زاد المناسبات

زاد المناسبات21%

زاد المناسبات مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 274

زاد المناسبات
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47026 / تحميل: 4748
الحجم الحجم الحجم
زاد المناسبات

زاد المناسبات

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٨٩ ).

روى الطبرسي عن معاذ بن جبل، وبشر بن البراء: إنّهما خاطبا معشر اليهود وقالا لهم: اتّقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك، وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، ما هو بالذي كنّا نذكر لكم، فنزلت هذه الآية(١) .

وعن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه لما كثر الحيّان ( الأوس والخزرج ) بالمدينة، كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم: أمّا لو بعث محمد لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا، فلمّا بعث الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله آمنت به الأنصار، وكفرت به اليهود، وهو قوله تعالى:

( وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٢) .

وبالرغم من أخذ الميثاق من الاُمم، وبالرغم من تعرّف تلك الاُمم على النبي الخاتم، عمد أصحاب الأهواء منهم إلى كتمان البشائر به، واخفاء علائمه، وسماته الواردة في كتبهم كما يقول سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة / ١٧٤ ).

وقال سبحانه:

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) ( البقرة / ١٥٩ ).

والمعنيّ بالآية نظراء كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وغيرهم

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ١٥٨.

(٢) تفسير العياشي: ج ١ ص ٥٠.

٢١

من علماء اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ونبوّته وهم يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل مثبّتاً فيهما.

قال(١) العلاّمة الطباطبائي: المراد بالكتمان وهو الإخفاء أعمّ من كتمان أصل الآية وعدم إظهارها للناس، أو كتمان دلالتها بالتأويل، أو صرف الدلالة بالتوجيه كما كانت اليهود تصنع ببشارات النبوّة ذلك فما يجهله الناس لا يظهرونه، وما يعلم به الناس يؤوّلونه بصرفه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقال سبحانه:

( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) .

والضمير في « لتبيّننّه » إمّا عائد إلى النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله المفهوم من سياق الآية، أو إلى الكتاب المذكور قلبه، وعلى كل تقدير يدخل في الآية، بيان أمر النبي لأنّه في الكتاب، والظاهر أنّ الآية مطلقة تعمّ كل ما يكتمونه من بيان الدين والأحكام والفتاوى والشهادات.

النبي الأكرم ودعاء الخليل

أمر سبحانه إبراهيم الخليل بتعمير بيته، وقد قام الخليل بما اُمر، وبمساهمة فعليّة من ابنه « إسماعيل » وقد حكى سبحانه دعاءه عند قيامه بهذا العمل وقال:

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ١٩٥.

(٢) الميزان: ج ١ ص ٣٩٤.

٢٢

الحَكِيمُ ) ( البقرة / ١٢٧ ـ ١٢٩ ).

فقد دعا إبراهيم لذرّيته من نسل إسماعيل القاطنين في مكّة وحواليها، ولم يبعث سبحانه من تتوفّر هذه الأوصاف الواردة في الآية من تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة والتزكية سوى النبي الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والآية تدلّ على أنّ إبراهيم واسماعيل دعيا لنبيّنا بجميع شرائط النبوّة لأنّ تحت التلاوة الأداء، وتحت التعليم البيان، وتحت الحكمة السنّة، ودعوا لاُمّته باللطف الذي لأجله تمسّكوا بكتابه وشرعه فصاروا أزكياء، وبما أنّ المرافق والمشارك في الدعاء مع إبراهيم هو ابنه، فيجب أن يكون النبي من نسل إبراهيم من طريق ابنه، ولم يكن في ولد إسماعيل نبيّ غير نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الأنبياء.

وقد استجاب الله سبحانه دعاء الخليل وابنه إذ بعث في ذرّيته رسولاً وقال:

( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ( آل عمران / ١٦٤ ).

وقال تعالى:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ( الجمعة / ٢ ).

ولقد نقَّب علماء الإسلام في العهدين ( التوراة والإنجيل ) وجمعوا البشارات الواردة فيهما على وجه التفصيل، ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى الكتب المعدّة لذلك(١) . ونحن نعرض عن نقل تلكم البشائر في هذه الصحائف لأنّ نقلها يوجب الاسهاب في الكلام والخروج عن وضع المقال.

__________________

(١) مثل أنيس الأعلام في نصرة الإسلام لفخر الاسلام الشيخ محمد صادق، في ستة أجزاء واظهار الحق تأليف الشيخ رحمة الله الهندي وهو كتاب ممتع، والهدى إلى دين المصطفى تأليف الشيخ العلّامة محمد جواد البلاغي، وفي كتاب بشارات العهدين غنى وكفاية.

٢٣
٢٤

(٢)

ثقافة قومه وحضارة بيئته

إنّ الإنسان مهما بلغ من الكمال لا يستطيع أن يجرّد نفسه وفكره، ومنهجه الإصلاحي عن معطيات بيئته، فهو يتأثّر عن لا شعور بثقافة قومه، وحضارة موطنه، ولكن إذا راجعنا تفكير إنسان وشخصيته فوجدناها منقطعة عن تأثيرات الظروف التي نشأ فيها، ومباينة لمقتضياتها، بل كانت على النقيض منها، فتكشف أنّ لما جاء به من التشريع والتقنين ولما قدّمه إلى اُمّته من مبادئ الإصلاح خلفيّة سماويّة غير خاضعة لثقافة قومه، وتقاليد قبيلته.

وهذا نجده في ما حمله رسول الإسلام إلى قومه وإلى البشرية جمعاء من عقائد واخلاق وتشريعات.

وللوقوف على هذه الحقيقة نقدّم عرضاً خاطفاً عن حياة العرب في عصره قبل ميلاده وبعده، ومن المعلوم أنّ الإسهاب في ذلك يتوقّف على الغور في التاريخ والسيرة وهو خارج عن هدفنا، بل نقدّم موجزاً ممّا يذكره القرآن عن حياتهم المنحطّة البعيدة عن الحضارة، وستقف أيّها القارئ الكريم من خلال ذلك على أنّ الذي جاء به رسول الإسلام الكريم، من عقائد وأخلاق وسنن، تضاد مقتضيات ظروفه، فهو بدل أن يؤكّد تفكير قومه وطقوس قبيلته وتقاليد وسطه الذي كان يعيش فيه، بدأ يكافحها ويفنّدها بالإسلوب المنطقي.

