ

وقال تعالى:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب ) (١) .

وقيل : الصبر شجرة مثمرة , أصلها ثابت وفرعها في السماء , تؤتي اُكلها كلَّ حين بإذن ربها.

وقالوا : الصبر الجميل ثمرة من ثمرات العقول , ومن أخلاق الأنبياء والعظماء.

وقال آخر :

لله أعباءُ صبرٍ قد تحمَّلها

لم يحتملها نبيٌّ أو وصيُّ نبي

والآن تعالوا معي لنقلب صفحات التأريخ الإسلامي في عصر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعصر الخلفاء الراشدين , ودور بني اُميَّة ليتَّضح لنا جليّاً موقف الشهيد الخالد

____________________

(١) سورة الزمر / ١٠.

٨٠