تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75695
تحميل: 3753

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75695 / تحميل: 3753
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ) أليس ذلك كالاغراء بالتكذيب. وجوابنا أنّ المراد لمن يتوب منهم ولذلك قال( وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) ويحتمل فان كذبوك فقل ربكم عاجلا ذو رحمة واسعة في الرزق وغيره فيمهل ويرزق ولا يعجل بالعقوبة. ويحتمل فقل ربكم ذو رحمة واسعة علينا وعلى من خالفنا لا يرد باسه عنه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ ) كيف قال ذلك وهو يؤخره إلى الآخرة. وجوابنا أنّه وصف قدرته على ذلك على وجه الردع وليس المراد بيان كيف يقع، وبعد فان سريع يستعمل على وجه الاضافة إلى ما هو أعظم منه في المدة أو لانه يعقب الموت ثمّ يقال بتقدير السريع لان ما بين الامانة والاعادة طويله كقصيره.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ ) كيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه تعالى أخبر بذلك عن شركائهم فقال شركاؤهم ليردوهم فلا سؤال علينا في ذلك.

١٤١
١٤٢

سورة الاعراف

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ) كيف يصح أن يقول لمحمد صلّى الله عليه وسلم والحرج هو الشك والشك لا يجوز عليه في القرآن. وجوابنا أنّ ذلك نهى وقد ينهاه عز وجل عن المعلوم انه لا يقع كما قال الله تعالى( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) وبعد فليس الحرج هو الشك فيحتمل أن يريد به لا يكن في صدرك الضيق من القيام باداء القرآن وابلاغه ولذلك قال بعده( لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) واذا بعثه الله تعالى على الأداء وتوعده على تركه فغيره بذلك أولى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً ) كيف يصح بعد اهلاكهم أن يعاقبهم. وجوابنا أنّ المراد أهلكناها بما جاءهم من بأسنا كما يقال أهلكنا القرية فخربناها وليس الاهلاك غير التخريب وإنّما بيّن وجه التخريب وقد قيل ان فيه تقديما. وتأخيرا فكأنه قال وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) كيف يصح ذلك ولم يمنع من أن لا يسجد وإنّما منع من السجود. وجوابنا أنّ المراد ما منعك أن تسجد وهو كقوله( لِئَلاَّ يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ ) والمراد لكي يعلموا وكقوله( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) والمراد أن لا تضلوا فاذا كان تعالى أمره بالسجود كما قال( ما

١٤٣

مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) فقد نبه بقوله اذ أمرتك على أن المراد ما منعك أن تفعل ما أمرتك وذلك يدل على قدرة ابليس على السجود كما نقوله وان لم يفعله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها ) لـما ذا خص ذلك المكان بأنه لا يتكبر فيه دون غيره والتكبر محرم في كل مكان. وجوابنا أنّ في الأماكن ما يكون له منزلة فنفس المقام فيه يكون كالتكبر. فلما جعل تعالى ذلك الموضع مقرا للانبياء جاز أن يقول ذلك لا أن التكبر يحسن في غيره ولذلك قال بعده( فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ أَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) كيف يصح وقد كفر ابليس أن يجيب دعاءه. وجوابنا أنّ فعل ما سأل العبد قد لا يكون اجابة متى فعل لا لمكان المسألة في أنظاره بل لأن في تبقيته مصلحة العباد ليتحرزوا من المعاصي ومصلحة له في التكليف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي ) كيف يصح من الله تعالى أن يفعل به أو بغيره ذلك وهو قبيح. وجوابنا أنّ المراد بما أحرمتني الثواب وخيبتني منه وليس المراد به الضلال بل المراد به الحرمان ولذلك قال بعده( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ) الآية ولا يليق ذلك إلّا بأن يقول إذا أحرمتني الثواب وخيبتني وقطعت رجائي لأفعلن كيت وكيت.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ) كيف الحكم في ذلك وهو كالغيب. وجوابنا أنّه يجوز أن يكون

١٤٤

قد عرف ما سيكون من الناس من حيث أعلم الله بذلك الملائكة فقالوا( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ) . فجوابنا في هذه المسألة كالجواب في تلك المسألة.