لقد نشأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين قومه وقد كانوا منقطعين عن الأنبياء وبرامجهم حيث لم يبعث فيهم نبيّ، قال سبحانه في هذا الصدد:

٢٥

( وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( القصص / ٤٦ ).

يقول تعالى:

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) ( السجدة / ٣ ).

وقال سبحانه:

( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) ( يس / ٦ ).

وهذه الآيات تعرب من أنّ اُمّ القرى وما حولها لم يبعث فيها أي بشير أو نذير، والآيات تعني هذه المناطق والقاطنين فيها، ولا تعني العرب البائدة التي بعث فيها أنبياء عظام كهود وصالح وشعيب، ولا عامّة المناطق في الجزيرة العربيّة ولا عامّة القبائل من القحطانيين والعدنايين، وقد كان فيهم بشير ونذير كخالدبن سنان العبسي وحنظلة على ما في بعض الروايات والأخبار.

ومن المعلوم أنّ الاُمّة البعيدة عن تعاليم السماء خصوصاً في العصور البعيدة التي كانت المواصلات فيها ضعيفة بين الاُمم، وكانت عقلية البشر في غالب المناطق قاصرة عن تنظيم برنامج ناجح للحياة الإنسانية، فحياتهم لا تتعدّى عن حياة الحيوانات بل الوحوش في الغابات، ولا يكون لهم من الإنسانية شيء إلّا صورتها، ولا من الحضارة إلّا رسمها.

وهذا هو القرآن يصفهم بأنّهم كانوا على شفا حفرة من النار، ولم يكن بين سقوطهم واقتحافهم فيها إلّا خطوات ودقائق بل لحظات لولا أنّ النبيّ الأكرم أنقذهم من النار، قال تعالى:

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) ( آل عمران / ١٠٣ ).

٢٦

وقد تضمّن قوله سبحانه:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) استعارة بليغة حيث صوّر قوم النبيّ كالساقطين في قعر هوَّةِ سحيقة لا يقدورن على الخروج، وفي يد النبيّ حبل ألقاه في قعر تلك الهوّة يدعوهم إلى التمسّك به حتّى يستنقذهم من الهلكة.

هذا ما يصف به القرآن الكريم بيئة النبيّ وعقلية عشيرته، على الوجه الكلّي، ولكنّه يصفهم في الآيات الأُخر بالإنحطاط والإنهيار بشكل مفصّل.

وإليك بيان ذلك في ضوء الآيات القرآنية.

١ ـ الشرك أو الدين السائد

كان الدين السائد في العرب في الجزيرة العربية عامّة، ومنطقة أُمُ القرى خاصّة، هو الشرك بالله سبحانه، فهم وإن كانوا موحّدين في مسألة الخالقيّة، وكان شعارهم هو أنّ الله هو الخالق للسماوات والأرض، ولكنّهم كانوا مشركين في المراحل الاُخرى للتوحيد.

أمّا كونهم موحّدين في مجال الخالقيّة فلقوله سبحانه:( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) ( لقمان / ٢٥ )(١) .

وأمّا كونهم مشركين في المراتب الاُخرى للتوحيد فيكفي في ذلك كونهم مشركين في أمر الربوبية ( تدبير العالم ) هو أنّ الوثنية دخلت مكّة وضواحيها، بهذا اللون من الشرك ( الشرك في الربوبية ).

روى ابن هشام عن بعض أهل العلم أنّه قال: « كان عمرو بن لُحَي أوّل من أدخل الوثنية إلى مكّة ونواحيها، فقد رأى في سفره إلى البلقاء من أراضي الشام اُناساً يعبدون الأوثان وعندما سألهم عمّا يفعلون، قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها، فتمطرنا، ونستنصرها، فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها فأسير بها إلى أرض

__________________

(١) ولهذا المضمون آيات اُخر لاحظ العنكبوت / ٦١، الزمر / ٣٨، والزخرف / ٩ و ٧٨.

٢٧

العرب فيعبدوه، فاستصحب معه إلى مكّة صنماً باسم « هبل » ووضعه على سطح الكعبة المشرّفة ودعى الناس إلى عبادتها »(١) .

وأمّا الشرك في العبادة: فقد كان يعمّهم قاطبة إلّا أُناساً لا يتجاوز عددهم عن عدد الأصابع، فالأغلبيّة الساحقة كانوا يعبدون الأصنام مكان عبادته سبحانه زاعمين أنّ عبادتهم تقرّبهم إلى الله، قال سبحانه:

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( الزمر / ٣ ).

والقرآن شدّد النكير على فكرة الشرك أكثر من كل شيء، وفنّدها بأساليب علميّة وعقليّة، ولقد صوّر واقع الشرك ووضع المشرك ببعض التشبيهات البليغة التي تقع في النفوس بأحسن الوجوه قال سبحانه:

( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( العنكبوت / ٤١ ).

وقال تعالى:

( وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) ( الحجّ / ٣١ ).

فالمعتمد على الحجر، والخشب الذي لا يبصر، ولا يسمع، ولا ينفع، ولا يضرّ، كالمعتمد على بيت العنكبوت الذي تخرقه قطرة ماء، وتحرقه شعلة نار وتكسحه هبّة ريح.

٢ ـ إنكار الحياة بعد الموت

الإعتقاد بالحياة بعد الموت هو الرصيد الكامل للتديّن، وتطبيق العمل على الشريعة، ولكن العرب كانت تنزعج من نداء الدعوة إلى الإيمان بها، لأنّ الإيمان

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٧٩.

٢٨

بالحياة المستجدة، يستدعي كبح جماح الشهوات، ووضع السدود والعوائق دون المطامح والمطامع، وأين هذا من نزعة الاُمّة المتطرّفة التي لا تهمّها إلّا غرائزها الطاغية ورغباتها الجامحة.

وبما أنّ ذكر الموت والحياة بعده يلازمان الحساب والجزاء، لهذا كان العرب يقابلون النبيّ بالسبّ والشتم واتّهامه بالجنون، لأجل إنبائه عن أمر غير مقبول، وحادث غير معقول، قال سبحانه:

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ *أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ) ( سبأ / ٧ ـ ٨ )

٣ ـ عقيدتهم في الملائكة والجنّ

ومن عقائدهم: إنّ الملائكة بنات الله سبحانه، وفي الوقت نفسه كانوا يكرهون البنات لأنفسهم، يقول سبحانه:

( أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ *أَمْ خَلَقْنَا المَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ *أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ *وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ( الصافّات / ١٤٩ ـ ١٥٤ ).

