المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 43971
تحميل: 4344

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43971 / تحميل: 4344
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

الليلة الثامنة المجلس السابع عشر

شهادة القاسم بن الحسن(ع)

قسَمَ الإلهُ الرّزءَ بين أعاظِمِ

لا رزءَ أعظمُ من مصابِ القاسمِ

حسنيُّ خُلْقٍ من نِجارِ محمّدٍ

مضريُّ عرقٍ من سلالةِ هاشمِ

غصنٌ نضيرٌ من أصولِ مفاخِرٍ

ثمرٌ جنيٌّ من فروعِ مكارِمِ

قتّالُ أبطالٍ مبيدُ كتائبٍ

فتّاكُ آسادٍ هَزَبْرُ ملاحِمِ

هزمَ الكماةَ بقوّةٍ علويّةٍ

وأبادهم طُرّاً ببطشٍ هاشمِ

للَّهِ يومٌ خرَّ فيه إلى الثرى

متكسّرَ الأضلاعِ تحت مناسِمِ(١)

نادى حسيناً عمَّهُ متشكّياً

بُعدَ الوصالِ وقربَ هجرٍ دائمِ

ويلوكُ كالحوتِ التريبِ لسانَه

لوكاً ويفحَصُ كالقطا بقوادمِ(٢)

* * *

ولسان حال امّه رمله:

ربيتك ييمّة واسهرت برباك

اشلون اصبر يروحي من بعد عيناك

عسن سيف اليصيبك صابني وياك

اولا شوفك خضيب الراس بالدم

* * *

وحيّد وعز عندي امن العذيبي

او ردتك ضخر لأيام شيبي

مظنيت بيك يشح نصيبي

وابگه اسحن صبر فرگاك والهم

____________________

(١) المناسِمْ: للإبل كالظفر للإنسان أو طرف خف البعير والنعامة.

(٢) معالي السّبطين للمازندرانيرحمه‌الله تعالى: ج ١ ص٢٨٢.

١٨١

(جاء في زيارته(ع): السَّلامُ عليكَ ياابنَ حبيبِ اللَّه، السَّلامُ عليكَ ياابنَ ريحانةِ رسول اللَّه، السَّلامُ عليكَ من حبيبٍ لم يقضِ من الدّنيا وطَراً، ولم يشفِ من أعداءِ اللَّهِ صدراً، حتَى عاجلَهُ الأجل، وفاتَه الأمل، السَّلامُ على القاسمِ بنِ الحسنِ بنِ علي ورحمة اللَّه وبركاتُه)(١) .

أبناء الإمام الحسن المجتبى(ع) الذين قاتَلوا مع عمِّهم الإمام الحسين(ع) في كربلاء بمعركة الطف خمسة وهم: القاسم - والمجلس مخصّص لذكره - والحسن المثنّى، وأبو بكر، وعبداللَّه، وعمرو، وقد نال الشّهادةَ منهم ثلاثة وهم(٢) : أبو بكر، عبداللَّه، والقاسم، وبقي منهم اثنان:

الأول: هو الحسن المثنى: وقد كان له من العمر اثنان وعشرون سنة(٣) ، وقاتلَ قتالاً شديداً وقد قتلَ من الأعداء سبعةَ عشرَ رجلاً كما في بعض المقاتل، وأصابته ثمانية عشر جراحة فوقع أرضاً وبه رمق من الحياة، فلمّا انتهت المعركة جاءه أسماءُ بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى وقال: لا يُوصَل إلى ابن خولَة أبداً، فقال عمر بن سعد: دعوا لأبي حسّان ابنَ أخته(٤) ، فجاء به إلى الكوفة وهو جريح فداواه عنده وبقي في الكوفة ثمانية أشهرٍ أو سنة ثمّ عاد إلى المدينة.

الثاني: هو عمرو بن الحسن: وكان مع الأسراء، وقد دخل معهم على

____________________

(١) بحار الأنوار: ج ١٠١ ص٢٤٣.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد(ره): ص١٧٩.

(٣) وفي أعيان الشيعة: المجلّد الخامس ص٤٤، أنّ المظنون كون عمره ١٧ عاماً.

(٤) الإرشاد للمفيد(ره): ص١٩٦.

