المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه16%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50511 / تحميل: 5622
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [10 / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (1) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(2) ، والمصدر

________________________

(1) إبراهيم ، مكية ، 14 : 33.

(2) تفسير التبيان 6 : 297 / مجمع البيان 3 : 316 / تفسير الفخر الرازي 19 : 128 / الجامع لأحكام

٨١

« دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(1) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(2) قدس الله روحه في شرحالإشارات(3) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن 9 : 367 / المفردات : 174.

(1) الصحاح 1 : 123 / تاج العروس 1 : 242 مادة ( دأب ) فيهما.

(2) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة 672 هـ = 1273 م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات 6 : 300 رقم 588 / تاسيس الشيعة : 395 / تنقيح المقال 3 : 179 رقم 11322 / شذرات الذهب 5 : 339 / البداية والنهاية 13 : 267 / جامع الرواة 2 : 188 / تاريخ مختصر الدول : 286 / فوات الوفيات 3 : 246 رقم 414 / تاريخ آداب اللغة العربية 2 : 245رقم 1 / أعيان الشيعة 9 : 414 / نقد الرجال : 331 رقم 691 / أمل الآمل 2 : 299 رقم 904.

(3) شرح الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٨٢

و سرعة حركة القمر(1) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[11 / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(3) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(4) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(2) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(3) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب 3 : 342 و 7 : 284 / مجمع الامثال 1 : 265 ت 1395. (4) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، 69 : 16 ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، 82 : 1 و 2 ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٣

تكملة :

أرادعليه‌السلام بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (1) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ 11 / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(2) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ 12 / أ ] لهذه

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : 33 ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٤

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (1) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(2) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) تفسير الكشاف 4 : 16 ، انوار التنزيل 4 : 188.

٨٥

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(1) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(2) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(3) ، انتهى [12 / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (4) أنّ المراد بها الأفلاك(5) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(1) انظر : لسان العرب 10 : 478 ، مادة ( فلك ).

(2) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة 440 هـ = 1048 م له ترجمه في : اللباب 1 : 197 / عيون الأنباء : 459 / الأعلام 5 : 314 / معجم الادباء 17 : 180 رقم 62 / تاريخ مختصر الدول : 186 / روضات الجنات 7 : 351 رقم 669 / الذريعة 1 : 507 رقم 2501 / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(3) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : 45 / وانظر فرهنك جامع آنندراج 1 : 72.

(4) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(5) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٦

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(1) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

91 : 491 / والفخر الرازي في تفسيره 31 : 27 ـ 32 بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود 9 : 96 / والبيضاوي 5 : 171 / والبحر المحيط 9 : 491 / والنهر الماد 8 : 418 / الكشاف4 : 693.

(1) مجمع البيان 5 : 430

٨٧

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(1) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(2) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [13 / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(3) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(4) .

والعجب من المحقق الدواني(5) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(1) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة 756 هـ = 1355 م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة 2 : 322 رقم 2278 / طبقات الشافعية الكبرى 6 : 08 1 / شذراتالذهب 6 : 174 / هدية ألأحباب : 218 / بغية الوعاة 2 : 75 رقم 1476 / روضات الجنات 5 : 49 رقم 438 / معجم المؤلفين 5 : 119 / الأعلام 3 : 295 / الكنى والألقاب 2 : 472.

(2) المواقف : 208.

(3) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول 2 : 348.

(4) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(5) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٨

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(1) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : 902 ، 906 ، 907 ، 908 ، 918 ، 928 هـ = 1496 ـ 1521 م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : 154 / الضوء اللامع 7 : 133 / شذرات ألذهب 8 : 170 ، معجم المؤلفين 9 : 47 / الأعلام 6 : 32.

(1) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول 2 : 204 هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٨٩

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [13 / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (1) (2) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(1) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(2) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « 5 » صحيفة : 15 وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع 2 : 600] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى « فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، 51 : 4 ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩٠

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(1) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [14 / أ]عليه‌السلام من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(1) شرح الإشارات والتنبيهات 2 : 32.

٩١

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (1) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(2) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(3) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(4) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(1) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(2) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة 427 وقيل 28 هـ = 1035 ـ 1036 م.

له ترجمة في روضات الجنات 3 : 170 ت 268 / وفيات الأعيان 2 : 157 ت 190 / مرآة الجنان 3 : 47 / الكنى وألألقاب 1 : 320 / عيون الأنباء : 437 / خزانة ألأدب 4 : 466 / لسان الميزان 2 : 291 ت 1218 / سير أعلام النبلاء 17 : 531 ت 356 / الجواهر المضية 2 : 63 / البداية والنهاية12 : 42 / ميزان ألاعتدال 1 : 539 ت 2014 / دائرة ألمعارف الاسلامية 1 : 203 / وغيرها كثير.

