العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته9%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 607

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68298 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنّ الولاية الّتي يستحقّ صاحبها الكرامة ، وكذلك الكرامة الّتي تثبتُ لصاحب الولاية ، إنّما يحتاجانِ إلى إثباتٍ.

فلا يثبتان بالادّعاء ، أو بالتوهّم ، أو الفرض ، وإنّما هما بحاجة إلى مثبتات بمستوى الحُجج الصالحة للاستناد والاعتماد.

ومن أوضح أدلّة ذلك :

الشهرة والشيوع عند المؤمنين ، شهرةً مفيدةً للعلم ، ونافيةً للريب ، ومفندهً للإنكار والمعارضة.

فكيف بها إذا سلّم بها الخصمُ ، وتناقلَها الأعداءُ ، ولم يُعارضها نقلٌ ولو ضعيفٌ؟!

وإذا ارتفعت الموانع ، وتمّت المُثبتات ، فلا يجدُ المسلمُ المتشرّعُ إشكالاً أو شبهةً في الالتزام بما يتحقّق من الكرامات ، قديماً وحديثاً.

وأمثلة ذلك في حضارة الإسلام كثيرةٌ جدّاً ، كما لم تخلُ من نماذج ثابتة لذلك في الحضارات السابقة ، إلاّ أنّ النماذج الإسلاميّة قد تناقلتها الرواياتُ والأحاديثُ ، وسجّلتها الدواوينُ والمصادرُ ، واستقرّتْ في الصدور وشاعتْ على الألسن ، ووصلتْ إلينا بالتواتُر المعنويّ القاطع لكلّ مكابرةٍ والدافع لكلّ إنكارٍ.

وإذا خضعت الكراماتُ للإمكان الموضوعيّ عقلاً ، وثبت وقوعُها بالروايات والآثار نقلاً ، فلم يبقِ للإنسان المتشرّع والمتعبّد إلاّ القبولُ والاقتناعُ بها وجداناً ، بل تكون مفخرةً للمسلمين وللإسلام أن يوجد فيهم

٢٤١

مثلُ تلك النماذج الرائعة ، وبكثرةٍ ملحوظةٍ ، ممّا يدلّ على عمق الإيمان في قلوب معتنقيه ومدى رسوخ العقيدة في نفوس تابعيه ، وبلوغ أوليائه إلى القِمَمِ ، وسيطرتهم على مقدّرات الكون لكونهم أفضل الاُمم ، مع تواضع فذٍّ للهِ الخالق جلّ وعلا ، وخدمةٍ خالصةٍ للخلق المبتلى.

وبعد هذا الّذي أوردنا ؛ فمن يحاول الاستغرابَ من بعض الكرامات ، أو يُكابِرُ قبول شيء منها ، أو يُناقِشُ في إمكانها ، أو ثبوتها ، أو صحّتها ، أو إثباتها ، مستنداً إلى عقله! أو نظره! فانّما يُنْبِىء عن قُصُور من تناول تلك المحكَمات من الآياتِ ، أو جهلٍ بتلك المشهورات من الأخبار ، أو تعامٍ عن الحقّ : رغبةً في المخالفة. وحبّاً للشهرة. أو تزلّفاً إلى الأعداء بموافقتهم في الأفكار. أو معاندة وعصبيّة لمرض في قلبه ، وعَمَىً في بصيرته ، وهوىً في نفسه. نعوذ بالله من الخذلان.

ولقد انبرى جمعٌ من العلماء لجمع عيّناتٍ بارزةً من النماذج الإسلاميّة من الكرامات لأصحابها ، بالطرق الموثوقة رواية عن الرجال الموثوقين ، لتكون شواهدَ صدقٍ ، ونواطق حقّ ، بتحقّق ذلك.

وليكون دليلاً واضحاً على بلوغ تلك الكرامات مبلغ الشهرة المؤدّية إلى القناعة والعلم ، لسعة رواياتها ونقولها ، واعتماداً على رواتها الّذين يعدّون من رجالات العلم والدين.

وإنّ مثل هذه الكرامات يعدّ دعماً لمواقف أهل الحقّ على طول تاريخ النضال العقيديّ المُستميت ، الّذي خاضَهُ اُولئك الأبرارُ الأوتادُ

٢٤٢

الأولياءُ لله وللرسول وللأئمّة الأطهار من آل محمّد عليهم السلام ولا يزال يخوضه المجاهدون الأحرارُ من شيعتهم الأخيار ، وهم الّذين وقفوا ـ ولا يزالون ـ على طول خطّ التاريخ وحتّى اليوم ـ في صفّ المواجهة الأوّل ، للدفاع عن القرآن الكريم ، والإسلام العظيم ، والرسول الأعظم ، والأئمّة الطاهرين ، وكلّ المقدّسات ؛ بِنِيّاتٍ صادقةٍ ، وعزماتٍ قويّةٍ وإرادات جادّة ، ويقين بوعد الله جلّ وعزّ بالنصر ، والمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ليستخلفنّهم فيها ، ويجعلهم أئمّةً ويجعلهم الوارثين.

جعلنا اللهُ ممّن ينتصرُ به لدينه تحت راية نبيّه وأوصيائه والأولياء من شيعتهم ، وقيادة صاحب الأمر إمام الزمان المهديّ المنتظر عليه السلامُ وعجّل اللهُ فرجه ، الّذي يملأ الدُنيا عَدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئتْ ظُلماً وجَوراً.

وأمّا كرامات العَبّاس عليه السلام :

فقد ملأتْ أسماعَ التاريخ ، وأوراقَ الكتب ، وأجواءَ الفضاء ، وبلغت من الشُهرة والشُيوع ما أقرّ بِها الأولياءُ ، وخضعَ لها الأعداءُ ، ولا تزال ـ حتّى في عصرنا ـ تُحَسُّ وتُمَسُّ ، وتُرَى وتُرْوَى ، وتُسَجَّلُ وتُنْقَلُ ، بما لا مجال لاستيعاب جميعها ، بل ، ولا لتعدادها ، ولا للوصول إلى غورها ومدى أبعادها.

ويكفي الحضور في مزاره الشريف ، ليرى الطالبُ للكرامة تحقّقها في كلّ ساعةٍ ، ويومٍ ، وأسبوعٍ ، وشهرٍ ، وسنةٍ.

وليس كلّ هذا إلاّ من بعض إكرام الله تعالى لهذا العَبْد ، الصالح ، المطيع

٢٤٣

لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسن ولأخيه الحسين عليهم السلام.

وبما حصّل بذلك من الدرجة الراقية والمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند الله.

فسلامُ الله عليه :

يوم وُلِدَ ،

ويوم جاهد وناضل ،

ويوم استشهد بين يدي أخيه المظلُوم ،

ويوم يقُوم بين يديه في الجنّة ، ويحظى بدرجته ومقامه.

ونسألُ الله تعالى أن يشفّعه فينا يوم لقائه ، وأن يجعلنا معهُ في الآخرة كما وفّقنا لحُبّه ولخدمته والفوز بزيارته في الدُنيا.

آمين يا ربّ العالمين.

٢٤٤

الملاحق

الملحق الأوّل : نصوص الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

الملحق الثاني : زوجة العَبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيّته في كتب

النسب والأعلام منهم عبر التاريخ

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب

٢٤٥
٢٤٦

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

زيارة العبّاس عليه السلام المُطلَقَهُ :

روى ابن قولويه ، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات ، قالا : إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء ، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً ، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(١) فإذا أتيت ، فقفْ على باب السقيفة ، وقل :

سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبداه الصالحين ، وجميع الشهداء والصِدِّيقين ، والزاكِياتُ الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله المُرسَلِ ، والسِبطِ المُنتَجَبِ ، والدَليلِ العالمِ ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ ، أشهدُ أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً ،

__________________

(١) ما بين القوسين من كامل الزيارات ، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

٢٤٧

وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم ، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين ، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين ، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين ، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن .

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل :

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ ، وعلى روحك وبدنك.

أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله ، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه ، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وأفْضَلَها غُرَفاً ، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً ، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين ،

٢٤٨

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس ، فَصَلِّ رَكعتين ، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ ، وادعُ اللهَ كثيراً ، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ :

اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ ، والمشهدِ المُعظّمِ ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ ، ولا مرضاً إلاّ شفيته ، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين ، وقُلْ :

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً ، وأقْدَمِهم إيْماناً ، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ ، فنعمَ الأخُ المُواسِي ، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام ، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ ، المُحامي الناصِرُ ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ .

٢٤٩

اللّهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ ، رَغْبَةً في ثوابِكَ ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين ، وأنْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً ، وعَيْشَي قارّاً ، وزِيارَتِي بِهِمْ مقبُولَةً ، وحياتِي بِهِم طيّبَةً ، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً ، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ ، وسَتْرَ العُيُوبِ ، وكَشْفَ الكُرُوبِ ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ .

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف ، فقفْ عندَ القبرِ ، وقل :

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ ، اللّهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين ، اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي ، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ ، اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم ، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ .

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(١) .

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر ،

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٠٦ ، ٢١٧ ـ ٢١٩) و(٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢٥٠

وفي أوّل يوم من شهر رجب ، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره ، وفي النصف من شهر شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاث ، وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما ، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.

ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس عليه السلام كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ عليه السلام.

وفقنا الله لذلك إنّه خير موفقٍ ومعين.

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي ـ أيضاً ـ كما في ما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت ٦١٤ هـ) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه : إذا وصلتَ ؛ فاغتسل ـ إن شاء الله ـ على الفُرات ، ومسّ ما أمكنك من الطِيب ، ثمّ ادْنُ إلى القبر ؛ فكبّر اللهَ تعالى ، ، ثمّ تقول :

السلامُ عليك يا سبطَ رسول الله.

السلامُ عليك يا ريحانةَ الرسول. السلامُ عليك يا فرخَ البتول.

السلامُ عليك أيُّها الشهيدُ السعيدُ. السلامُ عليك أيُّها الفقيدُ الحميدُ.

السلامُ عليك أبا الشُهداء. السلامُ عليك يا ثمرةَ قلب المصطفى. السلامُ عليك يا بحرَ العطاء. السلامُ عليك يا جمّ النَوال. السلامُ عليك يا ليثَ النِزال. السلامُ عليك يا نورَ الملّة. السلام عليك يا واهبَ نفسِه لله. السلامُ عليك يا ليثَ العرين. السلامُ عليك يا معدوم القَرِين.

السلامُ عليك يا شهيدَ الطُفُوف. السلامُ عليك يا مُلاقيَ الأُلُوف. السلامُ عليك يا مَسْتَهْوِنَ الحُتُوف. السلامُ عليك يا سيّد شباب أهل

٢٥١

الجنّة ، السلامُ عليك يا قويّ المنّة ، السلامُ عليك يا مَن مَطَرَت السماءُ لِقَتلِهِ دَماً ؛ لِغَضَبِ ربّ السماء ، السلامُ عليك يا مَنْ فرّقَ بهِ بينَ الشَقِيّ والسعيد ، السلامُ عليك يا مَنْ باءَ بِالخِزْيِ والعارِ فيه يَزِيدُ. السلامُ عليك يا قتيلَ الدَعِيّ. السلامُ عليك يا سبطَ النبيّ. يا أبا عبد الله ابن رسول الله ، هذه كلماتٌ أَهْدَيْناها إليك ، فصلوات الله وملائكته على جدّكَ وأبيكَ وأمّكَ وأخيكَ وعليكَ وعلى الطيّبينَ من آلِكُم ، ورحمة الله ، أرَدْنا بإهدائِها القُرْبَ إليكم والفوز لَدَيْكُم (١) .

ثمّ قال : وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت ، بالطَفِّ ، وتقول :

السلامُ عليك يا عبّاسُ ، يا ثابتَ الأساس ، ونُورَ النِبْراس ، وعروس الأفراد(٢) . السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد ، وسيفَ الجِلاد ، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين ، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين.

ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين ، وعموم بني هاشم ، وعلى أوليائهم الشهداء(٣) .

__________________

(١) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٢) وفي نسخة : «عروس الأفراس».

(٣) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

٢٥٢

الملحق الثاني

زوجة العَبّاس عليه السلام

وأولاده

وذريّته في كتب النسب والأعلام منهم عبرَ التاريخ

٢٥٣
٢٥٤

زوجتُهُ لُبابَةُ بنتُ عُبَيْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب

اتّفق أهل النسب ـ وورد في أكثر المصادر ـ على :

أنّ العَبّاس الأكبر السقّاء عليه السلام تزوّج (لُبابة) بنت (عُبَيْد الله) بن العَبّاس ابن عَبْد المطّلب.

وأنّعُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من لُبابَة بنت عُبَيْد الله.

وأنّعقب العَبّاس السقّاء عليه السلام منحصرٌ في أولاد عُبَيْد الله ابنه هذا .

قال أبو نصر البخاري ـ نقلاً عن عدّة من النسّابين والمؤرّخين تبلغ(١٨) شخصاً ، أنّهم ذكروا(١) : إنّ العَبّاس بن علي عليه السلام وَلَدَ عُبَيْدَ الله بنَ

__________________

(١) قال : ذكر :

أبو اليقظان سحيم بن حفص النّسّابة ؛

وعليّ بن مجاهد الكابليّ ؛

ومحمّد بن عمر الواقديّ ؛

وعليّ بن محمّد بن سيف المدائنيّ ؛

وهشام بن محمّد الكلبيّ ؛

والشَرَقيّ بن القطاميّ ؛

والهيثم بن عديّ ؛

وأبو القاسم خرداذبه ؛

ومحمّد بن حبيب ؛

٢٥٥

العَبّاس ، من بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب(١) .

أقولُ : وبهذا تتمّ الحُجّةُ على الجميع في الأمور الثلاثة :

الأوّل : أنّ اسم زوجة العَبّاس عليه السلام هو «لُبابَة» بلامٍ مضمومةٍ وبائين موحّدتين ، بينهما ألِفٌ ، وفي آخره تاءٌ مُثنّاةٌ قصيرةٌ.

الثاني : أنّهابنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، لا عَبْد الله.

الثالث : أنّعقب العَبّاس من عُبَيْد الله ابنه ، وحدَهُ ، وغيرهُ من أولاده لم يُعْقِبُوا. وعلى هذا أثبت الأكثر من القُدماء والمتأخّرين.

لكنّ وقع في هذه الأُمور خلافٌ من آحادٍ منهم ، كما يلي :

الأمر الأوّل : اسم زوجة العَبّاس عليه السلام لُبابَة :

لكنّ المطبوع في (الدرجات الرفيعة) : وكان له من الولد ولُبانَة

__________________

والزّبير بن بكار الزّبيريّ ؛

وعَبْد الله بن سليم القينيّ ؛

ومحمّد بن أبي الجَهْمِ العدويّ ؛

وحمزة بن الحسن الأصفهانيّ ؛

وأحمد بن حييى ثعلب ؛

ومحمّد بن جرير الطّبريّ ؛

والشّريف أبو الحسين يحيى بن الحسن بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبيد الله بن الحسين الأصغر ؛

وأبو طاهر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛

والنّاصر الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ أنّ كلّهم ذكروا : أنّ العبّاس بن عليّ ولد عُبَيْد الله بن العَبّاس ، من لُبابة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب.

أبو نصر ، سرّ السّلسلة ، / ٨٨ ـ ٩٥.

(١) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب (ص ٢٥٦).

٢٥٦

وأسماء(١) والظاهر أنّه خطأٌ مطبعيٌّ ، والصواب : لُبابَة ، فقد انفردت تلك النسخة بذلك ، وإنّما المذكور في المصادر (لُبابة) لا غير.