١٨٢

يزيد في الشام فقال له يزيد: أتصارعُ ابني هذا؟ وقصد ابنه خالد فقال: ما فيّ قوّة على الصّراع ولكن أعطني سكّيناً وأعطِهِ سكيناً فإمّا أن يقتلني فألحق بجدّي رسول اللَّه(ص) وأبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وإمّا أن أقتُلَهُ فألحقَهُ بجدّه أبي سفيان وأبيه معاوية، فتأمّل يزيد قليلاً ثمّ قال: شِنشِنَةٌ أعرفها من أخزم هل تلدُ الحيّةُ إلّا حَيّة(١) .

أراد اللعين يزيد من تمثّله بهذا المثل هو أنّ طبيعة أهل البيت وسجيّتهم الشجاعة يتوارثونها كما يتوارثون بقية السجايا والخصال الحميدة، وأنت ياعمرو بن الحسن ورقةٌ من تلك الشجرة حيث جدّك أمير المؤمنين وأبوك المجتبى سيّد شباب أهل الجنّة، ولم يَلِدوا إلّا الأبطال الشجعان.

ومن المناسب هنا ذكر موقف النبيّ(ص) يوم فتح مكّة المكرّمة في السّنة الثامنة للهجرة وقوله: لو ولد أبو طالب النّاس كلّهم لكانوا شجعاناً(٢) .

أمّا الشهداء الثلاثة فهم:

أبو بكر بن الحسن(ع): وهو أخو القاسم لأبيه وأمّه، ذكر أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيّين): أنّ أبا بكر قُتل قبل أخيه القاسم(٣) .

وعبداللَّه بن الحسن(ع): قال الشيخ المفيد(ره) في (الإرشاد): لما ضرب مالكُ بن النّسر الكندي بالسيف رأس الإمام الحسين(ع) بعد ما شتمه ألقى الإمام الحسين(ع)

____________________

(١) الشّنشنة: هي العادة والطّبيعة، الأخزم هو الذّكر من الحيّات.

(٢) شجرة طوبى: ص٣٠٥.

(٣) نفس المهموم: ص٣٢٥ عن مقاتل الطالبيين.

١٨٣

قلنسوتَهُ ودعا بخرقة وقلنسوة فشدّ رأسَهُ بالخرقة ولبس القلنسوة واعتمّ عليها، فرجع عنه الشمر ومَن معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثمّ عاد الشّمر وعادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبداللَّه بن الحسن من عند النّساء وهو غلامٌ لم يراهق، فشدّ حتى وقف إلى جنبِ عمّه الحسين(ع) فلحقته زينب(ع) لتحبسَهُ فأبى عليها فقال لها الإمام الحسين(ع): احبسيه ياأخيّة فامتنع امتناعاً شديداً وقال: واللَّه لا أفارق عمّي، وأهوى بحرُ بنُ كعب إلى الحسين بالسّيف فقال له الغلام: ويلك ياابن الخبيثة أتقتلُ عمّي؟ فضربه بحرُ بالسيف فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام ياأمّاه فأخذه الحسين(ع) وضمّه إليه وقال له: ياابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير فإنّ اللَّهَ يلحقُكَ بآبائك الصّالحين ثمّ رفع الإمام(ع) رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ امسك عليهم قطرَ السّماء، وامنعهم بركاتِ الأرض، اللهمّ فإن متّعتهُم إلى حين ففرّقهم بدداً واجعلهم طرائقَ قدداً، ولا ترضي الولاةَ عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا. وروى أبو الفرج الأصفهاني أنّ الذي قتله هو حرملةُ بن كاهل الأسدي(١) .

والقاسم بن الحسن(ع): قال المرحوم الشيخ عبّاس القمّي في (نفس المهموم): قيل لما نظر الإمام الحسين(ع) إلى القاسم وقد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غُشي عليهما ثمّ استأذن عمّه الحسين(ع) في المبارزة فأبى(ع) أن يأذن له، فلم يزل القاسم يقبّل يديه ورجليه حتى أذن له فخرج

____________________

(١) ابصار العين: ص٣٨ عن الإرشاد.

١٨٤

ودموعُهُ تسيل على خدّيه وهو يقول:

إن تنكروني فأنا نجلُ الحسن

سبطِ النبيِّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسينٌ كالأسير المرتهَن

بين أُناسٍ لا سُقوا صوب المزُن

فقاتل قتالاً شديداً حتّى قَتَلَ على صغره خمسة وثلاثين رجلاً.

