المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه0%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 348
المشاهدات: 45443
تحميل: 4179

توضيحات:

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45443 / تحميل: 4179
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

هلمّي إليَّ بابني يا أسماء.

قالت: فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن يوم ولادته وبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال:

إنّه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك.

قالت أسماء: فلمّا كان يوم سابعه جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هلمي بابني فأتيته به ، ففعل به كما فعل بالحسنعليه‌السلام وعقّ عنه كبشاً أملحاً ، وحلق رأسه ، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً ، ثمّ وضعه في حجره ، وخلق رأسه بالخلوق ، ثم قال: يا أبا عبد الله عزّ عليَّ ثمّ بكى.(١)

أقول: كأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذكر حين خلق رأس الحسينعليه‌السلام بالخلوق أنّ هذا الرأس يهدى إلى يزيد لحّاه الله على رمح طويل من العراق إلى الشام مع سبعة عشر رأساً من العترة الطاهرة ، تشرق أنوارها على أطراف الرماح كأنّها الأقمار الزاهرة ، وجسومهم منبوذة بالعراء ، لا مغسّلين ولا مكفّنين ، ولا مدفونين ، تصهرهم الشمس ، وبالعزيز عليك يا رسول الله أن يبقى سبطك وريحانتك عاري اللباس.

قطيع الرأس منخمد الأنفا

س في جندل كالجمر مضطرم

ثوى ثلاث ليال بالعراء بلا

غسل ولا كفن لله من حكم

وكريمتك يا رسول الله تناديك بصوت حزين ، وقلب كئيب:

يا رسول الله ، يا جدّاه ، صلى الله عليك مليك السماء ، هذا حسينك بالعراء ،

____________________

(١) انظر: ذخائر العقبى: ١١٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١: ٨٧ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: ١٥٤ ، الخصائص الكبرى للسيوطي ٢: ١٢٥.

٢٦١

تسفى عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يا أصحاب محمداه ، هذه ذرّية المصطفى ، يساقون سوق السبايا ، يا محمداه بناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتّلة ، وهذا حسينك مقطوع الرأس من القفا.

نادت فقطعت القلوب بشجوها

لكنما انتظم البيان فريدا

انسان عيني يا حسين اخيّ يا

أملي وعقد جماني المنضودا

٢٦٢

[المجلس الخامس عشر]

روي عن الحسن سلام الله عليه ، قال: سألت خالي هند بن هالة وكان وصّافاً عن حُلية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخماً مفخماً ، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذّب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، بينهما عرق يدرّه الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من يتأمّله أشم ، كثّ اللحية ، سهل الخدّين ، أدعج العينين ، ظليع الفم أشنب ، مفلج الأسنان ، دقبق المسربة ، كنّ عنقه جيدُ دمية في صفاء الفضّة ، معتدل الخلق ، بادناً متماسكاً ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس أنور ، موصول ما بين الصدر والسرّة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن ممّا سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شئن الكفين القدمين(١) ، سائل الأطراف ، مسبح القدمين ، يخطو تكفئاً ، ويمشي هوينا ، سريع المشي إذا مشى كأنّما ينحط عن صبب ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض ، يبدر من لقيه بالسلام ، وكان متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، لا يتكلّم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يتكلّم بجوامع الكلم ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وأن دقتّ ، ولا يذمّ منها شيئاً ، ولا يذمّ ذواقاً ولا يمدحه ، ولا

____________________

(١) قالرحمه‌الله : شئن وشئل بمعنى يقال: شئلت أصابعه أي: خشنت وغلظت. وقدم شئلة: غليظة اللحم.

٢٦٣

تغضبه الدنيا ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفّه كلّها ، وإذا تعجّب قلبها ، وإذا حدّث أشار بها فضرب براحته اليمنى باطن ابهامه السيرى ، وإذا غضب أعرض ، وإذا فرح غضّ من طرفه ، جلّ ضحكه التبسّم ، ويفتر عن مثل حب الغمام.

صلى الله عليك يا رسول الله ، وعلى فرخك وشبل سبطك علي بن الحسين الأكبر الشهيد بن الشهيد ، والمظلوم بن المظلوم ، أشبه الناس بك خلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، ولقد يعزّ عليك حين برز إلى ثلاثين ألفاً وهو ابن تسع عشر سنة فرفع الحسين سبابته إلى السماء وقال:

اللهم أشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه.

اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فانّهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا.

ثم صاحعليه‌السلام : يا بن سعد ، ما لك ؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم رفع صوته وتلى:( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عليم ) (١) .

ثم حمل علي بن الحسين على القوم وهو يقول:

____________________

(١) سورة آل عمران: ٣٣.

٢٦٤

أنا علي بن الحسين بن علي

من عصبة جدّ أبيهم النبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي علوي

ولم يزل يقاتل حتى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم ، ثم رجع إلى ابيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال:

يا أباه العطش قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟

وبكى الحسينعليه‌السلام وقال: يا بني ، يعزّ على محمد وعلي وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يا بني هات لسانك فأخذه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه وقال: امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فانّي أرجو أنك لا ترجع حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

فرجع علي بن الحسينعليه‌السلام إلى موضع النزال ، وقاتل أعظم القتال وهو يقول:

الحرب قد بانت لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا تفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء ، فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً ، فلمّا بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته:

٢٦٥

يا أبتاه هذا جدّي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول لك: العجل العجل فان لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة.

فصاح الحسينعليه‌السلام : قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على الدنيا بعدك العفا.

كنت السواد لناظري

فعليك يبكي الناظر

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت اُحاذر

قال حميد بن مسلم: فكأنّي انظر إلى امرأة خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور وتقول:

يا حبيباه ، ويا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه.

فسألت عنها فقيل لي: هي زينب بنت علي عليها وعلى أبيها السلام ، وجاءت وانكبّت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام وأخذها بيدها فردّها إلى الفسطاط وأقبل بفتيانه وقال: احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه ، فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

يا كوكباً ما كان أقصر عمره

وكذاك عمر كواكب الأسحار

جاورت أعدائي وجاور ربّه

شتّان بين جواره وجواري(١)

____________________

(١) من قصيدة لابن الفارض ينعى فيها ولده.

٢٦٦

[المجلس السادس عشر]

لمـّا قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة تعلّق الناس بزمام الناقة فقال: دعوها فانّها مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده.

فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير ، فبركت على باب أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاري(١) رضى الله تعالى عنه ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونادى أبو أيوب:

يا اُمّاه افتحي الباب ، فقد قدم سيّد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، ففتحت الباب وقالت:

واحسرتاه ، ليت لي عيناً أبصر بها وجه سيّدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت عمياء ، فكان أوّل معجزة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع كفّه الشريفة على وجه اُمّ أيّوب فانفتحت عيناها.(٢)

____________________

(١) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عَوف النجار ، أبو أيوب الأنصاري ، معروف باسمه وكنيته ، من السابقين ، شهد العقبة وبدراً وما بعدها ، ونزل عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا قدم المدينة ، استخلفه الإمام عليعليه‌السلام على المدينة لمـّا خرج إلى العراق ، ثمّ لحق به وشهد معه قتال الخوارج.

وروي عن سعيد بن المسيب أنّ أبا أيوب أخذ من لحية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً ، فقال له: «لا يُصيبك السوء يا أبا أيّوب».

انظر: الإصابة ٢: ١٩٩ - ٢٠١ ترجمة رقم «٢١٦٨» ، تجريد أسماء الصحابة ١: ١٥٠ ، تقريب التهذيب ١: ٢١٣.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١: ١٣٣ ، بحار الأنوار ١٩: ١٢١ ح ٧.

٢٦٧

وروي بسند معتبر أنّ أبا أيّوب أتى بشاة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عرس فاطمةعليها‌السلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها ، فشقّ ذلك على أبي أيّوب ، ثمّ أمر بذبحها ، فذبحها ابن جبير الأنصاري بعد يومين ، فلمّا طبخت أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا تأكلوا الابسم الله ، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله انّ أبا أيّوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتّها ، وانّك قادر على إعادتها فاحيها يا حي لا إله إلا أنت ، فأحياها الله تعالى ، وجعل فيها بركة لأبي أيّوب ، وشفاء المرضى في لبنها ، وسمّاها أهل المدينة: المبعوثة.(١)

وفيها قال عبد الرحمن بن عوف:

ألم يبصروا شاة ابن زيد وحالها

وفي أمرها للطالبين مزيد

وقد ذبحت ثم استحر أهابها

وفصلها فيما هناك يزيد

فأرجعها ذو العرش والله قادر

فعادت بحال ما يشاء يعود(٢)

وفي خبر عن سلمانرضي‌الله‌عنه : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نزل دار أبى أيّوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير ، فذبح له الجدي وشواه ، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّمه بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن ينادي: من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيّوب ، فجعل أبو أيّوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتى امتلأت الدار ، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باقٍ ، فضجّ الناس بالشهادتين.(٣)

وعن علي بن إبراهيم: ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١: ١٣١.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١: ١٣١.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١: ١٣١ - ١٣٢.