[ مسألة ] وربما قيل إذا كان الله تعالى قد أخرجه من الجنة وقال لآدم( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) فكيف يصح أن يوسوس كما قال تعالى( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ ) . وجوابنا أنّه يجوز أن يخاطبهما وهو خارج الجنة ويجوز منهما أيضا أن يخرجا من الجنة فيراهما فليس في ذلك مناقضة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) كيف يصح ذلك على الأنبياء. وجوابنا أنّ الذي وقع منهما من الصغائر وقع على وجه التأويل لكن الأنبياء لـما عظم الله من محلهم تعظيم الصغائر عند أنفسهم فعلى هذا الوجه( قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ) وقد يكون المرء بالصغيرة ظالما لنفسه من حيث حرمها الثواب الذي نقص لمكان الصغيرة ومن حيث يجب عليه التأسف والندم ولذلك غم عظيم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) كيف يصح ذلك وقوله للملائكة كان قبل ان خلقنا وصورنا. وجوابنا أنّ المراد خلقنا من هو أصلكم فذكر أولاده من حيث تفرعوا عنه فالمراد خلق آدم وهو كقوله جل وعز في سورة البقرة لأهل الكتاب( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ ) والمراد آباؤهم الذين أولادهم لم يحصلوا على هذا الوصف.

تنزيه القرآن (١٠)

١٤٥

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ) كيف يصح وعندكم أنه قد هدى الجميع. وجوابنا أنّ المراد في الآخرة وفي الآخرة يكون الهدى بمعنى الثواب كانه قال فريقا هداهم إلى الجنة بحسن طاعتهم وفريقا حق عليهم الضلالة وذلك اخبار عن حال ما يعاد لكي يكون أقرب إلى الطاعة ولذلك قال بعده( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ ) يعني ان الضلالة حقت عليهم لهذه الطريقة التي كانت منهم في الدنيا.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) أليس ذلك يوجب أن أحدا لا يقدر على قطع الأجل بالقتل وغيره على ما يقوله بعض المجبرة. وجوابنا أنّ الأجل هو الوقت الذي يعيش المرء اليه فسواء انقطعت حياته بالقتل أو باماتة الله تعالى إياه، فذلك الوقت هو أجله لا أجل له سواه، والعبد قادر على كل أحد، لكن ما المعلوم خلافه لا يقع لانه لا يصح أن يفعله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ) كيف يصح الضعف في العقاب وليس العقاب مما يصح فيه الزيادة فان الزيادة عليه ظلم وجوابنا انهم أرادوا الدعاء عليهم بمزيد العقاب فليس من يضل ولا يضل ولا يقتدى به بمنزلة من يضل ويضل ومعنى قوله تعالى( قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ) أنه لا أحد منهم إلّا ويستحق من العقاب زيادات على قدر معاصيه إما في الوقت أو في الأوقات.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ) كيف يصح ذلك والجنة ما خلقت بعد ولا دخلوها ولا دخلوا النار. وجوابنا أنّ التقدير في ذلك أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ أني

