القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء ٢

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام0%

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 672

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله العلّامة السيّد أحمد المستنبط رحمة الله عليه
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 41700
تحميل: 5191


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41700 / تحميل: 5191
الحجم الحجم الحجم
القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولد عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلام ما تناسلوا.

وفي المنهج : روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: إنّ اللَّه يرفع درجه ذرّيّة المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقرّبهم عنه.

الثالث: قال الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام في تفسيره : إنّ رجلاً جاع عياله فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهماً فاشترى به خبزاً وأدماً(١) ، فمرّ برجل وامرأة من قرابات محمّد وعليّ عليهما السلام فوجدهما جائعين، فقال: هؤلاء أحقّ من قراباتي، فأعطاهما إيّاه، ولم يدر بماذا يحتجّ في منزله؟

فجعل يمشي رويداً يتفكّر فيما يعتذر(٢) به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم، إذ لم يجئهم بشيء، فبينما هو متحيّر في طريقه إذا بفيج(٣) يطلبه، فدلّ عليه، فأوصل إليه كتاباً من مصر، وخمسمائة دينار في صرّة وقال: هذه بقيّة ملك(٤) حملته إليك من مال ابن عمّك مات بمصر، وخلّف مائة ألف دينار على تجّار مكّة والمدينة، وعقاراً كثيراً ومالاً بمصر بأضعاف ذلك.

فأخذ الخمسمائة دينار، و وسّع على عياله، ونام ليلته، فرأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً عليه السلام فقالا له: كيف ترى إغناءَنا لك لمّا آثرت قرابتنا على قرابتك؟ ثمّ لم يبق بالمدينة ولابمكّة ممّن عليه شيء من المائة ألف دينار إلّا أتاه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليه السلام في منامه وقالا له:

إمّا بكّرت بالغداة على فلان بحقّه من ميراث ابن عمّه وإلّا بكّرنا عليك بهلاكك واصطلامك وإزالة نعمك وإبانتك من حشمك فأصبحوا كلّهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم، حتّى حصل عنده مائة ألف دينار وما ترك أحد بمصر ممّن له

____________________

(١) الأدم: ما يؤكل مع الخبز.

(٢) في المصدر: يعتلّ.

(٣) فيج: معرّب پيك، منه رحمه اللَّه.

(٤) في المصدر: مالك.

١٢١

عنده مال إلّا وأتاه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام في منامه وأمراه أمر تهدّد بتعجيل مال الرجل أسرع مايقدر عليه.

وأتى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام لهذا المؤثر لقرابة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في منامه فقالا له: كيف رأيت صنع اللَّه لك؟ قد أمرنا من بمصر(١) أن يعجّل إليك مالك، أفنأمر(٢) حاكمها بأن يبيع عقارك وأملاكك ويستنتج إليك بأثمانها لتشتري بدلها من المدينة قال: بلى.

فأتى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام حاكم مصر في منامه فأمراه أن يبيع عقاره والسفتجه(٣) بثمنه إليك، فحمل إليه من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغنى أهل المدينة.

ثمّ أتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا عبداللَّه، هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، ولاُعطينّك في الآخرة بكلّ(٤) حبّة من هذا المال في الجنّة ألف قصر أصغرها أكبر من الدنيا، مغرز [كلّ](٥) إبرة منها خير من الدنيا وما فيها.(٦)

____________________

(١) في المصدر: في مصر.

(٢) في الأصل: وأمرنا.

(٣) السفتجة: وهي أن تعطي مالاً لأحد وللآخذ مال في بلد المعطى فيوفّيه إياه ثمّ، فيستفيد من الطريق، وقيل: هي أن تعطي مالاً لرجل، فيعطيك خطّاً يمكنك من استرداد ذلك المال من عميل له في مكان آخر.

(٤) في المصدر: بدل كلّ.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ٣٣٧ ح ٢١٢.

١٢٢

الباب الثاني

في ذكر قطرة من بحر مناقب

إمام الأنبياء السالفين، أبي الأئمّة الطاهرين

سيّد الموحّدين أخي رسول ربّ العالمين

عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين

صلوات اللَّه عليه وآله الطاهرين

٨١٨/١ - في كتاب الروضة في الفضائل : يرفعه إلى عمّار بن ياسر وزيد بن أرقم أنّهما قالا: كنّا بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام كان يوم الإثنين [تاسع عشر](١) خلت من صفر، فإذا بزعقة(٢) عظيمة قد ملأت المسامع، وكان عليّ عليه السلام على دكّة القضاء فقال: يا عمّار، ائتني بذي الفقار وكان وزنه سبعة أمنان وثلثي بالمكّي فجئت به، فانتضاه من غمده(٣) وتركه [على فخذه]، وقال: يا عمّار، هذا يوم أكشف فيه لأهل الكوفة جميعاً الغمّة ليزداد المؤمن وفاقاً والمخالف نفاقاً.

____________________

(١) في الفضائل: لسبعة عشر ليلة، وفي البحار: لسبع عشر.

(٢) الزعقة: الصيحة.

(٣) نضى السيف من غمده: سلّه.

١٢٣

فقال: يا عمّار، ائت بمن على الباب، قال عمّار: فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمل، وهي [تبكي و](١) تصيح:

«يا غياث المستغيثين ويا غاية(٢) الطالبين، ويا كنز الراغبين، ويا ذا القوّة المتين، ويا [مطلق الأسير، ويا راحم الشيخ الكبير، ويا رازق الطفل الصغير، ويا قديم سبق قدمه كلّ قديم، ويا عون من لا عون له، ويا سند من لا سند له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا حرز من لا حرز له، يا عون الضعفاء، ويا كنز الفقراء](٣) إليك توجّهت [وبك توسّلت](٤) فبيّض وجهي، وفرّج همّي، واكشف غمّي.»

