العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته9%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 607

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68460 / تحميل: 5588
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنّ الولاية الّتي يستحقّ صاحبها الكرامة ، وكذلك الكرامة الّتي تثبتُ لصاحب الولاية ، إنّما يحتاجانِ إلى إثباتٍ.

فلا يثبتان بالادّعاء ، أو بالتوهّم ، أو الفرض ، وإنّما هما بحاجة إلى مثبتات بمستوى الحُجج الصالحة للاستناد والاعتماد.

ومن أوضح أدلّة ذلك :

الشهرة والشيوع عند المؤمنين ، شهرةً مفيدةً للعلم ، ونافيةً للريب ، ومفندهً للإنكار والمعارضة.

فكيف بها إذا سلّم بها الخصمُ ، وتناقلَها الأعداءُ ، ولم يُعارضها نقلٌ ولو ضعيفٌ؟!

وإذا ارتفعت الموانع ، وتمّت المُثبتات ، فلا يجدُ المسلمُ المتشرّعُ إشكالاً أو شبهةً في الالتزام بما يتحقّق من الكرامات ، قديماً وحديثاً.

وأمثلة ذلك في حضارة الإسلام كثيرةٌ جدّاً ، كما لم تخلُ من نماذج ثابتة لذلك في الحضارات السابقة ، إلاّ أنّ النماذج الإسلاميّة قد تناقلتها الرواياتُ والأحاديثُ ، وسجّلتها الدواوينُ والمصادرُ ، واستقرّتْ في الصدور وشاعتْ على الألسن ، ووصلتْ إلينا بالتواتُر المعنويّ القاطع لكلّ مكابرةٍ والدافع لكلّ إنكارٍ.

وإذا خضعت الكراماتُ للإمكان الموضوعيّ عقلاً ، وثبت وقوعُها بالروايات والآثار نقلاً ، فلم يبقِ للإنسان المتشرّع والمتعبّد إلاّ القبولُ والاقتناعُ بها وجداناً ، بل تكون مفخرةً للمسلمين وللإسلام أن يوجد فيهم

٢٤١

مثلُ تلك النماذج الرائعة ، وبكثرةٍ ملحوظةٍ ، ممّا يدلّ على عمق الإيمان في قلوب معتنقيه ومدى رسوخ العقيدة في نفوس تابعيه ، وبلوغ أوليائه إلى القِمَمِ ، وسيطرتهم على مقدّرات الكون لكونهم أفضل الاُمم ، مع تواضع فذٍّ للهِ الخالق جلّ وعلا ، وخدمةٍ خالصةٍ للخلق المبتلى.

وبعد هذا الّذي أوردنا ؛ فمن يحاول الاستغرابَ من بعض الكرامات ، أو يُكابِرُ قبول شيء منها ، أو يُناقِشُ في إمكانها ، أو ثبوتها ، أو صحّتها ، أو إثباتها ، مستنداً إلى عقله! أو نظره! فانّما يُنْبِىء عن قُصُور من تناول تلك المحكَمات من الآياتِ ، أو جهلٍ بتلك المشهورات من الأخبار ، أو تعامٍ عن الحقّ : رغبةً في المخالفة. وحبّاً للشهرة. أو تزلّفاً إلى الأعداء بموافقتهم في الأفكار. أو معاندة وعصبيّة لمرض في قلبه ، وعَمَىً في بصيرته ، وهوىً في نفسه. نعوذ بالله من الخذلان.

ولقد انبرى جمعٌ من العلماء لجمع عيّناتٍ بارزةً من النماذج الإسلاميّة من الكرامات لأصحابها ، بالطرق الموثوقة رواية عن الرجال الموثوقين ، لتكون شواهدَ صدقٍ ، ونواطق حقّ ، بتحقّق ذلك.

وليكون دليلاً واضحاً على بلوغ تلك الكرامات مبلغ الشهرة المؤدّية إلى القناعة والعلم ، لسعة رواياتها ونقولها ، واعتماداً على رواتها الّذين يعدّون من رجالات العلم والدين.

وإنّ مثل هذه الكرامات يعدّ دعماً لمواقف أهل الحقّ على طول تاريخ النضال العقيديّ المُستميت ، الّذي خاضَهُ اُولئك الأبرارُ الأوتادُ

٢٤٢

الأولياءُ لله وللرسول وللأئمّة الأطهار من آل محمّد عليهم السلام ولا يزال يخوضه المجاهدون الأحرارُ من شيعتهم الأخيار ، وهم الّذين وقفوا ـ ولا يزالون ـ على طول خطّ التاريخ وحتّى اليوم ـ في صفّ المواجهة الأوّل ، للدفاع عن القرآن الكريم ، والإسلام العظيم ، والرسول الأعظم ، والأئمّة الطاهرين ، وكلّ المقدّسات ؛ بِنِيّاتٍ صادقةٍ ، وعزماتٍ قويّةٍ وإرادات جادّة ، ويقين بوعد الله جلّ وعزّ بالنصر ، والمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ليستخلفنّهم فيها ، ويجعلهم أئمّةً ويجعلهم الوارثين.

جعلنا اللهُ ممّن ينتصرُ به لدينه تحت راية نبيّه وأوصيائه والأولياء من شيعتهم ، وقيادة صاحب الأمر إمام الزمان المهديّ المنتظر عليه السلامُ وعجّل اللهُ فرجه ، الّذي يملأ الدُنيا عَدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئتْ ظُلماً وجَوراً.

وأمّا كرامات العَبّاس عليه السلام :

فقد ملأتْ أسماعَ التاريخ ، وأوراقَ الكتب ، وأجواءَ الفضاء ، وبلغت من الشُهرة والشُيوع ما أقرّ بِها الأولياءُ ، وخضعَ لها الأعداءُ ، ولا تزال ـ حتّى في عصرنا ـ تُحَسُّ وتُمَسُّ ، وتُرَى وتُرْوَى ، وتُسَجَّلُ وتُنْقَلُ ، بما لا مجال لاستيعاب جميعها ، بل ، ولا لتعدادها ، ولا للوصول إلى غورها ومدى أبعادها.

ويكفي الحضور في مزاره الشريف ، ليرى الطالبُ للكرامة تحقّقها في كلّ ساعةٍ ، ويومٍ ، وأسبوعٍ ، وشهرٍ ، وسنةٍ.

وليس كلّ هذا إلاّ من بعض إكرام الله تعالى لهذا العَبْد ، الصالح ، المطيع

٢٤٣

لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسن ولأخيه الحسين عليهم السلام.

وبما حصّل بذلك من الدرجة الراقية والمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند الله.

فسلامُ الله عليه :

يوم وُلِدَ ،

ويوم جاهد وناضل ،

ويوم استشهد بين يدي أخيه المظلُوم ،

ويوم يقُوم بين يديه في الجنّة ، ويحظى بدرجته ومقامه.

ونسألُ الله تعالى أن يشفّعه فينا يوم لقائه ، وأن يجعلنا معهُ في الآخرة كما وفّقنا لحُبّه ولخدمته والفوز بزيارته في الدُنيا.

آمين يا ربّ العالمين.