(3) الشفاء 2 : 45 ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(4) الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٩٢

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (1) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ 14 / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(2) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(1) الاسراء ، مكية ، 17 : 44.

(2) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٣

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(1) .

________________________

(1) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح 5 : 2071 / القاموس 1518 / مجمل اللغة 1 : 102 / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب 13 : 23.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

1 ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

2 ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٤

.............................................................................

________________________

3 ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

4 ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة 227.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، 49 : 14]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي 2 : 24 ـ 28 / معاني الأخبار : 186 ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر2 : 331 بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي 1 : 245 / بحار الأنوار65 : 225 ـ 309 / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 436 / تجريد الاعتقاد : 309 / كشف

٩٥

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (1) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(2) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(3) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : 454 / توضيح المراد : 874 / تفسير القمي 1 : 30 / مقالات الاسلاميين : 132 / 266 / الفصل في الملل والنحل 3 : 225 / 39 / الذريعة إلى مكارم الشريعة 1 : 126 ـ 130 / فتح القدير 1 : 34 / الكشاف 1 : 37 / كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 94 / المفردات : 25 / حاشية الكنبوي على شرح الجلال 1 : 195. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية 3 منسورة البقرة.

(1) يونس ، مكية ، 10 : 5.

(2) الصحاح 5 : 1978 / تاج العروس 8 : 374 / المفردات : 315. وانظر للتفصيل ، لسان العرب12 : 377.

(3) معجم مقاييس اللغة 1 : 311 / تاج العروس 8 : 206 / لسان العرب 12 : 56.

٩٦

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(1) [15 / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(2) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(3) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(1) ينظر صحاح اللغة 4 : 1350 و 1421 / القاموس : 1097 / تاج العروس 6 : 84 ، 232 / وانظر المفردات : 148 المواد ( خسف ، كسف ).

(2) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(3) مفتاح العلوم : 86 ، 181.

٩٧

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(1) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(2) .

________________________

(1) انظر صحيفة : 91 ، بحث « خاتمة ».

(2) مخطوط لم ير النور بعد.

٩٨

تتمة : [15]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (1) (2) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (3) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(1) البقرة ، مدنية ، 2 : 7.

(2) أنظر الكشاف للزمخشري 1 : 53.

(3) مريم ، مكية ، 19 : 45.

٩٩

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (1) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (2) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [16 / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(3) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(4) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(5) .

________________________

(1) طه ، مكية ، 120 : 20.

(2) التغابن ، مدنية ، 64 : 1.

(3) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير 17 : 35.

(4) تجريد الاعتقاد : 167.

(5) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار 1 : 245 ، كشّاف اصطلاحات

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

[المجلس الثامن والعشرون]

ومن خطبة لهعليه‌السلام :

وكم أكلت الأرض من عزيز جسد ، وأنيق لون ، كان في الدنيا غذيّ ترف ، وربيب سرف ، يتعلّل في السرور في ساعة حزنه ، ويفزع إلى السلوة انّ مصيبة نزلت به ، ضنّاً بغضارة عيشه ، وشحّاً بلهوه ولعبه ، فبينا هو يضحك إلى الدنيا ، وتضحك الدنيا إليه ، في ظلّ عيش غفول ، إذ وطأ الدهر به حسكه ، ونقضت الأيّام قواه ، ونظرت إليه في الحتوف من كثب ، فخالطه بثّ لا يعرفه ، ونجيّ هم ما كان يجده ، وتولّدت فيه فقرات علل ، آنس ما كان بصحّته، ففزع إلى ما كان عوّده الأطباء ، من تسكين الحرّ بالقارّ ، وتحريك البارد بالحار ، فلم يطفئ ببارد إلا ثورة حرارة ، ولا حرّك بحار إلا هيّج برودة ، حتى فنر معلله ، وذهل ممرضه ، وتعايا أهله بصفة دائه ، وخرسوا عن جواب السائلين عنه ، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه ، فقائل: هو لما به ، وممّن لهم ايّاب عافيته ، ومصبّر لهم على فقده ، يذكرهم أسى الماضين من قبله ، فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا ، وترك الأحبّة ، إذ عرض له عارض من غصصه ، فتحيّرت نوافذ فطنته ، ويبست رطوبة لسانه.

إلى أن قالعليه‌السلام : وإنّ للموت لغمرات ، هي أفضع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا.(١)

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١: ١٥٢.

