دائرة المعارف الحسينية معجم الشعراء الناظمين في الحسين (عليهالسلام) الجزء الأوّل

مؤلف: محمد صادق محمد الكرباسي
الناشر: المركز الإسلامي للدراسات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 369
مؤلف: محمد صادق محمد الكرباسي
الناشر: المركز الإسلامي للدراسات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 369
دائرة المعارف الحسينية
معجم الشعراء
الناظمين في الحسين (عليهالسلام )
الجزء الأوّل
دائرة المعارف الحسينية
معجمُ الشعراء
الناظمين في الحسين (عليهالسلام )
الجزء الأول
محمد صادق محمد الكرباسي
المركز الحسيني للدراسات
لندن - المملكة المتّحدة
الطبعة الأولى
١٤١٩ ه - ١٩٩٩ م
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(١)
( الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (٢) آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (٥) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي و (٦) لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (٧) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (٨) ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) ) .
( صَدَقَ اللَّهُ (١٠) الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (١١) ) .
____________________
١- سورة النمل / ٣٠.
٢- سورة النمل / ٥٩.
٣- سورة آل عمران / ٣٣ - ٣٤.
٤- سورة الحاقة / ٤٠.
٥- سورة الشعراء / ١٠٧.
٦- سورة الأعراف / ٦٢.
٧- سورة الشورى / ٢٣.
٨- سورة الإسراء / ٢٦.
٩- سورة الروم / ٣٨.
١٠- سورة آل عمران / ٩٥.
١١- سورة البقرة / ٢٥٥.
قال الرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله ) : ((إنّ الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام خير ويمن ، وعزّ وفخر ، وبحر علم وذخر))(١) .
وصدق رسوله الكريم
____________________
١- عيون أخبار الرضا ١ / ٦٢ ، وقريب منه في فرائد السمطين / ٤٢.
مقدمة الناشر
الشعر صنيع الشاعر ، ولا شعر بلا شاعر تفتقت قريحته عن كلام منظوم في أبيات موزونة مقفّاة ، والشاعر ابن بيئته يتأثّر بها وبهمومها وقضاياها ، ويحملها في فؤاده ليصوغها شعراً ، والشاعر يؤثّر في بيئته وبني جلدته وحتى الأجيال اللاحقة به.
فالشاعر إن قال حماساً ألهب المشاعر وجيّش النفوس ، وإن قال رثاءً أحزن الأفئدة والجوارح وأبكى العيون ، وإن قال غزلاً هيّج العواطف وأثلج صدور العشّاق ، وإن ضمّن شعره أحداثاً جرت في عهده بقي شعره تاريخاً تخلّده الأزمنة ، ويعود إليه البحّاثة للاستشهاد به كما يستشهدون بكتب التاريخ والسير.
ولأنّ هذه الموسوعة أرادها واضعها حاوية لكلّ ما يتعلّق بالإمام الحسين (عليهالسلام ) ، ونهضة الحسين (عليهالسلام ) ، فهي لن تكتمل من دون ذكر الشعراء الذين نظموا شعراً في الحسين (عليهالسلام ) ونصرته ، ونصرة أهدافه ومبادئه ؛ حيث لا يخفى على أحد ما للشعراء الحسينيين من دور هامّ في نشر أهداف نهضة الإمام الحسين (عليهالسلام ) ، وتسليط الضوء على مظلوميته على مرّ الأزمنة والعصور.
إذ لم يخلُ زمان ولا مكان من شعراء نظموا شعراً في الحسين (عليهالسلام ) ، وأهل بيته وأنصاره ، حتى غدت معظم مجالس العزاء تُفتتح بأبيات من الشعر ، وتُختتم بأبيات من الشعر الفصيح والعامي على السواء ، ناهيك عن اللطميات الحسينية ، وهي قصائد تُقرأ في عاشوراء بأطوار متعدّدة.
