المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 43967
تحميل: 4344

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43967 / تحميل: 4344
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

مات‏ الرضا وصارت زلازل في أرض طوس

والحور حطوله عزه ولطمن على الروس

حطت عزيه فاطمه الزهرا بالجنان

اعله غريبٍ مات في بلدة خراسان

والسم ضاگه في عنب مع حب رمان

سم الرضا المأمون وخله الگلب محموس

* * *

واحر گلبي اعلى الذي سمّه الميشوم

وگطع فؤاده وكبدته من حر السموم

____________________

إليها الخدمة القلمية والخدمة بالبيان فقد ألف كثيراً وخلّفَ آثاراً لها قيمتُها منها:

١- البابليات وهو ثلاثة أجزاءٍ في تراجم الشعراء من أهل الحلّة طبع في سنة ١٣٧٢ه.

٢- المقصورة العلية وهي قصيدة تناهز (٤٥٠) بيتاً في سيرة أمير المؤمنين(ع) طبعت سنة ١٣٤٤ه.

٣- عنوان المصائب في مقتل الامام علي بن أبي طالب(ع) طبع سنة ١٣٤٧ه.

٤- ديوانه الذي يحتوي على ما نظمه من الشعر خلال مدة تتجاوز الأربعين عاماً طبع سنة ١٣٧٦ه.

٥- الذخائر وهو ديوان شعرٍ خاص يحتوي على حوالي خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها في أهل البيت: مدحاً ورثاءاً وقد طبعت سنة ١٣٦٩ه وأوصىرحمه‌الله أن يدفن معه في قبره وقد صدره بالبيتين التاليين:

سرائرُ ودٍّ للنبيِّ ورهطهِ

بقلبي ستبدو يوم تُبلى السرائرُ

وعندي ممّا قلتُ فيهم ذَخائِرٌ

ستنفعني في يوم تفنى الذّخائرُ

توفي في فجر يوم الأحد ٢١ جمادى الثانية سنة ١٣٨٥ه الموافق ١٩٦٥/١٠/١٧م فرحمةُ اللَّه تعالى عليه.

٣٠١

وخلاه مرمي اعله الفرش ما يگدر يگوم

وذوب فؤاده من ونينه شمس الشموس

* * *

واحر گلبى اعله الذي في الفرش مطروح

مرمي على فراشه يعالج نزعة الروح

ناحت على مصابه البتوله بگلب مجروح

ياليت روحي اله فده وسكنت الرموس(١)

* * *

عن الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي(ع) قال: (من كانت له إلى اللَّه عزّوجلّ حاجة فليزر قبر جدّي الرّضا(ع) بطوس وهو على غسل، وليصلِّ عند رأسه ركعتين، وليسأل اللَّه تعالى حاجته في قنوته، فإنّه يستجيبُ له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم فإنّ موضعَ قبره لبقعةٌ من بقاع الجنة لايزورها مؤمنٌ إلّا أعتقَهُ اللَّهُ تعالى من النار وأحلّه دار القرار)(٢) .

ولد الإمام أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا(ع) في الحادي عشر من ذي القعدة يوم الخميس أو الجمعة بالمدينة سنة ١٤٨ ثمان وأربعين ومائة. وذلك بعد وفاة جدّه الإمام الصادق(ع) بأيّامٍ قليلة(٣) ، وكان الإمام الصادق(ع)

____________________

(١) الفائزيات الكبرى: ص١٨٤.

(٢) الأنوار البهيّة للمرحوم الشيخ عباس القمي(ره) ص٢٠٣.

(٣) أقول: قضى الإمام الصادق(ع) شهيداً في سنة ١٤٨هأ. وذلك في شهر شوال، إلّا أنّ

٣٠٢

يتمنى إدراكه، ففي الخبر عن الإمام موسى بن جعفر(ع) قال: سمعت أبي جعفر بن محمد(ع) غير مرّة يقول لي: إِنّ عالمَ آلِ محمّد(ص) لفي صلبك وليتني أدركتُهُ فإنّه سميّ أمير المؤمنين(ع).

أمّه ذات العلى والمجد السيّدة نجمة، ويُقالُ لها تُكْتَمْ أيضاً، وكنيتُها أمّ‏البنين، ولما ولدت الإمام الرّض(ع) لقّبها الإمام الكاظم(ع) بـ(الطاهرة)(١) .

وأمّا عبادته ومكارم أخلاقه ومعالي أموره فقد روي أنه كان يجلس في الصيف على حصير، وفي الشّتاء على مُسُحْ(٢) ، وكان يلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم، وكان(ع) إذا صلّى الغداة - الفجر - وكان يصلّيها في أول الوقت - يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشّمس، وكان(ع) يكلّم الناس قليلاً، وكان كلامه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختم القرآن في كلّ ثلاث ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني ما مررتُ بآيةٍ قط إلّا فكّرت فيها وفي أيِّ شي‏ءٍ أنزلت، وفي أيِّ وقت ولذلك صرتُ أختم في كلِّ ثلاثةِ أيام.