قال [عمّار]: وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة، قوم لها وقوم عليها في الكلام فقلت: أجيبوا أميرالمؤمنين عليه السلام [أجيبوا عيبه علم النبوّة، قال:](٥) فنزلت عن الجمل ونزل القوم معها، ودخلوا المسجد، ووقفت المرأة بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وقالت: [يا عليّ](٦) إيّاك قصدت، فاكشف كربتي وما بي من الغمّة، إنّك وليّ ذلك والقادر عليه [وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فعند ذلك](٧) .

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا عمّار، ناد في الكوفة [لينظروا إلى قضاء

____________________

(١) ليس في الأصل، وفي البحار: تشتكي و.

(٢) في الفضائل والبحار: بغية.

(٣) بدل مابين المعقوفين في الفضائل والبحار: ويا مطعم اليتيم، ويا رازق العديم، ويا محيي كلّ عظم رميم، ويا قديم سبق قدمه كلّ قديم، ويا عون من ليس له عون ولا معين، يا طود من لاطود له، يا كنز من لا كنز له.

(٤) في الفضائل والبحار: وبوليّك توسّلت ولخليفة رسولك قصدت.

(٥) من الفضائل والبحار.

(٦) في الفضائل والبحار: يا مولاي، يا إمام المتّقين إليك أتيت و.

(٧) من البحار.

١٢٤

أميرالمؤمنين عليه السلام، فناديت فاجتمع الناس حتّى صار مقدم عليه أقدام كثيرة].(١)

ثمّ قال أميرالمؤمنين عليه السلام: سلوا عمّا بدا لكم يا أهل الشام.

فنهض من بينهم شيخ أشيب، عليه بردة يمانيّة(٢) وحلّة عدنيّة، وعمامة خزّ سوسنيّة(٣) فقال: السلام عليك يا كنز الفقراء ويا ملجأ اللهفاء، يا مولاي، هذه الجارية ابنتي وما قرنتها(٤) ببعل قطّ وهي عاتق(٥) حامل، وقد فضحتني في عشيرتي، وأنا معروف بالشدّة والنجدة والبأس والسطوة والبراعة واليراب(٦) أنا المس غفرنس(٧) وليث غموس(٨) ، لايخمد لي نار، ولا يضام لي جار، عزيز عند العرب بأسي ونجدتي وحملاتي وسطواتي.

وقد بقيت يا عليّ، حائراً في أمري فاكشف هذه الغمّة [فإنّ الإمام ترتجيه الاُمّة وهذه الغمّة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها].(٩)

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: ما تقولين يا جارية فيما يقول لك أبوك؟ فقالت: أمّا مايقول أبي: إنّي عاتق فقد صدق، وأمّا ما يقول: إنّي حامل، فواللَّه، ما أعلم من نفسي خيانة قطّ، يا أميرالمؤمنين أنت وصيّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ووارثه، لايخفى

____________________

(١) بين المعقوفين في الفضائل هكذا: ألا من أراد أن ينظر إلى ما أعطى اللَّه عليّاً أخا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فليأت المسجد، قال: فاجتمع الناس حتّى امتلأ المسجد بالناس وصار القدم على القدم.

(٢) في النوادر والأصل: أتحميّة.

(٣) في الفضائل: عمامة خراسانيّة.

(٤) في النوادر: قرّبتها.

(٥) جارية عاتق: أي شابة أوّل ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج (هامش البحار).

(٦) في النوادر: النزاهة. وفي هامش الأصل: كذا في أصل النسخة، ولكنّ الظاهر أنّه الأراب بمعنى العقل.

(٧) في نسخة من المصدر: قلمس بن غفريس، وفي اُخرى: تلبس بن عفريس، وفي البحار: فليس بن عفريس.

(٨) عبوس، خ.

(٩) من الفضائل، وفي البحار: فإنّ الإمام خبير بالأمر.

١٢٥

عليك شيء، وتعلم أنّي ما كذبت فيما قلت، ففرّج عنّي غمّتي يا فارج الهمّ.

فصعد أميرالمؤمنين عليه السلام المنبر وقال: اللَّه أكبر، اللَّه اكبر( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (١) فقال عليه السلام: وإليَّ التسليم، وعليَّ بداية(٢) الكوفة، فجاءَت امرأة يقال لها: خولاء(٣) وكانت قابلة نساء [أهل] الكوفة، فقال لها: اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري الجارية هذه أعاتق حامل [أم لا]؟

ففعلت ما أمرها [به] أميرالمؤمنين عليه السلام [ثمّ خرجت وقالت: نعم، يا مولاي هي] عاتق حامل، [فقال عليه السلام: يا أهل الكوفة، أين الأئمّة الّذين ادّعوا منزلتي؟ أين من يدّعي في نفسه أنّه له مقام الحقّ فيكشف هذه الغمّة؟

فقال عمرو بن حريث لعنه اللَّه كالمستهزئ: ما لها غيرك يابن أبي طالب، اليوم تثبت لنا إمامتك](٤) .

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لأب الجارية: يا أباالغضب المعطب(٥) ، ألست أنت من أعمال دمشق؟ قال: بلى. قال: من قرية يقال لها: أسعار؟ فقال: نعم، فقال: هل فيكم من يقدر على قطعة ثلج [في هذه الساعة]؟ فقال أبوالغضب: الثلج في بلادنا كثيرة [ولكن ما نقدر عليه هاهنا]، فقال عليه السلام: بيننا وبين بلادكم مائتان وخمسون فرسخاً؟ قال: نعم [يا مولاي، ثمّ قال: أيّها الناس انظروا إلى ما أعطى اللَّه عليّاً من العلم النبويّ الّذي أودعه اللَّه ورسوله من العلم الربّاني](٦) .