٢٤٤

الملاحق

الملحق الأوّل : نصوص الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

الملحق الثاني : زوجة العَبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيّته في كتب

النسب والأعلام منهم عبر التاريخ

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب

٢٤٥
٢٤٦

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

زيارة العبّاس عليه السلام المُطلَقَهُ :

روى ابن قولويه ، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات ، قالا : إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء ، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً ، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(١) فإذا أتيت ، فقفْ على باب السقيفة ، وقل :

سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبداه الصالحين ، وجميع الشهداء والصِدِّيقين ، والزاكِياتُ الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله المُرسَلِ ، والسِبطِ المُنتَجَبِ ، والدَليلِ العالمِ ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ ، أشهدُ أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً ،

__________________

(١) ما بين القوسين من كامل الزيارات ، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

٢٤٧

وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم ، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين ، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين ، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين ، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن .

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل :

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ ، وعلى روحك وبدنك.

أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله ، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه ، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وأفْضَلَها غُرَفاً ، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً ، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين ،

٢٤٨

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس ، فَصَلِّ رَكعتين ، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ ، وادعُ اللهَ كثيراً ، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ :

اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ ، والمشهدِ المُعظّمِ ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ ، ولا مرضاً إلاّ شفيته ، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين ، وقُلْ :

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً ، وأقْدَمِهم إيْماناً ، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ ، فنعمَ الأخُ المُواسِي ، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام ، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ ، المُحامي الناصِرُ ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ .

٢٤٩

اللّهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ ، رَغْبَةً في ثوابِكَ ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين ، وأنْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً ، وعَيْشَي قارّاً ، وزِيارَتِي بِهِمْ مقبُولَةً ، وحياتِي بِهِم طيّبَةً ، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً ، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ ، وسَتْرَ العُيُوبِ ، وكَشْفَ الكُرُوبِ ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ .

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف ، فقفْ عندَ القبرِ ، وقل :

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ ، اللّهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين ، اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي ، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ ، اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم ، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ .

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(١) .

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر ،

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٠٦ ، ٢١٧ ـ ٢١٩) و(٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢٥٠

وفي أوّل يوم من شهر رجب ، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره ، وفي النصف من شهر شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاث ، وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما ، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.

ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس عليه السلام كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ عليه السلام.

وفقنا الله لذلك إنّه خير موفقٍ ومعين.

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي ـ أيضاً ـ كما في ما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت ٦١٤ هـ) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه : إذا وصلتَ ؛ فاغتسل ـ إن شاء الله ـ على الفُرات ، ومسّ ما أمكنك من الطِيب ، ثمّ ادْنُ إلى القبر ؛ فكبّر اللهَ تعالى ، ، ثمّ تقول :

السلامُ عليك يا سبطَ رسول الله.

السلامُ عليك يا ريحانةَ الرسول. السلامُ عليك يا فرخَ البتول.

السلامُ عليك أيُّها الشهيدُ السعيدُ. السلامُ عليك أيُّها الفقيدُ الحميدُ.

السلامُ عليك أبا الشُهداء. السلامُ عليك يا ثمرةَ قلب المصطفى. السلامُ عليك يا بحرَ العطاء. السلامُ عليك يا جمّ النَوال. السلامُ عليك يا ليثَ النِزال. السلامُ عليك يا نورَ الملّة. السلام عليك يا واهبَ نفسِه لله. السلامُ عليك يا ليثَ العرين. السلامُ عليك يا معدوم القَرِين.

السلامُ عليك يا شهيدَ الطُفُوف. السلامُ عليك يا مُلاقيَ الأُلُوف. السلامُ عليك يا مَسْتَهْوِنَ الحُتُوف. السلامُ عليك يا سيّد شباب أهل

٢٥١

الجنّة ، السلامُ عليك يا قويّ المنّة ، السلامُ عليك يا مَن مَطَرَت السماءُ لِقَتلِهِ دَماً ؛ لِغَضَبِ ربّ السماء ، السلامُ عليك يا مَنْ فرّقَ بهِ بينَ الشَقِيّ والسعيد ، السلامُ عليك يا مَنْ باءَ بِالخِزْيِ والعارِ فيه يَزِيدُ. السلامُ عليك يا قتيلَ الدَعِيّ. السلامُ عليك يا سبطَ النبيّ. يا أبا عبد الله ابن رسول الله ، هذه كلماتٌ أَهْدَيْناها إليك ، فصلوات الله وملائكته على جدّكَ وأبيكَ وأمّكَ وأخيكَ وعليكَ وعلى الطيّبينَ من آلِكُم ، ورحمة الله ، أرَدْنا بإهدائِها القُرْبَ إليكم والفوز لَدَيْكُم (١) .

ثمّ قال : وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت ، بالطَفِّ ، وتقول :

السلامُ عليك يا عبّاسُ ، يا ثابتَ الأساس ، ونُورَ النِبْراس ، وعروس الأفراد(٢) . السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد ، وسيفَ الجِلاد ، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين ، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين.

ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين ، وعموم بني هاشم ، وعلى أوليائهم الشهداء(٣) .

__________________

(١) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٢) وفي نسخة : «عروس الأفراس».

(٣) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

٢٥٢

الملحق الثاني

زوجة العَبّاس عليه السلام

وأولاده

وذريّته في كتب النسب والأعلام منهم عبرَ التاريخ

٢٥٣
٢٥٤

زوجتُهُ لُبابَةُ بنتُ عُبَيْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب

اتّفق أهل النسب ـ وورد في أكثر المصادر ـ على :

أنّ العَبّاس الأكبر السقّاء عليه السلام تزوّج (لُبابة) بنت (عُبَيْد الله) بن العَبّاس ابن عَبْد المطّلب.

وأنّعُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من لُبابَة بنت عُبَيْد الله.

وأنّعقب العَبّاس السقّاء عليه السلام منحصرٌ في أولاد عُبَيْد الله ابنه هذا .

قال أبو نصر البخاري ـ نقلاً عن عدّة من النسّابين والمؤرّخين تبلغ(١٨) شخصاً ، أنّهم ذكروا(١) : إنّ العَبّاس بن علي عليه السلام وَلَدَ عُبَيْدَ الله بنَ

__________________

(١) قال : ذكر :

أبو اليقظان سحيم بن حفص النّسّابة ؛

وعليّ بن مجاهد الكابليّ ؛

ومحمّد بن عمر الواقديّ ؛

وعليّ بن محمّد بن سيف المدائنيّ ؛

وهشام بن محمّد الكلبيّ ؛

والشَرَقيّ بن القطاميّ ؛

والهيثم بن عديّ ؛

وأبو القاسم خرداذبه ؛

ومحمّد بن حبيب ؛

٢٥٥

العَبّاس ، من بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب(١) .

أقولُ : وبهذا تتمّ الحُجّةُ على الجميع في الأمور الثلاثة :

الأوّل : أنّ اسم زوجة العَبّاس عليه السلام هو «لُبابَة» بلامٍ مضمومةٍ وبائين موحّدتين ، بينهما ألِفٌ ، وفي آخره تاءٌ مُثنّاةٌ قصيرةٌ.

الثاني : أنّهابنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، لا عَبْد الله.