وقال إبراهيم بن العباس: ما رأيت أبا الحسن الرّضا(ع) جفا أحداً بكلامه قط، ولا شتمَ أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيتُهُ يقهقهُ في

____________________

المشهور والذي عليه العمل خصوصاً في العصور المتأخرة هو يوم ٢٥ من شوال، فعلى هذا تكون المدة بين وفاة الإمام الصادق(ع) وميلاد الإمام الرضا(ع) هي ١٥ أو ١٦ يوماً واللَّه العالم.

(١) الأنوار البهيّة ص١٧٧.

(٢) المـُسُح: واحدُه المِسْح وهو الكساءُ من الشَّعْر، لسان العرب

٣٠٣

ضحكه قط بل كان ضحكُهُ التبسّم، وكان(ع) قليلَ النوم بالليل كثير السّهر، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصّبح، وكان كثيرَ الصّيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشّهر ويقول ذلك صوم الدّهر(١) ، وكان(ع) كثير الصّدقةِ والمعروف في السرّ وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، وكان(ع) إذا جلس على الطعام أتي له بصحفة فتوضع قرب المائدة فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به فيأخذ من كلّ شي‏ء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية:( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) (٢) .

ثمّ يقول: علمَ اللَّهُ عزّوجلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيلاً إلى الجنة(٣) .

أقول: أراد(ع) أنّ اللَّه تعالى يعلم أن ليس كلّ أحد من خلقه قادراً على عتق رقة في سبيله، فجعل لهم طريقاً آخر أقل مؤنة وهو إطعام اليتامى والمساكين.

وعن موسى بن سيّاررحمه‌الله تعالى قال: كنت مع الإمام الرّضا(ع) وقد أشرف على حيطان طوس وسمعتُ واعيةً فاتبعتُها فإذا نحنُ بجنازة،

____________________

(١) قال المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظلّه) في كيفيّته: هو صوم أول خميس من الشّهر، وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر وسط الشّهر، الأحكام الفقهيّة ص١٧٤.

(٢) سورة البلد، الآيات: ١١ - ١٤.

(٣) الأنوار البهيّة ص١٨٠.

(٤) قال في (لسان العرب): قال ابن الأثير: الواعيةُ: هو الصراخ على الميّت ونعيُهُ.

٣٠٤

فلمّا بصرتُ بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجلَهُ عن فرسه ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها ثمّ أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلةُ بأمِّها، ثمّ أقبل عليّ وقال: ياموسى بن سيّار من شيّعَ جنازةَ وليٍّ من أوليائنا خرج من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ لا ذنبَ عليه. حتى إذا وضع الرّجل على شفير قبره رأيت سيّدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميّت فوضع يده على صدرِهِ ثمّ قال: يافلانَ بن فلان أبشر بالجنة فلا خوفٌ عليك بعد هذه الساعة فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فواللَّه إِنّها بقعةٌ لم تطأها قبل يومكَ هذا؟ فقال لي: ياموسى بن سيّار أما علمتَ أنّا معاشر الأئمة تُعرض علينا أعمالُ شيعتنا صباحاً ومساءاً، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا اللَّهَ تعالى الصّفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا اللَّه تعالى الشكر لصاحبِهِ(١) .

أقول: إذا كانت أعمالنا تعرض على الإمام(ع) في الصّباح والمساء فالحريُّ بنا التدقيق في أفعالنا وأقوالنا حتى لا يصل إليه منّا إلّا ما يحبّه ويؤنسُه، فإنّ ما يصل إليه من أعمال أهل العالم ممّا لا يسرّه ولا يُرضيه الكثير الكثير.

ومن غرر كلماته الخالدة ما روى الشيخ القمّي(ره) عنه حيث قال(ع):

صديقُ كلِّ امرئ عقلُهُ، وعدوُّهُ جهلُهُ.

وقال(ع): (التودّدُ إلى النّاس نصفُ العقل).

وقال(ع): (يأتي على الناس زمانٌ تكون العافيةُ فيه عشرةَ أجزاء، تسعةً في اعتزال الناس، وواحدةً في الصّمت).

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٤ ص٣٤١.

٣٠٥

وقال(ع): (إنّ اللَّه يبغض القيل والقال، وإضاعةِ المال، وكثرةِ السؤال).

أقول: أراد(ع) بكثرة السؤال طلب الحوائج من الناس بكثرة.