٣٢١

وتالله لا يهوّن سكرات الموت إلا ولاء آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّ مواليهم ليبشّره ملك الموت ثمّ منكر ونكير بالجنّة ، وإنّ الملائكة لتزفّ أرواح مواليهم إكراماً لهم حتى تدخلها عليهم كما تزفّ العروس الى زوجها ، وأيم الله إنّ من تمام موالاتهم الحزن لحزنهم ، والبكاء على ما أصابهم ، فحدّثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة ، وتأسّفوا على ما فاتكم من الفوز بتلك النصرة ، واذكروا واعية الحسين ، وحاله وهو بين ثلاثين ألفاً وحيداً فريداً ، قد حال العطش بينه وبين السماء كالدخان ، وقد نزف دمه ، والحجارة والسهام تأتيه من كلّ جانب ، وأهل بيته وأصحابه كالأضاحي حوله ، ونساؤه نوائح ونوادب من خلفه ، وهو تارة يصبّرهم ويعزّيهم ، وتارة يعظ القوم وينذرهم ، ومرّة ينعى أصحابه ويرثيهم ، واُخرى يقف على جثثهم ويمسح الدماء عن وجوههم...

و لمـّا وقف على ولده علي الأكبر وهو ابن تسع عشرة سنة ، وكان أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، فوجده مقطّعاً إرباً إرباً ، نادى بأعلى صوته: قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا...

و لمـّا وقف على ابن أخيه القاسم(١) وهو ابن ثلاث عشرة سنة ووجده يفحص برجليه الأرض ، قال: عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يغني عنك.

ثمّ وضع خدّه على خدّ الغلام واحتمله ورجلاه يخطّان الأرض ، ففتح الغلام عينيه ، وتبسّم في وجه عمّه ثمّ فاضت نفسه الزكية ، فوضعه بين القتلى من

____________________

(١) هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أخو أبي بكر بن الحسن لأبيه واُمّه المقتول قبله. انظر: مقاتل الطالبيين: ٥٠.

٣٢٢

أهل بيته...

و لمـّا وقف على أخيه العباس ، وهو كبش كتيبته ، وحامل لوائه ، وموضع سرّه ، ووجده مرضوخ الهامة بعمود من حديد ، مقطوع الساعدين ، وضع يده على خاصرته ونادى:

الآن انكسر ظهري ، الآن قلّت حيلتي وشمت بي عدوي.

هوى عليه ما هنالك قائلاً

الآن بان عن اليمين حسامها

الآن آل إلى التفرّق جمعنا

الآن حلّ من البنود نظامها

الآن نامت أعين بك لم تنم

وتسهّدت اُخرى فعزّ منامها

أشقيق روحي هل تراك علمت إذ

غودرت وانثالت عليك لئامها

من مبلّغٌ أشياخ مكّة أنّه

قد قلّ ناصرها وغاب همامها

٣٢٣

[المجلس التاسع والعشرون]

ومن خطبة لهعليه‌السلام :

أمّا بعد: فانّي احذركم الدنيا ، فانّها حلوة خضرة ، حُفت بالشهوات ، وتحببت بالعاجلة ، وراقت بالقليل ، وتحلّت بالآمال ، وتزيّنت بالغرور ، لا تدوم حبرتها(١) ، ولاتؤمن فجعتها ، غرّارة ضرّارة ، حائلة زائلة ، نافذة بائدة ، أكّالة غوّالة ، لا تعدو إذا تناهت إلى اُمنية أهل الرغبة والرضا بها ، أن تكون كما قال الله تعالى:( كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّيَاحُ وَكَانَ اللّهُ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً ) (٢) لم يكن امرؤ منها في حبرة ، إلا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق من سرائها بطناً ، إلا منحته من ضرّائها ضهراً ، ولم تطله فيها ديمة رخاء ، إلا هتنت عليه مزنة بلاء ، وحريّ إذا أصبحت له منتصرة ، أن تمسي له متنكّرة ، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى(٣) ، لا ينال امريء من غضارتها رغباً ، إلا أرهقته من نوائبه تعباً ، ولا يمسي منها في جناح أمن، إلا أصبح منها على قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى ، من استقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر ممّا يوبقه ، وزال عمّا قليل عنه ، كم واثق منها فجعته ، وذوي طمأنينة لها قد صرعته ، وذي ابهة قد جعلته حقيراً ،

____________________

(١) قالرحمه‌الله : حبرتها: يعني بهجتها وسرورها.

(٢) سورة الكهف: ٤٥.

(٣) قالرحمه‌الله : أي كثر فيه الوباء.

٣٢٤

وذي نخوة قد ردّته ذليلاً ، سلطانها دول ، وعيشها رنق(١) ، وعذبها اجاج ، وحلوها صبر ، وغذاؤها سمام ، وأسبابها رمام ، حيّها بعرض موت ، وصحيحها بعرض سقم ، ملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب.(٢)

هذه أنبياء الله وأصفياؤه تغلّبت عليهم الجبابرة ، وتحكّمت فيهم أعداء الله حتى كان بنو اسرائيل ربّما يقتلون بين طلوعي الفجر والشمس سبعين نبيّاً ، ثم يجلسون في أنديتهم كأنّهم لم يفعلوا شيئاً.