الثالث : أنّعقب العَبّاس من عُبَيْد الله ابنه ، وحدَهُ ، وغيرهُ من أولاده لم يُعْقِبُوا. وعلى هذا أثبت الأكثر من القُدماء والمتأخّرين.

لكنّ وقع في هذه الأُمور خلافٌ من آحادٍ منهم ، كما يلي :

الأمر الأوّل : اسم زوجة العَبّاس عليه السلام لُبابَة :

لكنّ المطبوع في (الدرجات الرفيعة) : وكان له من الولد ولُبانَة

__________________

والزّبير بن بكار الزّبيريّ ؛

وعَبْد الله بن سليم القينيّ ؛

ومحمّد بن أبي الجَهْمِ العدويّ ؛

وحمزة بن الحسن الأصفهانيّ ؛

وأحمد بن حييى ثعلب ؛

ومحمّد بن جرير الطّبريّ ؛

والشّريف أبو الحسين يحيى بن الحسن بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبيد الله بن الحسين الأصغر ؛

وأبو طاهر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛

والنّاصر الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ أنّ كلّهم ذكروا : أنّ العبّاس بن عليّ ولد عُبَيْد الله بن العَبّاس ، من لُبابة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب.

أبو نصر ، سرّ السّلسلة ، / ٨٨ ـ ٩٥.

(١) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب (ص ٢٥٦).

٢٥٦

وأسماء(١) والظاهر أنّه خطأٌ مطبعيٌّ ، والصواب : لُبابَة ، فقد انفردت تلك النسخة بذلك ، وإنّما المذكور في المصادر (لُبابة) لا غير.

وجاء في مخطوطة كتاب النسب ليحيى بن الحسين باسم (أُمامة) وهي نسخةٌ فريدةٌ قال : والعقب من ولد العَبّاس من عُبَيْد الله ، وأُمّه أُمامة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٢) .

إلاّ أنّ ذلك غير موثوق ، لعدم التأكّد من صحّة هذه النسخة ، لكونها وحيدةً ، ولم تحتوِ على شيءٍ من أدوات التوثيق العلميّ المتداولة.

والمظنون تصحيف كلمة أُمامة من كلمة (لُبابة) للتشابُه الكبير بينهما في الرسم والوزن ، المؤدّي إلى مثل ذلك.

وقد وقع مثل ذلك التصحيف في ما ذكره الزَبِيدي قال : وأُمامة بنت الحارث الهلاليّة ، إنّما هي (لُبابة) صحّفها بعضهم(٣) .

ووقع عكس هذا التصحيف في اسم ابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ذكرها الشيخ المفيد باسم (لُبابة)(٤) لكنّها مسمّاةٌ بأُمامة في كتاب نصر بن علي الجهضمي(٥) . والظاهر صحّة ما في الإرشاد للمفيد ، لأنّ النُسخة المُعتَمَدة منهُ موثوقةٌ جيّدةٌ.

__________________

(١) الدرجات الرفيعة للمدني (ص ١٤١) ذكر ذلك في أولاد عُبَيْد الله بن العَبّاس.

(٢) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام.

(٣) تاج العروس (٨ / ١٩٢).

(٤) الإرشاد (٢ / ٢٤٤).

(٥) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٢٠).

٢٥٧

الأمر الثاني : إنّها بنت عُبَيْد الله ، لا عَبْد الله :

وقد أثبت ذلك ـ مع مَنْ ذُكِرَ سابقاً ـ ابنُ قتيبة ، قال : العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب ، قُتِلَ مَعَ الحُسين عليه السلام وَلَدَ العَبّاسُ عُبَيْد الله ، أُمّه لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، وحسَنَاً : لأُمّ ولدٍ ، وله عقبٌ(١) .

وقد أصرّ السيّد الأعرجيّ على كون زوجة أبي الفَضْلِ هي (لُبابة بنت عَبْد الله) فقال : لُبابة بنت عَبْد الله ، خرجت إلى العَبّاس ابن أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام(٢) .

وقال الناسبُ البيهقيّ : عُبَيْد الله بن العَبّاس السقّاء ، أُمّه لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العَبّاس بن عَبد المطّلب(٣) .

وكذا جاء في مطبوعة (سرّ السلسلة) قال : كان لزيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابنةٌ يُقال لها : «نفيسةٌ» أُمّها : لُبابَة بنت عَبْد الله بن عبّاس بن عَبْد المطّلب ، وكانتْ تحت العَبّاس بن عليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قُتِلَ عنها يوم الطَفّ مع الحسين عليه السلام تزوّجها(٤) زيدُ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وأخو نفيسة هذه لأُمّها : عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ عليه السلام ونفيسةٌ تزوّجها الوليدُ بن عَبْد الملك بن مروان ، ووُلِدَ له منها أولاد(٥) .

__________________

(١) المعارف ط مصر (٢١٧).

(٢) مناهل الضرب (ص ١ ـ ٦٢) ولعلّ هذا من الأخطاء الكثيرة في هذا الكتاب.

(٣) لباب الأنساب (١ / ٣٥٧).

(٤) في المطبوعة : فزوّجها.

(٥) سرّ السلسلة (ص ٢٩).

٢٥٨

أقولُ : والتحقيق في هذا الأمر ، يبتني على معرفة أُمور :

أوّلاً : إنّ كلا الرَجُلين : عَبْد الله ، وعُبَيْد الله ، ابني العبّاس بن عَبْد المطّلب ، قد سمّيا بنتيهما باسم أُمّهما (لُبابة بنت الحارث) فهما اثنتان : لُبابَة بنت عَبْد الله ، ولُبابة بنت عُبَيْد الله.

ثانياً : خرجتْ لُبابَة بنت عَبْد الله الحَبْر ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى : عليّ بن عَبْد الله بن جعفر(١) .

ثمّ إسماعيل بن طلحة(٢) .

قال في المحبّر : وتزوّجتْ لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب : عليَّ بن عَبْد الله بن جعفر ، ثمّ خلف عليّاً : إسماعيلُ بنُ طلحة بن عُبَيْد الله ، ثمّ محمّدُ بنُ عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٣) ؛ وهو ابنُ عمّها.

وقال الزُبيريّ : كانتْ عند عليّ بن عَبْد الله بن جعفر : فولدتْ له محمّداً.

ثمّ خلف عليها إسماعيلُ بن طلحة بن عُبَيْد الله ؛ فولدتْ له يعقوب.

ثمّ فارقها فتزوّجها محمّدُ بن عُبَيْد الله(٤) بن العَبّاس(٥) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣٣) والمحبّر (ص ٤٤١) ومستدرك الحاكم (٣ / ٥٤٥) وشرح الأخبار (٣ / ٣٠٣) وشرح النهج الحديدي (١٥ / ٢٧٧) وبحار الأنوار (٤٧ / ١٧٦)

(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٢٣٢).

(٣) المحبّر (ص ٤٤٠).

(٤) في المطبوعة (عَبْد الله) وهو خطأ.

(٥) نسب قريش (ص ٢٩).

٢٥٩

وذكر يحيى بن الحسن في كتاب (تسمية المُعْقِبِيْنَ) : لُبابَة بنت عَبْد الله ابن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، وقال : والعقب من ولد عليّ بن عَبْد الله بن جعفر ابن أبي طالب : من (محمّد بن عليّ) و(إسحاق بن عليّ) وأُمّهما (لُبابة بنت عَبْد الله بن العَبّاس)(١) .