وروى السيد الجليل المرحوم عبدالعظيم الحسيني(ره) عن الإمام أبي‏الحسن الرّضا(ع) قال هذه الوصيّة الشريفة للشيعة: (ياعبدالعظيم أبلغ أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومرهم بالصّدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوتِ وتركِ الجدال فيما لا يعنيهم، واقبالِ بعضهم على بعض والمزاورة فإنّ ذلك قربة إِليّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإني آليت على نفسي أنّه من فعل ذلك وأسخط وليّاً من أوليائي دعوتُ اللَّهَ ليعذّبه في الدّنيا أشدّ العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين)(١) .

ومن كريم أخلاقه(ع) ما رواه الشيخ المجلسي(ره) في البحار بسنده إلى اليسع بن حمزة قال: كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرّضا(ع) أحدّثه وقد اجتمع إليه خلقٌ كثير يسألونه عن الحلالِ والحرام، إذ دخل عليه رجلٌ فقال له: السلامُ عليك ياابن رسول اللَّه(ص) أنا رجل من محبيك ومحبّي آبائك وأجدادك: مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحله، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي، وللَّه عليّ إذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تعطيني عنك فلستُ موضعَ صدقة فقال له: اجلس رحمك اللَّه، وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرّقوا، وبقي هو وسليمان والجعفري وخثيمة وأنا فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان: قدّم اللَّهُ أمرك،

____________________

(١) الأنوار البهيّة ص١٨٦.

٣٠٦

فقام فدخل الحجرة وبقي مدّة ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يدَه من أعلى الباب وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا فقال: خذ هذه المأتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تتصدّق بها عنّي، واخرج فلا أراك ولا تراني ثمّ خرج(ع) فقال له سليمان: لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافةَ أن أرى ذلّ السؤال في وجهِهِ لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول اللَّه(ص): المستترُ بالحسنة تعدلُ سبعين حجّة، والمذيعُ بالسيئةِ مخذولٌ والمستتر بها مغفورٌ له، أما سمعتَ قول الأوّل:

متى آتِهِ يوماً لأطلُبَ حاجةً

رجعتُ إلى أهلي ووجهي بمائه(١)

أقول: هنا قَضَى الإمام(ع) حاجة رجلٍ من محبيه في حياته، وهناك كرامة أخرى حيث قضى الإمامُ(ع) حاجةَ امرأة مريضة من محبيه بعد وفاته وإليك الكرامة، ففي كتاب - كرامات رضوية - تأليف المرحوم الشيخ علي أكبر مروّج الإسلام، وتحت عنوان - الكرامة السادسة - قال: تزوّج أحد المؤمنين واسمه علي أكبر النجار امرأةً شابةً مؤمنة في مدينة مشهد المقدسة الإيرانية وذلك في حدود سنة ١٩٦٤م، ولم تمضِ على زواجهما مدّة حتى مرضت المرأة بالمرض المعروف - بالحصبة - ولازمت على أثر ذلك الفراش، وبعد مراجعة الأطباء واستعمال الدواء تحسّنت حالتُها ولكن وبسبب ترك الحمية ومخالفة ارشادات الأطباء عاد إليها المرضُ ثانيةً

____________________

(١) البحار ج٤٩ ص١٠١، ح ١٩.

٣٠٧

وبشكلٍ قوي هذه المرة حيث انتهى الحال بها إلى موت - توقّف - قدميها ويدها اليمين حتى عجزت عن الحركة فضلاً عن القيام والقعود.

وبقيت على هذا الحال مدة ٧ أشهر قضتها في مراجعة الأطباء ولم تحصل على الفائدة المرجوّة حتى وُصِفَ لها طبيب ألماني يمتاز بالخبرة ويستعمل الآلات الطبية الحديثة، وبعد مراجعته كتب لها دواءاً تستعمله ظناً منه أنه شخّص المرض وسيدفعه بهذا الدواء إلّا أن حالتها تدهورت أكثر حتى اُصيب وجهها بالشلل ولم تستطع فتح فمها حيث أطبقت الأسنان على الأسنان وتحيّروا في طعامها ودوائها، فأرجعوها إلى الطبيب الألماني فلمّا نظر إليها قال ليس لهذه المرأة دواء عند الأطباء خذوها إلى الأطباء الروحانيين ليعالجوها بالأدعية والتوسلات الشرعية.

واستمرت هذه الحالة عندها (ع) أيام ما كانت تقدر على تناول الطعام والدواء ولا حتى الكلام وكادت أن تهلك من شدّة المرض وصعوبة العلاج.