ولما بعث الله إسماعيل بن حزقيل الى قومه سلخوا جلده ووجهه وفروة رأسه ، فأتاه ملك من ربّه عزّ وجل يقرؤه السلام ويقول له: قد أمرني الله بطاعتك ، فمرني بما شئت ، فقالعليه‌السلام : لي بالحسين اُسوة.

بأبي أنت واُمّي يا أبا عبد الله.

بأبي أنت وامي يا من تأسّت به أنبياء الله ، لئن سلخت جلدة وجه إسماعيل وفروة رأسه في سبيل الله ، فلقد أصابك في إعلاء كلمة الله من ضرب السيوف ووخز الأسنّة ، ورمي الأحجار ، ورشق النبال ، ووطيء الخيل ، وعسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ما هو أعظم من ذلك.

تأسّت بك أنبياء الله لكن لم يبلغوا شأوك ، ولا اُصيبوا بما اصبت ، وهل مُني أحد من العالمين بما منيت به ؟ فررت بدمك من حرم جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حرم الله عز وجل حيث يأمن الوحش والطير ، فلم تأمن فيه على نفسك ،

____________________

(١) قالرحمه‌الله : الرنق: الكدر.

أقول: يقال: عيش رنق - بكسر النون -: أي كدر ، وماء رنق - بالتسكين -: أي كدر ، والرنق - بفتح النون -: مصدر قولك: رنق الماء - بالكسر - ورنقته أنا ترنيقاً أي كدرته.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧: ٢٢٦.

٣٢٥

ففرت منهم لما خفتهم بعيالك وأطفالك وأهل بيتك ، فلاقيت من أعداء الله ما رفع الله به قدرك ، وعظم به أمرك ، ولقد يعزّ على جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يراك بين ثلاثين ألفاً لا ناصر لك ولا معين ، وأبناؤك واخوتك وأهل بيتك والخيرة من شيعتك مجزّرين كالاُضاحي نصب عينيك ، ورضيعك يذبح وهو على يديك ، وحرمك نوائح ونوادب من خلفك ينادين: واغربتاه ، واضيعتاه.

وبالعزيز على فاطمة الزهراء أن تراك يا عزيزها بين جموعهم وقد ضعفت عن القتال ، ونزف دمك من كثرة الجراح، وحال العطش بينك وبين السماء كالدخان ، وأنت تنادي:

أما من ناصر فينصرنا ؟

أما من مغيث فيغيثنا ؟

وليت رسول الله رآهم وقد افترقوا عليك أربعة فرق: فرقة بالسيوف ، وفرقة بالرماح ، وفرقة بالسهام ، وفرقة بالحجارة ، حتى ذبحوك عطشاناً من القفا ، وأنت تستغيث فلا تغاث.

ثمّ هجموا على ودائع النبوّة فسلبوهنّ ونهبوا خيامهن ، وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حافيات حاسرات ، معوّلات مسلبات ينادين:

وامحمداه واعليّاه ، وما اكتفوا بذلك حتى أجالوا الخيل على جسدك الطاهر ، ورفعوا رأسك على رمح طويل ، وساقوا نساءك وهن عقائل الوحي سبايا ، كأنهنّ من كوافر الديلم ، حتى أدخلوهن تارة على ابن مرجانة ، واُخرى على ابن آكلة الأكباد.

وأعظم ما يشجي الغيور دخولها

على مجلس ما بارح اللهو والخمرا

يعارضها فيه الدعي مسبّة

ويصرف عنها وجهه معرضاً كبرا

٣٢٦

[المجلس الثلاثون]

ومن كلام لهعليه‌السلام :

الدنيا دار مني لها الفناء ، ولأهلها منها الجلاء ، وهي حلوة خضراء ، قد عجلت للطالب ، والتبست فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد ، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف ، ولا تطلبوا فيها أكثر من البلاغ.(١)

هذا الكلام كان من عليعليه‌السلام وفق فعله ، فانّه ما شبع من طعام قط ، وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً.

قال عبيد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوم عيد فقدّم إليه جراب مختوم ، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً فأكل منه ، فقلت: يا أمير المؤمنين كيف تختمه ؟

قال: خفت هذين الولدين أن يليناه بسمن أو زيت.

وكان ثوبه مرقوعاً بجلدة تارة ، وبليف اُخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرابيس(٢) ، فإذا وجد كمه طويلاً قطعه ، وكان يأتدم بخلّ أو ملح ، فان ترقّى فببعض نبات الأرض ، فان ارتفع فبقليل من ألبان الإبل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلاً ، وقد طلّق الدنيا ثلاثاً ، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام ، فيفرّقها ثم يقول:

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ١٥٢.

(٢) الكرباس - بالكسر -: ثوب من القطن الأبيض.