وجاء في مخطوطة كتاب النسب ليحيى بن الحسين باسم (أُمامة) وهي نسخةٌ فريدةٌ قال : والعقب من ولد العَبّاس من عُبَيْد الله ، وأُمّه أُمامة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٢) .

إلاّ أنّ ذلك غير موثوق ، لعدم التأكّد من صحّة هذه النسخة ، لكونها وحيدةً ، ولم تحتوِ على شيءٍ من أدوات التوثيق العلميّ المتداولة.

والمظنون تصحيف كلمة أُمامة من كلمة (لُبابة) للتشابُه الكبير بينهما في الرسم والوزن ، المؤدّي إلى مثل ذلك.

وقد وقع مثل ذلك التصحيف في ما ذكره الزَبِيدي قال : وأُمامة بنت الحارث الهلاليّة ، إنّما هي (لُبابة) صحّفها بعضهم(٣) .

ووقع عكس هذا التصحيف في اسم ابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ذكرها الشيخ المفيد باسم (لُبابة)(٤) لكنّها مسمّاةٌ بأُمامة في كتاب نصر بن علي الجهضمي(٥) . والظاهر صحّة ما في الإرشاد للمفيد ، لأنّ النُسخة المُعتَمَدة منهُ موثوقةٌ جيّدةٌ.

__________________

(١) الدرجات الرفيعة للمدني (ص ١٤١) ذكر ذلك في أولاد عُبَيْد الله بن العَبّاس.

(٢) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام.

(٣) تاج العروس (٨ / ١٩٢).

(٤) الإرشاد (٢ / ٢٤٤).

(٥) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٢٠).

٢٥٧

الأمر الثاني : إنّها بنت عُبَيْد الله ، لا عَبْد الله :

وقد أثبت ذلك ـ مع مَنْ ذُكِرَ سابقاً ـ ابنُ قتيبة ، قال : العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب ، قُتِلَ مَعَ الحُسين عليه السلام وَلَدَ العَبّاسُ عُبَيْد الله ، أُمّه لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، وحسَنَاً : لأُمّ ولدٍ ، وله عقبٌ(١) .

وقد أصرّ السيّد الأعرجيّ على كون زوجة أبي الفَضْلِ هي (لُبابة بنت عَبْد الله) فقال : لُبابة بنت عَبْد الله ، خرجت إلى العَبّاس ابن أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام(٢) .

وقال الناسبُ البيهقيّ : عُبَيْد الله بن العَبّاس السقّاء ، أُمّه لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العَبّاس بن عَبد المطّلب(٣) .

وكذا جاء في مطبوعة (سرّ السلسلة) قال : كان لزيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابنةٌ يُقال لها : «نفيسةٌ» أُمّها : لُبابَة بنت عَبْد الله بن عبّاس بن عَبْد المطّلب ، وكانتْ تحت العَبّاس بن عليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قُتِلَ عنها يوم الطَفّ مع الحسين عليه السلام تزوّجها(٤) زيدُ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وأخو نفيسة هذه لأُمّها : عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ عليه السلام ونفيسةٌ تزوّجها الوليدُ بن عَبْد الملك بن مروان ، ووُلِدَ له منها أولاد(٥) .

__________________

(١) المعارف ط مصر (٢١٧).

(٢) مناهل الضرب (ص ١ ـ ٦٢) ولعلّ هذا من الأخطاء الكثيرة في هذا الكتاب.

(٣) لباب الأنساب (١ / ٣٥٧).

(٤) في المطبوعة : فزوّجها.

(٥) سرّ السلسلة (ص ٢٩).

٢٥٨

أقولُ : والتحقيق في هذا الأمر ، يبتني على معرفة أُمور :

أوّلاً : إنّ كلا الرَجُلين : عَبْد الله ، وعُبَيْد الله ، ابني العبّاس بن عَبْد المطّلب ، قد سمّيا بنتيهما باسم أُمّهما (لُبابة بنت الحارث) فهما اثنتان : لُبابَة بنت عَبْد الله ، ولُبابة بنت عُبَيْد الله.

ثانياً : خرجتْ لُبابَة بنت عَبْد الله الحَبْر ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى : عليّ بن عَبْد الله بن جعفر(١) .

ثمّ إسماعيل بن طلحة(٢) .

قال في المحبّر : وتزوّجتْ لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب : عليَّ بن عَبْد الله بن جعفر ، ثمّ خلف عليّاً : إسماعيلُ بنُ طلحة بن عُبَيْد الله ، ثمّ محمّدُ بنُ عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٣) ؛ وهو ابنُ عمّها.

وقال الزُبيريّ : كانتْ عند عليّ بن عَبْد الله بن جعفر : فولدتْ له محمّداً.

ثمّ خلف عليها إسماعيلُ بن طلحة بن عُبَيْد الله ؛ فولدتْ له يعقوب.

ثمّ فارقها فتزوّجها محمّدُ بن عُبَيْد الله(٤) بن العَبّاس(٥) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣٣) والمحبّر (ص ٤٤١) ومستدرك الحاكم (٣ / ٥٤٥) وشرح الأخبار (٣ / ٣٠٣) وشرح النهج الحديدي (١٥ / ٢٧٧) وبحار الأنوار (٤٧ / ١٧٦)

(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٢٣٢).

(٣) المحبّر (ص ٤٤٠).

(٤) في المطبوعة (عَبْد الله) وهو خطأ.

(٥) نسب قريش (ص ٢٩).

٢٥٩

وذكر يحيى بن الحسن في كتاب (تسمية المُعْقِبِيْنَ) : لُبابَة بنت عَبْد الله ابن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، وقال : والعقب من ولد عليّ بن عَبْد الله بن جعفر ابن أبي طالب : من (محمّد بن عليّ) و(إسحاق بن عليّ) وأُمّهما (لُبابة بنت عَبْد الله بن العَبّاس)(١) .

لكنّ ابن عَبْد ربّه قال : إنّها من العقائل اللّاتي كُنّ عند الوليد بن عَبْد الملك الأمويّ(٢) .

وقد ردّ السيّدُ الخِرْسان هذا ، واعتبر القول «كذبةً شنعاء»(٣) بل الّتي كانت عند الوليد الأموي هي «نفيسةٌ» بنتها ، كما مرّ عن البخاري في (سرّ السلسلة)؟ أو أنّه خلط بين الوليد بن عتبة ، وبين الوليد بن عَبْد الملك ، فلاحظ.

مع أنّ زوجة الوليد بن عتبة هي لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، لا بنت عَبْد الله(٤) .

ثالثاً : خرجت لُبابَة بنت عُبَيْد الله الجواد ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قال البخاري : كانت تحت العَبّاس بن عليّ ، قُتِلَ عنها يومَ الطَفّ ،

__________________

(١) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام (ص ١٠٦).

(٢) العقد الفريد (٢ / ١١٢).

(٣) موسوعة ابن عبّاس (٥ / ٥ ـ ٤٠٦).

(٤) ويلاحظ أنّ التي كانت عند عَبْد الملك بن مروان (لُبابة بنت عَبْد الله بن جعفر بن أبي طالب) وقد تزوّجها بعده ابن عمها علي بن عَبْد الله بن عباس ، فضربه الوليد بالسياط لذلك ، كما في الجوهرة للبري الأندلسي ص ٣٧٢ تحقيق التونجي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الجاهلية، مع أنّ (الصحاح) إنّما قال: (و إذا علم القامر يفوز قدحه قيل جرى ابناعيان)، لا كما قال ابن أبي الحديد: استعان الإنسان، إذا قال وقت الظفر و الغلبة هذه الكلمة. مع أنّه أيّ ربط للاستعانه بمثل (ابناعيان) و الاستعانة من العون، و ابناعيان من العين و بينهما بون ذكر (الصحاح) و (القاموس) الأوّل في الأوّل( ١ ) و الثاني في الثاني( ٢ ) ، و قد عرفت كلام (الصحاح)، و في (القاموس):

ابناعيان ككتاب طائران أو خطان يخطهما العائف في الأرض، ثم يقول ابناعيان أسرعا البيان و إذا علم...( ٣ ) ، مع أنّك قد عرفت أنّ أصل الاستعانه تصحيف من المصنّف.

