• البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23498 / تحميل: 4281
الحجم الحجم الحجم

أغارت على صبري وأفنت تجلّدي

وأهدت إليّ الكربَ من كلّ جانبِ

وشمّرَ دهري من قديمٍ وإنّه

لحتفي وآلى أن يكلّ مساربي

وأخنى على قومي وأردى عشيرتي

ولم يبقِ لي إلّا رنيني و ساكبي

وكان يحسن الخطّ ويجيده في العربيّة والفارسيّة. وقد تقدّمت كربلاء في عصره تقدّماً دينياً وعلمياً وثقافياً. توفي في اليوم الثامن والعشرين من شهر شعبان المعظم سنة ١٣٨٠ ه ، وخسرت كربلاء بموته أحد أعلامها البارزين ، واُقيمت على روحه الطاهرة عدّة فواتح.

وقد أبّنته في الاحتفال الذي أقامه خدمة الروضتين المقدّستين بقصيدة مطلعها:

أترانا وللهمومِ أوارُ

في الحنايا وللقلوب استعارُ

يصطفينا السلوُّ حلواً نديّاً

والأسى في شغافنا فوّارُ(١)

ورثاه فريق من شعراء القطر.

وقد أنجب الفقيد عدّة أولاد , هم السادة: محمّد الشيرازي ، وحسن الشيرازي ، وصادق الشيرازي ، ومجتبى الشيرازي ، وكلّهم رجال علم وعمل ، لهم مؤلّفات مطبوعة.

تطرّق إلى ترجمته عدد من المؤلّفين , منهم: السيد صادق محمّد رضا آل طعمة الذي أصدر كتاباً خاصاً أسماه ( ذكرى فقيد الإسلام الخالد ).

____________________

(١) راجع ديوان ( الأشواق الحائرة ) - لمؤلّف الكتاب / ٨٣.

٣٠١

السيد عبد الحسين آل طعمة

هو السيد عبد الحسين الكيلدار ابن السيد علي الكليدار(١) ابن السيد جواد الكليدار ابن السيد حسن ابن السيد سليمان ابن السيد درويش ابن أحمد بن يحيى نقيب الأشراف ابن خليفة نقيب الأشراف ابن نعمة الله ابن العالم الفاضل السيد طعمة ( الثالث ) نقيب الأشراف ( وهو الواقف لفدان السادة على أولاده الذكور سنة ١٠٢٥ ه ) ، ويُقال: لولده (آل طعمة) ابن علم الدين بن طعمة ( الثاني) ابن شرف الدين ابن طعمة كمال الدين ( الأوّل ) نقيب الأشراف ابن أبي جعفر أحمد ( أبو طراس ) ابن ضياء الدين يحيى بن أبي جعفر محمّد ابن السيد أحمد الناظر لرأس العين ( المدفون في شفاثة وقبره يُزار وله كرامات ) ابن أبي

____________________

(١) تولّى سدانة الروضة الحسينيّة بعد وفاة والده عام ١٣٠٩ ه , وتوفي يوم الخميس ٣ محرّم الحرام سنة ١٣١٨ ه ، وكان مثالاً للزهد والورع ، واشتهر بإطعام الفقراء ، وبنى بعض القناطر على نهر الحسينيّة.

أعقب ستة أولاد ذكور هم: صاحب الترجمة ، والسيد مهدي ، والسيد عبد الرضا ، والسيد مصطفى ، والدكتور عبد الجواد ، ومحمود.

٣٠٢

الفائز محمّد ( ويُقال لولده: آل فائز ) ابن أبي جعفر محمّد بن علي الغريق بن أبي جعفر محمّد الحبر الملقّب بخير العمال ابن أبي الحسن علي المجدور ابن أبي عانقة أحمد ( ويُقال لولده: بنو أحمد ) ابن محمّد الحائري ابن إبراهيم المجاب ابن محمّد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (عليهما‌السلام )(١) .

وردت ترجمته في ( أعيان الشيعة ) , وهذا نصها: ولد في كربلاء سنة ١٢٩٩ ه وتوفي فيها ١٣٨٠ ه ، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني الشريف ، هو ابن السيد علي الكليدار ابن السيد جواد الكليدار من أسرة آل طعمة من سلالة آل فائز الموسويين التي استوطنت منذ سنة ٢٤٧ هجرية.

انتقلت إليه سدانة الروضة الحسينيّة سنة ١٣١٨ بعد وفاة والده ، واستمر على أداء خدمته لحرم جدّه المطهّر الحسين بن علي (عليه‌السلام ) حتّى سنة ١٣٤٣ حينما رغب في الاعتكاف والانزواء ، فتنازل عنها لولده الأكبر السيد عبد الصالح آل طعمة السادن الحالي للروضة الحسينيّة.

ولقد كان المترجم باحثاً محقّقاً ، يميل بطبعه إلى التتبّع في بطون الكتب التاريخيّة والفلسفية نتيجة لدراسته وتربيته الأولية في حضن أبيه ، وما كان يحيط به من جو علمي أدبي. وقد اشترك في كثير من المؤتمرات التي عُقدت ، والحركات التي اُثيرت في كربلاء وبغداد إبان الثورة العراقيّة سنة ١٩٢٠ ميلادية.

ولم يترك البحث التاريخي والأدبي والعلمي , حيث استطاع أن يصنّف بعض المؤلّفات المفيدة ، ويجمع مكتبة قيّمة كانت تعدّ من أضخم المكتبات في كربلاء ؛ سواء في مخطوطاتها أو مطبوعاتها ، ولكنّها احترقت في عام ١٣٣٣ ه إثر الثورة التي نشبت في كربلاء في هذه السنة بين أهالي كربلاء والسلطة التركية فيها ، والتي انتهت بانسحاب الأتراك من كربلاء واستيلاء الأهلين على الحكم.