لقد أكرم الأئمّة (عليهمالسلام ) الشعراء الذين نظموا في الحسين (عليهالسلام ) ، فها هي كتب التاريخ تحدّثنا عن إكرام الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهالسلام ) للشاعر دعبل الخزاعي عندما أنشده قصيدته التائية الخالدة التي مطلعها :
تجاوَبنَ بالإرنانِ والزّفراتِ |
نوائحُ عُجمُ اللفظِ والنَّطقاتِ |
وكان تأثّر الإمام الرضا (عليهالسلام ) بالغاً لدرجة أنّ بعض أبياتها أبكى الإمام (عليهالسلام ) حتى الإغماء ثلاث مرّات ، ولمـّا فرغ دعبل من إنشادها دخل الإمام (عليهالسلام ) الدار وبعث مع الخادم إلى دعبل صرّة فيها عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه - كان الإمام الرضا (عليهالسلام ) يومها ولياً لعهد المأمون - لكنّ دعبل رفض أخذ المبلغ طالباً منه أن يهب له ثوباً من ثيابه ، فأنفذ إليه الإمام بجبة خزّ مع المبلغ.
هذا الجزء من دائرة المعارف الحسينية ، هو الجزء الأوّل من معجم الشعراء الناظمين في الحسين (عليهالسلام ) ، يحتوي على ترجمة موجزة لكلّ شاعر من هؤلاء الشعراء ، وهو بالتحديد يحوي تراجم لأربعة وأربعين شاعر ، على أن تصدر تراجم الشعراء الآخرين تباعاً في أجزاء لاحقة بإذن الله تعالى.
والحمد لله ربّ العالمين.
١٠ / شوال / ١٤١٩ه
٢٩ / ١ / ١٩٩٩م
قسم
تراجم الشعراء الناظمين في الإمام الحسين (عليهالسلام )
بالعربيّة الفصحى
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللّهمّ يا سابغ الفضل والنعم
وأصلّي عليك يا نبي العرب والعجم
وسلام عليكم يا صفوة الخلق والأمم
لندن
محمد صادق صيف
١٤١٧ ه - ١٩٩٦ م
تمهيد
دور الشعراء
بعد ما وضعنا دواوين الشعر ، شعرنا بالحاجة إلى التعريف عن الشاعر ؛ حيث يظلّ مجهولاً عند الكثير من القرّاء بدونه ، وتبقى قيمة الشعر محدودةً بعدم معرفة قائله ؛ فلذا بادرنا إلى ترجمة الشاعر بأقلّ ما يمكن ، للإحاطة به من الناحية الأدبية - جانب الشعر - ، ولا يخفى على أحد دور الشعراء في نشر أهداف الإمام الحسين (عليهالسلام ) على مدى العصور والأجيال ، وهو دور مشرف.
فالشاعر المهدف سيظلّ اسمه خالداً مع أنصار الحسين (عليهالسلام ) الذين بذلوا مُهَجَهم دونه ، ودون أهدافه السامية حيث أنّ النصرة هي نصرة الأهداف ، ولا تنحصر بالنزول إلى ساحة الوغى ، بل هي من أبرز مصاديقها وأشرف أنواعها.
وأمّا الشاعر الذي يستخدم فنّ التعبير في نصرة أبي عبد الله الحسين (عليهالسلام ) وأهدافه ، ويتّخذ من نفسه إذاعة جوّالة ؛ لنشر مفاهيم تلك النهضة المباركة التي عنْوَنها الإمام (عليهالسلام ) بقوله : (( إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ))(١) .
وأطلق من خلالها أُسس الحياة الكريمة التي منها قوله المدوّي : (( إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ))(٢) .
تلك الحقيقة التي امتازت بصدق العمل ، وحرية الضمير.
فالشاعر المخلص والموالي يشعر بالذنب ، إن لم يشترك مع سيّده الحسين (عليهالسلام ) في ترسيخ تلك الأُسس التي تنازل لأجلها الإمام (عليهالسلام ) عن حياته ، وحياة أعزّ المقرّبين لديه.
____________________
١- مقتل الحسين - للمقرّم / ١٣٩.
٢- اللهوف / ٥٠.
