• البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23494 / تحميل: 4281
الحجم الحجم الحجم

تراث كربلاء

١

٢

تراث كربلاء

سلمان هادي آل طعمة

طبعة مزيدة ومنقّحة

منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان

٣

الطبعة الثانية

١٤٠٣ ه - ١٩٨٣م

٤

الصورة المؤلّف

٥

الإهداء

إلى القابسين من أنوار الفضيلة ، والواردين حياض البذل والفداء.

إلى الواجفة قلوبهم ، والواكفة مدامعهم ، والمتفطّرة أكبادهم.

إلى زوار قبر أبي الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ).

اُهدي هذه السطور جهداً متواضعاً في سلسة الجهود المبذولة لتعريف بتاريخ هذه المدينة المقدّسة.

سلمان هادي آل طعمة

٦

منظر عام لمدينة كربلاء

٧

تراث كربلاء

هذه إضمامة عطرة تفضّل بها الشاعر المبدع السيد مرتضى الوهاب مؤرّخاً صدور الطبعة الأولى من الكتاب:

أضاءَ للناظرِ برقٌ فجلا

ما قد توارى من فخارٍ وعلا

و ما حواه الطفُّ في كنوزه

من أدبٍ مزوّقٍ يحكي الطلا

وانكشفت آثارُ ما شيّده

عباقرُ الفنِّ لنا من الاُلى

أظهرهُ ( سلمان ) بعد غيبةٍ

كادت بأن تأتي عليه فانجلى

فإنّ أهلَ البيت و هو منهمُ

أدرى بما في بيتهم مفصّلا

بـسعيهِ و فنِّهِ و جهده

أرّخته ( يحيا تراثُ كربلا )

١٣٨٣ ه

كربلاء - مرتضى السيد محمّد الوهاب

٨

كلمة حجة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني

أتحفنا البحّاثة القدير ، المؤرّخ الكبير ، حجة الإسلام العلّامة الشيخ محمّد محسن ، الشهير بآقا بزرك الطهراني , صاحب موسوعة ( الذريعة ) , بهذه الكلمة القيّمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد خاتم النبيِّين ، وعلى أوصيائه الاثني عشر الأئمّة المعصومين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد ، فقد سرّحت النظر عابراً بالنظرة العجلى هذا السفر النفيس الذي هو ( تراث كربلاء ) , فوجدته اسماً طابق المسمّى ؛ لاحتوائه على ما لم يبحث عنه المتقدّمون عليه من مؤلّفي تواريخ كربلاء. كيف وقد أبرزه إلى الوجود يراع الفاضل البارع ، الشاب اللبيب ، فضيلة السيد سلمان آل طعمة الحائري ؛ أداء لبعض حقوق وطنه ومسقط رأسه ، فأعرضنا عن الثناء عليه ، واكتفينا بالدعاء له بالتوفيق والتأييد لإخراج أمثال هذا السفر الشريف ، ووفّق أقرانه لاتّباعه بإجراء قلمهم النزيه النظيف في هذه المواضيع ليجزيهم الله جزاء المحسنين.

حرّرته بيدي المرتعشة في مكتبتي العامّة في النجف الأشرف يوم الجمعة المطابقة لأوّل الحمل من السنة الشمسية ، الخامس من شهر ذي القعدة الحرام ، عام ثلاثة وثمانين [وثلاثمئة] وألف , وأنا الفاني الشهير بآقا بزرك الطهراني.

٩

كلمة حجّة الإسلام الأصفهاني الحائري

تكرّم علينا حجة الإسلام الفيلسوف الكبير الحاج الشيخ محمّد رضا الأصفهاني الحائري بكلمة بليغة عبّر فيها عن انطباعاته لهذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كلّه ، والصلاة والسّلام على رسول الله محمّد بن عبد الله وعلى آله آل الله.