وقد تمكّن المترجم من أن يجمع بعض مسودّاته في عزلته في أواخر أيامه ويؤلّف منها عدّة كتب , هي:

____________________

(١) اقتبسنا صورة هذا النسب من المشجرات الخاصة الموجودة لدى الاُسرة ، وقد أثبتها النسّابون في كتب الأنساب المخطوطة والمطبوعة أيضاً.

٣٠٣

١ - تاريخ كربلاء , طبع عام ١٣٤٩.

أمّا كتبه المخطوطة فهي:

٢ - حالة العرب الاجتماعيّة في الجاهليّة.

٣ - قريش في التاريخ.

٤ - بطون قريش.

٥ - تاريخ كربلاء مفصلاً.

٦ - تاريخ آل طعمة الموسويين.

٧ - تاريخ كربلاء بالفارسيّة.

٨ - أديان العرب في الجاهليّة.

٩ - معجم المدن والأنهار التاريخيّة في العراق , وذلك بالإضافة إلى بحوث اُخرى منها:

١٠ - تاريخ المعاهد العلميّة في الإسلام.

١١ - نشأة الأديان السماوية.

١٢ - ترجمة حياة أبي طالب عمّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

١٣ - تاريخ المدن المقدّسة في العراق.

١٤ - نشأة الدولة العقيلية التي أسسها محمّد بن المسيب وملوكها.

١٥ - الأدباء العلويون في العصر العباسي.

١٦ - حياة بعض الخلفاء العباسيِّين.

وتوجد هذه المؤلّفات والمخلّفات لدى أكبر أولاد المترجم السيد عبد الصالح(١) .

عاشرته السنوات الأخيرة من حياته ( ١٣٧٥ ه - ١٣٨٠ ه ) ، وكان العامل الأول في رسوخ معاشرته النبل الذي يحمله ، والعاطفة الرقيقة التي يتحلّى بها ، فكان مثال الإنسان الوديع على نحافة جسمه ، وجهورة صوته ، وإشراق وجهه،

____________________

(١) أعيان الشيعة - للسيد محسن الأمين ٥٠ / ١٢٤ - ١٢٥.

٣٠٤

وكان المتواضع الذي تداخل الزهد معه ، وكان على جانب عظيم من الذكاء الحاد ، والحسّ المتوقد ، والخلق القويم ، كما إنّه كان ميّالاً إلى العزلة ، يؤثر الانقطاع عن غوغاء الناس ، محبّاً للمطالعة والتأمّل.

ولم أزل أحتفظ في ذاكرتي الكثير من الأخبار والصور عن سيرة هذا المفكّر ؛ فقد كان عالماً فاضلاً ، ورث الشرف العظيم من أسلافه الأمجاد ، وكنت كلّما ضمّني مجلس وإيّاه في داره الكائنة في محلّة المخيّم راح يحدّثني فصولاً ممتعة عن تاريخ الإسلام وسير شخصياته ، فاستمتعت بأحاديثه الطلية التي لا يملّها السمع ، ولا يحف منها الحقّ ، وكان يستشهد بأقوال الفلاسفة والحكماء عن المصادر التي أجهد نفسه أعواماً طويلة في البحث والتتبع والاستقصاء عنها.

ولفظ أنفاسه الأخيرة في صباح يوم الجمعة ١٢ شوال سنة ١٣٨٠ ه الموافق ١٦ مارس سنة ١٩٦٢ م.

وأرّخ عام وفاته الشاعر الشيخ علي البازي بقوله:

سدانة السبطِ سليلِ الهدى

ومَنْ إلى الإسلامِ إنسانُ عينْ

قامَ بـها عبد الحسين الذي

قد فازَ فيما قامَ بالحُسنيينْ

فسوفَ يجزى الأجرَ يومَ الجزا

من شافعٍ يشفعُ في النشأتينْ

غابَ ولكن شخصهُ ماثلٌ

أمامنا من دونِ زيغٍ ومينْ

إن رمتَ أن تعرفَ تاريخه

( قل إنّهُ لاذ بقبرِ الحسينْ )

١٣٨٠ ه

وأرّخ وفاته أيضاً الخطيب السيد علي بن الحسين الهاشمي بقوله:

نعاكَ في الحائرِ ناعي الحجى

فاغرورقت بدمعها كلّ عينْ

عبد الحسين قد قضى نحبه

أرّخته ( الخلدُ مثوى الحسينْ )

١٣٨٠ ه

وممّن ذكره من الأعلام في تصانيفهم السيد جعفر الأعرجي الكاظمي في

٣٠٥

كتابه ( مناهل الضرب في أنساب العرب ، المخطوط / ٥٦٥ ) ، والشيخ آقا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في أعلام القرن الرابع عشر ١ / ١٠٥٨ ) ، وخير الدين الزركلي في ( الأعلام ٧ / ١١٥ ) ، والسيد صالح الشهرستاني في كتابه ( شخصيات أدركتها ) وغيرهم. ورثاه فريق من الشعراء والأدباء في ذكراه الأربعينية والسنوية.

السيد محمّد علي الطباطبائي

هو العالم الفاضل السيد محمّد علي ابن السيد مهدي ابن السيد محمّد علي ابن ميرزا مهدي ابن المير السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض.

