العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته9%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 607

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68182 / تحميل: 5549
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

١

العباس ابوالفضل ابن امير المومنين عليهما السلام

سماته و سيرته

بقلم السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

٢

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالَمين

والصلاة والسلامُ على سيّد المرسلين

وعلى الأئمّة من آله المعصومين

وعلى أوليائهم أجمعين إلى يوم الدين

٣
٤

الأهداء

إلى سيّدي الوالد :

* الّذي اْستظَلَّ بِجِوارِ أبي الفَضْل العَبّاسِ عليه السلام عُمراً مَديداً

* وأَمَّ جماعةَ المُؤمنينَ في الحَرَمَينِ الشريفين الحُسَينيّ والعبّاسيّ سنينَ عَدِيدَةً

* وظلّ مدرّساً في الحوزةِ العلميّةِ في كربلاءَ المُقدّسة فترةً طويلةً الفقيه الحُجّة الشهيد السيّد مُحسن الحُسينيّ الجلاليّ الحائريّ

(١٣٣٠ ـ ١٣٩٦ هـ)

أُقدّم هذا العملَ الّذي هوَ ممّا نَفَثَهُ في رُوْعيَ من مَعارِفِهِ ومنوِيّاتهِ ورَغَباتِهِ قدّسَ اللهُ رُوحهُ وحَشَرَهُ مع الصِدّيقينَ ، آمين.

السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

٥
٦

دليلُ الكتاب

كلمة إدارة المكتبة ٩

مقدّمة المؤلّف ١٢

القسم الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام وسماتُه.................... ١٥ ـ ١٤٣

البابُ الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام الشخصيّة ١٧

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة ١٢٧

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة ١٣١

القسم الثاني : سيرةُ العبّاس عليه السلام......................... ١٤٥ ـ ٢٣٢

البابُ الرابع : سيرة العَبّاس عليه السلام في رحاب الأئمّة عليهم السلام ١٤٧

البابُ الخامس : سيرة العَبّاس عليه السلام في كربلاء ١٨٣

البابُ السادس : قِتال العَبّاس عليه السلام وأرجازه ومقتله ومرقدُهُ ٢٠٣

الخاتمة :............................................... ٢٣٣ ـ ٢٤٤

العَبّاس معجزة الحسين عليهما السلام ٢٣٣

الملاحق........................................................ ٢٤٥ ـ ٣٧٠

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام ٢٤٧

الملحق الثاني : زوجة العبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيته في كتب النسب ، والأعلام منهم عبر التاريخ ٢٥٣

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب ٣٥٩

الفهارس العامّة ٣٧١

٧
٨

كلمة إدارة المكتبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالمين ، وصلّى اللهُ على رسولهِ الأكرمِ ، وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهِرينَ ، وسَلَّمَ وبعد :

حينَ تَشَرَّفنا باستلامِ مَهامّ إِدارةِ مكتبةِ العَتَبَةِ العَبّاسيّةِ المُشرَّفَةِ ؛ تداعَتْ إلى أذْهانِنا مجموعَةٌ من الإنجازاتِ المُنبَثِقة من رغبةٍ جادّةٍ في النهوضِ بِواقِعِ المكتبةِ ورَفْعِ أركانها بِما يليقُ بِمكانةِ مُشرِّفها عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ، فبعد ما عانتهُ خلال السَنَواتِ العِجافِ الّتي أثّرتْ بعُمقٍ ملموسٍ على الواقع الثقافيّ في العراق عموماً ، وعلى هذا الصَرْحِ المقدّس بخاصّة.

وقد وضعنا في اعتبارنا أنّ نقطةَ الانْطلاقِ لا بُدّ أنْ تَسيرَ على خُطُواتٍ مرسومةٍ وِفْقَ خُطّةٍ مدروسةٍ تشملُ مَحاوِرَ عِدّةً :

فمن جهةٍ : أنّ المكتبة بحاجةٍ إلى المصادر العامّة الكثيرة والمنوّعة ، لِسَدِّ حاجةِ رُوّادِها بِمُختلفِ مشاربِبهم ومستوياتهم الثقافيّة والعلميّة.

ومن جهةٍ أُخرى : ونحنُ في مقامِ بابِ الحوائجِ أبي الفَضْلِ العَبّاس ابن أميْر المُؤْمِنيِنَ عليه السلام ، وفي مكتبتهِ العامِرَةِ ، والكلُّ ينهلُ من فيضهِ العَذْبِ ، ومَعَ ذلَك فنحنُ لا نملكُ من تُراثه إلاّ النَزْرَ الّذي لا يَسُدُّ طَلَبَ مُحبّيهِ ، ولا يُروّي ظَمَأَ شَوقِهِم إلى الوُقُوفِ عليهِ.

٩

فاستعَنّا بِاللهِ تعالى وقَصَدْنا بابَ مَنْ يلوذُ بِبابِهِ السائِلُونِ ، أنْ يُوفّقَنا لِخِدْمَةِ مُحبّيهِ في مَشارقِ الأرضِ ومَغارِبها ، من خلال إخراج دراساتٍ علميّةٍ ، بأقلامٍ مُعاصرةٍ ، وعلى منهجِ البُحُوثِ والدِراسات القويمةِ في مجالَي السيرةِ والتراجمِ ، ودراسةِ المَصادِرِ التاريخيّة ، وبِأُسلوبٍ مُواكِبٍ لِمُتطلّباتِ المَرحَلةِ الراهِنَةِ ، في ما يَخُصُّ سيّدَنا العَبّاسَ عليه السلام لِمَحدوديّة الأعمالِ الجادّةِ لِدراسةِ شَخصيّتهِ وسِماتِهِ وسِيرَتِهِ المُباركةِ ، وهُوَ القَمَرُ الزاهِرُ بينَ شُمُوسِ العِتْرةِ الطاهرةِ عليهم السلام والمُتألّق في رِحابِ العِصْمةِ والهُدى ، فكانَ لهَ نَورٌ يَشِعُّ في ظِلَّ الأوْتادِ المُطهّرةِ ، المَعْصومينَ : والده الإمام أمير المُؤمنينَ وسيّد الوّصِيّينَ ، وأخَوَيْه الإمامَينِ السِبْطَيْنِ الحَسَنِ والحُسَينِ عليهما السلام فكانَ من المُحَتّم أنْ يُكْتَبَ عن سِماتِهِ وسِيرَتِهِ بِالبحثِ والتنقيبِ والتَحَرّي الدقِيقِ.