لكنّ ابن عَبْد ربّه قال : إنّها من العقائل اللّاتي كُنّ عند الوليد بن عَبْد الملك الأمويّ(٢) .

وقد ردّ السيّدُ الخِرْسان هذا ، واعتبر القول «كذبةً شنعاء»(٣) بل الّتي كانت عند الوليد الأموي هي «نفيسةٌ» بنتها ، كما مرّ عن البخاري في (سرّ السلسلة)؟ أو أنّه خلط بين الوليد بن عتبة ، وبين الوليد بن عَبْد الملك ، فلاحظ.

مع أنّ زوجة الوليد بن عتبة هي لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، لا بنت عَبْد الله(٤) .

ثالثاً : خرجت لُبابَة بنت عُبَيْد الله الجواد ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قال البخاري : كانت تحت العَبّاس بن عليّ ، قُتِلَ عنها يومَ الطَفّ ،

__________________

(١) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام (ص ١٠٦).

(٢) العقد الفريد (٢ / ١١٢).

(٣) موسوعة ابن عبّاس (٥ / ٥ ـ ٤٠٦).

(٤) ويلاحظ أنّ التي كانت عند عَبْد الملك بن مروان (لُبابة بنت عَبْد الله بن جعفر بن أبي طالب) وقد تزوّجها بعده ابن عمها علي بن عَبْد الله بن عباس ، فضربه الوليد بالسياط لذلك ، كما في الجوهرة للبري الأندلسي ص ٣٧٢ تحقيق التونجي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

فخضوع أحد أمام موجود وتكريمه ـ مبالغاً في ذلك ـ دون أن ينبع من الاعتقاد بالوهيته لا يكون شركاً ولا عبادة لهذا الموجود، وإن كان من الممكن أن يكون حراماً، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها، فإنّها وإن كانت حراماً في الشريعة الإسلامية، لكنها ليست عبادة، فكون شيء حراماً، غير القول بأنّه عبادة، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بالوهيته وربوبيته إنّما هي لوجه آخر.

من هذا البيان يتضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام، وهو إذا كان الاعتقاد بالإلوهية أو الربوبية أو التفويض، شرطاً في تحقق العبادة، فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضم هذه النيّة جائزاً ؟

ويجاب على هذا: بأنّ السجود حيث إنّه وسيلة عامة للعبادة، وحيث إنّ بها يعبد الله عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلّا العبادة، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة، وهذا التحريم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراماً قبله، وإلاّ لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسفعليه‌السلام ، إذ يقول:( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَىٰ العَرْشِ وَخَرُُّّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) .

* * *

لقد استدل بعض المحقّقين(٢) بالآيات التالية على حرمة السجود لغير الله مطلقاً حتى لو لم يكن بعنوان العبادة :

( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ

__________________

(١) يوسف: ١٠٠.

(٢) البيان: ٥٠٤.

٤٨١

تَعْبُدونَ ) (١) .

( وَأنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً ) (٢) .

ولكن الإمعان في هاتين الآيتين يفيد أنّ الهدف هو: تحريم السجدة التي تكون بقصد العبادة لا ما كان بقصد التعظيم، إذ يقول في أُولى الآيتين:( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدونَ ) ويقول في ثانيتهما:( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً ) على أنَّنا سنقول في المستقبل إنّ المقصود بالدعوة ـ هنا ـ هو: العبادة، لذلك فالأفضل ـ في هذا المجال ـ أن نستدل بالإجماع والأحاديث، ولذلك استدل هو بنفسه بعد الاستدلال بالآيتين الآنفتين بالإجماع، إذ قال: « فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغير الله ».

قال الجصاص: قد كان السجود جائزاً في شريعة آدمعليه‌السلام ، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسفعليه‌السلام ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا، وبمنزلة تقبيل اليد، قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في إباحة تقبيل اليد أخبار، وقد روي الكراهة، إلّا أنّ السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبي قال: « ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها »(٣) .

* * *

__________________

(١) فصلت: ٣٧.

(٢) الجن: ١٨.

(٣) أحكام القرآن: ١ / ٣٢، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص ( المتوفّى عام ٣٧٠ ه‍ ).

٤٨٢

إلى هنا استطعنا ـ بشكل واضح ـ أن نتعرف على حقيقة « العبادة » و « الشرك » ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول: إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم، لا باعتقاد أنّهم « آلهة » أو « أرباب » أو « مصادر للأفعال والشؤون الإلهية » بل لأنّ المخضوع لهم إنّما يستوجبون التعظيم، لأنّهم( عِبَادٌ مُكَرَمُونَ *لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) فإنّ هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والتكريم لن يكون عبادة قطعاً، فقد مدح الله فريقاً من عباده بصفات تستحق التعظيم عندما قال :

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَىٰ العَالَمِينَ ) (٢) .

وفي موضع آخر من القرآن صرح الله تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الإمامة، إذ يقول تعالى :

( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) (٣) .

وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح الله بها: نوحاً وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمداً ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أُمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنصِّ القرآن(٤) .

فإذا احترم أحد هؤلاء، في حياتهم أو بعد وفاتهم، لا لشيء إلّا لأنّهم عباد الله المكرمون، وأولياؤه المقربون، وعظمهم دون أن يعتقد بأنّهم « آلهة » أو « أرباب »

__________________

(١) الأنبياء: ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) آل عمران: ٣٣.

(٣) البقرة: ١٢٤.

(٤)( قُل لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ( الشورى: ٢٣ ).

٤٨٣

أو « مصادر للشؤون الإلهية » لا يعد فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشركاً أبداً.

وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلم، أو الوالدين، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية، أو أضرحة الأولياء وما يتعلّق بهم من آثار، إلّا تعظيماً وتكريماً لا عبادة.

نحن ومؤلّف تفسير المنار

وفي ختام هذا البحث يجدر بنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى طائفة من التعاريف للعبادة، ونذكر بعض ما فيها من الضعف :

١. قال في المنار: العبادة ضرب من الخضوع، بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود لا يعرف منشؤها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها.(١)

وهذا التعريف لا يخلو عن قصور، إذ بعض مصاديق العبادة، لا تكون خضوعاً شديداً، ولا يكون بالغاً حد النهاية كبعض الصلوات الفاقدة للخشوع، ثم ربما يكون خضوع العاشق أمام معشوقته والجندي أمام آمره، أشدَّ خضوعاً مما يفعله كثير من المؤمنين بالله تجاه ربّهم في مقام الدعاء والصلاة والعبادة، ومع ذلك لا يقال لخضوعهما بأنّه عبادة، في حين يكون خضوع المؤمنين تجاه ربهم عبادة وإن كان أخف من الخضوع الأوّل.

نعم لقد ذكر هذا المؤلف نفسه ـ في حنايا كلامه ـ ما يمكن أن يكون معرّفاً صحيحاً للعبادة ومتفقاً ـ في محتواه ـ مع ما قلناه حيث قال :

للعبادة صور كثيرة في كل دين من الأديان شرِّعت لتذكير الإنسان بذلك

__________________

(١) تفسير المنار: ١ / ٥٧.

