زبدة التفاسير الجزء ٣

زبدة التفاسير0%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-05-1
الصفحات: 637

زبدة التفاسير

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: ISBN: 964-7777-05-1
الصفحات: 637
المشاهدات: 14050
تحميل: 3505


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 637 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14050 / تحميل: 3505
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: 964-7777-05-1
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من كلّ ثلاثة تفرّدوا بقرية طائفة إلى التفقّه، لتنذر فرقتها كي يتذكّروا ويحذروا، فلو لم يعتبر الإخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك.

قال في الكشّاف(١) : وللآية معنى آخر، وهو أنّه لـمّا نزل في المتخلّفين ما نزل استبق المؤمنون إلى النفير، وانقطعوا جميعا عن التفقّه واستماع الوحي، فأمروا أن ينفر من كلّ فرقة طائفة إلى الجهاد، ويبقى أعقابهم يتفقّهون حتّى لا ينقطعوا عن التفقّه الّذي هو الجهاد الأكبر، لأنّ الجدال بالحجّة هو الأصل والمقصود من البعثة.

ويكون الضمير في «ليتفقّهوا» و «لينذروا» لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو، وفي «رجعوا» للطوائف، أي: ولينذر البواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصّلوا في أيّام غيبتهم من العلوم. وعلى الأوّل الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقّه.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) )

ثمّ بيّن سبحانه ما يجب تقديمه في القتال والقتل، فقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ ) يقربون منكم( مِنَ الْكُفَّارِ ) فإنّ القتال وإن كان واجبا مع

__________________

(١) الكشّاف ٢: ٣٢٣.

١٨١

جميع الكفّار لكن الأقرب منهم فالأقرب، كما أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّلا بإنذار عشيرته ثمّ غيرهم من العرب، فحارب قومه ثمّ غيرهم من عرب الحجاز، ثمّ غزا الشام، وذلك لأنّ الأقرب أحقّ بالشفقة والاستصلاح. وهكذا المفروض على أهل كلّ ناحية أن يقاتلوا من وليهم ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى.

وقيل: هم يهود حوالي المدينة، كقريظة والنضير وخيبر. وقيل: الروم، فإنّهم كانوا يسكنون الشام، وهو قريب من المدينة.

والأوّل أصحّ، لأنّ السورة نزلت في سنة تسع، وقد فرغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أولئك. وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم والترك والديلم تلا هذه الآية.

( وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) شدّة وشجاعة وصبرا على القتال. ونحوه:( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (١) .( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بالحراسة والإعانة.

( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ ) فمن المنافقين( مَنْ يَقُولُ ) بعضهم لبعض إنكارا واستهزاء باعتقاد المؤمنين( أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ ) السورة( إِيماناً ) أي: تصديقا ويقينا( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً ) بزيادة العلم الحاصل من تدبّر السورة، وانضمام الايمان بها وبما فيها إلى إيمانهم( وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) بنزولها، أي: يسرّون، ويبشّر بعضهم بعضا، قد تهلّلت وجودهم وفرحوا بنزولها، لأنّه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم.

( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) كفر ونفاق( فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ) كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها، فإنّهم بتجديد الوحي جدّدوا كفرا ونفاقا فازداد كفرهم عنده واستحكم( وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ ) واستحكم وتضاعف ذلك منهم حتّى ماتوا عليه.

__________________

(١) التوبة: ٧٣.

١٨٢

( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) )

ثمّ نبّه سبحانه على إعراض المنافقين عن النظر والتدبّر لـما ينبغي أن ينظروا ويتدبّروا فيه، فقال:( أَوَلا يَرَوْنَ ) يعني: المنافقين. وقرأ حمزة بالتاء( أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ ) يبتلون بأصناف البليّات، كالمرض والقحط، أو بالجهاد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعاينون أمره وما ينزل عليه من النصرة والتأييد، أو يفتنهم الشيطان فينقضون عهودهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقتلهم وينكل بهم( فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ) لا يتنبّهون ولا يتوبون من نفاقهم( وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) ولا يعتبرون.

( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ ) من المسلمين( إِلى بَعْضٍ ) أي: تغامزوا بعيونهم إنكارا للوحي وسخريّة، أو غيظا لـما فيها من عيوبهم، قائلين:( هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ) من المسلمين لننصرف، فإنّا لا نصبر على استماعه، ويغلبنا الضحك، فنخاف الافتضاح بينهم. أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لواذا(١) ، فإن لم يرهم أحد قاموا، وإن يرهم أحد أقاموا.( ثُمَّ انْصَرَفُوا ) عن حضرته مخافة الفضيحة( صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) عن الايمان خذلانا وتخلية. وهو يحتمل الإخبار والدعاء.( بِأَنَّهُمْ ) بسبب أنّهم( قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) لا يتدبّرون حتّى يفقهوا ويعلموا.

__________________

(١) أي: مستترين.

١٨٣

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩) )

ثمّ خاطب الله جميع الخلق، وأكّد خطابه بالقسم، فقال:( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) من جنسكم من البشر، ثمّ من العرب، ثمّ من بني إسماعيل. وقيل: الخطاب للعرب، وليس في العرب قبيلة إلّا وقد ولدت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله فيهم نسب.

( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ) شديد شاقّ( ما عَنِتُّمْ ) عنتكم ومشقّتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب بترك الإيمان( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) على إيمانكم وصلاح شأنكم، حتّى لا يخرج أحد منكم من الاستسعاد به وبدينه الّذي جاء به( بِالْمُؤْمِنِينَ ) منكم ومن غيركم( رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) قدّم الأبلغ منهما وهو الرؤوف، لأنّ الرّأفة شدّة الرحمة، محافظة على الفواصل.

قال بعض السلف: لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلّا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قال:( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ، وقال:( إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١) .

( فَإِنْ تَوَلَّوْا ) عن الإيمان بك( فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ ) فاستعن بالله وفوّض إليه أمرك، فإنّه يكفيك معرّتهم(٢) ، ويعينك عليهم( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) كالدليل عليه( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) فلا أرجو ولا أخاف إلّا منه( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) الملك العظيم، أو الجسم العظيم الّذي تنزل منه الأحكام والمقادير.

قيل: إنّ هذه الآية آخر آية نزلت من السماء. وآخر سورة كاملة نزلت سورة براءة.

__________________

(١) البقرة: ١٤٣.

(٢) المعرّة: الأذى والمساءة والإثم.

١٨٤

(١٠)

سورة يونس

مكّيّة، وهي مائة وتسع آيات.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بيونس وكذّب به، وبعدد من غرق مع فرعون.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من قرأ سورة يونس في كلّ شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين، وكان يوم القيامة من المقرّبين».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) )

لـمّا ختم الله سورة براءة بذكر الرسول، افتتح هذه السورة بذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أنزل عليه من القرآن، فقال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر ) تعديد للحروف على طريق التحدّي. وقيل: معناه: أنا الله ارى. وبواقي وجوه التفسير فيه مذكورة في

١٨٥

صدر سورة البقرة. فخّمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص. وقرأ ورش بين بين. وأمالها الباقون، إجراء لألف الراء مجرى المنقلبة من الياء.

( تِلْكَ ) إشارة إلى ما تضمّنته السورة أو القرآن من الآي( آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) المراد بالكتاب السورة، أو القرآن كلّه، أو اللوح المحفوظ، فإنّ القرآن منزل منه. ووصفه بالحكيم لاشتماله على الحكم، أو لأنّه كلام حكيم، أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها.

( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ) استفهام إنكار للتعجّب. و «عجبا» خبر «كان»، واسمه( أَنْ أَوْحَيْنا ) . وذكر اللام للدلالة على أنّهم جعلوه أعجوبة لهم يوجّهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم( إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) من جنس رجالهم، دون أن يكون عظيما من عظمائهم.

قيل: كانوا يقولون: العجب أنّ الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلّا يتيم أبي طالب. وهو من فرط حماقتهم، وقصور نظرهم على الأمور العاجلة، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوّة. هذا وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلّا في المال، وخفّة الحال أعون شيء في هذا الباب، ولذلك كان أكثر الأنبياء قبله كذلك.

وقيل: تعجّبوا من أنّهعزوجل بعث بشرا رسولا، كما سبق(١) في سورة الأنعام.

( أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) «أن» هي المفسّرة لـ «أن أوحينا» فيه معنى القول، أو المخفّفة من الثقيلة، فتكون في موضع مفعول «أوحينا». وأصله: أوحينا أنّ الشأن قولنا: أنذر الناس.

( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) عمّم الإنذار، إذ قلمّا من أحد ليس فيه ما ينبغي أن

__________________

(١) راجع ج ٢ ص ٤٢٧ ذيل الآية ٩١ من سورة الأنعام.