وقال ابن شهرآشوب(ره) في المناقب: إنّ القاسم أنشأ يقول:

إنّي أنا القاسمُ من نسل علي

نحنُ وبيتِ اللَّهِ أولى بالنّبي

من شمر ذي الجوشنِ أو ابنِ الدّعي(١)

وروى الشيخ المفيد(ره) عن حميد بن مسلم قال: خرج إلينا غلام كأنّ وجَههُ شقّهُ قمرٍ وفي يده سيف وعليه قميصٌ وإزار وفي رجليه نعلان قد انقطع شِسعٌ إحداهما(٢) ما أنسى أنها اليسرى فوقف ليشدّها فقال عمرو

بن سعد بن نُفيل الأزدي - لعنه اللَّه - : واللَّهِ لأشُدنّ عليه فقلت له: وما تريد بذلك يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كلّ جانب قال: واللَّه لأشدنّ عليه، فشدّ عليه فما ولّى وجهَهُ حتّى ضربَ رأسه بالسيف فوقع الغلامُ لوجهِهِ فقال: ياعمّاه قال: فجلى الحسين(ع) كما يجلو الصّقر ثمّ شدّ شدّةَ

____________________

(١) نفس المهموم: ص٣٢٢.

(٢) وفي ذلك يقول المرحوم الشيخ محمّد السماوي:

أتراهُ حين أقامَ يُصلحُ نعلَهُ

بين العدى كي لا يروهُ بمحتفي

غلبت عليه شهامةٌ حسنيّةٌ

أم كان بالأعداءِ ليس بمحتفي

١٨٥

ليثٍ أغضب وضرب عمراً فاتّقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق، فصاح صيحةً سمعها أهلُ العسكر ثمّ تنحّى عنه الحسين(ع)، وحملت خيلُ أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين(ع) فلمّا حملت الخيل استقبلته بصدورها وجالت فوطأته حتى مات لعنه اللَّه وأخزاه، وانجلت الغبرة وإذا بالحسين(ع) قائمٌ على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والإمام(ع) يقول: بُعداً لقومٍ قتلوك ومَن خصمُهُم يوم القيامةِ جدُّك. ثمّ قال: عزّ واللَّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبُك أو يجيبُك فلا ينفعُك، هذا يومٌ كثُرَ واللَّهِ واترُهُ وقلّ ناصرُه ولسان الحال:

بكه وناداه ياقاسام شبيدي

يريت السيف گبلك حز وريدي

هان الكم تخلّوني وحيدي

على خيمّي يعمّي الخيل تفتر

* * *

يعمّي شگالت امن الطبر روحك

يعمّي ما تراويني جروحك

لون أبقى يعمّي كنت انوحك

بگلب مثل الجمر وبدمع محمر

ثمّ حمله على صدره ورجلاه تخطّان في الأرض، وجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ الأكبر ولسان الحال:

جابه ومدّده ما بين اخوته

بكى عدهم يويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

اجت زينب تصيح اللَّه واكبر

* * *

١٨٦

مبارك بين سبعين الف جابوك

بدال الشّمع بالنشاب زفوك

عن الحنه بدم الراس حنّوك

على راسك ملبس نبل ينثر

وجاءت عندها العروس ولسان الحال:

يقاسم گوم ريت البيك بيّه

يقاسم گوم ريت الموت ليّه

صدگ رايح يقاسم هاي هيّه

او تخلّيني أون الليل واسهر

* * *

عسى بعيد البلا خدّك على الگاع

يقاسم موش وقت الموت هلساع

قاسم يبن عمّي لون تنباع

بماي العين كنت اشريك ياحر

ثمّ التفتت إلى قاتل القاسم وصاحت بلسان الحال:

عساهي برگبتك كل الخطيّه

تخلّيني غريبة واجنبيّة

ياقاسم عرس اكشر عليّه

عرّيس ويزفّونك مطبر

* * *

خضبوا وما شابوا وكان خضابهم

بدمٍ من الأوداج لا الحنّاءِ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٨٧

