زبدة التفاسير الجزء ٦

زبدة التفاسير9%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-08-6
الصفحات: 645

  • البداية
  • السابق
  • 645 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24408 / تحميل: 4961
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: ٩٦٤-٧٧٧٧-٠٨-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقال ابن المديني: مدار حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ستة فذكرهم، قال: وصار علم الستة عند اثني عشر أحدهم ابن إسحاق. وسئل ابن شهاب عن المغازي فقال: هذا أعلم الناس بها - يعني ابن إسحاق - وقال الشافعي: من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق. وقال أحمد ابن زهير سألت يحيى بن معين عنه فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق.

وقال ابن أبي خيثمة: نا هارون بن معروف قال: سمعت أبا معاوية يقول: كان ابن اسحاق من أحفظ الناس، فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر جاء فاستودعها محمد بن اسحاق فقال إحفظها، فإنْ نسيتها كنت قد حفظتها عليّ. وروى الخطيب بإسناد له إلى ابن نفيل، نا عبدالله بن فائد، قال: كنا إذا جلسنا الى محمد بن إسحاق فأخذ في فنٍ من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن. وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري: ومحمد بن إسحاق قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم سفيان، وشعبة، وابن عيينة، والحمّادان، وابن المبارك، وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من الأكابر يزيد بن أبي حبيب، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقاً وخيراً، مع مدحة ابن شهاب له، وقد ذاكرت دحيماً قول مالك - يعني فيه - فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنما هو لأنّه اتّهمه بالقدر.

وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع. وقال ابن نمير: كان يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه. وقال البخاري: ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد به الا يشاركه فيها أحد. وقال عن ابن المديني عن سفيان: ما رأيت أحداً يتّهم محمد بن إسحاق. وقال أبو سعيد الجعفي: كان ابن إدريس معجباً بابن إسحاق، كثير الذّكر له، ينسبه إلى العلم والمعرفة والحفظ.

وقال: إبراهيم الحربي: حدثني مصعب قال: كانوا يطعنون عليه بشيء من

٢١

غير جنس الحديث. وقال يزيد بن هارون: لو سوّد أحد في الحديث لسوّد محمد ابن إسحاق. وقال شعبة فيه: أمير المؤمنين في الحديث. وروى يحيى بن آدم نا أبو شهاب قال قال لي شعبة بن الحجاج: عليك بالحجاج بن أرطاة وبمحمد بن إسحاق. وقال ابن علّية قال شعبة: أما محمد بن إسحاق وجابر الجعفي فصدوقان. وقال:

يعقوب بن شيبة: سألت ابن المديني كيف حديث محمد بن إسحاق صحيح؟ قال: نعم حديثه عندي صحيح، قلت له: فكلام مالك فيه؟ قال: لم يجالسه ولم يعرفه. ثم قال علي: ابن اسحاق أي شيء حدّث بالمدينة، قلت له: فهشام بن عروة قد تكلّم فيه، فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعلّه دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها، وسمعت عليّا يقول: إن حديث محمد بن اسحاق ليتبيّن فيه الصدق، يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عمن سمع منه يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبي النظر عن عمر صوم يوم عرفة، وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع، وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب، وقال علي: لم أجد لابن إسحاق إلّا حديثين منكرين وقال مرة: وقع إليّ من حديثه شيء، فما أنكرت منه إلّا أربعة أحاديث. ظننت أن بعضه منه وبعضه ليس منه.

وقال البخاري: رأيت علي بن المديني يحتج بحديثه، فقال لي: نظرت في كتابه فما وجدت عليه إلّا حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين.

وقال العجلي: ثقة. وروى المفضل بن غسان عن يحيى بن معين: ثبت في الحديث، وقال يعقوب بن شيبة: سألت ابن معين عنه: في نفسك شيء من صدقه؟ قال: لا، هو صدوق. وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى: ليس به بأس. وقال ابن المديني قلت لسفيان: كان ابن إسحاق جالس فاطمة بنت المنذر؟ فقال: أخبرني أنها حدّثته وأنه دخل عليها، فاطمة هذه هي زوج هشام بن عروة، وكان

٢٢

هشام ينكر على ابن إسحاق روايته عنها ويقول: لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين، وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله. وقال الأثرم: سألت أحمد ابن حنبل عنه فقال: هو حسن الحديث »(١) .

(٢)

رواية معمر بن راشد

قال الحافظ ابن كثير الدمشقي: « وقال عبد الرزاق أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزلنا غدير خم، فبعث منادياً ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: ألست ألست ألست؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. أللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقال عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن »(٢) .

ترجمته

١ - ابن حبان: « معمر بن راشد مولى عبد السّلام بن عبد القدوس أخو صالح بن عبد القدوس، وقد قيل: إنه مولى للمهلّب بن أبي صفرة. وهو معمر ابن أبي عمرو، من أهل البصرة سكن اليمن. يروي عن قتادة والزهري

____________________

(١). عيون الأثر - مقدمة الكتاب.

(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٠

٢٣

وعبد الرزاق، يروي عن عمير بن هاني العبسي: إنه كان يسجد كلّ يوم ألف سجدة ويسبّح مائة ألف تسبيحة. روى عنه علي بن حجر السعدي »(١) .

٢ - السمعاني: « ومن القدماء أبو عمرة معمر بن راشد البصري وكان من ثقات العلماء قال ابن جريح: عليكم بهذا الرجل - يعني معمراً - فإنه لم يبق من أهل زمانه أعلم منه. وسئل ابن جريج عن شيء من التفسير فأجابني فقلت له: معمر قال كذا وكذا، قال: إن معمراً شرب من العلم فانقع قال علي بن المديني: نظرت فإذا الإِسناد يدور على ستة، فلأهل البصرة شعبة وسعيد ابن أبي عروبة وحماد بن سلمة ومعمر بن راشد، ويكنى أبا عروة مولى حمدان ومات باليمن سنة أربع وخمسين ومائة، قال أبو حاتم الرازي: انتهى الاسناد إلى ستة نفر أدركهم معمر وكتب عنهم، لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر قال أحمد بن حنبل: لا يضم أحد إلى معمر إلّا وجدت معمراً أطلب للعلم منه »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفي رمضان: معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري. الحافظ أبو عروة، صاحب الزهري كهلاً، روى عن أبي إسحاق وطبقته، وشهد جنازة الحسن، وأقدم شيوخه موتاً قتادة، قال أحمد: ليس يضم معمر إلى أحد إلّا وجدته فوقه، وقال غيره: كان معمر صالحاً خيرا، وهو أوّل من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث، فلقى بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة »(٣) .

٤ - الذهبي: « وشيخ اليمن معمر بن راشد الأزدي البصري. وكان من أوعية العلم، وصنّف التصانيف »(٤) .

٥ - الذهبي: « ع - معمر بن راشد أبو عروة مولاهم. عالم اليمن عن الزهري وهمام. وعنه: غندر وابن المبارك وعبد الرزاق. قال معمر: طلبت العلم

____________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨٤.

(٢). الأنساب - المهلبي.

(٣). العبر - حوادث سنة ١٥٣.

(٤). دول الاسلام - حوادث سنة ١٥٣.

٢٤

سنة مات الحسن ولي أربع عشرة سنة، وقال أحمد: لا تضم معمراً إلى أحد إلّا وجدته يتقدّمه، كان أطلب أهل زمانه للعلم. وقال عبد الرزاق: سمعت منه عشرة آلاف. وتوفي في رمضان سنة ١٥٣ »(١) .

٦ - اليافعي: « وفي رمضان منها: معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ، قال أحمد: ليس يضم »(٢) .

٧ - السيوطي: « قال ابن حبان: كان فقيهاً متقناً حافظاً ورعاً »(٣) .

