الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام17%

الإمام جعفر الصادق علیه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 333

الإمام جعفر الصادق علیه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98740 / تحميل: 13119
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

سمعته؟ قال لا. لكنها رواية رويناها عن أبائنا» ..).. وعقبنا ذلك بقولنا (والشافعي(١) ويحيى بن معين(٢) متفقان على توثيقه. وهو شيخ مالك وليس بعد هؤلاء أدلة على جواز طريقة الإمام جعفر مع علمه الضخم في كل باب) .

وفي كتابنا (الإمام الشافعي)(٣) أجملنا الكلام عن موضع الإمام من الإسلام كله في كلمات (الإمام جعفر... يمثل صميم الإسلام.. يجتمع في نسبه النبي عليه الصلاة والسلام وأبوبكر وعلي. وهو إمام في الدين والفقه وبحر في العلوم الطبيعية) .

وهذا البحر، والقطعة من الإسلام والمسلمين الثلاثة الأولين- بل الأربعة الأولين وفيهم أم المؤمنين خديجة- إمام يهتدى بهديه واجتهاده أئمة أهل السنة كافة. أما الشيعة الإمامية، فقول الإمام المعصوم يجري عندهم مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد. ولقد توسع علماؤهم في اصطلاح السنة إلى ما يشمل «قول كل واحد من المعصومين وفعله وتقريره» فالأئمة المعصومون ليسوا، بهذه المثابة، من قبيل رواة السنن، بل هم منصوبون من الله تعالى، على لسان النبي، لتبليغ الأحكام عن طريق الإلهام، كالنبي بطريق الوحي إليه، وهو خاص به، أو عن طريق التلقي من المعصوم الذي يسبق.

أما فعل المعصوم فدليل على الإباحة. وأما تركه فدليل على عدم الوجوب .

___________________

(١) يذكر ابن النديم في الفهرست (وكان الشافعي شديدا في التشيع. ذكر له رجل يوما مسألة فأجاب فيها. فقال له خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال له أثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب وأقول قد أخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله)

وحضر الشافعي ذات يوم مجلسا لأحد الطالبين فقال (لا أتكلم في مجلس يحضره أحدهم. هم أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل)

(٢) يقول فيه أحمد بن حنبل (كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث) وهو من آباء علوم الحديث. ومؤلفاته مراجع فيها- وهي علوم أوصلها الحاكم النيسابوري إلى اثنين وخمسين علما وأوصلها النووي إلى خمسة وستين.

(٣) الامام الشافعي ناصر السنة وواضح الأصول- الطبعة الثانية ص ١٧١ طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .

١٦١

وتآليف الإمام الصادق كثيرة منها رسالة في شرائع الدين. ووصاياه للإمام الكاظم. ورسالة في الغنائم ووجوب الخمس، وتوحيد المفضل، وكتاب الأهليلجة، وكتاب الشريعة، وكتاب مفتاح الحقيقة، ورسالة إلى أصحابه، ورسالة إلى أصحاب الرأي والقياس. ورسالة لمحمد ابن النعمان. وأخرى لعبد الله بن جندب. ورسالة في وجوه المعايش للعباد. ووجوه إخراج الأموال. ورسالة في احتجاجه على الصوفية فيما ينهون عنه من طلب الرزق، ورسالة حكم قصيرة .

والرسالتان الأخيرتان عملان أساسيان في الاقتصاد والاجتماع، يدلان على منهاج الإمام في صلاح الدنيا بالعمل والعبادة معا.

وثمة الرسائل العلمية المقترنة بجابر بن حيان.

أما كتاب الجفر المنسوب إلى الإمام الصادق- فيقول عنه ابن خلدون (٧٣٢-٨٠٦) (١٣٣٢-١٤٠٦) (واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد البجلي- وهو رأس الزيدية- كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم. وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون البجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه. لأن الجفر في اللغة هو الصغير. وصار هذا الاسم علما على الكتاب عندهم. وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه. وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل. ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه. فهم أهل الكرامات. وقد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما يقول).

١٦٢

والروايات متضافرة على أن الجفر غير (الجامعة) والبعض يقول إن الجفر من مؤلفات علي أملاه النبي(١) .

وهو جفران: الأبيض وهو وعاء من أدم فيه علوم الأنبياء والوصيين والذين مضوا من علماء بني اسرائيل. والأحمر فيه علم الحوادث والحروب.

كان تلاميذ الصادق مدونين كباراً، فلقد عاشوا في عصر نهضة علمية كبرى أعجب بها العالم، تبارت فيها يراعات المدونين. ودارت عجلات التدوين كهيئة ما دارت عجلات الطباعة عند ظهور المطبعة. بدأها عمر بن عبد العزيز على رأس القرن إذ أمر بتدوين السنة. وتابعها علماء الأمة من أهل السنة .

ومن بعد وفاة الصادق في عام ١٤٨ دون أربعة آلاف من التلاميذ في كل علومه، ومن جملتها ما يسمى (الأصول الأربعمائة). وهي أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من فتاوى الصادق. وعليها مدار العلم والعمل من بعده. وخير ما جمع منها كتب أربعة هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم إلى اليوم. وهي «الكافي» «ومن لايحضره الفقيه» «والتهذيب» «والاستبصار» .

والكافي- للكليني أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني(٣٢٩-أعظمها وأقومها، وأحسنها وأتقنها. فيه ١٦١٩٠ حديثا ألفه الكليني في عشرين سنة.

وأما كتاب من لا يحضره الفقيه، فوضعه ابن بابويه القمي- محمد بن

___________________

(١) يقول ابن قتيبة عن الجفر في «أدب الكاتب» إن الامام الصادق كتبه، وإن فيه كل ما يحتاجونه إلى يوم القيامة.

وإلى هذا الجفر، واحتوائه على كل شيء، يشير أبو علاء المعري في شعره:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كل عامرة وقفر

وربما نسبوا من أجل ذلك إلى الامام علوم كشف الغيب أو النجامة.

١٦٣

علي بن موسى بن بابويه القمي(١) الملقب (بالصدوق) - (دخل بغداد سنة ٣٥٠ ومات بالري سنة ٣٨١). وفيه ٥٩٦٣ حديثا. وهذا الكتاب أهم مؤلفاته مع أنه ألف ثلاثمائة كتاب.

وأما «التهذيب» «والاستبصار» فوضعهما بعد نحو قرن محمد بن الحسن ابن علي الطوسي(٤٦٠) الملقب (شيخ الطائفة). وكان فقيها في مذهبي الشيعة وأهل السنة.

وفي التهذيب ١٣٥٩٠ حديثا وفي الاستبصار ٥٥١١ حديثا.

دخل الطوسي بغداد سنة ٤٠٨ واستقر بها في أيام الشيخ المفيد. محمد بن النعمان(٣٣٦-٤١١) صاحب شرح عقائد الصدوق وأوائل المقالات ونحو مائتي مؤلف.

وتلمذ الطوسي بعد موت الشيخ المفيد للشريف المرتضى فنجب في مدرسة الشرف، وفي «دار العلم» التي أنشأها، وكان يجري عليه اثني عشر ديناراً في الشهر طوال ملازمته له حتى وفاة المرتضى. وانتفع بكتب المرتضى والكتب التي حوتها مكتبته. فألف في كل علوم الإسلام. واجتهد الاجتهاد المطلق. فكان حجة في فقه الشيعة والسنة.

ومن أجل آثاره تدريسه في مجالسه، وأماليه «بالنجف الأشرف» في جوار مشهد أمير المؤمنين علي. وبهذا افتتح عصر العلم بالنجف الأشرف فصار صنواً للأزهر الأغر -الذي أقامته دولة من دول الشيعة- والمعهدان هما اللذان حفظا علوم الإسلام.

فالطوسي، والشريفان الرضي والمرتضى، والشيخان المفيد والصدوق، والكليني، قد وصلوا ما انقطع من التأليف منذ عصر الإمام الصادق حتى منتصف القرن الخامس، ليستمر التيار في التدفق.

والشريفان في مدرسة جدهما صفوان. أبوهما أبو أحمد الموسوي (نسبة إلى جده الإمام موسى الكاظم). وفيه قول ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة

___________________

(١) نسبة إلى مدينة قم في ايران وهي أقدم المدن التي بدأ فيها الشيعة الإمامية في ايران وقد نشأت على أيدي جماعة من الناجين من جيش ابن الأشعث (٨٣).

١٦٤

للشريف الرضي: كان أبوه أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس وبني بويه. ولقب «بالطاهر ذي المناقب» ولقبه أبو نصر بن بويه «بالطاهر الأوحد» ولي نقابة الطالبيين عدة دفعات. كما ولي النظر في المظالم. وحج بالناس مراراً على الموسم .