١٤٦

سأكلف الناس، فمن أطاع منهم أدخله الجنة ومن عصى أدخله النار فعند ذلك ينادي أهل الجنة أهل النار. وينادي أهل النار أهل الجنة وليس كل ما كتب في اللوح المحفوظ ينزله تعالى إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) كيف يصح والنسيان على الله تعالى لا يصح. وجوابنا أنّ المراد فاليوم لا نجازيهم بالحسنى كما لم يحسنوا بالطاعة وأهل اللغة يستعملون النسيان بمعنى الترك وحقيقته ما ذكرناه. وفي قوله( لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) دلالة على أن كل آية ذكر الله تعالى فيها اللقاء وذكر نفسه أراد به غيره من اليوم أو الثواب أو غيرهما.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ ) كيف يصح ذلك وأبواب السماء لا تفتح لغيرهم أيضا. وجوابنا أنّ المراد لا تفتح لصحفهم التي فيها أعمالهم كما قال تعالى( إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) وان كتاب الأبرار لفي عليين وتخصيصهم بالذكر لا يمنع من كون الفساق بمنزلتهم وقوله تعالى( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ) وهو على وجه التبعيد يحقق أن دخولهم الجنة لا يقع وقوله من بعد( وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) يدل على ان الفاسق بمنزلتهم وذلك إذا مات على فسقه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ) ما فائدة هذا السؤال في الآخرة وكلهم يعرفون ذلك. وجوابنا انهم قالوه على وجه التوبيخ لهم لا على طريق المسألة والتعرف وقوله( نِعْمَ ) كالاعتراف بتقصيرهم في الدنيا وانهم

١٤٧

أهل الانكار والتوبيخ ولذلك قال بعده( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) كيف يصح وصفهم بذلك لأنه ان أراد أصحاب الأعراف فهم عالمون ولا يوصف العالم بأنه يدخل الجنة انه طامع وان أريد أهل النار فهم عالمون بدخول النار فكيف يطمعون في ذلك. وجوابنا أنّ المراد به أصحاب الأعراف ويوصفون بالطمع وان كانوا من أهل الجنة تحقيقا لذلك ولأنهم لا يعرفون وقت دخول الجنة في حال شهاداتهم للناس وعليهم.

[ مسألة ] وربما سأل الحشو عن قوله تعالى( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ان ذلك يدل على أمر الله تعالى في القرآن ليس بخلق ولا مخلوق. وجوابنا أنّ المراد أن له الخلق والأمر من نفس الخلق فهو الذي يبقيه أو يفنيه ويتصرف فيه كيف يشاء فلا يدل أفراده بالذكر على صحة ما قالوه من أنه لم يدخل الأمر تحته كقوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ) والاحسان من العدل وذلك كثير في الكلام.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن الذي خبث أيضا من البلاد لا يخرج نباته إلّا باذن الله. وجوابنا أنّ المراد بذلك يخرج نباته موافقا للمراد والنفع لا نكدا ونبه جل وعز على ذلك بقوله( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ) وذلك نقصان في الخروج وبيان النفع به لا يكاد يقع وذلك مثل من الله تعالى لمن يعمل العمل الصالح وخلافه ثمّ ذكر تعالى

١٤٨

قصص الأنبياء وأنهم دعوا الأمم إلى معرفة الله تعالى وخوّفوهم عذابه وأن نوحا صلّى الله عليه وسلم قال لقومه( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ان لم تعبدوه وانهم قالوا له إنّك في ضلال مبين وأنه قال لهم( لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) وهذه الجملة يعرف بها رفق الأنبياء وحسن دعائهم إلى الدين وانهم بدءوا بالدعاء إلى معرفة الله وعبادته وأنهم نزهوا أنفسهم عن الطمع في هذه الحياة وفيها إذا تأملها المرء ما يعتبر به ويعرف آداب الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم في الدعاء إلى الدين وصبرهم على ما نالهم من الامم فيقتدى بهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى في قصة صالح( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) ثمّ قال( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي ) كيف يجوز أن يقول لهم ذلك وقد هلكوا بأخذ الرجفة لهم. وجوابنا أنّ في ذلك تقديما وتأخيرا ومثل ذلك يكثر في الكلام.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) ثمّ قال تعالى( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً ) كيف يصح ذلك ومعلوم أنه لغير المؤمنين أيضا وجوابنا أنّه أراد بقوله( الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ ) قد نبه على أنّ ذلك لكل العباد فمراده أخيرا هو أنها للمؤمنين في الحال وفي العاقبة ولذلك قال( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ) فان من نال شهوته عاجلا وعاقبته النار لا يعد ما ناله نعمة عليه وقيل ان المراد بذلك ما حرموه من البحيرة والسائبة فبين انها من الطيبات للمؤمنين من حيث عرفوا أنها من رزق الله تعالى.