(٣)

رواية إسرائيل بن يونس السبيعي

قال الحافظ ابن كثير: « وقال عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبي اسحاق عن سعيد بن وهب وعبد خير قالا: سمعنا علياً يقول برحبة الكوفة يقول: أنشد الله رجلاً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فقام عدة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك »(٤) .

ترجمته

١ - ابن حبان: « إسرائيل بن يونس بن إسحاق السبيعي الهمداني، من أهل الكوفة، أخو عيسى بن يونس، يروى عن أبي إسحاق وسماك. روى عنه أهل العراق، ولد سنة مائة، ومات سنة ستين ومائة، وقد قيل سنة اثنتين وستين، وكنيته أبو يوسف.

____________________

(١). الكاشف ٣ / ١٦٤.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ١٥٣.

(٣). طبقات الحفاظ ٨٢.

(٤). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٨.

٢٥

سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت الدورقي يقول: سمعت ابن مهدي يقول قال: عيسى بن يونس قال إسرائيل: كنت أحفظ حديث يونس ابن إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن »(١) .

٢ - السيوطي: « وعنه: عبد الرزاق وأبو داود الطيالسي وأحمد بن أبي أياس وابن مهدي وأبو نعيم والفريابي ووكيع. قال يحيى القطان: إسرائيل فوق أبي بكر ابن عياش. وكان أحمد يتعجب [ يعجب ] من حفظه. وقال أحمد: إسرائيل أصحّ حديثاً من شريك، إلّا في أبي اسحاق، فإنّ شريكاً أضبط. مات سنة ١٦٠ »(٢) .

(٤)

رواية شريك بن عبدالله النخعي

قال ابن كثير الحافظ: « وقال أبوبكر بن أبي شيبة: ثنا شريك عن حنش عن رباح بن الحارث قال: بينا نحن جلوس في الرحبة مع علي إذ جاء رجل عليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي. قالوا: من هذا؟ فقال [ هذا ] أبو أيوب، فقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٣) .

ترجمته

١ - ابن الوردي: « فيها توفي بالكوفة أبو عبدالله شريك بن عبدالله بن

____________________

(١). الثقات ٦ / ٧٩.

(٢). طبقات الحفاظ ٩٠ وتاريخ الوفاة: ١٦٢. وتوجد ترجمته في تذكرة الحفاظ ١ / ٢١٤ وتهذيب التهذيب ١ / ٢٦١ واللباب في الأنساب ١ / ٥٣١ وطبقات ابن سعد ٦ / ٢٦٠ وغيرها.

(٣). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٩.

٢٦

أبي شريك. تولى القضاء أيام المهدي ثم عزله الهادي. وكان عالماً عادلاً، كثير الصّواب، حاضر الجواب، ذكر عنده معاوية بالحلم فقال: ليس بحليم من سفّه الحق وقاتل علياً. ولد ببخارى سنة خمس وتسعين »(١) .

٢ - الذهبي: « وقاضي الكوفة ومفتيها: شريك بن عبدالله النخعي، عن نيف وثمانين سنة »(٢) .

٣ - اليافعي: « أحد الأعلام »(٣) .

٤ - السيوطي: « أحد الأعلام قال ابن معين: صدوق ثقة، إلّا أنّه إذا خالف فغيره أحبّ إلينا منه. ولد سنة خمس وتسعين. ومات سنة سبع وسبعين ومائة »(٤) .

(٥)

رواية محمد بن جعفر ( غندر )

في مسند أحمد بن حنبل: « حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن أبي اسحاق، قال: سمعت سعيد بن وهب قال: نشد علي الناس، فقال خمسة أو ستة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشهدوا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٥) .

ترجمته

١ - الذهبي: « محمد بن جعفر غندر، الحافظ أبو عبدالله البصري

____________________

(١). تتمة المختصر - حوادث سنة ١٧٧.

(٢). دول الاسلام - حوادث سنة ١٧٧.

(٣). مرآة الجنان - حوادث سنة ١٧٧.

(٤). طبقات الحفاظ ٩٨.

(٥). مسند أحمد ٥ / ٣٦٦.

٢٧

صاحب شعبة، وقد روى عن حسين المعلم وطائفة، وقال: لزمت شعبة عشرين سنة. قال ابن معين: كان من أصحّ الناس كتاباً، وقال آخر: مكث غندر خمسين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً»(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « ع - محمد بن جعفر الهذلي، مولاهم البصري الحافظ غندر قال ابن معين: أراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر، وكان من أصح الناس كتاباً »(٢) .

٣ - اليافعي: « الحافظ محمد بن جعفر المعروف بغندر، قال ابن معين »(٣) .

٤ - البدخشاني: « أحد الأئمّة وروى عنه صاحب الصحيح الامام محمد بن إسماعيل البخاري.

قلت: غندر الذي في رجال صحيح البخاري هو صاحب الترجمة، ولكن ليس من شيوخ البخاري بل هو شيخ شيوخه، وهو من كبار الحفاظ، وقال ابن معين: أراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر، وكان من أصحّ الناس كتاباً.

مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة »(٤) .

(٦)

رواية وكيع بن الجراح

قال أحمد بن حنبل: « حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة

____________________

(١). العبر - حوادث ١٩٣.

(٢). الكاشف - ٣ / ٢٩.

(٣). مرآة الجنان - حوادث ١٩٣.

(٤). تراجم الحفاظ - مخطوط.

٢٨

عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

ترجمته

١ - ابن حبان: « وكيع بن الجراح روى عنه أحمد بن حنبل وأهل العراق، وكان حافظاً متقناً، سمعت محمد بن أحمد بن أبي عوف يقول: سمعت فياض بن زهير يقول: ما رأينا بيد وكيع كتاباً قطّ، كان يقرأ كتبه من حفظه، قال أبو حاتم: كان مولد وكيع سنة تسع وعشرين ومائة، ومات سنة ست أو سبع وتسعين ومائة بفيد من طريق مكة »(٢) .

٢ - النووي: « الإِمام في الحديث وغيره، وهو من تابعي التابعين وأجمعوا على جلالته ووفور علمه، وحفظه وإتقانه، وورعه وصلاحه، وعبادته وتوثيقه واعتماده، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع، ما رأيته شكّ في حديث إلّا يوماً واحداً، ولا رأيت معه كتاباً ولا رقعة قط. وقال أحمد أيضاً: حدثني من لم تر عيناك مثله وكيع بن الجراح. وقال أحمد: هو أحب إليّ من يحيى بن سعيد، فقيل له: كيف فضّلت وكيعاً؟ فقال: كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث، فلما ولّي القضاء هجره وكيع، وكان يحيى بن سعيد صديقاً لمعاذ بن معاذ، فولي القضاء معاذ ولم يهجر يحيى. وقال أحمد: ما رأيت رجلاً قط مثل وكيع في العلم والحفظ والاسناد والأبواب، ويحفظ الحديث جيّداً، ويذاكر بالفقه، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلّم في أحد.

وقال ابن معين: ما رأيت أحداً يحدّث لله غير وكيع بن الجراح، وهو أحب إلى سفيان من ابن مهدي، وأحب إليّ من أبي نعيم، وما رأيت رجلاً قط أحفظ من وكيع، ووكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه.

وقال أحمد بن عبدالله: وكيع كوفي ثقة عابد صالح، من حفّاظ الحديث،

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

(٢). الثقات ٧ / ٥٦٢.

٢٩

وكان يفتي.

وقال ابن عمار: ما كان بالكوفة في زمن وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع، كان جهبذاً »(١) .

٣ - الذهبي: « أحد الأعلام قال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم منه ولا أحفظ »(٢) .