وقد استجابَ اللهُ جلّ وعلا سُؤْلَنا بِأَنْ هَيَّأ لِهذِهِ المُهِمّةِ الشريفةِ أحَدَ أبْرَزَ المُحقّقينَ في مجالِ التأليفِ والبحثِ السيّدَ الجلاليَّ دامَ عِزُّهُ ، المُؤلِّفُ لِهذا الكتاب ، فانْبرى لِكتابَتِهِ مُعْتمِداً أوْثَقَ المَصادِرَ وأقْدَمَها ، مُستخدِماً ما عُرِفَ عنهُ وشاعَ من غزَارَةِ فِكْرٍ وعُمْقِ رُؤْيَةٍ وسَدادَ نَظَرٍ ، مَعَ بَراعَةِ الأُسْلُوب ، ومَنْهَجيّةِ الطَرْحِ ، وقدْ تَمَّ ما أَنجَزَهُ بِتَوفيقٍ من اللهِ تعالى وفَضْلٍ (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ونحنُ إِذْ نُقدّمُ هذا الكتابَ لِعاشقي سيّدِنا أبي الفَضْل العبّاس عليه السلام وطالبي المعرفَةِ ، نهنِّئُ السيّدَ المُؤلِّفَ للتوفيقِ لهذا العَمَلِ ، ونَدْعُو لَهُ بِالمزيدِ من التوفيقِ لِنيلِ شَرَفِ خِدمةِ الحَقّ وأَهلهِ من الّذينَ رَسَمُوا على جبينِ الإنسانيّة

١٠

بَصَمَات العِزِّ والفَخارِ ، كما قام به لأبي الفَضْل العَبّاس عليه السلام الّذي طبعَ بِكِلتي يَدَيْهِ بَصْمَةً ظلّتْ شِعاراً لِلوَلاءِ والوَفاءِ والإخْلاصِ ، لِكَشفِ الحقيقةِ ونَصْرِها ، وإزالَةِ الزَيْفِ والتزويرِ والظُلمِ ودَحْرِها.

وما نأملُ ونرجُو من الله تعالى التوفيقَ لِتحقيقه في القريب العاجل ، هُو جمعِ تُراث أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام من الشِعْرِ والنَثْرِ ، على طُولِ القُرُونِ من الأوّل حتّى عصرنا هذا.

ونسألُهُ تعالى العَفْوَ عن التقصيرِ ، والعَوْنَ في أَداءِ المُهمّاتِ ، والتوفيقَ لِما يُحِبُّ ويَرْضَى ، إنّهُ قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ.

نور الدين الموسوي

إدارة مكتبة العتبة العبّاسيّة المشرّفة

كربلاء المقدّسة

١٤٣٣ هـ

١١

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

كانَ من توفيق الله تباركَ اسمُه أنْ حظيتُ بزيارة العَتَباتِ المُقدّسة في العراق ، في ثلاثة شُهُورٍ مُتواليةٍ : شهر رجبٍ المُكرّم ، وشهر شعبانَ المُعظّم وشهر رمضانَ المُبارك ، هذه السنةَ (١٤٢٩ هـ).

ومن مكارم تلك السَفرات أنّي فُزْتُ بزيارة مرقد سيّدنا الشهيد العبّاس أبي الفَضْلِ ابن أمير المؤمنين عليهما السلام في كربلاء المقدّسة ، وفي تلك البقعة المُباركة ساقني الحظُّ إلى لِقاء القائمين على خدمة عتبته المُقدّسة ، ووقفت عن كَثَبٍ على جُهُودهم الكبيرة في المجالات كافّةً ، وفي المجال الثقافيّ والإعلاميّ خاصّة ، فكانتْ أعمالُهم ممّا يفتخرُ به نظير ما يصدر في العتبات المقدّسة الأُخرى ، فشكرَ اللهُ سعيَهم وأجزلَ أجرَهم.

وفي اللقاء دارَ الحديثُ عن كِتابي (الحُسينُ عليه السلام سماتُهُ وسيرتُهُ) الّذي كانَ لهُ وَقْعٌ بين الأوساط العلميّة والتاريخيّة والأدبيّة ، منذُ ظُهوره ، فتداولَهُ خُطباء المِنْبر الحُسَينيّ دامَ مجدُهُم وعُلاهم ، وتقبّلُوهُ بقبولٍ حَسَنٍ ، وقرّظوهُ ، فأوقعَ في نفسي اعتزازاً ، لكونِهِ يَدُلُّ على قبولِهِ عندَ الله جلّ وعَزَّ ، وما يستَتبعُ من دُعاء القُرّاء لي بالمغفرة والرضوان.

١٢

وفي تلك الأجواء الْمَلْأى بالقُدسيّة ، وفي ظِلال العَتبة العَبّاسيّة المقدّسة وأروقة مرقده الشريف ، وصحنه الواسع المُبهج ، وفي جَمْعٍ مِنَ الفُضَلاء العاملين في خدمته ؛ وَقَعَ في خَلَدي أنْ أكتبَ عن سيّدنا أبي الفضل العَبّاس الشهيد عليه السلام كذلك كتاباً يحوي (سماته وسيرته) على منوال ما كتبتُ عن الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام.