٣٢٧

هذا جناي وخياره فيه

إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه(١)

ورآه عدي بن حاتم(٢) وبين يديه ماء قراح ، وكسيرات من خبز الشعير فقال: لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تظل نهارك صائماً مجاهداً ، وبالليل ساهراً مكابداً ثم يكون هذا فطورك ؟ فقالعليه‌السلام :

علّل النفس بالقليل وإلا

طلبت منك فوق ما يكفيها(٣)

ولم يزل هذا دأبه ، وهذه سجيّته ، حتى ضربه أشقى الآخرين على رأسه في مسجد الكوفة صبيحة ليلة الأربعاء لتسعة عشر مضين من شهر رمضان المبارك وهو ساجد لله في محرابه ، فبلغ السيف موضع السجود من رأسه ، فقال: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله ، فزت وربّ الكعبة لا يفوتنكم ابن ملجم ، واصطفقت أبواب الجامع ، وهبت ريح سوداء مظلمة ، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض:

تهدمت والله أركان الهدى ، وانطمست والله أعلام التقى ، وانفصمت والله العروة الوثقى ، قتل ابن عم المصطفى، قتل الإمام المجتبى ، قتل علي المرتضى ، وجعل الدم يجري على وجهه ، فيخضب به لحيته الشريفة.

واقتدى به ولده أبو عبد اللهعليه‌السلام حيث رماه سنان لعنه الله بسهم

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٦.

(٢) عدي بن حاتم الطائي: أبو طريف ، كان من المنقطعين إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام والعارفين بحقّه ، صاحب المواقف المشهودة في الجمل وصفين وغيرهما ، فقئت عينه يوم الجمل ، واستشهد ابنه محمد فيها ، والآخر يوم النهروان ، قال له معاوية يوماً: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدم بنيك وأخر بنيه ! فقال عدي: بل أنا ما أنصفت علياً إذ قتل وبقيت.

انظر: الاستيعاب ٣: ١٤١ ، الاصابة ٢: ٤٦٨.

(٣) مناقب ابن شهر اشوب ٢: ٩٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦: ٢٤٦.

٣٢٨

فوقع في نحره فسقط عن جواده ، وقرن كفّيه جميعاً فكلّما امتلأتا خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول: هكذا ألقى الله وأنا مخضّب بدمي ، مغصوب حقّي.

وخرجت زينبعليها‌السلام حينئذ من فسطاطها تنادي: وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء اُطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

وقال هلال بن نافع: وقفت على الحسينعليه‌السلام وانّه ليجود بنفسه ، فو الله ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمائه أحسن منه وجهاً ، ولا أنور منه ، ولقد شغلني نور وجهه ، وجمال هيئته عن الفكرة في قتله.

ومجرّح ما غيرت منه القنا

حسناً ولا غيّرن منه جديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى

مذ ألبسته يد الدماء لبودا

٣٢٩

[المجلس الحادي والثلاثون]

ومن كلام لهعليه‌السلام بعد تلاوته( أَلْهَاکُمُ التَّکَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) (١) .

يا له مراماً ما أبعده ! وزوراً ما أغفله ! وخطراً ما أفظعه ! لقد استخلّوا منهم أي مدّكر ، وتناوشوهم من مكان بعيد.

أفبمصارع آبائهم يفخرون ! أم بعديد الهلكى يتكاثرون ! يرتجعون منهم أجساداً خوت ، وحركات سكنت ، ولأن يكونوا عِبراً ، أحقّ من أن يكونوا مفتخراً ، ولأن يهبطوا بهم جناب ذلّةٍ ، أحجى من أن يقوموا بهم مكان عزّة ، لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة ، وضربوا منهم في غمرة جهالة ، ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية والربوع الخالية ، لقالت: ذهبوا في الأرض ضلالاً ، وذهبتم في أعقابهم جهّالاً ، تطؤون في هامهم ، وتستنبتون في أجسامهم ، وترتعون فيما لفظوا ، وتسكنون فيما خربوا ، وانّما الأيّام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم.

أولاؤكم سلف غايتكم وفرّاط مناهلكم ، الذين كانت لهم مقاوم العزّ ، وحلبات الفخر ، ملوكاً وسوقاً ، سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً ، سلّطت الأرض عليهم ، فأكلت من لحومهم ، وشربت من دمائهم ، فأصبحوا في فجوات قبورهم ، جماداً لا ينمون ، وضماراً لا يوجدون..... لئن بليت آثارهم ، وانقطعت أخبارهم ، لقد رجعت فيهم أبصار العبر ، وسمعت عنهم آذان العقول ، وتكلّموا من

____________________

(١) التكاثر: ١ - ٢.