عاش أبو أحمد طوال القرن الرابع(٣٠٤-٤٠٠) وكان يستخلف على الحج ولديه «الرضي»«والمرتضى» .

والشريف الرضي(٣٥٨-٤٠٦) هو شاعر العربية الشهير. وجامع «نهج البلاغة» الأشهر، من خطب أميرالمؤمنبن علي. تولى نقابة (الطالبيين) في حياة أبيه ومن بعده. وتولى النيابة عن الخليفة العباسي.

فهذه ولاية ينفرد بها في التاريخ، تجمع بين نقابة الطالبيين وبين نيابة الخلافة السنية .

وللشريف الرضي تآليف عظيمة في تفسير القرآن منها تلخيص البيان في معجزات القرآن حقائق التأويل ومتشابه التنزيل معاني القرآن. كذلك له مجازات الآثار النبوية خصائص الأئمة.

أما الشريف المرتضى(٤٣٦) فيقول عنه الثعالبي في «يتيمة الدهر»- وهما متعاصران- «انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم. وله شعر نهاية في الحسن. ومؤلفاته كثيرة. منها أمالي المرتضى - الشافي - تنزيه الأنبياء - المسائل الموصلية الأولة - مسائل أهل الموصل الثانية - مسائل أهل موصل الثالثة - المسائل الديلمية - المسائل الطرابلسية الأخيرة - المسائل الحلبية الأولة - المسائل الجرجانية - المسائل الصيداوية - وتآليف أخرى كبيرة في الفقه والقياس ورفضه. وقد شرح تلميذه الطوسي أكثر من مؤلف له» .

ومن أعظم آثاره إنشاء «دار العلم» ببغداد ورصده الأموال عليها وإجراؤه العطاء على التلاميذ وإطعامهم وإسكانهم. وكان يتبع «دار العلم» هذه مكتبته التي تحوي أكثر من ثمانين ألف مجلد.

وحسبه أن يكون الطوسي من تلاميذه.

وفي آثار هذا السلف العظيم تتابع ركب العلماء والمؤلفين الفحول يخلدون فقه الإسلام.

١٦٥

مشيخة العلماء

كان مع الكتب التي آلت عن علي ومعاصريه، مؤلفات كبيرة أو صغيرة، وضعها من جاءوا بعده، وسير لهذا الثبت الضخم من شيعته من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. فهذا هو التراث التاريخي للشهداء وأشياع الشهداء. لا تكف الأمة عن ترديده، جهرة وخفية، يتصدرهم الصحابة العظماء، وإليك بعض الأسماء:

سلمان الفارسي (والذي يطلق عليه سلمان المحمدي). وأبو ذر (أصدق الناس لهجة). وعمار الذي (تقتله الفئة الباغية) هو في التسعين يحارب مع علي. والعباس بن عبد المطلب. وأبو أيوب الأنصاري. والمقداد بن الأسود الكندي الذي قال لعلي يوم بيعة السقيفة (إن أمرتني ضربت بسيفي وإن أمرتني كففت)، قال: (اكفف). وخزيمة ذو الشهادتين. وأبو التيهان. وعبد الله والفضل ابنا العباس. وبلال بن رباح. وهاشم بن عتبة المرقال. وابان وخالد ابنا سعيد بن العاص. وأبي بن كعب سيد القراء. وأنس بن الحرث بن نبيه. وعثمان وسهل ابنا حنيف. وبريدة. وحذيفة. وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار. وهند بن أبي هالة - أمه أم سلمة أم المؤمنين - وجعد بن هبيرة المخزومي - أمه أم هاني بنت أبي طالب - وجابر ابن عبد الله الأنصاري.

وسيجري في آثاره الصحابة التابعون لهم وتابعو التابعين. فيضيفون إلى التراث العظيم آثار رجال عظماء منهم، من أشياع علي، الأحنف بن قيس. سويد بن غفلة. الحكم بن عيينة. سالم بن أبي الجعد. علي بن أبي الجعد: السعيدان. ابن جبير وابن المسيب(١) يحيى بن نظير العدواني.

الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم العروض. أبو مسلم معاذ بن مسلم الهراء مؤسس علم الصرف.

___________________

(١) سعيد بن جبير هو الشهيد الوحيد الذي قتل من الرعب قاتله! سأله الحجاج وهو يقدمه للقتل: أي قتلة تشاء ؟ فأجابه : «اختر أنت فالقصاص أمامك». ذلك أن القصاص قتل بقتل. فكان الحجاج بعد استشهاد سعيد يهب من نومه فزعا وهو يقول: مالي ولسعيد بن جبير!! ثم مات بعده بشهر. مات في رمضان وسعيد في شعبان سنة ٩٥. ورفض ابن المسيب أن يبايع لولدي عبد الملك بن مروان - الوليد وسليمان - وتمسك برأيه فأخذوه ليقتلوه، ثم اكتفوا بضربه بالسياط وجردوه من ثيابه وطافوا به .

ورفض أن يزوج بنته للوليد بن عبد الملك، وهو ولي عهد عبد الملك، وآثر أن يزوجها تلميذا فقيراً من تلاميذه.

١٦٦

وفي مدرسة التابعين هذه برز أبو هاشم (عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين). وأبو هاشم أول من تكلم في علم الكلام. ومن بعده نشأت مدرسة المعتزلة يتزعمها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد. وبأبي هاشم تبدأ مدرسة المتكلمين من الشيعة.

ومن جيل التابعين هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأبو مخنف الأزدي المؤرخان.

ويتوالى موكب العلم العظيم من عهد علي. وتتعالى أصوات الدعاة العظاء للمذهب الشيعي، كالنابغة الجعدي: شهد صفين مع أمير المؤمنين، وله فيها أشعاره المشهورة، وكان معه عروة بن زيد الخيل، ولبيد بن ربيعة، وكعب بن زهير صاحب قصيدة «بانت سعاد». ومن بعدهم: الفرزدق، وكثيرعزة من شعراء القرن الأول، ثم الكميت، وقيس بن ذريح، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وأبو تمام، والبحتري، وديك الجن، والحسين بن الضحاك وابن الرومي، والأشجع السلمي(١) ...

___________________

(١) من الطبيعي أن يكون كثرة الشعراء شيعة. فالشعر ضمير الجماعة وصوتها الصداح. والضمير الاسلامي كله، يثقله أو يعذبه، أو يهيج قرائحه، ما أصاب أهل البيت من ظلم الدول. ويخفف عنه ما يعقده حول أهل البيت من أمل لهم وله .

وكلما أحس الشعب ظلما طلب الرجاء والاقتداء بأبناء النبي صلى الله عليه وسلم- وبهذا انضاف إلى الثبت الحافل السابق ذكره: ابن هانئ الأندلسي. ومهيار الديلمي. وأبو فراس الحمداني. والناشئ الصغير. والناشئ الكبير. وكشاجم. وأبو بكر الخوارزمي. والبديع الهمذاني. والطغرائي. والسري الرفا. وعمارة اليمني.

بل أصبح ثناء على الشاعر أن يقال (يترفض في شعره) أي يتشيع، وللمتنبئ وأبي العلاء شعر شيعي .

وأما أشراف العلويين فمنهم الشريف الرضي والشريف المرتضى. وكان الشريف علي الجماني يقول (أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر) ومنهم الشريف الشجري.

بل كان من الأمويين متشيعون: ابان بن سعيد بن العاص وخالد بن سعيد بن العاص وعمر بن عبد العزيز. وعبد الرحمن أخو مروان بن الحكم. ومروان بن محمد السروجي الذي يقول :

يا بني هاشم بن عبد مناف

أنا منكمو بكل مكان

ولئن كنت من أمية إني

لبريء منهمو إلى الرحمن

وأبو الفرج الأصفهاني(٢٨٤-٣٥٦) جده السابع مروان بن محمد آخر خلفاء بني مروان. وأبو الفرج صاحب «الأغاني» «ومقاتل الطالبين» ومن العباسيين شيعة: المأمون، والمعتضد، وأحمد بن الموفق. ومن الأيوبيين كان الأفضل بن صلاح الدين. ومن الفلاسفة متشيعون: الكندي فيلسوف العرب(٢٤٦) والفارابي(٣٣٩) وابن سينا(٤٢٨) ومن الورزاء المشهورين : أبو سلمة الخلال - قتله السفاح - ويعقوب بن داود. حبسه المهدي وأفرج عنه الرشيد - والفضل والحسن ابنا سهل - قتل المأمون الأول وأصهر إلى الثاني ليستل سخيمته. وبنو طاهر الخزاعي ووزراء المأمون. وأبو دلف العجلي والصاحب بن عباد الخ .