٢٦٨

عليه وآله يوم خروجه إلى الغار حتى وقف على بابه وقال:

هذه قدم محمد ، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان.

وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس فوقف على باب الغار وهو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس ها هنا.

وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب ، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار ، وأمر العنكبوت فنسجت ، وأمر حمامتين بفم الغار.

ولما قربوا منه تقدم بعضهم لينظر ، ثمّ رجع فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد.(١)

[وفي نهج البلاغة(٢) من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام في الخطبة القاصعة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي ، فوالذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها ، وجاءت ولها دويّ شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وببعض أغصانها على منكبه ، وكنت على يمينه ، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا علوّاً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها.

فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب اقبال وأشدّه دويّاً ، وكادت تلتف برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا كفراً وعلواً:

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١: ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ (القاصعة): ٢٨٥ ، مناقب آل أبي طالب ١: ١٢٩.

٢٦٩

فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه ، فأمره فرجع.

لحا الله أهل العناد ، كم رأوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمثال ذلك ، فلم يقلعوا عن عنادهم ، وكم له عليهم من نعمة جعلوا جزاءها قتل ذرّيّته ،- وسبي عترته ، ولقد وقف الحسينعليه‌السلام متّكئاً على سيفه ، ووعظهم فلم يتّعظوا ، وذكّرهم فضل جدّه وأبيهعليهما‌السلام فلم يذّكّروا ، فكان من جملة كلامه يومئذ:

أنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم [الله] هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ اُمّي فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ؟

قالوا: اللهم نعم.

الى أن قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا متقلّده ؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم الله هل تعلمون انّ هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لابسها ؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، ولواء الحمد بين يديّ يوم القيامة ؟

٢٧٠

قالوا: قد علمنا ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.

فلمّا سمع بناته وأخواته ذلك بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهن ، فوجّه إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً وقال: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

و لمـّا رأى الحسينعليه‌السلام حرص القوم على القتال قال لأخيه العباس: إن استطعت يا أخي أن تصرفهم عنّا هذه الليلة فلعلّنا نصلّي لربّنا فانّه يعلم أنّي أحبّ الصلاة له ، وتلاوة كتابه.

فسألهم العباس ذلك فتوقّف ابن سعد.

فقال له ابن الحجاج: والله لو أنهم من الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأجابوهم إلى ذلك.

وجلس الحسينعليه‌السلام فخفق برأسه ثم استيقظ ، فقال: يا اُختاه انّي رأيت الساعة جدّي وأبي وأخي وهم يقولون:

يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب ، فلطمت زينب وجهها وبكت وصاحت:

واثكلاه يا جداه يا رسول الله ، وا أخاه وا حسيناه ، أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير واُغمي عليها.

فقال لها الحسينعليه‌السلام : مهلا لا تشمت القوم.

وبات الحسينعليه‌السلام في تلك الليلة وأصحابه ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد.

سمة العبيد من الخشوع عليهم

لله إن ضمّتهم الأسحار

وإذا ترجّلت الضحى شهدت لهم

بيض القواضب أنّهم أحرار

٢٧١

[المجلس السابع عشر]

عن أنس بن مالك قال: كان إذا فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجل سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده.(١)

وعن جابر بن عبد الله الانصاري(٢) ، قال: بينا أنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في اخريات الناس يلاحظ الضعيف فانتهى إليَّ وأنا أقول:

يا لهف اُمّاه ما زال الناضح بسوء.

فقال: من هذا ؟

فقلت: أنا جابر بأبي واُمّي يا رسول الله.

قال: ما شانك ؟

قلت: أعيا ناضحي.

فقال: أمعك عصا ؟

قلت: نعم.

فضربهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ بعثه ، ثمّ أناخه ، ووطئ على ذراعه ، وقال: اركب ، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبق جمله ، فاستغفر لي تلك الليلة

____________________

(١) مكارم الأخلاق ١: ٥٥ ح ٣٤ ، بحار الأنوار ١٦: ٣٣٣.

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الخزرجي الأنصاري السلمي ، المتوفّى سنة ٧٨ ه ، صحابي ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكثير ، وروى عنه جماعة من الصحابة ، غزا تسع عشرة غزوة ، كانت له في أواخر أيّامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم.

انظر: رجال الشيخ: ٧٢ ، الأعلام ١: ٢١٣ ، تهذيب الأسماء ١: ١٤٢.

٢٧٢

خمساً وعشرين مرّة.

فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد - يعني أباه - ؟

قلت: سبع نسوة.

قال: أبوك عليه دين ؟

قلت: نعم.

قال: فإذا قدمت المدينة وحضر جذاذ النخل فآذني ، هل تزوّجت ؟

قلت: نعم.

قال: بمَن ؟

قلت: بفلانة ابنة فلان بأيم(١) كانت بالمدينة.

فقال: يا جابر ، هلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟

قلت: يا رسول الله كن عندي نسوة خرق - يعني أخواته - فكرهت آتيهن بامرأة خرقاء ، فقلت: هذه أجمع لأمري.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أصبت ورشدت.

بكم اشتريت جملك ؟

قلت: بكذا وكذا - بخمس أواق من ذهب -.

قال: بعينه ولك ظهره إلى المدينة.

فلمّا قدم المدينة أتيته بالجمل ، فقال: يا بلال اعطه خمس أواق ثمنه وزده ثلاثاً وردّ عليه جمله.

قال جابر: فلمّا حضر جذاذ النخل أعلمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء فدعا لنا فجذذنا ، فاستوفى كلّ غريم ما كان يطلب تمراً ، وبقي لنا مثل ما كنا نجذ وأكثر.

____________________

(١) أيم وزان كيس ، المرأة التي لا زوج لها ، وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.

٢٧٣

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفعوا ولا تكيلوا ، فرفعناه وأكلنا منه زماناً.(١)

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر(٢) : أنّ جابراً عبد الله الأنصاري قال للإمام الباقرعليه‌السلام وهو صغير: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسلم عليك.

فقيل له: وكيف ذلك ؟

قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يقبّله فقال:

يا جابر يولد للحسين مولود اسمه علي ، وإذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: ليقم زين العابدين ، فيقوم علي بن الحسينعليهما‌السلام ، ثمّ يولد لعلي ولد اسمه محمّدعليه‌السلام فإذا أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام.

وكان جابر هذا من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمين والحسن والحسين ، وأدرك الامام محمد الباقرعليهم‌السلام ولم يشهد وقعة الطف لكونه إذ ذاك مكفوفاً ، لكنّه أوّل من زار الحسينعليه‌السلام .

قال السيد: و لمـّا رجع نساء الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل: مرّ بنا على طريق كربلاء ، فوجدوا جابراً بن عبد الله الأنصاريرحمه‌الله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد.(٣)

قال ابن جناب الكلبي(٤) : حدّثنا الجصّاصون ، قالوا: كنّا نسمع الجن

____________________

(١) الأنوار في شمائل النبي المختار ١: ٣١٣ ح ٤١٠ ، مكارم الأخلاق ١: ٥٥ ح ٣٥.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٠١.

(٣) مقتل الحسين لأبي مخنف: ٢٢١.

(٤) في الأصل: أبي حباب الكلبي ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو يحيى بن أبي حيّة الكلبي الكوفي ، حدّث عن أبيه والشعبي وغيرهم ، انظر «الإكمال ٢: ١٣٤».

٢٧٤

ينوحون عليه فيقولون:

مسح النبيّ جبينه

فله بريق في الخدودِ

أبواه من عَليا قريـ

ـش وجدّه خير الجدودِ(١)

ثم انفصلوا من كربلاء ، فلمّا قربوا من المدينة ، قال الإمام زين العابدين:

يا بشر رحم الله أباك ، لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه ؟

فقال: بلى يا بن رسول الله.

فقال: ادخل المدينة وانع أبا عبد اللهعليه‌السلام .

قال بشر: فركبت فرسي ، فلمّا بلغت المسجد رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدارُ

ثمّ قلت: هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم [اُعرفكم مكانه].