الليلة التاسعة المجلس الثامن عشر

برُّ الوالدين

جرى دمعي لمصرعِ شبل طه

وتاهَ الفكرُ في الحزنِ الشّديدِ

فما أدري أعزّي أم أُهَنّي

عليَّ المرتضى بابنِ الشَّهيدِ

فطوراً للوصيِّ به أُهنّي

وأنظمُ مدحَهُ نظمَ العقودِ

عليٌّ بالطّفوفِ أقامَ حرباً

كحربكَ ياعليُّ مع اليهودِ

وقاتلَ بكرَهم كقتالِ عمروٍ

وجدّله على وجهِ الصّعيد

وصيّرَ كربلا بدراً وأُحداً

ونادى ياحروبَ الجدِّ عودي

وطوراً ياعليُّ أُعزّي فيه

وتبكي العينُ للعقدِ الفريدِ

كأنّي بالحسينِ غدى ينادي

علينا ياليالي الوصلِ عودي

رجوتُكَ ياعليُّ تعيشَ بعدي

لتوسِدَ جثّتي رمسَ اللحودِ

وتمشي باكياً من خلف نعشي

كما يبكي الوليدُ على الفقيدِ

ولم أنسَ النساءَ غداة فرّت

إلى نعشِ الشَّهيد ابن الشَّهيدِ

فهذي قبّلت كفّاً خضيباً

وشمّت تلك ورداً في الخدودِ

وزينبُ قابلت ليلى وقالت

أعيدي النّوحَ ياليلى أعيدي

على حلوِ الشّباب وبدرِ تمٍّ

شبيهِ محمّدٍ خيرِ الجدودِ(١)

____________________

(١) هذه القصيدة العصماء للمرحوم الشيخ جعفر الهر الكربلائي(ره).

قال المرحوم السيد جواد شبر في الجزء التاسع من موسوعته (أدب الطف):

الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر، أحد أعلام كربلاء

١٨٨

ولسان حال اُمّه ليلى:

لمّن للأكبر اجت ليلى

گعدت وگامت تشتكيله

تگلّه ودمعها عليه تسيله

برضاك أظل بعدك ذليله

والظعن لو رادوا رحيله

ياهو المحملي يباريله

من بعد عينك ياكفيله

وبيمن بعد راسي أشيله

* * *

قال اللَّه تعالى في القرآن الكريم:( وَقَضَى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (١) .

____________________

المقدسة وأفاضلها، ولد سنة ١٢٦٧ه وتوفي سنة ١٣٤٧ه بكربلاء ودفن فيها في الرواق الشريف الحسيني قريباً من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون عاماً.

درس على الشيخ زين العابدين المازندراني، و لما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرّج على يده جماعة.

قال صاحب (الطليعة): كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً شاعراً هو اليوم مدرّس بكربلاء وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم أبي الفضل العباس(ع) ومن شعره قوله مشطّراً البيتين المنسوبين إلى قيس العامري:

مرُّ على الديارِ ديارِ ليلى

ونارُ الوجدِ تستعرُ استعارا

أشمُّ ترابَها طوراً وطوراً

أقبّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي

ولا أضرمْنَ في جنبيَّ نارا

ولا ربعِ الغويرِ وساكنيه

ولكنْ حبُّ مَن سكنَ الديارا

(١) سورة الإسراء أو بني إسرائيل: الآية ٢٣ و٢٤.

١٨٩

قال المرحوم الشيخ الطبرسي(ره) في (مجمع البيان):( وَقَضَى رَبُّكَ ) أي أمرَ أمراً باتّاً( إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ ) أي أن تعبدوه ولا تعبدوا غيرَه( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) أي وقضى اللَّهُ بالوالدين احساناً أو أوصى بالوالدين إحساناً(١) ، أقول: من هنا يتّضحُ لنا جليلُ حقِّ الأبوين بحيث أنّ اللَّهَ تعالى أوجب حقّهما بعد وجوب توحيده وعبادته ونفي عبادةِ مَن سواه، وقد حفلت أحاديث العترة الطاهرة بالكثير من الوصايا الخالدة في هذا المقام منها:

ما روى الشيخ الكليني(ره) في أصول الكافي بسنده إلى منصور بن حازم عن أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: قلتُ له: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاةُ لوقتها وبِرُّ الوالدين، والجهاد في سبيل اللَّه عزّوجلّ(٢) .

ومنها: عن الإمام الصادق(ع) قال: ما يمنع الرّجلَ منكم أن يبرَّ والديه حيَّين وميّتين، يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صَنَعَ لهما، وله مثلُ ذلك فيزيده اللَّه عزّوجلّ ببرِّهِ وصِلَتِهِ خيراً كثيراً(٣) .

ومنها: عن معمّر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا(ع): أدعو لوالديَّ إذا كانا لا يعرفان الحق(٤) ؟ قال: ادعُ لهما، وتصدّق عنهما، وإن كانا

____________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص٤٠٩.

(٢) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٨.

(٣) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٩.

(٤) لا يعرفان الحق: أي لا يعرفان شيئاً من أمر أهل البيت: في الإمامةِ وولاية الأمر بعد رسول اللَّه (ص).