«و عونان على العجز و الأود» بالتحريك مصدر أود الشي‏ء بالكسر أي:

اعوج.

ثم الظاهر أنّ طلحة و الزبير لمّا رأيا أنّ عمر كان شريك أبي بكر في خلافته، و بني اميّة لا سيما مروان كانوا شركاء عثمان في خلافته، طمعا منهعليه‌السلام ذلك.

٦ - الخطبة (٢٠٥) و من كلام له ع كلم به؟ طلحة؟ و؟ الزبير؟ بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما:

لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَ أَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لاَ تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ وَ أَيُّ قَسْمٍ اِسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ.

____________________

(١) الصحاح ٦: ٢١٦٩، مادة: (عون)، القاموس المحيط ٤: ٢٥٠ مادة (عون).

(٢) الصحاح ٦: ٢١٧٢، مادة: (عين)، القاموس المحيط ٤: ٢٥٢، مادة: (عين).

(٣) القاموس المحيط ٤: ٢٥٢، مادة: (عين).

٥٤١

وَ اَللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي اَلْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ وَ لاَ فِي اَلْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ وَ لَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ مَا اِسْتَنَّ؟ اَلنَّبِيُّ ص؟ فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا وَ لاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَ لاَ وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَ إِخْوَانِي اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَ لاَ عَنْ غَيْرِكُمَا.

وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ اَلْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَ لاَ وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص؟

قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اَللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وَ أَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَ اَللَّهِ عِنْدِي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى.

أَخَذَ اَللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى اَلْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ ثم قال ع رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَ كَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ أقول: رواه أبو جعفر الاسكافي في (نقض العثمانية) فقال بعد ذكر قصّة بيعتهعليه‌السلام : ثم بعث عليّعليه‌السلام بعمّار بن ياسر و عبد الرحمن بن حنبل إلى طلحة و الزبير و هما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما فقاما حتّى جلسا إلى عليّعليه‌السلام فقال لهما: نشدتكما اللّه هل جئتماني طائعين للبيعة، و دعوتماني إليها و أنا كاره لها؟ قالا: نعم، فقالعليه‌السلام : غير مجبرين و لا مقسورين فأسلتما لي بيعتكما و أعطيتماني عهدكما؟ قالا: نعم، قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا: أعطيناك بيعتنا على أن لا تقتضي الامور و لا

٥٤٢

تقطعها دوننا، و تستشيرنا في كلّ أمر و لا تستبد بذلك علينا، و لنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، و أنت تقسم و تقطع الأمر و تمضي الحكم بغير مشاورتنا و لا علمنا. فقال عليّعليه‌السلام : لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا، فاستغفرا اللّه يغفر لكما، ألا تخبرانني أدفعتكما عن حقّ واجب لكما فظلمتكما إيّاه؟ قالا: معاذ اللّه. قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشي‏ء؟ قالا: معاذ اللّه. قال: أفوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا:

معاذ اللّه. قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، إنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا، و سوّيت بيننا و بين من لا يماثلنا فيما أفاء اللّه تعالى بأسيافنا و رماحنا، و أوجفنا عليه بخيلنا، و ظهرت عليه دعوتنا، و أخذناه قسرا عمّن لا يرى الإسلام إلاّ كرها. فقالعليه‌السلام :

أما ما ذكرتموه من الاستشارة بكما فو اللّه ما كانت لي في الولاية رغبة، و لكنّكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها، فخفت أن أردّكم فتختلف الامّة، فلمّا أفضت إليّ نظرت في كتاب اللّه و سنّة رسوله، فأمضيت ما دلاّني عليه و اتّبعته، و لم احتج إلى رأيكما فيه و لا رأي غيركما، و لو وقع حكم ليس في كتاب اللّه بيانه و لا في السنّة برهانه، و احتيج إلى المشاورة فيه تشاورتكما.

و أما القسم و الاسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادى‏ء بدء، قد وجدت أنا و أنتما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بذلك، و كتاب اللّه ناطق به، و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

و أمّا قولكما: جعلت فيئنا و ما أفاءته سيوفنا و رماحنا سواء بيننا و بين غيرنا، فقديما سبق إلى الإسلام قوم و نصروه بأسيافهم و رماحهم، فلا فضّلهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القسمة و لا آثرهم بالسبق، و اللّه سبحانه موف السابق و المجاهد يوم القيامة أعمالهم، و ليس لكما و اللّه عندي و لا لغيركما إلاّ

٥٤٣

هذا، أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ و ألهمنا و إيّاكم الصبر ثمّ قال: رحم اللّه امرأ رأى حقّا فأعان عليه، و رأى جورا فردّه و كان عونا للحقّ على من خالفه.

و رواه ابن عقدة الحافظ بأسانيده، كما نقله محمّد بن الحسن الطوسي في أواخر (أماليه)( ١) .

قولهعليه‌السلام : «لقد نقمتما» أي: أنكرتما و عتبتما.

«يسيرا و أرجأتما» أي: أخّرتما.

«كثيرا» نقمهما اليسير ما عرفت من طلبهما شيئا ليس لهما فيه حق، و إرجاؤهما الكثير ترك طاعتهما الإمام الواجب الإطاعة.

قال ابن أبي الحديد: روى الجاحظ أن طلحة و الزبير أرسلا إلى عليّعليه‌السلام قبل خروجهما محمّد بن طلحة و قالا له: لا تقل له يا أمير المؤمنين، و لكن قل له يا أبا الحسن، لقد فال فيك رأينا و خاب ظنّنا، أصلحنا لك الأمر و وطدنا ليك الإمرة، و أجلبنا على عثمان حتى قتل، فلمّا طلبك النّاس لأمرهم أسرعنا إليك و بايعناك، و قدنا إليك أعناق العرب، و وطى‏ء المهاجرون و الأنصار أعقابنا في بيعتك، حتّى إذا ملكت عنانك، استبددت برأيك عنّا و رفضتنا رفض التريكة، و أذللتنا إذلالة الإماء، و ملكت أمرك الأشتر و حكيم بن جبلة و غيرهما من الأعراب و نزاع الأمصار، فكنّا في ما رجوناه منك و أمّلناه من ناحيتك كما قال الأوّل:

فكنت كمهريق الذي في سقائه

لرقراق آل فوق رابية صلد

فلمّا أبلغه محمّد بن طلحة ذلك قال عليّعليه‌السلام له: قل لهما فما الذي يرضيكما؟ فذهب و جاء فقال: إنّهما يقولون ولّ أحدنا البصرة و الآخر الكوفة.

____________________

(١) الأمالي للشيخ الطوسيّ رحمه اللّه ٢: ٣٣٧ ٣٤١.

٥٤٤

فقال: لاها اللّه إذن يحلم الاديم و يستسري الفساد، و تنتقض عليّ البلاد من أقطارها، و اللّه إنّي لا آمنهما و هما عندي بالمدينة، فكيف آمنهما و قد وليتهما العراقين؟ اذهب إليهما و قل لهما: أيّها الشيخان احذرا من اللّه و نبيّه على امّته، و لا تبغيا المسلمين غائلة و كيدا، و قد سمعتما قول اللّه تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين( ١ ) . فقام و لم يعد إليه و تأخرا عنهعليه‌السلام أيّاما، ثم جاءاه فاستأذناه للخروج إلى مكة للعمرة، فأذن لهما بعد أن أحلفهما ألا ينقضا بيعة، و لا يغدرا به، و لا يشقّا عصا المسلمين، و لا يوقعا الفرقة بينهم، و أن يعودوا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة، فحلفا على ذلك كلّه ثم خرجا ففعلا ما فعلا( ٢) .