١٦٧

وعلم أهل البيت علم كل الأمة. فأمير المؤمنين علي في قمة السند عند الجميع من سنة وشيعة. لكن الذين ينقلون عنه - من الشيعة أو أهل السنة - محل تفاوت.

فالشيعة لا يقبلون كلمة ممن حارب عليا أو ظلمه من الصحابة أو التابعين. وأهل السنة، مع اختلافهم من ناحية شروط الرواية والراوين، لا يقبل بعضهم ما لا يصل إليه بطريقته، ويتشكك بعضهم في بعض ما يرويه الشيعة لأمور تتعلق بالسند أو بالمتن أو براويه من الشيعة.

وفي أسناد الشيعة فحول - بكل المقاييس في العدالة والنزاهة والعلم تتردد أساؤهم عالية في «كتب الحديث» والصحاح، التي يقوم عليها العلم عند أهل السنة - والحق أن «جوهر الحديث النبوي» واحد عند هؤلاء وأولاء، مع تعدد الطرق .

ومن هؤلاء:

- الحارث بن عبد الله الهمداني (٦٥) صاحب أمير المؤمنين علي وخاصته. حديثه في كتب السنن الأربعة: قال ابن سيرين «كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم أدركت أربعة منهم وفاتني الحارث، فلم أره. وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم. ويختلف في هؤلاء أيهم أفضل: علقمة ومسروق وعبيدة» .

- علقمة بن قيس النخعي (٦٢) عم الأسود وأخويه أبناء يزيد. كان من أولياء آل محمد. والشهرستاني يعده من الشيعة فهو قد شهد صفين مع أمير المؤمنين. واستشهد فيها أخوه أبي. وخضب علقمة سيفه من دماء الخوارج. ولم يزل عدوا لمعاوية حتى مات. ومكانة علقمة عند أهل السنة من المسلمات: كان عنده كل علم ابن مسعود .

وفي بيت علقمة نشأت مدرسة النخعيين. وفيها نجب إبراهيم بن يزيد واسطة العقد في فقه العراق

- ظالم بن عمرو قاضي البصرة لعلي (أبو الأسود الدؤلي)(٦٩). احتج به أصحاب الصحاح الستة. وهو واضع علم النحو. ومكان النحو من اللغة، ومكانة اللغة من القرآن والسنة وكل علوم الأمة، يضعان ابا الأسود في أعلى مكان.

- عبد الله بن شداد بن الهاد (٨١). أمه سلمى بنت عميس أخت أسماء أم عبد الله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي.

١٦٨

وهو أخو عمارة بن حمزة لأمه. وحمزة بطل أحد وشهيدها.

روى عن علي وأمي المؤمنين عائشة وميمونة. خرج مع القراء أيام ثورة ابن الأشعث فقتل يوم دجيل. أحتج بحديثه أصحاب الصحاح وسائر الأئمة أصحاب المسانيد.

- سليمان بن صرد الخزاعي (٦٥) كبير الشيعة في عصره. وبطل من أبطال صفين. يحتج به المحدثون. وحديثه عن رسول الله بلا واسطة، أو بواسطة الصحابي جبير بن مطعم، موجود في صحيحي البخاري ومسلم. وحديثه في غيرهما كثير.

وهو أمير التوابين الخارجين للثأر لدم الحسين. وكانوا أربعة آلاف ساروا إلى عبيد الله بن زياد وهو في سبعين ألفا، فتلاقوا في موضع يقال له «عين الوردة» حيث استشهد سليمان عن ثلاثة وتسعين عاما وهو يحارب جيش عبيد الله بن زياد.

أما عبيد الله بن زياد فقتله إبراهيم بن الأشتر النخعي بيده .

- صعصعة بن صوحان العبدي: أسلم في عهد النبي ولم يره. وهو من مشاهير خطباء العربية الذين خلدت بلاغتهم، فهو تلميذ في مدرسة أمير المؤمنين. شهد معه «الجمل» ومعه أخواه زيد وسيحان. وكانت الراية بيد سيحان يوم ذاك، فقتل، فأخذها زيد فقتل، فأخذها صعصعة وانتصر. ثم شهد صفين مع أمير المؤمنين .

روى عن علي وابن عباس. ونفاه المغيرة بن شعبة والي العراق بأمر معاوية، إلى الجزيرة في البحرين فمات- احتج به النسائي.

- عمرو بن وائلة - أبو الطفيل -(١١٠) كان صاحب راية المختار ابن عبيد الثقفي. وهو آخر الصحابة موتا. قدم على معاوية يوماً فقال له:

كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ (يقصد أمير المؤمنين عليا) فأجاب: كوجد أم موسى على موسى. وأشكو إلى الله التقصير. قال معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال لا ولكن فيمن حضره. قال معاوية: فما منعك من نصره.

قال: فما منعك أنت من نصر عثمان؟ كنت في أهل الشام وكلهم تابع لك فيما تريد.

قال معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟ قال إنك لكما قال أبو جعف:

لألفينك بعد الموت تطلبني

وفي حياتي ما زودتني زادا

وحديثه في صحيح مسلم. روى عن رسول الله وعن علي وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وحذيفة بن سعد وابن عباس وعمر ومعاذ .

١٦٩

- إبراهيم بن يزيد النخعي (٩٥) أبوه يزيد بن عمرو بن الأسود النخعي. وأخواله الأسود وإبراهيم وعبد الرحمن ابناء يزيد بن قيس يؤلفون - مع علقمة بن قيس - مدرسة النخعيين. وابن قتيبة يعتبر إبراهيم من الشيعة .

وروايته في الصحيحين وعنه يروي حماد بن أبي سليمان. وعن حماد يروي أبوحنيفة.

ومن فحول القرن الثاني كثيرون نختار منهم بعض الأسماء:

- عطية العوفي(١١١) كان أبوه من أصحاب علي وعلي هو الذي أعطاه اسمه. ضربه الحجاج ٤٠٠ سوطا لامتناعه عن سب علي (وجد الجلد مائة!) له ذرية نبلاء من الشيعة.منهم الحسين بن الحسن بن عطية الذي ولي القضاء.

يحتج به أبو داود والترمذي.

- جابر بن يزيد الجعفي(١٢٧) قالوا إنه كان يؤمن بالرجعة. وأحاديثه في مسلم وروى عنه النسائي والترمذي وأبو داود وأخذ عنه شعبة. ومن أجل قولهم عنه ووثاقته يروي ابن عبد الحكم عن الشافعي «أن سفيان (بن عيينة) قال لشعبة : لئن تكلمت في جابر لأتكلمن فيك» .

- شعبة بن الحجاج(١٦٠) أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين .

- عبد الرزاق بن همام(٢١٠) شيخ أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحق بن راهوية سئل يحيى، وهو أستاذ الجرح والتعديل، عن الرواية عن عبد الرزاق مع تشيعه. فقال : لو أرتد عن الإسلام ما تركنا حديثه.

وكان عبد الرزاق يتكلم في عثمان. وذكر أمامه معاوية مرة فقال: لا تقذروا مجالسنا بذكر ولد أبي سفيان(١)

___________________

(١) سأل الترمذي أحمد بن حنبل عن عائشة والزبير وطلحة فأجاب: «من أنا حتى أقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! كان بينهم شيء الله أعلم به» فأحمد لا يسيغ قدحا في الصحابة لورعه. وهم بأعمالهم وآرائهم أصل من أصوله حتى أنه ليبعث إلى يحيى بن معين يقول له: هو ذا تكثر الحديث عن عبد الله بن موسى العبسي وقد سمعته تناول معاوية. وقد أكثر الحديث عنه. فقال يحيى للرسول (إقرأ على أبي عبد الله أحمد بن حنبل السلام وقل له: أنا وأنت سمعنا عبد الرزاق (بن همام) يتناول عثمان بن عفان. فاترك الحديث عنه فإن عثمان أفضل من معاوية) .

ولم يترك أحمد حديث عبد الرزاق.

١٧٠

- الأعمش - سليمان بن مهران الأسدي الكوفي -(١٤٨) يحتج به أصحاب الصحاح الستة. ويروي عنه شعبة وجرير والسفيانان (الثوري إمام الكوفة وابن عيينة إمام المدينة). بعث إليه هشام بن عبد الملك ليكتب له مناقب عثمان ومساوئ علي.فأخذ القرطاس وأدخلها في فم شاة وقال للرسول: قل له هذا جوابه. قال الرسول : لقد أقسم أن يقتلني إن لم آت بجوابك. فكتب (أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعلي مساوئ أهل الأرض ما ضرتك. فعليك بخويصة نفسك. والسلام).