ورجعتُ إلى مقرّ عملي في قُمّ المُقدّسة ، وبدأتُ العمل لإنجاز هذا الكتاب باسم (العَبّاس عليه السلام سماته وسيرته).

وقد التزمتُ فيه اعتماد أقدم المصادر المختصّة وأوثقها ، مقدّماً ما اتّفقت عليه ثمّ ما اجتمع عليه اثنان على الأقلّ ممّن تأخّر عصرُه.

مُحاولاً استنطاق النُصُوص بما يتوافقُ مع معطَيات العقائد الحقّة ، والتاريخ المثبَت ، ومؤدّى اللّغة والأدب.

ومعضّداً لذلك بالقرائن الحاليّة والمقاليّة المنثورة في التُراث الإسلاميّ ممّا تؤطِّرُ تلك النُصوصَ وتُقارن دلالاتِها.

هادفاً من العمل : أن لا تبقى النُصوصُ المنقولةُ مُبْهَمةً ، أو جامدةً على ظواهرها ، أو بعيدةً عن مُقارناتها المُهِمَّةِ الّتي تُثيرُ مداليلها وتُضيئ مقاصدها ؛ فالغرضُ الأقصى هو : توضيحُ النُصُوص وتقريب دلالاتها للوصول إلى أهدافها الواقعيّة ، الّتي نبتغي تقديمها إلى القُرّاءِ بأبهى شَكلٍ وأيسره.

وأرجُو من الله الكريم المَنّان أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بقبولِ هذا العمل الّذي لم أقصدْ به سوى وجههِ الكريم ، خدمةً لوليّهِ الصالِحِ.

١٣

وأن يُثِيْبَنِي عليهِ يَوْمَ لِقائِهِ ، بوسيلَةِ سَيِّدي وَعَمِّي وَمَوْلايَ أبي الفَضْلِ العبّاس عليه السلام بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوانِ في الآخرةِ ، والرحمةِ والتوفيقِ في هذِهِ الدُّنيا.

وآمُلُ أنْ يَقَعَ هذا الكتابُ عندَ القُرّاءِ المَوْقِعَ الَّذي سَبَقَ لكتاب (الحسين عليه السلام سماتُه وسيرتُه) ليكونا خُطَىً من قَدَمِ صِدقٍ لِي مَعَهما وأصحابِهما الّذين بَذَلُوا دُونهَما ، فأفُوزَ فَوزاً عظيماً ، وَاللهُ هُوَ المُسْتَعانُ.

وكَتَبَ

السيّد مُحَمَّد رِضا الحُسينيّ الجلاليّ

قمّ المُقدّسة ٢٠ شهر صفر الخير ١٤٣٣ هـ

١٤

القسم الأوّل

هويّة العبّاس عليه السلام وسِماتُه

البابُ الأوّل : هويّة العَبّاس عليه السلام الشخصيّة

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة

١٥
١٦

البابُ الأوّل

هويّةُ العَبّاس عليه السلام الشَّخْصِيَّةُ

آباؤُهُ وأعْمامُهُ

أُمَّهاتُهُ وأَخْوالُهُ

اسمُهُ وأَلْقابُهُ وكُناهُ

إخْوَتُهُ وأَخَواتُهُ

١٧
١٨

آباؤُهُ الكِرامُ وأعْمامُهُ العِظامُ

ولد العَبّاس عليه السلام في كنف والدين ، فاحتوشه آباء وأُمّهاتٌ هم القمّة في الشرف والمجد

أتاهُ المجدُ مِنْ هَنّا وهَنّا

فَكانَ لَهُ بِمُعْتَلِجِ السُّيُوْلِ(١)

فوالدُهُ :

الإمامُ أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليٌّ المُرتضى ، ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وصهرُهُ زوجُ الزهراء فاطمة البتول عليها السلام وأبو السبطين الحسن والحسين عليهما السلام.

وهو مَن فضائلُهُ وفواضلُهُ كثيرةٌ سائرةٌ ، معروفةٌ مرفوعةٌ ، كالشمس في رائعة النهار ، وقد ملأت الدُنيا وخلدتْ ، لأنّها من الوحي صدرتْ ، وفي آيات القرآن الكريم وردتْ ، وعلى لسان النَبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله رويتْ.

وها هي سلسلةُ نَسَبِهِ الشريف :

فهو العَبّاسُ :

ابنُ عليٍّ أَمير المُؤْمِنِيْنَ ، أبي الحسن : وليد الكعبة المعظّمة ، وربيب

__________________

(١) من شعر يزيد بن عُبَيْد السعديّ ، أبي وجزة السلميّ (ت ١٣٠ هـ) قاله في محمّد الديباج ، وفي ديوانه : (أتاك) و(وكنت). وراجع : اختيار الممتع في علم الشعر وعمله للنهشلي (١ / ٧٣) ، وفيه : كمجتمع السيول.

١٩

الرسول ، وأوّل من آمن به ، وصهره ، ووصيّه ، وشهيد الصلاة في محراب مسجد الكوفة.

ابن أبي طالب :

شيخ البطحاء ، وسيّد بني هاشم ، ومؤمن قريش ، وعَمُّ الرسول وناصره وكافله ، فقال فيه لمّا مات : «يا عمّ ، ربّيت صغيراً ، وكَفَلْتَ يتيماً ونصرتَ كبيراً ، فجزاك الله عنّي خيراً» ومشى بين يدي سريره ، وجعل يعرضه ويقول : «وصلتك رحمٌ وجُزيت خيراً»(١) .

وقد أعلن أبو طالب إيمانَهُ ، وكشف عن معرفته بالحقّ ، في وصيّته وهو مُحْتَضَرٌ ، وهذا نصُّها منقولاً من خطّ ابن الشِحْنَة :

لمّا حضرت الوفاةُ أبا طالبٍ عمّ النَبِيّ ، جمع إليه وجوه قريشٍ وأوصاهم ، قال :

«يا معشر قريشٍ أنتم صفوةُ الله من خلقه ، وقلبُ العرب ، وفيكم السيّدُ المُطاعُ ، وفيكم المُقْدِمُ الشُجاعُ ، الواسعُ الباع.

