المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه16%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50507 / تحميل: 5619
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاَّ الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه. ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك. فلمّا أصبحوا أخذ عليرضي‌الله‌عنه بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدَّ ما يسوءني ما أرى بكم.

وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال: خذها يا محمد، هنَّاك الله في أهل بيتك. فأقرأه السورة.

وأمّا تفسير الآيات مع رعاية الاختصار والإيجاز:

( إِنَّ الْأَبْرَارَ ) الأبرار: جمع بارّ أو برّ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ( يَـشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ) هي الزجاجة إذا كان فيها الشراب أو المراد من الكأس نفس الشراب لا الزجاجة( كَانَ مِزَاجُهَا ) الذي تمزج به من عين في الجنّة تُسمّى( كَافُورًا ) لأنّ ماءها في بياض الكافور وبرودته لا في خواصه وآثاره، ومن الممكن أنّ كافور اسم عين في الجنّة بدليل قوله تعالى( عَيْنًا ) كأنّها عطف أو بدل من كافور أي تفسير له( شْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ ) الكاملون في العبادة الذين ذكرهم في كتابه( وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿63﴾ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) إلى آخر الآيات الدالة على الصفات الكاملة.

( يُفَجِّرُونَهَا ) يفجرونها حيث شاءوا( تَفْجِيرًا ) سهلاً يسيراً( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) إنّهم استحقّوا هذا الجزاء بسبب وفائهم بالنذر؛ لأنّ النذر هو ما

١٨١

يوجبه الإنسان على نفسه فإذا وفى بالنذر فهو بما أوجب الله عليه كان أوفى( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) منتشراً( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) أي بالرغم من حبِّهم للطعام لشدَّة جوعهم بسبب الصوم( مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) كل ذلك حبّاً للخير وإيثاراً على أنفسهم، وإشفاقاً على المسكين ورأفة باليتيم وعطفاً على الأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً ) بفعل تفعلونه( وَلَا شُكُورًا ) بقول تقولونه، قال مجاهد: إنّهم لم يقولوا حين أطعموا الطعام شيئاً، وإنّما علمه الله منهم فأثنى به عليهم.

( إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) شديد العبوس، تشبيهاً له في تخويفه بالأسد العبوس أو الحاكم المتنمّر العبوس.

( فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ ) تأميناً لهم من شرّه وضرّه( وَلَقَّاهُمْ نَـضْرَةً ) في وجوههم( وَسُرُورًا ) في قلوبهم ( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا ) على الإيثار مع شدّة الجوع( جَنَّةً وَحَرِيرًا ) ثم ذكر الله أحوالهم في الجنة( مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ) في منتهى الراحة والرفاهية( لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا ) يؤذي حرّها( وَلَا زَمْهَرِيرًا ) يؤذي برده.

( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ) يسهل عليهم اقتطاف فواكه الجنّة( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ ) خلقها الله بإرادته( كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴿15﴾ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) على حسب ما تشتهي أنفسهم وتتمنّى قلوبهم في التكيّف بالكيفيّات المخصوصة إلى آخر السورة التي في وصف نعم الجنّة ونعيمها وعيون تسمّى زنجبيلاً وسلسبيلاً. والخدم الذين يخدمونهم والمـُلك الكبير الذي يكون لهم مع النعيم والملابس

١٨٢

الخُضر من الإستبرق، والزينة التي يتزيّنون بها، والشراب الطهور الذي يشربونه.

والعجيب أنّ الله تعالى ذكر في هذه السورة الكثير الكثير من نعم الجنّة، ولم يذكر - هنا - الحور العين؛ لأنّ الآية نزلت في حق علي وفاطمة وولديهما، فحفظ الله لفاطمة الزهراء جلالتها إذ لم يذكر - عزّ وجل - الحور العين كرامة لسيّدة نساء العالمين.

١٨٣

فاطمة الزهراءعليها‌السلام في آية النور

قال تعالى:( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ... ) (1) .

روى الحافظ ابن المغازلي الشافعي - في كتاب المناقب - بالإسناد إلى علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن [ الكاظم ]عليه‌السلام عن قوله (عزّ وجلّ):( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) ؟

قالعليه‌السلام : المشكاة: فاطمة، والمصباح: الحسن، والحسين: الزجاجة.

( كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) : قال: كانت فاطمة كوكباً دُريّاً بين نساء العالمين...( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ) قال: يكاد العِلم أن ينطق منها(2) .

أقول: لقد مرّت عليك بعض الأحاديث التي تتحدّث عن نور الزهراء الزاهر المشرق.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (... ونور ابنتي فاطمة من نور الله...)(3) .

____________________

(1) النور: 35.

(2) المناقب ص 317.

(3) بحار الأنوار ج 15 ص 10.

١٨٤

مكانة فاطمة الزهراء عند أبيها

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ من الصعب المستصعب تحديد مكانة السيدة فاطمة الزهراء عند أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن الصحيح أن يقال: إنّه خارج عن قدرة القلم واللسان، والتحليل والبيان.

ويمكن لنا أن نجمل القول ونوجزه فنقول:

كانت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد حلّت في أوسع مكان من قلب أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووقعت في نفسه الشريفة أحسن موقع.

فكان النبي يحبّها حبّاً لا يشبه محبّة الآباء لبناتهم، إذ كان الحب مزيجاً بالاحترام والتعظيم، فلم يعهد من أي أبٍ في العالم ما شوهد من رسول الله تجاه السيدة فاطمة الزهراء.

ولم يكن ذلك منبعثاً من العاطفة الأبوية فحسب، بل كان الرسول ينظر إلى ابنته بنظر الإكبار والإجلال؛ وذلك لما كانت تتمتّع به السيدة فاطمة من المواهب والمزايا والفضائل، ولعلّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مأموراً باحترامها وتجليلها، فما كان يَدَعُ فرصةً أو مناسبةً تمرّ به إلاّ وينوّه بعظمة ابنته، ويشهد بمواهبها ومكانتها السامية عند الله تعالى وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

مع العلم أنّه لم يُسمع من الرسول ذلك الثناء المتواصل الرفيع

١٨٥

ولا معشاره في حق بقيّة بناته.