١٩٠

حيّينِ لا يعرفان الحقّ فدارهما فإنّ رسول اللَّه(ص) قال: (إنّ اللَّه بعثني بالرّحمةِ لا بالعقوق)(١) .

( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ) قال في (مجمع البيان): يعني به الكبر في السنّ والمعنى إن عاشا عندك أيّها الإنسانُ المخاطب حتى يكبُرا، أو عاش أحدُهما حتّى يكبر وخصَّ حال الكبر وإن كان من الواجب طاعة الوالدين على كلّ حال لأنّ الحاجةَ أكثر في تلك الحال إلى التعهّد والخدمة( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) روي عن الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا(ع) عن أبيه عن جدّه أبي ‏اللَّه(ع) قال: لو علم اللَّه لفظةً أوجزَ في تركِ عقوقِ الوالدين من أفٍّ لأتى بها، وفي رواية أخرى عنه(ع) قال: أدنى العقوق أف ولو علم اللَّهُ شيئاً أيسرَ منه وأهون منه لنهى عنه، وفي خبر آخر: فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة، فالمعنى لا تؤذيهما بقليل ولا كثير.

روى الشيخ الصدوق(ره) في (الخصال) عن الإمام الباقر(ع) قال: في كتاب عليٍّ(ع) ثلاثُ خصالٍ لا يموت صاحبُهنّ حتى يرى وبالَهنّ: البغي، وقطيعة الرّحم، واليمين الكاذبة(٢) .

يحكى أنّ رجلاً غضب على أبيه - وهو عنده في الدّار - فأخذ يضربه ويضربه والأب ساكت لا يتكلّم ولا يعترض حتى وضع الابنُ الحبلَ في عنقِ والدِهِ وسحبه على الأرض حتى أوصله إلى باب الدّار ثمّ فتح الباب

____________________

(١) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٩.

(٢) الخصال: ج ١ ص١٢٤ ح ١١٩.

١٩١

ليلقي أباه خارج الدّار، فوضع الأب العاجز يده على الحبل وقال لابنه: إلى هنا يكفي فإني عندما كنت نشيطاً مثلك ضربت والدي ووضعت الحبلَ في عنقِهِ وسحبته على الأرض ولكن لم ألقه خارج الدّار، فكفَّ عنه ابنه، أقول: فسبحان اللَّه العادل الذي لا يفوتُه ظلمُ ظالمٍ أبداً:

لا تَظلمنّ إذا ما كنتَ مقتدراً

فالظّلمُ مرتعُهُ يُفضي إلى النّدم

تنامُ عينُك والمظلومُ منتبهٌ

يدعو عليك وعينُ اللَّهِ لم تنمِ(١)

( وَلا تَنْهَرْهُمَا ) أي لا تزجرهما بإغلاظٍ وصياح( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) أي وخاطبهما بقولٍ رقيقٍ لطيف حسن جميل بعيد عن اللغو والقبح يكون فيه كرامةٌ لهما، ويدلّ على كرامةِ المقول له على القائل( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) أي وبالغ في التواضع والخضوع لهما فعلاً وقولاً برّاً بهما وشفقةً عليهما، والمراد بالذّل هنا اللين والتواضع دون الهوان من خَفَضَ الطّائر جناحَه إذا ضمَّ فرخَه إليه، فكأنه سبحانه قال: ضمّ أبويك إلى نفسِك كما كانا يفعلان بك وأنت صغير، وإذا وصفت العرب إنساناً بالسهولةِ قالوا هو خافضُ الجناح، وقال أبو عبداللَّه الصادق(ع): معناه لا تملأ عينيك من النّظر إليهما إلّا برأفةٍ ورحمة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يديك فوق أيديهما ولا تتقدّم قدّامهما( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) معناه ادع لهما بالمغفرةِ والرّحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاءً لتربيتهما إيّاك في صباك، وفي هذا دلالة على أنّ دعاء الولد لوالده الميّت مسموع وإلا لم يكن للأمر به معنى، وقيل: إنّ اللَّه تعالى أوصى الأبناء بالوالدين لقصور شفقتهم ولم يوصِ الوالدين بالأبناء لوفور شفقتهم

____________________

(١) من الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع): ص١٢٠.

١٩٢

وفي الحديث عن النبيّ(ص) قال: رغم أنفه رغمَ أنفه رغمَ أنفه (ثلاث) قالوا: مَن يارسول اللَّه؟ قال: مَن أدرك أبويه عند الكبرِ أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنّة، وروى أبو أُسَيْد الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول اللَّه(ص) إذ جاءه رجلٌ من بني سلمة فقال: يارسول اللَّه هل بقي من بِرّ والديّ شي‏ءٌ أبرّهما به بعد موتهما قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وانفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلةِ الرّحم التي لا توصل إلّا بهما(١) .