١٨٦

ينذر منه. وخصّص البشارة بالمؤمنين، إذ ليس للكفّار ما يصحّ أن يبشّروا به( أَنَّ لَهُمْ ) بأنّ لهم( قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) سابقة ومنزلة رفيعة. سمّيت قدما لأنّ السبق والسعي بها، كما سمّيت النعمة يدا، لأنّها تعطى باليد. وإضافتها إلى الصدق لتحقّقها، والتنبيه على أنّهم إنّما ينالونها بصدق القول والنيّة.

وعن أبي سعيد الخدري: أنّ معنى قدم صدق شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة. وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

ولـمّا قال:( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ) قالوا: وكيف لا نعجب ولا علم لنا بالمرسل؟! فقال:( قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا ) يعنون الكتاب وما جاء به الرسول( لَساحِرٌ مُبِينٌ ) وقرأ ابن كثير والكوفيّون: لساحر، على أنّ الإشارة إلى الرسول. وفيه اعتراف بأنّهم صادفوا من الرسول أمورا خارقة للعادة، معجزة إيّاهم عن المعارضة، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرا.

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ

١٨٧

اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))

ثمّ بيّن صفاته الكماليّة المنضمّة لاستحقاقه العبوديّة لا غير، المقتضية للحكم والمصالح والتدابير الّتي من جملتها إعطاء النبوّة لمن يليق بحاله، فقال:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) الّتي هي اصول الممكنات( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) مع قدرته على إنشائهما دفعة واحدة. والوجه في ذلك دلالة صريحة على أنّه قادر مختار لا موجب، وتعليما لعباده التأنّي في الأمور. وفي الحديث: «التأنّي من الرحمن، والعجلة من الشيطان».

( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) مرّ تفسيره مرارا(١) ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) يقدّر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته، ويهيّء بتحريكه أسبابها وينزلها منه. والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة.( ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) تقرير لعظمته وعزّ جلاله، وردّ على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله.

وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له.

( ذلِكُمُ ) أي: الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهيّة والربوبيّة( اللهُ رَبُّكُمْ ) لا غير، إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك( فَاعْبُدُوهُ ) وحّدوه بالعبادة، ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان، فضلا عن جماد لا يضرّ ولا ينفع( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) تتفكّرون أدنى تفكّر، فينبّهكم على أنّه المستحقّ للربوبيّة والعبادة لا ما تعبدونه.

( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) في العاقبة بالموت أو النشور، لا إلى غيره، فاستعدّوا للقائه( وَعْدَ اللهِ ) مصدر مؤكّد لنفسه، لأنّ قوله:( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) وعد من الله تعالى( حَقًّا ) مصدر آخر مؤكّد لغيره، وهو ما دلّ عليه وعد اللهعزوجل .

( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) بعد بدئه وإهلاكه( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) راجع ج ٢ / ٥٣١.

١٨٨

الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) أي: بعدله. أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم. أو بإيمانهم، لأنّه العدل القويم، كما أنّ الشرك ظلم عظيم. وهو الأوجه، لمقابلة قوله:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) فإنّ معناه: ليجزي الّذين كفروا بشراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم. لكنّه غيّر النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب، والتنبيه على أنّ المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، والعقاب واقع بالعرض، وأنّه تعالى يتولّى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه، ولذلك لم يعيّنه. وأمّا عقاب الكفرة فكأنّه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم.

والآية كالتعليل لقوله تعالى:( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) فإنّه لـمّا كان المقصود من الإبداء والإعادة مجازاة الله المكلّفين على أعمالهم، كان مرجع الجميع إليه لا محالة.

ثمّ زاد سبحانه في الاحتجاج للتوحيد، فقال:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ) أي: ذات ضياء. وهو مصدر كقيام، أو جمع ضوء، كسياط وسوط. والياء فيه منقلبة عن الواو، لكسرة ما قبلها. وعن ابن كثير برواية قنبل: ضئاء بهمزتين، في كلّ القرآن، على القلب بتقديم اللام على العين.( وَالْقَمَرَ نُوراً ) أي: ذا نور.

وسمّي نورا للمبالغة. وهو أعمّ من الضوء. وقيل: ما بالذات ضوء، وما بالعرض نور. ونبّه سبحانه بذلك على أنّه خلق الشمس نيّرة في ذاتها، والقمر نيّرا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها.

( وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ ) الضمير لكلّ واحد، أي: قدّر مسير كلّ واحد منهما منازل، كقوله:( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ) (١) . أو قدّره ذا منازل. أو الضمير للقمر. وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره، ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به، ولذلك علّله بقوله :

__________________

(١) يس: ٣٩.

١٨٩

( لِتَعْلَمُوا ) به وبمنازله( عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) أي: حساب الأوقات من الأشهر والأيّام في معاملاتكم وتصرّفاتكم.

( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ ) أي: المذكور( إِلَّا ) ملتبسا( بِالْحَقِ ) الّذي هو الحكمة البالغة، ولم يخلقه عبثا( يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) فإنّهم المنتفعون بالتأمّل فيها.

وقرأ ابن كثير والبصريّان وحفص: يفصّل بالياء.

( إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) من أنواع الكائنات فيهما( لَآياتٍ ) على وجود الصانع ووحدته، وكمال علمه وقدرته( لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) العواقب. وخصّهم لأنّهم يحذرون العاقبة، فيدعوهم ذلك إلى النظر والتأمّل.

( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) )

ثمّ إنّه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلّة المتقدّمة المكذّبين بالمعاد، فقال:( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ) لا يتوقّعون جزاءنا، لإنكارهم البعث، وذهولهم بالمحسوسات عمّا وراءها( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ) من الآخرة، لغفلتهم عنها، واختاروا القليل الفاني على الكثير الباقي( وَاطْمَأَنُّوا بِها ) وسكنوا إليها، مقصّرين هممهم على لذائذها وزخارفها. أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها.( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ) لا يتفكّرون فيها، لانهماكهم فيما يضادّها.

والعطف إمّا لتغاير الوصفين، والتنبيه على أنّ الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات والانهماك في الشهوات، بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلا. وإمّا لتغاير الفريقين، فإنّ المراد بالأوّلين من أنكر البعث ولم ير إلّا الحياة الدنيا، وبالآخرين من ألهاه حبّ العاجل عن التأمّل في الآجل والإعداد له.

١٩٠

( أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) بما واظبوا عليه، وتمرّنوا به من المعاصي.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) )

ثمّ وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين، فقال:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدّي إلى الجنّة. أو لإدراك الحقائق، كما

قال:صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم».

أو لـما يريدونه في الجنّة. ومفهوم الترتيب وإن دلّ على أنّ سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح، لكن دلّ منطوق قوله: «بإيمانهم» على استقلال الإيمان بالسببيّة، وأنّ العمل الصالح كالتتمّة والرديف له.

وقوله:( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) استئناف، أو خبر ثان، أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير.

وقوله:( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) خبر، أو حال اخرى منه أو من الأنهار، أو متعلّق بـ «تجري» أو بـ «يهدي».

( دَعْواهُمْ ) أي: دعاؤهم( فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ ) أللَّهمّ إنّا نسبّحك تسبيحا.

وذلك لا على وجه العبادة، فإنّه لا تكليف في الجنّة، بل على طريق التلذّذ من غير كلفة.( وَتَحِيَّتُهُمْ ) ما يحيّي به بعضهم بعضا، أو تحيّة الملائكة إيّاهم( فِيها سَلامٌ ) . قيل: هي تحيّة الله لهم. والمعنى: سلمتم من الآفات والمكاره الّتي ابتلي بها

١٩١

أهل النار.

( وَآخِرُ دَعْواهُمْ ) وآخر دعائهم( أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي: أن يقولوا ذلك. وقيل: إنّهم إذا دخلوا الجنّة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجّدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثمّ حيّاهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات، أو الله تعالى(١) ، فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام. و «أن» هي المخفّفة من الثقيلة.

وأصله: أنّه الحمد، على أنّ الضمير للشأن.

( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) )

ثمّ عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا، المطمئنّين إليها، الغافلين عن الآخرة، فقال:( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ ) ولو يسرعه إليهم إذا دعوا به على أنفسهم أو على أهاليهم عند الغيظ والضجر، مثل قول الإنسان: رفعني الله من بينكم، وقوله لولده: أللَّهمّ العنه ولا تبارك فيه( اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ ) أي: كما يعجّل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها. فوضع موضع تعجيله لهم بالخير إشعارا بسرعة إجابته لهم في الخير، حتّى كأنّ استعجالهم به تعجيل لهم، أو بأنّ المراد شرّ استعجلوه، كقولهم: فأمطر علينا حجارة من السماء. وتقدير الكلام: لو يعجّل الله للناس الشرّ تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا كاستعجالهم بالخير، فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه.