و روي انّهما لمّا خرجا قال عليّعليه‌السلام : و اللّه ما يريدان العمرة و إنّما يريدان الغدرة،... فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه اللّه فسيؤتيه أجرا عظيما( ٣) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، و طلحة في اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاعليه‌السلام غير موليهما شيئا أظهرا الشكاة، فتكلّم الزبير في ملأ من قريش فقال: هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان، حتّى أثبتنا عليه الذنب، و سببنا له القتل، و هو جالس في بيته و كفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا فوقنا. و قال طلحة: ما اللوم إلاّ لنا، كنّا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا و بايعناه و أعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده( ٤) .

«ألا تخبراني أي شي‏ء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه و أيّ» هكذا في

____________________

(١) القصص: ٨٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١: ١٦.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ١٧، و الآية ١٠ من سورة الفتح.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٥١.

٥٤٥

(المصرية)( ١ ) ، و لكن في (ابن ميثم)( ٢ ) : (أو أيّ)، و في (ابن أبي الحديد)( ٣ ) : (أم أيّ).

«قسم» أي: تقسيم.

«استأثرت» أي: استبددت.

«عليكما به» كما كان عثمان يستأثر نفسه و أقاربه على النّاس.

«أم أيّ حق رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم أخطأت بابه» كما في المتقدمين عليه فقالوا: أمر عمر برجم حامل، فقال له معاذ: إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على بطنها. فرجع عن حكمه و قال: لو لا معاذ لهلك عمر( ٤) .

و أمر أيضا برجم مجنونة فقال له عليّعليه‌السلام : إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق( ٥ ) . فقال: «لو لا عليّ لهلك عمر»( ٦) .

«و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة» فهوعليه‌السلام كان إماما بتعيين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من قبل اللّه تعالى، و ليست الخلافة و السلطنة جزء للإمامة كالنبوة و إن كانت حقّها.

«و لا في الولاية» على النّاس.

«إربة» اي: حاجة.

«و لكنّكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها فلمّا أفضت» أي: الخلافة.

«إليّ نظرت إلى كتاب اللّه و ما وضع لنا و أمرنا بالحكم به فاتّبعته و ما استن»

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١٠.

(٢) في شرح ابن ميثم ٤: ٩ «و أيّ» أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٧.

(٤) ذكره العلاّمة الأمينيّ رحمه اللّه مع مصادره في الغدير ٦: ١٣٢ فراجع.

(٥) مسند أحمد ١: ١٤٠ و ١٥٤، فضائل الصحابة ٢: ٧١٩، المناقب للخوارزمي: ٨٠.

(٦) هذه الكلمة قالها عمر بن الخطّاب في موارد شتّى، انظر في تبيين مواضعها ملحقات إحقاق الحقّ ٨: ١٨٢ ١٩٢.

٥٤٦

هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: (و ما استسن) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية).

«النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاقتديته» و هكذا كان مذهبهعليه‌السلام في عدم حجيّة غير كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«فلم احتج في ذلك إلى رأيكما و لا رأي غيركما» لأنّ كل شي‏ء مذكور في كتاب اللّه و سنة نبيّه، و إن كان باقي الصحابة لم يعرفوا ذلك.

«و لا وقع حكم جهلته فأستشيركما و إخواني المسلمين» كما كان من تقدم عليه كذلك فقالوا: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّ زوجي يصوم النّهار و يقوم الليل، و إنّي أكره أن أشكوه و هو يعمل بطاعة اللّه. فقال لها عمر: نعم الزوج زوجك. فجعلت تكرّر إليه القول و هو يكرّر عليها الجواب. فقال كعب بن سور لعمر: إنّها تشكو زوجها في مباعدته إيّاها عن فراشه. ففطن عمر حينئذ و قال له: قد وليّتك الحكم بينهما. فقال كعب لعمر: إنّ اللّه أحلّ لزوجها من النّساء مثنى و ثلاث و رباع، فله ثلاثة أيام و لياليهنّ يعبد فيها ربّه، و لها يوم و ليلة.

فقال له عمر: و اللّه ما أعلم من أي أمر بك أعجب، أمن فهمك أمرهما، أم من حكمك بينهما، اذهب قد وليّتك قضاء البصرة( ٣) .

«و لو كان ذلك» على طريق الفرض.

«لم أرغب عنكما و لا عن غيركما» و إلاّ فكان وقوع ذلك منهعليه‌السلام محالا.

«و أما ما ذكرتما من أمر الاسوة» أي: المساواة بين النّاس في قسمة الغنيمة.

«فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي و لا ولّيته هوى مني، بل وجدت أنا و أنت

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١٠.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٧ و شرح ابن ميثم ٤: ٩ «استنّ» أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٤٦ ٤٧.

٥٤٧

ما جاء به رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فرغ منه، فلم احتج إليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه و أمضى فيه حكمه» و هذا دليل على كون التفضيل الذي أحدثه عمر بدعة منكرة، فقد عرفت من رواية الإسكافي( ١ ) أنّهعليه‌السلام قال لهما: ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالوا: خلافك عمر في القسم أنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا. فقالعليه‌السلام لهما: إنّ كتاب اللّه و سنّة نبيّه على التسوية فكيف يمكن إعمال الرأي في قبالهما.

و كما رضيعليه‌السلام بترك حقّه لمّا قال له ابن عوف: ابايعك على أن تعمل بسنّة الرجلين، دلالة على بطلان سنتهما، كذلك رضي بتزلزل أمره بخروج طلحة و الزبير عليه فيتعقبه قيام معاوية، دون إجابتهما إلى التفضيل، دلالة على كون فعل عمر مخالفا لصريح القرآن و السنّة.

«فليس لكما و اللّه عندي و لا لغيركما في هذا» أي: أمر الأسوة.

«عتبى» أي: حقّ. عودا إلى مقصدكما و ما يرضيكما، لكونها خلاف الشريعة.

«أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ» حتى لا نستدعي الباطل.

«و ألهمنا و إيّاكم الصبر» على العمل بالحقّ.

«ثم قال: رحم اللّه امرأ» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: (رجلا) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية).

«رأى حقا فأعان عليه»... و تعاونوا على البرّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان...( ٤) .

____________________

(١) مضت آنفا.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢١١.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨، و لكن في شرح ابن ميثم ٤: ١٠ «امرأ» أيضا.

(٤) المائدة: ٢.

٥٤٨

«أو رأى جورا فردّه» فهو الواجب على كلّ مسلم.

«و كان عونا بالحقّ على صاحبه» هكذا في النسخ( ١ ) ، و الأصحّ ما في رواية الإسكافي( ٢ ) : (و كان عونا للحقّ على من خالفه).

٧ - الخطبة (١٣٦) و من كلام لهعليه‌السلام :

لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً وَ لَيْسَ أَمْرِي وَ أَمْرُكُمْ وَاحِداً إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ اَلْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ وَ لَأَقُودَنَّ اَلظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ اَلْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ كَارِهاً أقول: الأصل في هذا الكلام ما رواه (الإرشاد): عن الشعبي عنهعليه‌السلام حين تخلّف ابن عمر و سعد و أسامة و حسان و محمّد بن مسلمة عن بيعته، فقال الشعبي: لمّا توقف هؤلاء عن بيعته، حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان من قبلي، و إنّما الخيار للناس( ٣ ) قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، و إنّ على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم، و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتّبع غير سبيل أهله، و لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، و ليس أمري و أمركم واحدا، و إنّي اريدكم للّه و أنتم تريدونني لأنفسكم، و ايم اللّه لأنصحن للخصم

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١١، شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨، شرح ابن ميثم ٤: ١٠.

