العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته9%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 607

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68434 / تحميل: 5581
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

غانمة تنتصر لهاشم

بلغ غانمة بنت غانم سبُّ ابن هند وابن النابغة بني هاشم! فقالت لأهل مكة: أيها الناس، إنّ قريشاً لم تَلِد من رَقم ولا رُقم، سادت وجادت، ومُلِّكت فملكت، وفُضِّلت فَفَضَلت، واصطُفِيَت فاصطَفَت، ليس فيها كدرُ عيب ولا أفْنُ(١) ريب، ولا حشروا طاغين، ولا حادوا نادمين، ولا المغضوب عليهم ولا الضالّين. إنّ بني هاشم أطولُ الناس باعاً، وأمجَدُ الناس أصلاً، وأحلمُ الناس حلماً، وأكثر الناس عطاءً. منّا عبد مَناف الذي يقول فيه الشاعر:

كانت قريش بيضةً فتفلّقت

فالمخُّ خالِصُها لعبدِ مَناف

وولده هاشم الذي هشَمَ الثَّريدَ لقومشه، وفيه يقول الشاعر:

هشم الثريد لقومه وأجارَهم

ورجال مكّة مُسْنِتُون عِجافُ(٢)

ثمّ منّا عبد المطّلب الذي سُقينا به الغَيث، وفيه يقول الشاعر:

ونحن سِنيَّ المحلِ قامَ شفيعُنا

بمكّةَ يدعو والمياهُ تَغورُ

وابنُه أبوطالب عظيمُ قريش، وفيه يقول الشاعر:

آتيتُه مَلِكا فقام بحاجتي

وترى العُلَيّجَ خائباً مذموما

ومنّا العبّاس بن عبد المطّلب، أردفه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطاه ماله، وفيه يقول الشاعر:

رَدِيفُ رسولِ الله لم أرَ مثلَهُ

ولا مِثلُهُ حتّى القيامةِ يُوجَدُ

____________________

(١) أفْن: ضعيف الرأي.

(٢) في جمهرة النسب: فولَدَ عبد مَناف بن قُصَيّ: هاشماً، وهو عمرو، وسُمِّيَ هاشماً لأنّه هشم الثَّريدَ، وله يقول الشاعر:

عمرو العُلى هَشَمَ الثَّرِيدَ لقومِهِ

ورجالُ مكّةَ مُسْنتِونَ عِجافُ

٢٦١

ومنّا حمزة سيّد الشهداء، وفيه يقول الشاعر:

أبا يَعلى لكَ الأركانُ هُدّتْ

وأنتَ الماجدُ البرُّ الوَصُولُ

ومنّا جعفر ذو الجناحين أحسنُ الناس وأكملهم كمالاً، ليس بغدّار ولا ختّار، بدّله الله عزّ وجلّ بكلّ يد له جناحاً يطير به في الجنّة، وفيه يقول الشاعر:

هاتوا كجعفرنا الطيّار أو كعليّنا

أليسا أعزّ النّاس عند الخلائق؟!

ومنّا أبو الحسن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أفرس بني هاشم وأكرم من احتفى وتنعّل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن فضائله ما قصر عنكم أنباؤها، وفيه يقول الشاعر:

ومن يكُ جدُّه حقّاً نبيّاً

فإنّ لَهُ الفضيلة في الأنام

ومنّا الحسين بن عليّ رضوان الله عليه، حمله جبرئيل علىعليه‌السلام عاتقه وكفى بذلك فخراً، وفيه يقول الشاعر:

نفى عنه عيبَ الآدميّين ربُّهُ

ومن مجدِه مجدُ الحسينِ المطهَّرِ(١)

ثمّ قالت: يا معشر قريش! والله ما معاوية بأميرالمؤمنين، ولا هو كما يزعم، هو والله شانئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّي آتيةٌ معاوية وقائلة له بما يعرق جبينُه ويكثر منه عويله(٢) .

فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلمّا بلغه أنّ غانمة قد قرُبت منه أمر بدارِ ضيافةٍ

____________________

(١) صريح في العصمة.

(٢) لـمّا تأتي ابن هند بعد، حتّى جعلتها تظاهرة في مكّة صدحت بفضائل الشجرة المباركة. ولكن لا أظن سيعرق جبين ابن هند فهو نسيج عاهات وعورات سارت بها الركبان!

٢٦٢

فنُظّفت وألقي فيها فرش، فلمّا قربت من المدينة استقبلها يزيد في حَشَمه ومماليكه، فلمّا دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم، فقال لها يزيد: إنَّ عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته، فقالت: من أنت كّلأكّ الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: لا رعاك الله يا ناقص! لست بزائد، فتمعّر لون يزيد(١) ، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسَنّ قريش وأعظمهم. فلما قال يزيد: كم تعدّ لها؟ قال: كانت على عهد رسول الله أربعمائة عام وهي من بقيّة الكرام.

فلمّا كان من الغد أتاها معاوية فسلّم عليها، فقالت: وعلى المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان! ثمّ قالت: من منكم ابن العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا. فقالت: وأنت تسبّ بني هاشم وأنت والله أهل السبّ وفيك السبّ وإليك يعود السبّ يا عمرو! إنّي والله عارفة بعيوبك وعيوب أمّك، وإنّي أذكر لك عيبا عيباً؛ ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء تبول من قيام ويعلوها اللّئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذَ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً! وأما أنت، فقد رأيتُك غاويا غير راشد ومفسدا غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غِرتَ ولا أنكرتَ!

وأمّا أنت يا معاوية، فما كنت في خير ولا رُبّيت في خير، فما لَكَ ولبني هاشم؟ أنساء بني أميّة كنسائهم أم أُعطي أميّة ما أُعطي هاشم في الجاهليّة والإسلام؟ وكفى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال معاوية: أيّتها الكبيرة أنا كاف عن بني هاشم. قالت: فإنّي أكتب عليك عهداً، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ربّه أن يستجيب لي خمس دعوات، فأجعل تلك الدعوات كلّها فيك. فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسبّ بني هاشم أبداً(٢) .

____________________

(١) أي تغيّر وعَلَته صُفرة.

(٢) المحاسن والمساوئ، للبيهقي: ٩١ - ٩٤.

٢٦٣

أخذ الله تعالى على ابن هند وحاشيته الفاسدة أبصارهم وأسماعهم، وطبع على قلوبهم، فهم يتعاوون. يسبّون (خير البشر؛ ومن أبى فقد كفر) و (خير البريّة)...، وشجرته المباركة! ولا يأتي السبّ إلّا عن أفن وسوء منبت وفساد طبع وفقدان حجّة. فسلّط الله سبحانه عليهم من يذيع فضائحهم التي تزكم الأنوف.

وللهِ محتدك يا غانمة! إذ بدأت بقريش، فهي المبرّزة بين قبائل العرب فبدأت بها لتنتقي منها جوهرتها (عبد مناف) ومن ولد عبد مناف: ذورة السنام من غير منازع (بني هاشم) موضع سبّ ابن النابغة وابن هند وكفى بصنعهما هذا حقارة وصغاراً! وتحوّلت إلى وريثه في المجد: ولده (عبد المطّلب)، ومن ولد عبد المطلب، انتقت ولده مؤمن قريش وعظيمها (أبا طالب). وراحت تعدد من بني هاشم الأماجد، فكان (العباس بن عبد المطلب)، رديف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فحمزة؛ سيد الشهداء بن عبد المطلب؛ فجعفر ذا الجناحين بن أبي طالب. ثمّ حطّت رحالها في دوحة الفخر عند عليّ بن أبي طالب أكرم خلق الله بعد رسوله؛ ومنه إلى شبله سبط رسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة وكفى بذلك فخراً (الحسن المجتبى بن عليّ المرتضى) فإلى الحسين بن عليّ الذي طهّره الله وتشرّف جبريل بحمله على عاتقه. فمن ذا حمل ابن هند ووضعه على قارعة الطريق؟!

وبعد أن أحكمت كلامها إذ بدأت بقريش وانتهت بخامس أصحاب الكساء، عادت تخاطب قريشا وتذكرهم بفعل ابن هند وتسلبه الإمارة الجبريّة، فهو شانئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فهي لذلك منتصرة لهذا البيت المنيف والشجرة المباركة، من بيت الطغاة والكفر والشجرة الملعونة.

فكان أوّل من وقع بين براثنها: الناقص حفيد هند، ولو لاها لم ندر أنّ النابغة من الشّبق والتبذّل أن ركبها واحد وأربعون رجلاً في يوم واحد، وانّ ابنها عمرو مع

٢٦٤

نبوغه في الضلال؛ فإنّه رأي عاهرا مع زوجته في فراشه فلم يغر ولم ينكر!

والتفتت غانمة إلى ابن هند، فلم يكن في بيئة اجتماعيّة طيّبة ولم يتولّ تربيته أهل خير؛ وإن شاءت المقادير أن ينسب إلى بني أميّة، مثلما نسب هو ابن سُميّة زيادا ونقل نسبه إلى نسبه وادّعى أخوّته وزوّجه وزوّج ولده من بنات آل سفيان؛ ومع ذا فليس نساء بني أميّة مثل نساء بني هاشم واشتُهر منهنّ حَمامة جدّة أبي سفيان بغيّ لها راية تؤتى؛ ومنهنّ هند أمّ معاوية، وقد عرضنا لحالها. وإغراق رجالهم في الجهل والغدر والكفر والنفاق وحرب الإسلام...، وإذا اقتصرنا على اشتقاق الأسماء؛ فإنّ (سفيان) اشتقاقه من (السفيه)(١) .

قال: وأبو سفيان، واسمه صخر بن حرب بن أميّة. والصخر، معروف، وليس كلّ الحجارة تسمّى صخراً، وإنّما الصخرة الصّفاة العظيمة التي لا يمكن حملها وإزالتها عن مكانها. (ابن حربٍ) الحرب: ضد السلم. ورجل محرب ومحراب، إذا كان صاحب حرب يسعرها(٢) .

و (أميّة): تصغير أَمَة(٣) .

و (معاوية): استعوى الكلاب ليسمع نُباحَها فيعلمُ أنّه قريب من ماء(٤) .

وابن هند حقيق بهذه التسمية وكأنّ مشيّة الله تعالى أملت على هند أن تسمّيه به، لـما يعلمه سبحانه ممّا سيكون منه تناوش وتهارش ونباح على كلّ قريب وبعيد.

____________________

(١) الاشتقاق، لابن دريد: ٧٣.

(٢) نفس المصدر السابق: ٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق: ٥٤.