٣٣٠

غير جهات النطق ، فقالوا: كلحت الوجوه والنواضر ، وخوت الأجسام النواعم ، ولبسنا أهدام البلى ، وتكّأدنا ضيق المضجع ، وتوارثنا الوحشة ، وتكهّمت الربوع الصموت ، فانمحت محاسن أجسادنا ، وتنكّرت معارف صورنا ، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ، ولم نجد من كرب فرجاً ، ولا من ضيق مخرجاً.(١)

وتالله لا يفرج الكرب ، ولا يؤنس الوحشة إلا شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصيائهعليهم‌السلام ، وبالله لترونّ أمير المؤمنينعليه‌السلام واقفاً على شفير قبوركم يعلمكم جواب منكر ونكير ، وليبدلنّ الله وحشتكم بواسطته انساً ، وخوفكم برؤيته أمناً ، وليدخلنّ عليكم السرور في أجداثكم ، ولتقومنّ يوم القيامة سيدة نساء العالمينعليها‌السلام مقاماً تغبطون عليه وتدخلون به الجنّة.

فحقيق علينا أن نشاركها في مصيبتها التي أرزأت جبرائيل ، ونواسيها في رزيتها التي عظمت على الرب الجليل.

فيا ليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوبٍ وجريح ، ومأسور وذبيح ، وبنات الوحي والنبوة يطاف بهن من بلد إلى بلد حتى وردوا بهن الشام ، فلمّا قربوا من دمشق دنت اُمّ كلثوم من شمر لعنه الله فقالت له: لي إليك حاجة.

قال: ما حاجتك ؟

قالت: إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل نظاره.(٢)

وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها ،

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١: ١٤٥.

(٢) الملهوف: ١٧٤ ، مثير الأحزان: ٩٧.

٣٣١

ونحن في هذه الحال ، فأمر اللعين في جواب سؤالها: أن تحمل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغياً منه وكفراً ، ثم سلك بهم الطرق العامّة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق ، فأوقفوهم على درج باب المسجد ، حيث يقام السبي ، وطافوا برأس الحسينعليه‌السلام سكك دمشق وشوارعها.

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد

متزمّلاً بدمائه تزميلا

قتلوك عطشاناً و لمـّا يرقبوا

في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وانّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

٣٣٢

[المجلس الثاني والثلاثون]

ومن خطبة لهعليه‌السلام :

ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعماراً ، وأبقى آثاراً ، وأبعد آمالاً ، وأعدّ عديداً ، وأكثف جنوداً ، تعبّدوا للدنيا أي تعبّد ، وآثروها أي إيثار ، ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ، ولا ظهر قاطع ، فهل بلغكم أنّ الدنيا قد سخت لهم نفساً بفدية ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صبحة ، بل أرهقتهم بالفوادح ، وأزهقتهم بالقوارع ، وضعضعتهم بالنوائب ، وعفرتهم للمناخر ، ووطأتهم بالمناسم ، وأعانت عليهم ريب المنون ، أفهذه تؤثرون ؟ أم عليها تحصرون ؟ فبئست الدار لمن لم يتّهمها ، ولم يكن فيها على وجل منها ، فاعلموا وانتم تعلمون بأنكم تاركوها ، وظاعنون عنها ، واتّعظوا فيها بالذين قالوا من أشدّ منّا قوّة ، حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركباناً ، وانزلوا فيها فلا يدعون ضيفاناً ، وجعل لهم من الصفيح أجنان ، ومن التراب أكفان ، ومن الرفاة جيران ، فهم جيرة لا يجيبون داعياً ، ولا يمنعون ضيماً ، إن جيدوا لم يفرحوا ، وان قحطوا لم يقنطوا ، قد استبدلوا يظهر الأرض بطناً ، وبالسعة ضيقاً ، وبالأهل غربة ، وبالنور ظلمة ، فجاءوها كما فارقوها حفاةً عراة ، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة ، والدار الباقية ، حيث لا ينفع الإنسان إلا ما قدّمه من أعماله الصالحة ، وما يرجوه من شفاعة الشافعين.(١)

وانّ أفضل عمل صالح. وأقوى سبب لنيل الشفاعة ، لزوم سنّته ، واتباع

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧: ٢٢٦ وج ١١: ٢٥٧.

٣٣٣

عترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّهم أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسّك بهما ، ولا يهتدي إلى الله من صدف عنهما.

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله من خطبة خطبها يوم غدير خم(١) :

____________________

(١) أقول: قد كثر الحديث حول هذا الحديث والف في جمع اسانيده الكتب قديماً وحديثاً ولعل اوّل من الف فيه كما في موسوعة الغدير للعلامة الامينيرحمه‌الله هو ابو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٢١٠ هجرية صاحب التفسير والتاريخ المعروفين وهو من اكابر علماء العامة الف كتاب «الولاية في طرق حديث الغدير».

قال الذهبي في طبقاته ٢: ٢٥٤: «لما بلغ محمد بن جرير ان ابن ابي داود تكلم في حديث غير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث».