ولد في كربلاء سنة ١٣٠٢ ه ، ونشأ في أسرة ( آل الطباطبائي ) المعروفة بقدسيتها وعلمها ، وأخذ المقدّمات من أعلام أسرته كالعلّامة السيد الآقا ميرزا جعفر ابن الميرزا علي نقي الطباطبائي المتوفّى عام ١٣٢١ ه ، ثمّ حضر درس الأوليات من العربيّة على الشاعر الشيخ جعفر الهر ، ثمّ حضر درس العالم الكبير المجاهد الشيخ محمّد تقي الشيرازي زعيم الثورة العراقيّة ، والسيد ميرزا هادي الخراساني وغيرهم من الأساتذة الفضلاء ، وله منهم إجازات عديدة.

اشتغل بالقضايا الوطنية وضرب فيها بسهم وافر ، وساهم بمقدّمات الثورة العراقيّة الكبرى عام ١٩٢٠ م , حيث نُفي إلى سامراء سنة ١٩١٨ م من قبل السلطة المحلّية آنذاك ، وسافر إلى هنجام مع أحرار كربلاء في ٢٥ أيلول عام ١٩٢٠ م.

وللمرحوم ذكريات تاريخيّة تدلّ على همّته القعساء ، وقد ضرب بها أروع المثل في البطولة والتضحية ، والشهامة والإباء ضدّ الاحتلال البريطاني الغاشم في ثورة العشرين. وكان إلى جانب فقاهته رقيق الروح ، وإلى جانب تقواه نقي السريرة ، وكان يتمتع بشخصية محترمة في الأوساط الاجتماعيّة ، وكان رجلاً صلباً

٣٠٦

في الحقّ والوطنية الصادقة ، جريئاً لا يهاب الكوارث والزعازع. ترك مؤلّفات خطّية لم ترَ النور بعد.

توفي في كربلاء يوم ١٦ جمادى الثانية سنة ١٣٨١ ه ، وجرى له تشييع حافل على نطاق رسمي وشعبي ، ودُفن في مقبرة العلّامة السيد محمّد المجاهد ابن السيد علي صاحب الرياض.

٣٠٧

الفصل السابع:مجالس الشعراء

هنا وهناك في أرجاء مدينة الحسين المعمورة كانت تعقد مجالس أدبيّة ، ونوادي علمية يلتقي بها رجال الأدب وأكابر رجال البلد ، والوجهاء والأغنياء ، والشعراء والأدباء من شيوخ وشباب يقضون أوقاتهم في سمر ومنادمة ، ويتحدّثون ويتغنون بخرائد المنظوم ، وروائع المنثور ؛ فقد كانت كربلاء سابقاً كعبة القاصدين لشعراء بغداد والحلّة والنجف وغيرها من المدن.

وفي هذا الفصل تجسيد لملامح تلك المجالس الأدبيّة الراقية التي اشتهرت في كربلاء خلال القرون الثلاث الأخيرة ، أمّا باقي المجالس والدواوين فكانت لا تخلو من وجود أساليب التسلية واللهو ليلاً ونهاراً.

والمجالس الكربلائيّة الشهيرة التي كانت تترنّح في أجوائها ألف حكاية من حكايات الأدب والعلم ، والشعر والاجتماع , المجالس التي لا زالت آثارها باقية اليوم ، فقد كان سراة القوم يجتمعون بالعامة من الناس لدراسة أمورهم المعاشية وحلّ معضلاتهم ، فيحتكمون عندهم فيحكمون لهم في كلّ كبيرة وصغيرة دون أن يعدم لأحدهم حقّ ، فضلاً عن اتخاذها ندوات أدبيّة يتطارحون فيها الشعر ، ويتذاكرون فيها سير

٣٠٨

الأولين ، ويقصّون روائع الأسمار ، وطرائف القصص ما يخلب الألباب ، وتُنسيهم مشاكل الحياة وهمومها ؛ فيقضون ساعات في جو من الغبطة والارتياح.

ومن مزايا تلك المجالس أن يدخّن فيها النارجيلة ، ويقدّم للوافدين الشاي فيرشفون القهوة العربيّة المرّة التي تُدار عليهم بين حين وآخر. وقد حاولت أدوّن ما أودعته ذاكرتي ، وما تعلّق في خاطري في مجالستي لشعراء ورجال معمّرين ، أو ما رواه لي بعضهم عن بعضهم من نوادر ، ولعلّ في ذلك ما يشوق للقراء. ولا تزال الأبيات التي سأذكرها متعلّقة في ذاكرة المخضرمين من الأدباء وهواة الأدب.

ومن هذه المجالس:

١ - ديوان الميرزا أحمد النوّاب

يعتبر الميرزا أحمد النوّاب(١) صاحب المحاورات الأدبيّة التي منها ( معركة الخميس ) المشهورة ، حيث كان يُقيم في كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ، أي قبل حوالي مئة وخمسين عاماً.

ولقد أشار صاحب ( أعيان الشيعة ) إلى ذلك فقال: وجرت في مجلس هذا الديوان مجالس أدبيّة تناقلها العراقيون ، وأودعت في المجاميع في ذلك العصر تدلّ على معرفة المترجم بالأدب والشعر معرفة تامة(٢) ... إلخ.