وبعد ، إنّ من أسباب فضيلة الكلام أن يكون الكلام في موضوع ذي فضل ، ولمـّا كانت كربلاء من أفضل بقاع الدنيا ، فالتكلّم في تاريخها من أفضل الكلام في التواريخ. وقد تكلّم جماعة في تاريخ هذا البلد المقدّس ، ولكنّي ما رأيت تلك التواريخ ، وإنّما رأيت تاريخ ( تراث كربلاء ) الذي ألّفه الفاضل الشاب اللبيب ، والمهذب البارع الأديب ، السيد سلمان ابن السيد هادي ابن السيد محمّد مهدي آل طعمة (سلّمه الله تعالى).

فوجدته في هذا الموضوع مؤلّفاً جامعاً مشتملاً على كثير من الخصوصيات ؛ فقد تعرّض لذكر عامري هذا البلد المبارك من العلماء والسادات والسلاطين وغيرهم ، ولبيان بعض خصوصيات الروضتين المقدّستين: روضة سيّدنا الحسين (عليه‌السلام ) وأخيه أبي الفضل العباس (عليه‌السلام ) ، ولكثير من البقاع ؛ كبقعة السيد إبراهيم المجاب ، وبقعة حبيب بن مظاهر ، وبقعة الحرّ بن يزيد الرياحي وغيرها ، ولكثير من المدارس الدينية والمساجد والحسينيات ، ولكثير من المكتبات العامّة

١٠

والخاصة ، ولذكر كثير من أعاظم العلماء والأساطين وبعض مصنّفاتهم ، ولجماعة من الأدباء والشعراء وبعض طرائف أشعارهم.

وفي الحقيقة يُعدّ هذا من كتب التواريخ والتراجم والمعاجم والأنساب والأدبيات ، وقد أتعب نفسه ، وصرف عمره ، وبذل مجهوده في جميع ما في هذا الكتاب من المصادر المتفرّقة ، والموارد المتشتتة (فلله درّه وعلى الله بره) ، فليقدر مجهوده ، ويشكر سعيه ، ويعرف قدره.

وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل سعيه هذا شرفاً لدنياه ، وذخيرة لعقباه ، وأن يحشرنا وإيّاه مع مشرّف هذه البلدة المقدّسة ، وجدّه وأبيه ، واُمّه وأخيه ، والأئمّة من ذرّيّته وبنيه , بجاههم وحرمهم فإنّه أرحم الراحمين.

حرّره أحوج المربوبين إلى رحمة ربّه الغني محمّد رضا بن محمّد التقي الإصبهاني ، يوم العشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١٣٨٣ ه من الهجرة المباركة في كربلاء المعلّى.

١١

كلمة البحّاثة الكبير السيد حسن الأمين

كربلاء المدينة المقدّسة ذات التاريخ الحافل ، بحاجة إلى التعريف بها ، والتنويه بشأنها بصورة تتفق مع مكانتها في الماضي والحاضر ، وهذا ما قام به فريق من محقّقي هذه المدينة ؛ فألّفوا عدّة كتب تؤرّخ لها وتدلّ عليها ، ومع ذلك فقد ظلّت جوانب كثيرة منها بحاجة إلى تخصيصها بالعديد من البحوث والدراسات.

فكربلاء منذ اليوم الذي حلّ فيها ركب الحسين (عليه‌السلام ) ، وصمّم على الصمود في وجه الطغيان ونفّذ تصميمه ، فغدت بذلك محجّة للقلوب تهوي إليها من كلّ مكان , وأصبحت ملتقى للاُلوف ينزلونها من كلّ فجّ عميق ، مستوحين من ذكرى صاحب القبر أسمى معاني الرجولة والبسالة والشمم ، ومستلهمين من روعة المكان أرفع مبادئ التحرّر والتمرّد على الطغيان والاستبداد.