قال عمّار: فمدّ يده وهو على منبر جامع الكوفة وردّها وفيها قطعة من الثلج [يقطر منها، فعند ذلك ضجّ الناس وماج الجامع بأهله فقال: اسكتوا ولو شئت أتيت بجباله](٧) ثمّ قال لداية الكوفة: [خذي هذا الثلج واخرجي بالجارية من المسجد واتركي تحتها طشتاً، و](٨) ضعي هذا الثلج ممّا يلي فرج الجارية سترمي

____________________

(١) الإسراء: ٨١.

(٢) في الفضائل: بقابلة، وكذا مابعدها.

(٣) في البحار: تسمّى لبناء.

(٤) ليس في الفضائل والبحار.

(٥) في النوادر: المقطب.

(٦- ٨) ليس في الأصل.

١٢٦

علقة وزنها سبعة وخمسون مثقالاً(١) ودانقان.(٢)

فأخذت وخرجت بها من الجامع، وجاءت بطشت ووضعت الثلج على الموضع [كما أمرها عليه السلام](٣) فرمت علقة كبيرة فوزنتها الداية فوجدتها كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام.

وأقبلت الداية مع الجارية، فوضعت العلقة بين يديه، فقال: وزّنتيها؟ قالت:نعم، فوزنها سبعة وخمسون مثقالاً ودانقان.

فقال عليه السلام: بلى( وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) (٤) ثمّ قال: يا أباالغضب، إبنتك ما زنت وإنّما دخلت الموضع الّذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة [في جوفها] وهي صبيّة بنت عشر سنين، قد لبثت(٥) في بطنها إلى وقتنا هذا، فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنّك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر(٦) .(٧)

أقول : ورواه البحراني قدس سره عن السيّد المرتضى رحمه الله أيضاً بأدنى اختلاف وأغلاط في عباراته.(٨)

٨١٩/٢ - في مناقب عتيقة : حدّثنا أبوالتحف عليّ بن محمّد بن إبراهيم المصري، عن الأشعث بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد، عن جلال بن كيسان الكرخي الخرّاز(٩) عن الطيّب الفواخري، عن عبداللَّه بن سلمة الفتحي، عن

____________________

(١) في الفضائل: درهماً، وفي البحار: سبعمائة وخمسون درهماً.

(٢) الدانق: سدس الدرهم.

(٣) في الأصل: على الموضع منها.

(٤) الأنبياء: ٤٧.

(٥) في النوادر: فربت.

(٦) في الأصل: الضمير.

(٧) فضائل ابن شاذان: ١٥٧ - ١٥٥، عنه البحار: ٢٧٧/٤٠ ح ٤٢، وأورده في ١٦٧/٦٢ ح٢باختصار، نوادر المعجزات: ٢٦ ح ١٠.

(٨) عيون المعجزات: ٢١، عنه مدينة المعاجز: ٥٣/٢ ح ٣٩٩.

(٩) في النوادر: هلال بن كيسان الكوفي [الكرخي، خ] الجزّار.

١٢٧

شقادة بن الأصيد العطّار البغدادي، عن عبدالمنعم بن الطيّب، عن العلا بن وهب بن قيس عن الوزير أبي محمّد سايلويه رضي الله عنه - فإنّه كان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام - عن ابن جرير(١) ، عن أبي الفتح الغزالي(٢) ، عن أبي سالم ميثم التمّار قال:

كنت بين يدي مولاي أميرالمؤمنين عليه السلام إذ دخل علينا من الباب رجل مشذب(٣) عليه قباء أدكن(٤) قد اعتمّ بعمامة صفراء، [و] قد تقلّد بسيفين، فنزل من غير سلام ولم ينطق بالكلام، فتطاول إليه الناس بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق [وقد وقف عليه النّاس من جميع الآفاق](٥) ، ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام لايرفع رأسه إليه.

فلمّا هدأ [ت] من الناس الحواسّ [أ] فصح عن لسانه كأنّه حسام صقيل جذب من غمده وقال:

أيّكم المجتبى بالشجاعة، المعمّم بالبراعة، والمدرع بالقناعة؟ أيّكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، [و] الموصوف بالكرم؟ أيّكم أصلع الرأس، الثابت الأساس، والبطل الدعاس(٦) والمضيّق للأنفاس، والآخذ بالقصاص؟

أيّكم غصن أبي طالب الرطيب والقسم النجيب؟ أيّكم الّذي نصر به محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في زمانه فاعتزّ به سلطانه، وعظم به شأنه؟ أيّكم قاتل العمروين وآسر العمروين [العمروان اللذان قتلهما: عمرو بن عبدودّ وعمرو بن الأشعث المخزومي، والعمروان اللذان أسّرهما: فأبو ثور عمرو بن معدي كرب وعمرو بن

____________________

(١) في النوادر: ابن حريز، وفي عيون المعجزات: أبي جرير.

(٢) في النوادر: المغازلي.

(٣) مشذب: طويل ليس بكثير اللحم، وفي الفضائل والبحار: طويل.

(٤) أدكن: لون يضرب إلى السواد.

(٥) من البحار.

(٦) الدعاس: الطعان.

١٢٨

سعيد العشابي(١) أسره في يوم بدر](٢) .