- ابن لهيعة(١٧٤) قاضي مصر. يقول عنه سفيان «عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع»

- شريك بن عبد الله النخعي القاضي(١٧٧). كان يقول «علي خير البشر فمن أبى فقد كفر». سأله الخليفة المهدي يوماً : ماذا تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: ما قال فيه جداك العباس وعبد الله. قال وما قالا؟ قال شريك: أما العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة. وكان يرى المسلمين يسألونه عما ينزل من النوازل. وما احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله. وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين. وكان في حروبه سيفا

١٧١

منيعا وقائدا مطاعا. فلو كانت إمامته على جور كان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه وفقهه في أحكام الله. ولم يمض طويل وقت حتى عزل شريك(١) .

___________________

(١) ربما كان في هذه الفترة الحرجة ما قيل من أنه دخل يوما على المهدي. فقال المهدي: علي بالسيف والنطع.قال شريك: ولم يا أمير المؤمنين؟قال المهدي: رايتك في منامي كانك تطأ بساطي وأنت معرض عني. فقصصت رؤياي على من عبرها فقال لي: يظهر لك طاعته ويضمر معصيته. قال شريك: والله ما رؤياك برؤيا ابراهيم الخليل. ولا معبرك بيوسفعليه‌السلام . أفبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحى المهدي وقال: اخرج عني وأبعده.

وكان الحقد على أمير المؤمنين علي غذاء يوميا على موائد بني العباس. لا تخلو منه واحدة حتى ولو كانت مائدة لخليفة يتشيع هو المأمون. أنبأه عمه ابراهيم بن المهدي- وكان شديد الانحراف عن علي - أنه رأى في المقام عليا فمشيا حتى جاءا قنطرة فتقدم لعبورها فأمسكه ابراهيم وقال: أنت تدعي هذا الأمر بامرأة (يقصد أمر الخلافة وفاطمة الزهراء وأن عليا يتقدم بزواجه منها) فما رأيت له بلاغة في الجواب ما زادني على أن قال : سلاما سلاما .

فنهره المأمون على ما افتضح من عقله الباطن في صورة حلم. قال:

لقد أجابك أبلغ الجواب. عرفك أنك جاهل لا يجاب مثلك قال الله تعالى : (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

ولقد نهره أحمد بن أبي داود مرة أخرى إذ لم يتوقر في مجلس القضاء، فقال له (يا ابراهيم إذا نازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمرءا فلا أعلمن أنك رفعت عليه صوتا ولا أشرت بيد. وليكن قصدك أمما. وريحك ساكنة. وكلامك معتدلا. ووف مجالس الخليفة حقها من التوقير والتعظيم) .

وكان مغنيا يعربد.نصبه أهله خليفة لمدة عامين في ثورة على المأمون. ثم عفا عنه المأمون بعد أن ضبطوه يحاول الفرار في ثياب امرأة.

١٧٢

- خالد بن مخلد القطواني(٢١٣) شيخ البخاري. قال عنه أبو داود.

صدوق ولكن يتشيع!

- هشيم بن بشير أول أشياخ أحمد بن حنبل المحدثين(١٦٣) .

- عبد الله بن موسى العبسي(٢٦٣) من مشايخ البخاري.

- معروف الكرخي(٢٠٠) زعيم الصوفية.

وصف ابن حنبل معروفاً لابنه عندما سأله : هل عنده علم؟ فقال : كان عنده رأس الأمر كله. تقوى الله.

التلاميذ من الشيعة

صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة كتابا جمع فيه رجال الصادق ورواة حديثه وأنهاهم إلى أربعة آلاف. وكتب من أجوبته أربعمائة مصنف.

وإنما أمكنه من ذلك أنقطاعه المخلص للتعليم عامة وتعليم السنن والفقه والتفسير خاصة، للشيعة ولغيرهم.

كان الرواة من تلامذته ومن غيرهم - كما يقول اليعقوبي - يروون عنه فيقولون: قال (العالم).

وكثيرا ما جلس في مجلس الإمام المخضرمون إلى جوار الجيل الجديد من المتفقهة، ومن الأولين قيس الماصر، وأبان بن تغلب، ومؤمن الطاق.

وكثير ما درب التلاميذ بين يديه ليصنعوا على عينيه:

يفد على المدينة وافد من الشام فيعدوا إلى المجلس يناقشهم في «وجوب تنصيب الإمام» فيتجارون في جداله حتى يسلم لهم. ثم يعلق الإمام الصادق على طريقتهم أو قدرتهم. فيقول لحمران بن أعين «تجري الكلام على الأثر فتصيب» ثم يلتفت لهشام بن سالم فيقول له «تريد الأثر ولا تعرفه» ويلتفت إلى الأحول (الطاقي) ويقول «قياس رواغ تكسر باطلا بباطل. لكن باطلك أظهر» ويقول لقيس الماصر «تتكلم وأقرب ما تكون إلى الخبر عن رسول الله أنت والأحول قفازان حاذقان» وأخيرا يقول لهشام بن الحكم «يا هشام: لا تكاد تقع. تلوي رجليك. إذا هممت بالأرض طرت. مثلك يكلم الناس. فاتق الزلة..».

١٧٣

ولقد يلاحظ المرء من ذلك تعدد طرقهم وتفاوت علمهم ونفاذ بصر الإمام إلى خصائصهم، ودوره في تصويب وتدريب كل منهم. وهو لا يتركهم دون تشجيع: يشير إلى زرارة بن أعين وبريد العجلي وأبي بصير المرادي ومحمد بن مسلم فيقول : (لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة واندرست). وكان في أسرة زرارة الحفاظ المدققون يتصدرهم تلميذا الإمام، الحسن والحسين ابنا زرارة. والإمام يهب الأسرة جلال الذكرى في التاريخ فيقول: (لولا أسرة زرارة ونظرائه لانقطعت أحاديث أبي).

وهو إذ يثني على أسرة زرارة، يشجع النظراء، وربما لا يتركهم الإمام دون تضييف :

فالمستشرق رونلدسن يصور بعض مجالس الإمام مع تلاميذه فيقول ما تعريبه (ومن الوصف الذي نقرؤه عن إكرام جعفر الصادق ضيوفه في بستانه الجميل في المدينة، واستقباله الناس على اختلاف مذاهبهم، يظهر لنا أنه كانت له مدرسة شبه سقراطية.وقد ساهم تلاميذه مساهمة عظمى في تقدم علمي الفقه والكلام. وصار اثنان من تلامذته وهما (أبوحنيفة ومالك) فيما بعد من أصحاب المذاهب الفقهية. وأفتوا بالمدينة أن اليمين التي أعطيت في بيعة المنصور لا تعتبر، ما دامت أعطيت بالإكراه. ويروى أن تلميذا آخر من تلامذته وهو «واصل بن عطاء» رئيس المعتزلة جاء بنظريات في الجدل مما أدى إلى إخراجه من حلقة تدريس الإمام جعفر وكان «جابر بن حيان» الكيماوي الشهير من تلامذته أيضا).

اليك بعض الأسماء :

«أبان بن تغلب»(١٤١) تلميذ زين العابدين والباقر والصادق.

قال له الباقر (اجلس في المسجد وأفت الناس. فأنا أحب أن يرى في شيعتي مثلك) وقال له الصادق : (ناظر أهل المدينة فأنا أحب ان يكون مثلك من رواتي ورجالي).

كان إذا دخل على الصادق عانقه وأمر بوسادة تثنى له، وأقبل عليه بكله، ولما مات قال: أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان.

١٧٤

روى عن الصادق ثلاثين الف حديث. وهو - بهذه المثابة - شاهد على التعاقب والاستمرار والشمول في علم أهل البيت. يعرف الشيعة بأنهم (الذين إذا اختلف الناس أخذوا بقول علي وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد) فهو القائل في جعفر بن محمد (ما سألته عن شيء إلا قال: قال رسول الله)

كان إذا جلس بالمسجد تقوضت إليه الحلق. وأخليت له سارية النبي. فيجيئه الناس يسألونه فيجيئهم بمختلف الأقوال. ثم يذكر قول أهل البيت ويورد حججه. ومن أجل هذا المنهج في التدريس كان الصادق يوصي التلاميذ بأن يعبوا من منابعه؛ يقول لأبان بن عثمان: إيت أبان فإنه سمع عني ثلاثين ألف حديث فاروها عنه. فهو لا يتردد في تفضيله حتى ليجعله طبقة بينه وبين سميه في الرواية عنه.