والآية ترد عليهم وتفنّد عقيدتهم بوجوه:

١ ـ إنّ تصوير الملائكة بناتاً لله سبحانه يستلزم تفضيلهم عليه سبحانه ـ حسب عيقدتهم ـ لأنّهم يفضلّون البنين على البنات، ويشمئزون منهنّ، ويئدونهنّ، فكيف تجعلون البنات لله وإليه أشار بقوله سبحانه:

( أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ) ؟.

٢ ـ إنّهم يقولون شيئاً لم يشاهدوه، فمتى شاهدوا الأُنثويّة للملائكة ؟ وإليه

٢٩

يشير بقوله:( أَمْ خَلَقْنَا المَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ) ؟.

٣ ـ إنّ توصيف الملائكة بناتاً لله يستدعي أنّه سبحانه ولدهنّ وهو منزّه عن الإيلاد والاستيلاد، وإليه يشير قوله:( لَيَقُولُونَ *وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) .

ثمّ إنّهم كانوا يتخيّلون وجود نسب بين الله والجنّ، والوحي يحكي ذلك على وجه الإجمال قوله سبحانه:

( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) ( الصافات / ١٥٨ ).

وقد ذكر المفسّرون وجوهاً مختلفة لتبيين ذلك النسب أظهرها بالاعتبار أنّهم قالوا: صاهر الله الجنّ فوجدت الملائكة تعالى الله عن قولهم(١) .

٤ ـ سيادة الخرافات

إنّ الأمّة البعيدة عن تعاليم السماء، وهداية الأنبياء يعيشون غالباً في خِضمِّ الخرافة، ويستسلمون في مجال العقيدة إلى الأساطير والقصص الخرافية، وكذلك كانت الأمّة العربية عصر نزول القرآن، فقد كانت غارقة في الخرافات والأساطير، وقد جمع « الآلوسي » تقاليدهم الإجتماعية، وطقوسهم الدينيّة في كتابه « بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب » حيث يجد القارئ فيها تلًّا من الأوهام والخرافات، وقد ذكر القرآن الكريم نماذج من عقائدهم، ونحن نشير إلى بعض ما وقفنا عليه في القرآن.

أ ـ كانت العرب في عصر حياة النبي قبل البعثة تحكم على بعض الأصناف من الأنعام بأحكام خاصّة تنشأ عن نيّة التكريم وقصد التحرير لها، غير أنّ تلك الأحكام كانت تؤدِّي إلى الإضرار بالحيوان، وتلفه وموته عن جوع وعطش، وقد حكى سبحانه تلك الأحكام عنهم وقال:( مَا جَعَلَ اللهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَٰكِنَّ

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٤ ص ٤٦.

٣٠

الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) ( المائدة / ١٠٣ ).

والآية تعرب من أنّهم كانوا ينسبون أحكامهم في هذه الحيوانات والأنعام الأربعة إلى الله سبحانه، ولأجل ذلك وصف سبحانه تلك النسبة بالإفتراء عليه، وثلاثة منها أعني « البحيرة » و « السائبة » و « الحامي » من الإبل، والوصيلة من الشاة، وقد اختلف المفسّرون في تفسير هذه الكلمات، ولكن الجميع يشتركون في أنّ الأحكام المترتبة عليها كانت مبنيّة على تحريرها والعطف عليها، ونحن نذكر تفسيراً واحداً لهذه الكلمات، ومن أراد التبسّط والتوسّع فليرجع إلى كتب التفسير.

١ ـ البحيرة: هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكراً، شقُّوا اُذنها شقّاً واسعاً وامتنعوا من ركوبها ونحرها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع عن مرعى، فإذا لقيها المعيي لم يركبها.

٢ ـ السائبة: وهي ما كانوا يسيبونه من الإبل، فإذا نذر الرجل للقدوم من السفر أو للبرء من علّة أو ما أشبه ذلك، قال: ناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع عن مرعى.

٣ ـ الحامي: وهو الذكر من الإبل كانت العرب إذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فلا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى.

٤ ـ الوصيلة: وهي في الغنم، كانت الشاة إذا ولدت اُنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكراً جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكراً واُنثى، قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم(١) .

وقد أشار القرآن إلى أنّ الدافع لإتّباع هذه الأحكام حتّى بعد نزول الوحي هو تقليد الآباء، وقد أشار إليه بقوله:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللهُ وإلى الرَّسُولِ

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٥٢، ولم نذكر سائر التفاسير لاشتراك الجميع في أنّ الأحكام كانت مبتنية على تسريحها واظهار العطف لها.

٣١

قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ) ( المائدة / ٤ ).

ثمّ إنّ هذه الأحكام وإن كانت لغاية تسريحها وإظهار العطف عليها لكنّها كانت تؤدّي بالمآل إلى موتها وهلاكها عن جوع وعطش، لأنّ تسريحها في البوادي والصحاري من دون حماية راع ولا رائد كان ينقلب إلى هلاكها.

ب ـ إنّ القرآن الكريم يحكي عن العرب المعاصرين لنزول الوحي خرافة أُخرى في مجال الأطعمة إذ قال سبحانه:

( وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللهِ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ( الأنعام / ١٣٦ ).

والآية تحكي من أنّ المشركين كانوا يخرجون من الزرع والمواشي نصيباً لله ونصيباً للأوثان، فما كان للأصنام لا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى الأصنام.

وقد إختلف المفسّرون في كيفيّة هذا التقسيم الجائر فنذكر تفسيراً واحداً.

قالوا: إنّهم كانوا يزرعون لله زرعاً، وللأصنام زرعاً، وكان إذا زكى الزرع الذي زرعوه لله، ولم يزك الزرع الذي زرعوه للأصنام، جعلوا بعضه للأصنام وصرفوه إليها، ويقولون: إنّ الله غني، والأصنام أحوج، وان زكى الزرع الذي جعلوه للأصنام، ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله، لم يجعلوا منه شيئاً لله، وقالوا: هو غنيّ، وكانوا يقسّمون النعم فيجعلون بعضه لله، وبعضه للأصنام، فما كان لله أطعموه الضيفان، وما كان للصنم أنفقوه على الصنم(١) .

