مجالس السبايا

مجالس السبايا0%

مجالس السبايا مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: دواوين
الصفحات: 96

  • البداية
  • السابق
  • 96 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15530 / تحميل: 3875
الحجم الحجم الحجم
مجالس السبايا

مجالس السبايا

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

ونادت بصوت حزين: أخي أبا الفضل أنت الذي أركبتني يوم خروجنا من المدينة, فمَن الآن يركِّب أختك زينب؟

يحادي الظعن وين الظعن منوين

جرح قلبي على السجاد من ون

أنا وين وشمر ياخلك من وين

عقب عباس گايدلي مطيه

ولـمّا سمع زين العابدينعليه‌السلام ندبتها لأخيها, لم يتمالك نفسه دون أن قام إليها وهو يرتعش من المرض, وقال لها: عمّتاه لقد كسرتِ قلبي وزدتِ كربي, وثنّى لها ركبته ليركّبها فارتعش من الضعف وسقط إلى الأرض, قال الراوي:

فأقبلت فضّة أَمَة فاطمةعليها‌السلام وأركبته، وبقي الإمام زين العابدينعليه‌السلام أقبلوا إليه وأركبوه على ناقة عجفاء فلم يقدر على الركوب, وصار يتمايل يمنة ويسرة، فأخبروا عمر ابن سعد وقالوا له: ما نصنع بهذا العليل فإنّه لم يستطع على الركوب؟ فقال اللعين: قيّدوا رجليه من تحت بطن الناقة، فأقبلوا إليه وقيّدوه وحملوه مقيّداً مغلّلا.

عندك يابو فاضل يا خوي أشتكي حالي

حرمه بلا والي والشمر يبرالي

والليحدي للناقة زجر عباس يا عيوني

ترضى يذلوني وللشام يهدوني

خويه الفواطم بالدرب منهو الليباريها

عگبك يا واليها يا ويلي عليها

وتروح تاليها بيسر عباس يا عيوني

ترضى يذلوني وللشام يهدوني

٢١

لذا هذه المصائب انطبعت في صدر الإمام زين العابدينعليه‌السلام ولم تفارق مخيّلته, لهذا استمرّ بكاؤه عشرات السنين, حتى قال له أبو حمزة الثماليّ مسلّياً له: القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة, فقال له: شكر الله سعيك يا أبا حمزة, صدقت, القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة, ولكن يا أبا حمزة, هل رأت عيناك, أم هل سمعت أذناك أنّ مخدّرة منّا سبيت قبل يوم عاشوراء, يا أبا حمزة والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وخنقتني العبرة.