(٢) مضت آنفا.

(٣) قال العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٣٢: ٣٣ ما لفظه: «إنّما الخيار» أي: بزعمكم و على ما تدّعون من ابتناء الأمر على البيعة.

٥٤٩

و لأنصفن للمظلوم، و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و اسامة و عبد اللّه و حسّان امور كرهتها، و الحقّ بيني و بينهم( ١) .

و ما رواه الدينوري مرفوعا قال: لمّا قتل عثمان بقي النّاس ثلاثة أيّام بلا إمام، و كان الذي يصلّي بالناس الغافقي، ثم بايع النّاس عليّاعليه‌السلام فقال: أيّها النّاس بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، و إنّما الخيار قبل أن تقع البيعة، فإذا وقعت فلا خيار، و إنّما عليّ الاستقامة و على الرعية التسليم، و إنّ هذه بيعة عامّة من ردّها رغب عن دين الإسلام و إنّها لم تكن فلتة( ٢) .

«لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة» كما كانت بيعة أبي بكر، كما صرّح به عمر.

ففي (تاريخ اليعقوبي): استأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد فقال: قد تقدّم لكم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة، لا يخرجوا فيسللوا بالناس يمينا و شمالا. فقال له عبد الرحمن بن عوف: و لم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن أسكت عنك فلا اجيبك خير لك من أن أجيبك.

ثم اندفع يحدّث عن أبي بكر حتّى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه( ٣) .

و في (الطبري): عن ابن عباس قال: حججنا مع عمر و إنّي لفي منزلي بمنى إذ جاءني عبد الرحمن بن عوف فقال: شهدت اليوم عمر و قام إليه رجل فقال: إنّي سمعت فلانا يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا فقال عمر: إنّي لقائم العشيّة في النّاس احذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا النّاس أمرهم. فقلت له: إنّ الموسم يجمع رعاع النّاس و غوغاءهم، و هم الذين يقربون من مجلسك و يغلبون عليه، و أخاف أن تقول مقالة لا يعونها و لا

____________________

(١) الإرشاد ١: ٢٤٣ ٢٤٤، بحار الأنوار ٣٢: ٣٣.

(٢) الأخبار الطّوال: ١٤٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧ ١٥٨.

٥٥٠

يحفظونها فيطيروا، و لكن امهل حتّى تقدم المدينة و تخلص بأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول فيعوا مقالتك. فقال: و اللّه لأقومن بها أوّل مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس: فلمّا قدمنا المدينة و جاء يوم الجمعة، هجرت للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن إلى أن قال فقال عمر على المنبر: بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغرنّ امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك، غير أن اللّه وقى شرّها، و ليس فيكم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر. و أنّه كان من خبره حين توفي النبيّ أنّ عليّا و الزبير و من معهما تخلفوا عنّا في بيت فاطمة، و تخلّفت عنّا الأنصار بأسرها...( ١) .

و قال الجاحظ: إنّ الرجل الذي قال: (لو مات عمر لبايعت فلانا) كان عمّار بن ياسر فإنّه قال: لو قد مات عمر لبايعت عليّاعليه‌السلام ( ٢) .

و روى ابن الهيثم بن عدي في كتابه كما نقل الفضل بن شاذان في (إيضاحه) و المرتضى في (شافيه) و الهيثم من مصنّفيهم كما ذكره المسعودي في أوّل (مروجه)( ٣ ) عن عبد اللّه بن عباس الهمداني، عن سعيد بن جبير عن أبن عمر في خبر قال: أشهد أنّي كنت عند أبي يوما و قد أمرني أن أحبس النّاس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال أبي: دويبة سوء و لهو خير من أبيه. فأوحشني ذلك منه فقلت: يا أبة عبد الرحمن خير من أبيه؟ فقال: و من ليس بخير من أبيه لا أمّ لك ايذن له. فدخل فكلّمه في الحطيئة و قد كان عمر حبسه في شعر قاله فقال له عمر إنّ في الحطيئة أودا فدعني اقوّمه بطول حبسه، فألحّ عبد الرحمن عليه و أبى هو، فخرج عبد الرحمن فأقبل

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٠٣ ٢٠٥، سنة ١١، و النقل بتلخيص.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٥.

(٣) مروج الذهب ١: ٧١.

٥٥١

عليّ أبي و قال: أ في غفلة أنت إلى يومك هذا عمّا كان من تقدم احيمق بني تيم عليّ و ظلمه لي؟ فقلت: لا علم لي بذلك، قال: فما عسيت يا بنيّ أن تعلم؟ فقلت له:

و اللّه أحب إلى النّاس من ضياء أبصارهم، قال: إنّ ذلك لكذلك على رغم أبيك، قلت: أ فلا تجلي عن فعله بموقف في النّاس تبيّن ذلك لهم؟ قال: فكيف لي بذلك مع ما ذكرت إذا يرضخ رأس أبيك بالجندل. قال: ثمّ تجاسر و اللّه فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا فقال: أيّها النّاس إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى اللّه شرّها، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه( ١) .

و عن مجالد بن سعيد قال: غدوت يوما إلى الشعبيّ إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا، فأخذ الأزدي في ذكر أبي بكر و عمر، فضحك الشعبي و قال:

لقد كان في صدر عمر ضبّ( ٢ ) على أبي بكر إلى أن قال بعد ذكر استغراب الأزدي لذلك فقال الشعبي له: فكيف تصنع بالفلتة التي وقى اللّه شرها، أ ترى عدوّا يقول في عدوّ يريد ان يهدم ما بنى لنفسه في النّاس، أكثر من قول عمر في أبي بكر؟ فقال الأزدي: سبحان اللّه أنت تقول ذلك؟ فقال: أنا أقوله قاله عمر على رؤس الأشهاد، فلم أدعه...( ٣) .

و المفهوم من سوق الكلام و مقتضى المقام أنّ عمر كان ينكر أن يعقد إمامة ببيعة النّاس، كما صنعت لأبي بكر و اعتقاده أنّ الامامة انّما يجب أن تكون إمّا بنص مفصل كما نصّ أبو بكر عليه، أو مجمل كما صنع هو لعثمان.

و امّا من دعا النّاس إلى بيعته كما أرادت قريش طلحة و الزبير و غيرهما في أيّامه أن يخرجوا من المدينة باسم الجهاد، و كما خرج طلحة و الزبير في أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام باسم العمرة إلى مكة، و يدعو النّاس إلى

____________________

(١) الإيضاح: ١٣٥ ١٣٨، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩، الصراط المستقيم ٣: ٣٠٢، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٢) الضبّ: الحقد، نقول: أضبّ فلان على غلّ في قلبه، أي أضمره. الصحاح ١: ١٦٧، مادة: (ضبب).

(٣) الإيضاح: ١٣٩ ١٤٠، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩، و النقل بتصرّف.

٥٥٢

بيعتهم كأبي بكر و يدل على ذلك قول ابن عوف له في رواية اليعقوبي( ١ ) : لم تمنعنا من الجهاد؟ و جواب عمر له: لا اجيبك خير لك، و كما أراد عمّار في رواية الطبري( ٢ ) دعوة النّاس بعد موت عمر إلى أمير المؤمنين، لعدم جرأته على ذلك في أيّام عمر فهو عند عمر أمر منكر ذو مفاسد كثيرة، و إنّما كانت بيعة النّاس لأبي بكر كذلك فلتة و تصادفا و اتفاقا سلموا من عواقبها بأمور:

الأوّل: اجتماع الأنصار لمّا رأوا طمع قريش في الإمارة عليهم بمنعهم نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوصيّة، و تخلفهم عن جيش أكّد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتجهيزه حتى لعن المتخلّف عنه فقالوا: لمّا رأوا ذلك إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبث بضع عشرة سنة في قريش بمكّة فما آمن به أكثرهم، و من آمن به منهم ما قدروا أن يمنعوه عن أعدائه، و انّما استقامت العرب له طوعا و كرها بنصر الأنصار له، فهم أولى بسلطانه من قريش الطامعين.