إنّ كربلاء منذ ذلك اليوم حظيت بعناية المنقّبين والباحثين ، والناثرين والشاعرين ، وكانت بذلك جديرة ، وظلّت الأقلام تتعاقب على ذكرها من عصر إلى عصر حتّى هذا العصر ، فكان بين أيدينا من ذلك ذخيرة ثمينة ، وتشاء الأقدار لها أن تكون إلى جانب ما حظيت به من قداسة وتكريم ، وما قام فيها من مشاهد ومراقد ، أن تكون مبعثاً لنهضات علمية وفكرية , وأدبيّة وسياسية ؛ فقد جاء وقت كانت فيه مدرسة الشيعة الكبرى ، ومقرّ كبار مجتهديهم المدرّسين المفتين.

كما إنّها لم تخل في كلّ عصر من حلقات علمية واسعة ، ومناهج تدريسية

١٢

مطبقة ، فنبغ فيها العديد من رجال الفكر والقلم ، وشهدت الكثير من العلماء والشعراء ، كما شيّدت فيها المعاهد والمدارس ، كما كانت مصدراً لعدد من الحركات السياسيّة والثورات الوطنية ، وقد كان كلّ ذلك داعياً لأن لا يكتفي بالوقوف عند حدّ معين من الكتاب والتأليف فيها على كثرة ما كُتب واُلّف.

ومن هنا نهض واحد من أدبائها الأكفّاء فأخذ على نفسه خدمة بلده خدمة خالدة ، والوفاء لها وفاء دائماً ؛ فألف الكتاب الذي أسماه ( تراث كربلاء ) ، ذاك هو الاُستاذ السيد سلمان هادي آل طعمة ، الذي كتب كتابه مستهدفاً إحياء تراث كربلاء من جميع جوانب هذا التراث ، وطبع الكتاب طبعته الأولى , ولقي ما يستحقه من الرواج والإقبال عليه حتّى نفذت الطبعة الأولى ، فعزم على إعادة طبعه مضيفاً إليه ما فاته من قبل , وما استجدّ ممّا لم يكن ، وهو هذا الذي يراه القارئ بين يديه في الصفحات التالية.

ولن استبق القارئ فأدلّه على ما سيلقى في مطالعته ممّا يشوقه ويلذّه , بل أترك له أن ينكب على الكتاب منقّباً مستطلعاً ، وأنا واثق من أنّه سيخرج من ذلك بكلّ فائدة وكلّ متعة ، وسيتعرّف على مختلف النواحي في هذا البلد المقدّس التاريخي ؛ وهذا ما يحملنا على تحية الكتاب والإشادة بجهوده ، واثقين من أنّ من واجب المثقفين جميعاً أن يدرسوا بلدانهم كهذه الدراسة ؛ ليكون لنا من مجموع ما يكتبونه تاريخاً مفصّلاً للوطن ، ودليلاً كاملاً لكل جزء من أجزائه ، وأمامهم هذه التجربة الناجحة لهذا الكاتب الناجح.

حسن الأمين - بيروت

١٣

مقدّمة الطبعة الاُولى

لا شك إنّ الذين كتبوا عن تاريخ هذه المدينة المقدّسة ، وما جرى عليها من الحوادث الدامية في مختلف العصور ، أسدوا خدمة كبيرة للعالم بتقديم ذلك التراث القيّم الذي يخدم الإنسانيّة جمعاء ؛ فلذا حاز تقدير أرباب العلم ، وأساطين الفكر ، ورجال المبدأ والعقيدة وسواهم.

ومع كلّ ذلك رأيت لزاماً عليّ أن أقوم بجمع ما يمكن جمعه كلّ ما يخص تاريخ كربلاء الثقافي والسياسي والاجتماعي ؛ تخليداً لذكرى المفكّرين الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيّبة من علماء وشعراء وفلاسفة ، ورجال جهاد وسياسة وغيرهم ممّن أقاموا للفكر وزناً ، وقدّموا تراثاً فيه عناصر إنسانيّة علينا أن نجدّده ونعيد درسه ، وقد بقي تاريخ قسم من هؤلاء المفكّرين مجهولاً لم يعرف عنه الملأ إلّا النزر اليسير ؛ فآثرت وضع هذه البحوث المنشورة في الصحف والمجلات العربية في كتاب جامع باسم ( تراث كربلاء ).