واعلم أنه لا شي‏ء عند الأبوين أغلى وأثمن من برّ الابن بهما، على الرّغم من أنه وفاءٌ لبعضِ مالهما من ديون، انّهما يسعدان بهذا البرّ سعادة الغارس بثمرات غرسِهِ، وبهذه السعادة يشعر الابن البار إذا تأكّد من سعادةِ أبويه به، ورضاهما عنه(٢) .

وجاء في‏رسالة الحقوق للإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين(ع): (وحقّ أبيك أن تعلمَ أنّه أصلُك، وأنّه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسِكَ ما يعجبُك فاعلم أنّ أباك أصلُ النّعمةِ عليك فيه. فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك. ولا قوّة إلّا باللَّه).

روي انّ رجلاً شيخاً أتى النبيَّ(ص) فقال: إنّ‏ابني هذا له مالٌ كثير، وأنّه لا ينفق عليَّ من مالِهِ، فنزل جبرئيل فقال: يارسول اللَّه إنّ هذا الشيخ قد أنشأ أبياتاً فاستنشدها منه، فاستنشده النبيّ(ص): فقال الشيخ يعتب على ابنه:

____________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص٤١٠.

(٢) شرح رسالة الحقوق للسيد حسن القبانجي: ج ١ ص٥٦٨.

١٩٣

غذوتُكَ مولوداً وقد كنتَ يافعاً

تَعِلُّ بما أحني عليك وتنهَلُ

إذا ليلةٌ ضافتك بالسّقم لم أبت

لسقمكَ إلّا ساهراً أتململُ

كأنّي أنا المطروقُ دونَك بالذي

طُرِقتَ به دوني فعينيَ تهملُ

تخافُ الرّدى نفسي عليكَ وإنّها

لتعلَمُ أنّ الموتَ وقتٌ مؤَجّلُ

فلمّا بلغتَ السنَّ والغايةَ التي

إليها مدى ما فيكَ كنتُ أؤمّلُ

جعلتَ جزائي غلظةً وفضاضةً

كأنك أنت المنعمُ المتفضلُ

فليتكَ إذ لم تَرعَ حقَّ أبوّتي

فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعَلُ(١)

فلمّا سمع النبيّ(ص) قال للولد: أنت ومالُكَ لأبيك(٢) .

وجاء في رسالة الحقوق المروية عن الإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين(ع):

(وحقُّ أمّكَ أن تعلم أنّها حملتكَ حيثُ لا يحتملُ أحَدٌ أحداً، وأعطتك من ثمرةِ قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووقتك بجميع جوارحها ولم تبالِ أن تجوعَ وتطعمُكَ، وتعطشَ وتسقيك، وتَعرى وتكسوك، وتهجُرُ النّومَ لأجلك، ووقَتْكَ الحرَّ والبرد لتكونَ لها، فإنّكَ لا تُطيقُ شكرها إلّا بعونِ اللَّه عزّوجلّ)(٣) .

شكى رجلٌ إلى رسول اللَّه(ص) سوءَ خُلُقِ أُمِّه فقال: إنّها لم تكن سيّئةَ

____________________

(١) شرح رسالة الحقوق: ج ١ ص٥٦٩.

(٢) الإمام زين العابدين للمحقّق المقرّم: ص١٢٧.

(٣) الإمام زين العابدين(ع): ص١٢٦.

١٩٤

الخُلق حين حملتك تسعةَ أشهر، وحين أرضعتك حولين، وحين سهرت ليلَها وأظمأت نهارَها فقال الرجل: إنّي جازيتُها وحججتُ بها على متني فقال النبيّ(ص): ما جازيتها ولا طلقة واحدة(١) .

لأُمِّكَ حقٌّ لو علمتَ كبيرُ

كثيرُكَ ياهذا لديه يسيرُ

فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي

لها أنّةٌ ممّا بها وزفيرُ

وفي الوضع لو تدري عليها مشقّةٌ

فمن غُصَصٍ كادَ الفؤادُ يطيرُ

وكم غَسَلتْ عنك الأذى بيمينها

وما حجرُها إلّا لديك سريرُ

وتَفديكَ ممّا تشتكيهِ بنفسها

ومن ثديها شِربٌ لديكَ نميرُ

وكم مرّةٍ جاعت وأعطتك قوتَها

حُنوّاً وإشفاقاً وأنت صغيرُ

فآهاً لذي عقلٍ فيتّبعُ الهوى

وآهاً لأعمى القلبِ وهو بصيرُ

فدونك فارغب في عميمِ دعائها

فأنت لما تدعو به لفقيرُ

وفي الرواية عن النبيّ(ص) أنه قال: دعاء الوالدة أسرع إجابةً من الوالد قيل: لِمَ يارسول اللَّه قال: لأنّها أرحم(٢) .