يقول الزوج ونحن في هذه الفترة لم نترك مراجعة الأطباء ومشاورتهم حتى استقرّ رأيهم على إعطائها جرعة قوية من الدواء عن طريق الوريد باستعمال الأبر لعلّهم يوفّقوا في ارجاع الوجه إلى حالته الطبيعيّة، وفعلاً تمكنوا من ذلك حيث عاد وجهها إلى حالته الأولى وتمكنت من فتح فمها لأجل الطعام والدواء وحتى الكلام أيضاً غير أنّ بقية البدن بقي على حاله حيث ما كانت تقدر أن تحرّك يدها ولا قدميها وباتت ملقاة في احدى زوايا المنزل يائسة من شفائها، وقد تركنا مراجعة الأطباء لأجل أنهم عجزوا عن مداواتها يقول الزوج وفي ليلةٍ من الليالي نادتني زوجتي وشكرتني على

٣٠٨

صبري معها وهي مريضة واعتذرت لي بسبب المتاعب التي سببتها لي وقالت إنك لم ترَ مني خيراً أبداً ولكنك طوقتني بجميلٍ لا أنساه لك أبداً، ولي منك طلبٌ أخير إن سمحت به قلت وما هو؟ قالت الليلة المقبلة هي ليلة الجمعة وأريد منك أن تنقلني إلى حرم سيدي ومولاي الامام أبي الحسن الرّضا(ع) وتضعني قريب الضريح الشريف وتتركني هناك لأطلب من الامام(ع) شفائي أو موتي ونجاتي ممّا أنا فيه فقلت يكون إن شاء اللَّه تعالى ما تريدين.

وفعلاً حملتها في الليلة المقبلة ومعنا أمّها حتى أوصلتها إلى حرم الامام أبي الحسن الرضا(ع) ووضعتها قرب ضريح الامام(ع) وعدت إلى المنزل، وقالت لها أمّها أنا ذاهبة إلى مسجد النساء لأستريح قليلاً تقول الزوجة المريضة فبقيت وحدي وتوجّهت إلى الإمام(ع) بقلبي وروحي وجميع حواسي وقلت له سيّدي ياأبا الحسن أيّها الامام الرؤوف أطلب منك شفائي أو موتي وخلاصي ممّا أنا فيه ثمّ بكيتُ كثيراً فبينا أنا كذلك ولا أدري أنائمة أنا أم مستيقظة إذ رأيت الضريح الشريف قد انفتح وخرج منه سيّدٌ جليل عليه ثيابٌ خضرٌ تعلوه الهيبة والنور تكلّم معي بلغتي - التركية - وقال: قومي فلم أجبه فقال ثانيةً: قومي فلم أجبه فقال ثالثة: قومي قلت سيدي كيف أقوم وأنا مريضة لا أقدر الوقوفَ على قدمي قال: قومي واذهبي إلى مسجد -گوهرشاد واسبغي الوضوء وصلّي هناك ثمّ عودي واجلسي هنا.

تقول سمعت منه هذا وعدت إلى نفسي وإذا أنا لا زلت قريب الضريح

٣٠٩

والنساءُ الزائرات حولي ولكني لم أجد في بدني ألماً أبداً، ورأيت يدي اليمنى تتحرّك حتى أني قمت ووقفت على قدمي كأيّ إنسان سالم معافى ولم أصدق ذلك حتى مشيت خطوات داخل حرم الامام(ع) عندها تيقّنت أنّ الامام الرضا(ع) نظر إليّ ثمّ ذهبت مسرعةً لاُبشّر أمي فعندما نظرت إليّ قلت لها أماه إنَّ ضامن الغرباء منّ عليّ بالشفاء فقامت وضمّتني إلى صدرها طويلاً غير مصدّقة ما تشاهده عيناها، وبكينا من شدّة الفرح والسرور ساعةً كاملة(١) .

أقول: عاش الامام الرضاعليه‌السلام في خراسان مدّة قصيرة من عمره الشريف، ولكنّها كانت من أشدّ الفترات وطأةً عليه حتى أنه(ع) تمنى الموت لأجل الخلاص ممّا هو فيه، روى الشيخ الصدوق(ره) عن علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم قال: كان الرض(ع) يقول في دعائه: اللهمّ إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة، ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قبض صلوات اللَّه وسلامه عليه(٢) .

أمّا كيفيّة مقتله(ع) فقد روى الشيخ الصدوق(ره) في (عيون الأخبار) عن أبي الصلت الهروي قال قال لي الإمام(ع): ياأبا الصلت غداً أدخلُ على هذا الفاجر - يعني المأمون فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرّأس فتكلّم أكلّمك، وإن أنا خرجت وأنا مغطى الرّأس فلا تكلّمني قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر فبينما هو كذلك إذ

____________________

(١) كرامات رضوية ج١ ص٩٩.

(٢) الأنوار البهيّة ص١٩٥.