٤٨٤

الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة، وسرها(١) .

إنّ عبارة: « الشعور بالسلطان الإلهي » حاكية عن أنّ الفرد العابد حيث إنّه يعتقد بالوهية المعبود، لذلك يكون عمله عبادة وما لم يتوفر مثل هذا الاعتقاد في عمله لا يتصف بالعبادة.

٢. وقد جاء شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت بتعريف يتحد مع ما ذكره صاحب المنار معنى ويختلف معه لفظاً، فقال :

العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد(٢) .

فالتعريفان متحدان نقداً وإشكالاً، فليلاحظ، وان كان تفسير المنار يختص بإشكال آخر، حيث إنّه يقول: « العبادة ناشئة عن استشعار القلب عظمة لا يعرف منشؤها » في حين أنّ العابد يعلم أنّ علة العظمة هي: السلطة الإلهية، التي هي الوهية المعبود والإحساس بالحاجة الشديدة إليه، وأنّ بيده مصير العابد، وغير ذلك من الدوافع، فكيف لا يعرف منشؤها ؟(٣) .

٣. وأكثر التعاريف عرضة للإشكال هو تعريف ابن تيمية، إذ قال :

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرية كالصلاة، والزكاة والصيام، والحج، وصدق الحديث، وإداء الأمانة وبر الوالدين، وصلة الأرحام(٤) .

وهذا الكاتب لم يفرق ـ في الحقيقة ـ بين العبادة، وبين التقرّب، وتصوّر أنّ

__________________

(١) تفسير المنار: ١ / ٥٧.

(٢) تفسير القرآن الكريم: ٣٧.

(٣) آلاء الرحمن: ٥٩.

(٤) مجلة البحوث الإسلامية: العدد٢ / ١٨٧ نقلاً عن كتاب « العبودية »: ٣٨.

٤٨٥

كل عمل يوجب القربى إلى الله فهو عبادة له تعالى أيضاً، في حين أنّ الأمر ليس كذلك، فهناك أُمور توجب رضا الله، وتستوجب ثوابه قد تكون عبادة كالصوم والصلاة والحج، وقد تكون موجبة للقربى إليه دون أن تعد عبادة كالإحسان إلى الوالدين وإعطاء الزكاة والخمس، فكل هذه الأُمور ( الأخيرة ) توجب القربى إلى الله في حين لا تكون عبادة، وإن سميت في مصطلح أهل الحديث عبادة فيراد منها كونها نظير العبادة في ترتب الثواب عليها.

وبعبارة أُخرى: إنّ الإتيان بهذه الأعمال يعد طاعة لله، ولكن ليس كل طاعة عبادة.

وإن شئت قلت: إنّ هناك أُموراً عبادية، وأُموراً قربية، وكل عبادة قربة، وليس كل قربة عبادة، فدعوة الفقير إلى الطعام والعطف على اليتيم ـ مثلاً ـ توجب القرب ولكنها ليست عبادة، بمعنى أن يكون الآتي بها عابداً بعمله لله تعالى.

٤٨٦

٥

ما هو معنى الإلوهية

وما هو ملاكها ؟

إذا كانت العبادة هي الخضوع أمام أحد بما هو « إله »(١) ، فيقع الكلام في معنى ال‍: « إله » فنقول: لا نظن أنّ القارئ الكريم يحتاج في فهم معنى: « إله » إلى التعريف، فإنّ لفظي: « إله » و « الله » من باب واحد، فما هو المتفاهم من الثاني « أي الله » هو المتفاهم من الأوّل « أي إله »، وإن كانا يختلفان في المفهوم اختلاف الكلي والفرد.

غير أنّ لفظ الجلالة علم لفرد من ذاك الكلي ولمصداق منه، دون ال‍: « إله » فهو باق على كلّيته وإن لم يوجد عند الموحّدين مصداق آخر له، بل انحصر فيه.

__________________

(١) هذا هو أحد التعاريف الماضية في البحث السابق، وكانت هناك تعاريف أُخرى من كونها: الخضوع أمام أحد بما هو رب، أو بما هو غني في فعله عن غيره، أو بما هو مصدر للشؤون الإلهية كالشفاعة والمغفرة، فراجع. وقد أوضحنا أنّ هذه القيود جيء بها للإشارة إلى أنّها ليست مطلق الخضوع بل هو قسمٌ خاصٌّ منه وإنّ دخول هذه القيود في مفهوم العبادة على غرار دخول الدائرة في مفهوم القوس وإنّه من باب زيادة الحد على المحدود فراجع.

٤٨٧

فكما أنّه لا يحتاج أحد في الوقوف على معنى لفظ الجلالة إلى التعريف فلفظة « إله » مثله أيضاً، إذ ليس ثمة من فارق بين اللفظتين إلّا فارق الجزئية والكلية، فهما على وجه كزيد وإنسان، بل أولى منهما لاختلاف الأخيرين ( زيد وإنسان ) في مادة اللفظ بخلاف « إله » و « الله »، فهما متحدان في تلك الجهة، وليس لفظ الجلالة إلّا نفس إله حذفت همزته وأُضيفت إليه « الألف واللام » فقط، وذلك لا يخرجه عن الاتحاد، لفظاً ومعنى.

وإن شئت قلت: إنّ ها هنا اسماً عاماً وهو « إله » ويجمع على « آلهة »، واسماً خاصاً وهو « الله » ولا يجمع أبداً، ويرادفه في الفارسية « خدا » وفي التركية « تاري » وفي الانجليزية « گاد » غير أنّ الاسم العام والخاص في اللغة الفارسية واحد وهو « خدا » ويعلم المراد منه بالقرينة، غير أنّ « خداوند » لا يطلق إلّا على الاسم الخاص، وأمّا « گاد » في اللغة الانجليزية فكلما أُريد منه الاسم العام كتب على صورة « god » وأمّا إذا أُريد الاسم الخاص فيأتي على صورة « God » وبذلك يشخص المراد منه.

ولعل اختصاص هذا الاسم بالله بخالق الكون كان بهذا النحو: وهو أنّ العرب عندما كانت في محاوراتها تريد أن تتحدث عن الخالق كانت تشير إليه ب‍ « الإله » أي الخالق، والألف واللام المضافتان إلى هذه الكلمة كانتا لأجل الاشارة الذهنية ( أي الإشارة إلى المعهود الذهني )، يعني ذاك الإله الذي تعهده في ذهنك، وهو ما يسمّى في النحو بلام العهد، ثم أصبحت كلمة « الإله » مختصة في محاورات العرب بخالق الكون، ومع مرور الزمن انمحت الهمزة الكائنة بين اللامين وسقطت من الألسن وتطورت الكلمة من « الإله » إلى « الله » التي ظهرتفي صورة كلمة جديدة واسم خاص بخالق الكون تعالى وعلماً له

٤٨٨

سبحانه(١) .

وإلى ما ذكرنا يشير العلاّمة الزمخشري في « كشّافه »: الله أصله: الإله، قال الشاعر :

معاذ الإله أن تكون كظبية

ولا دمية ولا عقيلة ربرب(٢)

ونظيره: الناس أصله، الاناس، فحذفت الهمزة، وعوض عنها حرف التعريف، ولذلك قيل في النداء يا الله بالقطع، كما يقال: يا إله، والإله من أسماء الأجناس كرجل وفرس(٣) .