قال أبو جعفر ميثم التمّار: فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا يا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة [بن الطيّب بن الأشعث بن أبي سمع بن الأحبل بن فزارة بن دعيل بن عمرو الدويني](٣) فقال: لبّيك يا عليّ.

فقال عليه السلام: سل عمّا بدا لك فأنا كنز الملهوف، وأنا الموصوف بالمعروف، أنا الّذي قرعني الصمّ الصلاب وهطل بأمرى السحاب، وأنا المبعوث بالكتاب(٤) أنا الطور(٥) والأسباب، أنا «ق» والقرآن المجيد، أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم [أنا البارع، أنا العسوس(٦) أنا القلمّس(٧) والعفوس(٨) أنا المداعس(٩) أنا ذوالنبوّة والسطوة، أنا العليم، أنا الحليم، أنا الحفيظ، أنا الرفيع، وبفضلي نطق كلّ كتاب وبعلمي شهدوا ذووا الألباب](١٠) أنا عليّ أخو رسول اللَّه، زوج ابنته، وأبو بنيه.

فقال الأعرابي: بلغنا أنّك تحيى الموتى وتميت الأحياء وتفقر وتغني وتقضي في الأرض، فقال صلوات اللَّه عليه: قل ما بدا لك.

فقال: إنّي رسول إليك من ستّين ألف رجل يقال لهم: العقيمة(١١) وقد حملوا معى ميّتاً قد مات منذ مدّة، وقد اختلفوا في سبب موته، وهو على باب المسجد

____________________

(١) العنباني، خ.

(٢) ليس في الفضائل والبحار.

(٣) بدل مابين المعقوفين في الفضائل: بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السميمع الدوسي، وفي البحار: بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الأشعث بن أبي السمع الرومي.

(٤) في الفضائل: وأنا المنعوت في كلّ كتاب، وفي النوادر: وأنا المنعوت بالكتاب.

(٥) الطود، خ.

(٦) العسوس: الطالب للصيد.

(٧) القلمّس - بتشديد الميم -: الرجل الخيّر للعطاء والسيّد العظيم.

(٨) العفوس: من عفس، إذا صرع، وفي النوادر: العفرس، وهو السابق السريع.

(٩) في النوادر: المدعس، وهو الطعان.

(١٠) ليس في الفضائل والبحار.

(١١) في الفضائل: العقيميّة.

١٢٩

فإن أحييته علمنا أنّك صادق نجيب الأصل، وتحقّقنا أنّك حجّة اللَّه في الأرض وإن لم تقدر على ذلك رددته إلى قومه، وعلمنا أنّك تدّعي غير الصواب، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه.

فقال عليه السلام: يا أبا جعفر، اركب بعيراً وطف في شوارع الكوفة ومجالها(١) وناد: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه اللَّه عليّاً أخا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وبعل فاطمة الزهراء عليها السلام في الفضل والعلم فليخرج إلى النجف غداً.

فلمّا رجع ميثم قال له أميرالمؤمنين عليه السلام: خذ الأعرابي إلى ضيافتك، فأخذت الأعرابي ومعه محمل فيه صاحبه الميّت وأنزلته منزلي، وأخدمته أهلي.

فلمّا صلّى أميرالمؤمنين عليه السلام صلاة الفجر خرج وخرجت معه، ولم يبق في الكوفة برّ ولا فاجر [إلّا] وقد خرج إلى النجف.

ثمّ قال الإمام عليه السلام: إئت يا أبا جعفر بالأعرابي وصاحبه الميّت، فأتى بهما إلى النجف، ثمّ قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا أهل الكوفة، قولوا فينا ما ترونه منّا، وارووا عنّا ما تسمعونه.

ثمّ قال عليه السلام: أبرك يا أعرابي جملك هذا، وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين من التابوت.

فقال ميثم: فأخرج من التابوت عصيب(٢) من ديباج أصفر، فاحلّ فإذا تحته عصيب ديباج أخضر، وأحلّ، فإذا تحته بدرة(٣) من اللؤلؤ فيها غلام بذوائب كذوائب المرأة الحسناء.

فقال عليه السلام: كم لميّتك هذا؟ فقال: أحد وأربعون يوماً، قال: وما كان [سبب] موته؟ فقال الأعرابي: إنّ أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم(٤) من قتله [فيعلموه]

____________________

(١) في الفضائل: محلّاتها، وفي النوادر والبحار: محالّها.

(٢) في النوادر: عصب، وهو ضرب من البرود.

(٣) في الأصل: بدنة.

(٤) في الأصل: ليعلموا.

١٣٠

لأنّه بات سالماً وأصبح مذبوحاً من اُذنه إلى اُذنه.

فقال عليه السلام: من يطلب بدمه؟ فقال: خمسون رجلاً من قومه يقصد(١) بعضهم بعضاً في طلب دمه، فاكشف الشكّ والريب يا أخا رسول اللَّه!

قال عليه السلام: قتله عمّه، لأنّه زوّجه بابنته فخلّاها، فتزوّج غيرها، فقتله حنقاً(٢) عليه قال الأعرابي(٣) : لسنا نرضى(٤) بقولك، وإنّما نريد أن يشهد هذا الغلام(٥) بنفسه عند أهله من قتله، ويرتفع من بينهم السيف والفتنة.

فقام عليه السلام فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: يا أهل الكوفة، ما بقرة بني إسرائيل بأجلّ عند اللَّه تعالى من عليّ أخي رسول اللَّه، إنّها أحيى اللَّه بها ميّتاً بعد سبعة أيّام.