ومعركة الخميس هي تلك المساجلة الأدبيّة التي جرت حول قصيدة السيد نصر الله الحائري التي مطلعها:

ياتربةً شرفت بالسيدِ الزاكي

سقاكِ دمعُ الحيا الهامي وحيّاكِ

____________________

(١) ترجمه سيدنا الحجة السيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ١٠ / ٣١١ ) فقال: أديب كبير ، كان يقيم في كربلاء في عصر السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم , ولا يُعرف عنه شيء اليوم ، ويُحتمل أن يكون من آل النوّاب في يزد ، وهم أسرة علوية من بقايا الصفوية ، ويُحتمل أن يكون من الاُسرة الهنديّة التي كانت تستوطن كربلاء وإليها يُنسب بعض العقار إلى الآن ، والله أعلم ، وهم غير آل النوّاب الذين يسكنون بغداد ؛ فاُولئك أسبق هجرة من سكّان بغداد.

(٢) أعيان الشيعة ١٠ / ٣١١.

٣٠٩

واشترك فيها شعراء ذلك العصر كالشيخ محمّد رضا النحوي والشيخ أحمد النحوي فحكّموا بها السيد مهدي بحر العلوم ، وقد وردت هذه المساجلة في عدة مصادر اُخرى كديوان السيد نصر الله الحائري والبابليات وشعراء الحلة وغيرها.

٢ - ديوان آل الرشتي

كان مجلس هذا الديوان قديماً محطّ رحال الأدباء ، ومنتجع الشعراء والندماء ، لا يخلو من مطارحات أدبيّة ومساجلات شعرية ، وذلك منذ عهد العالم السيد كاظم ابن السيد قاسم الحسيني الرشتي المتوفّى سنة ١٢٥٩ ه ، فقد كان الشعراء يؤمّون هذا الديوان ؛ حيث تروى فيه الأخبار وتتناشد الأشعار.

وكان من بين شعراء كربلاء الذين مدحوا السيد المذكور الشاعر الشيخ قاسم الهر ، فقال من قصيدة له:

كيفَ الضلال ونورُ رشدكَ مشرقُ

وشذاكَ في الأكوانِ مسكٌ يعبقُ

يا مَنْ إذا لمعت أشعّةُ نورِه

ظلّت بـها حدقُ الخلائقِ تحدقُ

يا كاظمَ الغيظِ الذي فيهِ اغتدتْ

كلّ العلومِ الغامضاتِ تحقّقُ(١)

أمّا في عهد نجله السيد أحمد الرشتي فكان شعراء الحلّة وبغداد والنجف كعادتهم يكثرون الاختلاف إلى ديوانه ، وقد دلّت مساجلاته الشعرية على بعد غوره وتضلّعه في هذا الفن.

وكان من بين شعراء الحلّة الشيخ صالح الكواز الذي قصد كربلاء في إحدى زيارته معاتباً في قصيدة له السيد أحمد الرشتي ؛ حيث لم يلقَ الترحيب الذي كان يلقاه من أبيه السيد كاظم في حياته وذلك في عام ١٢٨٦ ه ، ومطلعها:

وقوفيَ تحتَ الغيثِ ما بلّني القطرُ

وعمت بـلجّ البحرِ ما علّني البحرُ

ورحتُ بما في معدنِ التبرِ طامعاً

فعدتُ وكفّي وهي من صفرها صفرُ

____________________

(١) نقلنا هذه الأبيات عن مجموعة خطّية لآل الهر.

٣١٠

وكنتُ قد استنصحتُ في الأمرِ رائداً

فقالَ هو الوادي بهِ العشبُ و الزهرُ

فلمـّا حططتُ الرحلَ فيهِ وجدته

وأمواههُ نارٌ وأزهارهُ حمرُ

فواللهِ ما أدري أأخطأ رائدي

أم اَكذبني عمداً أم انعكسَ الأمرُ

وكم أطمعتكَ الغانياتُ بـوصلها

فلمـّا تدانى الوصلُ آيسكَ الهجرُ

وذلكَ من فعلِ الغواني محبّبٌ

ولكنّهُ من غيرها خُلقٌ وعرُ

على أنّهُ يُنمى إلى العيلمِ الذي

تمدّ البحارَ السبعَ أنملهُ العشرُ

فتى كاظمٌ للغيظِ ما ضاقَ صدرُه

إذا ضاقَ من وسعِ الفضا بالأذى صدرُ

إذا حسّنَ البشر الوجوه فإنّه

لمولى محيّاهُ بهُ يحسنُ البشرُ(١)

وكان السيد أحمد الرشتي يبذل لأخدانه الشعراء بالعطاء ويوسع عليهم في العيش.

ومن شعراء كربلاء المختلفين إليه الحاج جواد بدقت ، والشيخ فليح ، والشيخ محمّد فليح ، والشيخ موسى بن قاسم الأصفر ، والشيخ كاظم الهر وسواهم. وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ لهؤلاء الشعراء قصائد كثيرة في مديح السيدين كاظم وأحمد الرشتي.

وكانت في الديوان مكتبة حافلة بالكتب القيّمة ، وقد بلغ عدد كتبها عشرة آلاف مجلد بين مطبوع ومخطوط سوف يأتي ذكرها في الفصل الخاص بالمكتبات الخاصة , وفي هذا الديوان كانت تتبادل الآراء الأدبيّة ، ويدور النقاش في كافة فنون الأدب. ودار الزمن دورته ، فقُتل السيد أحمد الرشتي عام ١٢٩٥ ه في كربلاء بتحريض من الحاج محسن كمونة ، وقد قتله كلّ من جعفر بن باخية ، والحاج حسن الشهيب ، وسليمان الصائغ ، وأحد أفراد أسرة الفتوني وآخرون غيرهم.

كما إنّهم قتلوا خدينه الوفي محمّد بن فليح بعد مقتل سيده ، وهما يخرجان من باب السدرة بعد صلاة العشاء ، وكانت مواقف الشعراء شديدة لهذه الوقعة المؤلمة ، وقد هزّت هذه الحادثة

____________________

(١) مجموعة آل الرشتي ( مخطوط ).