من هنا قال الإمام أبو عبداللَّه الحسين(ع) لزوجته ليلى - كما هو المشهور عند أهل المنبر - ادخلي الخيمة وادعي لولدك، وذلك عندما برز بكرُ ابنُ غانم مبارزاً لعليّ الأكبر(ع)، فدخلت خيمتها - كأني بها - جرّدت

____________________

(١) شرح رسالة الحقوق: ج ١ ص٥٤٨.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص٥٥٠.

١٩٥

خمارها نثرت شعرها، رفعت يديها إلى اللَّه تعالى وأقسمت عليه بقسمٍ عظيم، يقولون قالت: إلهي بغربةِ أبي عبداللَّه، إلهي بعطشِ أبي عبداللَّه يارادّ يوسف إلى يعقوب ردّ إليّ ولدي علي ولسان الحال:

دخلت الخيمتها الغريبه

تبكي وعلى ابنيها بريبه

وتوسلت للَّه بحبيبه

بالحسين وشما بيه مصيبه

ياراد يوسف من مغيبه

اليعگوب ومسكّن نحيبه

أريدك علي سالم تجيبه

فاستجاب تعالى دعاءها، وعاد الأكبر وبيده رأسُ بكر بن غانم وهو يقول:

صيدُ الملوكِ أرانبٌ وثعالبُ

وإذا برزتُ فصيدي الأبطالُ

يقولون: فقال له الإمام الحسين(ع) أسرع إلى خيمةِ أُمّك، فجاء الأكبر مسرعاً فرأى أُمّه مغمىً عليها ناداها فلم تجبه ثمّ ناداها فلم تجبه فوضع رأسها في حجره وأخذ يبكي على حال أمّه، فقطّر دمُعُه الشريف على وجهها ففتحت عينيها وإذا بابنها الأكبر معها سالماً معافى، فضمّته إلى صدرها ولسان الحال:

يابني علي ياماي عيناي

رديت روحي بجيّتك هاي

ياسلوتي وياطيب دنياي

يابني امن‏أسمعك تطلب الماي

والماي تدري حاطته عداي

ينصدع گلبي وتعم بلواي

١٩٦

أقول: هذا حالها وعليّ الأكبر إلى جنبها، ليت شعري ما حالها وقد حمله الهاشميون وهو مقطّعٌ بالسيوفِ إرْباً إرْباً ولسان الحال:

ياعلي يبني النوب ذلّيت

والموت ياخذني تمنيت

عمود الوسط ياشايل البيت

يبني بعد عندي شخلّيت

انه بيش اجيت وبيش ردّيت

بعدك عساني لا بقيت

* * *

بكل وادي لهيم عليك واسلاك

يبني ولا تظن أنساك واسلاك

گطّع من فؤادي هروش واسلاك

ييمّه من هويت اعله الوطية

* * *

ياكوكباً ما كان أقصر عمرَه

وكذا تكون كواكبُ الأسحار

* * *

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٩٧

الليلة التاسعة المجلس التاسع عشر

شهادة علي الأكبر(ع)