١٤٩

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ ) وذلك كالمدح لهم وكيف يصح ذلك في الكفار. وجوابنا أنّ المراد ينالهم نصيبهم من العذاب المذكور في الكتاب. وقيل ينالهم نصيبهم من نعم الدنيا وقوله تعالى من بعد( أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) عند معاينة العذاب يدل على ما قلنا لأنه بيّن به أن ما كانوا يعبدونه لا ينفعهم عند نزول العذاب بهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) أليس هذا يدل على أن ملتهم كان عليها شعيب من قبل وذلك كفر لا يجوز على الأنبياء. وجوابنا قد يقال عاد في كذا إذا ابتدأه كما يقال أن زيدا عاد إلى ما يكرهه أو يحبه وان كان من قبل لم يفعل وقد صح ان الكفر والكبائر لا يجوزان على الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم فالمراد إذا أو لتدخلن في ملتنا على وجه التهديد قالوه لشعيب فكان جوابه صلّى الله عليه وسلم( قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا ) أليس يدل ذلك على تجويز أن يشاء الله عودة شعيب إلى ملتهم مع أنها كفر. وجوابنا أنّ المراد بذلك التبعيد فعلقه بالمشيئة التي يعلم أنها لا تكون كقوله تعالى( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ) ويحتمل أنه أراد الملة التي هي الشرائع ويجوز أن يعبد الله بمثلها بعد النهي عنه على وجه النسخ.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ

١٥٠

مِنَّا ) كيف ذلك من موسى صلّى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يؤخذ بذنب غيره. وجوابنا أنهم سألوه رؤية الله تعالى ولم يقنعوا بما يكون من قبل الله تعالى فلما سأل صلّى الله عليه وسلم بقوله( أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) لقومه لا لنفسه قال تعالى( لَنْ تَرانِي ) وأكد ذلك بقوله( وَلكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ) فشرط استقراره فلما لم يستقر بأن جعله دكا عند ذلك أخذتهم الصاعقة بظلمهم( وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ ) قال هذا القول توبيخا لقومه لأن الله عز وجل أخذه بذنب غيره ولذلك قال( إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) يعني شدة التكليف وقد كان سأل الله الرؤية لقومه ولم يأذن جل وعز له في ذلك والانبياء صلّى الله عليهم وسلم لا يسألون ربهم ما يرغبون إلّا بعد الاذن فعلى هذا الوجه قال ما قال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ثمّ قال( فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) وبعض ذلك يخالف بعضا. وجوابنا أنّ المراد بذلك الرحمة الخاصة التي هي الثواب وما تقدم وما تأخر يدل على ذلك لأنه قال من قبل( قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي ) فقرنها إلى العذاب وقال بعده( فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) ثمّ وصفهم بالوصف العظيم وإنّما قال( وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) أنها لو قدرت لكل واحد لوسعته أو قاله أيضا على وجه التكثير والمبالغة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) أليس ذلك كالمدح لليهود. وجوابنا أنّه مدح من كان على ملته في أيام حياته لأن تكذيبهم بعيسى ومحمد حدث من بعده. ويحتمل أنه مدح لقوم يؤمنون بمحمد صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما

١٥١

كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) كيف يصح ذلك وقد آمن بعضهم. فجوابنا أنّ ذلك خبر عن قوم مخصوصين بيّن ذلك بقوله تعالى من قبل( تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) واذا كان خبرا عن قوم لم يصح هذا الالزام.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أو مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً ) كيف يصح ان يمنع من الوعظ والدعاء إلى الخير. وجوابنا أنّ المراد بذلك اليأس من صلاحهم وتعريف القوم أن الوعظ لا يؤثر فيهم أو على وجه التوبيخ للقوم لا انه منع من الوعظ وكيف يكون منعا. وجوابهم( قالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) يبين انهم وعظوا لتجويز التقوى.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) كيف يصح ان يتجلى وليس بجسم وما فائدة تجليه للجبل. وجوابنا أنّ المراد بهذا التجلي الاظهار وذكر الله الجبل وأراد أهله فكأنه قال فلما بيّن لاهل الجبل أنه لا يرى بأن جعله دكا حصل المراد فيما سألوا وهذا كقوله تعالى( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) وأراد على أهلها وكل ذلك بمنزلة قوله( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) وأراد أهلها.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) كيف يصح ان يصرفهم عن آياته وأدلته. وجوابنا أنّ المراد سأصرفهم عن الآيات الزائدة التي يفعلها تعالى لمن المعلوم أن ينتفع بذلك ويؤمن عنده ولذلك قال( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) وهو كقوله تعالى( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً )

١٥٢

فيزيده هدى لأنه ينتفع بذلك دون من لم يهتد وان كان الكل سواء في اقامة الحجة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) أليس ذلك يدل على أنه يخلق الهدى والضلال. وجوابنا أنّ المراد ومن يهد الله إلى الجنة والثواب فهو المهتدي في الدنيا ومن يضلل عن الثواب إلى العقاب( فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) في الدنيا وسبيل ذلك ان يكون بعثا من الله تعالى على الطاعة وكذلك قوله تعالى( مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ) المراد من يضلله عن الثواب في الآخرة ولا هادي له اليه ومعنى قوله( وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) انا نخلي بينهم وبين ذلك وان كنا قد أزحنا العلة وسهلنا السبيل إلى الطاعة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) وفي الخبر ان جميع بني آدم أخذ عليهم المواثيق من ظهر آدم صلّى الله عليه وسلم كيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ القوم مخطئون في الرواية فمن المحال أن يأخذ عليهم المواثيق وهم كالذر لا حياة لهم ولا عقل. فالمراد انه أخذ الميثاق من العقلاء بأن أودع في عقلهم ما ألزمهم اذ فائدة الميثاق أن يكون منبها وان يذكر المرء بالدنيا والآخرة وذلك لا يصح إلّا في العقلاء وظاهر الآية بخلاف قولهم لأنه تعالى أخذ من ظهور بني آدم لا من آدم، والمراد أنه أخرج من ظهورهم ذرية أكمل عقولهم فأخذ الميثاق عليهم وأشهدهم على أنفسهم بما أودعه عقلهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ) كيف يصح فيمن يؤتيه الله تعالى

١٥٣

من الآيات والنبوّة أن ينسلخ من ذلك. وجوابنا أنّ ذلك لا يصح في الانبياء والمراد من آتاه الله العلم بالأدلة وفضله بذلك ثمّ انسلخ منه وذلك مما يصح وهذه طريقة كثير من المضلين عن دينه في المسألتين المتشاكلتين في ذلك. ويحتمل ان المراد آتيناه آياتنا فأعرض عن النظر فيها فصار منسلخا عنها لأنه قيل ثمّ انسلخ.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ) ثمّ قوله( يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها ) تكرار ذلك ما فائدته. وجوابنا أنّ في الأوّل سألوا عن وقت الساعة فبين ان يحكم بأن علم ذلك عند ربه تعالى وان الصلاح أن لا يبين ذلك ليكون العبد إلى الخوف أقرب وأراد بقوله ثانيا يسألونك كانك حفي عنها المسألة عن نفس الساعة فقد كان عالما بها في الجملة فليس في ذلك تكرار.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ) كيف يصح ذلك مع كونهم صالحين وانبياء وكيف التأويل في ذلك. وجوابنا أنّ معنى قوله فلما آتاهما صالحا البنية الصحيحة في الاولاد ولا يمتنع في الصالح أن يكون كذلك ويقع منه الكفر والشرك وليس في الظاهر ان ذلك وقع من آدم وحواء وإنّما المراد وقوع ذلك من الذكر والانثى من الذرية فهو معنى قوله( جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) كيف يقول صلّى الله عليه وسلم ذلك مع زهده في الدنيا وهي له معرّضة وجوابنا أنّ المراد لو كنت أعلم الغيب وقت خروجي من الدنيا لاستكثرت من الخير والطاعة فقد كان صلّى الله عليه وسلم لا يعرف قدر أجله ولو عرف