٣١١

عواطفهم لا سيما الشاعر الشيخ كاظم الهر ؛ فقد جزع جزعاً شديداً لمقتل سيده , [ فقال ] من قصيدة طويلة أوّلها:

إذا لم أمت حزناً لشمسِ سما الفخرِ

فو العصر إنّي ما حُييت لفي خسرِ

وفي العيد إن فاضت سحائبُ مقلتي

فها هي لم تبرح مدامعها تجري

وكيف هلالُ العيدِ يبزغُ بعدما

توارى هلالُ المجدِ [في] ظلمةِ القبرِ

وتسعدُ أيامي وقد راحَ أحمدٌ

شهيداً على حدّ المهنّدةِ البترِ

أبـو قاسمٍ مَنْ شادَ ركنَ فخارِها

وداسَ بـنعليهِ على هامةِ النسرِ

وهيهات عينُ العيدِ تنضبُ بعده

وروضُ الهنا يفتّرُ مبتسمُ الثغرِ

ومن ثمّ ينتقل إلى رثاء زميله الشاعر الشيخ محمّد ابن الشاعر الشيخ فليح الذي قُتل في نفس الحادثة:

مصابٌ دهى غضَ الشبابِ محمّداً

وقادَ زمامَ المجدِ ناشرةَ الشعرِ

محمد يا ربّ الحجى وأخا النهى

محمد يا غيظَ الحسودِ ويا ذخري

فديتكَ هل أسلو وهيهات نكبة

فحاشا بأن تقضي ولا ينقضيعمري

محمّد يا مَنْ حازَ أفضلَ غاية

وأنسى جريراً بالفصاحةِ والشعرِ(١)

واستخلف السيد أحمد نجله الأديب الظريف السيد قاسم الرشتي ، فكان الشعراء كعهدهم السابق يتوافدون على ديوانه ويمطرونه بمدائحهم ؛ فمن الحلّة الشاعر الشيخ حمادي نوح الذي يضمّ ديوانه المخطوط فصلاً باسم « الرشتيات » , وهي تهانيه ومدائحه للسيد قاسم المذكور.

ومن شعراء كربلاء الشيخ كاظم الهر ، والحاج محمّد حسن أبو المحاسن وزير المعارف سابقاً ، والشيخ عبد الحسين الحويزي. ومن الرجال البارزين الذين كانوا يرتادون هذا المنتدى الأدبي الشهير الخطيب الشاعر السيد جواد الهندي ، والشيخ محمّد علي القاضي الشهير بـ ( قصير

____________________

(١) ديوان الشيخ كاظم الهر , نسخته المخطوطة في مكتبة الاُستاذ حسن عبد الأمير.

٣١٢

الأدباء ) ، والسيد هاشم قفطون(١) .

وحدّثني المرحوم الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي في خصومة جرت بينه وبين الخطيب الشهير السيد جواد الهندي في هذا الديوان ، فقال: ارتقى المنبر ذات مرّة خطيب كربلاء السيد جواد الهندي في ديوان السيد قاسم , وأخذ يُطيل في حديثه وقراءته في المأتم الحسيني المقام في الديوان المذكور حتّى ملّ الحاضرون منه ، ولكنّه تعمد بذلك وأراد عدم إفساح المجال لغيره من الخطباء لألقاء القصائد المعدّة حينذاك ؛ حيث كانت من بينها قصيدتي وقصيدة المرحوم الشاعر الحاج محمّد حسن (أبو المحاسن).

وأخيراً هجرته بعد دراسة المواقف وبحث السبب في ذلك في محضر اجتماع ضمّني وإياه في ديوان السيد أحمد الوهاب ، والأبيات هي:

أجواد مهلاً إن جريت إلى العلا

كم من جوادٍ قبل شأوكَ قد كبا

لا تعجبنَّ بخلق نفسكَ في الورى

إنّ الغبي يتيه فيكَ تعجّبا

لِم لا رضيت رثاء جدكّ برهةً

يتلى لذا صيّرتَ ربّكَ مغضبا

وأرى الشريفَ إذا بكى اُكرومةً

لأبـيهِ لم يكن الشريفُ لهُ أبا

إنّي وأنت على الإقامة والسّرى

خصمانِ نُدعى فليتب مَنْ أذنبا

وهكذا كانت الطرائف والأحاديث تجري كالسيل الجارف في مجلس هذا الديوان.

ولمـّا فاضت روح السيد قاسم الرشتي إلى بارئها اُصيب الأدب عندنا بنكسة كبرى وخسارة عظمى ؛ حيث توقّف النشاط الفكري ، والإنتاج

____________________

(١) هو الخطيب السيد هاشم الشهير بالقاري ابن السيد محمّد ابن السيد هاشم آل قفطون الموسوي ، المولود سنة ١٢٨٥ ه في كربلاء. درس على والده السيد محمّد بعض المقدّمات ، وتلقّى علومه على أيدي أساتذة وشيوخ ؛ فدرس الفقه والتفسير والحديث ، ولازم السيد جواد الهندي خطيب كربلاء ، وبعد وفاته سار على نهجه وعكف على إدارة مجالسه فترة طويلة بحزم ، وأصبح خطيباً له مكانته المرموقة ، واتصف بالمزايا العالية والسجايا النبيلة. توفي عام ١٣٥٠ ه ، وأعقب ولدين فاضلين هما: الخطيب السيد كاظم ، والسيد محمّد.