ثمّ دنا عليه السلام من الميّت وقال: إنّ بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميّت فعاش، وإنّي لأضربه ببعضي لأنّ بعضي عند اللَّه خير من البقرة، ثمّ هزّه برجله اليمنى، وقال: قم بإذن اللَّه يا مدركة بن حنظلة بن غسّان [بن] [بحر بن فهم](٦) بن سلامة بن طيّب بن [مدركة بن](٧) الأشعب بن الأخرص بن داهلة بن عمر بن الفضل بن حباب، فقم قد أحياك عليّ بإذن اللَّه.

فنهض غلام أحسن من الشمس أضعافاً، وأوضأ من القمر أوصافاً، فقال: لبّيك لبّيك [يا محيي العظام و](٨) يا حجّة اللَّه على الأنام، المتفرّد بالفضل والإنعام، يا أميرالمؤمنين، ويا وصيّ رسول ربّ العالمين، يا عليّ بن أبي طالب.

____________________

(١) في الفضائل: يعضد.

(٢) الحنق: الحقد والغيظ.

(٣) في الأصل والنوادر: فقالوا.

(٤) نقنع، خ.

(٥) في الأصل: أن نشهد الكلام.

(٦) في الفضائل: يحيى، وفي البحار: بحير بن فهر، وفي النوادر: بحير بن فهم.

(٧) من النوادر وبعده فيه: الأشعث بن الأحوص بن ذاهلة.

(٨) ليس في الفضائل والبحار.

١٣١

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: من قتلك يا غلام؟ قال: عمّي [حريث بن زمعة بن ميكال بن الأصم](١) ثمّ قال للغلام: انطلق إلى أهلك فقال: لا حاجة بي في القوم.

قال عليه السلام: ولِمَ؟ قال: أخاف أن يقتلني ثانياً [ولاتكون أنت، فمن يحييني؟(٢) فالتفت إلى الأعرابي فقال: امض أنت إلى أهلك، فقال الأعرابي: أنا معك ومعه إلى أن يأتي اليقين، فأقاما مع أميرالمؤمنين عليه السلام إلى أن قتلا بصفّين رحمهما اللَّه، فصارأهل الكوفة إلى أماكنهم، اختلفوا أقوالهم وأقاويلهم فيه عليه السلام.(٣)

٨٢٠/٣ - روى خالص بن ثعلبة، عن عمّار بن ياسر قال: كنت مع أميرالمؤمنين عليه السلام وقد خرج من الكوفة، إذ عبر بالضيعة الّتي يقال لها: النخلة(٤) على فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود، وقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب الإمام؟ فقال: أنا ذا، فقالوا: لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّة من الأنبياء وها نحن نطلب الصخرة فلا نجدها، فإن كنت إماماً فأوجدنا الصخرة.

فقال عليه السلام: اتّبعوني، قال عمّار: سار القوم خلفه إلى [أن] استبطن البر(٥) وإذا بجبل من رمل عظيم، فقال عليه السلام: أيّتها الريح انسفى الرمل عن الصخرة، فما كان إلّا ساعة حتّى نسفت الريح الرمل عن الصخرة، وظهرت الصخرة، فقال عليه السلام: هذه صخرتكم.

فقالوا: عليها اسم ستّة من الأنبياء على ما سمعناه وقرأناه في كتبنا، ولسنا نرى

____________________

(١) في الفضائل: الحاسد، حبيب بن غسّان، وفي البحار: الحارث بن غسّان.

(٢) من الفضائل، وفي البحار: ولايكون عندي من يحييني.

(٣) نوادر المعجزات: ٣١ ح ١٢، عيون المعجزات: ٢٤، عنه مدينة المعاجز: ٢٤٧/١ ح ١٥٧، فضائل ابن شاذان: ٥ - ٢، عنه البحار: ٢٧٤/٤٠ ح ٤٠ باختلاف يسير.

(٤) النخيلة، خ: موضع بقرب الكوفة على سمت الشام.

(٥) في البحار: إلى أن استبطن فيهم البرّ، وفي الفضائل: إلى أن توسّط بهم البرّ.

١٣٢

عليها الأسماء.

فقال عليه السلام: الأسماء الّتي عليها فهي على وجهها الّتي على الأرض فاقبلوها فاعصوصب(١) عليها ألف رجل، فما قدروا على قلبها.

فقال عليه السلام: تنحّوا عنها، فمدّ يده إليها وهو راكب فقلّبها، فوجدوا عليها اسم ستّة من الأنبياء عليهم السلام أصحاب الشريعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى اللَّه عليهم، فقال نفر [من] اليهود: نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه وأنّك أميرالمؤمنين وسيّد الوصيّين وحجّة اللَّه في الأرض، من عرفك سعد ونجا، ومن خالفك ضلّ وغوى وإلى الجحيم هوى، جلّت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعمك عن التعديد.(٢)

٨٢١/٤ - في مناقب عتيقة خطّيّة ، لعلّها نسخت منذ ثلاثمائة سنة أو أزيد وفيه:وقد ذكر أنّ أعثم الكوفي - وهو رجل معاند - قال: لمّا كان يوم صفّين برز رجل من أهل الشام فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: ارجع فلا يدخلنّك ابن آكلة الأكباد نار جهنّم.

قال الشامي: الساعة يبيّن أيّ منّا يدخل نار جهنّم، فطعنه أميرالمؤمنين عليه السلام برمحه ورفعه على الهواء، فصاح اللعين وقال: يا أميرالمؤمنين، لقد رأيت نار جهنّم وأصبحت من النادمين فقال:( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) .(٤)

٨٢٢/٥ - في مصباح الأنوار : حدّثنا محمّد بن عمر بإسناده عن جابر بن عبداللَّه أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ما عصاني قوم من المشركين إلّا رميتهم بسهم اللَّه تعالى، فقيل: وما سهم اللَّه يا رسول اللَّه؟

____________________

(١) اعصوصب القوم: اجتمعوا وصاروا عصائب.