والمعنى: لو عجّلنا لهم الشرّ الّذي دعوا به كما نعجّل لهم الخيرات ونجيبهم إليه( لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) لأميتوا وأهلكوا. وقرأ ابن عامر ويعقوب: لقضى على

__________________

(١) أي: حيّاهم الله تعالى.

١٩٢

البناء للفاعل، وهو الله تعالى.

( فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) عطف على فعل محذوف دلّت عليه الشرطيّة. كأنّه قيل: ولكن لا نعجّل ولا نقضي، فنذرهم إمهالا لهم واستدراجا، لإلزام الحجّة عليهم.

( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) )

ثمّ أخبر سبحانه عن قلّة صبر الإنسان على الضرّ والشدائد، فقال:( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ ) المشقّة والبلاء( دَعانا ) لإزالته مخلصا فيه( لِجَنْبِهِ ) ملقيا بجنبه، أي: مضطجعا( أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ) وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال. والمعنى: أنّه لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتّى يزول عنه الضرر، فهو يدعو في حالاته كلّها يستدفع البلاء. واللام في الإنسان للجنس.

( فَلَمَّا كَشَفْنا ) أزلنا( عَنْهُ ضُرَّهُ ) ووهبنا له العافية( مَرَّ ) مضى على طريقته الاولى، أي: استمرّ على كفره كما كان قبل أن يمسّه الضرّ. أو مرّ عن موقف الدعاء والتضرّع لا يرجع إليه.( كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا ) أي: كأنّه لم يدعنا، فخفّف وحذف ضمير الشأن، كقوله :

ونحر مشرق اللون

كأن ثدياه حقّان

( إِلى ضُرٍّ ) إلى كشف ضرّ( مَسَّهُ كَذلِكَ ) مثل ذلك التزيين( زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ) أي: زيّن الشيطان بوسوسته لهم( ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) من الانهماك في

١٩٣

الشهوات والأماني الباطلة، والإعراض عن العبادات عند الرخاء.

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) )

ثمّ أخبر سبحانه عمّا نزل بالأمم الماضية من المثلات، وحذّر هذه الأمّة عن مثل مصارعهم، فقال:( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يا أهل مكّة بأنواع العذاب( لَمَّا ظَلَمُوا ) حين ظلموا بالتكذيب وفرط العصيان، واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي. وهو ظرف لـ «أهلكنا».( وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) بالحجج الدالّة على صدقهم. وهو حال من الواو بإضمار «قد»، أو عطف على «ظلموا».( وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ) اللام لتأكيد النفي، أي: وما كانوا يؤمنون حقّا. والمعنى: أنّ السبب في هلاكهم تكذيبهم الرسل، وعلم الله إصرارهم على الكفر، وأنّه لا فائدة في إمهالهم بعد أن لزمهم الحجّة بإرسال الرسل.

( كَذلِكَ ) مثل ذلك الجزاء، وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه، بحيث تحقّق أنّه لا فائدة في إمهالهم( نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) نجزي كلّ مجرم، أو نجزيكم. فوضع المظهر موضع المضمر للدلالة على كمال جرمهم وأنّهم أعلام فيه. وهو وعيد لأهل مكّة.

( ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ ) استخلفناكم في الأرض من بعد القرون الّتي أهلكناها استخلاف من يختبر( لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) أي: أتعملون خيرا أم شرّا؟ فنعاملكم على حسب أعمالكم. و «كيف» في محلّ النصب حالا

١٩٤

ب «تعملون»، فإنّ معنى الاستفهام فيه يحجب أن يعمل فيه ما قبله. والنظر هنا مستعار، بمعنى العلم المحقّق الّذي هو العلم بالشيء موجودا، شبّه بنظر الناظر وعيان المعاين في تحقّقه.