وقد احتج بحديثه مسلم بن الحجاج في صحيحه وأصحاب السنن الأربعة وروى عنه سفيان بن عيينة شيخ الشافعي. وله كتب شتى منها كتاب في الأصول.

- ثابت بن دينار(١٥٠) -أبو حمزة الثمالي- تلميذ الصادق والسدي المفسر. يقول فيه الرضا حفيد الصادق : أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه.

استشهد بنوه الثلاثة حمزة ونوح ومنصور في خروجهم مع زيد بن علي- روى عنه الترمذي.

- «مؤمن الطاق» - كما يسميه الشيعة - نسبة إلى «طاق المحامل» حيث كان متجره. أو «شيطان الطاق» كما يسميه فقهاء السنة: هو محمد بن علي بن النعمان الأحول. ويقال ان أبا حنيفة هو الذي لقبه بشيطان الطاق لمناظرة جرت بين الخوارج وبينه أمام أبي حنيفة. والراجح أن خصومه سموه كذلك لعبقريته. أما الإمام الصادق فيناديه بعبارة بارعة يرضاها الجميع «ياطاقي» أو يقول «صاحب الطاق»

كان مناظرا لا يشق له غبار. رآه تلميذ آخر يناظر، وأهل المدينة يضيقون بمناظرته حتى قطعوا آراءه، وهو لا ينكف عن الجدل. فنبهه على أن الإمام ينهاهم عن الكلام. فالتفت إليه وقال: أو أمرك أن تقول لي؟ قال لا. ولكنه أمرني أن لا أكلم أحدا. قال: اذهب فأطعه فيما أمرك.

١٧٥

وسمع الصادق بالواقعة، من التلميذ، فتبسم. بل هو قال له: إن صاحب الطاق يكلم الناس فيطير. أما أنت إن قصوك لن تطير.

ويروى أنه ناظر زيد بن علي في إمامة الإمام الصادق .

كان أبوحنيفة يتهمه بالرجعة. وهو يتهم أباحنيفة بالقول بالتناسخ. تلاقيا بالسوق يوما ومع صاحب الطاق ثوب يبيعه. قال أبوحنيفة أتبيعه إلى حين رجعة؟ قال: إن أعطيتني كفيلا أن لا تمسخ قردا .

ولما مات الإمام الصادق قال له أبوحنيفة: مات إمامك. فأجابه: لكن إمامك لا يموت إلا يوم القيامة. إمامك إبليس!

وله كتاب في مناظراته لأبي حنيفة.

-أبان بن عثمان بن أحمر البجلي. يروي عن الصادق ثم عن الكاظم، وله مؤلفات شتى، وذكره ابن حيان في الثقات.

وهو على رأس الستة الذين أجمع الشيعة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار بالفقه لهم. وهم: أبان. وجميل بن دراج. وعبد الله ابن مسكان. وعبد الله بن بكير. وحماد بن عيسى. وحماد بن عثمان.

- هشام بن الحكم :(١٧٩) نشأ بالكوفة ودخل بغداد للتجارة واستقر بها. ولزم الإمام الصادق ثم صار خصيصا بالإمام الكاظم يقول عنه ابن النديم: هو من جلة أصحاب جعفر. وهو من متكلمي الشيعة ممن فتقوا الكلام في «الإمامة»

عمل مدة من الزمان قيما بمجالس الكلام عند يحيى بن برمك وزير الرشيد.

وكان أول أمره من أصحاب جهم بن صفوان ثم انتقل إلى القول بالإمامة في شبابه فكان الصادق يدعو له (لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك).

ونفذ هشام إلى المعتزلة من خلال (النظام). وظل أثره قويا في غير المعتزلة حتى ظهر المذهب الأشعري .

١٧٦

وهشام هو الذي يقول: ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاه الله من سمائه فعزلوه وإلى من عزله الله من سمائه فولوه (يقصد تبليغ علي سورة براءة بدلا من أبي بكر. وقول جبريل للرسول : لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك) كان إذا قصد إفحام معارضيه لم يثبت أمامه رجل سمعه الرشيد في بعض مجالس يحيى بن برمك وكان يحضرها من وراء الستر فقال: «إن لسان هشام أوقع في نفوس الناس من ألف سيف» .

ولما فتك الرشيد بالبرامكة طلب هشاما فاختفى. فأخذ به خلقا كثيرا ثم أطلقهم بعد أن مات هشام مستترا.

ولم تكن مجالس المناظرات خالية من الخطر. يسأل هشاما سائل ذات يوم (أما علمت أن عليا نازع العباس (جد الرشيد) - إلى أبي بكر؟ فأيهما كان الظالم لصاحبه؟ - قال هشام فيما بعد «قلت في نفسي إن قلت العباس بلغ ذلك الرشيد، وإن قلت عليا ناقضت نفسي» - قال هشام: لم يكن فيهما ظالم. قال السائل أفيختصم اثنان ..وهما محقان!! قال هشام: نعم اختصم الملكان إلى داود، وليس فيهما ظالم. وإنما أرادا أن ينبهاه. كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليعلماه ظلمه). فهو ينجو من المزالق، ويكرم الرجلين، ويفضل عليا على أبي بكر.

ومن وصية الإمام الصادق له قوله: (يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليفزع إلى الله في مسألته إن كل له عقل. فمن عقل قنع بما يكفيه. ومن قنع استغنى. ومن لم يقنع لم يدرك الغنى أبدا يا هشام كما تركوا لكم الحكمة اتركوا لهم الدنيا العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه. إن الزرع ينبت في السهل من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه) .

وكان يحذره من التشبيه والتجسيم، وقد كانت تبلغه عنه زلات في هذا الشأن. ومع ذلك لا يكف عن تشجيعه. فيستعيده رواية ما وقع منه مع عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة. ويستحي هشام فيقول له الإمام: «إذا أمرتكم بشيء فافعلوا». فيقول هشام:

(بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي. فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة وأتيت

١٧٧

المسجد، وإذا بحلقة عظيمة فيها عمرو والناس يسألونه فقعدت في آخر القوم على ركبتي. ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة قلت : ألك عين؟ قال نعم فقلت الك أنف؟ ألك لسان؟ ألك أذن؟ قال نعم. قلت ألك قلب؟ قال نعم. قلت فما تصنع به؟ قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب. قال لا. قلت لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال نعم. فقلت : يا أبا مروان والله تعالى لم يزل جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وتتيقن به مما شكت فيه. ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم. ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه شكك وحيرتك؟ فسكت ثم التفت إلي وقال: أنت هشام بن الحكم) ..

فضحك الإمام وقال: من علمك هذا ؟ قال شيء أخذته منك قال: (هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى) .

وظاهر أن طريقته كانت طريقة الإمام في استعمال المحسوسات والاعتبار بها في الإثبات واستعمال العقل بنزاهة في الاستدلال. وسنعرض لها فيما بعد .

بلغت مؤلفات هشام سبعة عشر مؤلفا منها كتاب «الإمامة» كتاب الوصية والرد على من يطلبها.وكتاب الحكمين.

«جابر بن حيان» - أول من استحق في التاريخ لقب كيميائي، كما تسميه أوربة المعاصرة. وهو الذييشير إليه الرازي(٢٤٠-٣٢٠) - جالينوس العرب- فيقول (استاذنا أبو موسى جابر بن حيان). والمؤرخون - إلا بعضا من غير المسلمين - متفقون على تلمذته للإمام. وعلى صلته أو تأثره به في العلم والعقيدة. وأكثرهم على أنه صار بعد موت الإمام من الشيعة الإسماعيلية. يقول في كتابه الحاصل (ليس في العالم شيء إلا وفيه من جميع الأشياء. والله لقد وبخني سيدي (يقصد الإمام الصادق) على عملي فقال: والله يا جابر لولا أني أعلم أن هذا العلم لا يأخذه عنك إلا من يستأهله وأعلم علما يقينا أنه مثلك، لأمرتك بإبطال هذه الكتب من العلم) .

وكانت كتب رياضة وكيمياء تسبق العصور بجدتها قيل إنه أخذ علمه عن خالد بن يزيد ثم أخذ عن الإمام جعفر.

١٧٨

وهو يشير إلى الإمام دائماً بقوله «سيدي». ويحلف به. ويعتبره مصدر الإلهام له .

يقول في مقدمة كتابه الأحجار (وحق سيدي لولا أن هذه الكتب باسم سيدي - صلوات الله عليه - لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد).