مثل المصيبة اللي دهتنا محّد انصاب

قلبي يبو حمزة تراه اتفطّر اوذاب

مثل المصيبة اللي دهتنا محّد انصاب

ما نكست راسي لاجل ذيك الصناديد

ما قصروا بالغاضرية زلزلوا البيد

أَخي لَو تَرَى السَجَّادَ أضحَى مُقَيَّدَاً

أسِيراً يُعَانِي مُوجِعَ الضَربِ قَاسِياً

أخي صِرتُ مَرمَىً لِلحَوادِثِ والأَسَى

فَليتَكَ حَيَّاً تَنظُرُ اليومَ حَالِيَا

٢٢

مجلس مشاهد عن الرأس الشريف

والرباب زوجة الحسينعليه‌السلام

العينُ عبرى دمعُها مَسفوحُ

والقلبُ من أَلمَ ِالأسَى مَقروحُ

ما عُذرُ مِثلِي يومَ عاشورا إذا

لم أبكِ آلَ محمّدٍ وأنوحُ

أم كيفَ لا أبكي الحسينَ وقد غَدَا

شِلواً بأرضِ الطفِّ وهوَ ذَبيحُ

والطاهراتُ حواسرٌ مِن حَولِه

كُلٌّ تَنوحُ وَدَمعُها مَسفوحُ

هذي تقولُ أَخِي وَهَذِي والدي

ومِنَ الرزايا قلبُها مَقروحُ

أَسَفِي لِذاكَ الشيبِ وَهوَ مُضَمَّخٌ

بِدمائِهِ والطِيبُ مِنهُ يَفوحُ

أَسَفِي لِذاكَ الوجهِ مِن فَوقِ القَنَا

كالشَمس في أُفُقِ السَماءِ يَلوحُ

أَسَفِي لِذاكَ الجسمِ وَهوَ مُبِضَّعٌ

وبِكُلِّ جَارِحَةٍ لَديهِ جُروحُ

٢٣

ولَفَاطِمُ تَبكِي عَليهِ بِحُرقَةٍ

وتُقَبِّلُ الأشلاءَ وهي تَصيحُ

ظَلَّتْ تُوَلوِلُ حاسِراً مَسبيةٌ

وَسُكينةٌ وَلهَى عَليهِ تَنوحُ

يَا وَالِدِي لا كَانَ يومُك إنَّه

بابٌ ليومِ مَصَائِبي مَفتوحُ

أترى نَسيرُ إلى الشامِ مَعَ العِدَى

أسرى وأنتَ بكربلاءِ طريحُ(١)

وصّيت من يحسين بينه

من تهجم الغاره علينه

وحنه حرم شنهو البدينه

يبويه انته انصبت واحنه انسبينه

التمهيد للمصيبة (گوريز):

بعد شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام أظلمت الدنيا ثلاثة أيّام, واسودّت سواداً عظيماً, حتى ظنّ النّاس أنّ القيامة قامت, وبدت الكواكب نصف النهار, وأخذ بعضها يضرب بعضاً, ولم يُرَ نور الشمس, وكيف لا يتغيّر الكون ولا يمحى نور الشمس والقمر, وقد تُرِك سيّدُ شباب أهل الجنّة على وجه الصعيد مجرّداً ومثّلوا بذلك الجسد القدسيّ كلّ مثلة! ولقد رأته الرباب على تلك الحالة وما فارقها رأسه طيلة مسيرها في السبي.

____________________

١- القصيدة لأبي الحسن الخليعيّرحمه‌الله .

٢٤

قال زيد بن أرقم: كنت في غرفة لي فمرّوا عليّ بالرأس وهو يقرأ:﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا , فوقف شعري وقلت: والله يا ابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب.

المصيبة:

قال هلال بن معاوية: رأيت رجلاً يحمل رأس الحسينعليه‌السلام والرأس يخاطبه: فرَّقت بين رأسي وبدني, فرّق الله بين لحمك وعظمك وجعلك آيةً ونكالاً للعالمين, فرفع السوط وأخذ يضرب الرأس حتّى سكت.

فالتفتت زينبعليها‌السلام فرأت رأس أخيها, فضربت جبينها بمقدّم المحمل حتّى صار الدم يخرج من تحت قناعها, وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يا هلالاً لـمّا استتمّ كَمَالاً

غَالَهُ خَسْفُهُ فَأبدَى غُروبا

ما توهّمتُ يا شقيقَ فؤادِي

كان هَذا مُقَدّراً مَكتُوبا

٢٥

ثمّ وضعهم ابن زياد في خربة، بينما زينبعليها‌السلام جالسة واليتامى حولها وإذا بامرأة قد أقبلت وهي تحمل طبقاً فيه طعام, وضعته بين يدي الحوراء زينبعليها‌السلام ، فقالت لها العقيلة: ما هذا الطعام يا أَمَة الله؟ قالت لها: سيّدتي هذا نذر عَلَيَّ, إذْ إنّي نذرتُ لله تعالى أنّه كلّما جيء بسبايا أو أُسارى إلى هذه البلدة أُطعمهم - بما أستطيع - فقالت لها الحوراء: أَمَة الله ولِمَ هذا النذر؟ قالت - سيّدتي - إِنّ لي ولداً واحداً وقد أُصيب بمرض عضال فحملتُهُ إلى سيّدي ومولاي أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام , وشكوت إليه أحوالي، فقال لي: خذيه إلى ولدي الحسينعليه‌السلام ، فجئتُ به إلى مولاي الحسين، فدعا له الحسين بالعافية فعافاه الله تعالى ببركة دعاء الحسينعليه‌السلام ، وأنا أصنع هذا الطعام لليتامى والفقراء بثواب سيّدي الحسينعليه‌السلام - فبكت الحوراء - وقالت: أَمَةَ الله إذا رأيت الحسينعليه‌السلام تعرفينه؟ قالت: سيّدتي وكيف لا أعرفه, وهو الذي مَنَّ الله على ولدي بالشفاء ببركته، فقالت الحوراء زينبعليها‌السلام : أَمَةَ الله ارفعي رأسك وانظري إلى باب قصر الإمارة, رفعت المرأة رأسها