والشاعر عندما ينظم في الحسين (عليهالسلام ) يرى أنّه في ساحة الجهاد يواكب سيّده ، وينصره بالكلمات بدل السيوف والرماح ، وذلك حين لم يحظَ بالمشاركة في معركة الكرامة بكربلاء عام ٦١ه ، وإلى هذا المعنى يشير مهيار الديلمي(١) في قوله - من المتقارب - :
وما فاتني نصركم باللسان |
إذا فاتني نصركم باليدِ(٢) |
وأمّا الشريف المرتضى(٣) ، فرغم أنّه يرى بأنّ في نظم الشعر انتصاراً للإمام (عليهالسلام ) ؛ إلّا أنّه لا يقتنع بهذا الحدّ حيث يقول - من الخفيف - :
لستُ أرضى في نصرِكم وقد احتج |
تم إلى النصرِ منّي الأشعارا |
|
غيرَ أنّي متى نصرتُكم بطعنٍ |
أو بضربٍ أسابقُ النصّارا(٤) |
ويقول في قصيدة أُخرى - من السريع - :
ولم أكن أقنعُ في نصرِكم |
بنظمِ أبياتٍ من الشعرِ(٥) |
ويقول الخوارزمي(٦) في نصره للإمام الحسين (عليهالسلام ) بنظم الشعر - من الوافر - :
وإنّ موفقاً إن لم يُقاتل |
أمامكَ يابنَ فاطمةَ البتولِ |
|
فسوفَ يصوغُ فيكَ مجرّات |
تُنقلُ في الحزونِ وفي السهولِ(٧) |
____________________
١- مهيار الديلمي : هو مهيار بن مرزويه الديلمي ، المتوفّى عام ٤٢٨ه ، من كبار شعراء القرن الخامس الهجري ، راجع ترجمته في هذا المعجم فصل الميم.
٢- ديوان القرن الخامس / المقطوعة ٩.
٣- الشريف المرتضى : هو علي بن الحسين بن موسى ، المتوفّى عام ٤٣٦ه ، وهو من كبار علماء وشعراء القرن الخامس الهجري ، راجع ترجمته في هذا المعجم فصل العين.
٤- ديوان القرن الخامس / المقطوعة ٢٦.
٥- ديوان القرن الخامس / المقطوعة ٣٠.
٦- الخوارزمي هو : الموفّق بن أحمد الخوارزمي ، المتوفّى عام ٥٦٨ه ، تلميذ الزمخشري ، كان من أعلام الحنفية وخطبائها ، له مؤلّفات منها مقتل الحسين (عليهالسلام ) ، مناقب علي بن أبي طالب ، مناقب أبي حنيفة ، وكتاب الأربعين في أحوال سيّد المرسلين (صلىاللهعليهوآله ) ، ومسانيد على البخاري.
٧- ديوان القرن السادس / المقطوعة ٧٢.
ويقول ابن أبي الحديد(١) - من الطويل - :
ويا حسرتا إذْ لمْ أكن في أوائل |
مِن النّاس يُتلى فضلُهُم في الأواخرِ |
|
فأنْصُرُ قوماً إن يكنْ فاتَ نصرُهم |
لدى الرَّوعِ خَطّاري(٢) فما فاتَ خاطري(٣) |
وهكذا جاءت قوافل الشعراء ، وسجّلت موقفها تجاه نهضة أبي عبد الله الحسين (عليهالسلام ) في وجه الظلم والطغيان ، وظلّت تقتدي به وتعتبره مثلاً أعلى للإباء والتضحية ، ورمزاً للحرية والكرامة.
هذا وقد أدرك الطّغاة منذ اليوم الأوّل بأنّ في الشعر حركة إعلامية قويّة تفوق كلّ الوسائل الإعلامية الأُخرى ، وجرت سيرتهم إلى يومنا هذا على استخدامها كوسيلة عُظمى في الإعلام.