ذكر له المستشرق كراوس k raus ناشر كتبه في العصر الحديث أربعين مؤلفا. وأضاف ابن النديم في القرن الرابع للهجرة عشرين كتابا أخرى. وينقل ابن النديم قوله (ألفت ثلثمائة كتاب في الفلسفة وألفا وثلثمائة رسالة في صنايع مجموعة، وآلات الحرب، ثم ألفت في الطب كتابا عظيما ثم ألفت كتبا صغارا وكبارا، وألفت في الطب نحو خمسمائة كتاب. ثم ألفت في المنطق على رأي أرستطاليس. ثم ألفت كتاب الزيج أيضا نحو ثلاثمائة ورقة. ثم ألفت كتابا في الزهد والمواعظ. وألفت كتبا في العزايم كثيرة وحسنة وألفت في الأشياء التي يعمل بخواصها كتبا كثيرة. ثم ألفت بعد ذلك نحو خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة. ثم ألفت كتابا في الصنعة يعرف بكتب الملك. وكتابا يعرف بالرياض).

وتلاميذ الصادق، المشهورون، فيما عدا من سلف ذكرهم، من كبار أهل السنة أشياخ للفقهاء في جميع المذاهب منهم: سفيان بن عيينة. وسعيد ابن سالم القداح. وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. وعبد العزيز الدراوردي. وقد روى الشافعي عن كل هؤلاء. وجرير بن عبد الحميد، وإبراهيم بن طهمان، وعاصم بن عمر.. بن عمر بن الخطاب.. وأبو عاصم النبيل(٢١٢) شيخ أحمد بن حنبل. وأبو عاصم آخر تلاميذ الصادق وفاة، وقد روى عنه كتابا. والكسائي عالم اللغة، وعبد العزيز بن عبد الله الماجشون زميل مالك في الفتيا في موسم الحج، وعبد العزيز بن عمران.. بن عبد الرحمن بن عوف وابن جريج إمام مكة.والفضيل بن عياض. والقاسم بن معن. وحفص بن غياث والثلاثة أصحاب أبي حنيفة، ومنصور بن المعتمر. ومسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي بمكة. ويحيى بن سعيد القطان.

وإنما أحدثت السياسة الخلافات بين فقهاء السنة والشيعة فأنتجت وجوها لخلافات فقهية وحديثية. فوجدنا للشيعة رواة ليسوا من رواة الكتب التي يتداولها أهل السنة ومنها الصحاح الستة المشهورة. فالشيعة لا يقبلون أحاديث من حاربوا عليا أو أخطأوا في حقه.

١٧٩

ومن الناحية الأخرى وجدنا في بعض كتب الحديث لأهل السنة، أوصافا للرواة من الشيعة، تتضح منها جذور هذه الخلافات.

وإليك بعض أمثال:

- كان الشعبي- شيخ المحدثين بالكوفة على رأس المائة الأولى - يكذب الحارث الهمداني، صاحب علي، فيسلط الله على الشيعي ثقات أثباتا من الرواة يستخفون به

- وأبان بن تغلب نجبة مدرسة السجاد والباقر والصادق. يقول فيه الحافظ السعدي: زائغ مجاهر. ويقول فيه الجوزجاني: زائغ مذموم المذهب. ويقول عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (شيعي جلد. ولكنه صدوق. فلنأخذ صدقه وعليه بدعته).

- وعلى هذا النحو تجد خالد بن مخلد القطواني(٢١٣) ، وهو من مشايخ البخاري، يقول عنه ابن سعد إنه كان مفرطا في التشيع. ويقول عنه أبو داود: «صدوق» لكنه يتشيع.

- وتجد تليد بن سليمان يقول فيه أبو داود - تلميذ أحمد - رافضي يشتم أبابكر وعمر. فلنا «صدقه» وعليه «بدعته». لكن ابن حنبل يأخذ عنه. وحسب الرجل شهادة ابن حنبل.

- وجعفر بن سليمان يقول فيه ابن عدي (أرجو أنه لا بأس به) ، في حين أن أحمد بن حنبل عندما يقال له إن سليمان بن حرب يقول لا تكتبوا حديث جعفر بن سليمان، يرد أحمد (لم يكن ينهى عنه إنما كان جعفر يتشيع) فيبين سبب ظلم سليمان له.

- ولقد تجد الرواية يقول بالرجعة، فيضعفه يحيى بن معين، أستاذ الجرح والتعديل وزميل أحمد بن حنبل، لكنك تجد عبد الرزاق بن همام يقول بالرجعة ومع ذلك يروي عنه الأعمش وسفيان وشعبة وابن حنبل ويحيى نفسه وسفيان بن عيينة شيخ المحدثين بمكة وأستاذ الشافعي. وأحمد ابن حنبل صاحب المسند الأعظم .

- أو تجد زبيد بن الحارث، يقول فيه الجوزجاني (كان ممن لا يحمد الناس مذاهبهم). ويضيف (احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في الحديث) لذلك يحتج به أصحاب الصحاح وأرباب السنن، وكمثلهم الشعبي وإبراهيم ابن يزيد النخعي.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بعد ذلك من أدنى الحرم. وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنى الحِلّ ، كلّ هذا لا دم عليه ؛ لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.

وأمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحِلّ ، قال الشافعي في القديم : عليه دم(١) .

وقال أصحابه : على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة ، فعليه دم ؛ لتركه الإحرام من الميقات(٢) .

وعندنا أنّه لا دم عليه ؛ للأصل.

ولو اعتمر في أشهر الحجّ ولم يحج في ذلك العام بل حجَّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ، لم يجب الدم ؛ لأنّه لا يكون متمتّعاً ، وهو قول عامّة العلماء ، إلّا قولاً شاذّاً عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجَّ أو لم يحجّ(٣) .

وأهل العلم كافّة على خلافه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٤) وهو يقتضي الموالاة بينهما.

ولأنّ الإجماع واقع على أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجَّ من عامه ذلك ، فليس بمتمتّع ، فهذا أولى ؛ لكثرة التباعد بينهما.

مسألة ٥٨٢ : قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ ؛ لأنّه صار مرتبطاً به ؛ لدخولها فيه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٥) .

____________________

(١ و ٢ ) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨١ ، المسألة ٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

٢٤١

وقال الله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) .

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ، صحّ له أن يتمتّع ، ولا يجب عليه تجديد عمرة ، وإن عاد(٢) في غير الشهر ، اعتمر اُخرى ، وتمتّع بالأخيرة ، ووجب عليه الدم بالأخيرة.

ولا يسقط عنه الدم ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٣) وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ، ووجوب إعادتها إن رجع في غيره ، وعلى التقديرين يجب الدم.

وقال عطاء والمغيرة وأحمد وإسحاق : إذا خرج إلى سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله ، سقط عنه الدم ؛ لقول عمر : إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ، فهو متمتّع ، فإن خرج ورجع ، فليس بمتمتّع(٤) .

وهو محمول على مَنْ رجع في غير الشهر الذي خرج فيه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقال الشافعي : إن رجع إلى الميقات ، فلا دم عليه(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إن رجع إلى مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٦) .

وقال مالك : إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٧) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في « ق ، ك ‍» : وإن دخل.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢ ، المغني ٣ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

٢٤٢

وقال الحسن : هو متمتّع وإن رجع إلى بلده. واختاره ابن المنذر(١) .

مسألة ٥٨٣ : إنّما يجب الدم على مَنْ أحلّ من إحرام العمرة ، فلو لم يحلّ وأدخل إحرام الحجّ عليها ، بطلت المتعة ، وسقط الدم ، وبه قال أحمد(٢) .

قالت عائشة : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام حجّة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقدمت مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( انقضى رأسك وامتشطي وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت فلمـّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه ، فقال : هذا مكان عمرتك(٣) .

قال عروة : فقضى الله حجّها وعمرتها ولم يكن في شي‌ء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة(٤) .

ولأنّ الهدي إنّما يجب على المتمتّع ، والتقدير بطلان متعته.

أمّا المكّي لو تمتّع وجوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي.

ولو دخل الآفاقي متمتّعاً إلى مكّة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ، فعليه دم المتعة ، أجمع عليه العلماء ؛ للآية(٥) ، وبالعزم على الإقامة لا يثبت له حكمها.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ / ١٢١١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ / ١٧٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، وانظر صحيح مسلم ٢ : ٨٧٢ ذيل الحديثين ١١٥ و ١١٧.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٢٤٣

ولو كان مولده ومنشؤه بمكّة ، فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ناوياً للإقامة أو غير ناوٍ لها ، فعليه دم المتعة - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق(١) - لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة وفعلها ، وهذا إنّما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ ؛ لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناوٍ للخروج إلى الحجّ ، فكأنّه إنّما نوى أن يقيم بعد أن يجب الدم.