٣١٠

دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعلَهُ ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعُهُ حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلمّا أبصر الرضا(ع) قام إليه فعانقه وقبل بين عينيه وأجلسه معه ثمّ ناوله العنقود وقال ياابن رسول اللَّه ما رأيت عنباً أحسنَ من هذا فقال له الامام(ع): ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة فقال له كل منه فقال له: تعفيني منه فقال لابُدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتهمُنا بشي‏ء فناوله العنقود فأكل منه الإمام الرضا(ع) ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام فقال المأمون إلى أين؟ فقال: إلى حيث وجهتني، فخرج(ع) مغطى الرّأس فلم أكلّمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب ثمّ نام على فراشه مهموماً محزوناً فبينما أنا كذلك إذ دخل عليّ شابٌ حسن الوجه قطط(١) الشّعر أشبه الناس بالامام الرّضا(ع) فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق فقلت له: ومَن أنت؟ فقال لي: أنا حجة اللَّه عليك ياأبا الصّلت، أنا محمّد بن علي ثمّ مضى نحو أبيه فلمّا نظر إليه الامام الرّضا(ع) ضمّه إلى صدره وقبّل ما بيه عينيه(٢) .

أويلي اعله الرضا من طاح بخراسان

بعيد الدار والأحباب والخوّان

اجه بهمّه الجواد او من حضر يمّه

شاف السم يولي مأثّر بجسمه

شبگ فوگه يودعه او قبله وشمه

وغده دمع العيون امن الحزن غدران

____________________

(١) قال الفيومي في (المصباح المنير) شعرٌ قَطَطْ بفتحتين: شديد الجعود.

(٢) عيون أخبار الرّضا للشيخ الصدوق(ره) ج٢ ص٢٤٣.

٣١١

قال أبو الصلت الهروي: رأيت الامام الرضا(ع) يسارُّ ولده - وكأنه يوصيه بوصاياه - لم أفهم ما يقول له آجركم اللَّه فلم يقم الامام الجواد من عند والده المفدّى إلى أن قضى نحبَهُ ومضى إلى ربّه مسموماً غريباً شهيداً واإماماه واسيّداه:

فائزي

لمن گضه ضامن الجنة تزلزل الكون

والمصطفى أمسى ابوسط الگبر محزون

* * *

او مكسورة الأضلاع في الروضة حزينه

اتنادي الرضا ثامن اولادي سامينه

مدري شحال ابنه محمد عگب عينه محزون

ومصاب الأبوا عله الولد ميهون

* * *

ضاگت على اولادي بلاد اللَّه الوسيعة

كل يوم ينصابون بمصيبة وفجيعه

نصبوا مآتمكم على أولادي يشيعه

وخلّوا الدمع يهمل او فوگ الخد مهتون

بوجهي هل دهر ما يوم بسّم

ومن وجدي غديت انلظم بالسم(١)

مثل الرضا الضامن مات بالسم

يحگ نبكي عليه صبح ومسيه

* * *

وقبرٌ بطوسٍ يالها من مصيبةٍ

ألحّت على الأحشاءِ بالزفراتِ

إلى الحشرِ حتى يبعث اللَّه قائماً(٢)

يفرّج عنّا الهمَّ والكُرباتِ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) السّم هنا بمعنى ابرة الخيّاط.

(٢) من المناسب تبديل هذا اللقب الشريف إلى لقب (حجّةً) تخفيفاً على المستمعين من القيام، وحتى يبقى خشوع المستمعين وشجاؤهم إذا أراد الخطيب إطالة المجلس أكثر من هذا.

٣١٢

العشرون من صفر المجلس الخامس

يوم الأربعين

قم جدّدالحزنَ ‏في‏ العشرينَ من ‏صفرِ

ففيه ردّت رؤوسُ الآلِ للحفرِ

يازائري بقعةً أطفالُهُم ذُبحت

فيها خذوا تربَها كحلاً إلى البصرِ

والهفتا لبناتِ الطهرِ حين رنت

إلى مصارعِ قتلاهنّ والحفرِ

رمينَ بالنفسِ من فوقِ النياقِ على

تلك القبورِ بصوتٍ هائلٍ ذَعِر

فتلك تدعو حسيناً وهي لاطمةٌ

منها الخدودَ ودمعُ العين كالمطرِ

وتلك تصرخُ واجدّاه واأبتاه

وتلك تصرخُ وايتماه في الصغرِ

فلو تروا أمَّ كلثومٍ مناشدةً

ولهى وتلثمُ تربَ الطفِّ كالعِطْرِ

يادافني الراس عند الجثة احتفظوا

باللَّهِ لا تنثروا ترباً على قمرِ

لا تغسلوا الدمَ عن أطرافِ لحيتهِ

خلّوا عليه خضابَ الشيبِ والكِبَرِ

لا تُخرجوا أسهماً في جسمِهِ نشِبَتْ

خوفاً يفورُ دماً يطمو على البشرِ(١)

نعي

من لاح الگبر سحت دموع العين

ونادت ويل گلبي ذاك گبر حسين

الجثة بالگبر والراس اصيحن وين

على راس الرّمح مدّه يبارينه

* * *

اويلي لاح گبر حسين لعيوني

يهلنه للمدينة امشوا وخلّوني

أخافن لن بني هاشم ينشدوني

شگولن لليگول حسينكم وينه

____________________

(١) هذه القصيدة العصماء من نظم المرحوم السيّد هاشم السبتري البحراني(ره).