وغير خافٍ على القارئ اللبيب أنّ مدينة كربلاء لها تاريخ مجيد حافل بجلائل الأعمال ، ويضمّ أنصع الصفحات التي خطّ أسطرها أمير البلاغة والبيان ، ورجل البطولة والفداء الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) بكلّ ما حوت فيه من بطولة نادرة ، وجهاد لا يشق إليه غبار.

وكربلاء في ماضيها العلمي والأدبي زاخرة بالمواهب الخلاقة ، وقد مرّت في

١٤

القرون الغابرة بمراحل وأدوار مختلفة ، ممّا عظم شأنها ، وسمت منزلتها في ميدان العلم والمعرفة حيث بلغت أوج عظمتها ، وكان سببه ظهور علماء ومفكّرين رفعوا رأسها عالياً ، ولا تزال آثارهم تدرس حتّى اليوم في معاهدنا العلميّة.

كما وشهدت ساحات كربلاء قبل قرنين أو أكثر حركة علميّة صاخبة لم تشهد لها مثيل من قبل ؛ حيث استقرت فيها الزعامة الروحية ؛ وذلك بوجود عدد غفير من أساطين العلماء حتّى بدأت كربلاء تنافس النجف الأشرف في حركتها العلميّة ، كما وشهدت مباريات خطابية وحلبات أدبيّة يعجز القلم عن وصفها ، ويكلّ اللسان عن الثناء عليها.

تتضمن مواد هذا الكتاب أحوال كربلاء منذ أوّل تشييدها وتدوين تطوراتها الاجتماعيّة والسياسيّة والعمرانيّة والعلميّة والأدبيّة ، وتضمّ تراجم أقطاب العلم الذين قدّموا للإنسانيّة أعمالاً مجدية في الفكر والجهاد , إلى غير ذلك من المواضيع الهامة المتعلّقة بشؤون هذا البلد المقدّس التي شغفت منذ الحداثة بجمعها وتدوينها.

ومهما يكن من أمر فأنا أنتهز هذه الفرصة الثمينة لتقديم ما اختمر في الذهن ، وما شعرت به النفس من المواضيع والبحوث التي كانت مبعثرة هنا وهناك ، فأثرت إخراجها بهذا الشكل ؛ حرصاً للفائدة العامة ، ورغبة في تحفيز هواة الأدب والتاريخ وتوسيع طاقاتهم.

وقد توفّرت لديّ مصادر كافية غنية يعتمد عليها ما ينبغي إيراده من الشواهد والدلائل ، علماً بأنّ هناك عدداً من المخطوطات التي تتعلّق بمواضيع الكتاب قد اطلعت عليها في مكتبات إيران والعراق , زد على ذلك أنّي استمعت إلى روايات المعمرين من الجيل الماضي ، وأحاديث ممّن يروي عنهم طيلة السنين الخوالي.

وأخيراً لا يسعني إلّا أن أرفع أسمى آيات شكري وامتناني إلى كلّ مَنْ آزرني في هذا المشروع الضخم الذي يتطلّب وقتاً طويلاً ، وعملاً متواصلاً ؛ من تقديم يد المساعدة إليّ ، وأخص بالذكر فضيلة العلّامة الكبير حجة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب ( الذريعة ) ، والاُستاذ كوركيس عواد مدير مكتبة

١٥

المتحف العراقي ، والاُستاذ ضياء الدين أبو الحبّ ، وفضيلة العلّامة الشيخ محمّد علي اليعقوبي ، والشيخ كاظم أبو أذان ، والمحامي السيد عبد الصاحب شيقر ، والاُستاذ عبد المجيد حسين السالم ، والاُستاذ حسن عبد الأمير المهدي ، وكلاً من أبناء عمومتي السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة ، والمحامي السيد محمّد مهدي الوهاب آل طعمة ، وغيرهم من رواد الفكر ومحبّي الثقافة ، سائلاً المولى العلي القدير أن يوفّقهم في مسعاهم ، وأن يلهمهم التوفيق في خدمة العلم والأدب والتاريخ ، والله هو الموفّق.