(٢) فضائل ابن شاذان: ٧٣، عنه البحار: ٢٥٧/٤١ ذ ح ١٨، نوادر المعجزات: ٤٠ ح ١٥، عيون المعجزات: ٣١.

(٣) يونس: ٩١.

(٤) نوادر المعجزات: ٦٢ ح ٢٦.

١٣٣

قال: هو عليّ بن أبي طالب ما أبرزته في طلب ثار، ولا بعثته في سريّة إلّا رأيت جبرئيل عليه السلام عن يمينه، وميكائيل عن يساره وملك الموت أمامه، وسحابة تظلّه حتّى يعطيه اللَّه خير النصر والظفر.

يقول مؤلّف كتاب القطرة : أورد الحديث صاحب الثاقب في المناقب أيضاً بعينه.(١)

٨٢٣/٦ - فيه : بالإسناد عن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ اللَّه يباهي بعليّ كلّ يوم الملائكة المقرّبين.(٢)

ونقله أيضاً من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي عن ابن عبّاس كذلك.

٨٢٤/٧ - فيه : عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لو أنّ البحر مداد والغياض أقلام، والإنس كتّاب، والجنّ حسّاب ما أحصوا فضائلكم يا أبا الحسن قال ذلك لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.(٣)

٨٢٥/٨ - فرات قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن عبداللَّه بن عبّاس قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم جالس إذ نظر إلى حيّة كأنّها بعير، فهمّ عليّ عليه السلام بضربها بالعصا، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنّه إبليس، وإنّي قد أخذت عليه شروطاً ما يبغضك مبغض إلّا شاركه في رحم اُمّه، وذلك قوله [تعالى]:( وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) (٤) .(٥)

____________________

(١) الثاقب في المناقب: ١٢١ ح ٦، أمالي الطوسي: ٥٠٥ ضمن ح ١٣ المجلس الثامن عشر، عنه البحار: ٣١/٤٠ ضمن ح ٦٢.

(٢) المناقب: ٢٦٦/٣، عنه البحار: ٨٢/٣٩، وأخرجه في ٣٤٧/٢٦ ح ٢٠ عن الفردوس.

(٣) مصباح الأنوار: ١٢١ (مخطوط) رواه الخوارزمي في المناقب: ٣٢ ح ١ و ٣٢٨ ح ٣٤١، عنه الطرائف: ١٣٩ ح ٢١٦، وكشف الغمّة: ١١١/١، وأورده ابن شاذان رحمه الله في مائة منقبة: ١٧٥المنقبه ٩٩، والاسترآبادي رحمه الله في تأويل الآيات: ٨٨٨/٢ ح١٣، والحلّي رحمه الله في المحتضر: ٩٦.

(٤) الإسراء: ٦٤.

(٥) تفسير فرات: ٢٤٢ ح٧، عنه البحار: ١٧٢/٣٩ ح ١٢.

١٣٤

٨٢٦/٩ - فيه : بأسانيده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا عليّ، قد غفر اللَّه تعالى لك ولأهلك ولشيعتك ومحبّي شيعتك، ومحبّي محبّي شيعتك، فأبشر فإنّك الأنزع البطين، منزوع من الشرك، بطين من العلم.(١)

٨٢٧/١٠ - فيه : أخبرنا الحافظ أبوالفتح عبدالواحد بن الحسن البافوحي بأسانيده المفصّلة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبدود أفضل من عمل اُمّتي إلى يوم القيامة.(٢)

٨٢٨/١١ - فيه : بأسانيده عن أنس قال: بلغنا أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام اشتهى كبداً مشويّة على خبزة ليّنة، فأقام حولاً يشتهيها، ثمّ ذكر ذلك للحسن عليه السلام وهو صائم يوم من الأيّام فصنعها له.

فلمّا أراد أن يفطر قرّبها إليه، فوقف سائل بالباب فقال: يا بنيّ، احملها إليه لايقرء صحيفتنا غداً( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) (٣) .

٨٢٩/١٢ - فيه : عن أبي المغنم مسلم بن أوس، وجارية بن قدامة السعدي أنّهما حضرا مجلس أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يخطب على المنبر بالكوفة وهو يقول:سلوني من قبل أن تفقدوني، فإنّي لا اُسئلُ إلّا اُجيب عمّا دون العرش، لايقولها بعدي إلّا كذّاب أو مفتري.

فقام رجل من جانب المسجد - في عنقه كتاب كالمصحف - [وهو رجل]

____________________

(١) رواه الخوارزمي في المناقب: ٢٩٤ ح ٢٨٤، وأورده الطوسي رحمه الله: ٢٩٣ ح ١٧ المجلس الحادي عشر، عنه البحار: ١٠١/٦٨ ح ٩. وأخرجه الديلمي في الإرشاد: ٨٣/٢، والطبري رحمه الله في بشارة المصطفى: ١٨٤.

(٢) مصباح الأنوار: ١٢٩ و ١٦١ (مخطوط) تأويل الآيات: ٦٩٠/٢ ح ١١، عنه البحار: ١٦٥/٣٦ ح١٤٧، والبرهان: ٣٣٠/٤ ح ٢، جامع الأخبار: ٥٣ ح ١٢. الطرائف: ٦٠ ح ٥٨، عنه البحار: ١/٣٩ح ١.

(٣) الأحقاف: ٢٠.