(٧)

رواية عبدالله بن نمير

في مسند أحمد: « حدثنا عبدالله قال: حدثني أبي قال: ثنا ابن نمير ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي عن زاذان أبي عمر قال: سمعت عليّاً في الرحبة وهو ينشد الناس: من شهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم هو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٣) .

و فيه: « حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا ابن نمير، حدثنا عبد الملك - يعني ابن أبي سليمان - عن عطية العوفي، قال: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك، فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، فقال: نعم كنا بالجحفة فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي، فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٤٤.

(٢). الكاشف - ٣ / ٢٣٧.

(٣). مسند أحمد ١ / ٨٤.

٣٠

من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه. قال فقلت: هل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنما أخبرك ما سمعت »(١) .

ترجمته

١ - عبد الغني المقدسي: « عبدالله بن نمير أبو هشام الخارفي الكوفي قال أبو نعيم: سئل يحيى بن معين عن أبي خالد الأحمر، فقال: نعم الرجل عبدالله بن نمير.

وقال عثمان بن سعد: قلت ليحيى بن معين: إدريس أحب إليك في الأعمش أو ابن نمير؟ فقال: كلاهما ثقتان.

وقال أبو حاتم: كان عبدالله بن نمير مستقيم الأمر.

وقال أبوبكر الخطيب: عبدالله بن نمير حدّث عنه محمد بن بشر العبدي، والحسن بن علي بن عفّان العامري، وبين وفاتيهما سبع وستون سنة إلخ »(٢) .

٢ - الذهبي: « ع - عبدالله بن نمير أبو هشام، عن هشام بن عروة والأعمش وعنه: ابنه محمد وأحمد وابن معين، حجة. توفي ١٩٩ »(٣) .

٣ - ابن حجر: « عبدالله بن نمير وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العجلي: ثقة صالح الحديث صاحب سنّة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث صدوقاً »(٤) .

٤ - ابن حجر أيضاً: « ثقة صاحب حديث، من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين »(٥) .

____________________

(١). مسند أحمد ٤ / ٣٦٨.

(٢). الكمال في معرفة الرجال - مخطوط.

(٣). الكاشف ٢ / ١٣٧.

(٤). تهذيب التهذيب ٦ / ٥٧.

(٥). تقريب التهذيب ١ / ٤٥٧.

٣١

(٨)

رواية محمد بن عبدالله الزبيري

أبو أحمد الحبال

في مسند أحمد: « حدثنا عبدالله قال: حدثني أبي قال: ثنا محمد بن عبدالله قال: ثنا الربيع يعني ابن أبي صالح الأسلمي قال: حدثني زياد بن أبي زياد الأسلمي قال: سمعت علياً ينشد الناس فقال: أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر بدريّاً فشهدوا »(١) .

ترجمته

١ - الذهبي: « ع - محمد بن عبدالله أبو أحمد الزبيري الكوفي الحبال، عن:

فطر ومسعر وخلق. وعنه: أحمد ومحمود بن غيلان وأحمد بن الفرات. قال بندار:

ما رأيت أحفظ منه. وقال آخر: كان يصوم الدهر مات ٢٠٣ »(٢) .

٢ - اليافعي: « وفيها أبو أحمد الزبيري قال أبو حاتم كان ثقة حافظاً عابداً مجتهداً »(٣) .

____________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ١ / ٨٨.

(٢). الكاشف ١ / ٦٠.

(٣). مرآة الجنان - حوادث ٢٠٣ وله ترجمة في: تذكرة الحفاظ ١ / ٣٥٧ والعبر ١ / ٣٤١ وخلاصة تذهيب الكمال: ٢٩٤ وطبقات ابن سعد ٦ / ٢٨١ وغيرها.

٣٢

(٩)

رواية يحيى بن آدم

في مسند أحمد: « حدثنا عبدالله، ثني أبي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي، عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فإن هذا مولاه. قال رباح فلما مضوا اتّبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري »(١) .

ترجمته

١ - الذهبي: « ع - يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي، مولى خالد ابن عقبة بن أبي معيط، أبو زكريا الكوفي، أحد الأعلام وثّقه ابن معين والنسائي، وسئل أبو داود عنه فقال: يحيى واحد الناس، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة كثير الحديث، فقيه البلد، لم يكن له سنّ متقدّم، سمعت ابن المديني يقول:رحمه‌الله أيّ علم كان عنده، وقال أبو أسامة: ما رأيت يحيى بن آدم إلّا ذكر الشعبي. وقال محمود بن غيلان: سمعت أبا أسامة يقول: كان عمر بن الخطاب في زمانه رأس الناس، وهو جامع، وبعده ابن عباس في زمانه، وبعده الشعبي، وبعده الثوري، وكان بعد الثوري يحيى بن آدم.

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٤١٩.

٣٣

. . قلت: وكان اماماً في القرآن والسنّة والفقه »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « وفيها الإِمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرئ الحافظ الفقيه »(٢) .

٣ - اليافعي: « وفيها الإِمام الحبر، أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي، المقري الحافظ الفقيه، صاحب التصانيف »(٣) .

٤ - السيوطي: « يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي الأموي مولاهم أبو زكريا، روى عن إسرائيل وحماد بن سلمة والسفيانين وخلق. وعنه: أحمد ويحيى وإسحاق وابنا أبي شيبة وعدة [ مات سنة ٢٠٣ ] »(٤) .

(١٠)

رواية الشافعي

قال الشيخ عز الدين أبو الحسن ابن الأثير: « وقد تكرّر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، وهو: الربّ والمالك والسيّد والمنعم والمعتق والمنعم عليه، وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كلّ واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه، وقد يختلف مصادر هذه الأسماء، فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق، والولاية

____________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). العبر - حوادث ٢٠٣.

(٣). مرآة الجنان - حوادث ٢٠٣.

(٤). طبقات الحفاظ ١٥٢.

٣٤

بالكسر في الإِمارة، والولاء في المعتق، والموالاة من والى القوم ومنه الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، ويحمل على أكثر الأسماء المذكورة. وقال الشافعي: يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) إلخ »(١) .

وقد نقل محمد طاهر الصديقي الفتني الكجراتي كلام الشّافعي هذا في كتابه(٢) .

وقال شمس الدين محمد بن مظفر الخلخالي: « قوله: من كنت مولاه. قيل: معناه من يتولّاني فعلي يتولّاه، و قيل: كان سبب ذلك أن أسامة بن زيد قال لعليّ: لست مولاي إنما مولاي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه.

ونقل عن الشافعيرضي‌الله‌عنه أنه قال: أراد بذلك ولاء الإِسلام، قال الله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم »(٣)

وقد ذكره أيضاً أبو عبدالله فضل الله بن تاج الدين أبي سعيد الحسن بن الحسن التوربشتي(٤) .

ترجمته

١ - النووي: « إمامنارضي‌الله‌عنه ، هو: أبو عبدالله محمد بن إدريس وقد أكثر العلماءرحمهم‌الله من المصنّفات في مناقب الشافعي وأحواله، من المتقدمين والمتأخرين، كداود الظاهري والساجي وخلائق من المتقدمين، وأما المتأخرون: كالدار قطني والآجري والرازي والصاحب بن عباد والبيهقي

____________________

(١). النهاية في غريب الحديث - « ولي ».

(٢). مجمع البحار « ولي ».

(٣). المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط.

(٤). المعتمد في المعتقد للتوربشتي.

٣٥

والمقدسي، وخلائق لا يحصون

فصل - في شهادات علماء الاسلام المتقدّمين فمن بعدهم للشافعي بالتقدّم في العلم، واعترافهم له به، وحسن ثنائهم عليه، وجميل دعائهم له، ووصفهم له بالصفات الجميلة والخلال الحميدة، وهذا الباب ربّما اتّسع جدّاً، لكن نرمز إلى أحرف منه، تنبيهاً بها على ما سواه، وأسانيدها كلّها موجودة مشهورة لكن نحذفها إختصاراً.