واعلموا أنّكم لم تتركوا للعرب في المآثر نَصيباً إلاّ أحرزتموهُ ، ولا شَرَفاً إلاّ أدركتموهُ ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم إليكم الوسيلة ، والناسُ لكم حربٌ ، وعلى حربكم ألْبٌ.

وإنّي أُوصيكم بتعظيم هذه البِنْية ، فإنَّ فيها مرضاةً للربّ ، وقواماً للمعاش ، ونبأة للوطأة.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (٢ / ٣٥)

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وعشرين، فاذا بدأنا سنة مائتين وخمس وخمسين، سنة مولد الامام سلام الله عليه، إلى سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، يعني قرابة أربعة وسبعين سنة، هذا التحديد طبق النظرية التي ذهب إليها الشيخ المفيد رحمه الله.

والمناقشة في هذه النظرية لا من هذه الجهة التي ذكرها البعض، بل المناقشة من جهة أخرى: أنّه ظاهر جملة من الروايات أنّ الامام سلام الله عليه لم يكن غائباً بالمعنى المتعارف منذ ولادته، نعم كان محفوظاً إلاّ عن الخاصّة، وكان هناك تكتم على اللقاء به على الاجمال بالنحو الذي بيّناه سابقاً، كانت هناك محدوديّة في قضية رؤيته، أما غيبة بتمام المعنى وبالمعنى الذي نفهمه بحسب الظاهر من مولده لم تشرع، والدليل ما ذكرناه من جملة من الروايات: أن الامام سلام الله عليه كان يأتي إليه مجاميع من أصحابه فيطلعهم عليه، فالغيبة إذن لم تبدأ من حين مولده.

النظرية الثانية :

الغيبة بدأت من حيث شهادة والده الامام العسكري سلام الله عليه، وبالضبط بعد صلاته على جنازة الامام العسكري (عليه السلام) في القضية التي رواها أبو الاديان البصري (1) .

وهذه النظرية يمكن الاخذ بها لولا نظرية أخرى وهي:

____________________

1 - كمال الدين: 475.

٤١

النظرية الثالثة :

نظرية متوسطة في الواقع، وهي نظرية تقول طبق النص الذي مرّ بنا عن غيبة الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه، نظرية تقول بأنّ غيبته بدأت بعد مولده (عليه السلام) بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته (عليه السلام) نفس والده الامام العسكري (عليه السلام).

وفي هذا عناية بليغة في واقع الامر، لانّ الامام (عليه السلام) إمام حاضر، فحينما ينبىء عن غيبة ابنه الامام المهدي سلام الله عليه يكون سكون النفوس إلى ذلك أكثر، بعكس ما لو الامام سلام الله عليه يغيب فجأة بدون سبق إنذار، فالامام العسكري (عليه السلام) حينما عرضه على من حضر عنده من شيعته قال: «ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر...» (1) إلى أن يذكر مسألة ظهوره في آخر الزمان.

أنا الذي أفهمه والله العالم: أنّ مبدأ الغيبة الصغرى من هذا الاعلام بالضبط، وهذا الاعلام أي سنة يمكن تحديده؟ العبارة تقول هكذا: «وإذا غلامٌ كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد العسكري» يظهر، انّ عبارة غلام تطلق على الصبي المميز، بينما الامام سلام الله عليه كان عمره قرابة الخمس سنوات لما استشهد والده الامام العسكري (عليه السلام)، وابن خمس سنوات لا يعبّر عنه غلام، هذا الواقع هو إثارة تساؤل؟

هذا النص أجيب عليه بأحد جوابين:

أنّه أحياناً يحدث أن يكون نمو فوق الطبيعي لبعض الاطفال، هذا

____________________

1 - البحار 51: 347 ح 1.

٤٢

ملحوظ، فابن خمس سنوات ربما يبدوا بعينك وكأنّه ابن عشر سنوات مثلاً، هذا جواب.

الجواب الاخر، وهو الجواب الاوجه، وبه رواية في خصوص الامام سلام الله عليه، كما ورد في خصوص الزهراء سلام الله عليها، رواية في قضية نموّها، كذلك في نموّ الامام المهدي سلام الله عليه، وهذا من وجوه الشبه بينه وبين جدّته الصدّيقة فاطمة (عليها السلام)، يقول: أنّه(عليه السلام)ينمو في الشهر ما ينمو غيره في السنة في دور صباه (1) ، يعني في هذه القضية النمو غير طبيعي في دور الصبا سيكون لهذا الصبي المقدس صلوات الله عليه: أنّه ينمو في دور صباه في الشهر ما ينمو غيره في السنة، فلا يبعد أن يكون (عليه السلام) هو ابن أربع سنوات وشهور أو خمس سنوات يبدو - لا سيما وأنّ هذه النسمة ليست نسمة عادية، نسمة مقدسة، أعدّتها عناية الله عزوجل لليوم العظيم، ادخرتها لذلك اليوم - فلا غرابة أن يعد الامام بهذا الاعداد.

فاذن كلمة غلام نفسّرها بعد التحفظات في كلمة صبي، ففي هذا المورد إطلاق الصبي على الامام يتناسب مع كونه قد قضى سنين من حياة أبيه سلام الله عليه.

ولهذا، الاقرب أنّ الامام سلام الله عليه مثلاً أعلن عن ذلك إما في عام تسعة وخمسين بعد المائتين حيث يكون عمر الامام سلام الله عليه قرابة أربع سنوات، فيمكن القول أنّ الامام سلام الله عليه الذي ولد في

____________________

1 - نحوه كمال الدين: 429.