٣١٣

الأدبي بين علماء وشعراء ذلك العصر ، وخبت تلك الشعلة الفيّاضة التي كانت تبعث بأنوارها من أرجاء هذا البيت.

٣ - ديوان آل كمونة

وكان الشعراء يقصدون هذا الديوان وينشدون قصائدهم في مناسبات مختلفة ، ويكيلون المديح لآل كمونة , ومن هؤلاء الشعراء الشيخ جعفر الهر ، والشيخ جواد الهر الذي صرّح بأنّه شاعر آل كمونة ، والشيخ مهدي الخاموش ، والشيخ عبد الكريم النايف وغيرهم , ومن نتاج هؤلاء ألّفت مجموعة ضخمة في مديح ورثاء آل كمونة ما تزال مخطوطة.

وكانت المجالس تُعقد في أدوار متعاقبة منذ عهد شاعر الاُسرة الحاج محمّد علي كمونة المتوفّى عام ١٢٨٢ ه.

٤ - تكية البكتاشية(١)

يعود تاريخ التكية إلى أكثر من قرنين ، وهي تجاور قبر الشاعر فضولي البغدادي ، وتضمّ قبّة كبيرة ومحراباً في الأرض مبنياً بالقاشاني يتوسّطه عمود من المرمر النفيس ، وتتصل هذه التكية بالروضة الحسينيّة من جهة الجنوب ، وكان يلتقي فيها الباشوات والمشراء القادمين من إسطنبول بين حين وآخر ، كما يلتقي بها شعراء كربلاء ، أخصّ بالذكر منهم الشيخ مهدي الخاموش(٢) الذي كان يقصد التكية في عهد السيد تقي الدرويش عميد أسرة آل الدده الحاليين.

____________________

(١) البكداشية ، أو البكطاشية: جماعة من المتصوّفة ، لهم اُصولهم وحياتهم وطريقتهم الحياتية ، وقد اهتمّ لفيف كبير من المستشرقين والكتّاب العرب بهم ، فكتبوا عنهم الفصول الطويلة. وقد أعدّ الاُستاذ أحمد الصرّاف بتأليف كتاب عنهم ، نشر فصوله في جريدة ( كلّ شيء ) البغدادية , ابتداء من العدد ٣٠ الصادر في ٢ رمضان ١٣٨٤ ه ١ كانون الثاني ١٩٦٥.

(٢) هو أبو زيارة الشيخ مهدي بن عبود الحائري الشهير بالخاموش ، كان خطيباً وشاعراً تشهد له المحافل الكربلائيّة ، توفي سنة ١٣٣٢ ه. انظر كتابنا « شعراء كربلاء ١ / ٢١٦ ».

٣١٤

والشاعر الشيخ جمعة الحائري(١) ، والشيخ محسن أبو الحبّ خطيب كربلاء ، وكذلك الخطيب الشيخ علي أبو غزالة وذلك في عهد المرحوم السيد حسين الدده ابن السيد عبّاس ابن السيد محمّد تقي الدرويش.

ومن المعروف أنّ تلك الأحاديث والمسامرات الأدبيّة كانت تحتلّ الصدارة في مجالس التكية ، فيتبارى أهل الفضل والأدب بالمنظوم والمنثور ، وقد استكملت التكية أخيراً من قبل وزارة الأوقاف فأمرت بهدمها سنة ١٤٠٠ ه.

٥ - ديوان الميرزا الحائري

كان ديوان زعيم الثورة العراقيّة آية الله الشيخ محمّد تقي الحائري الشيرازي مرجعاً للزعماء السياسيين وملتقى للوطنيين والمجاهدين الأحرار , وكان الشعراء يختلفون إليه من وقت لآخر ، أخصّ بالذكر منهم الشاعر الوطني خيري الهنداوي ، والشيخ محمّد حسن أبو المحاسن ، والدكتور محمّد مهدي البصير ، لا سيما في الوقت الذي شملت العراق الظروف السياسيّة الراهنة يوم نشبت ثورة العشرين ؛ حيث كانت فتاوى الإمام الشيرازي تفرض الجهاد على المواطنين وتحرّضهم على التضحية بكلّ غال ونفيس للانتصار على الاستعمار البغيض.

وشاء القدر أن يختار لجواره الإمام محمّد تقي الشيرازي في اليوم الثالث من ذي الحجة عام ١٣٣٨ ه المصادف ١٣ آب سنة ١٩٢٠ م ، فاُقيم له احتفال رائع بديوانه العامر في كربلاء ؛ فرثاه الشعراء بقصائد عصماء ، ومنهم الشاعر خيري الهنداوي بقصيدة بدأها بقوله:

خطبٌ عليهِ بكى [الإنسانُ](*) والجانُ

مذ بان عن زورقِ الإيمانِ سكّانُ

____________________

(١) هو الشيخ جمعة بن حمزة ابن الحاج محسن بن محمّد علي بن قاسم بن محمّد علي بن قاسم آل دعدوش المتوفّى سنة ١٣٥٠ ه ، كان من شعراء وخطباء كربلاء. انظر كتابنا « شعراء كربلاء ١ / ٢٧٧ ».