ولم يكن ثناؤه عليها اندفاعاً للعاطفة والحُبِّ النفسي فقط، بل ما كان يسع له السكوت عن فضائل ابنته ودرجتها السامية عند الله تعالى. ولو لم يكن لها عند الله تعالى فضل عظيم لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل معها ذلك؛ إذ كانت ولده وقد أمر الله بتعظيم الولد للوالد، ولا يجوز أن يفعل معها ذلك، وهو بضدّ ما أمر به أُمَّته عن الله تعالى.

وكان ذلك كلّه لأسباب منها:

كشفاً للحقيقة، وإظهاراً لمقام ابنته عند الله وعند الرسول، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم ما سيجري على ابنته العزيزة من بعده من أنواع الظلم والاضطهاد والإيذاء وهتك الحرمة؛ ولهذا أراد الرسول أن يتمّ الحجّة على الناس، حتى لا يبقى لذي مقالٍ مقالٌ أو عذر، وإليك هذه الأحاديث التي تدل على ما كانت تتمتّع به السيدة فاطمة من المكانة في قلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

رُوي عن الإمام الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن السيدة فاطمةعليها‌السلام قالت: (لما نزلت: ( لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ) هبِتُ رسول الله أن أقول له: يا أبة. فجعلت أقول: يا رسول الله. فأقبل عليَّ فقال: يا فاطمة إنّها لم تنزل فيكِ ولا في أهلكِ ولا في نسلكِ، أنتِ منّي وأنا منك، إنّما نزلت في أهل الجفاء والبذخ والكبر من قريش، قولي: يا أبة؛ فإنّها أحيى للقلب وأرضى للرب، ثم قبَّل النبي جبهتي...)(1) .

أيضاً: عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه

____________________

(1) المناقب لابن المغازلي الشافعي ص 364.

١٨٦

كلاماً وحديثاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه رحَّب بها وقبَّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحَّبت به وقبّلت يديه... إلى آخره.

وسأل بزل الهروي الحسينَ بن روح قال: كم بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال: أربع.

فقال: أيّتهن أفضل؟

قال: فاطمة.

قال: ولِمَ صارت أفضل وكانت أصغرهنّ سنّاً وأقلّهنّ صحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال: لخصلتين خصّها الله بهما:

1 - أنّها ورثت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

2 - ونسل رسول الله منها، ولم يخصّها بذلك إلاّ بفضل إخلاصٍ عرفه من نيّتها.

وعن حذيفة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة...(1) .

وعن ابن عمر: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبَّل رأس فاطمة وقال: فداكِ أبوكِ، كما كنت فكوني(2) .

وفي روايةٍ: فداكِ أبي وأُمّي(3) .

وعن عائشة: قبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر فاطمة.

____________________

(1) و (2) مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ص 66.

(3) مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي ج3 ص 165.

١٨٧

وفي رواية: فقلت: يا رسول الله فعلتَ شيئاً لم تفعله؟

فقال: يا عائشة إني إذا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلت نحر فاطمة(1) .

وعن عائشة قالت: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قدم من سفر قبَّل نحر فاطمة وقال: منها أشمّ رائحة الجنّة(2) .

أقول: قد ذكرنا شيئاً من هذه الأحاديث في أوائل الكتاب.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (رائحة الأنبياء: رائحة السفرجل، ورائحة الحور العين: رائحة الآس، ورائحة الملائكة: رائحة الورد، ورائحة ابنتي فاطمة الزهراء: رائحة السفرجل والآس والورد)(3) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (... ولو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إنّ ابنتي فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً)(4) .

وعن الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بَصري، والأئمّة من ولدها أُمناء ربّي، وحبله الممدود بينه وبين خَلقه، مَن اعتصم به نجا، ومَن تخلّف عنه هوى)(5) .

وروي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناول الزهراء ماءاً، فشربت فقال لها: (هنيئاً مريئاً يا أُمَّ الأبرار الطاهرين) إلى آخر الحديث(6) .

____________________

(1) ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 36، وسيلة المآل للحضرمي ص 79 طبعة المكتبة الظاهرية بدمشق.

(2) ينابيع المودَّة للقندوزي الحنفي ص 260.

(3) بحار الأنوار، كتاب الأطعمة والأشربة، باب السفرجل.

(4) فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 68.

(5) فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 66.

(6) بحار الأنوار ج 76 ص 67.

١٨٨

وعن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ألا أُبشِّرك؟ إذا أراد الله أن يتحف زوجة وليِّه في الجنّة، بعث إليك تبعثين إليها من حُليِّك)(1) .

وبهذه الأحاديث الآتية - الصحيحة عند الفريقين - يمكن لنا أن نطّلع على المزيد من الأسباب والعلل التي كوَّنت في سيّدة نساء العالمين تلك القداسة والعظمة والجلالة:

1 - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) ومريم بنت عمران(2).

2 - وقال أيضاً: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد(3) .

3 - وقال أيضاً: حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون(4) .

هذه أحاديث ثلاثة تصرِّح بتفضيل هذه السيّدات الأربع على سائر

____________________

(1) دلائل الإمامة ص 2.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 293، الاستيعاب لابن عبد البر الأندلسي ج 2 ص 750 في ترجمة السيدة خديجة، مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص 160، الاعتقاد للحافظ البيهقي ص 165، تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 92 أسد الغابة لابن الأثير الجزري ج 5 ص 437 وغيرها.

(3) المصدر السابق.

(4) الاستيعاب، لابن عبد البر الأندلسي ج 2 ص 750، مشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص 48، مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص 157، معالم التنزيل للحافظ البغوي الشافعي ج 1 ص 291 وغيرها.

١٨٩

نساء العالم، إلاّ أنّها لا تصرِّح ببيان الأفضل من تلك الأربع، ولكنّ الأحاديث المتواترة المعتبرة تصرِّح بتفضيل السيدة فاطمة الزهراء عليهنّ وعلى غيرهن.

ونحن لا نشك في ذلك، بل نعتبره من الأمور المسلَّمة المتفق عليها؛ لأنّها بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نعدل بها أحداً.