و الثاني: أنّ سعد بن عبادة رئيسهم كان مريضا، فقال لابنه قيس: إنّي لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلّهم كلامي، فكان يتكلّم سعد و يحفظ ابنه قوله و يسمعه النّاس( ٣ ) ، و لذا قال سعد لعمر لمّا قال اقتلوا سعدا: أما و اللّه لو أن لي بكم قوّة أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها و سككها زئيرا يحجرك و أصحابك، و إذن لألحقنّك و اللّه بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع( ٤) .

و الثالث: أنّ بشير بن سعد الخزرجي ابن عمّ سعد بن عبادة حسده أن يصير أميرا، فبادر إلى بيعة أبي بكر قبل الجميع حتّى قبل عمر، فقال له الحبّاب بن المنذر: عققت عقاق أنفست على ابن عمّك الإمارة( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧ ١٥٨.

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٠٥، سنة ١١.

(٣) تاريخ الطبريّ ٣: ٢١٨، سنة ١١، شرح ابن أبي الحديد ٦: ٥.

(٤) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢١، سنة ١١.

(٥) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢١، سنة ١١، الإمامة و السياسة ١: ٩.

٥٥٣

و الرابع: أنّ الأوس كانوا منافسين للخزرج في الجاهليّة و الإسلام، فاغتنموا الفرصة لمّا رأوا عمل بشير ابن عم سعد معه، فقال اسيد بن حضير رئيس الأوس لهم: و اللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، و لا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد و الخزرج ما كانوا أجمعوا من أمرهم( ١) .

و الخامس: أن أمير المؤمنينعليه‌السلام و بني هاشم كانوا مشتغلين بتجهيز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لم يحضر أحد منهم السقيفة، و لو حضروا كيف يعقل أن يحاجّ أبو بكر مع الأنصار و يقول لهم في مقابل نصرتهم له: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ اللّه المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه، و المواساة له، و الصبر معه على شدّة أذى قومه و تكذيبهم له؟

و كيف يمكن لعمر أن يقول لهم: و اللّه لا ترضى العرب أن يؤمروكم و نبيّها من غيركم، و لكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم، و من ذا ينازعنا سلطان محمّد و إمارته و نحن أولياؤه و عشيرته إلاّ مدل بباطل( ٢) .

فلمّا أخرجوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد قهرا إلى بيعتهم قالعليه‌السلام لهم: لا ابايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تأخذوه منّا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم، لمّا كان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم؟ فأعطوكم المقادة و سلّموا إليكم الإمارة، فإذن أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا و ميّتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، و إلاّ فبوؤا بالظلم و أنتم تعلمون. و حتّى إنّ بشير بن سعد الذي كان أوّل من

____________________

(١) المصدر نفسه ٣: ٢٢١ ٢٢٢، سنة ١١.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٧ ٨.

٥٥٤

بايع أبا بكر، حتّى قبل عمر، لمّا سمعهعليه‌السلام قال لأبي بكر و عمر نحن أحقّ بهذا الأمر لأنّا أهل البيت إلى آخر ما مر قال لهعليه‌السلام : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلفت عليك، فقالعليه‌السلام له: أفكنت أدع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته لم أدفنه و أخرج انازع بسلطانه.

و كذلك لمّا كانعليه‌السلام يخرج بفاطمة ليلا إتماما للحجّة لسؤال الأنصار النصرة، كانوا يقولون لها: يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، و لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق قبل أبي بكر ما عدلنا عنه، فتقولعليها‌السلام لهم: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، و لقد صنعوا ما اللّه حسيبهم( ١) .

و لمّا دعا عمر بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها، وقفت فاطمةعليها‌السلام على بابها و قالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم( ٢) .

و السادس: أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان وتر قريش، فلم يرضوا أن ينتقل الأمر إليهعليه‌السلام ، و لم يكن فيهم أنفسهم من يتصديه بشخصه لكون أكثرهم من الطلقاء و المؤلفة، و كون إسلام أبي بكر أقدم من إسلامهم حتّى من إسلام عمر، و كونه ذا سياسة زائدة مع طبيعة لينة، و صيرورة مصاحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار سببا لاشتهاره و مستمسكا للتلبيس به على العامّة، و كون بنته عايشة التي لم تكن في السياسة و الجلارة دون أبيها في بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و بواسطتها زيد على مصاحبة غاره أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بالصلاة في مرض موته، و بهما تمسّك عمر في تقديمه. و قد وصف عمر بغض قريش لهعليه‌السلام كبغض الثور لجازره، فقال يوما لابن عباس: أنتم أهل النبيّ و بنو عمّه فما

____________________

(١) المصدر نفسه ١: ١٢.

(٢) المصدر نفسه.

٥٥٥

تقول منع قومكم عنكم؟ قال: لا أدري و اللّه ما أضمرنا لهم إلاّ خيرا، قال: اللهمّ غفرا ان قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة و الخلافة، فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا، و لعلكم تقولون إنّ أبا بكر كان أوّل من أخّركم، أما إنّه لم يقصد ذلك و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل، و لو لا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا، و لو فعل ما هناكم مع قومكم أنّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره.

و السابع: أنّ قريشا كانوا أهل دنيا، و كانوا يريدون الإمارة و السلطنة، و كانوا علموا أنّه إن تصدّى أمير المؤمنينعليه‌السلام للأمر لم يجعله إلاّ في المعصومين من عترته، فجعلوه في أبي بكر و هو نظيرهم ليردّه إليهم، و ليكون لهم به سبب يدعونه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب كتبه ليقرأ على النّاس لمّا سألوه عن الثلاثة و قد رواه ابن قتيبة و الثقفي و غيرهما:

و جعلني عمر سادس ستّة فما كانوا لولاية أحد منهم بأكره منهم لولايتي، لأنّهم كانوا يسمعونني و أنا احاج أبا بكر و أقول: يا معشر قريش أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان منّا من يقرأ القرآن و يعرف السنّة، فخشوا إن وليت عليهم ألا يكون لهم في هذا الأمر نصيب، فتابعوا إجماع رجل واحد حتّى صرفوا الأمر منّي لعثمان، فأخرجوني منها رجاء أن يتداولوها حين يئسوا أن ينالوها، ثمّ قالوا لي: هلم فبايع و إلاّ جاهدناك. فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا...( ١) .

و رووا عن جندب خبرا طويلا و أنّهعليه‌السلام قال لجندب لمّا قال لهعليه‌السلام : ادع النّاس إلى نفسك: لا يجيبني من المائة واحد، سأخبرك أنّ النّاس إنّما ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمّد و قبيلته، و أما قريش في ما بينها

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٥٥، الغارات للثقفيّ ١: ٣٠٧ ٣٠٨.

٥٥٦

فيقولون إنّ آل محمّد يرون لهم على النّاس بنبوّته فضلا، يرون أنّهم أولياء هذا الأمر دون قريش و دون غيرهم من النّاس، و أنّهم إن ولّوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا، و متى كان في غيرهم تداولته قريش بينها، لا و اللّه لا يدفع النّاس هذا الأمر إلينا طائعين أبدا...( ١) .

و الثامن: أن معين أبي بكر كان مثل عمر تلك الحوزة الخشناء، التي يغلظ كلمها، و يخشن مسّها، و لولاه لمّا تم الأمر له، و قد صرّح النظام بأن عمر هو الذي جعل أبا بكر خليفة. فتارة كان عمر يخاصم الحباب بن المنذر بأنّه من ينازعنا سلطان محمّد و نحن عشيرته، و اخرى يقول: اقتلوا سعدا قتله اللّه.

و يقوم على رأسه و يقول: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عصوك، و اخرى يقول في الزبير لمّا خرج بالسيف من عند بني هاشم: عليكم بالرجل فخذوه.