٤٣

منتصف شعبان سنة مائتين وخمس وخمسين وأنّ الامام العسكري سلام الله عليه أعلن عن غيبته في حدود قرابة منتصف شعبان سنة مائتين وتسع وخمسين، وأنّ الامام في هذه الاربع سنوات من سنة خمس وخمسين منتصف شعبان إلى منتصف شعبان سنة تسعة وخمسين بعد المائتين، هذه الفترة لم تكن فترة غيبة، لانّ الاعلان صدر بحسب التقدير المشار إليه في حدود سنة مائتين وتسع وخمسين في منتصف شعبان، فتكون غيبته (عليه السلام) قد بدأت منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين، يعني قبل شهادة الامام العسكري سلام الله عليه بشهور، واستمرت من منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين إلى سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين حيث وفاة آخر نائب من نواب الغيبة الصغرى، وفي منتصف شعبان أيضاً كانت وفاة آخر نائب من النواب، وهو أبو الحسن علي بن محمد السمري، فاذا حسبنا في هذا المورد من سنة مائتين وتسعة وخمسين منتصف شعبان إلى منتصف شعبان سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين تكون الحصيلة قرابة سبعين سنة، وهذا ما يوافق بعض التحقيقات التي قالت بأنّ فترة غيبته الصغرى قرابة سبعين سنة.

هذه نقطة كان ينبغي الاشارة إليها.

٤٤

٤٥

النواب الاربعة

في نفس الوقت أيضاً هنالك نقطة أخرى ينبغي الاشارة إليها، وهي مسألة النواب الاربعة للامام سلام الله عليه.

قلنا: إنّ الامام (عليه السلام) في فترة الغيبة الصغرى كان وثيق الصلة بقواعده الشعبية، لكن بطريقة تماس تتناسب مع غيبته (عليه السلام)، وهذه الطريقة هي عبارة عن طريقة السفراء.

مسألة السفراء من المسائل المهمّة في واقع الامر، يعني كيف نعرف أنّ هذا الشخص سفير عن الامام سلام الله عليه، لا سيما وأنّنا نعلم أن هنالك من ادعى السفارة كذباً وزوراً، وهذا باب واسع فتحه جملة من العلماء، عقد مثلاً الشيخ الطوسي (1) أعلى الله مقامه أو الشيخ الصدوق (2) أو العلامة المجلسي (3) أعلى الله مقامهم فصولاً

____________________

1 - الغيبة للطوسي: 397.

2 - كمال الدين: 485 .

3 - البحار 51: 367.

٤٦

في أسماء الذين ادعوا السفارة كذباً وزوراً، والحال يقتضي أنّ الوضع والكذب وارد، باعتبار أنّ مقام السفارة عن الامام مقام مقدس وعظيم أعظم من مقام المرجعية في زماننا، فلا يبعد أن يتنافس عليه الكثير وأن يدّعيه الكثير، فلابد من مثبتات في قضية السفارة حتى نستطيع أن نعرف الصادق من الكاذب.

وهذه المسألة في غاية الاهمية نواجهها في مقام بحث هذا الموضوع.

من ادعى السفارة كذباً :

من السفراء الذين ادعوا السفارة كذباً وزوراً :

1 - الهلالي أحمد بن هلال العبرتائي، (منطقة من بغداد والكوت).

2 - البلالي محمد بن علي بن بلال.

3 - النميري محمد بن نصير النميري.

4 - الحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف، الذي قتله الملك العباسي.

5 - أبو محمد الحسن السريعي أو الشريعي.

6 - محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني المعروف، الذي كان من أعلام الشيعة وألّف كتباً في التشيع، ولكنه لمنافسة جرت بينه وبين الحسين بن روح النوبختي أعلى الله مقامه الشريف النائب الثالث للامام المهدي سلام الله عليه، خرج عن طوره وأخذ يدّعي دعاوى غير صحيحة، وحكم الامام سلام الله عليه في توقيع من توقيعاته المقدسة

٤٧

بضلاله وانحرافه، وأعلن عن ذلك أيضاً سفيره الحسين بن روح النوبختي.

ويروي بعض العلماء رواية، هذه الرواية تقول: سأل رجل الحسين بن روح أعلى الله مقامه الشريف فقال له: ما تقول في كتب محمد بن علي الشلمغاني؟

ومحمد بن علي الشلمغاني لم يكن رجلاً من السوقة أو رجلاً من العاديين، إنما كان عالماً من علماء الطائفة، كان وجهاً من وجوه المذهب، وكان قد صدرت عنه تصريحات ضالّة وانحرافات، فوقف منه الامام سلام الله عليه ونوابه موقفاً صارماً، وكان كثير التأليف، كانت كتبه تملا المكتبات الاسلامية، فكانت مشكلة للشيعة في ذلك الزمن، رجل يملك هكذا قدسية وهكذا علمية وهكذا فضيلة ينحرف بهذا الشكل، يصعب على كثير من الاذهان أن يتقبل هذه الفكرة، فلهذا سألوا الحسين بن روح النوبختي عن هذا الموضوع أنّه يسأل الامام سلام الله عليه.

فخرج التوقيع بتحريم قراءة كتبه وأنّها كتب ضلال، حينئذ سألوه: ما نصنع وبيوتنا مليئة من كتبه؟

يعني ما من بيت إلاّ وفيه كتاب من كتب ابن أبي عزاقر.

قال: أقول لكم كما قال الامام العسكري سلام الله عليه في بني فضال.

وبنو فضال بيت من البيوت العلميّة الشيعيّة، ولكن هؤلاء ابتلوا بأنّهم صاروا واقفية من الشيعة المنحرفين.

٤٨

«خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»(1) .

رواياتنا الموجودة في كتبهم خذوها، لا سيما وأنّها كانت أيّام استقامتهم، وأما آراؤهم فلا تأخذوا بها، خذوا بما رووا وذروا ما رأوا، فكان في الواقع أزمة واجهتها الطائفة، أزمة من ادعى السفارة كذباً، ومنهم محمد بن علي بن أبي عزاقر الشلمغاني.