ولم ننفرد بهذه الحقيقة، بل وافقنا على ذلك الكثير الكثير من العلماء والمحدّثين المنصفين، من المتقدّمين منهم والمتأخّرين والمعاصرين، بل صرَّح بذلك بعضهم، وإليك بعض أقوال أُولئك الأعلام:

عن مسروق قال: حدثتني عائشة أُم المؤمنين قالت: إنا كنّا أزواج النبي عنده لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا والله ما تخفي مشيتُها من مشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رآها رحَّب بها وقال: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارّها(1) فبكت بكاءً شديداً، فلمّا رأى حزنها سارّها الثانية! فإذا هي تضحك، فقلت لها - أنا من بين نسائه -: خصّكِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسرّ من بيننا، ثم أنتِ تبكين؟

فلما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألتها: عمّا سارّك؟

قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله سرَّه. فلمّا توفّي قلت لها: عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق (!!) لما أخبرتيني!

قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني قالت: سارَّني في الأمر الأول فإنّه أخبرني أنّ جبرائيل كان يعارضه (القرآن) كل سنة(2) وأنّه قد عارضني به

____________________

(1) أي: أسرّ إليها.

(2) هكذا وجدنا في المتن، والأصح: يعارضني، كما في مصادر أُخرى.

١٩٠

العام مرّتين، ولا أرى الأجل إلاَّ قد اقترب، فاتقي الله واصبري فإنّي نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيتِ، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأُمّة؟(1) .

وفي رواية البغوي في (مصابيح السنة): ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء هذه الأُمّة، وسيّدة نساء المؤمنين؟

والأحاديث التي تصرّح بسيادتها وتفضيلها على نساء العالمين كثيرة جدّاً، وجُلّها مرويّة عن: عائشة، وعن عمران بن حصين، وعن جابر بن سمرة، وعن ابن عباس، وأبي بريدة الأسلمي، وغيرهم، وقد روى البخارى هذا الحديث في الجزء الرابع ص 203 من صحيحه، وعدد كثير من علماء العامّة كالقسطلاني والقندوزي والمتقي والهيثمي والنّسائي والطحاوي، وغيرهم ممّن يطول الكلام بذكرهم.

ولقد ورد هذا الحديث بطرق عديدة، وفي بعضها: أنّ سبب ضحكها هو إخبار النبي لها بأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به، وفي بعضها أنّ سبب ضحكها أو تبسّمها هو إخبار النبي لها أنّها سيّدة نساء العالمين.

ولكن روى أحمد بن حنبل حديثاً يجمع بين هاتين الطائفتين من الأحاديث: بإسناده عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أنّه أسرَّ إليها حديثاً فبكت، ثم أسرَّ إليها حديثاً

____________________

(1) طبقات ابن سعد ج 2، ورواه باختلاف يسير كل من: مسلم في صحيحه ج 7 ص 142، والبلاذري في أنساب الأشراف ص 552، والسيوطي في الخصائص ص 34 والحافظ البيهقي في الاعتقاد ص 125، والطبري في ذخائر العقبى ص 39، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص 319، وغيرهم.

١٩١

فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتُها عمّا قال؟ فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

حتى إذا قُبض النبي سألتها؟

فقالت: إنّه أسرّ إليّ فقال: إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرّة، وإنّه عارضني به العام مرّتين، ولا أراه إلاَّ قد حضر أجلي، وإنّكِ أوّل أهلي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لكِ، فبكيتُ لذلك، ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة أو نساء المؤمنين؟

قالت: فضحكتُ لذلك(1) .

وقد روى البخاري في صحيحه ج 5 ص 21 و 29: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني.

وروى البخاري عن أبي الوليد: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فاطمة بضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني.

وقد ورد هذا الحديث بألفاظ متنوّعة ومعاني متّحدة كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها.

فاطمة بضعة منّي، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها (2) .

فاطمة شجنة منّي (3) ، فاطمة مضغة منّي فمَن آذاها فقد آذاني.

فاطمة مضغة منّي، يسرّني ما يسرّها.

يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ.

____________________

(1) مسند أحمد ج 6 ص 282.

(2) أي: يسرّني ما يسرّها؛ لأنّ الإنسان إذا سرّ انبسط وجهه.

(3) الشجنة أي: القطعة والبضعة.

١٩٢

فمَن عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم يعرفها فهي بضعة منّي.

هي قلبي وروحي التي بين جنبيّ، فمَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله.

إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

وقد روى هذه الأحاديث أكثر من خمسين رجلاً من رجال الحديث والسنن، كأحمد بن حنبل، والبخاري، وابن ماجة، والسجستاني، والترمذي، والنسائي، وأبو الفرج، والنيسابوري، وأبو نعيم، والبيهقي، والخوارزمي، وابن عساكر، والبغوي، وابن الجوزي، وابن الأثير، وابن أبي الحديد، والسيوطي، وابن حجر، والبلاذري، وغيرهم ممّن يعسر إحصاؤهم، وقد ذكرنا شيئاً من تلك الأحاديث مع مصادرها في أوائل الكتاب.

وقد وقعت هذه الأحاديث موقع الرضا والقبول من الصحابة والتابعين؛ لتواترها وصحّة أسنادها وشهرتها في الملإ الإسلامي.

أمّا الصحابة فلنا في المستقبل مجال واسع لاعتراف بعضهم بصحّة هذا الحديث وسماعه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا التابعون فقد روى أبو الفرج في الأغاني ج 8 ص 307 بإسناده قال: دخل عبد الله بن حسن على عمر بن عبد العزيز، وهو حديث السن وله وفرة، فرفع مجلسه، وأقبل عليه وقضى حوائجه، ثم أخذ عُكنة من عُكنه(1) فغمز (بطنه) حتى أوجعه وقال له: اذكرها عندك للشفاعة.

فلما خرج (عبد الله بن حسن) لامه أهله(2) وقالوا: فعلتَ هذا بغلام حديث السن، فقال: إنّ الثقة حدثني حتى كأنّي اسمعه من فيّ رسول

____________________

(1) العكنة - بضم العين - اللحم المنثني من البطن.