٢٦

وإذا برأس الحسينعليه‌السلام منصوب على باب القصر.

إذاً ما حال الرباب وقد رأت تلك المصائب, فمن حقّها أن تموتَ كَمَداً على الحسينعليه‌السلام , فقد عاشت الرباب بعد الإمام الحسينعليه‌السلام في حزن وأسى وبكاء ونياحة، ما هدأت من البكاء ليلاً ولا نهاراً, وفي بعض الروايات أنّها بقيت تبكي سنة كاملة إلى أن ماتت, يقولون لـمّا رجعت الى المدينة مع السبايا أزالت سقف بيتها, وما استظلّت بعد الحسينعليه‌السلام بسقف أبداً، كانت تجلس في حرارة الشمس وبين يديها ابنتها سُكينة تخاطبها: أين مضى عنّي وعنك الحسينعليه‌السلام ويلي.

لگعد على درب الظعون

وناشد اليرحون ويجون

كلمن لها غياب يلفون

وانا غايبي باللحد مدفون

يحسين منته نور العيون

دخل رجل على الإمام زين العابدينعليه‌السلام فوجد امرأة جالسة في حرارة الشمس فظنَّ أنّها جارية, التفت إليه وقال: سيّدي لو

٢٧

أذنت لهذه الجارية أن تقوم عن حرارة الشمس إنهّا محرِقة, فلو عفوت عنها يا بن رسول الله, فلـمّا سمع الإمام زين العابدينعليه‌السلام كلام هذا الرجل تحادرت دموعه على خدّيه, وقال له: يا هذا ليست هذه جارية, هذه الرباب زوجة والدي الحسينعليه‌السلام , آلَت ألّا تستظلَّ بعد الحسينعليه‌السلام تحت سقفٍ أبداً.

ويلي.كأنّي بها.

لنوحن وگضّي العمر بالنوح

واعمي اعيوني واتلف الروح

اشلون الصبر وحسين مذبوح

ودمه على التربان مسفوح

كانت تأتي إليها العقيلة زينبعليها‌السلام تقف على رأسها تقول لها: رباب قومي عن حرارة الشمس، فإنّها محرقة, فتقول لها الرباب: سيّدتي لا تلوميني إنّي نظرت إلى جسد العزيز أبي عبد الله تصهره الشمس على رمضاء كربلاء.