لمحة أخلاقية :

وبالمناسبة وفي الواقع هذه لمحة أخلاقية رغبت أن أمرّ بها:

كم الفرق عظيم بين محمد بن علي الشلمغاني بن أبي عزاقر، هذا الرجل العالم الضال، وبين أبي سهل النوبختي، وجعفر بن أحمد بن متيل، أذكر مثالين كدرس أخلاقي لنا:

الرواية التي يرويها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه الشريف في الغيبة عن جعفر بن أحمد بن متيل - من وجوه الشيعة ومن أعلامهم - يقول: كنت عند رأس محمد بن عثمان بن سعيد - يعني النائب الثاني للامام

المهدي سلام الله عليه في الغيبة الصغرى - وكان أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه، وكان جعفر بن أحمد أقرب الناس لمحمد بن عثمان، وكان مستودع سرّه، وكان الناس إذا جلسوا يرشحون هذا الرجل - جعفر بن أحمد - أن يكون هو النائب الثالث.

يعني كان السائد في الاجواء حتى في أجواء الحوزة آنذاك أنّ النائب

____________________

1 - الغيبة للطوسي: 389 ح 355.

٤٩

الثالث هو جعفر بن أحمد بن متيل، رجل له هكذا مقام علمي وله هكذا مركز في جو الحوزة العلمية ويقول: أنا كنت عند رأس محمد ابن عثمان وكان ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه.

وإذا به في آخر ساعة من ساعات حياته يلتفت ويقول: يا جعفر أمرت أن أوصي من بعدي للحسين بن روح لابي القاسم.

يقول شيخ الطائفة: فقام جعفر بكل أدب وامتثال وأخذ بيدي الحسين بن روح وأجلسه عند رأس محمد بن عثمان وجلس هو عند رجليه (1) .

واقعاً هذا يحتاج الى جهاد نفس أن يكون إنسان يقال له: إنّ الحجة في هذا المورد، فيتبع الحجة ولا يتبع الهوى، هذا مثال.

المثال الثاني: أبو سهل النوبختي رضوان الله تعالى عليه:

سئل أبو سهل النوبختي لماذا لم تكن السفارة فيك بعد محمد بن عثمان؟ قال: أنا رجل القى الخصوم فربما ضغطتني الحجة فدللتُ على المكان.

يعني يقول: ربما أنا أتضايق ولا أتحمل أو أعرّض للتعذيب، فربما دللت على المكان، والمكان يعني مكان الامام صلوات الله عليه، فهي قضية خطيرة، أنّني رجل ألقى الخصوم أخاصمهم كثيراً، فربما ضغطتني الحجة فدللت على المكان.

وأمّا أبو القاسم فانه رجل لو كانت الحجة تحت ذيله وقرّض

____________________

1 - الغيبة للطوسي: 370 ح 339، وكمال الدين: 503 ح 33.

٥٠

بالمقاريض ما كشف الذيل عنه(1) .

هذا واقع يحتاج إلى جهاد نفس.

وهذا يذكرنا بموقف العبد الصالح علي بن جعفر أعلى الله مقامه الذي هو من علماء أهل البيت سلام الله عليهم ابن الامام الصادق وأخو الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، الذي هو أيضاً كان يسوّي ركاب الامام الجواد سلام الله عليه على شيبته، فكان يسأل أنّه لماذا تصنع به وأنت عم أبيه؟ فقال: كيف لا وقد رأى الله هذا الصبي لهذا الامر أهلاً ولم ير هذه الشيبة لهذا الامر أهلاً (2) .

المسألة ليست مسألة مغالبة ومنافسة على مقام، المسألة مسألة دين وحجة ومن اختاره الله عزوجل.

أنا أرغب من خلال هذه القضية أن أوضّح أنّ مدرسة هكذا عرفت بالانضباط والدقة في هذه المسألة، مثل هذه المدرسة، اعتنت عناية بالغة بقضية السفراء الاربعة.

ثبوت نيابة السفراء الاربعة:

كان ثبوت نيابتهم بشهادة الثقات، وهم بالمئات في مجاميع كثيرة فيما تروي الروايات، وطبيعي أنّ المقام لا يسع لبسط جميع الروايات

____________________

1 - الغيبة للطوسي: 391 ح358 .

2 - الكافي 1:322 ح 12.

٥١

الواردة في إكمال الدين للصدوق رحمه الله أو غيبة الطوسي أعلى الله مقامه أو غيبة النعماني أعلى الله مقامه أو ما شاكل، ولكن نشير بنحو الجدولة أنّ هنالك اتفاقاً من الرواة والعلماء على شهادة الامام العسكري (عليه السلام) بوثاقة عثمان بن سعيد العمري رحمه الله، وأنّ الامام المهدي سلام الله عليه أقرّه في منصبه وفي زمن غيبته الصغرى، وكان يقول: «اسمعوا له واطيعوا» وهذا المعنى في واقع الامر أخذ يتداول باعتبار النصّ عليه: «اسمعوا له واطيعوا»، ثم لا يخفى أن مما يطاع فيه نصه على من بعده، فقد نص على ولده محمد بن عثمان من بعده.

فعثمان بن سعيد نصّ عليه الامام العسكري والامام المهدي (عليهما السلام).

ومحمد بن عثمان نص عليه الامام العسكري (عليه السلام) في الرواية التي أشرت لها في الاثناء (1) ، وفي نفس الوقت نصّ عليه الامام المهدي(عليه السلام) (2) ونصّ عليه أبوه عثمان وقال في حقه أيضاً: اسمعوا له وأطيعوا.

ومحمد بن عثمان هذا أطول نواب الامام فترة، فكانت نيابته قرابة أربعين سنة، يعني من سنة مائتين وأربع وستين إلى سنة ثلاثمائة

____________________

1 - الغيبة للطوسي: 356 ح 317.