مسألة ٥٨٤ : الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات ، وجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه‌ مع القدرة ، فإن عجز ، أحرم من دونه لعمرته ، فإذا أحلّ ، أحرم بالحجّ من عامه وهو متمتّع ، وعليه دم المتعة ، ولا دم عليه لإحرامه من دون الميقات ؛ لأنّه تركه للضرورة.

قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع العلماء على أنّ مَنْ أحرم في أشهر الحجّ بعمرة وأحلّ منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة(٢) .

وقال بعض العامّة : إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه ، فلا دم عليه للمتعة ؛ لأنّه من حاضري المسجد الحرام(٣) .

وليس بجيّد ، فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به ونيّة الإقامة ، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيّتها.

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣١ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٠ - ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٥٠٤ - ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ - ٢٥١.

٢٤٤

ولقوله تعالى :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) وهو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به ، وهذا ليس بساكن.

مسألة ٥٨٥ : الهدي إنّما يجب على المتمتّع‌ ، وهو المـُحْرم بالعمرة في أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، فليس بمتمتّع ، ولا دم عليه إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً إلّا قولين نادرين :

أحدهما : قول طاوُس : إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتى يحضر الحجّ ، فهو متمتّع(٢) .

والثاني : قول الحسن : من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع(٣) .

قال ابن المنذر : لا نعلم أحداً قال بواحد من هذين القولين(٤) .

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة ، وبه قال أحمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين(٥) .

وقال في الآخر : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري(٦) .

وقال طاوُس : عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم(٧) .

وقال عطاء : عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه. وبه قال مالك(٨) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢ و٣ ) المغني ٣ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٠١ - ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٥ - ٧ ) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٨) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٢٨.

٢٤٥

وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ ، فليس بمتمتّع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحجّ ، فهو متمتّع(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه أتى بنسك لا تتمّ العمرة إلّا به في غير أشهر الحجّ ، فلا يكون متمتّعاً ، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة »(٢) .

مسألة ٥٨٦ : المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، لم يجب عليه الهدي‌ ولا على مولاه إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) .

وفي قول شاذّ للشافعي : يجب على مولاه أن يهدي عنه ؛ لتضمّن إذنه لذلك(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ فرض غير الواجد الصومُ ، ولا فاقد كالعبد.

ولأنّ الحسن العطّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أعليه أن يذبح عنه؟ قال : « لا ، لأنّ الله تعالى يقول :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ( باب من يجب عليه الهدي ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٨ / ٩٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٣.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) المجموع ٧ : ٥٤.

(٥) النحل : ٧٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٥ ، و ٤٨٢ / ١٧١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٣.

٢٤٦

إذا ثبت هذا ، فإنّ المولى يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، عند علمائنا - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) وبتقدير تمليك المولى يصير موسراً.

ولأنّ جميل بن دراج قال - في الصحيح - : سأل رجلٌ الصادقعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع ، قال : « فمُرْه فليصم وإن شئت فاذبح عنه »(٣) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : لا يجزئه الذبح عنه ، ويلزمه الصوم عيناً - [ وبه ](٤) قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي - لأنّه غير مالك ، ولا سبيل له إلى التملّك ، لأنّه لا يملك بالتمليك ، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي ، فيلزمه الصوم(٥) .

مسألة ٥٨٧ : الواجب على المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله‌ ، كالحُرّ - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٦) - لعموم قوله تعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) (٧) ولأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه ، فكان عشرة أيّام ، كصوم الحُرّ.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٥.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٣ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٨ - ٥٢٩ ، مختصر المزني : ٧٠ ، المجموع ٧ : ٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٢٤٧

يوماً ، والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع(١) .

وقال بعض العامّة : يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم(٢) .

ويبطل بالآية(٣) . وبقول عمر لهبّار بن الأسود : فإن وجدت سعةً فاهد ، وإن لم تجد سعةً فصُمْ ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت(٤) .

ولو لم يذبح مولى المملوك عنه ، تعيّن عليه الصوم ، ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم ؛ لأنّه صوم واجب ، فلا يحلّ له منعه عنه ، كرمضان.

ولو اُعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين ، أجزأ عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الهدي إن تمكّن ، وإلّا الصوم.

ولو لم يصم العبد إلى أن تمضي أيّام التشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ، ولا يأمره بالصوم ، ولو أمره به ، لم يكن به بأس.

مسألة ٥٨٨ : إنّما يجب الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه‌ إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل ينتقل إلى الصوم ؛ لأنّ رجلاً سأل الرضاعليه‌السلام : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ وفي عيبته ثياب ، له أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري بدنة؟ قال : « لا ، هذا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه ، فمتى عدمه في‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٢ بتفاوت يسير.

٢٤٨

موضعه ، جاز له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان وجوبه موقّتاً اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلى التراب.

ولو تمتّع الصبي ، وجب على وليّه أن يذبح عنه ؛ للعموم ، فإن لم يجد ، فليصم عنه عشرة أيّام ؛ للآية(١) .

ولقول أبي نعيم : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان ، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم يقدروا(٢) على الغنم، قال : « فليصم عن كلّ صبي وليُّه »(٣) .

البحث الثاني : في كيفية الذبح.

مسألة ٥٨٩ : يجب في الذبح والنحر النيّة ؛ لأنّه عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ، لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٤) .

ولأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة ، فلا يتخلّص المذبوح هدياً إلّا بالقصد.

ويجب اشتمالها على جنس الفعل وجهته من كونه هدياً أو كفّارة أو غير ذلك ، وصفته من وجوب أو ندب ، والتقرّب إلى الله تعالى.

ويجوز أن يتولّاها عنه الذابح ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

مسألة ٥٩٠ : وتختصّ الإبل بالنحر ، فلا يجوز ذبحها ، والبقر والغنم بالذبح ، فلا يجوز نحرها‌؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ منحور مذبوح حرام ،

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في المصدر : ولم نقدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ / ٨٠١ وفيه : عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال : تمتّعنا ، إلى آخره.

(٤) البيّنة : ٥.

٢٤٩

وكلّ مذبوح منحور حرام »(١) .

ويستحب أن يتولّى الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر هديه بنفسه(٢) .

ولما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي ، قال : شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع واُتي بالبُدْن ، فقال : ( ادع لي أبا حسن ) فدُعي له عليعليه‌السلام ، فقال : ( خُذْ بأسفل الحربة ) وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأعلاها ، ثم طعنا بها البُدْن(٣) . وإنّما فعلا ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرك عليّاًعليه‌السلام في هديه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء عليعليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها ستّاً وستّين ، ونحر عليعليه‌السلام أربعاً وثلاثين »(٥) .

وفي رواية : « ساق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة بدنة ، فجعل لعليُّعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا من المرق ، وافتخر عليعليه‌السلام على أصحابه وقال : مَنْ فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه؟ مَنْ فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده؟ »(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٥.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٦.

(٤) المصادر في الهامش (٢).

(٥) التهذيب ٥ : ٤٥٧ / ١٥٨٨ ، وفي الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤ بتفاوت يسير.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٥٠

ولو لم يُحسن الذباحة ، ولّاها غيره ، واستحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح ، وينوي الذابح عن صاحبها ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه. ويستحب له أن يذكره بلسانه ، فيقول بلسانه : أذبح عن فلان بن فلان ، عند الذبح ، والواجب القصد بالنيّة.

ولو نوى بقلبه عن صاحبها وأخطأ فتلفّظ بغيره ، كان الاعتبار بالنيّة ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أتجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال : « نعم إنّما له ما نوى »(١) .

مسألة ٥٩١ : يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن‌ قد رُبطت يدها ما بين الخفّ إلى الركبة ثم يطعن في لبَّتها ، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(٢) - لقوله تعالى :( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٣) .

وقال المفسّرون في قوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) : أي قياماً(٥) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٨ بتفاوت يسير.

(٢) أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٨٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٥٩ ، المجموع ٩ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٢ و ١١ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥١ و ١١ : ٥٤.

(٣ و ٤ ) الحجّ : ٣٦.

(٥) تفسير الطبري ١٧ : ١١٨ ، مجمع البيان ٤ : ٨٦ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٦١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٧.

٢٥١

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الصباح الكناني : سألت الصادقعليه‌السلام : كيف تُنحر البدنة؟ قال : « تُنحر وهي قائمة من قِبَل اليمين »(١) .