(2) أي: لام الناس عمر بن عبد العزيز.

١٩٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) قال: (إنّما فاطمة بضعة منّي يسرّني ما يسرّها) وأنا أعلم أنّ فاطمة لو كانت حيَّة لسرّها ما فعلت بابنها.

قالوا: فما معنى غمزك بطنه وقولك ما قلت؟

قال: إنّه ليس أحد من بني هاشم إلاَّ وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا.

قال السمهودي - بعد إيراده حديث: فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها -: فمَن آذى شخصاً من أولاد فاطمة أو أبغضه جعل نفسه عُرضة لهذا الخطر العظيم، وبضدّه (وبالعكس) مَن تعرَّض لمرضاتها في حبّهم وإكرامهم.

وقال السهيلي: هذا الحديث يدل على أنّ مَن سبّها كفر، ومَن صلَّى عليها فقد صلَّى على أبيها، واستنبط أنّ أولادها مثلها لأنّهم بضعة مثلها، وفكّ الفرع من أصله هو فكّ الشيء من نفسه وهو غير ممكن ومحال، باعتبار أنّ ذلك الفرع هو الشخص المعمول من مادة ذلك الأصل ونتيجته المتولّدة منه. انتهى كلامه.

أقول: لعلّ المقصود من الخطر العظيم الذي ذكره السمهودي هو إشارة إلى قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) وقوله:( وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

أيها القارئ الذكي: بعد الانتباه إلى هذه الآيات، وبعد الإمعان والتدبّر في هذه الأحاديث والروايات ما تقول فيمَن آذى فاطمة الزهراء؟!!

أعود إلى حديثي عن مدى حبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(1) أي: من فم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٩٤

لابنته السيدة فاطمة الزهراء:

من الصعب إحصاء الأحاديث التي تصرّح بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد سفراً كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمةعليها‌السلام وأول مَن يدخل عليها - بعد رجوعه من السفر - فاطمة(1) .

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رجع من سفره دخل على ابنته فاطمة أوّلاً، ثم ذهب إلى داره والتقى بزوجاته(2) .

إنّه كان يفضّل الزهراء على زوجاته ونسائه؛ وما ذاك إلاّ لأنّ الله فضّلها عليهنّ وعلى نساء العالمين.

فقدم من غزاة، وقد علَّقت مسحاً أو ستراً على بابها، وحلَّت(3) الحسن والحسين قلبين من فضّة، فقدم ولم يدخل، فظنّت أنّ ما منعه أن يدخل دارها ما رأى، فهتكت الستر، وفكَّت القلبين من الصَّبيين، وقطعته منهما، ودفعته إليهما، فانطلقا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما يبكيان، فأخذه منهما فقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى فلان، إنّ هؤلاء أهلي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، يا ثوبان(4) اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج.

روى هذا الحديث الخطيب العمري في (مشكاة المصابيح)، والطبري في (ذخائر العقبى)، والنويري في (نهاية الارب)، والقندوزي في (ينابيع المودّة)، والطبراني في (المعجم الكبير)، والزبيدي في (إتحاف السادة)، وغيرهم.

____________________

(1) السُنن الكبرى للبيهقي ج 1 ص 26، ذخائر العقبى للطبري ص 37، مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص 156 وغيرها.

(2) الاستيعاب للأندلسي ج 2 ص 750، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 155.

(3) حلَّت - من التحلية - وهي التجميل ولبس الحلي. قلبين - تثنية قلب - وهو السوار.

(4) ثوبان: اسم غلام.

١٩٥

وقد روى هذا الحديث من علمائنا: الشيخ الكليني في (الكافي)، والطبرسي في (مكارم الأخلاق) أكثر تفصيلاً وتوضيحاً مع اختلاف يسير:

عن زرارة عن أبي جعفر (الباقر)عليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد سفراً سلَّم على مَن أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر مَن يسلّم عليه فاطمةعليها‌السلام فيكون وجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها (أي يزورها قبل كل أحد) فسافر مرَّة، وقد أصاب عليعليه‌السلام شيئاً من الغنيمة فدفعه إلى فاطمة فخرج، فأخذت سوارين من فضّة، وعلَّقت على بابها ستراً، فلمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل المسجد، فتوجَّه نحو بيت فاطمة كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها صبابة وشوقاً إليه، فنظر فإذا في يدها سواران من فضّة وإذا على بابها ستر، فقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا بي قبلها.

فدعت ابنيها، فنزعت الستر عن بابها، وخلعت السوارين من يديها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الآخر ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي، فأقرئاه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فشأنك به. فجاءاه، فأبلغاه ذلك عن أُمّهما، فقبّلهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه، ثم أمر بذينك السوارين فكسّرا فجعلهما قطعاً، ثم دعا أهل الصُّفة، وهم قوم من المهاجرين، لم يكن لهم منازل ولا أموال فقسّمه بينهم قِطَعا... إلى آخره.

إنّ هذا الحديث الذي تراه مشهوراً عند الفريقين، مرويّاً بطرق عديدة لعلّه يحتاج إلى شرح وتعليق، مع العلم أنّ رواة هذا الحديث لم يتطرّقوا إلى

١٩٦

شرح ما يلزم:

أقول: ليس المقصود من هذا الستر هو الستر المرخى على مدخل البيت عند فتح باب البيت؛ لأنّ هذا أمر مستحب للمبالغة على التستّر والحجاب، وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغضب من سترٍ قد عُلّق على مدخل بيت فاطمة.

بل المقصود أنّ السيدة فاطمةعليها‌السلام كانت قد علَّقت على باب البيت (لا مدخل البيت) ستراً يستر الباب الخشبي، للزينة، المسمَّى في زماننا بـ (الديكور) تجمّلاً أو تجميلاً للباب، وبعبارة أخرى: ألبست الباب ثوباً - أي ستراً - وليس هذا بحرام، بل لأنّه لا يتفق مع التزهّد أو الزهد المطلوب من آل محمدعليهم‌السلام والمواساة المترقّبة المتوقّعة منهم، ونفس هذا الكلام يأتي في موضوع السوار والقلادة.