(٤) نفس المصدر السابق: ٧٥.

٢٦٥

عواؤه على شريك بن الأعور

دخل شريك بن الحارث بن عبد الله الهمدانيّ الحارثيّ البصريّ المعروف بشريك بن الأعور، على معاوية. وكان شريك هذا من خيار الشيعة وكان سيّد قومه، فقال له: ما اسمك؟ قال: شريك. قال: ابن من؟ قال: ابن الأعور. قا ل: إنّك شريك وما لله شريك، وإنّك لابن الأعور والصحيح خير من الأعور، وإنّك لدميم سيّئ الخلق فكيف سُدتَ قومَك؟(١)

فقال: وأنت والله معاوية، وما معاوية إلّا كلبة عوت فاستعوت(٢) فسمّيت معاوية، وإنّك لابن صخر والسهل خير من الصَّخر، وإنّك لابنُ حَرْبٍ والسِّلمُ خيرٌ من الحرب، وإنّك لابن أميّة وأميّة أَمَة صغر بها، فكيف سمّيت أميرالمؤمنين؟!

قال معاوية: واحدة بواحدة والبادي أظلم.

ولشريك شعر في المناسبة يتوعّد فيه ابن هند، فقاسمه(٣) معاوية أن يسكت وقرّبه وأدناه(٤) .

فهل تمسّك ابن هند بقَسَمِه هذا، أم حنَثَ فعاد إلى المحارشة وقد حلف لغانمة كما مرّ بنا أن لا يعود، ولغيرها، ثمّ عاد؟!

وفي التنازع والتخاصم: روى سفينة عن أمّ سلمة أنّه قال لها: إنّ بني أميّة يزعمون

____________________

(١) ابن هند، يعرف شريك حقّ المعرفة، إلّا أنّ سجيّته حملته على سؤاله عن اسمه! وابن من؟! وعرف شريك مرمى ابن هند؛ فلم يقل ابن الحارث وتعمّد أن يقول: ابن الأعور ليستنطقه فيصبّ عليه شؤبوب سخطه!

(٢) استعوت: أي نبحت فتبعها الكلاب. وفي لسان العرب: المعاوية، الكلبة المستحرمة تعوي إلى الكلاب إذا صرفت ويعوين إليها. ومعاوية اسم وهو منه.

(٣) قاسمه: أي حلف له يميناً.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٠: ٣٠٥.

٢٦٦

أنّ الخلافة فيهم، فقالت: كذبت بنو الزرقاء، بل هم ملوك ومن شرّ الملوك(١) .

قال: ويقال إنّ الزرقاء هذه هي أمّ بني أميّة؛ واسمها: أرنب، وكانت في الجاهليّة من صواحب الرايات(٢) .

وذكرها ابن حزم في ولد الحكم بن أبي العاصي بن أميّة، فذكر مروان وإخوته وقال: أمّهم اسمها أرنب، وهي من بني مالك بن كنانة، وهي الزّرقاء التي كان يعيّر بها عبد الملك وغيره من بني مروان(٣) .

إنّ قول المقريزي: إنّ الزرقاء، واسمها أرنب، وهي في الجاهليّة من صواحب الرايات؛ هي أمّ بني أميّة.

وقول ابن حزم: إنّ أرنب وهي الزرقاء، هي أمّ ولد الحكم بن أبي العاص بن أميّة، التي يعيّر بها عبد الملك وغيره من بني مروان؛ قريب منه جواب أروى بنت الحارث ابن عبدالمطّلب لمروان في مجلس ابن هند - وقد ذكرناه - إذ خاطبته بقولها: يا ابن الزرقاء، مع نفيها إيّاه من الانتساب إلى الحكم، ونسبته إلى سفيان بن الحارث بن كلدة. وزادت بياناً أنّه يشبه سفيان في زرقة عينيه وحمرة شعره. وذكرت صفات في الحكم غير موجودة في مروان. فما أنكر عليها مروان.

إذاً: الزَّرقاء وهي أرنب، وهي بغيّ من ذوات الرايات، ابنها مروان؛ فمروان وبنوه: بنو الزرقاء، وأيضاً بنو الأزرق لنسبتهم إلى سفيان، أزرق العينين.

وهذا لا يمنع أن تكون الزرقاء ثانية على ما ذكر المقريزي وأنّها أمّ بني أميّة، ولا داعي للتوقّف عند ورود اسم أرنب في أمّ بني أميّة، وفي أمّ بني مروان، فما أكثر تشابه

____________________

(١) النزاع والتخاصم، للمقريزي: ٤٢.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) جمهرة أنساب العرب، لابن حزم: ٨٧، والعقد الفريد ١: ٣٥٧.

٢٦٧

الأسماء؛ وإلاّ لوجب حذف أكثر التاريخ لهذه الشُبهة! والقاسم مشترك بين بني مروان وبني أميّة؛ فإنّ في نسب أميّة قول إذ ذهب البعض إلى أنّهم ليسوا من العرب وإنّما من الروم. ولأجل ذلك توقّف شريك بن الحارث (الأعور) الهمدانيّ وهو يلقم المعاوية حجراً مسكتاً، عند حدود أميّة ووسمه بالأمة أي العبد المسترق، وهو لفظ مؤنّث! ثمّ صغّره لا عن شماتة، وإنّما هكذا به يعرف. ولم يكن أميّة في نفسه هناك، وإنّما رفعه أبوه الذي يتبنّاه - ومعذرةً أن نقول: أبوه، إلّا أنّه غلب فصار العبد الرومي (أميّة) يعرف بابن عبد شمس؛ وبنوه الذين أخذوا شهرة بمعاداتهم لبني هاشم! فهم في حالي سلامهم وموادعتهم؛ أو حال حربهم محقّقوا مجد وسمعة: فهم أنداد هاشم وكفى بذلك فخراً! ولئلاّ يشطبهم التاريخ لخمول ذكرهم، فلمّا ناوؤا هاشماً عرفوا.

ولئلاّ ننسى: فلا ننسى (حمامة) وقد أشرنا إليها، جدّة أبي سفيان صخر بن حرب ابن أميّة؛ بَغيّ نابغة في هذا الفنّ من ذوات الرايات.

ولا ننسى (أمّ جميل)؛ اسمٌ جميل لامرأةٍ خلّدها عملُها مع زوجها في جهنّم؛ وهذا هو الوفاء: أن تسير المرأة على خطى زوجها في الدنيا، وتعانقه في الآخرة، فهي معه في السّراء والضّراء وإن كان باطلاً!

(أمّ جميل) بنت حرب بن أميّة؛ أخت أبي سفيان صخر بن حرب، عمّة معاوية - تنزّلاً؛ إذ قامت البراهين أنّه ابن شُبهة، فتارة للصُّبّاح، وأخرى لأربعة، وثالثة لرجل آخر...، وهي: حمّالة الحطب، امرأة أبي لهب، ولا نعرف لها فضيلةً! إلّا حملها الحطب والشوك وطرحه في طريق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ولشدّة عداء زوجها (أبي لهب) وعداءها وإيذائهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنزل الله تعالى فيهما سورة كاملةً من القرآن تخلّد عملهما، وتخلّدهما في جهنّم، تلك هي سورة (تبّت) أو (المسد).

وللمعاويةَ حوار مع عقيل بن أبي طالب، قطعه فيه عقيل النسّابة المعروف بسرعة

٢٦٨

البديهة. وقبل ذكر ذلك، لا ندري هل جرى ذلك بعد الوعد الذي أعطاه ابن هند لشريك أن يسكت عن التهارش أم قبله، وهل كان ذلك بعد وعده لغانمة أم قبل ذلك...؟!

ذكر أبو عمرو بن العلاء، قال: قال معاوية يوماً وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لأضحكنّك من عقيل! فلمّا سلّم قال له معاوية: مرحباً برجل عمّه أبو لهب. فقال له عقيل: أهلاً برجلٍ عمّته حمّالةُ الحَطَب في جيدها حبْلٌ من مَسَد.

قال معاوية: يا أبا يزيد، ما ظنّك بأبي لهب؟ قال: يا معاوية - ولم يكنّه كما فعل ابن هند إذ كنّى عقيلاً -، إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب؛ أفناكحٌ في النار خيٌر أم منكوح؟! قال: كلاهما سواءٌ شرٌّ والله(١) .

ليس مثل عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهما، مَن يكعّ عن جواب ابن هند أو تخونه بديهته حتّى يجعله أضحوكة لابن النابغة، لكن شاء الله لـما علم من حال ابن هند، وحال أسرته؛ أن يُخليهم وأنفسهم يعمهون ولا يكفّ عنهم قرناءهم ليزيّنوا لهم أعمالهم، فهم عمون.

واتّفق من حال ابن هند أنّ فيه شيئاً يحركه فلا يطيق إلّا أن يعود فيعاد عليه شرّه. وله مع عقيل مواقف غير ما ذكرنا، من ذلك:

قال معاوية لعقيل: ما أبين الشَّبَق(٢) في رجالكم يا بني هاشم!

قال: لكنّه في نسائكم يا بني أميّة أبيَن!(٣)

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٤: ٩٣؛ وبلفظ قريب منه في العقد الفريد ٤: ٩١، الموفقيّات: ٣٣٥، البيان والتبيين، للجاحظ ٢: ٣٢٦، عيون الأخبار ٢: ١٩٧، أنساب الأشراف ٢: ٣٣٠، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ١٢٢.

(٢) الشّبق: إشتداد الشهوة الجنسيّة.

(٣) العقد الفريد ٤: ٩١، أنساب الأشراف ٢: ٣٣٠، عيون الأخبار ٢: ٢١٠، شرح نهج البلاغة ٢: ٣٢٩، وفي نثر الدرّ ٢: ١٩٨ قال معاوية لعقيل: إنّ فيكم شبقاً يا بني هاشم. قال: هو منّا في الرجال، ومنكم في النساء.

٢٦٩

وقال معاوية لعقيل وقد ابتلي به: إنّ فيكم يا بني هاشم لِيناً. قال: أجل، إنّ فينا لينا من غير ضعف، وعزّاً من غير عنف، وإنّ لينكم يا معاوية غَدْر وسِلمكم كفر، فقال معاوية: ولا كلّ هذا يا أبا يزيد!(١)

فلم يكن عقيل يتكلّم من غير بيّنة؛ فهند أعطت لوحشي ضمير الصدر، ومعاوية مردّد بين الصُّبّاح؛ وبين أربع رجال، حاله حال أخيه عُتبة؛ وعدا الصُّبّاح والأربع فهناك رجل آخر...، ومن قبل تزوّجت هند رجالاً ثلاث؛ فأيّ شبق بعد هذا؟!