2 - الغيبة للطوسي: 362.

٥٢

وأربعة.

ومن بعده تولّى الامر الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم رضوان الله عليه، نصّ عليه ابو جعفر محمد بن عثمان النائب الثاني، نص عليه في القضية التي سمعتموها قبل قليل وأمثال هذه القضية.

والحسين بن روح نصّ أيضاً على أبي الحسن علي بن محمد السمري، وذلك بأدلة ووثائق ذَكَرَتهَا هذه المصادر المشار إليها.

ويدعم ذلك أو قل أنّه يدل على نيابتهم فضلاً عن هذه النصوص إجماع الطائفة الحقة والفرقة المحقة.

فالطريق الاول لاثبات نيابتهم اتفاق ثقات الرواة والعلماء على نص الامام المعصوم (عليه السلام) على أولهم، ثم شهادتهم على نصّ السابق على اللاحق باعتبار أن مما تجب طاعة النائب واجب الطاعة فيه هو تعيينه لمن يأتي من بعده.

الطريق الثاني: نقلهم لخط الامام سلام الله عليه المعروف، وهذا أيضاً أشار إليه الشيخان الصدوق والطوسي رضوان الله عليهما، قالوا في ضمن كلامهم: ممّا كان يعرف به الناس أنّ هذا سفير الامام سلام الله عليه أنّه كان الوحيد الذي يتصدّى لنقل خط الامام وتوقيعاته المقدسة.

وخط الامام معروف، لانّ المسألة متصلة بزمن الحضور، فخط الامام المهدي (عليه السلام) معروف في زمن حياة أبيه الامام، اطلع شيعته على

٥٣

ولده المهدي وعلى خطه وتوقيعه، فكان خطه وتوقيعه مألوفاً للناس، ولهذا عبارة الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق أنّه كانت تخرج التوقيعات بالخط الذي كان في عهد الامام العسكري سلام الله عليه، يعني خط الامام المهدي سلام الله عليه الذي رئي وشوهد في زمن الامام العسكري (عليه السلام).

فإذن قضية خط الامام وتوقيع الامام الذي كان ينفرد به هذا السفير الصادق الامين، كانت أيضاً طريقة من طرق الاثبات.

الطريق الثالث: مضافاً إلى ذلك قضية الكرامات الكثيرة التي كانت تجري على أيديهم لاثبات سفارتهم، وبعض الكرامات تجري على أيديهم مباشرةً بعنوانهم، وتارةً كانت تجري على أيديهم منسوبةً إلى موكلهم صلوات الله وسلامه عليه، يعني هو النائب يقول: أخبرني بذلك سيدي، كما في القضية المعروفة المنقولة عن أبي علي البغدادي، والرواية يرويها الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في إكمال الدين يقول: جاءت أمرأة تسأل عن نائب الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى،

وكانت أيّام نيابة الحسين بن روح النوبختي، فقال لها رجل من قم: النائب هو الحسين بن روح، فدخلت على أبي القاسم، فكانت معها حقيبة أو محفظة فيها جملة من المجوهرات - الذهب وما شاكل ذلك - فدخلت عليه وسألته - أرادت أن ترى منه كرامة حتى تعرف أنّه هو النائب حقاً - قالت له: أخبرني بما تحت عباءتي؟ قال لها: القيه في دجلة ثم اقبلي إلينا لوجهك، يقول أبو علي البغدادى: والله أنّي شاهد هذه

٥٤

القضية ما زدت فيها ولا نقصت حرفاً، فذهبت والقتها في دجلة ثم رجعت بسرعة إلى الحسين بن روح، وإذا بها تجد محفظتها بين يدي الحسين بن روح وبعدها على قفلها لم تفتح، قال: أو أخبرك بما فيها؟ قالت: وما؟ قال: فيها كذا مجوهرات، كذا حلقات ذهب، كذا سوار، كذا خصوصيات إلى آخره، يقول: فوالله لقد دهشت أنا والمرأة وعجبنا وسألناه ممّ علمت ذلك؟ قال: دلّني على ذلك سيدي صاحب الامر صلوات الله عليه(1) .

هذه قضية، وقضية أخرى ترتبط بمحمد بن شاذان بن نعيم، وإن كانت كرامته تأتي في قضية كرامات الامام سلام الله عليه، لكن فيها جانب يرتبط بالنيابة، وستأتي بعد قليل.

أو قضية الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف مع محمد بن علي الاسود القمي رضوان الله عليه الذي كان من أجلاء الطائفة في قم، هذا الرجل كلّفه أو طلب منه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي - يعني والد الشيخ الصدوق رحمه الله - قال: أطلب منك أن تلتمس لي الحسين بن روح أبا القاسم أن يطلب من سيدي صاحب الامر (عليه السلام) أن يرزقني الله ولداً، بالفعل طلب منه هذا المعنى وأبو القاسم نقله لصاحب الامر سلام الله عليه، يقول بعد ثلاثة أيام واف الجواب، قال إنّه (عليه السلام) يقول: إنّ الله تعالى سيرزقك ولداً ينفع الله به الناس، يقول محمد بن علي: أنا

____________________

1 - كمال الدين: 519، الثاقب في المناقب: 602 ح 14.