فهذا صدام حسين(٤) رئيس جمهورية العراق كان قد منع التداول بالشعر الدارج (الشعبي) في العراق ؛ بحجّة أنّ تداوله يضعف من اللغة الفصحى ، ولكنّه رجع عن قراره هذا حين أعلن الحرب ضدّ إيران فاستخدم الشعراء ، وبالأخصّ الناظمين باللهجة الدارجة ؛ حيث إنّ قدرة الإثارة فيها كبيرة جدّاً بالنسبة إلى الشعب العراقي ، وخلع عليهم الجوائز ، وطلب منهم أن ينظموا قصائد حماسية في الحرب ؛ لتهيج النفوس ضدّ إيران.
وإذا ما راجعنا التاريخ نجد أنّ حرب صفين التي وقعت بين الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام ) وأنصاره من جهة ، ومعاوية بن أبي سفيان وأتباعه من جهة أُخرى عام ٣٧ه ، فإنّ للشعر فيه دوراً كبيراً ، إعلاميّاً وحماسيّاً ، فإنّ ديوان(٥) هذه
____________________
١- ابن أبي الحديد : هو عبد الحميد بن محمد بن محمد المدائني ، ولد سنة ٥٨٦ه ، من علماء المعتزلة ، اشتهر بشرحه لنهج البلاغة ، توفّي ببغداد سنة ٦٥٥ه.
٢- الخطّار : خَطّرَ الرمح : اهتز ، والخطّار : الطعّان بالرمح.
٣- راجع ديوان القرن السابع من هذه الموسوعة.
٤- صدام : هو ابن حسين المجيد التكريتي ، ولد عام ١٣٤٦ه في تكريت ، انتمى إلى حزب البعث العراقي ، تولّى الرئاسة عام ١٣٩٩ه.
٥- إنّ من الجدير بهذه الأشعار أن تُجمع ضمن كتاب ، تحت عنوان ( ديوان صفين ) ، كما بالإمكان أن توضع مسرحية شعرية في ذلك كما هو مألوف الآن في الملاحم ، وهذا يوصلنا إلى أنّ هذا النوع من المسرح كان بالفعل قائماً في الحرب.
الحرب كما في رواية ابن مزاحم(١) (٢) الراوي لفصول هذا القتال ، وفيها يحمل إلينا ٥٠٢ مقطوعة شعريّة ل- ١٩٥ شاعراً ، منها ١٦١ مقطوعة من الرجز ، والباقي من سائر الأوزان(٣) .
وهذا الكم الهائل من الشعر في حرب واحدة يؤكّد لنا الدور الإعلامي للشعر من جهة ، والدور الحماسي في الحرب من جهة أُخرى.
وإذا ما رجعنا القهقرى فنجد أنّ المعلّقات السبع أو العشر ما هي إلّا نتيجة للحركة الإعلاميّة التي انبثقت في سوق عكاظ المؤتمر السنوي للشعر ، وذلك للإعلان عن فوز أشعرهم ، وأقدرهم على نظم الشعر بالقدح المعلّى.
ويشير ابن رشيق(٤) إلى دور الشعراء ومكانتهم لدى الشعوب قائلاً : كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنّأتها ، وصنعت الأطمعة ، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر ، كما يصنعون في الأعراس ، ويتباشر الرجال والولدان ؛ لأنّه - الشاعر - حماية لأعراضهم ، وذبّ عن أحسابهم ، وإشادة بذكرهم ، وكانوا لا يُهنَّؤون إلّا بغلام يولد ، أو شاعر ينبغ فيهم ، أو فرس تنتج(٥) .
وقال الجاحظ عن مكانة الشاعر ودوره : كان الشاعر في الجاهلية يُقدّم على الخطيب ؛ لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم ، ويُفخّم شأنهم ، ويهوِّل على عدوّهم ومَنْ غزاهم ، ويُهيَّب من فرسانهم ، ويخوّف من كثرة عددهم ، فيهابهم شاعر غيرهم ، ويراقب شاعرهم(٦) .
وما ندوات الشعر التي كان السلاطين والملوك ، والأمراء والوزراء
____________________
١- راجع كتاب صفين - لنصر بن مزاحم.
٢- ابن مزاحم : هو نصر بن مزاحم بن سيار المنقري ، المتوفّى ٢١٢ه ، مؤرّخ إمامي ، كوفي النشأة ، سكن بغداد ، له مؤلّفات ثمانية منها : الغارات ، عين الوردة ، الجَمَلْ.