ج ـ ومن تقاليدهم: إنّه إذا ولدت الأنعام حيّاً يجعلونه للذكور ويحرمون النساء منه، واذا ما ولد ميّتاً أشركوا النساء والرجال، وإليه يشير قوله سبحانه:

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٧٠.

٣٢

( وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) ( الأنعام / ١٣٩ ).

وعلى ضوء الآية فأجنّة البحائر والسيب كانت مختصّة بالرجال إذا ولدت حيّة، واذا ولدت ميّتةً أكله الرجال والنساء، فما وجه هذا التقسيم غير التفكير الخرافي ؟

د ـ كانوا يقسّمون الأنعام إلى طوائف، فطائفة يجعلونها لآلهتهم واوثانهم، وطائفة يحرّمون الركوب عليها، وهي السائبة والبحيرة والحامي، وطائفة لا يذكرون اسم الله عليها.

كل ذلك تقاليد باطلة ردّها الوحي الإلهي بقوله:( وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إلّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) ( المائدة / ١٣٨ ).

والحجر بمعنى الحرام وهو ما خصّوه بآلهتهم ولا يطعمونه إلّا من شاؤوا.

هذا بعض ما وقفنا عليه من تقاليد العرب الخرافية الباطلة قبل الإسلام وحين ظهوره ممّا جاء ذكره في القرآن الكريم.

* * *

٥ ـ ثقافة قومه

يصف القرآن الكريم قوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بل القاطنين في اُمّ القرى ومن حولها بالاُمّية ويقول:

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) ( الجمعة / ٢ ).

وقال:( لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا

٣٣

فَقَدِ اهْتَدَوا ) ( آل عمران / ٢٠ ).

وقد بلغت الاُمّيّة عند العرب إلى حد اشتهروا بذلك حتّى وصفهم أهل الكتاب بها كما يحكي عنه سبحانه بقوله:

( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) ( آل عمران / ٧٥ ).

والاُمّيّون جمع الاُمّي وهو المنسوب إلى الاُم، قال الزجّاج: الاُمّي الذي هو على صفة اُمّة العرب، قال عليه الصلاة والسلام: إنّا اُمّة اُمّيّة لا نكتب ولا نحسب(١) .

فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان كذلك، فلهذا السبب وصفه بكونه اُمّيّاً(٢) .

وقال البيضاوي: الاُمّي من لا يكتب ولا يقرأ.

قال ابن فارس: الاُمّي في اللّغة، المنسوب إلى ما عليه جبلّة الناس لا يكتب فهو في أنّه لا يكتب على ما ولد عليه(٣) .

والزمخشري يفسّر قوله تعالى:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) ( البقرة / ٧٨ ). بأنّهم لا يحسنون الكتاب فيطالعوا التوراة ويتحقّقوا ما فيها.

هذا هو معنى الاُمّي وقد أصفقت عليه أئمّة اللّغة في جميع الأعصار إلى أن جاء الدكتور عبد اللطيف الهندي فزعم للاُمّي معان اُخرى لا توافق ما اتّفقت عليه أئمّة اللّغة، وسنذكر آراءه الساقطة في معنى « الأُمّي » عند البحث عن أوصاف النبي، ومنها أنّه « اُمّي » فانتظر.

__________________

(١) إيعاز إلى ما رواه البخاري في صحيحه: ج ١ ص ٣٢٧ عن النبي أنّه قال: إنّا اُمّة

(٢) مفاتيح الغيب: ج ٤ ص ٣٠٩.

(٣) مقاييس اللغة: ج ١ ص ٢١٨.

٣٤

والعرب في اُمّ القرى وما حولها كانت اُمّيّة لا تقرأ ولا تكتب، وقد نشأ النبيّ بينهم، ويؤيّد ذلكَ ما ذكره الإمام البلاذري في « فتوح البلدان » حيث أتى بأسماء الذين كانوا عارفين بالقراءة والكتابة فما تجاوز عن سبعة عشر رجلاً في مكّة، وعن أحد عشر نفراً في يثرب(١) .

وعلى ضوء ذلك فالسائد على تلك المنطقة كانت هي الاُمّيّة المطلقة إلّا من شذّ.

نعم، ما ذكرنا من سيادة الاُمّيّة على العرب لا ينافي وجود الحضارة في عرب اليمن حيث كانوا على أحسن ما يكون من المدنيّة، فقد بنوا القصور المشهورة، وشيّدوا الحصون، وكانت لهم مدن عظيمة، قال في كتابه الكريم:

( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) ( سبأ / ١٥ ).

وكان لهم ملوك واقيال دوّخوا البلاد، واستولوا على كثير من أقطار الأرض، ولكن تلك الحضارة زالت وبادت بسيل العرم، قال سبحانه:

( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ *ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إلّا الْكَفُورَ ) ( سبأ / ١٦ و ١٧ ).

وأمّا بنو عدنان ومن جاورهم من عرب اليمن فقد اختلّ أمرهم وتغيّر حالهم بعد أن فرّقهم حادث سيل العرم، فمن ذلك اليوم فشى الجهل بينهم، وقلّ العلم فيهم، واضاعوا صنائعهم وتشتّتوا في الأطراف والأكناف، ووقع التنازع والتشاجر بين القبائل، وتكاثرت البغضاء بينهم، فلم يبق عندهم علم منزل، ولا شريعة موروثة من نبي، ولا العلوم كالحساب والطب، وانحصر عملهم بما سمحت قرائحهم من الشعر والخطب، أو ما حفظوه من أنسابهم وايامهم، أو ما احتاجوا

__________________

(١) فتوح البلدان ص ٤٥٧.

٣٥

إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم وصنع آلات الحرب وغير ذلك(١) .

فالمثقّف عندهم من جادت قريحته بالشعر، أو قدر على إلقاء الخطب والوصايا ارتجالاً، أو من عرف أنساب الناس، أو عرف أخبار الاُمم وبالأخص أيام العرب.

نعم كان عند بعض العرب علم الفراسة والكهانة والعرافة، ويراد من الأوّل من يستدل بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وسجاياه وفضائله ورذائله، ولعلّه إليه يشير قوله سبحانه:

( تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) ( البقرة / ٢٧٣ ).

( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) ( محمّد / ٣٠ ).

ويراد من الثاني من يتنبّأ بما سيقع من الحوادث في الأرض.

والعرّافة هو قسم من الكهانة، لكنّها تختصّ بالاُمور الماضية وكأنّه يستدل ببعض الحوادث الغابرة على الحوادث القادمة.

هذا هو عرض خاطف عن ثقافة قوم النبي عصر نزول القرآن أتينا به ليكون دليلاً واضحاً على انقطاع شريعة النبي عن تعاليم بيئته وتقاليدها.

والقرآن الكريم يصف ذلك العصر في غير واحد من الآيات بالجاهليّة، يقول سبحانه:( أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ) ( المائدة / ٥٠ ).

ويقول سبحانه:( يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ ) ( آل عمران / ١٥٤ ).

ويقول سبحانه:( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَىٰ ) ( الأحزاب / ٣٣ ).

ويقول تعالى:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ ) ( الفتح / ٢٦ ).

__________________

(١) بلوغ الارب: ج ٣ ص ٨٠ ـ ٨١، ومن أراد أن يقف على ثقافة العرب عامّة، قحطانيهم وعدنانيهم، فليرجع إلى ذلك الكتاب.

٣٦

وأغلب المفسّرين يفسّرون الجاهليّة بفساد العقيدة في جانب الدين فقط، ولكنّه تخصيص بلا جهة، فكان القوم يفقدون العلم الناجع كما يفقدون الدين الصحيح.

٦ ـ الإنهيار الخلقي

طبيعة العيش في الصحراء تفرض على الإنسان نزاهة خاصّة في الخلق، تصون نفسه عن الإنهيار الخلقي، ولأجل ذلك نرى أنّ الفساد في المناطق المتحضّرة أكثر منها في البدو وسكّان الصحاري.

وقد كان من المترقّب من سكنة أُمّ القرى وما حولها النزاهة عن المجون والفساد، غير أنّ في الآيات القرآنية أخباراً عن شيوع الفساد الخلقي بينهم.

فهذا القرآن الكريم يركّز على النهي عن الفحشاء ظاهره وباطنه، والفحشاء وإن فسّر بما عظم قبحه من الأفعال والأقوال الذميمة ولكنها منصرفة إلى الزنا وكناية عنها، قال سبحانه:

( إلّاأَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) ( النساء / ١٩ ).

وقال سبحانه:( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ ) ( النساء / ١٥ ).

وقال سبحانه:( وَلا يَخْرُجْنَ إلّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) ( الطلاق / ١ ).

وكل هذا يعرف عن شيوع هذا العمل الشنيع المنكر بينهم.

فإنّنا نرى أنّ الله سبحانه ينهي عن إتخاذ الخدن ويقول:

( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) ( النساء / ٢٥ ).

ويقرب منها قوله في سورة المائدة، الآية ٥.

و « الأخدان » جمع « خدن » وهو يطلق على الصاحب والصاحبة بأن يكون

٣٧

للمرأة صاحب أو خليل يزني بها سرّاً، وهكذا في جانب الرجل، فالخدن يطلق على الذكر والأُنثى، وكان الزنا في الجاهلية على قسمين: سرّ وعلانية، عامّ وخاصّ.

فالخاص السري هو أن يكون للمرأة خدن يزني بها سرّاً، ولا تبذل نفسها لكلّ أحد.

والعام الجهري هو المراد بالسفاح كما قال ابن عبّاس وهو البغاء.

وكان البغاء من الإماء وكنّ ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن وبيوتهن.

روى ابن عبّاس: إنّ أهل الجاهلية كانوا يحرّمون ما ظهر من الزنا، ويقولون: إنّه لوم، ويستحلّون ما خفي ويقولون: لا بأس به، ولتحريم القسمين يشير قوله سبحانه:

( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) ( الأنعام / ١٥١ )(١) .

وممّا يعرب عن رسوخ الإنحلال الخلقي فيهم ما نقله « تميم بن جراشة » وهو ثقفي، قال قدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وفد ثقيف، فأسلمنا وسألناه أن يكتب لنا كتاباً فيه شروط، فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثمّ ائتوني به، فسألناه في كتابه أن يحلّ لنا الربا والزنا، فأبى عليّرضي‌الله‌عنه أن يكتب لنا، فسألناه خالد بن سعيد بن العاص، فقال له عليّ: تدري ما تكتب ؟ قال: اكتب ما قالوا ورسول الله أولى بأمره، فذهبنا بالكتاب إلى رسول الله، فقال للقارئ إقرأ، فلمّا انتهى إلى الربا، فقال: ضع يدي عليها في الكتاب، فوضع يده، فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) ( البقرة / ٢٧٨ ). ثمّ محاها، وألقيت عليها السكينة فما راجعناه، فلمّا بلغ الزنا، وضع يده عليها، وقال:

__________________

(١) المنار: ج ٥ ص ٢٢، وزاد في المصدر قوله: وهذان النوعان معروفان الآن في بلاد الافرنج والبلاد التي تقلّد الافرنج في شرور مدنيّتهم كمصر والاستانة وبعض بلاد الهند، ويسمّي المصريّون الخدن الرفيق، ومن هؤلاء الافرنج والمتفرنجون من هم كأهل الجاهلية يستحسنون الزنا السرّي، ويستقبحون الجهري.

٣٨

( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) ( الاسراء / ٣٢ ).

ثمّ محاها وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا(١) .

وممّا يدل على الإنحلال الخلقي في أمر النساء قوله سبحانه:

( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( النور / ٣٣ ).

فالآية تعرب عن الإنهيار الخلقي الذي كان يعاني منه بعضهم حتّى بعد هجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة، وقد رووا: أنّ عبد الله بن أُبي كان له ستّ جوارٍ كان يكرههنّ على الكسب عن طريق الزنا، فلمّا نزل تحريم الزنا، أتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكين إليه، فنزلت الآية(٢) .