لم يكن معاوية يجهل حال أمّه هند؛ وهو يرى أنّ عمر بن الخطّاب يوصيه بها خاصّةً ويعرف كثيراً عن حياة هذا الرجل (أبوسفيان) الذي ارتبط بأمّه؛ وجدّة هذا الرجل (حمامة) ذكرناها في مشاهير البغايا من ذوات الرايات. ولـمّا كان من شأن هؤلاء وما اشتهروا به هو الاستلحاق والادّعاء، وقد استلحق ابن هند ابن سميّة زياداً فادّعى إخوّته، وهو مثله ابن زنىً يدعى إلى أربعة وأمّه من ذوات الرايات؛ فليس صعباً على ابن هند أن يمارس الزنا وإن تربّع على منبر المسلمين، فورث يزيد القرود ذلك منه!

المدائني عن محمّد الثقفيّ قال: دعا معاوية بجارية له خراسانيّة فخلا بها، وعرَضتْ له وصيفةٌ مولّدة فترك الخُراسانيّة وخلا بالوصيفة فنال منها وخرج فقال للخراسانيّة: ما اسم الأسد بالفارسيّة؟ فقالت: كَفْتار، فخرج وهو يقول: أنا الكَفْتار، فقيل له: أتدري ما الكفتار؟ قال: نعم الأسد، قالوا: لا ولكنّه الضّبُع العرجاء، فقال: ما لها لله دَرُّها! سرعان ما أدركت بثأرها(٢) .

ومن شابه أُمَّه فما ظلم! فكلاهما سواءٌ شرٌّ.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤: ٩٣.

(٢) أنساب الأشراف ٥: ٦٤.

٢٧٠

سوء تقدير، أم حسن تدبير

لا أظنّ أنّ بيتاً في جاهليّة ولا إسلام ضمّ بين حناياه ما ضمّه البيت الأمويّ من خزايات وعاهات، لا يفتحون ماخُورَهم إلّا لمعْرِقٍ في الغَدْر والكفر والعُهْر ومَن ضُرب في ضياع النسب بسهم وافر!

فكانت خضراء ابن هند بدمشق، وخضراء الحجّاج بواسط، وخضراء المنصور العباسيّ ببغداد؛ وأخيراً خضراء فرعون العصر وأعتى الطواغيت صدّام ببغداد أيضاً، مواخير فسق ومراتع إبليس ومناحر لأطهر وأشرف عباد الله، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

كان لابن هند هيئة استشارية يركن إليها في الملمّات منهم الصحابي الأعور الزنّاء المغيرة بن شعبة، وقد عرفت من قصّة غدره ببني مالك فذبحهم أجمعين، حسداً...، وإحصانه في الإسلام أكثر من ثمانين امرأة، ثمّ كان من فضائله زناه الذي شهد عليه فيه عند حاكم المسلمين عمر بن الخطّاب، وقد ناضل عمر أشدّ النضال في درأ الحدّ عن الصحابيّ حتّى جاء ابن سميّة زياد فأسمعه عمر ما يريده منه! ولذا فلم يشهد مثل سابقيه الّذين أذهبا بشهادتهما ثلثي دين المغيرة، فأبقى على الثالث الآخر فلهو لم يرَ مثلهما أنّه يدخله فيها ويخرجه إدخال الميل في المكحلة، وإنّما رآه متبطّنها جالساً بين فخذيها - ربما يعالجها من مرض! - ولم ير من عورته إلّا خصيته السوداويين؛ ونفساً يعلو؛ ونكص عن الشهادة برؤية ميل المغيرة يولجه في المرأة ويخرجه مثل الميل في المكحلة؛ فكبّر عمر وجلد الشهود...؛ وقد علمتَ مَن هي المرأة.

ومن لُجنته وإن شئت سمّيته وزيره: ابن النابغة عمرو الذي ينسب إلى ستّة، وتلونا عليك من أنبائه أنّ أمّه من ذوات الرايات، وما أكثر رايات البغاء والعُهْر والضلال في

٢٧١

هذا البيت! ولـمّا انعقدت نطفته سألوها إلى من تنسبه من هؤلاء الزّناة فاختارت العاص بن وائل السَّهميّ. ذكره ابن حبيب (ت ٢٤٥ هـ) في كتابيه (المحبّر: ١٦١) و (المنَمَّق: ٤٨٧) في (زنادقة قريش) - تعلّموا الزندقة من نصارى الحيرة - وهم: أبو سفيان صخر بن حرب، أظهر الإسلام؛ وعقبة بن أبي معيط، ضربت عنقه يوم بدر، ضربها عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وأبيّ بن خلف الجُمَيّ، قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد، والنَّصر بن كَلَدة من بني عبد الدار، قتله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يوم بدر؛ ومنبّه، ونبيه ابنا الحجّاج السّهميّان، قتلا يوم بدر كافرين، قتلهما عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام. وقتل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : العاص بن منبّه السَّهْميّ يوم بدر. وقد ذكرنا الذين قتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام من بني عبد شمس، وبني أميّة وغيرهم مع مصادر ذلك في غير هذا الموضع. وإنّما أردنا أن نشير إلى دواعي انضمام ابن النابغة إلى ابن هند، وكلاهما يعرف بأمّه، سارت بذلك الرّكبان. ولا يستحي عمرو أن ينتمي إلى أمّه موضع فخره! ركبها في يوم واحد، واحد وأربعون رجلاً وعاشرت العبيد بمكّة، ثمّ كانت الليلة المشؤومة التي تراودها فيها ستّة وانعقدت نطفة عمرو؛ فنسبته إلى العاص بن وائل.

قلنا: إنّ ابن حبيب ذكر العاص في الزنادقة؛ وكذلك قد ذكره في المستهزئين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وماتوا ميتات مختلفات.

قال: وأمّا سبب موته، فإنّ العاص بن وائل خرج في يوم مطير على راحلته ومعه ابنان له يتنزّه ويتغدّى، فنزل شعباً من تلك الشعاب، فلمّا وضع قدمه على الأرض صاح، فطافوا فلم يروا شيئاً، فانتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق البعير، فمات من لدعة الأرض(١) .

____________________

(١) المحبّر: ١٥٩، المنمّق: ٤٨٦.

٢٧٢

فالعاهة واحدة، وعقدة النسب؛ تؤلّف بين قلبي ابن هند، وابن النابغة وتجعلهما يداً على من حاز دونهما كلّ فخر، وزكى عليهما في طهارة المولد، ومفاخر آبائه وأمّهاته.

وهما مع علمهما أن لا نسب لهما بأبي سفيان صخر بن حرب، والعاص بن وائل السهميّ؛ فهما لم يجدا بدّاً من الرضا بهذا النسب حتّى أشربا إيّاه، يوترهما ما يوتره؛ وقد وتر أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ابن هند بما ذكرناه؛ ووتر ابن النابغة بما ذكرناه؛ فصار هذا سبباً آخر في أن يكونا جبهةً واحدةً.

النابغة: سأل رجل عمرو بن العاص عن أمّة فقال: سلمى بنت حَرمَلة، تُلقَّب النابغة من بني عنزة، أصابتها رماح العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكِهُ بن المغيرة، ثمّ اشتراها منه عبد الله بن جدعان، ثمّ صارت إلى العاص بن وائل، فولدت له، فأنجبت، فإن كان جُعِل لك شيء فخذه(١) .

عمرو، أعرف بأمّه، فهي سبيّ، بيعت في الأسواق كما تباع البضائع، فاشتراها الفاكه بن المغيرة المخزوميّ(٢) ، وبعد أن نال منها وطراً! اشتراها منه عبد الله بن جدعان التيميّ، من قوم طلحة وأبي بكر؛ فأصاب منها دهراً، وأخيراً، برواية ابنها عمرو، صارت إلى العاص بن وائل.

فهو لا يجد حرجاً في الكلام عن أمّه وتقلّبها بين الرجال، إلّا أنّه لم يصرّح كيف صارت إلى العاص بن وائل، هل بالشراء مثل الفاكه، وابن جُدْعان؟

ثمّ خلط الأمور بقوله (فولدت له، فأنجبت)؛ إيحاءً منه بما حدث؛ فأنجبت

____________________

(١) أسد الغابة ٤: ٢٤٤.

(٢) الفاكه بن المغيرة المخزوميّ، ابن عمّ خالد بن الوليد المخزوميّ. والفاكه هو الزوج لهند أمّ معاوية، قتل عنها بالغميصاء؛ ثمّ حفص بن المغيرة، مات؛ ثمّ صخر (أبو سفيان) بن حرب. (المحبّر: ٤٣٧).

٢٧٣

عمرو؛ إلّا أنّه جعل الأمر وكأنّه بعد أن صارت النابغة إلى العاص وليس عكس ذلك أي: لـمّا واقعها عدّة رجال منهم العاص بن وائل فحملت بعد ذلك، فلمّا وضعت حملها سئلت: بمن يلحقوه؟ فاختارت العاص: فعلى ذلك؛ كان على عمرو أن يقول: إنّ النابغة وقع عليها العاص في رجال...، ويتمّ الخبر كما هو، وكيفما قال عمرو فإنّ النابغة لم تسمّ بذلك إلّا لنبوغها في الزنا، وهي من ذوات الرايات.

فحال عمرو في الانتساب إلى العاص مثل حال انتساب معاوية إلى أبي سفيان. إنّ انتساب عمرو إلى النابغة، هو الثغرة الأولى التي ينفذ منها كلّ من أراد تنقّصه وتوهين أمره؛ فإذا ذكره قال: يا ابن النابغة؛ وأعرض عن كفره وكشف عورته يوم صفّين ووشايته بجعفر وجماعته لدى النجاشيّ، وعدم غيرته وهو يرى رجلاً مع امرأته في فراشه؛ فإنّ النابغة غطّت على كلّ هذه الفضائح وغيرها وقد خاطبه سيّد الصادقين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام، يوم صفّين بذلك، لـمّا وقع الخلاف عند كتابة وثيقة التحكيم، فرفض ابن هند وابن النابغة صيغة الكتاب وامتنعا من تسمية عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام، مثلما كان من مشركي قريش في صلح الحديبيّة، إذ أصرّ مفاوضهم سهيل بن عمرو على محو عبارة (رسول الله) من وثيقة الصلح. وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى ذلك، طاعناً بإسلام عمرو وحزبه، فقال عمرو: سبحان الله! ومثل هذا شبّهتنا بالكفّار ونحن مؤمنون؟ فقال له عليّعليه‌السلام : (يا ابن النابغة، ومتى لم تكن للكافرين وليّاً وللمسلمين عدوّاً، وهل تشبه إلّا أمّك التي وُضعت بك!)(١) .