٣- الأوزان التي استخدمت في حرب صفين هي : الوافر ، الخفيف ، البسيط ، المتقارب ، الكامل ، الرمل ، المنسرح ، السريع ، الهزج.
٤- ابن رشيق : هو الحسن بن رشيق القيرواني (٣٩٠ - ٤٥٦ه) ، ولد في ضواحي تونس العاصمة ، ثمّ انتقل إلى قيروان ، وتوفّي في ضواحي صقلية.أديب وناقد ، وباحث كاتب ، تربو آثاره على ثلاثين مؤلّفاً ، منها : قراظة الذهب ، الشذوذ ، ميزان العمل.
٥- العمدة ١ / ٧٨.
٦- البيان والتبيين ١ / ٤٥.
يعقدونها في البلاطات والقصور إلّا لكسب أكثر عدد ممكن من الشعراء الذين يرجون منهم القيام بحركة الدعاية ، والبث الإعلامي المنشود للخطّ وللسلطان ، وبالتالي تُعطى لهم السنايا والعطايا بسخاء وكرم حسب مقدرة الشاعر على الدور الذي أوكل إليه.
ومن هنا يتّضح لنا دور الشعراء الحسينيين في إحياء ذكرى عاشوراء على مرّ العصور من جهة ، ودورهم في ترسيخ المبادئ التي نهض الإمام الحسين (عليهالسلام ) لأجلها في وجه الطغيان والطاغية.
فإذا ما أخلص الشاعر نيّته ، وجعل نصب عينيه تلك الأهداف السامية ، فلا شك أنّه مسجّل في ديوان الحسين (عليهالسلام ) ، ويستحق أن يحمل وسام الأنصار.
وأخيراً نصل إلى السبب الحقيقي من وراء اضطهاد الشعراء الحسينيين على يد سلاطين القمع والإرهاب ، ووزراء السجن والتعذيب ، كما نصل إلى السبب من وراء اغتيال الشعر الحسيني ، بل شعر مدرسة أهل البيت (عليهمالسلام ) بشكل عام من كتب التاريخ والتراث والأدب والسيرة ، وإبعاده من نوادي أدب ومجالس الشعر ، فكلّما كان الشاعر جادّاً في نشر تلك الأهداف الحسينية ، بل المحمدية كلّما كانت معاناته أدهى وأعظم ، وكلّما كان الشعر بديعاً فتح طريقه إلى القلوب والأذهان كلّما كان اغتياله أسرع وأشدّ.
إذاً ، فالشاعر لا بدّ وأن يكون ملتزماً مهدفاً ، يضع الأُمّة على الطريق الصحيح ، ومسارها السوي ، ويجنّبها الانحراف والانزلاق حيث إنّ الشعوب تنظر إلى الشعراء بأنّهم رسل السّلام والمحبّة ، ورجال الفكر والثقافة ، فلا بدّ أن يتحمّلوا مسؤولياتهم بأحسن وجه ، وبشكل دقيق ، ويتجنّبوا الكذب والدجل ، ويبتعدوا عن أبوب السلاطين والملوك.
ومن المعروف أنّ حبل الكذب قصير(١) ، كما إنّ الملك لو دام لأحد لما وصل إلى غيره.
____________________
١- يقول جوبلز لدى حديثه عن الدعاية والإعلام : إنّ الدعاية الطيّبة لا حاجة بها إلى الكذب ، بل يجب أن تنأى عنه ، وليس ثمة ما يدعو لتزييف الحقائق.
والدعاية الكذوب تقدّم ضدّ نفسها برهاناً على أنّها تدافع عن قضية خاسرة ، وهي لا تنجح على طول الخطّ.وإنّما تنجح الدعاية في آخر المطاف حينما تدافع عن حقّ وعدل ، والحقّ يحتاج إلى مَنْ يُعبّد الطريق أمامه.
راجع الإعلام والدعاية ، نظريات وتجارب / ١٥٧.