سلمان السيد هادي آل طعمة

كربلاء - ١٠ شوال المكرّم ١٣٨٣ ه - ٢٣ شباط ١٩٦٤ م

١٦

مقدّمة الطبعة الثانية

بعد نفاذ الطبعة الأولى من كتابنا « تراث كربلاء » لقيت من لدن القرّاء الكرام إقبالاً كبيراً وتشجيعاً أعتزّ به ؛ لذا رأيت لزاماً عليّ أن أعيد طبعه مرّة ثانية لرغبة الكثير من الأصدقاء المثقفين ، فأخذت على عاتقي إخراجه بثوب جديد بعد أن توفّرت لديّ معلومات قيّمة ، ووثائق عظيمة الأهمية تُلقي أضواء على بعض الأحداث التاريخيّة.

كما إنّني حذفت من الكتاب بعض الأفكار والمواضيع التي هي غير جديرة بالتسجيل ؛ حيث يغلب عليها طابع التشكيك في صحتها ، أو التي هي غير مرغوب في إدراجها ، وقد دعاني إلى تدوينها في الطبعة الأولى الإسراع.

إنّ هذه الطبعة الجديدة تمتاز بدقّة المعلومات ، وصحة الأسانيد ، وروعة الأغراض ، وسمو الأهداف ، وقد خلت من الأخطاء التي وقعت فيها خلال الطبعة الأولى.

إنّني لم أستهدف من وراء إخراج هذا الكتاب إلّا خدمة للفكر ، وحفظاً للتراث العربي في هذه المدينة الشامخة المقدّسة التي لعبت دوراً مهمّاً في تاريخ العرب قديماً وحديثاً ، ولقيت من أحداث الدهر ما جعلها اُنشودة في فم الزمان ؛ لأنّها صمدت كالطود الأشمّ دون أن تلين قناتها ، أو ترضخ أمام قوى الشرّ والعدوان.

١٧

وكان في طليعة رجال الفكر الذين زوّدوني بالمعلومات النافعة ، وأرشدوني إلى محجّة الصواب الأديب الكبير السيد صالح الشهرستاني - نزيل طهران - الذي نقد الكتاب بتفصيل ، كما أخص بالشكر السادة محمّد حسن مصطفى الكليدار ، وإبراهيم شمس الدين القزويني على توجيهاتهما واهتمامهما ، وكذلك جدّي السيد أحمد السيد صالح آل طعمة (حفظه الله) الذي عاصر معظم الأحداث التي مرّت بكربلاء ، وجالس أدباءها وعلماءها ، ويحتفظ لهم في ذاكرته الكثير من الطرائف المستملحة ، والحكايات اللطيفة التي كانت تتناقلها الأندية حينذاك.

وبعدُ أيّها القارئ ، فهذه هي الطبعة الثانية من تراث كربلاء ، آمل أن تلقى منك استحساناً ، وتترك في نفسك أثراً ، وتسترعي اهتمامك ؛ فهو كتاب يجلو مآثر كربلاء وأحداثها الضخام ، ويبرز صفحات مشرقة من بطولات رجالها العظام وعبقربات أدبائها الكرام.

والله اسأل أن يسدد خطانا إلى ما فيه الخير والصواب.