يصير النوب دهري بيكم ايعود

وارد اشيل راسي بيكم اردود

وترد اكفوف ابو فاضل للزنود

وتتلايم اردود اجروح الأكبر

يا مفگود هم بيك الزمان ايعود

اوهم يلفي الفرح وانزع اهدومي السود

٢٨

وهم طيبه الليالي وترد لينه اردود

بالأمسِ كانوا مَعي واليومَ قَد رَحَلوا

وخَلَّفُوا في سُوَيدَا القَلبِ نِيرَانَا

نَذْرٌ عَليَّ لَئِن عَادوا وَإنْ رَجَعُوا

لَأزرَعَنَّ طَريقَ الطَفِّ رَيحَانَا

٢٩

مجلس مرور الموكب الحسينيّ على مصارع الشهداء

رُبوعُ المجدِ مُقفِرةٌ خَوَالِي

يَرُنُّ بِها صَدَى الحُجَجِ الخَوالي

غَداةَ السِبطِ وَهوَ نَبيلُ فِهرٍ

غَدَا غَرَضاً لِغاشِيةِ النِبالِ

فَصارَ إذا أصابتهُ سِهامٌ

تكسَّرت النِصَالُ على النِصَالِ

فَتىً يلقَى الوُفودَ بِطَلْقِ وَجهٍ

شمائلُهُ أَرَقُّ من الشِّمالِ

عَجِبْتُ يموتُ مِن ظمأٍ ويجرِي ال

فُراتُ العذبُ يَطفَحُ بالزُلالِ

وَيَهويِ لِلرمِالِ لِحَرِّ وَجْهٍ

ولم تَهوِ النُجومُ عَلى الرِمالِ

ويبقى مثلَ قرنِ الشَمسِ جِسمٌ

له بهَجيرِ حَرِّ الشَمسِ صَالِي

٣٠

وَرُبَّ مَصونَةٍ للطُّهْرِ طَهَ

تَبَدَّتْ تَستَشيِطُ منَ الحِجَالِ

وَتُجهِشُ بالبُكاءِ عُقَيْبَ دِلٍّ

فيا لِبُكاً تعقَّبَ من دَلالِ

وَنَاعٍ صَكَّ سَمعَ الدهرِ نَعياً

وَفَجَّرَ مَسْمَعَ الرِّمَمِ البَوالي

يطوّحُ مُعْلِناً بِمَحاقِ بَدرٍ

عَرَاهُ خَسفُهُ عند الكمالِ

لَشُقَّ له ضِراحٌ لا ضَريحٌ

وَهِيلَ التُربُ منهُ على الهِلالِ(١)

أشاهد كربله دايم واراها

وأحن عالظلّت اخوتها وراها

علي السجاد رد ليها وراها

او ثلث تيّام اعله الوطيه

التمهيد للمصيبة (گوريز):

لـمّا سَيَّر ابن سعد الرؤوس إلى الكوفة, أقام مع الجيش إلى الزوال من اليوم الحادي عشر, فجمع قتلاه وصلّى عليهم ودفنهم, وترك سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم , ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن, تسفي عليهم الصبا ويزورهم وحوش الفلا.

____________________

١- القصيدة للسيّد إبراهيم الطباطبائيّرحمه‌الله .

٣١

وأمّا علي بن الحسينعليه‌السلام فإنّه لـمّا نظر إلى أهله مجزّرين, وبينهم مهجة الزهراء, بحالة تنفطر لها السماوات, وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً, عظم ذلك عليه واشتدّ قلقه, فلـمّا تبيّنت ذلك منه زينب الكبرى بنت عليّعليهما‌السلام أخذت تسلّيه وتصبّره, وهو الذي لا توازن الجبال بصبره وفيما قالت له:

"ما لي أراك تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوتي, فوالله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيكَ ولقد أخذَ الله ميثاقَ أناسٍ لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض, وهم معروفون في أهلِ السماواتِ أنّهم يجمعون هذه الأعضاءِ المقطّعةِ والجسوم المضرّجة فيوارونها, وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرسُ أثرُه, ولا يُمحى رسمُه على كرورِ الليالي والأيّام, وليجتهدنّ أئمّةُ الكفرِ وأشياع الضلالِ في محوِهِ وتطميسِهِ فلا يزدادُ أثرُهُ إلّا علوّاً".

للهِ صَبرُ زينبِ العقلية

كمْ صابرتْ مصائباً مهُولة

٣٢

المصيبة:

نعم سارت زينبعليها‌السلام ومعها عيالات الأصحاب- وكنُّ عشرين امرأة- وسيّروهن على أقتاب الجمال, بغير وطاء كما يساق سبي الترك والروم, وهن ودائع خير الأنبياء ومعهن السجّاد علي ابن الحسينعليه‌السلام - وعمره ثلاث وعشرون سنة- وهو على بعير ضالع بغير وطاء وقد أنهكته العلّة, ومعه ولده الباقرعليه‌السلام وله سنتان وشهور.