وعن أبي خديجة قال : رأيت الصادقعليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى ويقول : « بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، اللّهم تقبّل منّي » ثم يطعن في لبَّتها ثم يخرج السكّين بيده ، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده(٢) .

وهذا القيام مستحب لا واجب إجماعاً.

ولو خاف نفورها ، أناخها ونحرها باركةً.

مسألة ٥٩٢ : يجب توجيه الذبيحة إلى القبلة ، خلافاً للعامّة(٣) ، وسيأتي في موضعه. ويستحب الدعاء بالمنقول. ويمرّ السكّين ، ولا ينخعها حتى تموت.

وتجب التسمية عند علمائنا ؛ لقوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٥) .

ولو نسي التسمية ، حلّ أكله ؛ لرواية ابن سنان - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إذا ذبح المسلم ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته وسمّ الله على ما تأكل »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٣ ، المجموع ٨ : ٤٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٨٠.

(٤) الحجّ : ٣٦.

(٥) الأنعام : ١٢١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٧.

٢٥٢

مسألة ٥٩٣ : يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنى‌ ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( منى كلّها منحر )(١) والتخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر ، فقال : « إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

وقال أكثر العامّة : إنّه مستحب ، وإنّ الواجب نحره بالحرم - وقال بعض العامّة : لو ذبحه في الحِلّ وفرّقه في الحرم ، أجزأه(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( كلّ منى منحر ، وكلّ فجاج مكّة منحر وطريق)(٤) (٥) .

ونحن نقول بموجبه ؛ لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة ، وبعضها ينحر بمنى.

ولو ساق هدياً في الحجّ ، نحره أو ذبحه بمنى ، وإن كان قد ساقه في العمرة ، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّ‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ / ١٩٣٥ و ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨.

(٣) فتح العزيز ٨ : ٨٦.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ - ١٩٤ / ١٩٣٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦ بتفاوت يسير ، ونصّه في المغني والشرح الكبير. اُنظر الهامش التالي.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المجموع ٨ : ١٩٠.

٢٥٣

شعيب العقرقوفي سأل الصادقَعليه‌السلام : سُقْتُ في العمرة بدنةً فأين أنحرها؟ قال : « بمكّة » قلت: فأيّ شي‌ء اُعطي منها؟ قال : « كُلْ ثلثاً واهد ثلثاً وتصدّق بثلث »(١) .

وأمّا ما يلزم المـُحْرم من فداءٍ عن صيدٍ أو غيره ، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنى إن كان حاجّاً ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وقال تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) في جزاء الصيد.

وقال أحمد : يجوز في موضع السبب - وقال الشافعي : لا يجوز إلّا في الحرم(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة(٥) ، ولم يأمره ببعثه إلى الحرم(٦) .

وروى الأثرم وأبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عليّ والحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فاشتكى حسين بن عليّعليهما‌السلام بالسقيا ، فأومأ بيده إلى رأسه ، فحلقه عليعليه‌السلام ، ونحر عنه جزوراً بالسقيا(٧) .

وأمْرُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها. ونمنع الرواية الثانية.

وما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به ، وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ / ٦٧٢.

(٢) الحجّ : ٣٣.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٧ - ٨٨ ، المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٢ / ١٨٥٦.

(٦) المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٨٧ - ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

٢٥٤

وأحمد(١) .

وقال مالك وأبو حنيفة : إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحِلّ(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه أحد مقصودي النسك ، فلم يجز في الحِلّ ، كالذبح. ولأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعةُ على مساكينه ، وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم. ولأنّه نسك يختصّ بالحرم ، فكان جميعه مختصّاً به ، كالطواف وسائر المناسك.

مسألة ٥٩٤ : وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ‌ - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) .

ولأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٥) .

وقال مالك : يجب إذا وقف بعرفة - وهو قول أحمد في الرواية الاُخرى - لأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه ، ولا يحصل ذلك إلّا بالوقوف ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة )(٦) .

____________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٦٤ و ٢ : ٢٧٨.

٢٥٥

ولأنّه قبل ذلك معرَّض للفوات ، فلا يحصل التمتّع(١) .

وقال عطاء : يجب إذا رمى جمرة العقبة - وهو مروي عن مالك - لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه(٢) .

ونمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف ، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ.

على أنّ قولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٣) ، يُعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة.

والتعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب. وكون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك.

إذا عرفت هذا ، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر يوم النحر وكذا أصحابه(٥) ، وقالعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٦) .

ولأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الاُضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة.

أمّا مَنْ ساق هدياً في العشر ، فإن كان قد أشعره أو قلّده ، فلا ينحره‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٨٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٨ ، المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٦

إلّا بمنى يوم النحر ، وإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر ؛ لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخل بهديه في العشر ، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنى ، وإن لم يقلّده ولم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر »(١) .

وكذا لو كان تطوّعاً ، فإنّه ينحره بمكّة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إن كان واجباً نحره بمنى ، وإن كان تطوّعاً نحره بمكّة ، وإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

ولأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمنى ، وهو إنّما يكون يوم النحر.

وقال عطاء وأحمد في رواية : يجوز له نحره في شوّال ، وإن قدم في العشر ، لم ينحره إلّا بمنى يوم النحر(٣) .

وقال الشافعي : يجوز نحره بعد الإحرام قولاً واحداً ، وفيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان:

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن ، وهو تفرقة اللحم ، والعبادات البدنية لا تُقدّم على وقت وجوبها.

وأصحّهما عندهم : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ ماليّ تعلّق بشيئين : الفراغ من العمرة والشروع في الحجّ ، فإذا وجد أحدهما ، جاز إخراجه ، كالزكاة.

ولا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه على العمرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٧٩٩ بتفاوت يسير وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨ بتفاوت.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٦٨ - ١٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

٢٥٧

مسألة ٥٩٥ : أيّام النحر بمنى أربعة أيّام : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة أيام : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال عليعليه‌السلام ، والحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وابن المنذر(١) - لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أيّام [ التشريق ](٢) كلّها منحر )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : « أربعة أيّام » وسألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال : « ثلاثة أيّام » فقلت : ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين ، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : « نعم »(٤) .

وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد : في الأمصار يوم واحد ، وبمنى ثلاثة(٥) .

وقال أحمد : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال مالك والثوري ، وروي عن ابن عباس وابن عمر - لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي ، فلا يصلح للذبح(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : « العشر » وما أثبتناه من المصدر ، وكما في منتهى المطلب - للمصنّفرحمه‌الله - ٢ : ٧٣٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ و ٩ : ٢٩٦ ، وفي الموضعين منه : « ذبح » بدل « منحر ».

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ / ٩٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠.

(٦) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

٢٥٨

والملازمة ممنوعة.

فرعان :

أ : يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح »(١) .

ولو أخّره ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، ولو كان عامداً ، أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز.

ب : قال أكثر فقهاء العامّة : يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة‌ لأيّام النحر(٢) .

البحث الثالث : في صفات الهدي.

مسألة ٥٩٦ : يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، إجماعاً.

قال تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (٣) .

وأفضله البُدْن ثم البقر ثم الغنم ؛ لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة )(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٧ ، وفيه : « تبدأ » التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٩.

(٢) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧ - ٥٥٨ ، المجموع ٨ : ٣٩١.

(٣) الحجّ : ٢٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٣ - ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ / ٨٥٠ ، الموطّأ ١ : ١٠١ / ١.

٢٥٩

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - في المتمتّع : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة »(١) .

ولأنّ الأكثر لحما أكثر نفعا ، ولهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه.

مسألة ٥٩٧ : ولا يجزئ في الهدي إلّا الجذع من الضأن والثنيّ من غيره‌. والجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر ، وثنيّ المعز والبقر ما لَه سنة ودخل في الثانية ، وثنيّ الإبل ما لَه خمس ودخل في السادسة - وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لما رواه العامّة عن اُم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يجوز الجذع من الضأن أضحية )(٣) .

وعن أبي بردة بن نيار(٤) ، قال : يا رسول الله إنّ عندي عناقاً جذعاً هي خيرٌ من شاتَيْ لحم؟ فقال : ( تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ »(٦) .

وسأل حمّادُ بن عثمان الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن أدنى ما‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « وأخفضه شاة ».

(٢) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٨ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٢.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٩ / ٣١٣٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٦٨.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أبي بردة بن يسار. وما أثبتناه هو الصحيح وكما في المصادر.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٦ / ٢٨٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٢٣ بتفاوت في اللفظ فيهما.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٨٩.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333