حَجْرٌ على عيني يمرُّ بها الكرى

من بعدِ نازلةٍ بعترةِ أحمد

أقمارُ تمٍّ غالها خسفُ الرّدى

واغتالها بصروفِهِ الزّمنُ الرّدي

شتّى مصائبُهم فبين مكابدٍ

سُمّاً ومنحورٍ وبين مصفّدِ

سل كربلا كم من حشىً لمحمّدٍ

نُهبت بها وكم استجذّت من يدِ

ولَكَمْ دمٍ زاكٍ أريق بها وكم

جثمانِ قدسٍ بالسيوفِ مبدّدِ

وبها على صدرِ الحسين ترقرقت

عبراتُهُ حزناً لأكرمِ سيّدِ

أفديه من ريحانةٍ ريّانةٍ

جفّت بحرِّ ظماً وحرِّ مهنّدِ

بكرَ الذّبولُ على نضارةِ غصنِهِ

إنّ الذّبولَ لآفةُ الغصنِ النّدِي

ماءُ الصِّبا ودمُ الوريدِ تجاريا

فيه ولاهِبُ قلبِهِ لم يَخمُدِ

ومحى الرّدى ياقاتلَ اللَّهُ الرّدى

منه هلالَ دجىً وغرّةَ فرقَدِ

يانجعةَ الحيّينِ هاشمَ والنّدى

وحمى الذّمارينِ العلى والسؤدَدِ

فلتذهب الدّنيا على الدّنيا العفى

ما بعدَ يومِكَ من زمانٍ أرغدِ(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم المقدّس آية اللَّه الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي(ره).

قال السيد جواد شبّر في (أدب الطف) الجزء ٩، ص٢٢٩:

الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق العاملي، ولد في النجف الأشرف في حدود سنة ١٢٨٢ وفيها نشأ، ثمّ خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل، وهو في الطبقة الأولى

١٩٨

ولسان حال الإمام الحسين(ع):

يبويه گول واسرع ردّ الجواب

يبويه بياكتر مض بيك الصواب

يبويه العيش بعدك لا حله وطاب

ردتك ترد وحشة الغيّاب

وذخرتك تهيل عليّه التراب

دمعي على فرگاك سكّاب

شيفيد الدّمع لو صار خنياب

ماي وتبدّه طولك وغاب

* * *

قال الشاعرُ يمدح سيّدَنا عليّ الأكبر(ع):

لم ترَ عينٌ نظرت مثلَهُ

من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ

أعني ابنَ ليلى ذا السّرى والنّدى

أعني ابنَ بنتِ الحسبِ الفاضلِ

لا يؤثرُ الدّنيا على دينه

ولا يبيعُ الحقَّ بالباطل

ولد سيّدُنا عليُّ الأكبر(ع) في الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة وذلك قبل مقتل عثمان بسنتين (قتلَهُ المسلمون سنة خمس وثلاثين)، فيكون عمرُ علي الأكبر(ع) يوم الطف ما يقارب

____________________

من الشعراء، وشهد له العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل بالاجتهاد.

قال المرحوم الشيخ محمد السماوي في (الطليعة): رأيته يتفجّر فضلاً، ويتوقّد ذكاءً إلى أخلاقٍ كريمة.

توفي في أوائل ذي الحجة سنة ١٣٦١ه في النبطية جنوب لبنان ودفن هناك.

١٩٩

سبعاً وعشرين سنة، ويؤيّده اتفاق المؤرّخين وأرباب النّسب على أنّه أكبر من الإمام السجّاد(ع) الذي له يوم الطفّ ثلاث وعشرون سنة(١) .

ومن العلماء الذين اختاروا هذا القول المرجع الدّيني المرحوم السيّد النّجفي المرعشي(ره) حيث قال: ومن فوائد هذا السِّفر الجليل - كتاب علي الأكبر للمحقّق المقرّم - أنّه أثبت كون عليّ الأكبر(ع) شهيد الطّف أكبر سنّاً من الإمام زين العابدين(ع) وهو الحقّ الحقيق بالقبول كيف لا فقد صرّح به فحلُ الفقهاء والنسّابين شيخنا الشيخ محمّد بن إدريس الحِلي في تعاليقه على مزار كتاب السّرائر قال ما محصّله:

إنّ الأصحّ والأشهر بين علماء التأريخ والنّسب كون علي الأكبر أكبرُ سنّاً من الإمام سيّد السّاجدين(ع)(٢) .

واللقب الذي عرف به عليّ بن الحسين(ع) الشهيد بكربلا هو (الأكبر)، وذلك لكونه أكبر أبناء الإمام الحسين(ع) قال المحقّق المقرّم في كتابه (علي الأكبر): وقد صرّح بذلك الإمام السجّاد(ع) حين قال له عبيداللَّه ابن زياد: أليس قد قتل اللَّهُ عليّاً؟ فقال الإمام(ع): كان لي أخٌ أكبرُ منّي يسمّى عليّاً فقتلتموه(٣) .

ولقد وصف الإمام السجّاد(ع) بالأصغر والشّهيد بالأكبر جماعةٌ من

____________________

(١) المصدر السابق نفسه: ص١٢.

(٢) من مقدّمة كتبها المرجع المرحوم السيّد النجفي المرعشي(ره) على كتاب (علي الأكبر) للمرحوم المقرّم.

(٣) علي الأكبر: ص١٦.

٢٠٠