١٣٥

أدم(١) طويل جعد الشعر كأنّه من متهوّدة(٢) العرب، فقال رافعاً صوته لعليّ: يا أيّها المدّعي، ما لايعلم والمتقلّد(٣) ما لايفهم! أنا سائلك فأجب.

فوثب به أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام من كلّ جانب وهمّوا به فانتهرهم(٤) أميرالمؤمنين عليه السلام وقال: دعوة ولاتعجلوه، فإنّ الطيش لاتقوم به حجج اللَّه، ولابإعجال السائل يظهر براهين اللَّه تعالى.

ثمّ التفت إلى الرجل فقال: سل بكلّ لسانك ومبلغ فهمك وعلمك اُجبك إن شاء اللَّه تعالى.

قال: فقال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟ قال أميرالمؤمنين عليه السلام: مسافة الهواء، قال الرجل: وما مسافة الهواء؟ قال عليه السلام: قدر دوران الفلك، قال: وما قدر دوران الفلك؟ قال: مسيرة يوم للشمس، قال الرجل: صدقت، فمتى القيامة؟ قال:عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل، قال الرجل: صدقت، فكم عمر الدنيا؟

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يقال: سبعة آلاف، ثمّ لا تحديد، قال الرجل: صدقت فأين بكّة من مكّة؟ قال عليه السلام: مكّة أكناف الحرم، وبكّة موضع البيت، قال الرجل:صدقت، فلِم سمّيت مكّة؟ قال عليه السلام: لأنّ اللَّه تعالى مدّ(٥) الأرض من تحتها، قال:فلِم سمّيت بكّة؟

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لأنّها بكّت رقاب الجبّارين وعيون(٦) المذنبين، قال الرجل: صدقت، فأين كان اللَّه تعالى قبل أن يخلق العرش(٧) ؟ قال

____________________

(١) الأدم: الأسمر.

(٢) في إرشاد القلوب: يهود، وفي المحتضر: مهوّدة.

(٣) في إرشاد القلوب: المتقدّم وفي المحتضر: المقلّد.

(٤) في المحتضر وإرشاد القلوب: نهرهم، أي زجرهم.

(٥) مكّ، خ.

(٦) في إرشاد القلوب: عنوق.

(٧) عرشه، خ.

١٣٦

أميرالمؤمنين عليه السلام: سبحان اللَّه الّذي لايدرك كنه صفته حملة عرشه على قربهم(١) من كرسيّ كرامته، ولا الملائكة المقرّبين من أنوار سبحات جلاله، ويحك! لايقال للَّه:أين، ولا بِم(٢) ، ولا فيم، ولا أنَّى، ولا حيث، ولا كيف.

قال الرجل: صدقت، فكم مقدار لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق اللَّه تعالى الأرض والسماء؟

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أتحسن أن تحسب؟ قال الرجل: نعم، قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أفرأيت لو كان صبّ في الأرض خردل حتّى سدّ الهواء وملأ مابين الأرض والسماء، ثمّ اُذن(٣) لك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق إلى المغرب، ومدّ في عمرك واُعطيت القوّة في ذلك حتّى نقلته وأحصيته، لكان أيسر من إحصاء عدد [أعوام](٤) ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء، وإنّما وصفت لك ببعض عشر العشير(٥) من جزء من مائة ألف [ألف](٦) جزء، وأستغفر اللَّه من التقليل في التحديد.

قال: فحرّك الرجل رأسه وقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنشأ الرجل يقول:

حُزت أقاصي العلوم فما

تبصر أن نوظرت(٧) مغلوباً

وأنت أصل العلم ياذاالهدى

تجلو من الشكّ الغيا هيبا

لاتنثني عن كلّ اُشكولة

تبدي إذا حلّت أعاجيبا(٨)

____________________

(١) في إرشاد القلوب: قرب ربواتهم، وفي المحتضر: قرب زفراتهم.

(٢) في المحتضر: ثَمّ.

(٣) في الأصل: قيل.

(٤) من إرشاد القلوب، وليس في الأصل.

(٥) في إرشاد القلوب: عشر عشر العشير، وفي المحتضر: عشر عشير العشير.

(٦) من الأصل وليس في المصادر.

(٧) في إرشاد القلوب: غولبت.

(٨) إرشاد القلوب: ٢٥٧/٢، عنه البحار: ١٢٦/١٠ ح٦، وأخرجه في البحار: ٢٣١/٥٧ ح ١٨٣ =

١٣٧

٨٣٠/١٣ - الشيخ أبو على تيمان بن حيدر بن الحسن بن أبي عديّ الكاتب ممّن(١) أذن له، حدّثنا الشيخ المفيد بأسانيده المفصّلة، عن عبدالواحد بن زيد قال:كنت حاجّاً إلى بيت اللَّه الحرام، فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين واقفتين عندالركن اليماني، إحداهما تقول لاُختها: لا وحقّ المنتجب بالوصيّة والحاكم بالسويّة، والعادل في القضيّة، العالى البيّنة(٢) ، الصحيح النيّة، بعل فاطمة المرضيّة، ما كان كذا وكذا.