وبناءً على صحّة هذا الحديث كان الأفضل للسيّدة الزهراءعليها‌السلام أن تنفق ذلك الستر في سبيل الله بسبب الحاجة الماسَّة إليه، لكثرة الفقراء، وشدَّة الفقر المدقع عند فقراء المهاجرين ومن باب المواساة والإيثار.

وروى ابن شاهين في (مناقب فاطمة) عن أبي هريرة وثوبان هذا الحديث مع تغيير يسير، إلى أن قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : - بعدما دفعت الزهراء الستر والسوار إلى أبيها -: فعلت، فداها أبوها - ثلاث مرات - ما لآل محمد وللدنيا؟ فإنّهم خُلقوا للآخرة، وخُلقت الدنيا لهم.

وفي رواية أحمد بن حنبل: فإنّ هؤلاء أهل بيتي، ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

ويستفاد من هذا التعليل أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحب أن ينقص حظ ابنته فاطمة الزهراء من الأجر والثواب في الآخرة؛

١٩٧

لأنّ مرارة الحياة وخشونة العيش في الدنيا لهما تعويض في الآخرة.

وبهذا الحديث الآتي يتضح ما قلنا:

عن تفسير الثعلبي، عن الإمام جعفر بن محمدعليه‌السلام وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قالا: رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.

فقالت: يا رسول الله الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه.

فانزل الله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) (1) .

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

١٩٨

زُهْدُهَا وَإنفَاقُهَا في سَبيل الله

كانت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام على جانب كبير من الزهد، ومعنى الزهد: التخلّي عن الشيء وتركه وعدم الرغبة فيه، وكلّما ازداد الإنسان شوقاً إلى الآخرة ازداد زهداً في الدنيا، وكلّما عظمت الآخرة في نفس الإنسان صغرت الدنيا في عينيه وهانت، وهكذا كلّما ازداد الإنسان عقلاً وعلماً وإيماناً بالله ازداد تحقيراً واستخفافاً لملّذات الحياة.

أرأيت الأطفال كيف يلعبون، ويفرحون، ويحزنون ويتسابقون ويتنازعون على أشياء تافهة يلعبون بها، فإذا نضجت عقولهم وتفتّحت مشاعرهم تراهم يبتعدون عن تلك الألاعيب، ويستنكفون من التنازل إلى ذلك المستوى ويعتبرونه منافياً للوقار، ومُخلاًّ للشخصية، كل هذا بسبب تطوُّر مداركهم، وانتقالهم من دور الصبا إلى مرحلة الرجولة والنضج.

نعم، هكذا كان أولياء الله، كانوا ينظرون إلى حطام الدنيا نظرة تحقير واستهانة، ولا تتعلّق قلوبهم بحب الدنيا وما فيها، ولا يحبّون الدنيا للدنيا، بل يحبّون الدنيا للآخرة، يحبّون البقاء في الدنيا ليعبدوا الله تعالى، يريدون المال لينفقوه في سبيل الله عزّ وجل، لإشباع البطون الجائعة وإكساء الأبدان العارية وإغاثة الملهوف وإعانة المضطر.

بعد هذه المقدّمة يسهل عليك أن تدرك أُسس الزهد عند السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام فهي عرفت الحياة الدنيوية، وأدركت الحياة الأخروية، فلا عجب إذا قنعت باليسير اليسير من متاع الحياة، واختارت

١٩٩

لنفسها فضيلة المواساة والإيثار، وهانت عليها الثروة، وكرهت الترف والسرف.

فلا غرو، فهي بنت أزهد الزهّاد، وحياتها العقائدية ملازمة للزهد وحياتها الاجتماعية أيضاً تتطلّب منها الزهد، فهي أولى الناس بالسير على منهاج أبيها الرسول الزاهد العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وحياتها الزوجية تبلورت بالزهد والقناعة، فلقد كان زوجها الإمام عليعليه‌السلام أوّل الناس وأكثرهم إتباعاً للرسول في زهده، ولم يشهد التاريخ الإسلامي رجلاً من هذه الأُمّة أكثر زهداً من علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وهو الذي كان يخاطب الذهب والفضّة بقوله: يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري. وقد أمر عليعليه‌السلام لأعرابي بألف. فقال الوكيل: من ذهب أو فضّة؟ فقال علي: كلاهما عندي حَجَران، فأعطوا الأعرابي أنفعهما له. وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع في كتابنا: (علي من المهد إلى اللحد ) وإنّما تطرّقنا هنا إلى زهد عليعليه‌السلام بمناسبة حديثنا عن زهد السيدة فاطمة الزهراء، وقد مرّ عليك - فيما مضى - بعض الأحاديث عن زهدها وإنفاقها في سبيل الله في باب زواجها ونزول سورة هل أتى وغيرهما، وإليك نبذة من الأحاديث التي تشير إلى نفس الموضوع:

في السادس من البحار عن كتاب (بشارة المصطفى)، عن الإمام الصادق، عن أبيهعليهما‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

صلَّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة العصر، فلمّا

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدّتي بنت خويلد أوّل نساء هذه الامّة إسلاماً ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار في الجنّة عمّي ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون انّ هذا سيف رسول الله أنا متقلّدة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم [الله] هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لابسها ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ عليّاًعليه‌السلام كان أول القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وانّه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة. قالوا: قد علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.

فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته واُخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن الخدود وارتفعت أصواتهن ، فوجّه إليهن أخاه العباسعليه‌السلام وعليّاً ابنه وقال لهما: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

فلمّا لم يبق معه سوى أهل بيته خرج علي بن الحسين(١) عليه‌السلام وكان

____________________

(١) علي بن الحسين الأكبر ، يكنّى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، امّه ليلى بنت أبي مرّة

٢٤١

من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثم قال: اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه فصاح وقال: يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، فتقدّم نحو القوم وقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً ، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوّى بها على الأعداء.