المعاوية تكشف عورات حرب

قال ابن عبّاس: قدِمت على معاوية وقعد على سريره وجمع أصحابه، ووفودُ العرب

____________________

(١) وقعة صفّين: ٥٠٨.

٢٧٤

عنده، فدخلت وسلمت وقعدت، فقال: مَن الناس يا ابن عباس؟ فقلت: نحن. قال: فإذا غبتم؟ قلت: فلا أحد! قال: ترى أنّي قعدت هذا لا مقعد بكم؟ قلت: نعم، فبمن قعدت؟ قال: قال: بمن كان مثل حرب بن أميّة.

قلت: من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه. قال: فغضب وقال: وارِ شخصك شهراً قد أمرت لك بصلتك وأضعفتها لك. فلمّا خرج ابن عبّاس قال لخاصّته: ألا تسألوني ما الذي أغضب معاوية؟ إنّه(١) لم يلتق أحد من رؤساء قريش في عقبه أو مضيق مع قوم إلّا لم يتقدّمه أحد حتّى يجوزه، فالتقى حرب بن أميّة مع رجل من بني تميم في عقبة فتقدّمه التميميّ، فقال حرب: أنا حرب بن أميّة، فلم يلتفت إليه التميميّ وجازه، فقال: موعدك مكّة؛ فبقي التميميّ دهراً، ثم أراد دخول مكّة فقال: من يجيرني من حرب بن أمية؟ فقالوا: عبد المطلب. قال: عبد المطلب أجَلّ قدَراً من أن يُجير على حرب! فأتى ليلا دارَ الزبير بن عبد المطّلب فدقّ عليه، فقال الزبير للغَيْداق(٢) : قد جاءنا رجلٌ إمّا طالب حاجة وإمّا طالب قِرىً وإمّا مستجير، وقد أعطيناه ما أراد.

قال: فخرج إليه الزبير، فقال التميميّ:

لاقَيْتُ حَرْباً في الثَّنِيّةِ مُقْبِلاً

والصبحُ أبْلَجَ ضَوؤُهُ للساري(٣)

فَدَعا بصوتٍ واكتَنَى لِيَرُوعَني(٤)

ودَعا بِدَعْوتِهِ يُريدُ فَخاري

فتركتُه كالكلبِ يَنبَحُ وحدَهُ

وأتيتُ أهلَ معالمٍ وفَخَارِ

____________________

(١) عائدة إلى حرب بن أميّة.

(٢) الغَيداق بن عبد المطّلب، واسمه نوفل، وأمّه ممتّعة بنت عمرو الخزاعيّة (جمهرة النسب: ٢٩، النسب: ١٩٧، الاشتقاق: ٤٧. وفي نسب قريش: ١٨: الغيداق، واسمه مصعب).

(٣) الثّنيّة: طريق الصعبة. أبلَجَ: أشرق وأضاء.

(٤) يروعني: يفزعني.

٢٧٥

لَيْثاً هِزَبراً يُستجارُ بقُربِه

رَحْبَ المباءةِ مُكِرماً للجارِ(١)

ولقد حلفتُ بزمزمٍ وبمكّةِ

والبيت ذي الأحجار والأستارِ

إنّ الزبير لَمانعي من خوفِه

ما كبَّر الحُجّاجُ في الأمصارِ

قال: تقدّم فإنّا لا نتقدّم من نُجيره. فتقدّم التميميّ فدخل المسجد، فرآه حرب فقام إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف فعدا حتّى دخل دار عبد المطّلب، فقال: أجرني من الزبير، فأكفأ عليه جفنةً كان عبد المطّلب يطعم فيها الناس، فبقي هناك ساعةً ثمّ قال له: أُخرج. فقال: كيف أخرج وتسعة من ولدك قد احتَبَوا بسيوفهم على الباب؟! فألقى عليه رداء كان كساه إيّاه سيف بن ذي يَزَن، له طرّتان خضراوان. فخرج عليهم فعلموا أنّه قد أجاره، فتفرّقوا عنه(٢) .

مكرمة جديرة بالذكر

من الإنصاف ذكر مكارم الناس وليس الاقتصار على الخوض في مثالبهم مهما كان خمول ذكرهم.

قال محمّد بن كعب: إنّا لجلوس مع البراء في مسجد الكوفة إذ دخل قاصّ، فجلس فقصّ، ثمّ دعا للعامّة والخاصّة، ثمّ دعا للخليفة، ومعاوية يومئذ خليفة!

فقلنا للبراء: يا أبا إبراهيم! دخل هذا فدعا للعامّة والخاصّة، ثمّ دعا لمعاوية فلم نسمعك قلت شيئاً، فقال: إنّا شهدنا وغِبْتُم، وعلما وجهِلْتم، إنّا بينا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحنين إذ أقبلت امرأة فوقفت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: إنّ أبا سفيان ومعاوية أخذا

____________________

(١) هِزَبر: شديد صلب. المباءة: المنزل، المحيط.

(٢) المحاسن والمساوئ، للبيهقيّ: ٨٩ - ٩٠، المحاسن والأضداد، للجاحظ: ٨٦ - ٨٧. وهذا معنى قول ابن عبّاس: (من أكفاً عليه إناءه وأجاره بردائه).

٢٧٦

بعيراً لي فغيّباه عليَّ. فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً إلى أبي سفيان بن حرب ومعاوية: أن ردّا على المرأة بعيرها. فأرسلا: إنّا والله ما أخذناه، وما ندري أين هو. فعاد إليها الرسول فقالا: والله ما أخذناه وما ندري أين هو. فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى رأينا لوجهه ظلالا ثمّ قال: انطلق اليهما فقل لهما: بل والله إنّكما صاحباه، فأديّا إلى المرأة بعيرها. فجاء الرسول إليهما وقد أناخا البعير وعقلاه فقالا: إنّا والله ما أخذناه، ولكن طلبناه حتّى أصبناه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذهبا(١) .

وقفة أخرى مع أميّة

فيما تقدّم، ذكرنا أنّ أميّة عبدُ عبدِ شَمْس، روميّ اشتراه عبد شمس من أرض مصر ثمّ أعتقه واستحلقه فصار يعرف بأميّة بن عبد شمس.

وإذا وقع شكّ في عبوديّة نسب أميّة؛ فلا شكّ في عبوديّة السبب! وقبل الحديث عن هذه باختصار نقول: لم يكن لأميّة في نفسه ميزة أو خليقة ترفعه إلى شرف ونُبْل. ولو افترضنا نسبته إلى عبد شمس، فلم يكن لهذا في نفسه ميزة كذلك؛ إنّما يذكر بأبيه وبأخيه هاشم الذي كان يكفل عيشه ويسدّ مسغبته(٢) .

ثمّ إنّ أميّة إنّما صار شيئاً مذكوراً ببنيه(٣) الذين إنّما أحيا ذكرهم ما قرنهم ببني هاشم، إذ صاروا خصوماً ألدّاء لهاشم وبنيه فلا يذكر الهاشميين ذاكر إلّا ذكر معهم الأمويّين مهما كانت المناسبة والذكر.

وذكره المقريزي أيضاً فقال: (ولم يكن أمية هناك...، وكان مضعوفاً وكان صاحب عهار)(٤) .

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ٧٢ - ٧٣.

(٢) انظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ٤٦٦.

(٣) النزاع والتخاصم، للمقريزي: ٢١.

(٤) نفس المصدر السابق: ٤١.

٢٧٧

ونورد نصّين نستجلي منهما حقيقةً مهمّة في أميّة:

في كتاب كتبه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى ابن هند، عقد فيه موازنة بين هاشم وأميّة وبين حرب وعبد المطّلب وبين نفر من آل هاشم ونفر من آل أميّة؛ وفيه: (وليس المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق)(١) .

ويقول أبوطالب من أبيات أنشأها حين تظاهر عليه وعلى رسول الله، بنو عبد شمس، ونوفل.

توالى علينا موالينا كلاهما

وإذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر

بلى لهما أمر ولكن تراجما

كما ارتجمت من رأس ذي القلع الصخر

أخصّ خصوصاً عبد شمس ونوفلا

هما نبذانا مثل ما نبذ الخمر

قديماً أبوهم كان عبداً لجدّنا(٢)

بني أَمَة شهلاء جاش بها البحر

فهاتان شهادتان صادرتان من رجلين برَّيْن تقيّين يتحرّجان القولَ من غير علم، ويأنفان أن تأخذهما الحميّة فيتعمّد الهجاء؛ وإذا أخبرنا؛ لم يصدرا إلّا عن صدق وإنصاف.

ففي قول أمير المؤمنين إذ يخاطب ابن هند فيصفه بـ (اللصيق)؛ فليس أدلّ في اللغة العربيّة على انتحال أميّة نسبه إلى عبد شمس.

وفي قول أبي طالب زيادة في الدلالة وتفصيلاً لـِما أجمله ولده أمير المؤمنينعليهما‌السلام.

فقد نصب (بني) - في آخر بيت - بإضمار فعل يخصّص من كان أبوهم عبداً لجدّ الطالبيّين، فالمعنيّون في البيت: بنو أميّة بقرينة نصب (بني) بفعل (أعني أو أخصّ) وبهذا التقدير يتّسق البيت ويتّضح معناه.

____________________

(١) من كتاب لهعليه‌السلام جواباً على كتاب معاوية إليه، وهو في نهج البلاغة - باب الكتب رقم ١٧.

(٢) إشارة إلى واقعة استبعد فيها عبد المطلب أميّة عشر سنين، يأتي خبرها.

٢٧٨

والملفت أنّه أنّث الموصوف (أمة) وأتبع ذلك بتأنيث الصفة (شهلاء) وتأنيث الضمير (بها). أنّث كلّ ذلك باعتبار اللفظ ثمّ أنّثه قاصداً إلى تأنيثه استصغاراً له وتعويضاً عن تصغير لفظه الذي لا يستقيم معه الوزن لو جاء بلفظ (أميّة) فكأنّه حين أراد المصغر ولم يُواتِه الوزن، جاء بمُكبَّرهِ (أمَة) ثمّ دلّ على ما يريده منه بتوهين أمره واستصغار شأنه بهذا التأنيث المطّرد وبهذا الوصف الزريّ.