٣١٣

لفن يم الگبر ودموعهن تهمي

وزينب صارخه وتصيح يابن امي

وسكنه تندب العباس ياعمي

من ذل اليسر لگبوركم جينه

* * *

روي عن الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع) أنه قال: (علاماتُ المؤمن خمسٌ: صلاةُ احدى وخمسين، والجهرُ ببسمِ اللَّه الرّحمن الرّحيم، والتختّمُ في اليمين، وتعفيرُ الجبين، وزيارةُ الأربعين)(١) .

الأولى: وهي صلاة احدى وخمسين في اليوم والليلة عبارة عن سبعة عشرة ركعة فريضة، وأربعة وثلاثين ركعة نافلة، والفرائض هي الصبح والظهرين والعشاءين واعدادها معروفة واضحة، وأما النوافل فهي ثمان للظهر قبلها وثمان للعصر قبلها، وأربع للمغرب بعدها، واثنان من جلوس للعشاء بعدها تعدّان ركعة واحدة، وركعتان للصبح قبلها، وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل ثمان هي نافلة الليل ثمّ الشفع والوتر، وبإضافاتها إلى الفرائض يكون المجموع احدى وخمسين ركعة، وهذا ما اختصت به الفرقة الناجية التابعة لأهل البيت:، فإنّ أهل السنة - المخالفين - وإن وافقوهم بعدد الفرائض إلّا أنهم افترقوا في النوافل ففي كتاب (فتح القدير) لإبن همام الحنفي ج١ ص٣١٤ قال إنها ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، واثنان بعدها، وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وأربع بعدهاوإن شاء ركعتين فهذه ثلاثة وعشرون ركعة، واختلفوا في نافلة الليل إنها ثمان ركعات أو ركعتان أو ثلاث عشرة ركعة أو

____________________

(١) مقتل المقرم١ ص٤٧٣ عن تهذيب الشيخ الطوسي(ره).

٣١٤

أكثر، فالمجموع من نوافل الليل والنهار مع الفرائض لا يكون احدى وخمسين، فاذا تكون احدى وخمسين من مختصات الفرقة الحقة الإمامية لا غير(١) .

الثانية: وهي الجهرٌ بالبسملة فإنّ الشيعة - الإماميّة - تديّنوا إلى اللَّه تعالى به وجوباً في الصلاة الجهرية واستحباباً في الصلاة الاخفاتية تمسكاً بأحاديث أئمتهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول الفخر الرازي: ذهبت الشيعة إلى أنّ من السنّةِ الجهرُ بالتسمية - البسملة - في الصلاة الجهريّة والإخفاتية وجمهور الفقهاء - السنّة - يخالفونهم، وقد ثبت بالتواتر أنّ عليّ بن أبي طالب كان يجهرُ بالتسمية ومن اقتدى في دينه بعليِّ فقد اهتدى والدليل عليه قول النبيّ(ص): (اللهمّ أدر الحقّ مع عليٍّ حيث دار).

وخالف أهلُ السنّة في مسألةِ الجهر بالبسملة وقالوا: الجهرُ غير مسنون في الصلاة(٢) .

الثالثة: وهي التختّم باليمين وقد التزم به الإماميّةُ تديّناً برواياتِ أئمتهم: وخالفهم جماعةٌ من أهل السنّة.

هذا وقد وردت الروايات الشريفة المروية عن النبيّ وآله (ص) وهي تحثّ المؤمنين التختّمَ باليمين، وأن لا تخلو اليد من خاتم فصّه عقيق منها:

عن الامام الصادق(ع): (ما رفع كفٌّ إلى اللَّه عزّوجلّ أحبّ إليه من كفّ فيها خاتمٌ عقيق)(٣) .

____________________

(١) و(٢) مقتل المقرّم ص٤٧٧.

(٣) عدّة الدّاعي لابن فهد الحِلّي(ره) ص١١٨.

٣١٥

وعن أمير المؤمنين(ع): (تختّموا بالعقيق يبارك اللَّهُ عليكم وتكونوا في أمنٍ من البلاء)(١) .