٥٥

شخصيّاً أيضاً كنت أتمنى الولد، وقلت لابي القاسم: آتيني بالجواب، يقول: جاءني بالجواب أنّه عن الامام سلام الله عليه أن الله تبارك وتعالى له أمر هو بالغه فيك، يعني أنا كأنّه ما استجيبت دعوتي في قضية الولد، لكن علي بن حسين استجيبت دعوته بتوسل الامام وببركة الامام - طبعاً الذي يرزق هو الله سبحانه وتعالى - بالفعل يقول والد الشيخ الصدوق والشيخ الصدوق نفسه يروي القضية في إكمال الدين وإتمام النعمة: وولد الشيخ الصدوق ببركة دعاء الامام صاحب الامر سلام الله عليه وبواسطة أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، يقول الشيخ الصدوق: فكنت إذا حضرت مجلس ابن الوليد أستاذي محمد بن الحسن بن الوليد في قم كانت له حلقة دراسيّة كبيرة في قم كنت أحضر وأنا صغير، فإذا رأى علمي وأجوبتي أعجب بها وقال: لا غرو وأنت دعاء صاحب الامر(1) ، يعني لا عجب أن تنبغ وأنت ولدت بفضل دعاء صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه.

وهناك كرامات كثيرة من هذا القبيل ذكرت، هذه الكرامات كانت تعزّز صدق نيابة هؤلاء النواب وسفارتهم عن الامام سلام الله عليه.

____________________

1 - كمال الدين: 502 ح31، بتصرف.

٥٦

٥٧

طرق إثبات الامام المهدي (عليه السلام)

وجوده الحسّي في الغيبة الصغرى

أما طرق إثبات الامام سلام الله عليه لوجوده الحسي في زمن الغيبة

الصغرى، فهناك طرق عديدة، طبيعي هذا غير بحث أصل ولادته ووجوده (عليه السلام)، وإنما هو بحث في طرق إثبات وجوده الحسّي في زمن الغيبة الصغرى في الخصوص.

الطريق الاوّل:

تمكين عدد من الخاصة من مشاهدته عياناً، كما أشرنا له في الرواية الواردة عن الامام الصادق سلام الله عليه، والتي افتتحنا بها صدر البحث، وايصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلى الناس وخاصة القواعد الشعبيّة الموالين للامام سلام الله عليه مع إيصائهم بالكتمان.

الطريق الثاني:

إقامة المعجز والكرامة، حيث كان الامام سلام الله عليه تجري المعجزة والكرامة على يديه تارة عن طريق السفراء وتارة عن طريق بعض الخواص الابدال من الناس، من قبيل محمد بن شاذان بن نعيم رضوان الله عليه، يقول :

اجتمع عندي من الحقوق الشرعيّة خمسمائة درهم إلاّ عشرين درهماً، فاستحييت أن أبعث بها للامام (عليه السلام)دون أن أتمّها، فأتممتها

٥٨

بخمسمائة وأوصلتها إلى الامام سلام الله عليه - الظاهر عن طريق نائبه، لانّ القضية في زمن الغيبة، والمفروض اللقاء المباشر في مثل هذه القضايا عن طريق النواب، وإن كان يمكن أن يكون التقى به سلام الله عليه مباشرة - فجاء الجواب عن الامام: وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً»(1) .

مثل هذه الكرامات كانت تظهر للامام سلام الله عليه، فكانت تعزز وجوده الحسي.

الطريق الثالث:

هو عبارة عن الاجوبة على مختلف المسائل، فكان الامام سلام الله عليه يجيب عليها، وأنا بيّنت أنّ البحث مبني على الجدولة، وإلاّ لو أردنا أن نبسط الكلام في تعداد المسائل التي وردت فيها توقيعات الامام سلام الله عليه لكانت كثيرة جداً.

ونفس هذه المسائل والاجوبة عليها ومتانتها وانسجامها مع أجوبة آبائه الائمة الطاهرين ممّا يعني أنّ العين نفس العين الصافية التي كانت تصدر منها المسائل عن الائمة الاطهار سابقاً، أنّها صادرة من إمام، لا من شخص عادي.

الطريق الرابع:

هو الخط الخاص للامام سلام الله عليه، فهنالك للامام كما أشرنا في ثنايا حديثنا خط خاص، هذا الخط الخاص مألوف ومأنوس في زمن أبيه الامام العسكري (عليه السلام)، وقد نص الصدوق رحمه الله بأنّه من جملة الطرق التي كان يعرف الناس بها وجود الامام سلام الله

____________________

1 - كمال الدين: 486 ح 5، الغيبة للطوسي: 416 ح 394.

٥٩

عليه وصدق دعوى سفارة مَن ادّعى السفارة، كان ذلك من خلال معرفة خطه (عليه السلام)، لانّ الرسائل كانت تصدر بخطّه وتوقيعه مؤرّخة بتأريخها أيضاً، ممّا كانت تؤكّد لكلّ مَن كان له تماس بالامام سلام الله عليه وبواسطتهم لبقية الطبقات كانت تؤكّد وجوده (عليه السلام).

وهنالك مباحث أيضاً طويلة الذيل كما يقال أخرى، وتفاصيل عديدة أيضاً في هذا المجال، ولكن لضيق الوقت نكتفي بهذا المقدار من البحث، وأترك الباقي من خلال أجوبة الاسئلة.

ولكن بالمناسبة، في قضية السفراء الاربعة كان بودّي أن أفيض فيها أطول من ذلك، ولكن لضيق المقام اكتفيت بما ذكرته.

وهنالك توقيع من توقيعات الناحية المقدسة أرغب للتبرك أن أختم به، لا سيما وأنه خاتمة الغيبة الصغرى أيضاً، حيث جاء في هذا التوقيع من الناحية المقدسة لاخر نائب وهو النائب الرابع وهو السمري، وهو نص رسالة الامام سلام الله عليه للنائب الرابع، يوصيه فيها بأن لا يوصي من بعده لشخص آخر فقد انتهت الغيبة الصغرى، وهذه الرسالة تشهد عباراتها على صدورها من تلك الناحية المقدسة، يقول:

«بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك».

يعني هذا في حياته، فالامام سلام الله عليه نعى إليه نفسه في حياته، وهذه القضية رواها كل من مرّ بها من علماء الطائفة، كالصدوق والطوسي وأمثال هؤلاء قدس الله اسرارهم.

«فانّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام».

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607