والبيت صريح بأنّ أميّة ممّا قذفه البحر إلى الحجاز مع هذه التجارة التي كانت ترد إلى مكّة من الروم وغيرها.

ولا يجيش البحر بسلع آدميّة إلّا الرقيق والإماء! وليس عبثاً انتقاء أبي طالب كلمة (شهلاء)، فهي صفة لا تعرف بها العين العربيّة التي هي في الأغلب سوداء؛ والشّهلة دون الزرقة، وهي صفة عرفت بها العين الروميّة، أو ربّما كثرت هذه الصفة في عيون الروم.

ويؤيّد ذلك، ما ذكرناه من نقيضته التي ناقض عصره ومحيطه الاجتماعيّ بها؛ المتمثّلة في استلحقاه عبده (ذكوان) وتسميته (أبو عمرو) ثمّ تزويجه امرأته في حياته، فهو بهذه الإباحيّة والتردّي في أخلاق ليست من أخلاق العرب في جاهليّتهم من شيء، وإنّما تناقضها تماماً إذ كانت الحميّة تطبع العصر الجاهليّ وتدمغ العفاف بسنّة قاسية غشوم تلك هي سنّة الوَأْد هرباً من خيال العار! وحرصاً على المرأة من تلك المهاوي الوقاح.

وربّما صلح هذا الأسلوب من أساليب الفسق الذي لا يعرفه العرب في الدلالة على الشكّ في نسبه وأيّد القول بعروضه على مكّة من وراء البحر حيث تشيع أمثال هذا المجون الذي يأنفه العرب وينكرونه(١) .

____________________

(١) نذكّر بما ذكرناه: فهو أميّة؛ تصغير أمَة؛ وهو عبد روميّ مُتبنّى؛ وتبنّى عبده (ذكوان) فسمّاه (أبو عمرو)؛ وزوّجه من امرأته.

٢٧٩

ومن هذا شأنه، فهو منبت كلّ سوء، ولذا تجد فيه الحسد لمن طار صيته في الآفاق ونطق بمجده الصغير والكبير؛ وورث هذا الحسد بنوه أصالةً أو بالاستلحاق مع مصاهرة على امرأته!! فهم يتنسمون الزندقة والإباحيّة والدياثة..؛ وبغض هاشم وبنيه، كلٌّ بغَضَه بوُسع حاله، فمنهم من نافرَه فنفرَه القمرُ الباهر فنفاه عن مكّة إلى الشأم عشرَ سنين.

وعاد اللصيق من منفاه في الشأم وكانّه ذهب في تجارة استغرقت منه عشر سنين في الذهاب والإياب والمتاجرة بماذا؟! وعاد إلى مكّة لم يفد من نفيه إلّا إلحاحاً على العناد وإسرافاً في الفساد ومضيّاً في الحسد وإيغالاً في العداوة؛ وكأنّ ابتعاده إلى تلك الأراضي قرّبه من أنفاس أبناء جلدته؛ ولـمّا وجد هاشماً قد أودع مكارمه (شيبة الحمد) وارتحل؛ فظنّ واهماً أن يصيب بعض الفوز مع عبد المطّلب بعد أن أخفق مع هاشم؛ إلّا أنّ اللصيق مضى يستفزّ عبد المطّلب ويلحّ إلى أن اضطرّ عبد المطّلب إلى قبول منافرة اللصيق ومراهنته؛ إلّا أنّه جعلها مناسبة للقضاء على معنويّة أمويّة وتحقيره وإهانته بما هو أهل له. ولم يكن رهاناً، إنّما امتحاناً صعباً لولا الروحيّة العظيمة وقدس الذات وصفاء النفس الّتي كان عليها عبد المطّلب، لـما أقدم على أمر يتساوى في عقباه مع أميّة؛ إذ طلب إجراء فرسين واحد له والآخر لأميّة، وشرط على المغلوب مائة من الإبل وعشرة من الأعبد، ومثلها من الإماء، واستعباد سنة، وجزّ الناصية وهو علامة على الاستعباد، يشقّ على من عوقب به تحمّله.

فهل مثل عبد المطّلب يضع مثل هذه الشروط وهو لا يدري أنّ فرس أميّة تجري مجرى فرسه وأنّ كلاّ منهما عرضة للكبوة؛ فكيف يكون أمره لو فاز أميّة في هذا الامتحان؟! فلتذهب الإبل وغيرها، أمّا أن يصبح عبد المطّلب - حاشا له! - عبداً

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ـ ٣ ـ

البُلدانُ التي انتقل إليها سادة من ذرّيّة العبّاس عليه السلام

من كتاب (منتقلة الطالبية)

أورد السيّدُ الشريفُ النسّابة إبراهيم بن ناصر بن طباطبا أبو إسماعيل ، في كتابه القيّم (منتقلة الطالبيّة) مَنْ ذُكِر مِن المُنتقِلة من أولاد سيّدنا أبي الفضل العبّاس عليه السلام إلى مُختلف البُلدان ، ولِسعة المساحة الّتي شملتهم ؛ رأيتُ من الضروريّ ذكر أسمائها حسب حروف المعجم ؛ إتماماً لِفائدة هذا المُلحق ، فقال :

ذكرُ من ورد منهم بأصْفَهان : (ص ٢٧).

وبَغْداد (ص ٦٧) والبَصْرَة (ص ٨٣) وبَرْذَعَة (ص ٨٨) وبُرُوْجِرْد (ص ٨٩).

وتنّيْس : (ص ١٠٢) وَثَنِيّة : (ص ١٠٥).

والجُحْفَة : (ص ١٠٧) والجَبَل : (ص ١١١) وجُرْجَان : (ص ١١٧) وحَرَّان (ص ١٢١).

وحِمْص : (ص ١٢٧).

ودِمْياط : (ص ١٣٤).

والرَحْبَة : (ص ١٤٤) والرَمْلَة : (ص ١٤٧) والرَيّ : (ص ١٦٥).

وزَبِيْد : (ص ١٧٠).

٣٠١

وسُوْراء : (ص ١٧٦) وسُرَّ مَنْ رَأَى : (ص ١٧٧) وسَمَرْقَنْد :(١٨٣) .

وشِيْراز : (ص ١٩٧).

وصَعْدَة : (ص ٢٠٠).

وطَبَرِيّة : (ص ٢٠٤) وطَبَرِسْتان : (ص ٢١٤).

وقَصْر ابن هُبَيْرَة(١) : (ص ٢٤٣) وقَزْوِيْن : (ص ٢٥٠) وقَهر : (ص ٢٥٨).

والكُوْفَة : (ص ٢٧٧).

والمَغْرِب : (ص ٢٨٧) ومِصْر : (ص ٣٠٣) ومَكَّة المُكَرَّمَة : (ص ٣٠٧) ومهْجَم في اليَمَن : (ص ٣١٧) ومَرْو الرُوْذْ : (ص ٣٢٢).

ونصِيْبِيْن : (ص ٣٣١).

وقد ذكر السيَد أسماء من بكُلٍّ مِن هذه المُدُن ، لم نذكرها ؛ اقتصاراً على ذكر بعضهم في ما نقلناه من كتابي «المجديّ والعُمدة». كما ورد ذكرهم في فهرس الأعلام وفهرس البلدان والمواضع ، من فهارس الملحق الثاني من الفهارس العامّة.

__________________

(١) هي بلدة (المُسَيِّب) على طريق كربلا إلى بغداد.

٣٠٢

ـ ٤ ـ

ذرّية أبي الفضل العبّاس عليه السلام في بلاد اليمن السعيدة

أوّلاً :

الأسرُ العلويّة العبّاسيّة الأشراف من ذرّية أبي الفضل العبّاس عليه السلام :

١ ـ بيت المأخذي :

قال الحَجْري في (المأخذ) : من قرى (عمران) جنب صنعاء : بها الأشراف بيت المأخذي من ولد العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام(١) .

٢ ـ بنو المُطاع :

وقال الحجري : وبنو المُطاع من أشراف اليمن ولد العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب عليه السلام(٢) .

وقال تحت عنوان (البوس) جنب صنعاء ، يسكنون بيت المطاع. وكذلك في (سنحان).

وفي ذكر (حدّة) من قرى بني شهاب ـ وهي من أجمل قرى صنعاء ، وبالقرب من حدّة قرية (سنع) وهي تشابه حدّة في النخيل والأشجار ،

__________________

(١) الحجري ج ٢ ص ٦٨٣ حرف الميم مع الألف.

(٢) في (ص ٧١٠).

٣٠٣

وفيها قبر القاضي جعفر بن أحمد بن عَبْد السلام بن يحيى الأنباري البُهلوليّ المتوفّى سنة ٥٧٣.

وقال : ويسكن (سَنَع بالقرب من حدّة) من ناحية البستان من صنعاء ، من الأشراف : بنو المُطاع ، من ولد العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام(١) .

٣ ـ بنو المضواحي :

قال الحَجْري : (المضواح) من قرى (حجّة) إليها يُنسب السادة (بنو المضواحي) وهم ولد العبّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام(٢) .

٤ ـ بيت الشامي :

قال الحَجْري تحت عنوان (النادرة) : وهذه الناحية تشمل مخلاف الشِعِر ، ثمّ قال : وفي الشِعِر : الأشراف (بيت الشامي) في (المصنّعة) و(بيت المضواحي) أيضاً(٣) .

٥ ـ بنو محسن :

قال البغدادي : بنو مُحْسِن : وهُمْ أَوْلاد المُحْسِن بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللهِ بن مُحَمَّد اللَّحْيانِيّ ابْن عَبْد اللهِ بن (الحَسَن) بن عُبَيْد اللهِ الأَمِيْر ابْن الحَسَن بن عُبَيْد اللهِ بن العبّاس بن عَلِيّ بن أَبِي طالِب عليه السلام.

قال العُمَريّ : كانُوا بِنَصِيْبِيْن.

__________________

(١) الحجري (ص ١٢١).

(٢) الحَجْري (ص ٧١٠).

(٣) الحَجْري : (ص ٧٢٩).

٣٠٤

قُلْتُ : عُبَيْد اللهِ الأَمِيْر المذكور في سياق النَسَب هو المعروف بـ (قاضِي قُضاة الحَرَمَيْن).

ولُمحَمَّد اللِّحْيانِيّ جدّ بَنِيْ مُحْسِن هؤلاء عِدّةُ أَوْلاد مُعْقِبِيْن ، منهم : هارُوْن ، وإبْراهِيْم ، وحَمْزَة ، وعُبَيْد اللهِ (جدّ بَنِيْ محسن) ودَاوُد الخَطِيْب ، وسُلَيْمان ، وطاهِر ، والقاسِم ؛ صاحب أَبِي مُحَمَّد ، الحَسَن العَسْكَرِيّ عليه السلام كما في (العُمْدَة).