فوثبوا عليه و أخذوا السيف منه، و انطلقوا به فبايع. و يدعو بالحطب على باب أهل البيت و يقول: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها، فقيل له إنّ فيها فاطمة. فقال: و إن، فخرج الهاشميون غيرهعليه‌السلام فبايعوا. و اخرى يقول لأبي بكر مرة بعد مرة: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام فيرسل أبو بكر قنفذا بأنّ خليفة النبيّ يدعوك فيقولعليه‌السلام :

سريعا كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجي‏ء عمر بنفسه مع جماعة إلى الباب. و مع أنّ فاطمةعليها‌السلام تصيح: يا أبه يا رسول اللّه ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فانصرف عدّة منهم لأنّ قلوبهم كادت تتصدّع و أكبادهم تتفطّر من بكاء فاطمةعليها‌السلام و كلامها لم يكترث عمر بذلك و بقي مع عدّة حتّى أخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام و مضى به إلى أبي بكر و يقول لهعليه‌السلام : إن لم تبايع و اللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، و كانعليه‌السلام يصيح مخاطبا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٥٧ ٥٨.

٥٥٧

ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني...( ١ ) فلم يخلّه حتّى أخذ منه البيعة.

و اخرى يقول للعبّاس لمّا قال هو و أبو بكر له بإشارة المغيرة عليهما، أن يجعلا له سهما في الأمر فيضعف عليّ لكون العباس عم النبيّ إي و اللّه و اخرى إنّا لم نأتكم حاجة منّا إليكم، و لكنّا كرهنا أن يكون الطعن منكم في ما اجتمع عليه العامّة، فيتفاقم الخطب بكم و بهم فانظروا لأنفسكم.

و أيضا لمّا قدم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولاّه المدينة لم يبايع كما في (سقيفة الجوهري) أبا بكر أيّاما، ثم أتى بني هاشم و قال: أنتم الظهر و البطن و الشعار دون الدثار و العصا دون اللحا إلى أن قال: فولاّه أبو بكر الجند الذي استنفرهم إلى الشام، فقال عمر لأبي بكر: أتولّي خالدا و قد حبست عليك بيعتة. و قال لبني هاشم ما قال، ما أرى أن توليه و ما آمن خلافه، فولّى أبو بكر أبا عبيدة و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و انصرف عن خالد( ٢) .

ثم ما ذكرنا من ميل قريش إلى أبي بكر رغبة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و قيام عمر بتلك الامور لإتمام بيعة أبي بكر، هو معنى قول عمر في خطبته في الفلتة: (و ليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر)، إلاّ أنّك عرفت الحقيقة و أنّ قطع الأعناق إلى أبي بكر لبيعته، كان على أنحاء منها: تسابق عمر و أبي عبيدة للبيعة لتواطئهما معه بردّها اليهما، و منها سبقة بشير بن سعد حسدا لابن عمّه سعد بن عبادة أن ينال الإمارة ثمّ جميع الأوس حسدا أن ينالها خزرجي، ثم بيعة باقي طوائف قريش من مخزوم و زهرة و اميّة و غيرهم طمعا أن ينالوها بواسطته، و ثمّ بيعة بني هاشم بإحراق البيت و ضرب

____________________

(١) الأعراف: ١٥٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٨ ٥٩، السقيفة للجوهريّ: ٥٢ ٥٣.

٥٥٨

الأعناق لو لم يبايعوا و باقي النّاس بالإكراه.

فرووا عن البراء بن عازب في خبر قال: و إذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، و إذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر. فلم ألبث و إذ أنا بأبي بكر قد أقبل و معه عمر و أبو عبيدة و جماعة من أصحاب السقيفة، و هم محتجزون بالأزر الصنعائيّة لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه، و قدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أنكر...( ١) .

ثم بيعة أمير المؤمنين لم تكن محتاجة إلى قطع الأعناق إليه، بل كانت الأعناق تتقطّع دونها، فتداكّوا عليه تداك الإبل الهيم يوم ورودها، قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها، و أقبلوا إليه إقبال العوذ المطافيل على ولدها، حتّى كاد أن يقتل بعضهم بعضا، و حتّى شق عطفاه و حتى وطى‏ء الحسنانعليهما‌السلام و كان يقبض يده فيبسطوها، و يكفها فيجاذبوها بدون غرض نفساني، بل و كان يقبض يده فيبسطوها، و يكفها يجاذبوها بدون غرض نفساني، بل لكونه أقرب النّاس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا و ميّتا، و أعلم النّاس بكتابه و سنّته، و سوابقه التي لم يشاركه فيها أحد.

ثمّ إنّ عمر و إن قال في خطبته: «فمن عاد إلى مثل بيعة أبي بكر فاقتلوه»( ٢ ) ، و أراد بذلك أن تبقى الخلافة فيهم و لا تنتقل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيتداولونها بينهم من يد إلى يد ككرة اللعب فقد عرفت أنّه خطب بما خطب لمّا سمع ان عمّارا قال أنه يبايع عليّاعليه‌السلام إن مات عمر إلاّ ان النّاس لمّا رأوا أن من عيّنه عمر في شوراه و هو عثمان، سار فيهم بما سار، خافوا أن يسير باقي أهل شوراه حقيقة (طلحة و الزبير و سعد) بما عاملهم به عثمان، فبادروا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بتلك الكيفيّة، و قد كان عمّار قال لهم:

رأيتم سيرة عثمان بالأمس، فإن لم تنظروا لأنفسكم تقعون في مثله، فخاب

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢١٩.

(٢) الإيضاح: ١٣٥ ١٣٨، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩.

٥٥٩

أمل عمر و بطل ما دبّر في مدة، لكن آل الأمر إلى انقطاعه بقيام طلحة و الزبير، لكونهما من شورى عمر، ثمّ قيام معاوية لكونه والي عمر و لقد كان عمر يتأوّه شديدا حيث يفكّر و يدبّر ألا يدع يرجع الأمر إليهعليه‌السلام يوما، فيحصل له بسط يد فيوضح الأمر للناس، و يحصل له شيعة فرأى أن ذلك لا يحصل له بتمامه، فكان يتمنّى تارة حياة أبي عبيدة الذي كان أبو بكر يقول للناس:

«بايعوا عمر أو أبا عبيدة» و هما يقولان: «كيف نقدمك»، و اخرى حياة سالم مولى أبي حذيفة، و هو من أعوانه و أعوان صاحبه يوم السقيفة.

ثم إنّ من المضحك أن سيف بن عمر الذي طريق الطبري الغالبي إليه (السري عن شعيب عنه) و طريقه النادر (عبيد اللّه عن عمر عنه) أنكر المتواتر من عدم بيعة سعد بن عبادة مع أبي بكر فقال ببيعته، و أنّ الفلتة تأمّل سعد أوّلا فقال: لمّا قام الحبّاب و انتضى سيفه، حامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه، و وثبوا على سعد و تتابع القوم على البيعة، و بايع سعد و كانت فلتة كفلتات الجاهلية، قام أبو بكر دونها( ١) .

و كيف أراد سيف ستر كون بيعة أبي بكر فلتة و قد ضرب بها المثل؟

ففي (أدباء الحموي): انفلت ليلة في مجلس الصاحب بن عباد صوت من بعض الحاضرين، و الصاحب في الجدل فقال: كانت بيعة أبي بكر فخذوا في ما أنتم فيه( ٢) .

قولهعليه‌السلام في رواية (أخبار طوال) أبي حنيفة الدينوري و (إرشاد) المفيد: و إنّ هذه بيعة عامّة من ردّها أو (من رغب عنها) رغب عن دين الإسلام( ٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢٣، سنة ١١.

(٢) معجم الأدباء ٦: ٢١٧.

(٣) الأخبار الطوال: ١٤٠، الإرشاد ١: ٢٤٣.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607