وينقل العلامة الطبرسي في « تفسيره » عن سيبويه أنّ « الله » أصله « إله » على وزن فعال، فحذفت فاء فعله، وهي الهمزة، وجعلت الألف واللام عوضاً لازماً عنها، بدلالة استجازتهم قطع هذه الهمزة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء في قوله: يا الله اغفر لي، ولو كانت غير عوض لم تثبت الهمزة في غير هذا الاسم(٤) .

وقال الراغب في « مفرداته »: « الله أصله إله، فحذفت همزته وأُدخل عليه الألف واللام، فخصّ بالباري تعالى ولتخصّصه به قال تعالى:( هَلْ تَعْلَمْ لَهُ سَمِّياً ) (٥) .

وعلى ذلك فلا نحتاج في تفسير إله إلى شيء وراء تصوّر أنّ هذا اللفظ كلي

__________________

(١) في هذا الصدد نظريات أُخرى أيضاً راجع لمعرفتها تاج العروس: ٩ مادة « أله ».

(٢) استعاذ الشاعر بالله من تشبيه حبيبته بالظبية أو الدمية، والربرب: هو السرب من الوحش.

(٣) الكشّاف: ١ / ٣٠ تفسير البسملة.

(٤) مجمع البيان: ١ / ١٩ طبعة صيدا.

(٥) مفردات الراغب: ٣١ مادة « إله ».

٤٨٩

لما وضع عليه لفظ الجلالة، وبما أنّ هذا اللفظ من أوضح المفاهيم، وأظهرها فلا نحتاج في فهم اللفظ الموضوع للكلي إلى شيء أبداً، نعم إنّ لفظ الجلالة وإن كان علماً للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال، أو الخالق للأشياء، إلّا أنّ كون الذات مستجمعة لصفات الكمال، أو خالقاً للأشياء ليسا من مقومات معنى الإله، بل من الخصوصيات الفردية التي بها يمتاز الفرد عمّن سواه من الأفراد، وأمّا الجامع بينه وبين سائر الأفراد، أو التي ربما تفرض ( لا المحقّقة ) فهو أمر سواه سنشير إليه.

ويؤيد وحدة مفهومهما، بالذات، مضافاً إلى ما ذكرناه من وحدة مادتهما أنّه ربّما يستعمل لفظ الجلالة مكان الإله(١) ، أي على وجه الكلية والوصفية، دون العلميّة فيصح وضع أحدهما مكان الآخر، كما في قوله سبحانه :

( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمٰوَاتِ وَفِي الأرضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) (٢) .

فإنّ وزان هذه الآية وزان قوله سبحانه :

( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرضِ إِلهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ ) (٣) .

( وَلا تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) (٤) .

( هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ

__________________

(١) استعمالاً مجازياً مثل قول القائل: هذا حاتم قومه ويوسف أبنائه.

(٢) الأنعام: ٣.

(٣) الزخرف: ٨٤.

(٤) النساء: ١٧١.

٤٩٠

العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١) .

( هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢) .

ولا يخفى أنّ لفظ الجلالة في هذه الموارد وما يشابهها يراد منه ما يرادف الإله على وجه الكلية، ( أي ما معناه أنّه هو الإله الذي يتصف بكذا وكذا ).

ويقرب من الآية الأُولى قوله سبحانه :

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيَّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٣) .

فإنّ جعل لفظ الجلالة في عداد سائر الأسماء والأمر بدعوة أي منها ربّما يشعر بخلوه عن معنى العلمية، وتضمّنه معنى الوصفية الموجودة في لفظ: « الإله » وغيره، ومثله قوله سبحانه :

( هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٤) .

فلا يبعد في هاتين الآيتين أن يكون لفظ الجلالة ملحوظاً على وجه الكلية لا العلميّة الجزئية، كما هو الظاهر لمن أمعن فيها.

نعم، ربما يقال من أنّ لفظ الجلالة من أله بمعنى عبد ; أو من أله بمعنى تحيّر، لأجل أنّ العبد إذا تفكر فيه تحيّر; أو من أله بمعنى فزع، لأنّ الخلق يفزعون إليه في حوائجهم ; أو من إله بمعنى سكن، لأنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

__________________

(١) الحشر: ٢٣.

(٢) الحشر: ٢٤.

(٣) الإسراء: ١١٠.

(٤) الحشر: ٢٣.

٤٩١

أو أنّه متخذ من لاه بمعنى احتجب لأنّه تعالى المحتجب عن الأوهام، أو غير ذلك مما ذكروه(١) ، ولكن ذلك مجرد احتمالات غير مدعمة بالدليل، وعلى فرض صحتها، أو صحة بعضها فلا تدل على أكثر من ملاحظة تلك المناسبات يوم وضع وأُطلق لفظ الجلالة أو لفظ الإله عليه سبحانه، وأمّا بقاء تلك المناسبات إلى زمان نزول القرآن، وانّ استعمال القرآن لهما كان برعاية هذه المناسبات فأمر لا دليل عليه مطلقاً.

والظاهر أنّ هذه المعاني من لوازم معنى الإله وآثاره، فإنّ من اتخذ أحداً إلهاً لنفسه فإنّه يعبده قهراً، ويفزع إليه عند الشدائد، ويسكن قلبه عند ذكره، إلى غير ذلك من اللوازم، والآثار التي تستلزمها صفة الإلوهية، ولو لاحظ القارئ الكريم الآيات التي ورد فيها لفظ الإله، وما احتف بها من القرائن لوجد أنّه لا يتبادر من الإله غير ما يتبادر من لفظ الجلالة، سوى كون الأوّل كلياً والثاني جزئياً.

هل الإله بمعنى المعبود ؟

نعم يظهر من كثير من المفسّرين بأنّ أله بمعنى عبد، ويستشهدون بقراءة شاذة في قوله سبحانه :

( لِيُفْسِدُوا فِي الأرضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) (٢) .

حيث قرئ والاهتك، أي عبادتك.

ولعل منشأ هذا التصور هو كون الإله الحقيقي، أو الآلهة المصطنعة موضعاً للعبادة ـ دائماً ـ لدى جميع الأُمم والشعوب، ولأجل ذلك فسرت لفظة « الإله »

__________________

(١) راجع مجمع البيان: ٩ / ١٩.

(٢) الأعراف: ١٢٧.

٤٩٢

بالمعبود، وإلاّ فإنّ المعبودية هي لازم الإله وليست معناه البدوي.

والذي يدل ـ بوضوح ـ على أنّ الإله ليس بمعنى المعبود هو: كلمة الإخلاص: « لا إله إلّا الله » إذ لو كان المقصود من الإله « المعبود » لكانت هذه الجملة كذباً صراحاً، لأنّ من البديهي وجود آلاف المعبودات في هذه الدنيا، غير الله، ومع ذلك فكيف يمكن نفي أي معبود سوى الله ؟!