قال عبدالواحد: وكنت أسمع فقلت: يا جارية، من المنعوت بهذه الصفة؟ فقالت: ذلك واللَّه، علم الأعلام، وباب الأحكام، وقسيم الجنّة والنار، وقاتل الكفّار والفجّار، وربّانيّ الاُمّة، ورئيس الأئمّة، ذاك أميرالمؤمنين وإمام المسلمين، الهزبر(٣) الغالب أبوالحسن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقلت: من أين تعرفين عليّاً؟ قالت: وكيف لا أعرف من قُتل أبي بين يديه في صفّين، ولقد دخل على اُمّي ذات يوم، فقال لها: كيف أصبحت يا اُمّ الأيتام؟ فقالت له اُمّي: بخير يا أميرالمؤمنين، ثمّ أخرجتني واُختي هذه إليه، وكان قد أصابني من الجدري(٤) ما ذهب به واللَّه بصري، فلمّا نظر إليَّ تأوّه، ثمّ طفق يقول:

ما إن تأوَّهت من شيء رزيت به

كما تأوّهت للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم

في النائبات وفي الأسفار والحضر

ثمّ أمرّ بيده المباركة على وجهي، فانفتحت عيناي لوقتي وساعتي، فواللَّه يابن أخي، إنّي لأنظر إلى الجمل الشارد(٥) في الليلة الظلماء، كلّ ذلك ببركة

____________________

= عن المحتضر، و ٣٣٦/٥٧ ح ٢٧، عن المشارق.

(١) ممّا، فيما، خ.

(٢) البنيّة، خ.

(٣) الهِزَبْر: الأسد.

(٤) الجُدَري: مرض جلدي.

(٥) شرد الجمل: نفر.

١٣٨

أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ أعطانا شيئاً من بيت المال وطيّب قلوبنا ورجع.

قال عبدالواحد: فلمّا سمعت هذا القول قمت إلى دينار كان من نفقتي فأعطيتها وقلت: خذي يا جارية هذا واستعيني به على وقتك، فقالت: إليك عنّي يا رجل، فقد خلفنا خير سلف على خير خلف، نحن واللَّه، اليوم في عيال أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فولّت وطفقت تقول:

ما نيط(١) حبّ عليّ في خناق(٢) فتى

إلّا له شهدت بالنعمة النعم

ولا له قدم زلّ الزمان به

إلّا له أثبتت من بعدها قدم

ما سرّني أن أكن من غير شيعته

لو أنّ لي ما حوته العرب والعجم(٣)

٨٣١/١٤ - حدّثنا السيّد الأصيل أبو حرب المجتبى بن الداعي بن القاسم الحسني رحمه الله بقراءَتي عليه، حدّثنا الشيخ المفيد الواعظ، بأسانيده المفصّلة عن الأعمش قال: كنت حاجّاً إلى بيت اللَّه الحرام فنزلت في بعض المنازل، فإذا أنا بامرأة محجوبة البصر وهي تقول: يا رادّ الشمس على عليّ بن أبي طالب بيضاء نقيّة بعد ما غابت، ردَّ عليَّ بصري.

قال الأعمش: فأعجبني كلامها فأخرجت دينارين وأعطيتها فلمستهما بيدها ثمّ طرحتهما في وجهي وقالت: يا رجل، أذللتني بالفقر، اُفّ لك إنّ من تولّى آل محمّد عليهم السلام لايكون ذليلاً.

قال الأعمش: فمضيت إلى الحجّ، وقضيت مناسكي، وأقبلت راجعاً إلى

____________________

(١) في البشارة والثاقب: مابثّ.

(٢) الخِناق: القلادة، وما يخنق به. في الثاقب: في جنان، وفي البشارة: في ضمير.

(٣) الأربعون حديثاً لشيخ الأقدم منتجب الدين: ٧٥ الحكاية الاُولى، الخرائج: ٥٤٣/٢ ح ٥، المناقب: ٣٣٤/٢، الثاقب في المناقب: ٢٠٤ ح ١١، بشارة المصطفى: ٧١، عنه البحار:٢٢٠/٤١ ح ٣٢.

١٣٩

منزلي وكانت المرأة من أكبر همّى حتّى صرت إلى ذلك المكان، فإذاً أنا بالمرأة لها عينان تبصر بهما، فقلت لها: يا إمرأة، ما فعل بك حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟

فقالت: يا رجل، إنّي أقسمت به على اللَّه ستّ ليال، فلمّا كان في الليلة السابعة وهي ليلة الجمعة، فإذا أنا برجل قد أتاني في نومي.

فقال لي: يا إمرأة، أتحبّين عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟

قالت: قلت: نعم، قال: ضعي يدك على عينك وقال: اللهمّ إن تكن هذه المرأة تحبّ عليّ بن أبي طالب عن نيّه صادقة فردّ عليها عينها، ثمّ قال: نحّي يدك، فنحيتها فإذا أنا برجل في منامي، فقلت: من أنت الّذي منّ اللَّه بك عليَّ؟ قال: أنا الخضر، أحبّي(١) عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّ حبّه في الدنيا يصرف عنك الآفات، وفى الآخرة يعيذك من النار.(٢)

٨٣٢/١٥ - حدّثنا شيخنا الفقيه [منتجب] الدين أبوالحسن عليّ بن الحسين بن عليّ الحاستي بأسانيده عن قتادة: أنّ أروى بنت الحارث بن عبدالمطّلب دخلت على معاوية بالمدينة، وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بك يا خاله، كيف أنت بعدي؟ قالت: كيف أنت يابن اُختي(٣) ؟ لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك - إلى أن قالت آخرمقالتها -:

ثمّ قال معاوية لها: يا خالة، اقصدي بحاجتك ودعي عنك أساطير الأوّلين.

قالت: تعطيني ألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار، قال: وما تصنعين بألفي

____________________

(١) في الأصل: أخي.

(٢) الأربعون حديثاً للشيخ منتجب الدين: ٧٧ الحكاية الثانية.

أخرجه في البحار: ٩/٤٢ ح ١١ عن كتاب صفوة الأخبار (مخطوط) و٤٤/٤٢ ح ١٧ عن تفسير فرات: ٢٢٨ ح٢ مع اختلاف.

(٣) في المصدر: يابن أخي.

١٤٠