قال له شيخه مالك بن أنسرضي‌الله‌عنه : إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية وقال شيخه سفيان بن عيينة وقد قرئ عليه حديث في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل: قد مات الشافعي، فقال سفيان: إنْ كان قد مات فقد مات أفضل أهل زمانه. وقال أحمد بن محمد بن بدر الشافعي سمعت أبي وعمي يقولان: كان ابن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا. وقال علي بن المديني: كان الشافعي عند ابن عيينة يعظّمه ويجلّه، وفسّر الشافعي بحضرة سفيان بن عيينة حديثاً أشكل على سفيان، فقال له سفيان: جزاك الله خيراً، ما يجيئنا منك إلّا ما نحب.

وقال الحميدي صاحب سفيان: كان سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد وسعيد بن سالم وعبد الحميد بن عبد العزيز وشيوخ مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدّماً عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، ويقولون: لم نعرف له صبوة. وقال الحميدي: سمعت مسلم بن خالد يقول للشافعيرحمه‌الله : قد والله آن لك أن تفتي، والشافعي ابن خمس عشرة سنة.

وقال يحيى بن سعيد القطان إمام المحدثين في زمنه: أنا أدعو الله تعالى للشّافعي في كل صلاة منذ أربع سنين. وقال القطّان حين عرض عليه كتاب الرسالة للشافعي، ما رأيت أعقل أو أفقه منه. وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي المقدَّم في عصره في علمي الحديث والفقه، حين جاءته رسالة الشافعي وكان طلب من الشافعي أن يصنّف كتاب الرسالة، فأثنى عليه ثناءاً جميلاً،

٣٦

وأعجب بالرسالة إعجاباً كثيراً، وقال: ما أصلّي صلاة إلّا أدعو للشافعي فيها.

وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرّشيد يقرأه السلام ويقول: صنّف الكتب فإنك أولى من يصنّف في هذا الزمان. وقال أبو حسان الرازي: ما رأيت محمد بن الحسن يعظّم أحداً من أهل العلم تعظيمه للشافعي.

وقال أيّوب بن سويد الرملي - وهو أحد شيوخ الشافعي ومات قبل الشافعي بإحدى عشر سنة -: ما ظننت أنّي أعيش حتى أرى مثل الشافعي. وقال البويطي: قال يحيى بن حبان: ما رأيت مثل الشافعي، وكان شديد المحبة للشافعي، قدم مصر وقال: انما جئت للسلام على الشافعي. وقال محمد بن علي المديني: قال لي أبي: لا تترك للشافعي حرفاً إلّا أكتبه.

وقال يحيى بن معين - وقد سئل عمن يكتب كتب الشافعي - فقال: عن الربيع. وقال قتيبة بن سعيد: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن، وبموت أحمد بن حنبل يظهر البدع.

وقال قتيبة: لو وصلتني كتب الشافعي لكتبتها، ما رأت عيناي أكيس منه »(١) .

٢ - السبكي: « وقد كان عنّ لنا أن نعقد لمناقب الإِمام الأعظم المطّلبي، والعالم الأقوم ابن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، باباً يقدّم التراجم، فإنه عالم قريش الذي ملأ الله به طباق الأرض علماً، ورفع من طباقها إلى طباق السماء بذاته الطاهرة من هو أعلى من نجومها وأسمى، وأثبت باسمه في طباق أجرامها اسم من يسمع آذاناً صماً، ومن لوقالت بنو آدم علمّه الله الأسماء لقيل كما أبرز منه لكم أباً ومن تصانيفه أمّاً، والحبر الذي أسس بعد الصحابة قواعد بيته بيت النبوة وأقامها، وشيّد مباني الإِسلام بعد ما جهل الناس حلالها وحرامها، وأيّد دعائم

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤.

٣٧

الدين منه بمن سهر في محو ليالي الشبهات، إذا سهر غيره الليالي في الشهوات أو نامها.

ولكنا رأينا الخطب في ذلك عظيماً، والأمر يستدعي مجلدات، ولا ينهض بمعشار ما يحاوله من أوتي بسطة في العلم والجسم إذا كان عليماً جسيماً » ثم ذكر المؤلّفين في مناقب الشافعي وفضائله من المتقدمين والمتأخرين(١) .

٣ - أبو نعيم: « ومنهم: الامام الكامل، العالم العامل، ذو الشرف المنيف والخلق الظريف، له السخاء والكرم، وهو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقاً وغرباً، المستفيض مذهبه براً وبحراً، المتّبع للسنن والآثار، والمقتدي بما أجمع عليه المهاجرون والأنصار، اقتبس عن الأئمّة الأخيار، فحدّث عنه الأحبار، الحجازي المطّلبي أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السّامية، إذ المناقب والمراتب يستحقّها من له الدين والحسب، وقد ظفر الشافعيرحمه‌الله عليهما بهما جميعاً، لشرف العلم والعمل به »(٢) .

(١١)

روايه اسود بن عامر

في المسند: « حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا أسود بن عامر، أنبأ أبو إسرائيل، عن الحكم، عن أبي سليمان، عن زيد بن أرقم قال: استشهد عليّ الناس فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فقام ستة عشر رجلاً

____________________

(١). طبقات السبكي ١ / ٣٤٣.

(٢). حلية الأولياء ٩ / ٦٣.

٣٨

فشهدوا »(١) .

ترجمته

١ - ابن حجر: « الأسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن الشامي نزيل بغداد. روى عن: شعبة والحمادين والثوري والحسن بن صالح وجرير بن حازم وجماعة.

وعنه: أحمد بن حنبل وابنا أبي شيبة وعلي بن المديني وأبو ثور وعمرو الناقد وأبو كريب والصغاني والدارمي والحارث بن أبي أسامة خاتمة أصحابه وغيرهم. وروى عنه بقية، وهو أكبر منه.

قال ابن معين: لا بأس به. وقال ابن المديني: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح، وقال ابن سعد: صالح الحديث.

مات سنة ٢٠٨.

قلت: وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات أول سنة ثمان »(٢) .

٢ - ابن حبان: « الأسود بن عامر أبو عبد الرحمن، ولقبه شاذان أصله من الشام، سكن بغداد »(٣) .

(١٢)

رواية عبد الرزاق بن همام

علم روايته من كلام الحافظ ابن كثير، في ذكر رواية معمر وإسرائيل

____________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٧٠.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ٣٤٠.

(٣). الثقات ٨ / ١٣٠.

٣٩

وفي مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد: « حدثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل، قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثني معمر، عن طاوس، عن أبيه قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً إلى اليمن علينا، وخرج بريدة الاسلمي، فبعث علي في بعض السبّي، فشكاه بريدة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه »(١) .

ترجمته

١ - عبد الغني المقدسي: « محمد بن إسماعيل الفزاري: بلغنا - ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق - أن يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهم تركوا حديث عبد الرزاق وكرهوا، فدخلنا من ذلك غمّ شديد، فقلنا: قد أنفقنا وتعبنا، وآخر ذلك سقط حديثه! فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج، فخرجت من صنعاء إلى مكة، فوافيت بها يحيى بن معين، فقلت يا أبا زكريّا ما الذي بلغنا عنكم في عبد الرزاق؟ فقال: ما هو؟ فقلنا بلغنا أنكم تركتم حديثه ورغبتم عنه؟ فقال: يا صالح لو ارتّد عن الاسلام عبد الرزاق ما تركنا حديثه »(٢) .

٢ - المقدسي أيضاً: « وروينا عن عبد الرزاق أنه قال: قدمت مكة فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فمضيت وطفت وتعلّقت بأستار الكعبة فقلت: يا ربّ ما لي أكذّاب أمدلّس أنا؟! فرجعت إلى البيت فجاؤني.