الشعر فنّ له قدسيته ومكانته لدى جميع الشعوب وفي كلّ الأعصار والأمصار ، فلولا قدسيته لما عدّ الشعراء في مصاف الأنبياء والرسل على العهد الجاهلي ، ولما خلد ذكر تلك الزمرة التي قامت بواجباتها ، بينما أُهمل أولئك الذين تسكّعوا على أبواب الأمراء والوزراء ، وتراكضوا خلف الدرهم والدينار( فأمّا الزَبَدُ فَيَذهَبُ جفاءً وأمّا ما يَنفَعُ الناسَ فَيَمكُثُ في الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْربُ اللهُ الأمْثالَ ) (١) .
وما زال الشاعر يرضي ربّه وضميره فهو مؤيّد من قبل الله (جلّ وعلا) ، وقد قال الرسول (صلىاللهعليهوآله ) لحسّان(٢) : (( لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ))(٣) .
وقال الإمام الصادق (عليهالسلام ) لهشام(٤) : (( يا هشام ، لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ))(٥) .
وإلى هنا نكتفي ونترك التفاصيل إلى محلّها(٦) .
____________________
١- سورة الرعد / ١٧.
٢- حسّان : هو ابن ثابت ابن المنذر الخزرجي الأنصاري ، المتوفّى عام ٥٤ه ، شاعر مُخضرم ، اختصّ بالرسول (صلىاللهعليهوآله ) بعد الإسلام ، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام.
٣- بحار الأنوار ٢١ / ٣٨٨.
٤- هشام : هو ابن الحكم الكوفي ، مولى بني كندة ، وكان عند بني شيبان بالكوفة ، ولد بالكوفة ، ونشأ بواسط ، وسكن بغداد عام ١٩٩ه ، وفي حدود هذه السنة توفّي بها.
كان من أصحاب الأئمّة الصادق والكاظم والرضا (عليهمالسلام ).له مؤلّفات منها : الإمامة ، القدر ، الدلالات على حدوث الأشياء.
٥- بحار الأنوار ١٠ / ٢٩٣.
٦- راجع باب المدخل إلى الشعر الحسيني من هذه الموسوعة.
الشعر والشعراء
لقد سبق وتحدّثنا في باب المدخل إلى الشعر الحسيني(١) أنّ أوّل ما نظم من الشعر هو بحر الرجز(٢) ، وقد سنَّه لأوّل مرّة جدّ(٣) الرسول (صلىاللهعليهوآله ) مضر(٤) بن نزار بن معد بن عدنان ، وقد ذكرنا أيضاً في تاريخ الشعر وتطوّره ، وادّعاء البعض بأنّ الشعر العربي يعود إلى ألفي عام قبل الإسلام ، إلّا أنّه لم يتمكّن من إثبات مدّعاه.
وعلى كلٍّ ، فإنّ مضر بن نزار له وجود على أرض الواقع ، ولا بدّ من التمسّك به كأوَّل مَنْ نظم إلى أن يبرز اسم آخر في قباله.
هذا وقد توصّلنا أيضاً في مقدّمة باب الشعر الفارسي بأنّه بدأ بعد الإسلام(٥) ، وتحدّثنا عن شعر البوذيين في ديوان الأبوذية(٦) ومدى تقدّمهم في الشعر ، وفي غيرها من أبواب الشعر غير العربي بكلا نوعيه ؛ الغربي والشرقي ، ومع هذا فيظلّ مضر على الأقل يحتفظ بوسام السبق في نظم الشعر العربي ؛ فهو أبو الشعراء العرب إن لم يكن الأب المطلق للشعر والشعراء.
____________________
١- راجع المدخل إلى الشعر الحسيني فصل الرجز من هذه الموسوعة.
٢- الرجز : نوع من الشعر ، يُنظم بتكرار ( مستفعلن ) ست مرّات ، ويأتي تامّاً ومشطوراً ومنهوكاً.
٣- يعتبر مضر الجدّ السابع عشر للرسول (صلىاللهعليهوآله ).( راجع باب الحسين ، نسبه ، نسله ) من هذه الموسوعة.