فبكى الحسينعليه‌السلام وقال: واغوثاه ، يا بني من أين آتي لك بالماء ؟ قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم قتال ، فرماه منقذ بن مرّة العبدي(١) بسهم فصرعه فنادى:

يا أبتاه عليك منّي السلام ، هذا جدّي يقرؤك السلام ويقول لك: عجّل

(قرّة) بن عروة (عمرو) بن مسعود بن مغيث (معبد) الثقفي ، واُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنّه كان متزوجاً من اُمّ ولد ، هو أوّل من قتل من بني هاشم ، طعنه مرّة بن منقذ النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرّة فقطّعوه بأسيافهم ؛ قيل: مولده في خلافة عثمان ، وسمّاه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.

انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٠ - ٨١ ، الطبقات الكبرى ١٥:١٥٦ ، ورجال الشيخ: ٧٦ ، البداية والنهاية ٨: ١٨٥ ، الأعلام ٤: ٢٢٧.

____________________

(١) كذا في الأصل وبعض المصادر ، ولكن في تاريخ الطبري ٦: ٦٢٥ ، والكامل ٤: ٣٠ ، والأخبار الطوال ٢٥٤ ورد اسمه هكذا: مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي.

٢٤٢

القدوم إلينا ، ثمّ شهق شهقة فمات.

فجاء الحسينعليه‌السلام حتى وقف عليه ووضع خدّه على خدّه وقال:

قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا.

قال: وخرجت زينب بنت عليعليه‌السلام تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فانكبت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام فأخذها وردّها إلى النساء.

ثمّ جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة.

فصاح الحسينعليه‌السلام في تلك الحال: صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

قال: وخرج غلام كأنّ وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي(١) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح: يا عمّاه !

فجلس الحسينعليه‌السلام كما يجلس الصقر(٢) ، ثم شدّ شدّة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتّقاها بالساعد ، فأطنّه من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك.

[قال:] ثم قام الحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول: «بُعداً لقومٍ قتلوك ، ومَن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك وأبوك».

____________________

(١) في مقاتل الطالبيين: ٨٨ ذكر اسمه: عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصادر: فجلى الحسينعليه‌السلام كما يجلي الصقر.

٢٤٣

ثم قال: «عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت ، والله كثر واتره وقلّ ناصره».

ثمّ حملعليه‌السلام الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

[قال:] و لمـّا رأى الحسينعليه‌السلام مصارع فتيانه وأحبّته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى:

هل من ذاب يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل من موحّدٍ يخاف الله فينا ؟

هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا ؟

هل من معينٍ يرجو الله في إعانتنا ؟

فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينبعليها‌السلام : «ناوليني ولدي الصغير(١) حتى اودّعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله فرماه حرملة ابن كاهل(٢) بسهم فوقع في نحره فذبحه.

____________________

(١) هو عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، واُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ، وفي اسم قاتله اختلاف ؛ فقيل: حرملة ؛ وقيل: عقبة بن بشر.

(٢) وهو خبيث ملعون ، لمـّا قُبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال: يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدوّ الله ، أما علمت أنّه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات.

وقيل: إنّه لمـّا نظر المختار إلى حرملة قال: الحمد لله الذي مكّنني منك يا عدوّ الله ، ثم أحضر الجزّار فقال له: اقطع يديه ورجليه ، فقطعهما ، ثم قال: عليّ بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمرّ ثم ابيضّ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته. انظر: حكاية المختار: ٥٥ و٥٩.

٢٤٤

فقال لزينب: خذيه ، ثم تلقّى الدم بكفّيه ، فلمّا امتلأت رمى بالدم نحو السماء ثم قال:

هون عليّ ما نزل بي ، انّه بعين الله تعالى.

قال الباقرعليه‌السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.(١)

قال الراوي: واشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام فركب المسنّاة يريد الفرات والعبّاس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسينعليه‌السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال:

اللهم انّي أشكوا إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ، ثم انهم اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه ، فبكى الحسين لقتله بكاءً شديداً ، وفي ذلك يقول الشاعر(٢) :

أحقّ الناس أن يُبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده عليّ

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجاد له على عطش بماء(٣)

ولما دخل بشير بن حذلم المدينة المنورة لينعى الحسينعليه‌السلام التقى باُم البنين(٤) «وهي ام العباس» فقال لها:

____________________

(١) الملهوف: ١٦٩ ، كفاية الطالب: ٢٨٤ ، إحقاق الحقّ: ٤٥٤.

(٢) وهو: الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام من أعلام القرن الثاني.

(٣) الملهوف: ١٧٠ ، مقاتل الطالبيين: ٨٤ ، الغدير ٣: ٣.

(٤) هي فاطمة بنت حَزام بن خالد بن ربيعة بن عامر ، واُمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر ، وتكنّى: «امّ البنين» قبل تزويجها الإمام عليعليه‌السلام لأنها من بيت (ام البنين العامريّة) التي قيل فيها:

٢٤٥

عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله.

قالت له: أسألك عن سيدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين. فقال:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدارُ

فصاحت ولطمت خدّها ، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه ، ثمّ أنشدت:

لا تدعوني ويك امّ البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي اُدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

فكلّهم أمسى صريعاً طعين

وكانت من بيت كرم وشجاعة وفصاحة ومعرفة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام - بعد وفاة الصديقة الزهراءعليها‌السلام - لأخيه عقيل - وكان نسّابة العرب وعرّافة بأحسابها وعاداتها -: «أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلدني غلاماً فارساً».

فقال له عقيل: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ؟

انظر: تاريخ بغداد ١٢: ١٣٦ ، عمدة الطالب: ٣٢٤.

٢٤٦

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأن عبّاساً قطيع اليمين(١)

ثم انّ الحسينعليه‌السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول:

القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من ركوب النار

قال بعض الرواة: فو الله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه ، وان كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الراوي: ولم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح:

ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.

قال: فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة ؟

فقال: أقول: انّي اُقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.

فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة

____________________

(١) انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٥ ، ابصار العين: ٣٦.

٢٤٧

وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال:

بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

ثم رفع رأسه وقال:

إلهي أنت تعلم انّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنّه ميزاب فضعف عن القتال ووقف.

فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً.

قال الراوي: فاستدعى الحسين بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها ، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به.