٧ ـ معاقرة الخمور وإرتياد نواديها

كان الاستهتار بمعاقرة الخمور رائجاً بين العرب منذ زمن بعيد، وقد بلغ شغفهم بها حتّى أنّهم جعلوها أحد الأطيبين مع أنّ النبي الأكرم كان قد حرّم الخمر حتّى قبل هجرته إلى المدينة، ولكنّه لم يتحقّق ما أمر به إلّا بعد مضي سنوات من هجرته، ونزول آيات مختلفة الاُسلوب متنوّعة البيان وإليك بيان هذا التدرّج:

١ ـ قال سبحانه:( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( النحل / ٦٧ ) والآية مكّيّة نزلت في ظروف قاسية لا تتحمّل إنذاراً أكثر وأشد من هذا، ولهذا اكتفى فيه بعد اتّخاذ السكر ضد الرزق الحسن.

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ١ ص ٢١٦ ترجمة تميم بن جراشة.

(٢) مجمع البيان: ج ٤ ص ١٤١.

٣٩

٢ ـ قال سبحانه:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) ( البقرة / ٢١٩ ).

فالآية تشير إلى أنّه لو كان هناك لذّة وطرب لشارب الخمر، أو مال للاعب الميسر حيث يفوز به من غير كدّ ولا مشقّة، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما.

فلأجل ذلك يجب ترك النفع القليل في مقابل الضرر الكبير، والآية مدنيّة كافية في التحريم، وذلك لأنّها تصرّح بوجود الإثم في الخمر والميسر، وقد حرّم الوحي الإلهي الإثم على وجه القطع واليقين قبل هجرة النبي، قال سبحانه:

( إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ ) ( الأعراف / ٣٣ ).

وأيّ بيان أوضح لتحريم الخمر إذا قرنت الآيتان: الواحدة إلى الأُخرى ؟ فالآية الأُولى تحقّق الصغرى وهو أنّ الخمر إثم، والآية الثانية تصرّح بالكبرى، وهي أنّ الله سبحانه حرّم الإثم، فيستنتج منهما أنّه سبحانه حرّم الخمر.

والعجب أنّ القوم ( مع أَنَّ الآية الثانية التي تحرّم الإثم على وجه الحتم والبت نزلت بمكّة )، لم يتنزّهوا من هذا العمل المزيل للعقل، والمضاد للكرامة الإنسانية، فكانوا يشربون الخمر في نواديهم حتّى وافاهم الوحي الإلهي بتحريم الصّلاة وهم في حال السكر، إذ قال سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) ( النساء / ٤٣ ).

وهذه الآيات الثلاث التي تعرّفت عليها تلقّاها بعض الصحابة بأنّها ليست بياناً وافياً، فظلّ يترصّد البيان الأوفى حتّى وافى الوحي الإلهي، وقال سبحانه:( إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ؟ ( المائدة / ٩٠ و ٩١ ).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أبو طالب رضوان الله عليه : مؤمن قريش

المناسبة: وفاة أبي طالب

التاريخ: ١٠ رمضان

لقب أبو طالبعليه‌السلام بمؤمن قريش تشبيهاً له بمؤمن فرعون الذي يكتم إيمانه لمصلحة الدين والرسالة.

نسبه الشريف ومولده وكفالته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هو أبو طالب عمران بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب...بن معد بن عدنان.

ولد في مكة المكرمة قبل ظهور نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس وثلاثين سنة، واشتهر عنه اكرامه للنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويظهر ذلك من وصيته لأبي طالب من بعده، قال: " يا بني أوصيك

١٦١

بعدي بقرَّة عيني محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت تعلم محله مني، ومقامه لدي، فأكرمه بأجَّل الكرامة، ويكون عندك ليله ونهاره ما دمت في الدنيا، ثم قال لأولاده: أكرموا وجللّوا محمداً، وكونوا عند إعزازه واكرامه..."(١) .

ونزل جبرائيل ليلة وفاته فقال: " يا محمد أخرج من مكة، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب"(٢) .

منزلة أبي طالب رضوان الله عليه عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "...إنه لما كانت الليلة التي أسري بي فيهاالى السماء أنتهيت الى العرش، فرأيت أربعة أنوار، فقلت:إلهي ما هذه الأنوار، فقال: يا محمد هذا عبد المطلب، وهذا أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوه طالب، فقلت: إلهي بما نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان..."(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما ترجو لأبي طالب فقال: " كلَّ خير أرجو من ربي عزَّ وجلَّ"(٤)

____________________

١- بحار الانوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٥٢

٢- الشيخ الاميني - الغدير - ج ٧ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٩٠

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٣٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١٥

٤- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٣٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١٠٩

١٦٢

أبو طالب رضوان الله عليه في الجنة:

روى الكليني في الكافي مجموعة من الروايات، تشترك في أن الله تعالى قد حرّم النار على ابي طالب، منها ما عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " هبط عليَّ جبرائيل فقال لي: " يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرَّمت النار على صلب...وبطن حملك، وحجر كفلك،...وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب" وفي رواية: " إن الله شفعّك في سته، وذكر وحجر كفلك ابو طالب"(١) .

ويؤكد هذا ما جاء في الخبر عن أبي عبد الله حيث سئل: إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال: كذبوا ما بهذا نزل جبرائيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت (السائل): قال: اتى جبرائيل فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك...وإن أبا طالب أسرَّ الإيمان وأظهر الشرك، فأتاه الله اجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله بالجنة"(٢) .

وفي رواية أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام عند وفاة أبي طالب وقال في

____________________

١- الشيخ الكليني - الكافي - ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٤٦

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٣٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١١٢

١٦٣

كلام طويل:"...أما والله لأشفعنَّ لعميّ شفاعة يعجب بها أهل الثقلين"(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٣٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١٢٥

١٦٤

قبسات من حياة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

المناسبة: ولادة الامام الحسنعليه‌السلام

التاريخ: ١٥ رمضان سنة ٣ ه

مع اكتمال بدر شهر رمضان المبارك في بيت أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه ولد الامام الحسنعليه‌السلام فنزل الوحي يناجي جدّه الأمين ناقلاً عن رب العالمين: " سمّه حسناً"(١) .