و(بَنُو مُحْسِن) هؤلاء هم غير بَنِيْ مُحْسِن المُوْسَوِيّين ، فإنّ الأَخِيْرِين هم بَنُو مُحْسِن بن عَلِيّ بن الحُسَيْن بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الحُسَيْن (الحَسَن خ ل) عَزِيْزي ابْن الحُسَيْن بن أَحْمَد بن إسْحاق بن إبراهِيم العَسْكَريّ ابن مُوْسَى أَبِي سُبْحَة ابْن إبْراهِيْم المرتضى الأَصْغَر ابْن الإمام مُوْسَى الكَاظِم عليه السلام. وكانوا بالمشهد الغروي (النجف الأَشْرَف) على ما حكاه صاحب (العُمْدَة)(١) .

ثانياً :

من الأعلام في اليمن من ذرّية أبي الفضل العبّاس عليه السلام

١ ـ إبراهيم بن إسماعيل بن علي(٢) [ـ ـ ـ ق ٣ هـ تقريباً].

الإمام الكبير شيخ الأئمّة والعلماء ، صدر زمانه إبراهيم بن إسماعيل بن

__________________

(١) معجم ألقاب بيوتات الطالبيين في كتاب المجدي للبغدادي (مخطوط).

(٢) ترجمته في : عمدة الطالب (٣٢٧ ، ٣٢٨) ، أخبار فخ (١١٤) وعنه روى صاحب أخبار فخ خبراً واحداً عن حمزة بن القاسم عن أبيه عن (جدّ صاحب الترجمة) علي بن إبراهيم.

٣٠٥

علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

إمام كبير وأُستاذ خطير ، أخذ عنه جلّة من العلماء ، وهو شيخ شيخ أبي العبّاس الحسني ؛ وذلك أنّ أبا العبّاس تلميذ أحمد بن سهل الرازي ، وأحمد بن سهل أخذ عن إبراهيم هذا(١) .

٢ ـ إبراهيم بن المحسّن العلوي(٢) [ـ ـ ـ ق ٤ هـ]

السيّد الأمير المقدام إبراهيم بن المحسِّن بن الحسين بن (علي بن عبيد الله ابن الحسن بن عُبيد الله) بن العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : أمير منشور الرايات والأعلام ، مشهور الآراء والعلوم ، عدّه في طبقات الزيدية من كبارهم ، وذكره في خيارهم ، وسرد له ملاحم في القرامطة مع الناصر أحمد بن يحيى.

قال مُسَلّم : وأنا أحسب أنّ إبراهيم بن المحسِّن هذا أحد العلويين الّذين بورْورَ(٣) ونواحيها من بلاد بكيل وحاشد ، أخبرني بذلك رجل منهم فيه خير يقال له : أحمد بن محمّد بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن المحسِّن.

قلت أنا : وفي ظنّي أنّ المحسِّنين من العبّاسيين منسوبون إليه رحمه الله تعالى.

__________________

(١) البدر الطالع (١ / ١٣٨) ١٦٠.

(٢) ترجمته في : طبقات الزيدية (ق ٣ / ١ / ٧٢) ، سيرة الإمام الناصر وصوّبناه على عمدة الطالب.

(٣) ورور : جبل أسفل وادي شوابة بالشرق الجنوبي من حمر وبالشمال من ذيبين ويعرف اليوم باسم ظفار داود (معجم المقحفي : ٦٩٥).

٣٠٦

وممّا قيل فيه من الشعر قول(١) عبد الله التميمي [من البسيط] :

ما زلت بالسيف تمضي جاهداً قُدُماً

حتّى ملكتَ قِنان الرأس من شظب

دون الّذي شرّف الإسلام صارمُه

ومجده ، وحمى بحبوحة العرب

الناصر الدّين أعلى دين والده

عن القرامط بالهنديّة العضب

إلى آخر الأبيات.

قلت : وحفيده أحمد بن علي بن إبراهيم كان موصوفاً بالعلم إلاّ أنّي لم أثق له بالسلامة من مذهب مطرَّف بن شهاب ولم أعرف حاله ولعلّه مصون إن شاء الله.

وأحمد هذا حكى أخبار جدّه إبراهيم صاحب الترجَمة ، وقال : أنّه ولي للناصر أعمال المشرق ، والجوف الأعلى ، ومطره ، وملح وبران ، ومسورة. ثمّ وَلِيَ أعمال ريدة والبون ، وقال : مسكنهم بأرض مال الله ، وأنّ جدّه المحسن والد إبراهيم ؛ هاجر إلى الهادي عليه السلام.

وذكر أحمد بن علي بن إبراهيم المذكور : أنّه اجتمع الأشراف وسائر الناس إلى طلحة الملك بناحية الجراف من ظاهر بني صريم ، وهم لا يرون إلاّ أنّ الحسين بن القاسم عليهما السلام قُتل بذي عرار ، فعزّوا فيه إلى أخيه علي بن القاسم بن علي ، والأشراف لم ينصرفوا حتّى أقبل أخوه الأمير جعفر بن القاسم من بلاد خولان ، فلمّا تلقاه الأشراف معزّين غَضِب وقال : لا يكون إن شاء الله! ومال ناحيةً بوجوه هله وبوجوه الأشراف فلامَهُم على

__________________

(١) أراد قلم مخالف إقحام : أبي.

٣٠٧

الاعتراف بقتل الحسين ، وقال : بمثل هذه العقول تُلاقون(١) الناس؟! إنّ هَمْدان وَكْرُنا ؛ فإذا نسبنا إليهم قتلَه ونقمنا بالثأر ؛ لم يصلح ، وإنْ كَتَمْنا ؛ لحق النقص. فأظهروا حياتَه.

٣ ـ أحمد بن سليمان العلوي(٢) [ـ ـ ـ ـ ق ٧ هـ]

السيّد الشريف العلّامة البليغ اللسان أحمد بن سليمان العلوي العبّاسي رحمة الله.

كان من وجوه العلماء ، وعيون البلغاء ، له القصائد الغرّ ، والمقام المنيف ، ومن شعره في الإمام السعيد ، أحمد بن الحسين عليه السلام يهنّيه [من الطويل] :

ألذُّ الهوى ما كان أعرى عن الهُجْر

وأسلمُ من ليلِ التباريح والهَجْرِ

وما أخلصتْ فيه العذارى وِدادَها

ولمْ تطوِ أسرار القلوب على غدرِ

طربتُ وقد ولّى الشبابُ وقَلّما

أرى طَرباً بعدَ الشباب لذي حِجْر

وكائن(٣) زجرتُ النفس عن سُرعة الهوى

مراراً ، فلم تُقْصرْ فَصُمْتُ عن الزجْرِ

__________________

(١) بد : يلاقون.

(٢) سيرة الإمام المهدي : أبو طير ، تاريخ اليمن الفكري (٤ / ١٥).

(٣) بد : وكان.

٣٠٨

فكنْ لي عذيراً في البُكاء فإنّني

أسيرُ هوىً أوْلى من الغزل العُذري

فلستُ بناسٍ عهدَ ليلى وحُبّها

ولا تارِكاً تذكارَ مَن حَلّ في حِجْري

ولا صارفاً عن حبّ أحمدَ مُهجتي

إمام الهُدى المَهدِيّ ذِي العِزّ والفخرِ

مجدّدُ رسمِ الحقّ بعدَ دُروسه

وكالِئ سَرْحِ الدينِ من شِيَعَ الكُفرِ

لكَ الله كمْ أقررتَ من عينِ مسلمٍ

وأبكيتَ عيناً من غويٍّ أخي فُجْرِ

وعطّلتَ داراً من ضلالٍ فأصبحتْ

بسَعدِكَ داراً للتلاوَةِ والذِكرِ

وكمْ مأتمٍ للنائحاتِ أقَمْتَهُ

على الكُفرِ بِالبيضِ المُشطّبةِ البُتْرِ

٤ ـ أحمد بن محمّد بن حاتم العلوي(١) [ـ ـ ـ ـ ق ٧ هـ]

السيّد الشريف الباسل العلم العلّامة العامل أحمد بن محمّد بن حاتم ابن الحسين العلوي العبّاسي ، من ولد العبّاس بن علي بن أبي طالب ، قمر آل الرسول سلام الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) سيرة الإمام المهدي : أبو طير ، تاريخ اليمن الفكري (٤ / ١٦).

٣٠٩

كان عالماً فاضلاً ، كامل الصفات ، حميد الذات ، بليغاً مفوَّهاً ، ومع ذلك فله الهمَّة العالية في الجهاد ، وتكتيب الكتائب ، وتقنيب المقانب ، له البلاء الحسن في المشاهد الهائلة مع الإمام أحمد بن الحسين عليهم السلام ، وكان من أهل التقدّم والحفاظ ، يلي أمر الجند في بعض الغزوات ، وان له من أهل بيته الكريم حاشية.

ومن شعره في الإمام أحمد بن الحسين ، يوم حَضْوَر ـ من الأيّام المشهورة بين الإمام وسلطان اليمن الأسفل ـ وذلك أنّ سلطان اليمن طمع في أخذ حصن الشيخ سيف الدين منصور بن محمّد المُسمّى بالنوّاش ؛ فردَّ الله كيده ، فأعملَ الحيلةَ بخراب حضور الشيخ ؛ فجهّز عساكره وقوّاهم بالسلاح ، وجعل كميناً في شقّ(١) القرية ، يقطع المادّة من قبل الإمام ، وتقدّم السلطان إلى نقيل كثير.

فلمّا بلغ أصحابه تقدّمه ، أخربوا في(٢) القرية ، ثمّ قدَّم الإمام الكتائبَ كتيبةً بعد كتيبةٍ ، فيهم أهل النجدة ، وفي كلّ كتيبة رئيس من الكُفاة ، فتلازم الناسُ بالقتال إلى قريبٍ من نصف النهار ، ولحق أعداء الله الفُتورُ والمَلَلُ ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً ، فانكسرَ أصحابُ السلطان ، وقُتِّلُوا تقتيلاً ، ونُهبتْ أسلحتُهم وأثقالُهم ، وذلك يومَ الأحد لِليالٍ خلونَ من جمادى الأُخرى سنة ٦٤٦ هـ [من الطويل] :

__________________

(١) بد ، هد : سوق.

(٢) (في) ليست في بد.