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) )

روي أنّ خمسة نفر من المشركين، وهم: عبد الله بن أميّة المخزومي، والوليد ابن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص ابن عامر بن هاشم، قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزّى ومناة وهبل، وليس فيه عيبها، ولا ما نستبعده من الآخرة وأحوالها، أو بدّله فتكلّم به عن تلقاء نفسك. فنزلت:( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ) اضحات الدلالات في الحلال والحرام وسائر الشرائع( قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ) لا يؤمنون بالبعث والنشور وما يتعلّق به، يعني: المشركين( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ) بكتاب آخر نقرؤه، وليس فيه ما نكرهه من معايب آلهتنا، وما نستبعده من البعث والثواب والعقاب بعد

١٩٥

الموت( أَوْ بَدِّلْهُ ) بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية اخرى. ولعلّهم سألوا ذلك لكي يسعفهم إليه فيلزموه.

( قُلْ ما يَكُونُ لِي ) ما يصحّ لي( أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) من قبل نفسي.

وهو مصدر استعمل ظرفا. وإنّما اكتفى بالجواب عن التبديل لأنّ هذا داخل تحت مقدور الإنسان، بأن يضع مكان آية عذاب آية رحمة ممّا أنزل، وأن يسقط ذكر الآلهة، فأمّا الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان.

( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) تعليل لقوله:( ما يَكُونُ لِي ) ، فإنّ المتّبع لغيره في أمر لا يستبدّ بالتصرّف فيه بوجه. وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض، أي: إن نسخت آية تبعت النسخ، وإن بدّلت آية مكان آية تبعت التبديل، وليس إليّ نسخ ولا تبديل. وردّ لـما عرضوا له بهذا السؤال من أنّ القرآن كلامه واختراعه، ولذلك قيّد التبديل في الجواب وسمّاه عصيانا فقال:( إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) أي: بالتبديل من عند نفسي( عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) . وفيه إيماء بأنّهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح.

( قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ) غير ذلك( ما تَلَوْتُهُ ) ما قرأت هذا القرآن( عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ ) ولا أعلمكم الله به على لساني بأن لا ينزله عليّ، فلا أقرأ عليكم فلا تعلمونه. وعن ابن كثير برواية قنبل والبزّي مع خلاف: ولأدراكم بلام التأكيد، أي: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم الله به على لسان غيري، ولكنّه خصّني بهذه الكرامة، يعني: أنّه الحقّ الّذي لا محيص عنه، لو لم أرسل به لأرسل به غيري.

وملخّص المعنى: أنّ تلاوته ليست إلّا بمشيئة الله، لا بمشيئتي حتى أجعله على نحو ما تشتهونه.

ثمّ قرّر ذلك بقوله:( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ ) فقد أقمت فيما بينكم( عُمُراً ) مقدار عمر أربعين سنة( مِنْ قَبْلِهِ ) من قبل القرآن لا أتلوه ولا أعلمه. فهذا دلالة على أنّ القرآن معجز خارق للعادة، فإن من عاش بين أظهركم أربعين سنة لم يمارس فيها

١٩٦

علما، ولم يشاهد عالما، ولم ينشئ شعرا ولا خطبة، ثمّ قرأ عليهم كتابا بذّت(١) فصاحته فصاحة كلّ منطيق فصيح، وعلا عن كلّ منثور ومنظوم، واحتوى على قواعد علمي الأصول والفروع، وأعرب عن أقاصيص الأوّلين وأحاديث الآخرين على ما هي عليه، علم أنّه معلّم به من الله تعالى.( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) أي: أفلا تستعملون عقولكم بالتدبّر والتفكّر فيه لتعلموا أنّه ليس إلّا من الله تعالى؟!( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) أي: لا أحد أظلم ممّن اخترع على الله كذبا. وهذا تفاد ممّا أضافوه إليه كناية، أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله في قولهم: إنّه لذو شريك وذو ولد.( أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ ) فكفر بها( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) أي: المشركون المتوغّلون في الطغيان والعصيان.

( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) )

__________________

(١) بذّ يبذّ: غلب وفاق.

١٩٧

روي: أنّ أهل الطائف كانوا يعبدون اللّات، وأهل مكّة العزّى ومناة وهبل وأسافا ونائلة، وكانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فنزلت فيهم:( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ )

لأنّه جماد لا يقدر على نفع ولا ضرّ، والمعبود ينبغي أن يكون مثيبا ومعاقبا حتى تعود عبادته بجلب نفع أو دفع ضرّ( وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ) تشفع لنا فيما يهمّنا من أمور الدنيا أو الآخرة إن يكن بعث. وهذا من فرط جهالتهم، حيث تركوا عبادة الموجد الضارّ النافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنّه لا يضرّ ولا ينفع، على توهّم أنّه ربما يشفع لهم عنده.

( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ ) أتخبرونه( بِما لا يَعْلَمُ ) وهو أنّ له شريكا. وفيه تقريع وتهكّم بهم. أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وما لا يعلمه العالم بالذات المحيط بجميع المعلومات لا يكون له تحقّق.( فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ) حال من العائد المحذوف في «لا يعلم» أي: لا يعلمه، مؤكّدة للنفي، منبّهة على أنّ ما يعبدون من دون الله إما سماويّ أو أرضيّ، ولا شيء من الموجودات فيهما إلّا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) «ما» مصدريّة، أي: عن إشراكهم. أو موصولة، أي: عن الشركاء الّذين يشركونهم به. وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أوّل النحل(١) والروم(٢) بالتاء.

( وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً ) متّفقين على ملّة واحدة، موحّدين كلّهم على الفطرة. وذلك في عهد آدمعليه‌السلام إلى أن قتل قابيل هابيل، أو بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديّارا. أو مجتمعين على الضلال في فترة من الرسل.( فَاخْتَلَفُوا ) باتّباع الهوى والأباطيل، أو ببعثة الرسل، فتبعتهم طائفة وأصرّت اخرى.

__________________

(١) النحل: ١.

(٢) الروم: ٤٠.

١٩٨

( وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ) بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة، فإنّه يوم الفصل والجزاء( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) عاجلا( فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) بإهلاك المبطل وإبقاء المحقّ، ولكنّ الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار للتكليف، وتلك للثواب والعقاب.

ثمّ حكى سبحانه عن هؤلاء الكفّار فقال:( وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) أي: من الآيات التي اقترحوها. وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظيمة المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، لفرط عنادهم وتماديهم في التمرّد، وانهماكهم في الغيّ.( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ) هو المختصّ بعلمه، فلعلّه يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها( فَانْتَظِرُوا ) لنزول ما اقترحتموه( إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) لـما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل عليّ من الآيات العظام، واقتراحكم غيره.

ثمّ أخبر سبحانه عن ذميم فعالهم فقال:( وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ ) يريد بالناس الكفّار( رَحْمَةً ) صحّة وسعة( مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ) كمرض وقحط( إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا ) احتيال في دفعها والطعن فيها.

قيل: قحط أهل مكّة سبع سنين حتّى كادوا يهلكون، ثمّرحمهم‌الله بغزارة المطر، فصاروا يطعنون في آيات الله، ويكيدون رسوله ويعادونه.

( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً ) منكم، قد دبّر عقابكم قبل أن تدبّروا كيدكم في إطفاء نور الإسلام. وإنّما دلّ على سرعتهم المفضّل عليها كلمة «إذا» المفاجأة الواقعة جوابا لـ «إذا» الشرطيّة. والمكر إخفاء الكيد. وهو من الله تعالى إمّا الاستدراج، أو الجزاء على المكر.( إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ ) هذا إعلام للانتقام، وتنبيه على أنّ ما دبّروا في إخفائه لم يخف على الحفظة، فضلا أن يخفى على الله تعالى. وعن يعقوب: يمكرون بالياء، ليوافق ما قبله.

١٩٩

( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) )

ثمّ امتنّ الله سبحانه على خلقه، بأن عدّد نعمه الّتي يعطيهم في كلّ حال، فقال:( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ) يحملكم على السير، ويمكّنكم منه بما هيّأ لكم من أسباب السير. وقرأ ابن عامر: ينشركم، بالنون والشين من النشر.( فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ ) في السفن( وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) بمن فيها. عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة، كأنّه تذكرة لغيرهم ليتعجّب من حالهم وينكر عليهم.( بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) ليّنة الهبوب يستطيبونها( وَفَرِحُوا بِها ) سرّوا بتلك الريح، لأنّها تبلغهم مقصودهم( جاءَتْها ) جواب «إذا». والضمير للفلك أو الريح الطيّبة. بمعنى: تلقّتها.( رِيحٌ عاصِفٌ ) ذات عصف، شديدة الهبوب، هائلة.

( وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ ) من أمكنة الموج. يعني: الموج من الجوانب الأربع.( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ) وأيقنوا أنّهم دنوا من الهلاك. وهو مثل في الهلاك، أي: أنّهم أهلكوا، وسدّت عليهم مسالك الخلاص، كمن أحاطت به أعداؤه.

٢٠٠