علاقته مع الله تعالى:

تحدّث الإمام زين العابدينعليه‌السلام - فيما روي عنه - عن بعض المزايا العباديّة للإمام المجتبىعليه‌السلام ، فمما ورد: " كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ على كلّ مَن وقف بين يدي ربّ العالمين أن يصفرّ لونه

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار- ج ٣٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٦٣

١٦٥

وترتعد مفاصله"(١) وأكمل الإمام السجّادعليه‌السلام حديثه حول تفاعل السبط المجتبىعليه‌السلام مع القرآن الكريم بقوله: " وكانعليه‌السلام لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ إلّا قال: " لبيك أللهمّ لبيك"(٢) .

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: " قال أبي عن أبيه، كان الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ ماشياً وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر البعث بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكرالعرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب اضطراب السليم (مَن لذعته الحيّة أو العقرب) وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار"(٣) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار- ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٣٩

٢- الشيخ الصدوق - الآمالي - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٤٤

٣- الشخ الصدوق - الآمالي - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٤٤

١٦٦

خُلُقه مع الناس:

وعُرف الإمام الحسنعليه‌السلام بإهتمامه بأمور الناس ومساعدتهم حتى ورد أنّهعليه‌السلام قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرّات وخرج منماله لله تعالى مرّتين.

كما عُرفعليه‌السلام بحلمه الكبير الذي كان كفيلاً بتغيير بعض مَن عاداه، كما فيقصّة ذلك الشامي الذي رأى الإمام المجتبىعليه‌السلام راكباً فجعل يلعنه والإمام الحسنعليه‌السلام لا يردّ، فلما فرغ أقبل الإمامعليه‌السلام فسلّم عليه وضحك وقالعليه‌السلام له: " أيّها الشيخ أظنك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك.فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً"، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: " أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يضع رسالته،

١٦٧

وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ"(١) .

حبّ الناس للإمامعليه‌السلام :

لما مرّ وغيره تعلّقت قلوب الناس بالإمام الزكيعليه‌السلام الذي كان - كما وصفه واصل بن عطاء - " عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك"(٢) ، وكما وصفه غيره: لم يكن أحد أشبه برسول الله منه خَلقاً وخُلقاً ومن مظاهر حبّ الناس للإمام الحسنعليه‌السلام ما ذكره محمد بن اسحاق: أنّه كان يبسط له على باب داره،فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما مرّ أحد من خلق الله إجلالاً له...وقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله رآه إلا نزل ومشى..."(٣) .

هكذا أحبّه الناس بقلوبهم لكن حبّ الكثير منهم لم يُتَرْجم إلى ولاء عمليّ وقت الاستحقاق ليكونوا ممتثلين لقول الله تعالى:﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ(٤) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار- ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٤٤

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار- ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٣٨

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار- ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٨

٤- آل عمران: ٣١.

١٦٨

معركة بدر الكبرى

المناسبة: بدر الكبرى

التاريخ: ١٧ رمضان من السنة ٢ ه

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(١) .

كان أول انتصار للإسلام في معركة بدر بعد زمن طويل من الأذى والصبر والعزلة.

ولقد أسس هذا الانتصار لسلسلة من الانتصارات في شبه الجزيرة العربية وخارجها.فقد علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قافلة كبيرة لقريش قادمة من الشام يقودها أبو سفيان فأرسل عيناً لإخباره عن سير تلك القافلة ورجالها وعندما وصل الخبر بحجمها بادر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا تردد قائلاً لأصحابه " هذه عير قريش فيها أموالهم

____________________

١- آل عمران: ١٢٣.

١٦٩

اخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها"(١) .

فأموال المسلمين المهاجرين الى المدينة كانت قد صودرت في مكة على أيدي قريش فكان لا بد من فرض حصار اقتصادي على قريش لعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنها تعتمد على التجارة في دعم مركزها ونفوذها بين القبائل.

ومن ثم خرج بعض المسلمين وعددهم ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً بقيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تسرّب الأمر الى أبي سفيان فغيَّر مسار القافلة صوب الساحل وأرسل على جناح السرعة ضمضم بن عمرو الغفاري ليستنفر قريشاً التي بادرت لحماية قافلتها بجيش يفوق المسلمين بثلاثة اضعاف.

أفلت أبو سفيان من قبضة المسلمين وأوصل خبر نجاة القافلة الى قريش لكنها أبت إلا النزول في بدر لِتُعلم العرب الذين ينتمون إليها أن الكلمة كلمتها وأن الصحراء ستظل موطن أقدامها بعد أن حققت سرايا المسلمين للدولة الجديدة في المدينة نصراً عسكرياً وإعلامياً ونفسياً.

____________________

١- الطبري- ابن جرير- جامع البيان- ج ٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٤٢

١٧٠

تحرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه مستخلفاً على المدينة أبا لبابة ومقيماً عمرو ابن أم مكتوم إماماً على الصلاة وأعطى رايته المسماة بالعقاب لعليعليه‌السلام ووزع السبعين بعيراً التي مع المسلمين على أصحابه يتناوب كل ثلاثة على واحد.

أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الهدف القريب " القافلة" قد ضاع والمسألة أصبحت إقبال قريش ولا مناص عن خوض معركة رغم قلة السلاح ونقص الاستعداد وإن لم يتصد في أول تحد حاسم فإن نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة.

بكلمة القائد أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختبار عزيمة أصحابه وقراءة نفوسهم فأكد غالبيتهم على الوقوف الى جانبه فهذا المقداد يقول: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون لكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معك مقاتلون...وهكذا تكلم سعد بن معاذ عن الأنصار لقد قرر المؤمنون الصابرون على قلتهم خوض المعركة بقلوب ملؤها الثقة بالنصر والإيمان.

إلتقى الجمعان ببدر وقد وعد الله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحدى الطائفتين

١٧١

(النصر أو القافلة) وكانت المعركة يوم الجمعة، وقدّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرباءه ليكونوا أول من يباشر الحرب فنزل الحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وكان النصر للمسلمين.

وخسر المشركون المعركة وسقط لهم سبعون قتيلاً ومثلهم أسرى واستشهد للمسلمين أربعة عشر شهيداً.

وكان من نتائج هذا الانتصار تعزيز الدولة الإسلامية وازدياد تضامن الأنصار والمهاجرين وانفساح المجال لنشر الدعوة الإسلامية بقوة ومن الدروس المستوحاة من معركة بدر انتصار القلة على الكثرة والذي كان من أسبابه:

- القيادة الموحدة وشجاعتها فالرسول هو القائد العام الشجاع:" كنا إذا أحمر البأس والتقى القوم اتقينا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".