وعن سليمان الأعمش قال: كنت مع أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد(ع) على باب أبي جعفر المنصور فخرج من عنده رجلٌ مجلود بالسوط فقال لي الامام(ع): ياسليمان انظر ما فصّ خاتمه؟ فقلت يابن رسول اللَّه فصّه غير عقيق فقال: ياسليمان انه لو كان عقيقاً لما جُلِد بالسوط قلت: يابن رسول اللَّه زدني قال: هو أمانٌ من قطع اليد قلت: يابن رسول اللَّه زدني قال: هو أمانٌ من إراقة الدم - القتل - قلت: زدني قال: إنّ اللَّه يحبّ أن ترفع إليه في الدعاء يدٌ فيها فصٌّ عقيق قلت: زدني قال: العجب كلّ العجب من يدٍ فيها فصّ عقيق كيف تخلو من الدنانير والدراهم قلت: زدني قال: إنّه أمانٌ من كلّ بلاء قلت: زدني قال: إنّه أمانٌ من الفقر(٢) .

الرابعة: وهي تعفيرُ الجبين، والتعفيرُ في اللغة هو وضع الشي‏ء على العَفَرْ(٣) وهو التراب، سواء كان في سجود الصلاة - حيث لابدّ من وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه والتراب أفضل - أو سجدة الشكر التي تكون بعد كل فريضةٍ أو نافلة قال السيد الحكيم في (الأحكام الفقهيّة):

يستحبّ سجدة الشكر بعد كلّ فريضة أو نافلة، وفي الخبر الصحيح عن الصادق(ع) أنه قال: (سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم تُتِمُّ بها

____________________

(١) عدّة الدّاعي ص١١٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) العَفْر والعَفَر مصدران: ظاهر التراب، المنجد.

٣١٦

صلاتك وترضي بها ربّك وتَعجَبُ الملائكةُ منك). والأفضل سجدتان يفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً الأيمن على الأيسر، ويجزي أن يقول فيها: (شكراً للَّه) ثلاث مرّات(١) .

وأهل السنّة لم يلتزموا بالتعفير في الصلاة أو سجدة الشكر بعدها(٢) .

الخامسة: وهي زيارة الأربعين التي أرشد أئمة أهل البيت: شيعتهم ومواليهم إلى الحضور في مشهد الغريب المظلوم سيّد الشهداء(ع) لإقامة العزاء وتجديد العهد بذكرِ ما جرى عليه من القساوةِ التي لم يرتكبها أيُّ أحدٍ يحمل شيئاً من الإنسانية فضلاً عن الدين، والحضور عند قبر الامام الحسين(ع) يوم الأربعين من مقتله من أظهر علائم الإيمان.

والعجبُ كلّ العجب ممن يحاول صرف هذه العبارة الشريفة (وزيارة الأربعين) عن معناها - وهو زيارة الامام الحسين(ع) يوم الأربعين وهو العشرين من صفر - إلى زيارة أربعين مؤمناً مع عدم وجود إشارة تشير إليه، ولا قرينة تساعدُ عليه ليصحّ الإتيان بالألف واللام للعهد وذلك في كلمة (الأربعين) مع أنّ زيارة أربعين مؤمناً ممّا حثّ عليها الإسلام فهي من علائمه عند الشيعة والسنّة وليست هي من مختصات الشيعة ليمتازوا بها عن غيرهم، وأمّا زيارة الامام الحسين(ع) يوم الأربعين من قتله فهي من مختصات المؤمنين الموالين لأهل البيت:، وممّا يدعو إليها الإيمان الخالص، ويؤكدها الشوق الحسيني، ومعلوم عند الجميع أن الذين يحضرون

____________________

(١) الأحكام الفقهية لمرجع الطائفة السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظلّه) ص١١٦.

(٢) مقتل المقرّم ص٤٨٠.

٣١٧

في كربلاء لزيارة الأربعين هم خصوص شيعة الامام الحسين(ع) السائرين على أثره.

ولم يفهم العلماء الأعلام من السلف الصالح من هذا الحديث المبارك (وزيارة الأربعين) غير زيارة الامام الحسين(ع) بعد مضيّ أربعين يوماً على مقتله منهم: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في (التهذيب)، والعلامة الحلي في (المنتهى)، وابن طاووس في (الإقبال)، والعلامة المجلسي في (البحار)، والشّيخ يوسف البحراني في (الحدائق)، والشيخ عباس القمّي في (المفاتيح).

وقد نصّ الشيخ المفيد(ره) على استحباب زيارة الامام الحسين(ع) في العشرين من صفر في كتابه (مسار الشيعة)، والعلّامة الحلي(ره) في (التذكرة)، وملا محسن الفيض الكاشاني(ره) في (تقويم المحسنين) وغيرهم(١) .