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي(١) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسينعليه‌السلام فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال: لا والله لا اُفارق عمّي.

فأهوى بحر بن كعب(٢) ؛ وقيل: حرملة بن كاهل إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف ، فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف

____________________

(١) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، واُمّه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ؛ وقيل: اُمّه اُمّ ولد ؛ وقيل: الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة. انظر: الارشاد: ٢٤١ ، مقاتل الطالبيين: ٨٩ ، رجال الشيخ: ٧٦.

(٢) وقيل اسمه: أبجر بن كعب.

٢٤٨

فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة.

فنادى الغلام: يا عماه !

فأخذه الحسينعليه‌السلام وضمّه إليه وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين.

قال الراوي: فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسينعليه‌السلام .

قال الراوي: ولمّا اُثخن الحسينعليه‌السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء اُطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

وكان ما كان ممّا لست أذكره.

يا رسول الله لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظل ومن

عاطش يسقى أنابيب القنا

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الاما

قتلوه بعد علم منهم

انّه خامس أصحاب الكسا

ليس هذا لرسول الله يا

اُمة الطغيان والكفر جزا(١)

____________________

(١) ديوان الرضي ١: ٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٨٦.

٢٤٩

٢٥٠

الفصل الثاني

في هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته وذكر خصائصه المقدّسة

٢٥١

٢٥٢

[المجلس الثالث عشر]

إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد اتسعت أعلام نبوّته ، وتواترت دلائل رسالته ، ونطقت له السماوات قبل بعثته.

نوّهت باسمه السماوات والأر

ض كما نوّهت بصبح ذكاها

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وهو أحمد الذي بشر به عيسىعليه‌السلام ، وهو المصطفى والمختار والمحمود ، والماحي الذي يمحو الله به الذنوب ، والعاقب والحاشر والمهيمن ، وكنيته: أبو القاسم ، وفي ذلك يقول الشاعر:

لله ممّن قد برا صفوة

وصفوة الخلق بنو هاشم

وصفوة الصفوة من هاشم

محمد النور أبو القاسم

كان مولده المبارك عام الفيل وطير الأبابيل لسبع عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل: يوم الثاني عشر منه ، وقيل: لثمان خلون منه قبل الهجرة المباركة بثلاث وخمسين سنة.(١)

ولدصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة المعظمة بدار ابن يوسف التي بنتها بعد ذلك

____________________

(١) قالرحمه‌الله : القول الأول هو المشهور وعليه أكثر علماء الإمامية ، والثاني رواه الكليني في الكافي وعليه أكثر علماء السنّة ، والثالث قال به بعض من شذّ من المخالفين.

٢٥٣

الخيزران امّ الهادي والرشيد مسجداً ، وكان أبوه عبد الله غائباً بأرض الشام ، فانصرف مريضاً فقضى نحبه بالمدينة الطيّبة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمل.

أمّا اُمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فانّها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب... وفي السنة الاولى من مولده رفع إلى حليمة بنت عبد الله ابن الحارث ترضعه فكانت تقول وهي تلاعبه:

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

فبقى في بني سعد إلى السنة الرابعة من مولده ، وفي تلك السنة أرجعته مرضعته حليمة إلى اُمّه آمنة في مستهل السادسة من عمره الشريف ، وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيّام.

وفي السنة السابعة من مولده خرجت به اُمّه إلى أخواله تزورهم فت-وفّيت بالأبواء(١) ، وقدمت به اُمّ أيمن إلى مكّة بعد خمسة أيّام من موت اُمّه.

وفي السنة الثامنة من مولده توفّي جدّه شيبة الحمد - أعني عبد المطلب - وضمّه عمّه أبو طالب إليه ، وكان في حجره يؤثره على ولده ونفسه.

وخرج مع عمّه إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد ومعه غلامها ميسرة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ابن خمس وعشرين سنة ، فنظر تشطور الراهب وهو في صومعته إليه وقد ظلّلته الغمامة

____________________

(١) الأبواء - بالفتح ثمّ السكون وواو وألف ممدودة -:... قال ثابت: سمّيت بذلك لتبوّء السيول بها ، وهي قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجُحفة كما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً ؛ وقيل: هي جبل بين مكة والمدينة. انظر معجم البلدان ١: ٧٩.

٢٥٤

فقال: هذا نبي وهو آخر الأنبياء وخاتم الرسل.(١)

وكان منه ما قد تواترت به الأخبار ، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار.

و لمـّا هدمت الكعبة بالسيل بنتها قريش فرفعت سمكها ، وتأتي لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحر إلى ساحلهم ، وكان قد بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة لتبنى هنالك له كنيسة ، وانتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود وتنازعوا أيّهم يضعه ، فاتّفقوا على تحكيم الصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يعرف عندهم جميعاً بالأمين ، وكانوا على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم وضغائنهم ، واعجاب كلّ قبيلة من قبائلهم بنفسها مجمعين على حبّه وأمانته وعدالته في كلّ شؤونه ، فحكموه فيما تنازعوا فيه ، وانقادوا إلى قضائه.

فبسط رداءه وأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، ثم قال لأربعة من زعماء قريش ، وأهل الرياسة فيها - وهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم ، وقيس بن عدى السهم ليأخذ كلّ واحد منكم بجنب من جنبات هذا الرداء ، فشالوه حتى ارتفع ودنا من موضعه فأخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووضعه في مكانه وقريش كلّها حضور.

فقال قائل لمن حضر من قريش متعجّباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سنّاً: «واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة كهولاً وشيوخاً عمدوا إلى أصغرهم سنّاً

____________________

(١) انظر قصّة ولادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في: الفضائل لابن شاذان ٢٠ ، تاريخ بغداد ٣: ٣ - ٢١ ، بحار الأنوار ١٥: ١٤٦ ح ٨ ، وص ٢٨١ ح ١٧ ، وص ٣٤١ ح ١٣.

٢٥٥

فجعلوه عليهم رئيساً وحكماً ؟ أما واللات والعزّى ليقسمنّ بينهم حظوظاً وجدوداً ، وليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم».