١٥٤

لزاد في الطاعات وليس المراد لاستكثرت من الخير فيما يتصل بلذات الدنيا وقد يحتمل لاستكثرت من الخير في دفع المضار عن نفسي والمؤمنين من أصحابي ولذلك قال بعده( وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

[ مسألة ] وربما سألوا عن قول الله تعالى( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها ) على وجه المحاجة لمن يعبد الاصنام كيف يصح ذلك والمعبود الذي هو الاله لا يوصف بهذه الصفات أيضا. وجوابنا أنّ فقد هذه الاعضاء والحواس نقص في الاجسام ووجودها فضيلة في الأحياء، فصح أن يحاجهم بذلك واستحالة ذلك على الله تعالى هو الذي يوجب صحة الالهية لانها لو جازت عليه لكان محدثا فكيف يصح ما سألوا عنه.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) كيف يصح أن يأمر بالمعروف والجهاد والاعراض عن الجاهلين واجتماع ذلك لا يصح. وجوابنا أنّ المراد أن يأمرهم بالمعروف ويقيم عليهم الحجة فان هم ردوا ذلك فتجاهلوا أعرض عنهم وذلك لا يتنافى ومعنى قوله( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ) التحرز من وسوسة الشيطان لان الشيطان لا يتمكن من الرسول صلّى الله عليه وسلم وربما كان الخطاب بذكر الرسول صلّى الله عليه وسلم والمراد غيره.

١٥٥
١٥٦

سورة الأنفال

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) كيف يتعلق الانفال بالتقوى واصلاح ذات البين. وجوابنا أنّ الانفال التي ملكها الله تعالى الرسول وأمره بوضعها في حقها يحتاج فيها إلى أن يتقوا الله والى أن يصلحوا ذات بينهم فيعدلوا عن الميل والحيف وأن يطيعوا الله ورسوله في الرضا بما يأتيه ومفارقة السخط وذلك نهاية في الاحكام ثمّ وصف تعالى المؤمنين بما قال( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فقال( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) فجعل من وصف المؤمن انه عند ذكر ربه يوجل قلبه فيخاف من تقصير في عبادته ويرجو، وعند ذلك يصير المرء وجل القلب وعند تلاوة القرآن يزداد إيمانا بالعلم به والعمل. ويتوكل على ربة فيما يحصل له من الدنيا وفيما يكسبه من المال فيطلبه بالوجه المباح ولا يجزع إذا لم ينله بل يسير على الحال فلا يتعداه فيحصل متوكلا وليس التوكل الكسل كما ظنه بعضهم. ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم ( لو توكّلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا ) فجعلها متوكلة وان طلبت وجعل من صفتهم اقامة الصلاة والانفاق مما رزقوا وذلك يدل على ان الرزق لا

١٥٧

يكون محرما لان الانفاق من المحرم ليس من صفات المؤمنين وكل ذلك يدل على ان الايمان قول وعمل ويدخل فيه كل هذه الطاعات وان المؤمن لا يكون مؤمنا إلّا بأن يقوم بحق العبادات ومتى وقعت منه كبيرة خرج من ان يكون مؤمنا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ) هو كلام مبتدأ به غير تام لانه لم يتقدم ولم يتأخر عنه ما يشبهه به. وجوابنا أنّ هذا الجنس من الحذف ربما يعد في كمال الفصاحة. فبشر الله نبيه بالنصرة التامة وجميل العاقبة يوم بدر كما سهل له الخروج من بيته من غير قصد إلى المحاربة فهذا هو المراد ولذلك قال( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ ) والمراد ثقل الخروج عليهم وقوة المشقة لا انهم كرهوا الخروج معه صلّى الله عليه وسلم. ومعنى قوله( يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إلى الْمَوْتِ ) انهم يراجعونك للتبيين لا أنهم يخالفون ثمّ بين عظم المشقة بهذا الكلام ولم يكن القوم ألفوا الجهاد فان ذلك كان مبدأ الأمر بالقتال، فبين تعالى ان ذلك يؤديهم إلى الخيرات من الغنائم وغيرها.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) ما معنى ذلك والحق لا يخفى في نفسه. وجوابنا تحقيق ما وعدكم به من النصرة والغنائم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) كيف وقع هذا التثبيت من الملائكة للمؤمنين. وجوابنا أنّه يحتمل أنهم عرفوا الرسول الرسول عرف المؤمنين تقوية قلوبهم ويحتمل انهم ألقوا ذلك إلى المؤمنين بالخواطر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَ

١٥٨

اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) كيف يصح ذلك مع القول بأن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد. وجوابنا أنّه صلّى الله عليه وسلم كان يرمي يوم بدر والله تعالى بلغ برميته المقاتل فلذلك أضافه تعالى إلى نفسه كما أضاف الرمية أوّلا اليه بقوله اذ رميت والكلام متفق بحمد الله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ ) كيف يصح أن يضم الصم البكم إلى الذين لا يعقلون. وجوابنا أنّه تعالى ذكر قبله( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) فذمهم على ترك القبول ثمّ شبههم بالصم البكم على طريقة اللغة في مبالغة ذم من لا يقبل الحق فربما قيل فيه انه ميت كما قال تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ) ولذلك قال بعده( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ) يعني القبول ثمّ قال( وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) فذمهم نهاية الذم وقوله تعالى من بعد( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) وهو بعث من الله تعالى على الجهاد فكما ذم من قعد عنه ولم يطع الرسول كذلك مدح من قام بحقه وأراد بقوله( إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) أن الجهاد يؤدي إلى حياتهم من حيث لولاه لقتلهم الكفار فهو كقوله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) ويحتمل إذا دعاكم للامر الذي يؤدي إلى حياة الابد وهو الثواب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) بالاماتة وبغير ذلك فبعث على الجهاد قبل أن يرد عليهم ما يمنع من ذلك من موت أو غيره.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ) كيف يصح ذلك والمضار على الله تعالى لا تجوز. وجوابنا أنّ الله تعالى

١٥٩

ذكر نفسه وأراد غيره على مثال قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) لأنه قد ثبت أن خيانة الكافر للغير إنما تكون بارادة السوء والمضار وذلك لا يجوز على الله تعالى وذلك قوله تعالى( وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ) لكنه من المجاز الحسن الموقع لأن الامانة لا تسلم إذا تخللها الخيانة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) كيف يصح ان ينفي ذلك أوّلا ثمّ يثبته آخرا. وجوابنا أنّه تعالى نفى ذلك بشرط وأثبته مع فقد ذلك الشرط وذلك متفق وقد قيل انه نفى بالاوّل عذاب الاستئصال وأثبت ثانيا عذاب الآخرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ) أليس ذلك يدل على ان كل فعل يقع بقضاء الله. وجوابنا أنّ الآية نزلت في وقعة بدر وانه اتفق لهم ما لم يظنوه من الجهاد والظفر وذلك لا شبهة في أنه من قضاء الله كقوله تعالى( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) وقد يقال في كل معقول انه من قضاء الله على وجه الاعلام والأخبار إما مجملا واما مفصلا وقوله تعالى من بعد( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ) يدل على أن العبد الفاعل المختار وأنه بعد البينة اختار ما يؤديه إلى الهلاك ولو كان الله تعالى هو الخالق لذلك فيه لكان وجود البينة كعدمها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) قد أضاف موافقة بعضهم لبعض إلى نفسه وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا أنّ الاسباب التي بها يؤتلف كانت من قبله تعالى فأضاف اليه الائتلاف وهذا كما تضيف إلى الله تعالى الرزق وان كان المرء يسعى في الاكتاب وأراد تعالى اعظام المنة على رسوله صلّى الله عليه وسلم بما سهله من تألف القوم على طاعته وموافقته

١٦٠