٣١٠

كذا فليكنْ شيدُ(١) العُلا والمكارمِ

لِمَنْ يبتغي ملكَ المُلوك الأكارمِ

ومَنْ رامَ إطفاءَ الضّلالةِ لم يجدْ

سبيلاً لغيرِ المُرهفاتِ الصوارمِ

وبالسّمهريّاتِ الدّقاقِ لَدَى الوَغى

وبالأعوَجِيّاتِ الجِيادِ الصلادمِ

وكلّ طويل الباع أرْوَعَ باسلٍ

جميلِ المُحيّا مِنْ ذُؤابةِ هاشمِ

خليليَّ إمّا تسألانيْ فإنّنيْ

خبيرٌ بأنّ العِزّ تحتَ اللهاذِمِ

ألمْ تَرَيا جُنْدَ الإمامِ وقدْ أَتَتْ

إليهم جُيُوشٌ مِنْ جُنُودِ الأعاجِمِ

فلمْ تَكُ إلاّ لَحْظةَ العينِ بَيْنَنا

وهَبَّتْ رياحُ النصرِ عندَ التفاقُمِ

فولّى جُنُودُ الظُلمِ واللهُ ناصرٌ

ونحنُ عليهمْ كاللُّيُوثِ الضراغِمِ

نَسُوقُهُمُ بِالسّيفِ كالشاءِ ساقَها الذْ

ذِئابُ ، وسوقَ الصَّقْرِ بُكْمَ الحمائِمِ

فلمْ تتحَلَّ الحربُ إلاّ وقدْ غَدَتْ

جماجمُ أرجاسٍ عقيبَ جماجِمِ

فكمْ مِنْ قتيلٍ في الفلاةِ مُجَدَّلٍ

ومُستَسلِمٍ مِنْ مالِهِ غيرِ سالِمِ

وكمْ مِن جوادٍ أعْجَمِيٍّ مُطَهَّمٍ

وأَسْمَرَ خِطِيٍّ وأبيضَ صارِمِ

وفضفاضةٍ مثلِ الأَضاةِ وبَيْضَةٍ

تَلُوحُ كَما لاحَتْ نُجُومُ النَعائِمِ

فآبَتْ جُيُوشُ الظالِمِينَ بِحَسرَةٍ

وأُبْنَا إلى أوطانِنا بِالغَنائِمِ

وولّى ابنُ يحيى هارِباً مُتَخَفِّراً

وقدْ كانَ مَعْدُوداً لِكَشفِ العظائِمِ(٢)

وقال : أَلا يا ليتني مُتُّ قبلَها

ولمْ يَكُ مالِيْ قِسمَةً في الغنائِمِ

وليتَ حَضَوراً لمْ أكُنْ حاضِراً بِها

ويا لَيْتَها كانَتْ كأحْلامِ نائِمِ

ويا ليتَ أنَّ ابنَ الرَّسولِ ومُلْكَهُ

هَباءٌ ولمْ نلبسْ ثيابَ الهزائِمِ

__________________

(١) بد ، هد : شد.

(٢) المقصود به : علي بن يحيى العنسي ، وقد سبق التعريف به.

٣١١

وهذا القدر كافٍ دليلاً على فصاحته رحمه الله تعالى.

٥ ـ أسعد بن الحسين العبّاسي [ـ ـ ـ ـ ـ ـ]

الشريف أسعد بن الحسين العبّاسي رحمه الله : ذو مناقب دثرة ، ومفاخر كثرة ، وأحد الفصحاء والأبطال النصحاء ، وحسبه أنّه في قضية نوسان من أعمال الشرف ؛ لمّا توافقوا للحرب بباب الحصن المعروف بالمحراس ، وخرج البغاة من الحصن ؛ لقيهم الشريف أسعد بوجهه البسّام وحسامه القصام ، وهو يقول رحمه الله [مرتجزاً] :

لِمِثلِ هذا اليومِ سُمِّيْتُ الأسدْ

أضربُ ضرباً لم يُعاينهُ أحَدْ

بسعدِ مولانا الإمامِ المُعتَمَدْ

أرجُو بِذاكَ الفَوزَ منْ فَرْدٍ صَمَدْ

لمْ يتّخذْ صاحبةً ولا وَلَدْ

٦ ـ حمزة بن أحمد بن داود العلوي [ـ ـ ـ ـ ـ ـ]

الشريف الكامل حمزة بن أحمد بن داود بن يحيى بن احمد بن محمّد ابن حاتم بن الحسين بن المبارك المحسن بن الحسن بن علي بن عيسى ابن موسى بن أبي جعفر بن محمّد ، الشهيد صاحب الهادي عليه السلام العلوي العبّاسي.

كان فاضلاً نبيهاً ، وهو الّذي أمر بعض السادة العارفين بالأنساب أن يجعل «مُشجّراً يحفظ فيه أولاد أبي الفضل العبّاس بن علي بن أبي طالب» ففعل وأجاد.

٣١٢

٧ ـ عبد الله بن علي بن محمّد العبّاسي [ـ ـ ـ ق ٨ هـ]

العلّامة كبيراً ، قرأ ـ على العلّامة يحيى بن محمّد بن يحيى بن حنش ، في مسجد العلات(١) بصنعاء ـ «أُصول الأحكام» وشرح التجريد(٢) وحضر تلك القراءة الشريف عليّ بن محمّد بن عليّ ، من هجرة سمر.

قلت : هو الإمام المهدي لدين الله عليه السلام.

والسيّد المهديّ بن قاسم (من هجرة صوف بحضور ، والقاضي أحمد ابن عيسى من ثاه ، والقاضي عليّ بن قاسم)(٣) من الحياف من بلاد عنس ، والفقيه محمّد بن أحمد بن حنش من ظفار ، والسيّد سليمان بن محمّد بن المطهَّر بن أبي الفتح عليهم السلام.

٨ ـ حمزة بن عامر العبّاسي العلوي [ـ ـ ـ ـ ـ ـ]

الشريف النبيل العارف حمزة بن عامر بن عثور بن هبة الله بن علي بن محمّد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس ابن علي بن ابي طالب رَضِيَ الله عَنْهم.

كان صالحاً معروفاً بالخير والفضل مكيناً(٤) في المناقب محطّاً للرِّحال.

__________________

(١) مهملة في الأُصول ، وما أثبتناه إعجام في : ش ، ولعلّه : العلّاب.

(٢) بد ، ش : التحرير.

(٣) ما بين القوسين ساقط في : ش.

(٤) هد : مكتباً ، وهو تصحيف.

٣١٣

٩ ـ حمزة بن عبد الله العلوي [ـ ـ ـ ـ ـ ـ]

الشريف الفاضل الكامل حمزة بن عبد الله بن الشريف الرضيّ ، من ولد العبّاس من آل الرسول ، وابن علي بن أبي طالب.

كان حمزة سيّداً فاضلاً عالماً.

وهو وقرابته أهل جبر البرّاق(١) بجبل صباح.

١٠ ـ علي بن العبّاس الحسني(٢) [ـ ـ ـ ق ٤ هـ]

الحافظ الواعي لعلوم العترة المترجم عنها العلّامة المبرّز : علي بن العبّاس بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

كان علي بن العبّاس قاضياً بطبرسات زمن الداعي الصغير ، وله تصانيف كثيرة في الفقه وغيره ، منها «كتاب اختلاف فقهاء(٣) أهل البيت» : يذكرُ المسألةَ ، ويقول فيها : قال الحسين ، قال جعفر ، قال زيد ، قال فلان ، وهو كتاب كبير ، ومنها كتاب «ما يجب أن يعمله المحتسب» وكتبه مشهورةٌ بطبرستان ، ذكر ذلك جميعه ابن عِنَبَة النسّابة.

قلت : قد غلط يوسف حاجي في تراجمه فقال : علي بن محمّد

__________________

(١) جبل البرّاق : اسم مشترك لعدّة مواضع ، أُنظر : معجم المقحفي (٦٧ ، ٣٧٣).

(٢) ترجمته في : طبقات الزيدية (ق ٣ / ٢ / ٧٥٤ ـ ٧٥٥) ، لوامع الأنوار ، الروض النضير (ط ١ / ١ / ٣٢) ، عندة الطالب (٨٠) ، تراجم رجال الأزهار (٢٤ ـ ٢٥) ، إجازات المسوري مخطوط لوحة (١٣٥) ، المستطاب (١ / ٣٣ ـ ٣٤) ، أعلام المؤلّفين الزيدية (٦٨٨ ـ ٦٨٩).

(٣) بدلها في بد : الفقهاء.

٣١٤

العلوي العبّاسي صاحب «إجماعات أهل البيت» من ولد العبّاس بن علي.

وقال بهاء الدين : إنّه كان حسينيّاً.

وقال ناصر الرضي : إنّه من ولد القاسم عليه السلام ؛ فهذا غلطٌ ، اللهمّ ، إلاّ أن يكون ثَمّة غير هذا ، وهما رجلان.

قلت : وعليّ بن العبّاس : صحب الناصر للحقّ ، والهادي عليهما السلام.

قال في «حواشي الإبانة» : إنّ عليّ بن العبّاس سُئلَ عن الإمامين؟

فقال : كان الهادي فقيه آل محمّد ، والناصر عالم آل محمّد ، انتهى.

قلت : والناصريّة تفضّل الناصر عليه السلام على الهادي عليه السلام في العلم.

روى في «حواشي الإبانة» أيضاً : عن صالح بن ملكان ، قال : رأيتُ شيخاً مُسِنّاً من العلويّة ، قد أتت عليه من السنين مائةٌ وثمان عشرة قد صحب الناصر والهادي عليهما السلام فسألته عنهما؟ فقال : ألفيتُ الهاديَ كَوادٍ عظيمٍ عريضِ الحافّةِ مُستطيل ، وألفيتُ الناصرَ للحقّ كبحرٍ زاخرٍ بعيدِ القعرِ ، انتهى.

١١ ـ الفضل بن عبد الله بن الحسن العبّاسي [ـ ـ ـ ق ٨ هـ]

السيّد العلّامة البليغ الفضل بن عبد الله بن الحسن بن محمّد العبّاسي رحمه الله.

كان فصيحاً بليغاً ، أيّامَ الإمام الواثق المطهّر بن محمّد ، وكان يسكنُ الجراجيش في ذِمار ، وكان جدّه الحسن بن محمّد رئيساً كبيراً.