سلمان السيد هادي السيد محمّد مهدي آل طعمة

كربلاء - العراق ١٠ ربيع الأول ١٤٠٣ ه

١٨

الفصل الأوّل: نظرة عامة في تاريخ كربلاء

في الواقع إنّ كربلاء اسم قديم في التاريخ ، يرجع إلى عهد البابليين ، وقد استطاع المؤرّخون والباحثون التوصّل إلى معرفة لفظة ( كربلاء ) من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي ، فقيل: إنّها منحوتة من كلمة ( كور بابل ) العربية ، وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية قديمة , منها ( نينوى) التي كانت قرية عامرة في العصور الغابرة ، تقع شمال شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدّة الهنديّة حتّى مصبّ نهر العلقمي في الأهوار ، وتُعرف بتلول نينوى.

ومنها ( الغاضريّة ) , وهي الأراضي المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام ، أو شريعة الإمام جعفر الصادق (عليه‌السلام ) على العلقمي بأمتار ، وتُعرف بأراضي الحسينيّة.

ثمّ ( كربلّه) بتفخيم اللام ، وتقع إلى شرقي كربلاء وجنوبها ، ثمّ ( كربلاء أو عقر بابل ) , وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضريّة ، وبأطلالها أثريات مهمّة , ثمّ ( النواويس ) , وكانت مقبرة عامّة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينيّة قرب نينوى.

أما الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء تُعرف بـ ( كربلاء القديمة ) ، يستخرج منها

١٩

أحياناً بعض الحباب الخزفية ، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.

وقد عبّر عنها الإمام الحسين (عليه‌السلام ) في خطبة مشهورة له ، وذلك عندما عزم السير نحو الكوفة: (( وكأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ))(١) .

ثمّ ( الحير ) , ومعناه اللغوي الحمى ، ثمّ ( الحائر )(٢) , وهي الأراضي المنخفضة التي تضمّ موضع قبر الحسين (عليه‌السلام ) إلى رواق بقعته الشريفة ، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكّل العباسي عام ٢٣٦ ه.

وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة ، وربوات متّصلة في الجهات الشماليّة الغربيّة والجنوبيّة منه تشكّل للناظرين نصف دائرة ، مدخلها الجهة الشرقيّة , حيث يتوجّه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العباس بن علي (عليهما‌السلام )(٣) .

وسُمّيت كذلك بـ ( الطفّ ) لوقوعها على جانب نهر العلقمي ، وفيها عدّة عيون ماء جارية ؛ منها الصيد ، والقطقطانية ، والرهيمة ، وعين الجمل وذواتها ، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء الخندق الذي حفره شابور كحاجز بينه وبين العرب(٤) .

ومنها ( شفيه ) , وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء ، واُنشأت بجانبها قرية ، وكان الحسين (عليه‌السلام ) عندما حبسه الحرّ بن يزيد الرياحي عن الطريق ، وأمّ كربلاء ، أراد أن ينزله في مكان لا ماء فيه ، قال أصحابه: دعنا ننزل في هذه القرية - يعنون نينوى - , أو هذه القرية - يعنون الغاضريّة - ، أو هذه الاُخرى - يعنون شفيه -.

وإنّ الضحاك بن عبد الله المشرفي عندما اشتدّ الأمر على الحسين (عليه‌السلام ) يوم عاشوراء وبقي وحيداً استاذن الحسين (عليه‌السلام ) بالانصراف ؛ لوعد كان بينهما ( أنّه ينصره متى كان كثير الأنصار) , فاستوى على ظهر فرسه فوجّهها نحو العسكر ، فأفرجوا له واخترق صفوفهم ، ثمّ تبعه منهم خمسة عشر

____________________

(١) اللهوف في قتلى الطفوف - للسيد ابن طاووس / ٢٦.

(٢) دائرة المعاوف الإسلاميّة الفرنسية - انظر مادة ( حائر Hair ).

(٣) نهضة الحسين - للسيد محمّد علي هبة الدين الحسيني / ٨٠.

(٤) معجم البلدان - لياقوت الحموي - مادة الطفّ.

٢٠