(*) وردت المفردة في الأصل (الإنس) , ومعها لا يستقيم الوزن إلّا بما أثبتناه بين المعقوفتين. (موقع معهد الإمامين الحسنين)

٣١٥

مضى إلى اللهِ مَنْ كانت طبيعتُه

للهِ آيةُ توحيدٍ وبـرهانُ

الدهرُ دارُ زوالٍ لا ثباتَ له

وإنّما هو غدّارٌ وفتّانُ

لا تطمئنَّ بـدنيا غيرِ دائمةٍ

فإنّما شأنها ظلمٌ و عدوانُ

إلى أن قال:

فحقّ أبـصارنا تبكي عليهِ دماً

لأنّهُ كان للإسلامِ سلطانُ

العلمُ ينعاهُ والتقوى لهُ وله

والزهدُ يصرخُ والمحرابُ حيرانُ

وقد تهدّم ديوان الميرزا الحائري بعد وفاته ؛ وذلك على إثر افتتاح شارع علي الأكبر في عهد صالح جبر متصرّف لواء كربلاء عام ١٩٣٨ م.

٦ - ديوان آل النقيب

وهو ناد خفيف الروح لا يخلو من الاجتماعات ذات الطرائف والخواطر الأدبيّة التي تثير الدعابة والمرح في الجو الشعري ، ففي عهد المرحوم السيد محسن النقيب توافد إليه شعراء كربلاء ، ومنهم الشيخ كاظم الهر وله فيه مدائح.

وعندما طوى السيد محسن الأجل في رمضان ١٣٣٨ ه جاء دور نجله السيد حسن النقيب ، وكانت له صداقات مع كثير من الأدباء ، أمثال الشاعر الشيخ جواد بن كاظم الهر الذي عاتب السادة آل النقيب بهذين البيتين ؛ وذلك لأنّهم لم يدعوه لوليمة في بعض أعراسهم ، والبيتان هما:

أنسيتم سادتي هرَّكُمُ

عن طبيخٍ دسمٍ في الأكلِ يُحمدْ

أم عملتم بـالذي قيل بنا

عند أكلّ اللحمِ إنّ الهرّ يُطردْ

فما كان من السيد النقيب إلّا أن كافأه بمنحة مالية سخية عوضاً عن الوليمة.

وكان يختلف على الديوان المذكور بعض الزائرين والسائحين الأجانب الذين يقصدون كربلاء ، وممّن زار الديوان عام ١٩٢٠ م الصحفي الشاعر عبد المسيح الأنطاكي مؤلّف ملحمة ( العلوية المباركة ).

٣١٦

٧ - ديوان آل الوهاب

وهو الذي يقع في محلّة باب الطاق قرب ديوان آل الرشتي ، أسسه السيد أحمد السيد محمّد الوهاب عميد أسرة آل الوهاب ، وكانت للسيد المذكور مواقف جليلة ، وخدمات لها شأن يذكر لا سيما يوم كان نائباً عن كربلاء سنة ١٩٤٠م.

وممّن كان يختلف على ديوانه من شعراء كربلاء الشيخ كاظم الهر ، والسيد جواد الهنيدي ، والشيخ محمّد حسن أبو المحاسن ، والشيخ محسن أبو الحبّ ، والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم.

وممّا يذكر بهذا الصدد أنّ الشيخ علي أبو غزالة الخطيب الكربلائي المتوفّى سنة ١٣٥٠ ه قال معاتباً الحاج محمّد حسن كبّة حاكم كربلاء ؛ وذلك بوعد وعده ولم يفِ به:

إنّ الفتى مَنْ بدا منه الجميلُ بلا

وعدٍ و مَنْ أنكرَ الميعادَ نصفُ فتى

ومَنْ تخلّى عن الأمرينِ فامرأةٌ

ونصفُ امرأةٍ مَنْ خُلقه ثبتا

وكان السيد أحمد الوهاب يشهد هذه النوادر اللطيفة والمواضيع الظريفة منهم.

٨ - مجلس السيد يوسف الأشيقر

وهو إحدى المجالس العامرة في هذا البلد ، أسسه السيد يوسف السيد أحمد الأشيقر ، يلتقي فقيه رجال الأدب والوجاهة ، يقضون أوقاتهم في سمر ومنادمة ، ويتحدّثون فيه أظرف الأحاديث التي تتعلّق بشؤون الفكر والكتاب العربي وقضايا الساعة ، موقعه في حارة آل الأشيقر.

وكان يرتاده السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينيّة ، والشاعر الشيخ محمّد القريني ، والسيد يونس نصر الله ، والسيد إبراهيم شمس الدين القزويني ، والسيد صالح السيد جواد ، والسيد يوسف آل طعمة ، وعبد الحميد الوكيل.

ومن الجدير بالذكر أنّ السيد يوسف الاشيقر سعى سنة ١٩٢٦ م بتأسيس ( الجمعية الأدبيّة ) مع رعيل من مثقفي المدينة إلّا أنّ الحكومة خشيت أن

٣١٧

تكون جمعية سياسية فرفضت طلبه.

٩ - ديوان مجد العلماء

يُعرف مجيد خان ابن المرحوم أسد خان بمجد العلماء ، وديوانه كان مزدحماً بأهل العلم ، وكان موقعه خلف ديوان آل الرشتي ، يؤمّه فريق من شعراء كربلاء ، كالشيخ مهدي الخاموش ، والشيخ جعفر الهر ، والشيخ جمعة الحائري , وكان مجيد خان يستمتع بتلك القصائد والأحاديث التي تنتهي بالفكاهة المستملحة.

١٠ - ديوان السيد عبد الوهاب آل طعمة(١)

وهو ديوان رئيس بلدية كربلاء ، وكانت مجالسه لا تخلو من ولاة وعلماء ، وأدباء وأعيان ووجوه ، فضلاً على جماهير الناس المحتشّدة ، وفيه تجري أطيب الأسمار وأظرف الأحاديث ، وهذه اللقاءات الفكرية أدّت إلى تأليف كتاب ( فدك ) للسيد محمّد حسن القزويني.