ثم قال: قلت: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق».

وقال ابن كثير في تاريخه ١١: ١٤٦ في ترجمة الطبري: «اني رأيت له كتاباً جمع فيه احاديث غدير خم في مجلدين ضخمين» ونسبه إليه ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٣٣٧ (راجع الغدير ١: ١٥٢).

وقد اغنانا العلامة الامينيرحمه‌الله وكفانا البحث عن طرق هذا الحديث ومصادره فقد الف في ذلك موسوعته الضخمة - التي لم تتم - في احد عشر مجلداً جمع فيها طرقه وأسانيده ومن احتج به أو كلّم فيه أو قال فيه شعراً. ولكثرة النصوص المنقولة في هذا الحديث يحتار الانسان فيما يختاره من نص فآثرنا أن ننقل النص الذي صدره الامينيرحمه‌الله به كتابه وهو نص جامع بين مختلف النصوص الا أنا اكملنا أبيات حسان بن ثابت في الأخير.

واليك النص:

«أجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخروج إلى الحج في سنة عشرة من مهاجره ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجّته تلك يُقال عليها حجّة الوداع وحجّة الإسلام وحجة البلاغ وحجة الكمال وحجة التمام ، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة مغتسلاً متدهّناً مُترجّلاً متجرداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء ، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة ، وأخرج معه نساءه كلهم في الهوادج ، وسار معه أهل بيته ، وعامّة المهاجرين والأنصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس.

وعند خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال

٣٣٤

وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف ، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً ، وقيل: مائة ألف واربعة وعشرون ألفاً ، ويقال أكثر من ذلك ، وهذه عدّة من خرج معه ، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع عليّ (أمير المؤمنين) وأبي موسى.

أصبحصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الأحد بيلملم ، ثم راح فتعشّى بشرف السيالة ، وصلّى هناك المغرب والعشاء ، ثم صلّى الصبح بعرق الظبية ، ثم نزل الروحاء ، ثم سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف ، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به ، وصلّى الصبح بالأثابة ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل «وهو عقبة الجحفة» ونزل السقياء يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء ، وصلّى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة ، ومنها إلى قديد وسبت فيه ، وكان يوم الأحد بعسفان ، ثم سار فلمّا كان بالغميم إعترض المشاة فصفّوا فشكوا إليه المشي ، فقال: استعينوا بالسلان «مشي سريع دون العدو» ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكّة ، و لمـّا انتهى إلى الثنيّتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء».

فلما قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرائيل الأمين عن الله بقوله: «يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك» الآية ، وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلمّا انصرفصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الابل وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته فقال:

الحمد لله نستعينه ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله - أمّا بعد - ايها

٣٣٥

الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله ، واني اوشك أن اُدعى فأجيب ، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ، قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً ، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنته حقّ وناره حقّ وأنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور ، قالوا: بلى نشهد بذلك ، قال: اللهم اشهد ثم قال: ايها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا: نعم ، قال: فاني فرَط على الحوض ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظرا كيف تخلّفوني في الثقلين.

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبّأني انهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، يقولها ثلاث مرّات ، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات ثم قال: اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي» الآية ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي» ثمّ طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: «بخ بخ لك ، يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» ، وقال ابن عبّاس: وجبت والله في أعناق القوم ، فقال حسّان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهن ، فقال: قل على بركة الله ، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ، ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ واسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك تعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

٣٣٦

ألا أيها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به... وثانيهما أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي.

- وزاد الطغرائي -: فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانّهم أعلم منكم.

وكان آخر ما تكلم به - فيما رواه الطبراني عن ابن عمر -: اخلفوني في أهل بيتي.

وفي رواية: فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم.

بأبي أنت واُمي يا رسول الله أين موضع القبول منهم بعهدك إلى أخيك ، ووصاياك ببضعتك الزهراء وبنيك ؟ وقد هدم القوم ما بنيت ، وأضلّوا جانباً ممّن هديت ، وفعلوا بعترتك ما لا يفعلون بالخوارج ، وقابلوهم بما لا يقابلون به أهل الخنا والريب.

أمّا البتول فقد قضت وبقلبها

من فعلهم قبسات وجد مكمن

والمرتضى أردوه في محرابه

بيمين أشقى العالمين وألعن

فخصّ بها دون البريّة كلّها

عليّاً وسمّاه الغدير أخائيا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه

وكن للّذي عادى معاديا

انظر: مسند أحمد: ٤ / ٢٨١ ، فضائل أحمد: ١١١ ، ١٦٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة: ١٢ / ٧٨ / ١٢٦٧ ، تاريخ بغداد: ٨ / ٢٩٠ ، البداية والنهاية: ٥ / ٢١٠ ، مناقب الخوارزمي: ٩٤ ، كفاية الطالب: ٦٢ ، فرائد السمطين: ١ / ٣٨ ، ٧١ ، السيرة الحلبية ٣: ٢٨٣ ، سيرة أحمد زيني دحلان ٣: ٣ ، تذكرة الخواص: ١٨ ، دائرة المعارف لفريد وجدي ٣: ٥٤٢.