- طاعة المسلمين له ينفذون أوامره بحرص وأمانة وطيب خاطر.

- العقيدة الراسخة المتجلية بجواب المهاجرين والأنصار.

- عشق الشهادة وأخلاص النية فلا يريدون إلا أعلاء كلمة الله.

١٧٢

التعرف على ليلة القدر وأسرار إحياءها

المناسبة: ليلة القدر

التاريخ: ١٩و٢١و٢٣ رمضان

قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾.(١)

ما هي ليلة القدر:

ليلة القدر كما سماها الله تعالى في القرآن، هي ليلة من ليالي شهر رمضان، وإنها إحدى الليالي الثلاث (١٩ - ٢١ - ٢٣)، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير، فهي ليلة التقدير يقدَّر الله فيها حوادث السنة من الليلة الى مثلها من قابل من حياة وموت،

____________________

١- القدر: ١-٣.

١٧٣

ورزق، وسعادة، وشقاء، وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ..(١) .

وهي ليلة متكررة بتكرر السنين، ففي شهر رمضان من كل سنة قمرية ليلة تقَّدر فيها أمور السنة...(تفسير الميزان- سورة القدر)

عظمة ليلة القدر وخصوصيتها:

المستفاد من الآيات والروايات هو:

- يتجلى في هذه الليلة أعلى مظاهر الفيض والكرم الإلهي، والضيافة الإلهية.

- ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حرص وأهل بيتهعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام على إحياءها، بالعبادة والطاعة.

- إنها ليلة مباركة كما وصفها القرآن.

- فيها تقَّدر الأمور، ويفرق كل أمر حكيم.

- العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.

- إنها ليلة أمن وسلام حتى مطلع الفجر.

____________________

١- الدخان : ٤-٥.

١٧٤

- إنها ليلة نزول القرآن نجوماً، أو على قلب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبهذا عظيم البركة.

- إنها ليلة نزول الملائكة والروح وهو جبرائيلعليه‌السلام على الأشهر.

إحياؤها:

ففي الحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام عن آبائهعليه‌السلام : " إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يُغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وعن ليلة ثلاث وعشرين، ونهى أن ينام أحد تلك الليلة"(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " من أحيا ليلة القدر حُوِّل عنه العذاب الى السنة..."(٢) .

وهي ليلة غفران الذنوب كما في الروايات:

عن الإمام الباقرعليه‌السلام : " من أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكاييل البحار"(٣) .

____________________

١- المغربي-القاضي النعمان - دعائم الاسلام -ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٨١

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١٤٥

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ١٤٦

١٧٥

الليلة المباركة خير من ألف شهر:

في الكافي بإسناده عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن حمدان أنه سأل ابا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ(١) قال: نعم ليلة القدر، وهي في كل سنة من شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر.

قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(٢) .

قال: يقدر في ليلة القدر كل شيء يكون في السنة الى مثلها من قابل: خير وشر، وطاعة ومعصية، ومولود وأجل ورزق، فما قدَّر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم، ولله عزَّ وجلَّ فيه المشيئة، قال: قلت: " ليلة القدر خير من ألف شهر " أي شيء عنى بذلك ؟ فقال: والعمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر...".

سر إخفاء ليلة القدر:

لا يستفاد من القرآن الكريم أن الليلة أية ليلة هي، غير ما

____________________

١- الدخان :٣.

٢- الدخان: ٤.

١٧٦

في قوله تعالى:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ(١) فإن الآية بانضمامها الى آية القدر تدل على أن الليلة من ليالي شهر رمضان، أما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الروايات الموزعّة الى عدة...خلاصتها:

- الروايات التي تدل على أنها في العشر الأواخر، أو في الليالي الوتر منها، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان "، وفي رواية: " في الوتر من العشر الأواخر"(٢) .

الروايات التي تدل على تحريّها في إحدى الليالي الثلاث: عن الباقرعليه‌السلام :

" إن علياً كان يتحرّى ليلة القدر، ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين"(٣) ، ومثله عن الصادقعليه‌السلام وذكر في بعض الأخبار خصوصية خاصة لكل ليلة من الثلاث.

____________________

١- البقرة ١٨٥.

٢- النووي - محي الدين - المجموع - ج ٦ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٦٣

٣- ابن عبد البر - التمهيد - ج ٢٣- مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -ص ٦٣

١٧٧

الروايات التي تدل على إنها إحدى ليلتين:

سئل الصادقعليه‌السلام عن ليلة القدر فقال: " إلتمسها في ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين"(١) .

الروايات التي تدل على أنها ليلة ٢٣، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين"(٢) .

ولعل السرَّ في اخفائها هو توجيه الناس للإهتمام بإحياء هذه الليالي، وليباهي ملائكته بعباده، مع أن المستفاد من الأخبار أن ليلة ٢٣ هي القدر المتيقن بين مختلف الروايات إلا أنه ينبغي إحياء هذه الليالي لما فيها من الفضل والعظمة.

النبي موسىعليه‌السلام ليلة القدر:

رويَّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " قال موسى: إلهي أريد قربك، قال: قربي لمن استيقظ ليلة القدر، قال: إلهي أريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي أريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدق بصدقة ليلة القدر، قال: إلهي أريد من أشجار الجنة وثمارها، قال: ذلك لمن سبح

____________________

١- العاملي- الحر - وسائل الشيعة (آل البيت)- ج ١٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٥٤

٢- السيد ابن طاووس - إقبال الاعمال - ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٧٥

١٧٨

تسبيحة في ليلة القدر، قال: إلهي أريد النجاة من النار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رضاك، قال: رضائي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر"(١) .

____________________

١- العاملي- الحر - وسائل الشيعة (آل البيت)- ج ٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٠

١٧٩

فتح مكة

المناسبة: فتح مكة

التاريخ: ٢٠ رمضان

قال الله تعالى:﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا(١)

قالوا إن الله تعالى أرى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام بالمدينة قبل أن يخرج الى الحديبية أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوا مكة في عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا مكة قال المنافقون ما حلقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام فأنزل الله هذه الآية وأخبر انه أرى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدق في منامه لا الباطل وأنهم يدخلونه بعد

____________________

١- الفنح: ٢٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274