ويا لهول ما رأت النساء لـمّا مرّت على جثث القتلى، أُمٌّ تنظر إلى ولدها ملقىً على وجه الأرض والدماء تجري من جسده، وأُخت ترى أخاها على وجه الثرى, هذا ملقىً على يمينه وهذا ملقىً على شماله وذلك ملقىً على ظهره, إلّا الحسينعليه‌السلام فإنّه مكبوبٌ على وجهه قد قطع الشمرُ رأسه والجمّالُ يديه, فلـمّا رأته أُخته زينبعليها‌السلام على تلك الحالة صاحت: يا جدّاه يا رسول الله هذا حسينك بالعراء, مذبوح من القفا, مسلوب العمامةِ والرّدا، بأبي المهموم حتى قضى, بأبي العطشان حتى مضى, بأبي مَنْ لا هو غائبٌ فيُرتجى, ولا جريحٌ فيداوى بأبي مَن شيبته تقطر بالدّماء.

٣٣

يجدّي گوم شوف احسين مذبوح

على الشاطي وعلى التربان مطروح

يجدّي ما بگت له امن الطعن روح

يجدّي گلب اخوي احسين فطّر

يجدّي مات محّد وگف دونه

ولا نغّار غمّضله اعيونه

يعالج بالشمس منخطف لونه

ولا واحد ابحلگه ماي گطر

قالوا ثمّ همّت زينبعليها‌السلام بأن ترمي بنفسها على جسد الحسينعليه‌السلام ، فناداها زين العابدينعليه‌السلام : عمّة زينب ارحمي حالي، ارحمي ضعف بدني، إذا رميتِ بنفسك فَمَن يُركِّبُك وأنا مقيّد على ناقتي؟ عمّة زينب ودّعي أخاكِ وأنت على ظهر النّاقة، فجعلت زينب تطيل النظر إلى جسد أخيها الحسينعليه‌السلام وهي تقول: أخي حسين أودعتُكَ اللهَ السميعَ العليم، يا ابن أُمِّ لقد جاؤونا بالنّياق مهزولة لا موطّأة ولا مرحولة.

لمن تشتكي زينب حالها وهي التي لم تعرف السبي قبل هذا اليوم, يعزّ عليك يا أمير المؤمنين أن ترى ابنتك زينبعليها‌السلام في ذلّ السبي, كأنّي بها توجّهت إلى أبيها عليّعليه‌السلام

بويه يحيدر ما تجينه

وتشوفنه اشلون انسبينه

واشوف الزمان شعمل بينه

أخونه انذبح واحنا انولينه

٣٤

زينبعليها‌السلام امتنعت من أن ترمي بنفسها بطلب من الإمام السجّادعليه‌السلام ولكن باقي النساء ما تمالكن أنفسهن، كلُّ امرأة رمت بنفسها على جسد عزيزها, واعتنقت سكينة جسد أبيها الحسينعليه‌السلام يقول الشيخ الكفعميّ: كانت تحدّث أنّها سمِعَتهُ يقول:

شِيعَتِي ما إنْ شَرِبتُم

عَذبَ ماءٍ فاذكُروني

أو سَمِعتُم بِغَريبٍ

أو شَهيدٍ فاندِبوني

يعني:

بني سكينة قولي لشيعتي أنّ أبي مات عطشاناً فاذكروه, وقضى غريباً فاندبوه.

ولم يستطع أحد أن ينّحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة منهم وجرّوها بالقهر.