وللحسن أخ اسمه صلاح ، وكان رئيساً سامياً خطيراً ، وفي ذلك الصِّفْه(١) عددٌ كبيرٌ من أولاد العبّاس بن عليّ ، منهم من يسكن جبل بني

__________________

(١) مكانها بياض في الأصل ، وما حرّرناه من بقية النسخ. والصفة كما ضبطناها بمعنى الجيل الواحد ولعلّ مقصوده في القرن الثامن الهجري.

٣١٥

الجرادي غربي ذمار ، ومنهم من يسكن خبان.

١٢ ـ الفضل بن علي بن المظفّر العبّاسي(١) [ـ ـ ـ ق ٧ هـ]

الأمير نظام الدين الفضل بن علي بن المظفّر العلوي العبّاسي رحمه الله.

كان أميراً كبيراً متبوعاً حسن الاستقامة ، له «إجازات في علوم عدّة» من إمامه المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام تدلّ على جلالته ، وكان شديد الاختصاص بالإمام ، يقرنه بأولاده في الذكر ، وشهد الحروب ، وحشد القبائل لنصرة الحقّ ، وهو أحد الداخلين إلى الأمير بدر الدين محمّد بن أحمد رضي الله عنه بعد موت الإمام المنصور بالله عليه السلام يطلبونه القيام ، وهو بهجرة قطابر ، فاعتذر وجزم بأنّ المصلحة في عقد الحسبة للأمير الناصر لدين الله محمّد بن أمير المؤمنين المنصور بالله عليهما السلام.

والداخل إلى هُناك(٢) الأميرُ نظام الدين هذا ، والأمير جعفر بن الحسين بن داود الحمزي ، والفقيه العالم الزاهد علي بن أحمد الأكوع.

فقال الأميرُ بدرُ الدين : أمّا أنا فلا أصلح لهذا الأمر ، لأُمورٍ أعرفها(٣) من نفسي ، ولا أعرف مَن يصلحُ لهذا الأمر من إمام سابق ، وأنّه لا يصلح لهذا الأمر إلاّ مَن اختاره الإمامُ المنصور بالله في حياته ، وبرز فيما يدينه بعد مماته ، سلام الله عليه ، وعرف شجاعته وبسالته ـ ـ ـ إلى آخر كلام الأمير.

وسيأتي إن شاء الله تعالى لهذا ذكر.

__________________

(١) السيرة المنصورية (٢ / ٥٩٧ ، ٦٣٨ ، ٨٢٥).

(٢) بد : ذلك.

(٣) مج ، ش : عرفتها ، وما أثبتناه من : بد.

٣١٦

١٣ ـ القاسم بن محمّد بن عبيد الله العلوي [ـ ـ ـ ق ٤ هـ]

السيّد الكامل القاسم بن محمّد بن عبيد الله العلوي العبّاسي.

رئيس كبير وعلامة شهير ، وهو ابن السيّد الهمام محمّد بن عبيد الله الشهيد بنجران أيّام الهادي إلى الحقّ ، واستقرّ هذا الشريف رضي الله عنه بأثافث ، وكان محمود السيرة ، طيّب السريرة ، عالماً خاشعاً ، أعاد الله من بركته.

محمّد بن عبيد الله بن عبد الله بن عُبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أبو جعفر :

كان عالماً كبيراً فاضلاً شهيراً ، فارس بني هاشم المفضال ، خرج مع الإمام الهادي (ت ٢٩٨ هـ) من الحجاز (سنة ٢٨٠) وولي له (نجران ، وخربة بني الحارث) فكان له يومٌ كيوم الطفّ مع الحسين بن علي عليهما السلام.

وقبره بمدينة الأخدود بنجران ، يطلع من جهته النور ، وعنده جماعة من أهله(١) . وهو أحد ثقات الإمام الهادي ، وثار به الهادي ، وأوقع ببني الحارث ومن ظاهرهم(٢) .

وحفيدهُ هو السيّد العلوي ، قمر آل الرسول : علي بن موسى بن أبي جعفر محمّد بن عبيد الله العلوي ، توفّي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة للهجرة ، وقبره بصرح جامع صنعاء غربيّ الصومعة الشرقية(٣) .

__________________

(١) مطلع البدور (٤ / ٣٢٦).

(٢) خلاصة المتون في أبناء ونبلاء اليمن الميمون (الجزء الثاني / ص ٥٨ عن مطلع البدور لأحمد بن أبي الرجال (٤ / ٣٢٦) رقم ١١٧٩.

(٣) خلاصة المتون (٢ / ٥٨) عن مطلع البدور (٣ / ٣٥٦) رقم ٩٤٣.

٣١٧

ـ علي بن محمّد بن عبيد الله بن عبد الله بن (عبيد الله) (١) الحسن بن عُبيد الله بن العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :

نقل ابن زبارة في (خلاصة المتون (٢ / ٨ ـ ٥٩) عن (تاريخ البهاء الجندي الشافعي) قوله : انهمك ابن الفضل(٢) في تحليل محرّمات الشريعة وإباحة محظوراتها (!)(٣) ـ ـ ـ ولمّا بلغ الهاديَ إلى الحقّ يحيى بن الحسين ذلك ، بعث علي بن محمّد بن عبيد الله العبّاسي في جماعة من أصحابه نحو صنعاء وساروا فدخلوا صنعاء في التاسع عشر من رجب سنة سبعة وتسعين ومائتين للهجرة ، وأخرجوا عامل القرامطة منها.

ولعليّ هذا كتاب «سيرة الهادي» نقل عنه زبارة في (خلاصة المتون (ج ٢ ص ٥٨ و ٥٩ و ٦٠) وقال : رثى عليٌّ هذا أباه محمّد بن عبيد الله ، عامل الهادي ، بقصيدة طويلة ، منها :

منعَ الحزنُ مُقلتيْ أنْ تناما

وذرى الدمع من جفوني سجاما

يومَ ناديت حيَّ الأخلافِ للنصْـ

ـرِ على مذحجٍ وناديت ياما

ودعونا لنصرنا الوادعيّيـ

ـنَ فلمْ ينصروا الإمامَ الهُماما

__________________

(١) من عمدة الطالب.

(٢) قال زبارة في خلاصة المتون (٢ / ٤٣) كان علي بن الفضل القرمطي الحميري الخنفري اليمني على مذهب الاثنى عشرية ، فحجّ إلى مكّة وسار إلى زيارة الحسين بكربلاء ـ ـ ـ إلى آخره فليراجع.

(٣) ذكر هنا اجتماع الباطنية نساءً ورجالاً وإطفاء المصابيح ووقوع بعضهم على بعض حتّى المحارم ، وانظر ص ١٣٩.

٣١٨

لا يُجيبونَ صارخاً قامَ يدعُو

يا لَهَمْدانَ ك انصُرُوا الإسلاما

ودعونا ثقيف كيْ ينصُرُونا

فأجابُوا ولمْ يكُونوا لِئاما

فخرجنا بهمْ إلى حارِ كعبٍ

بخيولٍ إلى العدوّ ترامى

فأتانا الخبيرُ يُخبرُ أنْ قدْ

قُتِلَ الهاشميْ وذاقَ الحِماما

قتلتْ حارثُ بنُ كعبٍ شريفاً

خيرَ مَنْ وحّدَ الإلهَ وصَاما

قتلوهُ فأفْحَشُوا القتلَ فيهِ

حينَ أضحى لديْهِمُ مُستظاما

كانَ حِرزاً لِلمُسلمينَ وكَهْفاً

ورَجاءً ومَعْقِلاً ونِظاما

قتلَ اللهُ مذحجاً شرَّ قتلٍ

بأبي جعفر وأُصْلُوا غراما

وجزى اللهُ والدي غُرَفَ الخُلْـ

ـدِ وأعطاهُ جنّةً وسَلاما

فلقدْ كانَ وافيَ العهدِ لِـلَّـ

ـهِ وبالحقّ والهُدى قَوّاما

عبدَ اللهَ واستقامَ على الحقْـ

ـقِ وأوفى بِالبيعتينِ الإماما(١)

وفي ترجمة السيّد علي بن محمّد بن عبيد الله العبّاسي العلوي بكتاب (مطلع البدور ، لأبي الرجال) والعلويون ، بالمأخذ والضلع ، وبنى عفيف ، والحيفة حيفة ثلا من ذرّية العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(٢) .

أقول : ترجمه في مطلع البدور (٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣) رقم(٩٢٣) وقال : الشريف العالم الرئيس جمال الإسلام ، ثمّ ذكر نسبه كما أثبت قبلُ ،

__________________

(١) خلاصة المتون (ج ٢ ص ٥٩).

(٢) مطلع البدور (٣ / ٣٢٣) وانظر خلاصة المتون (ج ٢ ص ٢٣٧).

٣١٩

وقال عن بعض المؤرّخين : كان الهادي إلى الحقّ عليه السلام استخلفه على القضاء بنجران ، واستخلفه الناصر للحقّ على عرق ؛ وهي مدينة الدعام وبنيه ، وبها مملكته ومملكة أولاده ، قريبة من جوف أرحب ، وتسمّى اليوم بسوق دعام.

وقال : والسيّد عليّ بن أبي جعفر المدفون بخيوان الّذي أُصيب بنجران ، وحُمل وقد ارْتُثَّ ، وقال فيه الهادي عليه السلام :

قبر بخيوان حوى ماجداً

منتخب الآباء عبّاسي

قبر علي بن أبي جعفر

من هاشم كالجبل الراسي

من يطعن الطعنة خوّارة

ـقِ وأوفى بِالبيعتينِ الإماما(١)

قال في مطلع البدور (٣ / ٣٢٤) لعلّه غير هذا ، لأنّه ذكر في ترجمة هذا أنّه تولّى للناصر للحق عليه السلام.

وابن ولده موسى : علي بن موسى بن أبي جعفر ، محمّد بن عبيد الله بن عبد الله العبّاسي رحمه الله : هو سيّدنا فاضل عالم من ولد العبّاس بن علي ، قمر آل الرسول. وهو المقبور بجامع صنعاء غربيّ الصومعة الكبرى من ناحية الجنوب إلى جانب القبر القبلي ، توفّي سنة (تسع وسبعين وثلاثمائة)(١) .

مسعود بن علي العبّاسي : الشريف الأجل مسعود بن علي العبّاسي رحمه الله.

كان من أهل العلم سكن مذاب من قرى بكيل ، وكانت هجرة عامرة بالفضل وأهله فيها الأشراف والأشياع رحمهم الله تعالى(٢) .

__________________

(١) مطلع البدور (٣ / ٣٥٦) رقم ٩٤٣.

(٢) مطلع البدور (٤ / ٤١٠) رقم ١٢٤٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607