قال: فما بقيت بالمدينة مخدّرة ولا محجّبة الابرزن من خدورهنّ ، مخمّشات وجوههنّ ، ضاربات خدودهنّ ، يدعونّ بالويل والثبور ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول:

____________________

(١) وقد نسب البيهقي في (المحاسن والمساوئ ١: ٤٩) هذه الأبيات الى الشاعر كعب بن زهير ، والظاهر انّه كعب بن زهير الصحابي ، ولم أجد الأبيات المنسوبة إليه في غير هذا الكتاب ، فإن صحّت هذه النسبة ، فهي ممّا كتمت في أيّام الأمويّين والعباسيّين.

٢٧٥

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا

وأمرضني ناع نعاه فأوجعا

فعينيّ جودا بالدموع واسكبا

وجودا بدم بعد دمعكما معا

على من وهي عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على ابن نبيّ الله وابن صفيه

وإن كان عنّا شاحط الدار أشسعا(١)

قال بشر: فضربت فرسي ورجعت ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فقربت من باب الفسطاط ، وكان زين العابدينعليه‌السلام داخلاً فخرج ومعه خرقة يمسح فيها دموعه ، وخلفه خادم ومعه كرسي فوضعها له فجلس عليها وهو لا يتمالك من البكاء ، وارتفعت أصوات الناس ، وضجّت النساء بالحنين والصراخ ، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.

ثم خطب الناس خطبة لم يسمع أبلغ منها ، ثم رحل إلى المدينة ، فنظر إلى تلك المنازل تنوح بلسان حالها ، وتبكي لفقد حماتها ورجالها ، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم: وا ثكلاه ، وا ذلّاه.

مدارس آيات خلت من تلاوةٍ

ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

ما ذنب أهل البيت حتى

منهم أخلوا ربوعه

تركوهم شتّى مصا

رعهم وأجمعا فظيعة

____________________

(١) زينة المجالس: ٥٣٤.

٢٧٦

[المجلس الثامن عشر]

كانت وقعة بدر التي أظهر الله بها الدين ، وكسر فيها سورة المشركين ، صبيحة الجمعة لسبعة عشر ليلة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، وكان خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة المنوّرة ثالث الشهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، منهم سبعة وسبعون من المهاجرين ، والباقون من الأنصار ، ولم يكن معهم إلا فرسان ؛ أحدهما للمقداد ، وكانت الأبل سبعة عشر يتعاقبون عليها.

وأقبلت قريش بخيلائها وحيلها ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً ؛ وقيل: كانوا ألفاً ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير.

وعبّأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه ، وكانت رايته بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتقارب الفيلقان ، فبرز من المشركين عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، وابنه الوليد ، وكانوا عظماء قريش ، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً بالبروز إليهم ، وأرسل معه عمّه الحمزة ، وعبيدة بن الحرث.

فشدّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على الوليد فقتله ، وشد الحمزة على عتبة فقتله ، وبارز عبيدة شيبة فاختلف بينهما ضربتان قطعت ضربة شيبة فخذ عبيدةرحمه‌الله تعالى ، فكرّ أمير المؤمنين وحمزة على شيبة فقتلاه ، فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وهن لحق المشركين وذلّ دخل عليهم.

ثمّ بارز أمير المؤمنينعليه‌السلام العاص بن سعيد بن العاص - بعد أن

٢٧٧

أحجم عنه سواه - فقتله ، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز إليه طعيمة ابن عدي - وكان من رؤوس الضلال - فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد ، وكان من شياطين قريش ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه ، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة وعذّبهما يوماً إلى الليل ، وبرز زمعة بن الأسود والحارث بن زمعة كانا من أشدّ المشركين وطأة على المسلمين فقتلهما ، وقتل بعدهما عمير بن عثمان ابن كعب بن تيم ، وهو عمّ طلحة بن عبيد الله ، وبرز بعد عمير أخيه ، وهما عثمان ومالك ابنا عبيد الله وكانا أخوي طلحة فقتلهما أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وصمد إلى صناديد قريش يقتل كلّ من برز إليه ، حتى أتى على نصف المقتولين من المشركين ، وكانوا سبعين رجلاً ، تولّى جميع من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاث آلاف من الملائكة المسوّمين قتل النصف منهم ، وتولّى أمير المؤمنين قتل النصف الآخر وحده بمعونة الله عزّ وجل وكان الفتح على يده.