يبويه برضالك يو غصباً عليك

يجرني العدو من بين ايديك

وأنا اصرخ وادير العين ليك

وادري بحميتك ما تخليك

لكن معذور يلحزوا وريديك

٣٥

مَن لي حِمىً بَعدَ الحسينِ وَمعتَصَمْ

إنْ جَلَّ خَطبٌ فَادِحٌ وبِنَا أَلَمْ

ناديتُ لـمّا غَابَ بَدْرُ سَمَا الكَرَمْ

يَا غَائِبَاً عن أَهلِهِ أتَعودُ أَمْ

تَبقَى إلى يَومِ المَعادِ مُغَيّباً

٣٦

٣٧

مجلس الموكب الحسينيّ في الكوفة

أ أنسى حُسَيناً بِالطفوفِ مجدَّلاً

على ظَمَأٍ والماءُ يَلمَعُ طَامِيَا

وَ وَاللهِ لا أنسَى بناتِ محمَّدٍ

بقيْن حَيارَى قَدْ فَقَدْنَ الـمُحَامِيَا

إذا نَظَرَتْ فوقَ الصعيدِ حُماتَها

وأَرْؤُسُها فوقَ الرِماحِ دَواميَا

هُناكَ انثَنت تَدعُو ومِن حُرقِ الجَوى

ضرامٌ غَدَا بينَ الجوانحِ وارِيَا

أُنادي ولا مِنكم أرَى من مُجاوبٍ

فَمَا بالُكم لا تَرحَمونَ صُراخِيَا

ولم أنسَ حولَ السِبطِ زينبَ إذ غَدَتْ

تُنادي بِصوتٍ صَدَّعَ الكونَ عَالِيَا

أَخِي لم تَذُقْ مِن بَارِدِ الماءِ شُربَةً

وأَشْرَبُ ماءَ الـمُزْنِ بَعْدَكَ صَافِيَا

أخي يا هِلالاً غَابَ بَعدَ كَمَالِهِ

فأَضحَت بِهِ أيَّامُ سَعدِي لَيَالِيَا

أخي صِرْتُ مَرمَىً لِلحَوادِثِ والأَسَى

فَليتَكَ حَيَّاً تَنظُرُ اليومَ حَالِيَا

٣٨

أخي لو تَرى السَجَّادَ أضحى مُقَيَّداً

أسيراً يُقَاسِي مُوجِعَ الضَربِ عَانِيَا

عَليَّ عَزيزٌ أن أرَاكَ مُعَفَّراً

عليكَ عَزيزٌ أن تَرَى اليومَ مَا بِيَا

أَحَاشيكَ أن ترضى نَروحُ حَواسِراً

سبايا بِنَا الأعداءُ تَطوِي الفَيَافِيَا(١)

(ويلي).ان صحت بويه يشتموني

وان صحت خويه يضربوني

ومن الضرب ورمن امتوني

ومن البچه عمين اعيوني

أنادي هلي اولا يسمعوني

التمهيد للمصيبة (گوريز):

ورد أنّه لـمّا وضعت السيّدة الزهراءعليها‌السلام ابنتها زينبعليها‌السلام أخذها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا.

وكانت السيّدة زينبعليها‌السلام على علم بخروجها مع الإمام الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء, ولم تفاجئ به, وقد علمت من جدّها وأمّها وأبيها بهذه المصيبة, وبهذه المهمّة التي اختارها الله لها, حتَّى يقال أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لـمّا عقد قرانها على زوجها عبد الله

____________________

١ - لسيّدة زينب للقرشيّ ص ٣٨ نقلاً عن الطراز المذهّب.

٣٩

بن جعفر, شرط عليه أن يأذن لزينبعليها‌السلام بالخروج مع أخيها فقبل, ولم تنفع محاولات الآخرين ثنيَ زينبعليها‌السلام من الخروج مع أخيها, ولهذا وقبل أن تغادر العقيلة الحجاز استأذنت من زوجها عبد الله بن جعفر, أن يسمح لها بالسفر مع شقيقها سيّد الشهداء, فأذِنَ لها في ذلك، ولما عزم الإمام أن يسافر دخل عليه عبد الله بن عبّاس ليعدله عن السفر إلى العراق، فقال له الإمامعليه‌السلام : "يا بن عبّاس ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره وقراره، وحرم جدّه، وتركوه خائفاً مرعوباً، لا يستقرّ في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، ولم يشرك بالله شيئاً، ولم يرتكب منكراً، ولا إثماً".

فأجابه ابن عبّاس بصوت حزين النبرات قائلاً:

"جعلت فداك يا حسين, إن كان لا بدّ لك من المسير إلى الكوفة، فلا تسر بأهلك ونسائك..".

فقال له الإمام الحسينعليه‌السلام :

"يا ابن العم إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي، وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه. إنّه أمرني بأخذهنّ معي، يا ابن العم إنّهن ودائع رسول الله، ولا آمن عليهنّ أحداً.".

٤٠