وكان أبو طالب حاضراً ، فلمّا سمع هذا الكلام انشأ يقول:

إنّ لنا أوّله وآخره

في الحكم العدل لن ينكره

قاتل الله أهل العناد( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْکَافِرِينَ‌ ) (١) ، كذّبوه وانّهم ليعلمونه الصادق الأمين ، وأنكروا نبوّته ، وهم منها على يقين( وَ جَحَدُوا بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) (٢) ، ثم لم يألوا جهداً ، ولم يدخروا وسعاً في اطفاء نور الله من مشكاته( وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) (٣) .

ظلموه وشتموه وأجلوه عن حرم الله عز وجل مسقط رأسه ، ومحل اُنسه ، ثم لم يكتفوا بما كان منهم في مكة المعظمة من فضائع وفجائع ، واُمور تستك منها المسامع ، حتى غزوه وهو في دار هجرته ، ومحل غربته ، فكانت حروب تشيب الأطفال ، وتميد بها الجبال ، لكنّها والحمد لله طحنتهم بكلكلها ، وقرّت الكلاب أشلاءهم ،( وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ کَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَ کَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ کَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (٤) .

بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، كم أسديت لهذه الاُمّة من نعمة ، وكم لك عليها من يد بيضاء تستوجب الشكر والثناء.

____________________

(١) سورة البقرة: ٨٩.

(٢) سورة النمل: ١٤.

(٣) سورة التوبة: ٣٢ - ٣٣.

(٤) سورة الأحزاب: ٢٥.

٢٥٦

وحين فتحت مكّة بعد أن أجلوك عنها ، وكان من أبي سفيان ما كان من التحريض على قتلك ومحاربتك ، فأمرت مناديك ينادي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

ثم لم يتم على ولدك وسبطك وريحانتك ما تمّ.

ملكنا فكان العفو منّا سجية

فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الاسارى وطالما

نمرّ على الأسرى نعفو ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكلّ اناءٍ بالذي فيه ينضح

قال عبد الله بن العبّاسرحمه‌الله : انّه لمـّا اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول:

مالي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ، ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبّل الحسينعليه‌السلام وعيناه تذرفان ويقول: أما أنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجل.

وقال ابن عبّاس أيضاً: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه يبكي وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليمنى.

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليسرى.

ثم أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى فقال لها: إليّ إليّ ، فأجلسها بين يديه.

٢٥٧

ثم أقبل عليعليه‌السلام فرآه وقال له: إليّ إليّ ، وأجلسه إلى جانبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء الا وبكيت أوَ ما فيهم من تسرّ برؤيته ؟

فقال: والذي بعثني بالنبوّة على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إليَّ منهم ، وانّما بكيت لما يحل بهم بعدي وما يصنع بهذا ولدي الحسين كأنّي به ، وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ثمّ يرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين ، اولئك سادة شهداء اُمّتي يوم القيامة ، فكأنّي انظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.

ثم انتحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول:

اللهم انّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا منكر منهم ولا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم رزؤك كلّ اذن تسمع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع(١)

____________________

(١) معجم الأدباء ١٠: ١١٠.

٢٥٨

[المجلس الرابع عشر]

ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرسل في الملأ الأعلى ذكراً الذي بشّرت الرسل بظهوره ، وخلقت الأنوار بعد نوره - يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ؛ وقيل: يوم الثاني عشر منه ، بمكّة المشرّفة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد الزوال أو عند الفجر عام الفيل وطير الأبابيل.

وهو أبو القاسم محمد المصطفى بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان....

واُمّه آمنة بنت وهب.

وأزواجه خمسة عشر ، وفي المبسوط: ثمانية عشر ، سبع من قريش ، وواحدة من حلفائهم ، وتسع من سائر القبائل ، وواحدة من بني إسرائيل من هارون بن عمران.

واتّخذ من الاماء ثلاثة عجميتين وعربية.

وله من الأولاد من خديجة: القاسم ، ورقيّة ، وزينب ، واُمّ كلثوم - وفي رقيّة وزينب خلاف - وبعد المبعث ولد من خديجة: الطيّب ، والطاهر ، وسيّدة نساء العالمين ، وله ولد أيضاً من مارية القبطيّة اسمه إبراهيم.

ونزل عليه الوحيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحمل أعباء الرسالة يوم السابع

٢٥٩

والعشرون من رجب وهو ابن أربعين سنة..... واصطفاه ربّه بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشر من الهجرة المباركة وله ثلاث وستّون سنة ، ودفن في حجرته المنورة.

ومات أبوه هو ابن شهرين ؛ وقيل: سنتان وأربع أشهر ؛ وقيل: مات وهو حمل ، وماتت اُمّه في الأبواء.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كما وصفه ولده باقر علوم الأوّلين والآخرينعليه‌السلام : أبيض اللون مشرّباً بحمرة ، أدعج العينين ، مقرون الحاجبين ، عظيم المنكين ، إذا التفت التفت جميعاً ، سائل الأطراف ، كأنّ عنقه ابريق فضّة ، وإذا تكفاً كأنّه إلى منحدر ، لم ير الراؤون مثل نبي الله قبله ولا بعده.

وأمّا معاجزه الباهرة ، وآياته الظاهرة ، فقد قصرت عن حصرها الحسّاب ، وكلّت عن سطرها الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتظليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، واثمار يابس الشجر ، وغرس الأشجار وأثمارها على الفور ، وقصة الغزالة مع خشفيها ، وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة بأمره ، واخبار الذراع له بالسم ، والنصر بالرعب ، ونوم عينيه دون قلبه ، وعدم طول قامة أحد على قامته ، واكثار اللبن من شاة اُمّ معبد ، ورؤيته من خلفه كما يرى من أمامه ، واطعامه من القليل الجم الغفير ، وطيّ البعيد له ، وشفاء الأرمد إن تفل في عينيه ، وقصة الأسد ، ونزول المطر بدعائه ، ودعائه على سراقة فساخت به الأرض ، وأخباره بالمغيبات ، كأنبائه عن العترة الطاهرة واحداً بعد واحد ، وما يجري عليهم من الأعداء في أرض كربلاء.

ففي البحار وغيره: لمـّا ولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348