ولأجل ذلك اضطر القائل بأنّ الإله بمعنى المعبود أن يقدر كلمة « بحق » بعد إله لتكون الجملة هكذا: « لا إله [ بحقّ ] إلّا الله » ليتخلّص من هذا الإشكال، ولكن لا يخفى أنّ تقدير كلمة « بحق » هنا خلاف الظاهر، وأنّ هدف كلمة الإخلاص هو نفي أيّ إله في الكون سوى الله، وانّه ليس لهذا المفهوم ( أي الإله ) مصداق بتاتاً سواه سبحانه، وهذا لا يجتمع مع القول بأنّ « الإله » بمعنى « المعبود »، لوجود المعبودات الأُخرى في العالم وإن كانت مصطنعة.

وأمّا جمعه على الآلهة فليس على أساس أنّه بمعنى المعبود، بل لأجل اعتقاد العرب بأنّ هاهنا آلهة غير الله سبحانه، قال تعالى :

( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ) (١) .

وإن شئت أن تفرغ ما نفهمه من لفظ الإله في قالب التعريف فارجع إلى الأُمور التي تعد عند الناس من شؤون الربوبية ولوازمها فالقائم بتلك الشؤون ـ كلها أو بعضها ـ هو: الإله، فالخلق والتدبير والإحياء والإماتة والتقنين والتشريع والمغفرة والشفاعة بالاستقلال كلّها من شؤون الربوبية، فالقائم بهذه الشؤون حقيقة أو تصوراً: إله، واقعاً أو عند المتصوّر.

__________________

(١) الأنبياء: ٤٣.

٤٩٣

وهنا آيات تدل بوضوح على أنّ الإله ليس بمعنى المعبود، بل بمعنى المتصرّف المدبّر، أو من بيده أزمّة الأُمور، أو ما يقرب من ذلك مما يعد فعلاً له تعالى، وإليك بعض هذه الآيات :

١.( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) (١) ، فإنّ البرهان على نفي تعدد الآلهة لا يتم إلّا إذا جعلنا « الإله » في الآية بمعنى المتصرّف المدبّر، أو من بيده أزمّة الأُمور أو ما يقرب من هذين، ولو جعلنا الإله بمعنى المعبود لانتقض البرهان، لبداهة تعدد المعبودين في هذا العالم، مع عدم الفساد في النظام الكوني، وقد كانت الحجاز يوم نزول هذه الآية مزدحم الآلهة، ومركزها مع كون العالم منتظماً، غير فاسد.

وعندئذ يجب على من يجعل « الإله » بمعنى المعبود أن يقيده بلفظ « بالحق » أي لو كان فيهما معبودات ـ بالحق ـ لفسدتا، ولـمّا كان المعبود بالحق مدبّراً ومتصرفاً لزم من تعدده فساد النظام وهذا كله تكلّف لا مبرر له.

٢.( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذَاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بعْضٍ ) (٢) .

ويتم هذا البرهان أيضاً لو فسرنا الإله بما ذكرنا من أنّه كلّي ما يطلق عليه لفظ الجلالة، وإن شئت قلت: إنّه كناية عن الخالق أو المدبّر المتصرّف أو من يقوم بأفعاله وشؤونه، والمناسب في هذا المقام هو الخالق، ويلزم من تعدده ما رتب عليه في الآية من ذهاب كلِّ إله بما خلق واعتلاء بعضهم على بعض.

ولو جعلناه بمعنى المعبود لانتقض البرهان، ولا يلزم من تعدّده أيُّ اختلال

__________________

(١) الأنبياء: ٢٢.

(٢) المؤمنون: ٩١.

٤٩٤

في الكون، وأدل دليل على ذلك هو المشاهدة، فإنّ في العالم آلهة متعددة، وقد كان في أطراف الكعبة المشرفة ثلاثمائة وستون إلهاً ولم يقع أيُّ فساد واختلال في الكون.

فيلزم على من يفسّر « إله » بالمعبود ارتكاب التكلّف بما ذكرناه في الآية المتقدمة.

٣.( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي العَرْشِ سَبِيلاً ) (١) ، فإنّ ابتغاء السبيل إلى ذي العرش من لوازم تعدد الخالق أو المدبّر المتصرف أو من بيده أزمّة أُمور الكون أو غير ذلك مما يرسمه في ذهننا معنى الإلوهية، وأمّا تعدّد المعبود فلا يلازم ذلك إلّا بالتكلّف الذي أشرنا إليه فيما سبق.

٤.( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *لَوْ كانَ هَؤُلاَءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ) (٢) ، والآية تستدل من ورود الأصنام والأوثان في النار على كونها غير آلهة، إذ لو كانت آلهة ما وردت النار.

والاستدلال إنّما يتم لو فسرنا الآلهة بما أشرنا إليه فإنَّ خالق العالم أو مدبّره والمتصرف فيه أو من فوّض إليه أفعال الله أجل من أن يحكم عليه بالنار وأن يكون حصب جهنم.

وهذا بخلاف ما إذا جعلناه بمعنى المعبود فلا يتم البرهان لأنّ المفروض أنّها كانت معبودات وقد جعلت حصب جهنم، ولو أمعنت في الآيات التي ورد فيها لفظ الإله والآلهة لقدرت على استظهار ما اخترناه، وإليك مورداً منها :

( فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتينَ ) (٣) .

__________________

(١) الإسراء: ٤٣.

(٢) الأنبياء: ٩٨ و ٩٩.

(٣) الحج: ٣٤.

٤٩٥

فلو فسّر الإله في الآية بالمعبود لزم الكذب، إذ المفروض تعدد المعبود في المجتمع البشري، ولأجل هذا ربما يقيد الإله هنا بلفظ « الحق » أي المعبود الحق إله واحد، ولو فسرناه بالمعنى البسيط الذي له آثار في الكون من التدبير والتصرف وإيصال النفع، ودفع الضرّ على نحو الاستقلال لصح حصر الإله ـ بهذا المعنى ـ في واحد بلا حاجة إلى تقدير كلمة بيانية محذوفة، إذ من المعلوم أنّه لا إله في الحياة البشرية والمجتمع البشري يتصف بهذه الصفات التي ذكرناها.

ولا نريد أن نقول: إنّ لفظ الإله بمعنى الخالق المدبّر المحيي المميت الشفيع الغافر، إذ لا يتبادر من لفظ الإله إلّا المعنى البسيط، بل هذه الصفات عناوين تشير إلى المعنى الموضوع له لفظ الإله، ومعلوم أنّ كون هذه الصفات عناوين مشيرة إلى ذلك المعنى البسيط، غير كونها معنى موضوعاً للفظ المذكور، كما أنّ كونه تعالى ذات سلطة على العالم كلِّه أو بعضه سلطة مستقلة غير معتمدة على غيره، وصف مشير إلى المعنى البسيط الذي نتلقاه من لفظ الإله، لا أنّه نفس معناه.

وبما أنّ بعض الكتاب المعاصرين خلط بين السلطة الغيبية المستقلّة التي يمكن أن تقع رمزاً للالوهية، والسلطة المستندة إلى الله غير المستقلة التي ربما توجد عند الأنبياء، والأولياء، وخيار الناس والصالحين من العباد، فلا بأس بأن نبحث في هذا الموضوع في البحث القادم.