قال ابن خيثمة: سئل يحيى بن معين عن أصحاب الثوري، فقال: أمّا عبد الرزاق والفريابي وعبيدالله بن موسى وابو أحمد الزبيري وأبو عاصم وطبقتهم كلّهم في سفيان قريب بعضهم من بعض، وهم دون يحيى بن سعيد وعبد الرحمن

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

(٢). الكمال في معرفة الرجال - مخطوط

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

القبيح، وعن الإخلال بالواجب، بالندم عليهما، والعزم على أن لا يعاود.

وروى جابر: أنّ أعرابيّا دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: أللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك، وكبّر. فلمّا فرغ من صلاته قال له عليّعليه‌السلام : «يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك تحتاج إلى التوبة.

فقال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟

قال: اسم يقع على ستّة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربّيتها في المعصية، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كلّ ضحك ضحكته».

( وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ) عن الكبائر إذا تيب عنها، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر. أو يعفو عن الكبائر والصغائر مطلقا لمن يشاء تفضّلا.( وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) من خير وشرّ، فيجازيهم على ذلك، ويتجاوز عنهم على مقتضى حكمته. وقرأ حمزة وحفص والكسائي: ما تفعلون بالتاء.

( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) أي: يستجيب الله لهم، فحذف اللام كما حذف في( وَإِذا كالُوهُمْ ) (١) . والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة، فإنّها كدعاء وطلب لـما يترتّب عليها. ومنه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل الدعاء الحمد لله».

أو يستجيبون الله بالطاعة إذا دعاهم إليها.( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) على ما سألوا واستحقّوا من الثواب واستوجبوا له.

وروي عن ابن عبّاس: أنّ معنى( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا ) أن يشفّعهم في إخوانهم.( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) يشفّعهم في إخوان إخوانهم.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله في قوله:( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) : الشفاعة لمن وجبت له النار ممّن أحسن إليهم في الدنيا».

__________________

(١) المطفّفين: ٣.

٢٢١

( وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ) بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضّل.

( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) )

ولـمّا بيّن سبحانه أنّه يزيد المؤمنين من فضله، أخبر عقيبه أنّ الزيادة في الأرزاق في الدنيا تكون على حسب المصالح، فقال :

( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء. أو لتكبّروا وأفسدوا فيها بطرا، فإنّ الغنى مبطرة مأشرة(١) . وكفى بحال قارون عبرة. وهذا على الغالب. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أخوف ما أخاف على أمّتي زهرة الدنيا وكثرتها».

وأصل البغي طلب التجاوز عن الاقتصاد فيما يتحرّى كمّيّة وكيفيّة.

( وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ) بتقدير( ما يَشاءُ ) كما اقتضته مشيئته( إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ ) عليم بخفايا أمرهم وجلايا حالهم( بَصِيرٌ ) بما يصلحهم وما يفسدهم في عواقب أمورهم. فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط، كما توجبه الحكمة الربّانيّة. ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم جميعا لهلكوا.

__________________

(١) الأشر: البطر. والبطر: التكبّر عن الحقّ وعدم قبوله.

٢٢٢

قيل: نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنّوا سعة الرزق والغنى. قال خبّاب بن الأرتّ: فينا نزلت، وذلك أنّا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنّيناها.

وقيل: نزلت في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا، وإذا أجدبوا انتجعوا. ولا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقلّ، ومع البسط أكثر وأغلب، فلو عمّ البسط لغلب البغي حتّى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن، فلأجل ذلك الفقراء أكثر من الأغنياء.

روى أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرئيل، عن اللهعزوجل : «إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا السقم، ولو صححته لأفسده. وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الصحّة، ولو أسقمته لأفسده. وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى، ولو أفقرته لأفسده.

وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر، ولو أغنيته لأفسده. وذلك أنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم.

ومتى قيل: نحن نرى كثيرا ممّن يوسّع عليه الرزق يبغي في الأرض.

قلنا: إذا علمنا على الجملة أنّه سبحانه يدبّر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم، فلعلّ هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي، وسّع عليهم أو لم يوسّع. أو لعلّهم لو لم يوسّع عليهم لكانوا أسوأ حالا في البغي، فلذلك وسّع عليهم. والله أعلم بتفاصيل أحوالهم.

ثمّ بيّن حسن نظره بعباده، فقال:( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) المطر الّذي يغيثهم من الجدب، ولذلك خصّ بالنافع. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتشديد.

( مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ) أيسوا منه. ووجه إنزاله بعد القنوط: أنّه أدعى إلى شكر الآتي به وتعظيمه، والمعرفة بموقع إحسانه.( وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ) أي: يفرّق ويبسط بركات الغيث ومنافعه، وما يحصل به من الخصب في كلّ شيء، من السهل والجبل والنبات

٢٢٣

والحيوان( وَهُوَ الْوَلِيُ ) الّذي يتولّى عباده بإحسانه ونشر رحمته( الْحَمِيدُ ) المستحقّ للحمد على ذلك.

( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فإنّها بذاتها وصفاتها تدلّ على وجود صانع قادر حكيم( وَما بَثَّ فِيهِما ) مجرور أو مرفوع عطفا على «السموات» أو «خلق»( مِنْ دابَّةٍ ) من حيّ، على إطلاق اسم المسبّب على السبب. أو ممّا يدبّ على الأرض. وما يكون في أحد الشيئين يصدق أنّه فيهما في الجملة، كقوله تعالى:( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) (١) . وإنّما يخرج من الملح. فلا يقال: لم قيل فيهما «من دابّة» والدوابّ في الأرض وحدها؟ وأيضا يجوز أن يكون للملائكةعليهم‌السلام مشي مع الطيران، فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي. ولا يبعد أيضا أن يخلق في السماوات حيوانا يمشي فيها مشي الأناسي على الأرض. سبحان الّذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق.

( وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ ) حشرهم إلى الموقف بعد إماتتهم( إِذا يَشاءُ ) في أيّ وقت يشاء( قَدِيرٌ ) متمكّن منه. و «إذا» كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع. قال الله تعالى:( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) (٢) .

( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ

__________________

(١) الرحمن: ٢٢.

(٢) الليل: ١.

٢٢٤

فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) )

ولـمّا بيّن سبحانه عظيم نعمه على العباد، بيّن بعده أنّه لا يعاقبهم إلّا على معاصيهم، فقال :

( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ) من بلوى في نفس أو مال( فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) فبسبب معاصيكم. وذكر الفاء بناء على تضمين «ما» معنى الشرط. ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببيّة.( وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) من الذنوب، فلا يعاقب عليها. والآية مخصوصة بالمجرمين. وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلّا بذنب». وأمّا ما أصاب غيرهم، من الأنبياء وسائر المعصومين من الأئمّة، ومن الأطفال والمجانين، فلأسباب أخر، منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه.

وعن بعضهم: من لم يعلم أنّ ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه، وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر، كان قليل النظر في إحسان ربّه إليه.

وعن بعض آخر: العبد ملازم للجنايات في كلّ أوان، وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه، لأنّ جناية المعصية من وجه، وجناية الطاعة من وجوه، والله يطهّر عبده من جناياته بأنواع من المصائب، ليخفّف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة.

وعن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من عفي عنه في الدنيا عفي عنه في الآخرة، ومن عوقب في الدنيا لم تثنّ عليه العقوبة في الآخرة».

٢٢٥

وعنهعليه‌السلام : «هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن».

( وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ) فائتين، أي: لا تعجزونني حيث ما كنتم، فلا تسبقونني هربا في الأرض عمّا قضي عليكم من المصائب( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ ) متولّ بالرحمة يحرسكم عنها( وَلا نَصِيرٍ ) يدفعها عنكم.

( وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ ) السفن الجارية( فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) كالجبال الطوال. قالت الخنساء :

وإن صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار

( إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ ) وقرأ نافع وحده: الرياح( فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ ) ثوابت لا تجري( عَلى ظَهْرِهِ ) ظهر البحر( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ ) على بلاء الله( شَكُورٍ ) لنعمائه. وهما صفتا المؤمن المخلص، فجعلهما كناية عنه، فإنّه هو الّذي وكل همّته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكّر فيها. وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر».

( أَوْ يُوبِقْهُنَ ) عطف على «يسكن» لأنّ أصل الكلام: أو يرسلها فيوبقهنّ، أي: يهلكهنّ بإرسال الريح العاصفة المغرقة، لأنّه قسيم «يسكن»، فاقتصر على المقصود.

وخلاصة المعنى: أنّه سبحانه إن يشأ يبتل المسافرين في البحر بإحدى بليّتين: إمّا أن يسكن الريح فيركد الجواري على متن البحر ويمنعهنّ من الجري، وإمّا أن يرسل الريح عاصفة فيهلكهنّ إغراقا. والمراد إهلاك أهلها، لقوله:( بِما كَسَبُوا ) من المعاصي( وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ) عطف على «يوبقهنّ». وأصل الكلام: أو يرسله عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم، وينج ناسا على طريق العفو منهم.

( وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ) عطف على علّة مقدّرة، مثل: لينتقم منهم ويعلم. ونحوه في العطف على التعليل المذكور غير عزيز في القرآن. أو على

٢٢٦

الجزاء. ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستّة، نحو: إن تأتني آتك وأعطيك.

وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف.( ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ) ملجأ يلجؤن إليه من العذاب.

( فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) )

ثمّ خاطب سبحانه من تقدّم وصفهم، فقال:( فَما أُوتِيتُمْ ) أيّها المشركون( مِنْ شَيْءٍ ) من الغنى والبسطة( فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) تمتّعون به مدّة حياتكم ثمّ تموتون فيبقى عنكم، أو يهلك المال قبل موتكم( وَما عِنْدَ اللهِ ) من ثواب الآخرة

٢٢٧

( خَيْرٌ وَأَبْقى ) من هذه المنافع( لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) لخلوص نفعه ودوامه. و «ما» الأولى موصولة تضمّنت معنى الشرط، من حيث إنّ إيتاء ما أوتوا سبب للتمتّع بها في الحياة الدنيا، فجاءت الفاء في جوابها، بخلاف الثانية.

( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ ) عطف على( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) أي: وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين المتوكّلين على ربّهم، المجتنبين الآثام الكبيرة، والأعمال الفاحشة، والأفعال القبيحة شرعا وعقلا( وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ ) ممّا يفعل بهم من الظلم( يَغْفِرُونَ ) يتجاوزون عنه. والإتيان بـ «هم» وإيقاعه مبتدأ، وإسناد «يغفرون» إليه، للدلالة على أنّهم الأخصّاء بالمغفرة في حال الغضب. ومثله «هم ينتصرون»(١) . وقرأ حمزة والكسائي: كبير الإثم. وعن ابن عبّاس: «كبير الإثم» هو الشرك. والمراد بالمغفرة ما يتعلّق بالإساءة إلى نفوسهم، فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين. فأمّا ما يتعلّق بحقوق الله والحدود الواجبة، فليس للإمام تركها ولا العفو عنها، فلا يجوز له العفو عن المرتدّ وعمّن جرى مجراه.

ثمّ زاد سبحانه في صفاتهم بقوله:( وَالَّذِينَ ) أي: وللّذين( اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) قيل: نزلت في الأنصار، دعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإيمان به وطاعته، فاستجابوا له بالإيمان والإطاعة وإقامة الصلوات الخمس.

وكانوا إذا أرادوا أمرا قبل الإسلام وقبل قدوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمعوا وتشاوروا ثمّ عملوا عليه، فأثنى الله عليهم بقوله:( وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) ذو شورى، لا ينفردون برأي حتّى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تدبّرهم وتيقّظهم في الأمور. وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور، وهو المفاوضة في الكلام ليظهر الحقّ.

وعن الضحّاك: هو تشاور الأنصار حين سمعوا بظهور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وورود

__________________

(١) الشورى: ٣٩.

٢٢٨

النقباء عليه، حتّى اجتمعوا في دار أبي أيّوب على الإيمان به والنصرة له.

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «ما من رجل يشاور أحدا إلّا هدي إلى الرشاد».

( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) في سبيل الخير.

( وَالَّذِينَ ) وللّذين( إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) ممّن بغى عليهم، على ما جعله الله لهم من القوّة والتسلّط، كراهة التذلّل. وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمّهات الفضائل. كما نقل عن النخعي أنّه كان إذا قرأها قال: كانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم، فيجترئ عليهم الفسّاق. والمعنى: أنّه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة، فإذا قال: أخزاك الله، قال: أخزاك الله، من غير أن يعتدي. وهو لا يخالف وصفهم بالغفران، فإنّه ينبئ عن عجز المغفور، والانتصار عن مقاومة الخصم. والحلم عن العاجز محمود، وعن المتغلّب مذموم، لأنّه إجراء وإغراء على البغي.

ثمّ عقّب وصفهم بالانتصار بقوله:( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) للمنع عن التعدّي. وسمّي الثانية سيّئة للازدواج، أو لأنّها تسوء من تنزل به.( فَمَنْ عَفا ) عمّاله المؤاخذة به( وَأَصْلَحَ ) بينه وبين عدوّه( فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) عدة مبهمة تدلّ على عظم الموعود( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) المبتدئين بالسيّئة، والمتجاوزين في الانتقام.

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على الله أجر فليقم. قال: فيقوم خلق، فيقال لهم: ما أجركم على الله؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمّن ظلمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنّة بإذن الله».

( وَلَمَنِ انْتَصَرَ ) لنفسه وانتصف( بَعْدَ ظُلْمِهِ ) أي: بعد ما ظلم، فإنّه من إضافة المصدر إلى المفعول( فَأُولئِكَ ) إشارة إلى معنى «من» دون لفظه( ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) بالمعاتبة والمعاقبة.

٢٢٩

( إِنَّمَا السَّبِيلُ ) أي: الإثم والعقاب( عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ) يبتدؤنهم بالإضرار( وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ ) يطلبون ما لا يستحقّونه تجبّرا عليهم( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) على ظلمهم وبغيهم.

( وَلَمَنْ صَبَرَ ) على الظلم والأذى( وَغَفَرَ ) ولم ينتصر( إِنَّ ذلِكَ ) إنّ ذلك الصبر والتجاوز منه، فحذف كما حذف في قولهم: السمن منوان بدرهم، للعلم به( لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) من ثابت الأمور الّتي أمر الله بها، فلم تنسخ.

وقيل: عزم الأمور هو الأخذ بأعلاها في باب نيل الثواب والأجر.

ويحكي: أنّ رجلا سبّ رجلا في مجلس الحسن البصري، وكان المسبوب يكظم، ويعرق فيمسح العرق، ثمّ قام فتلا هذه الآية. فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيّعها الجاهلون.

( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ

٢٣٠

حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ ) يخذله الله ويخلّيه بينه وبين نفسه( فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ ) من ناصر يتولّاه من بعد خذلان الله إيّاه( وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) حين يرونه، فذكر بلفظ الماضي تحقيقا( يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) أي: إلى رجعة إلى الدنيا.

( وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) على النار قبل دخولهم فيها. ويدلّ عليه العذاب.( خاشِعِينَ ) متذلّلين متقاصرين( مِنَ الذُّلِ ) ممّا يلحقهم من الذلّ( يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ ) أي: يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم خفيّ ضعيف بمسارقة، كالمصبور(١) ينظر إلى السيف. وهكذا نظر الناظر إلى المكاره لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها، ويملأ عينيه منها.

( وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ ) في الحقيقة( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) بالتعريض للعذاب المخلّد، وتفويتهم الانتفاع بنعيم الجنّة( وَأَهْلِيهِمْ ) وأولادهم وأزواجهم وأقاربهم، لا ينتفعون بهم( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) إمّا أن يتعلّق بـ «خسروا»، ويكون من قول المؤمنين في الدنيا. أو يتعلّق بـ «قال» أي: يقولون إذا رأوا عظيم ما نزل بالظالمين يوم القيامة( أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ ) المقيم: الدائم الذي لا زوال له. هذا تمام كلامهم، أو تصديق من الله لهم.

( وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ ) ممّا عبدوه وأطاعوه في المعصية نصّار( يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ ) يخذله تخلية( فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ) إلى الهدى، أو النجاة.

__________________

(١) المصبور: المحبوس للقتل.

٢٣١

( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ ) أجيبوا داعي ربّكم ـ يعني: محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما دعاكم إليه ورغّبكم فيه من المصير إلى طاعته( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ) لا يردّه بعد ما حكم به. و «من» صلة لـ «مردّ». وقيل: صلة «يأتي» أي: من قبل أن يأتي يوم من الله لا يقدر أحد على ردّه( ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ ) مفرّ( يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) إنكار لـما اقترفتموه، أي: لا تقدرون أن تنكروا شيئا منه، لأنّه مدوّن في صحائف أعمالكم، وتشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم.

( فَإِنْ أَعْرَضُوا ) أعرض الكفّار، أي: عدلوا عمّا دعوتهم إليه( فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) رقيبا، أي: مأمورا بحفظهم لئلّا يخرجوا عمّا دعوتهم إليه، كما يحفظ الراعي غنمه لئلّا يتفرّقوا، فلا تحزن لإعراضهم( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ) ليس عليك إلّا إيصال المعنى إلى أفهامهم، والبيان لـما فيه رشدهم، وقد بلّغت.

( وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ) أي: إذا أوصلنا إليه نعمة، من الصحّة والغنى والأمن( فَرِحَ بِها ) بطرا أو أشرا. وأراد بالإنسان الجنس لا الواحد، لقوله:( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) من المرض والفقر والمخاوف( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) أيدي المجرمين( فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ ) بليغ الكفران، ينسى النعمة رأسا، ويذكر البليّة ويعظّمها، ولا يتأمّل سببها. وهذا وإن اختصّ بالمجرمين، لكن جاز إسناده إلى الجنس، لغلبتهم واندراجهم فيه.

وتصدير الشرطيّة الأولى بـ «إذا» والثانية بـ «أن» لأنّ إذاقة النعمة محقّقة، من حيث إنّها عادة مقتضاة بالذات، بخلاف إصابة البليّة. وإقامة علّة الجزاء مقامه، ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية، للدلالة على أنّ هذا الجنس موسوم بكفران النعمة، كما قال:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) (١) .( إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) (٢) .

__________________

(١) إبراهيم: ٣٤.

(٢) العاديات: ٦.

٢٣٢

( لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠) )

ولـمّا ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدّها، أتبع ذلك أنّ له الملك، وأنّه يقسّم النعمة والبلاء كيف أراد وفق الحكمة والمصلحة، فقال :

( لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) له التصرّف فيهما وفيما بينهما بما تقتضيه الحكمة، فله أن يقسّم النعمة بين العباد كيف يشاء( يَخْلُقُ ما يَشاءُ ) من أنواع الخلق من غير مجال اعتراض. ثمّ قال إبدالا من «يخلق» إبدال البعض:( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ ) من خلقه( إِناثاً ) فلا يولد له ذكر( وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) فلا يولد له أنثى.

( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً ) أو يجمع لهم بين البنين والبنات. تقول العرب: زوّجت إبلي، أي: جمعت بين صغارها وكبارها.( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) لا يلد ولا يولد له.

وتنقيح المعنى: أنّه سبحانه يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة، فيهب لبعض إمّا صنفا واحدا من ذكر أو أنثى، أو الصنفين جميعا، ويعقم آخرين.

ولعلّ تقديم الإناث لأنّها أكثر لتكثير النسل. أو لأنّ مساق الآية للدلالة على أنّ الواقع ما يتعلّق به مشيئة الله، لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك. أو لأنّ الكلام في البلاء، والعرب تعدّهنّ بلاء. أو لتطييب قلوب آبائهنّ. ولـمّا أخّر الذكور لذلك، تدارك تأخيرهم وهم أحقّاء بالتقديم بتعريفهم، لأنّ التعريف تنويه وتشهير. ويحتمل أن يكون تأخير الذكور ثمّ تعريفهم لرعاية الفواصل.

٢٣٣

ثمّ قدّم الذكران على الإناث لإعطاء كلا الجنسين حقّه من التقديم، للإشعار بأنّ تقديمهنّ أوّلا لم يكن لتقدمهنّ، ولكن لمقتض آخر، فقال:( ذُكْراناً وَإِناثاً ) كما قال:( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ) (١) ( فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) (٢) .

وتغيير العاطف في ذكر تزويج الذكران والإناث، لأنّه قسيم المشترك بين القسمين. ولم يحتج إليه الرابع(٣) ، لإفصاحه بأنّه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدّمة.

( إِنَّهُ عَلِيمٌ ) بمصالح العباد( قَدِيرٌ ) على تكوين ما يصلحهم.

قيل: نزلت في الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، حيث وهب لشعيب ولوط إناثا، ولإبراهيم ذكورا، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكورا وإناثا، وجعل يحيى وعيسى عقيمين.

( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣) )

__________________

(١) الحجرات: ١٣.

(٢) القيامة: ٣٩.

(٣) وهو قوله تعالى:( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) باعتباره الجملة الرابعة في الآية الشريفة.

٢٣٤

ثمّ ذكر ما كان أجلّ النعم المذكورة، وهي النبوّة، فقال:( وَما كانَ لِبَشَرٍ ) وما صحّ لأحد من البشر( أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً ) إلّا أن يوحي إليه وحيا، أي: كلاما خفيّا يدرك بسرعة. وهو عبارة عن الإلهام، أي: قذف المعنى وإلقاؤه في القلب يقظة أو نوما، كما أوحى إلى أمّ موسىعليه‌السلام ، وإلى إبراهيمعليه‌السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد: أوحى الله الزبور إلى داودعليه‌السلام في صدره.

( أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) أي: إلّا أن يكلّمه من ورائه، كما يكلّم الملك بعض خواصّه وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه. ومنه الأحاديث المعراجيّة. أو يسمع الكلام الّذي يخلق في الأجسام الجماديّة، كما اتّفق لموسىعليه‌السلام في الطور.

( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) أي: إلّا أن يرسل ملكا من الملائكة( فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) فيوحي الملك إلى الأنبياء ما يشاء الله، أي: يبلّغ وحيه على وفق ما أمره، كجبرئيل أرسل إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واعلم أنّ «وحيا» وما عطف عليه منتصب بالمصدر، لأنّ «وحيا» نوع من الكلام كما فسّرنا به، و( مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) صفة كلام محذوف، والمعطوف والمعطوف عليه واقعان موقع الحال. والتقدير: وما صحّ أن يكلّم أحدا إلّا موحيا، أو مسمعا من وراء الحجاب، أو مرسلا. والإرسال أيضا نوع من الكلام، كما تقول: لا أكلّمه إلّا جهرا وإلّا إخفاتا، لأنّ الجهر والإخفات ضربان من الكلام. وقرأ نافع: أو يرسل برفع اللام.