وختم الأمر بكفّ من تراب تناوله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرمى به وجوه المشركين قائلاً: شاهت الوجوه.

فلم يبق أحد منهم الا ولّى منهزماً ، ونصر الله عبده ، وأنجز وعده ، فغنم المسلمون أموال المشركون ، وأسروا سبعين من رجالهم ، فكان العبّاس ممّن اُسر يومئذ وجيء به مكتوفاً ، فبات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة ساهراً ، فقال له أصحابه:

يا رسول الله ، ما لك لا تنام ؟

فقال: سمعت تضوّر العباس في وثاقه فمنعني من النوم.

فقاموا إليه فأطلقوه ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٧٨

بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، أخذك الأرق ، واعتراك القلق ، بوثاق عمّك وقد كان مع المحاربين لك ، على أنّه لم يكن عليلاً ولا ظمآناً ، ولا أضرّه الوثاق ، ولا كان مفجوعاً بأبيه ، ولا مرزوءاً بجمع أهليه ، ولا كان رأس أبيه في أعلى السنان ، ولا طافوا به وبنسائه سبايا في البلدان ، فكيف بك يا رسول الله لو رأيت مريضك العليل والجامعة في عنقه ، والغل في يديه ، والقيد في ساقيه ، وليتك تراهم وقد اجتمعوا عليه يريدون قتله ، فقلبوه عن نطع مسجّى عليه ، وتركوه على الرمضاء ، وحرارة الشمس ، وحرّ المصيبة ، وألم السقم ، يرى خياماً منهوبة ، ونساءً مسلوبة ، ورؤوساً على الرماح مرفوعة ، وجثثاً تحت سنابك الخيل مرضوضة ، يعزّ عليك يا نبي الله إذ ساقوا ثقلك وحرائرك حتى أدخلوهم على يزيد بن معاوية لعنهما الله وهم مقرونون بالحبال ، فلمّا وقفوا بين يديه قال له سبطك علي بن الحسينعليهما‌السلام :

أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو رآنا على هذه الصفة ؟

فأمر اللعين بالحبال فقطعت ، ثم وضع رأس ريحانتك بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرون إليه ، فرأته اُمّ المصائبعليها‌السلام فأهوت إلى جيبها فشقّته ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح القلوب:

يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكّة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، يا بنت المصطفى ، فأبكت والله كلّ من كان حاضراً.

يا ليت عين المصطفى نظرت إلى

اُمّ المصائب حولها أيتامها

ما بين نائحة وصارخة غدت

ترثي كما يرثي الفراخ حمامها

لهفي لهاتيك الحرائر أصبحت

يقتاد قسراً للئيم زمامها

٢٧٩

[المجلس التاسع عشر]

خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اُحد يوم الجمعة في شوال سنة ثلاث من الهجرة في ألف مقاتل ، فرجع منهم قبل الوصول إلى اُحد ثلاثمائة من المنافقين ، وبقي سبعمائة ، فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان ، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ، ومعهم مائة فرس ، وثلاثة آلاف جمل وخمسة عشر امرأة ، وقائدهم أبو سفيان ، خرج لحرب الله ومعه ولده معاوية وزوجته هند ، وخرج عمرو بن العاص بزوجته ريطة بنت منبّه ، والتقوا يوم السبت ، وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل.

ونزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشعب من اُحد وتركه خلفه ، وجعل الرماة وهم خمسون وراءه ، ليحموا ظهور المسلمين ، وأمرهم أن لا يفارقوا مراكزهم على كلّ حال.

وأعطى رايته عليّاًعليه‌السلام ، وسأل عن لواء المشركين فقيل: مع بني عبد الدار ، فأعطى لواءه مصعب بن عمير لأنّه منهم.

فلمّا استشهد أخذ علي بن أبي طالبعليه‌السلام في يده الراية واللواء جميعاً ، وحمى الوطيس ، فشدّ أمير المؤمنين على صاحب اللواء وهو طلحة بن أبي طلحة وكان أشجع القوم ، ويعرف بكبش الكتيبة ، فضربه على رأسه ضربة بدرت بهاعيناه ، فصاح صيحة منكرة واسقط اللواء ، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيراً عالياً ، وكبّر المسلمون بأجمعهم ، وتضعضع عسكر الشرك

٢٨٠