٣٣٧

وبشربة السمّ النقيع عداوةٌ

من كفّ جعدة قد قضى الحسن السني

وإليك عنّي لا تقل حدّث بما

لاقى الحسين فرزؤه قد شفني

حيث المصائب جمّة لا أدر ما

منها أقصّ عليك لو كلّفتني

نعم ، أقصُ عليك مصيبته بأطفاله ، فعن أبي الفرج الاصفهاني: أنّه كان في مخيم الحسينعليه‌السلام ستّة أطفال وقفوا في باب الخيمة وقد أضرّ بهم العطش ، فاتلعوا برقابهم إلى الفرات ، يتموّج كأنّه بطون الحيّات ، فجاءتهم السهام فذبحتهم عن آخرهم ، وكان الحسين قد تناول ولده الرضيع ليودعه أومأ إليه ليقبّله رماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسينعليه‌السلام دم الطفل بكلتا يديه ، لمـّا امتلأتا من الدم رمى به نحو السماء ثم قال: هوّن عليَّ ما نزل بك أنّه بعين الله.

وقيل: أنّ الطفل كان مغمى عليه من شدّة العطش ، فلمّا أحسّ بحرارة السهم رفع يديه من القماط واحتضن أباه..

و لمـّا سقط الحسينعليه‌السلام عن ظهر جواده خرج عبد الله بن الحسنعليه‌السلام وهو غلام لم يراهق ، واشتدّ حتى وقف إلى جنب عمه ، فلحقته عمّته زينب لتحبسه فأبى وامتنع شديداً وقال: والله لا أفارق عمي.

فأهوى بحر بن كعب ، وقيل: حرملة بن كاهل إلى الحسين بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام:

يا اُماه ، فأخذه الحسين عليه الس لام فضمّه إلى صدره وقال:

يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فانّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ، فرماه حرملة لعنه الله بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه.(١)

هبوا انّكم قاتلتموا فقتلتم

فما بال أطفال تقاسي نبالها

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٨٩.

٣٣٨

[المجلس الثالث والعشرون]

ومن خطبة لهعليه‌السلام :

أما بعد: فانّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وانّ الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع ، ألا وانّ اليوم المضمار ، وغداً السباق ، والسبقة الجنّة ، والغاية النار ، أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته.

ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ، ألا وانّكم في أيّام أمل ، من ورائه أجل فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، ولم يضرّه أجله.

ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة.

ألا وانّي لا أرى كالجنّة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها.

ألا وانّكم قد اُمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، وانّي أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فتزوّدوا في الدنيا ما تجهّزوا به أنفسكم غداً ، وتزوّدوا فانّ خير الزاد التقوى.(١)

وسمعه أبو الدرداء يقول في مناجاته في جوف الليل ، وهو مستتر ببعيلات بني النجار:

إلهي اُفكر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي ، ثم اذكر العظيم من أخذك فتعظم على بليّتي.

آه آه ، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول: خذوه ، فيا له من مأخذو لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته.

____________________

(١) الارشاد للشيخ المفيد: ٢٣٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٩١.

٣٣٩

آه آه ، من نار تنضج الأكباد والكلى.

آه آه ، من نار نزّاعة للشوى.

آه آه ، من غمرة من لهبات لظى.

قال أبو الدرداء: ثمّ انغمس في البكاء فلم أسمع له حسّاً ولا حركة ، فأتيته فإذا هو كالخشبة اليابسة ، فحرّكته فلم يتحرّك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله علي بن أبي طالب ، فأتيت أهله أنعاه إليهم.

فقالت فاطمة سلام الله عليها: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، فرآني أبكي فقال: ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء ؟

فقلت: ممّا تنزله بنفسك.

قال: كيف بك لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد ، ووقفت بين يدي من لا تخفى عليه خافية.(١)

وكان صلوات الله وسلامه عليه: أعبد الناس ، وأكثرهم صلاة وصوماً ، منه تعلم الناس صلاة الليل. وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة.

وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده ، وما ظنّك بمن يبلغ من محافظته على ورده ، أن يبسط له قطع بين الصفين ليلة الهرير ، فيصلّيعليه‌السلام ورده ، والسهام تقع بين يديه ، وتمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع ، ولا يقوم حتى يفرغ من ورده وصلاته.(٢)

____________________

(١) تنبيه الخواطر (مجموعة ورام) ٢: ١٥٦.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٧.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348