( إِنَّهُ عَلِيٌ ) عن الإدراك بالأبصار وسائر صفات المخلوقين( حَكِيمٌ ) يفعل ما تقتضيه حكمته من التكلّم بأحد الأنحاء الثلاثة.

وروي: أنّ اليهود قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تكلّم الله وتنظر اليه إن كنت نبيّا، كما كلّمه موسى ونظر إليه، فإنّا لن نؤمن لك حتّى تفعل ذلك؟ فقال: «لم ينظر موسى

٢٣٥

إلى الله» فنزلت.

وعن عائشة: من زعم أنّ محمّدا رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية. ثمّ قالت: أولم تسمعوا ربّكم يقول: فتلتْ هذه الآية.

( وَكَذلِكَ ) ومثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك( أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) يعني: ما أوحي إليه. وسمّاه روحا، لأنّ القلوب تحيا به كما يحيا الجسد بالروح. وقيل: جبرئيل. والمعنى: أرسلناه إليك بالوحي.

وعن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنّهما قالا: «هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يصعد إلى السماء، وإنّه لفينا».

( ما كُنْتَ تَدْرِي ) قبل الوحي( مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) أي: الإيمان بما لا طريق إليه إلّا السمع من فروع الإسلام، فإنّه ما كان له فيه علم حتّى كسبه بالوحي، كالعلم بالصلاة والصوم والزكاة والحجّ وغيرها. لا الإيمان الذي منشأه العقل، كالعلم بالصانع وصفاته وغيره من الأحكام العقليّة.

( وَلكِنْ جَعَلْناهُ ) أي: الروح، أو الكتاب، أو الإيمان( نُوراً ) لأنّه طريق النجاة( نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ) بالتوفيق واللطف، فإنّ من لا لطف له ـ لفرط عناده والتوغّل في مكابرته ـ فلا هداية له( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) هو الإسلام.

( صِراطِ اللهِ ) بدل من الأوّل( الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) خلقا وملكا( أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) بارتفاع الوسائط والتعلّقات، فلا يملك ذلك غيره يوم القيامة. وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين.

٢٣٦

(٤٣)

سورة الزخرف

مكّيّة. وهي تسع وثمانون آية.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأ سورة الزخرف كان ممّن يقال له يوم القيامة:( يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) (١) ادخلوا الجنّة بغير حساب».

وعن أبي بصير قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : «من أدمن قراءة حم الزخرف آمنه الله في قبره من هو امّ الأرض، ومن ضمّة القبر، حتّى يقف بين يدي اللهعزوجل ، ثمّ جاءت حتّى تكون هي الّتي تدخله الجنّة بأمر الله سبحانه».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) )

__________________

(١) الزخرف: ٦٨.

٢٣٧

ولـمّا ختم الله تعالى سورة حم عسق بذكر القرآن والوحي، افتتح هذه السورة بذلك، أيضا، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ( حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) أقسم بالقرآن على أنّه جعله قرآنا عربيّا. وهو من الأيمان الحسنة البديعة، لتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبي تمام: وثناياك إنّها إغريض(١) . وهو البرد. ولعلّ إقسام الله بالقرآن من حيث إنّه معجز مبيّن لطرق الهدى وما تحتاج إليه الأمّة في أبواب الديانة. أو أنّه بيّن للعرب ما يدلّ على أنّه تعالى صيّره قرآنا عربيّا.

( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) لكي تفهموا معانيه، لأنّه بلغتهم وأساليبهم. ويجوز أن يكون «جعلنا» بمعنى: خلقنا. وحينئذ «قرآنا عربيّا» حال من الضمير. و «لعلّ» مستعار لمعنى الإرادة ليلاحظ معناها ومعنى الترجّي. والمعنى: خلقناه عربيّا غير عجميّ إرادة أن تعقله العرب، ولئلّا يقولوا: لولا فصّلت آياته.

وفي هذه الآية دلالة على حدوث القرآن، لأنّ المجعول هو المحدث بعينه.

( وَإِنَّهُ ) عطف على «إنّا»( فِي أُمِّ الْكِتابِ ) في اللوح المحفوظ، فإنّه أصل الكتب السماويّة، فإنّها كلّها تنسخ منه، وكتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

وقرأ حمزة والكسائي: أمّ الكتاب بالكسر.( لَدَيْنا ) محفوظا عندنا عن التغيير( لَعَلِيٌ ) رفيع الشأن في الكتب، لكونه معجزا من بينها( حَكِيمٌ ) ذو حكمة بالغة. أو محكم لا ينسخه غيره.

واعلم أنّ «في أمّ الكتاب» متعلّق بـ «عليّ» واللام لا تمنعه. أو حال منه، و «لدينا» بدل منه، أو حال من «أمّ الكتاب».

__________________

(١) وعجزه: ولآل نوّار أرض وميض.

والنوّار: نور الشجر. والوميض: شديد البريق واللمعان.

٢٣٨

( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ ) فننحّيه ونبعّده عنكم. مجاز من قولهم: ضرب الغرائب ـ أي: الإبل الغريبة ـ عن الحوض. ومنه قول الحجّاج: ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل. والفاء للعطف على محذوف، تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، أي: القرآن. و( صَفْحاً ) مصدر من غير لفظه. فإنّ تنحية الذكر عنهم إعراض. أو مفعول له. أو حال بمعنى: صافحين. وأصله: أن تولّي الشيء صفحة عنقك. وقيل: إنّه بمعنى الجانب. فيكون ظرفا، كما تقول: ضعه جانبا، وامش جانبا. والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب.

( أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ ) أي: لأن كنتم. وهو في الحقيقة علّة مقتضية لترك الإعراض عنهم. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: إن بالكسر، على أنّ الجملة شرطيّة مخرجة للمحقّق مخرج المشكوك استجهالا لهم، وما قبلها دليل الجزاء. وذلك كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفّني حقّي، وهو عالم بذلك، ولكنّه يخيّل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحقّ، فعل من له شكّ في الاستحقاق مع وضوحه، استجهالا له.

( وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)

٢٣٩

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) )

ثمّ سلّى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن استهزاء قومه بقوله:( وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ ) في الأمم الماضية( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) حكاية حال ماضية مستمرّة. يعني: من الأمم الخالية كفرت بالأنبياء وسخرت منهم، لفرط جهلهم، واستهزأت بهم كما استهزأ قومك بك، أي: فلم نضرب عنهم صفحا لاستهزائهم برسلهم، بل كرّرنا الحجج وأعدنا الرسل.

( فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ ) أي: من القوم المسرفين من قومك، لأنّه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول مخبرا عنهم( بَطْشاً ) قوّة ومنعة، فلا يغترّ هؤلاء المشركون بالقوّة والنجدة( وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ) وسلف في القرآن قصّتهم العجيبة الّتي حقّها أن تسير مسير المثل لغرابته. وفيه وعد للرسول، ووعيد لهم. يعني: لـمّا أهلكوا أولئك بتكذيبهم رسلهم وعملهم القبيح، فعاقبة هؤلاء أيضا الإهلاك.

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) سألت قومك( مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ ) القادر الّذي لا يقهر( الْعَلِيمُ ) بمصالح العباد. لعلّ ذلك لازم مقولهم، أو ما دلّ عليه إجمالا، أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجّة عليهم. فكأنّهم قالوا: الله، كما حكى عنهم في مواضع أخر. ومعناه: لينسبنّ خلقها إلى الّذي هذه أوصافه.

وهذا إخبار عن غاية جهلهم، إذ اعترفوا بأنّ الله خالق السماوات والأرض، ثمّ عبدوا معه غيره، وأنكروا قدرته على البعث. ويجوز أن يكون هذا مقولهم، وما بعده استئناف.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645