٤٩٦

٦

هل الاعتقاد بالسلطة الغيبية

لغير الله موجب للشرك ؟

لا شك في أنّ طلب الحاجة من أحد ـ بصورة جدية ـ إنّما يصح إذا اعتقد طالب الحاجة بأنّه قادر على انجاز حاجته، وهذه القدرة قد تكون قدرة ظاهرية ومادية، كأن نطلب من أحد أن يسقينا ماءً، ويجعله تحت تصرفنا، وقد تكون القدرة قدرة غيبية، خارجة عن نطاق المجاري الطبيعية والقوانين المادية، كأن يعتقد أحد بأنّ الإمام علياًعليه‌السلام قلع باب « خيبر » بالقدرة الغيبية، كما جاء في الحديث.

أو أنّ المسيحعليه‌السلام كان يقدر، بقدرة غيبية على منح الشفاء لمن استعصي علاجه، دون دواء، أو إجراء عملية جراحية.

والاعتقاد بمثل هذه القدرة الغيبية إن كان ينطوي على الاعتقاد بأنّها مستندة إلى الإذن الإلهي، وإلى القدرة المكتسبة منه سبحانه، فهي حينئذ لا تختلف عن القدرة المادية الظاهرية، بل هي كالقدرة المادية التي لا يستلزم الاعتقاد بها الشرك، لأنّ الله الذي أعطى القدرة المادية لذلك الفرد، هو الذي أعطى القدرة

٤٩٧

الغيبية لآخر، دون أن يعد المخلوق خالقاً، وأن يتصور استغناء أحد عن الله.

فلو قام أحد بمعالجة المرضى عن طريق السلطة الغيبية، فقد قام بأمر الله وإذنه ومشيئته، ومثل ذلك لا يعد شركاً، وتمييز السلطة المستندة إلى الله عن السلطة المستقلة هو حجر الأساس لامتياز الشرك عن التوحيد، وبذلك يظهر خطأ كثير ممّن لم يفرقوا بين السلطة الغيبية المستندة، والسلطة الغيبية غير المستندة.

وقالوا: لو أنّ أحداً طلب من أحد الصالحين ـ حيّاً كان أم ميتاً ـ شفاء علّته أو رد ضالّته، أو أداء دينه، فهذا ملازم لاعتقاد السلطة الغيبية في حق ذلك الصالح وإنّ له سلطة على الأنظمة الطبيعية، الحاكمة على الكون بحيث يكون قادراً على خرقها وتجاوزها، والاعتقاد بمثل هذه السلطة لغير الله عين الاعتقاد بالوهية ذلك المسؤول، وطلب الحاجة في هذا الحال يكون شركاً.

فلو طلب إنسان ظامئ الماء من خادمه فقد اتبع الأنظمة الطبيعية لتحقّق مطلبه، أمّا إذا طلب الماء من إمام أو نبيّ موارى تحت التراب، أو عائش في مكان ناء، فإنّ مثل هذا الطلب ملازم للاعتقاد بسلطة غيبية لهذا النبي، أو الإمام على نحو ما يكون لله سبحانه، ومثل هذا عين الاعتقاد بالوهية المسؤول !!

وممّن صرح بهذا الكلام الكاتب أبو الأعلى المودودي، إذ يقول :

صفوة القول إنّ التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله، ويستغيثه، ويتضرّع إليه، هو ـ لا جرم ـ تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة.(١)

__________________

(١) المصطلحات الأربعة: ١٧.

٤٩٨

وهذا الكلام صريح في أنّه جعل الاعتقاد بهذه السلطة المهيمنة ملاكاً للاعتقاد بالإلوهية، وقد صرّح بذلك في موضع آخر من كتابه حيث جعل ملاك الأمر في باب الإلوهية هو الاعتقاد بأنّ الموجود المسؤول قادر على أن ينفع أو يضر بشكل خارج عن إطار القوانين والسنن الطبيعية المألوفة، إذ قال :

فالذي يتخذ كائناً ما وليّاً له ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، وقاضياً لحاجته، ومستجيباً لدعائه، وقادراً على أن ينفعه، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية، يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنّه فيه أنّ له نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم، وكذلك من يخاف أحداً ويتّقيه ويرى أنّ سخطه يجر عليه الضرر، ومرضاته تجلب له المنفعة لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلّا ما يكون في ذهنه من تصور أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون، ثم إنّ الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى فلا يبعثه على ذلك إلّا اعتقاده فيه أنّه له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الإلوهية(١) .

وصريح هذا الكلام هو التلازم بين القدرة على النفع والضرر، والاعتقاد بالسلطة الإلوهية، وإنّ كل قدرة على النفع والضرر من غير المجاري الطبيعية ينطوي على الإلوهية، بالملازمة.

وهذا جد عجيب من المودودي.

إذا مضافاً إلى أنّ الاعتقاد بالإلوهية لا يستلزم الاعتقاد بالسلطة في الطرف الآخر، بل يكفي الاعتقاد بكونه مالكاً للشفاعة والمغفرة كما كان عليه فريق من عرب الجاهلية، إذ كانوا يعتقدون في شأن أصنامهم بأنّها آلهتهم، لأنّها مالكة

__________________

(١) المصطلحات الأربعة: ٢٣، وفي موضع آخر صرح بهذا الاستلزام إذ قال في ص ٣٠: « انّ كلاّ من السلطة والالوهية تستلزم الأُخرى ».

٤٩٩

شفاعتهم ومغفرتهم، ومعلوم ـ جيداً ـ أنّ مالكية الشفاعة غير القول بوجود السلطة التي يراد منها: السلطة على عالم التكوين.

إنّ الاعتقاد بالسلطة الغيبية الخارجة عن إطار السنن الطبيعية لا يوجب الاعتقاد بالإلوهية.

إنّ السلطة على الكون بجميعه ـ فضلاً عن بعضه ـ إذا كانت بأقدار الله تعالى وبإذن منه ـ فهي بنفسها ـ لا تلازم الإلوهية، فكما أنّ الله أعطى لآحاد الناس قدرة محدودة في أُمورهم العادية، وفضل بعضهم على بعض في تلك القدرة، فكذلك لا مانع من أن يعطي لفرد أو أفراد من خيار عباده قدرة تامّة على جميع الكون، عادية أو غير عادية، وذلك بنفسه لا يستلزم الإلوهية، والذي يمكن أن يقع عليه الكلام هو البحث عن وجود تلك القدرة وانّه سبحانه هل أعطى ذلك أو لا ؟ والقرآن يصرح بذلك في عدة موارد، منها ما ورد في شأن يوسفعليه‌السلام :

١. يوسف عليه‌السلام والسلطة الغيبية

أمر يوسفعليه‌السلام إخوته بأن يأخذوا قميصه إلى أبيه ويلقوه على بصره ليرتد بصيراً، كما يقول القرآن الكريم في هذا الشأن :

( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (١) .

( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البَشِيرُ ألْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ) (٢) .

إنّ ظاهر الآية يعطي أنّ رجوع البصر إلى يعقوب كان بإرادة يوسف، وأنّه لم يكن فعلاً مباشراً لله سبحانه، وإنّما فعل ما فعله يوسف بقدرة مكتسبة منه سبحانه.

__________________

(١) يوسف: ٩٣.

(٢) يوسف: ٩٦.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607