أقول: ما زال المؤمنون (بيض اللَّه وجوههم) يتجمعون حول قبر أبي‏عبداللَّه الحسين: في كلّ عام يوم الأربعين وهم يتزاحمون على استلام الضريح الشريف بكلّ شوق ولهفة:

يتزاحمونَ على استلامِ مشاعِر

من دون روعتها الصفا والمشعَرُ

ركبوا لها الأخطارَ حتى لو غدت

تُبرى الأكفّ أو الجماجمُ تُنثَرُ

وافوكَ (يومَ الأربعين) وليتهم

حضروكَ يوم الطفِّ إذ تستنصر

____________________

(١) مقتل المقرّم ص٤٨٠ - ٤٨٢ بتصرّف.

٣١٨

وجدوا سبيلَكُمُ النجاةَ وإنّما

نصبوا لها جسرَ الولاءِ ليعبُروا(١)

وفي مثل هذا اليوم وصل الامام زين العابدين(ع) ومعه العائلة إلى كربلاء فوجدوا جابر بن عبداللَّه الأنصاري هناك قد ورد لزيارة قبر الامام الحسين(ع).

قال الأعمش بن عطية، خرجت مع جابر بن عبداللَّه الأنصاري زائراً قبر الحسين(ع)، فلمّا ورد كربلاء دنا من شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ خرج وقد ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها طيب فنثرها على بدنه ثمّ مشى إلى القبر الشريف حافياً، وكان لا يخطو خطوة إلّا ذكر اللَّهَ تعالى فيها، حتى إذا دنا من القبر قال: المسنيه يابن عطيه قال: فألمستُهُ القبر فخرَّ على القبر مغشياً عليه، فرششتُ عليه الماء فلمّا أفاق صاح: ياحسين ياحسين حتى قالها ثلاثاً ثمّ قال: حبيبٌ لا يجيبُ حبيبَه ثمّ قال: وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجُكَ على أثباجك(٢) وفُرّقَ بين رأسِكَ وبدنك. أشهدُ أنك ابنُ سيّدِ النبيين، وابنُ سيّدِ الوصيين، وابنُ حليفِ التقى وسليلِ الهدى، وخامسُ أصحابِ الكسا، وابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، وكيف لا تكون كذلك، وقد غذّتك كفُّ سيّدِ المرسلين، وربّيتَ في حجور المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فَطِبتَ حيّاً وطبت ميّتاً، غيرَ أن قلوبَ المؤمنين غيرُ طيّبةٍ لفراقكَ، ولا شاكّةٍ في حياتكَ فعليك سلامُ اللَّهِ ورضوانه، وأشهد أنك قد مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا

____________________

(١) من قصيدة للعلامة الشيخ عبد المهدى مطر النجفي.

(٢) الثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر - الحاشية -

٣١٩

ثمّ أجال ببصره نحو قبور الشهداء وقال: السلامُ عليكم أيتها الأرواحُ التي حلّت بفناء قبر الحسين(ع) وأناخت برحله، أشهدُ أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحسدين وعبدتم اللَّه حتى أتاكم اليقين.

قال ابن عطية: رأيت سواداً قد أقبل فقلت لجابر اني أرى سواداً عظيماً مقبلاً علينا من ناحية الشام فالتفت جابر إلى غلامِهِ وقال له: انطلق وانظر ما هذا السواد، فإن كانوا من أصحاب عبيداللَّه بن زياد ارجع إلينا حتى نلتجئ إلى مكان، وإن كان هذا سيدي ومولاي زينَ العابدين فأنت حرٌّ لوجه اللَّه، فانطلق الغلام فما كان بأسرع من أن عاد وهو يلطم وجهَهُ وينادي: قم ياجابر واستقبل حُرَمَ اللَّه وحُرَمَ رسولِهِ فهذا سيدي ومولاي عليّ بن الحسين قد أقبل بعمّاتِهِ وأخواته ليجدّدوا العهدَ بزيارةِ الحسين(ع)، فقام جابر ومن معَهُ واستقبلوهم بالبكاء والعويل الذي يكاد الصخر أن يتصدّع منه، فلمّا وقع بصر الامام على جابر قال له: أنت جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال نعم سيدي أنا جابر قال: ياجابر هاهنا ذُبحت أطفالُنا(١) ، ياجابر هاهنا أُحرقت خيامُنا ياجابر هاهُنا قُتلت رجالُنا، هاهنا سُبيت نساؤُنا:

يجابر شگلك ما لي لسان

على وجوههن فرّن النسوان

وبثيابهن تلهب النيران

لبالهن بالهيمة وليان

لگنهم ضحايا على التربان

____________________

(١) ثمرات الأعواد للمرحوم السيد علي الهاشمي١ ج٢ ص٥٥ - ٥٧.

٣٢٠