وكان من روّاده الشاعر محمّد حسن أبو المحاسن ، والسيد محمّد تقي الطباطبائي ، والسيد حسين القزويني ، والشيخ كاظم أبو ذان ، والشيخ محمّد علي ( قصير الأدباء ).

١١ - ديوان آل حافظ

ومن المجالس الأدبيّة التي كان يرتادها أدباء ذلك الجيل ورجالات البلد

____________________

(١) هو ابن السيد عبد الرزاق ابن السيد عبد الوهاب , حاكم كربلاء وسادن الروضتين المقدّستين , ابن السيد محمّد علي سادن الروضة الحسينيّة ابن السيد عبّاس نقيب الأشراف ابن السيد نعمة الله نقيب الأشراف ابن يحيى بن خليفة نقيب الأشراف ابن نعمة الله نقيب الأشراف ابن العالم الفاضل السيد طعمة علم الدين الفائزي الموسوي الحائري.

ولد عام١٢٨٤ ه ، وكان أحد رجالات الثورة العراقيّة عام ١٩٢٠ م ، وعيّن رئيساً لبلدية كربلاء قبل الاحتلال البريطاني وبعده ، وعيّن عضواً في المجلس الوطني إبان الثورة ، وتوفي في رمضان سنة ١٣٤٧ ه. راجع ترجمته في مجلة ( المرشد ) البغدادية السنة الرابعة صفر ١٣٤٨ ه تموز ١٩٢٩ م.

٣١٨

السياسيين ، هو ديوان رئيس بلدية كربلاء الشاعر الحاج عبد المهدي الحافظ الكائن عند باب الصحن الصغير للروضة الحسينيّة المشرّفة , فكان هذا الديوان مكتظّاً بوجوه وأدباء البلد ، يرتاده بين حين وآخر الشاعر الوطني الحاج محمّد حسن أبو المحاسن ، والسيد حسين القزويني ، والشيخ كاظم أبو ذان ، والسيد أحمد البير ، والسيد نعمة السيد حسين ، والشيخ علي الشيخ زين العابدين الحائري ، والآقا رضا المحدّد ، والشاعر التركي الشيخ رضا الطالباني ، وكان لتلك المحاورات أثر في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة.

١٢ - ديوان السيد جواد الصافي

كان موقعه في سوق الحسين (عليه‌السلام ) قرب حمّام المالح ، توافد إليه وجوه البلد وأعيانه ، أخصّ بالذكر منهم المرحوم السيد محمّد مهدي السيد حسن بحر العلوم الطباطبائي المتوفّى سنة ١٩٣٣ م ، الذي تولّى منصب وزارة المعرف في الوزارة النقيبية الأولى في ١٠ أيلول ١٩٢١ م ، ومنهم السيد أحمد السيد صالح آل طعمة - جدّ المؤلّف - , وفيه تجري الطرائف من أطايب الأسمار والأحاديث ، وفيه تنتعش فنون الأدب الرفيع.

١٣ - ديوان آل الشهرستاني

أسسه العلّامة الكبير السيد ميرزا مهدي الموسوي الشهرستاني ، وكان مجلسه مقرّاً للعلماء والأدباء ورجال الدين. وممّا زاد على بعد صيته وعلوّ ذكره كونه عالماً تقياً ، وزاهداً ورعاً ، يعدّ في الرعيل الأوّل من العلماء العاملين. انتقلت الرئاسة من بعده إلى أبنائه وأحفاده.

وفي عهد المرحوم السيد إبراهيم الشهرستاني اُقيمت في الديوان عدّة حفلات في مناسبات دينية ، شارك فيها الشعراء والأدباء الشيخ عبد الحسين الحويزي ، والسيد مرتضى الوهاب ، والسيد مرتضى القزويني ، والسيد صادق آل طعمة ، والسيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني وسواهم.

٣١٩

١٤ - ديوان الشيخ محمّد رشيد الصافي

موقعه في شارع العباس ( مصرف الرهون حالياً ) ، أسسه الشيخ محمّد رشيد الصافي رئيس بلدية كربلاء سابقاً ، وكان يختلف على ديوانه بعض الشعراء وأهل الفضل ، كالسيد جعفر الحلّي ، والشيخ محمّد علي اليعقوبي ، ومن كربلاء الشيخ عبد الحسين الحويزي ، والشيخ موسى الهر.

بالإضافة إلى تلك المجالس الأدبيّة فهناك مجالس للعلماء ودواوين الرؤساء يرتادها وجهاء البلد وبقية الناس من طبقات الشعب المختلفة ؛ حيث يتناولون في أحاديثهم الشؤون الزراعية والقضايا المعاشية ، ويتناقلون أخبار الأحداث المحلّية أو العلميّة التي يسمعونها في الإذاعات ويلتقطونها من أفواه الناس ، فتكون لهم مادة طريفة للأحاديث الشيّقة والأسمار اللطيفة.

ومن هذه الدواوين القديمة التي لم يبقَ إلّا اسمها ديوان السيد صالح السيد سليمان آل طعمة المتوفّى سنة ١٣١٩ ه ، وديوان السيد عبد الحسين السر خدمة آل طعمة مدير أوقاف كربلاء ، وديوان السادة آل ثابت ، وديوان آل شهيب ، وديوان آل جار الله ، وديوان آل عواد ، وديوان السيد مصطفى الشروفي نائب سادن الروضة الحسينيّة ، ودواوين العلماء.

ومن دواعي الأسى والأسف أنّ أغلب هذه الدواوين لم يكن لها وجود اليوم بسبب تطور الحياة الاجتماعيّة.

٣٢٠