٤- مضر : اسمه عمر ، وأُمّه سودة بنت عك ، وقيل غير ذلك ، كان آية في الذكاء ، وكان على الحنفية الإبراهيمية.
٥- راجع باب الشعر الفارسي ، الجزء الأوّل من هذه الموسوعة ، وذكرنا أنّ هناك مَنْ يريد نسبة الشعر إلى بهرام الخامس ، الملقّب بكور (٤٢٠ - ٤٣٨م) ، إلّا أنّه لم يفلح.
٦- راجع ديوان الأبوذية ، الجزء الأوّل - المقدّمة - ؛ حيث ذكرنا ذلك عند بيان وجه التسمية بالأبوذية ، وتطرّقنا إلى الشعر البوذي وتاريخه.
وبما أنّ البحث في القِدم وعن عهد الجاهلية ، فإنّ أوّل مَنْ نظم في الإمام الحسين (عليهالسلام ) في تلك العصور هو قس بن ساعدة الأيادي ، المتوفّى قبل الهجرة ب-٢٣ عاماً ، أي قبل البعثة النبوية الشريفة بعشر سنوات ، واعتبر شعره من التنبؤ الذي عُرف به ، وسيأتي التفصيل عنه في ترجمته إن شاء الله تعالى(١) ، وقد أوردنا شعره في ديوان القرن الأوّل(٢) .
ولو أطللنا على عصر البعثة النبوية لوجدنا أنّ أوّل مَنْ نظم في الإسلام هو أبو طالب بن عبد المطلب القرشي ، المتوفّى عام ٣ ق.ه(٣) ، وأشعاره في ابن أخيه ، واعترافاته بنبوّته كثيرة ، راجع بشأنها في محلّه(٤) ، وأمّا عن أوّل مَنْ نظم بعد الهجرة النبوية إلى المدينة ، فهي الأبيات المعروفة التي أُنشدت لاستقبال الرسول (صلىاللهعليهوآله ) يوم وروده إلى المدينة وهي : ( طلع البدر علينا )(٥) .
وأمّا عن أوّل مَنْ نظم في الحسين (عليهالسلام ) في عصر الإسلام وبعد الهجرة ، فهو الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام ) وقد سبق ذكره في ديوان القرن الأوّل(٦) ، ولعلّ حسان بن ثابت سبقه ، وذلك حين رأى الحسنين على كتفي الرسول (صلىاللهعليهوآله )(٧) .
____________________
١- معجم الشعراء حرف القاف من هذه الموسوعة.
٢- ديوان القرن الأوّل ٢ / ١٢٨.
٣- راجع ترجمته في مقدمة معجم الأنصار قسم ( الهاشميون ) من هذه الموسوعة.
٤- من تلك المراجع ، ديوان أبي طالب جمع وتحقيق عبد الحق العاني ، وقد ذكرنا قسماً منها في مقدّمة معجم تراجم الأنصار ، فصل ( الهاشميون ) من هذه الموسوعة.
٥- البداية والنهاية ٣ / ١٥٦ ، قال البيهقي : أخبرنا أبو عمرو الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي سمعت أبا خليفة يقول : سمعت ابن عائشة يقول : لمـّا قدم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) المدينة جعلن النساء والصبيان يقلن : الأبيات - من مجزوء الرمل - :
طلع البدر علينا |
مِن ثنيّات الوداع |
|
وجبَ الشكر علينا |
ما دعا لله داع |
٦- ديوان القرن الأوّل ١ / ١٧١ ، ١٧٢ ، ٢١٩.
٧- ديوان القرن الأوّل ٢ / ٢٥٦ ، ولا يخفى أنّ لبابة بنت الحارث الهلالية المتوفّاة قبل عام ٣٢ه نظمت في الإمام الحسين (عليهالسلام ) أبياتاً ، راجع بشأنها ديوان القرن الأوّل ٢ / ٢٦٧ ، كما إنّ سودة بنت عمارة الهمدانية أنشأت يوم معركة صفين أبياتاً ، وذكرت الإمام الحسين (عليهالسلام ) ، راجع ديوان القرن الأوّل ٢ / ٢٥٣ ، ونظم عوف بن قطن
=