تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن11%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83262 / تحميل: 4925
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً ) ان ذلك يدل على ان قتل الكفار لهم يوم أحد من قبل الله لا من فعل الكفار. وجوابنا أنّه تعالى اراد بالاذن العلم والكتابة ولم يرد الأمر لأن الموت لا يؤمر ولا الميت يؤمر بالموت ويحتمل اذنه تعالى الملائكة بالتوفي والاماتة وليس في الآية ذكر القتل ولو دخل فيها كان لا يمتنع لان المجاهد في الاكثر يجرح ثمّ تكون الاماتة من قبل الله تعالى وفي العلماء من يقول انه وان دخل فلا بد من وجود الموت من قبل الله تعالى فيه ونبه بقوله تعالى من بعد( وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ) على أن اختيار الراحة بترك الجهاد ليس فيها إلّا النفع المعجل وفي المصابرة على الجهاد ثواب الآخرة فرغب تعالى بذلك في المجاهدة.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) بعد ذكر الموت وانه لا يكون إلّا باذنه تعالى. وجوابنا أنّه أراد مجازاة الصابرين على الجهاد وجعل صبرهم على الجهاد شكرا من حيث عبدوه تعالى تقربا اليه وطلبا لمرضاته وهذا كقوله تعالى( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) فجعل عبادتهم شكرا لله تعالى لـما فعلوه تعظيما له كما يشكر المنعم على وجه التعظيم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ) كيف يصح ذلك ونحن قد نجد في الذين كفروا من لا رعب في قلبه وربما يكون الرعب في قلوب المؤمنين. وجوابنا أنّه لا كافر يلقى الحرب مع المسلمين إلّا وفي قلبه رعب كما ذكره الله تعالى لانه لا يرجع في مقاتلته إلى دين يسكن اليه كالمؤمن، ولأن المؤمن يزداد

تنزيه القرآن (٦)

٨١

لطفا إلى لطف ويعرف ذلك عنه الكافر وهذا كقوله( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) وقيل ان ذلك نزل في كفار مخصوصين يوم أحد وهم الذين قال الله تعالى بحقهم( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ) فبين تعالى انه سيلقي الرعب في قلوبهم فيغلبهم المسلمون. [ مسألة ] وربما قيل قد قال( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ) وذلك في يوم أحد وهو كالدلالة على أنه تعالى يفعل فيهم الاقدار والصرف.

وجوابنا أنه تعالى ذمهم في قوله( حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ ) فأراد انه يوم بدر أراهم ما يحبون لـما لم يعصوا ويوم أحد عصوا وقد كان صلّى الله عليه وسلم رتب لهم في مجاهدة الكفار ترتيبا خالفوه فلما لم يثبتوا في المحاربة على ما رسمه لهم لم يلطف لهم لاجل المعصية بل شدد التكليف عليهم فجاز ان يقول( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ) ولذلك قال تعالى( لِيَبْتَلِيَكُمْ ) أي ليمنحكم بمصالح العاقبة ثمّ قال( وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ ) ولو كان الصرف من خلق الله تعالى فيهم لم يكن لذلك معنى وإنّما ضمن لهم النصرة بشرط طاعة الرسول فلما خالفوه ولحقهم بذلك الغم الصارف جاز أن يصفهم تعالى بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ) وفي قوله من بعد( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) ان ذلك يدل على ان لا صنع للعبد. وجوابنا أنّه تعالى حكى عنهم ما ذمهم عليه وهو قوله( لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ) فلا دلالة فيما حكاه عنهم فأما قوله تعالى( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) فالمراد به ما يتصل بالنصرة والتمكين ولو لا ذلك لـما أمرهم بالجهاد ولما ذمهم على تركه ولذلك قال بعده( يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ) فنبه على انه تعالى يعلم من حالهم ما لا يعلمه صلّى الله عليه وسلّم وقوله تعالى بعد ذلك( وَلَوْ

٨٢

كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ترغيب للرسول صلّى الله عليه وسلم في جميل الاخلاق ليكون قبولهم أقرب ويدل على أن صرفهم فعلهم لانه لو كان خلقا من الله فيهم لـما صح ان يقول( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) لانه لا يصح منا أن نشاور فيما يخلقه تعالى ولما صح قوله( فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ولما صح قوله( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ ) لان ما يوجد في الغالب والمغلوب هو من قبل الله تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) كيف يصح ذلك على الانبياء. وجوابنا أنّ المراد ما كان له أن ينسب إلى ذلك في إحدى القراءتين وفي القراءة الاخرى ما كان له ان يفعل فنزهه عن الأمرين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ) كيف يصح ذلك وقد قتلوا وماتوا. وجوابنا أنّ المراد شهداء يوم أحد بين تعالى أنه قد أحياهم فلا ينبغي أن يظن فيهم انهم أموات وذلك صحيح وقد قال بعضهم مثل ذلك في كل الشهداء إذا ماتوا على توبة وطهارة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ) كيف يصح أن يبقيهم لتقع منهم المعاصي. وجوابنا أنّ المراد عاقبة أمرهم وذلك كقوله تعالى( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) والا فمراده من جميعهم العبادة والطاعة كما قال تعالى( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ

٨٣

قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) كيف يصح ذلك ممن يدين بالإله أن يقول ذلك. وجوابنا أنّ حكاية الله تعالى عنهم وقد ثبتت حكمته لا طعن فيه فمن سلم حكمته فلا كلام له وان لم يسلم دللنا على الأصل ولم نتكلم في الفروع فقد كان في العرب على ما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام من يقول ذلك حتّى يجعل من الانعام نصيبا من الله ولا يمتنع في المشبهة أن يكون فيهم من يقول ذلك فاذا جاز أن يدينوا بأنه تعالى رمدت عينه فعادته الملائكة إلى غير ذلك لم ينكر ما حكاه الله عنهم، ومن اليهود من يقول بنهاية التشبيه فيصح أن يكون هذا قوله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ ) فما الفائدة في أن كرر قوله( وَلا تَحْسَبَنَّ ) . وجوابنا أنّه قد حكى ان قوما من اليهود كانوا يفرحون باضلالهم الناس واجتماع كلمتهم على تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم ومع ذلك يقولون نحن ابناء الله وأحباؤه فقوله أولا( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ ) أراد به ما ذكرناه أولا وقوله( فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ ) أراد به ما ذكرناه ثانيا ويصح ايراد ذلك إذا طال الكلام بعض الطول فيكون من باب التوكيد الذي يحتاج اليه ثمّ ذكر تعالى قوله( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ ) والمراد بذلك أن يعتبر الخلق بالنظر في ذلك ويستدلون به على الله تعالى وقوله( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) يدل على ان الواجب على المرء أن لا يفارق ذكر الله تعالى على اختلاف أحواله ولذلك قال تعالى( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ويقولون( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) ولو كان تعالى يخلق الظلم وسائر القبائح لـما صح ذلك ولما صح قوله( سُبْحانَكَ ) لان معنى ذلك تنزيهه تعالى عن كل سوء كما روى عنه صلّى الله عليه وسلم.

٨٤

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) كيف يصح أن يسألوا ذلك وخلافه لا يجوز على الله تعالى. وجوابنا أنّ المسألة بالمعلوم أنه تعالى يفعله تحسن إذا كان فيه فائدة للمكلف وعلى هذا الوجه يقول في الدعاء أللّهمّ صل على محمد ويقول أللّهمّ اغفر للمؤمنين ولذلك قال( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ ) فبين أنه يفعل ذلك وأنه لا يضيع أعمال المكلف بل يجازي عليها على ما فيه من التفاضل والتفاوت وفي ذلك اثبات العمل للعبد لانه تعالى لو خلق ذلك لكان انما يجازي على عمل نفسه والله يتعالى عن ذلك.

٨٥
٨٦

سورة النساء

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) ما الفائدة في ذكر الارحام مع ذكر الله. وجوابنا أنّه تعالى ذكر الارحام ليرغب الناس فيما يلزم من حقها وذكرها مع ذكره إعظاما لذلك ولذلك قال بعده( إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) يعلم ما تقدمون عليه في حق عبادته وما تفعلونه في حق ذى الارحام فهذا هو الفائدة.

[ مسألة ] وربما قيل في معنى قوله تعالى( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وأي تعلق لهذا بحديث الايتام. وجوابنا أنّ في الرواية أن من كان يقوم بحق اليتامى كان ربما يطمع في تزوجهن والبسط في أموالهن ويقفون أنفسهم عليهن للطمع فأباح الله تعالى هذا النكاح من غيرهن وحرم البسط في أموالهن ولذلك قال من بعده( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا ) وقال بعده( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) وكل ذلك يؤيد ما قلنا وأمر من كان غنيا في أموال اليتامى أن يستعفف ومن كان فقيرا أن يأخذ من أموالهم ما يجري مجري الاجرة على ما يأتيه من الاحتياط في أموالهم ثمّ قال تعالى( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ

٨٧

فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) لان ذلك هو الاحتياط من وجهين أحدهما أن لا يقصر فيما سلف والآخر ان يعرف حال اليتامى فيما دفع اليهم من افساد واصلاح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) ما الفائدة في ذكر النساء مع الرجال وذلك معلوم. وجوابنا انهم كانوا من قبل يورثون الرجال دون النساء وكان ذلك عادة له فأنزل الله تعالى ذلك ليعلم ان النساء كالرجال في حق الارث ثمّ بيّنه تعالى فيما بعد قطعا لهم عن العادة المتقدمة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) ما الفائدة في ذلك ولا حق لهم في التركة. وجوابنا أنّ ذلك كان قديما مما أوجبه الله كما كان تعالى أوجب الوصية للوالدين والاقربين إذا لم يرثوا ثمّ نسخ ذلك بآيات المواريث فبين الله تعالى فيها حق كل ذي حق وصارت هذه العطية مندوبا اليها وتكون عطية من جهة الورثة، وندب تعالى إلى حفظ المال لمكان الورثة بقوله( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ ) وعلى هذا الوجه ثبت الحجر بالمرض المخوف لحق الورثة خصوصا إذا كانوا ذرية ضعافا وبين في آيات المواريث ما أنعم الله تعالى به عليهم وان كان سببه موت المورث فذكر جملة المال وأنه يرثه من له حق التعصيب إما بانفراده وإما مع الاناث، وذكر في الانصباء الثلثين والنصف والثلث والربع والسدس والثمن فهذا جملتها التي يقع عليه القيمة في المواريث ثمّ قال تعالى معظما للتعدي في ذلك( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) فأوجب النار لمن تعدى فيما يتولى جل وعز قسمته.

٨٨

[ مسألة ] وربما قيل كيف أوجب تعالى فيمن يأتى الفاحشة من النساء الامساك في البيوت وقد أوجب فيهن الحدود والرجم وكذلك في اللذين يأتيان النساء أوجب الأذى مع ايجاب الحد. وجوابنا أنّ ذلك كان قديما ثمّ نسخ بالجلد والرجم فالجلد في البكرين والرجم في المحصنين إذا حصلت شرط الاحصان ويوجب تعالى في العبد النصف من الجلد وذلك مبين في كتب الفقه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ) كيف يصح أن لا تفيد هذه التوبة. وجوابنا أنّ ذلك ورد فيمن أيس من الحياة لأنه عند ذلك يصير المرء ملجأ إلى ترك المعصية وإنّما يقبل التوبة ممن يتردد بين خوف ورجاء فيشق عليه التوبة، فأما في حال الإلجاء فذلك لا ينفع كما لا ينفع أهل النار التوبة والندامة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) ما الفائدة في ذلك ولا يحل أخذ المال من أحد كرها. وجوابنا أنّه انما خص النساء لـما يحصل لهن من الاختلاط بالأزواج حتّى يتوهم في مال أحدهما انه مال الآخر فبيّن تعالى أن ذلك لا يمنع من تحريم أخذ ما لهن من دون الرضا ولذلك قال( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ) والمراد بذلك المنع من الطمع فيهن وعلى هذا الوجه حرم الله تعالى الخلع إلّا عند ضرب من الخوف على ما ذكره في قوله( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) كيف يصح ذلك، وإنّما يحسن أن يكره ما يكون قبيحا ولا يجوز أن يجعل الله تعالى في القبائح خيرا

٨٩

كثيرا. وجوابنا أنّ المراد بالكراهة في هذا الموضع نفار الطبع لا الكراهة التي هي في مقابلة الارادة فذكر الله تعالى ذلك في كراهة النساء بأن يكون نافر الطبع عن عشرتها وبيّن إن ذلك إذا صبر عليه ربما حصل الخير الكثير في عاقبته لأن المرء قد يكره بعض النساء في وقت ثمّ يتفق فيما بعد أن يعظم محبته لهن وانتفاعه بهن فلا ينبغي لمن تزوج أن يقدم على ما يقتضيه نفار طبعه بل يتوقف ويتبصر لجواز تغير الحال عليه وعليهن فهذا هو المقصد والله أعلم. ويحتمل وعسى أن تكرهوا فراقهن ويكون في ذلك خير كثير على نحو قوله تعالى( وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) ولذلك قال تعالى( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ ) وبيّن أن ما يؤتيهن من الصداق لا يحل له أن يأخذ منه شيئا.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) كيف يكون أخذه ما أعطاهن من الصداق بهتانا والبهتان من صفات الكلام فهو الكذب وجوابنا أنّه شبهه بالكذب من حيث كان أخذه كالنقض للعطية والخلف لها فعظمه الله تعالى بأن شبهه بالكذب الذي مخبره على خلاف ما هو به من حيث كان كالمتكفل بالعقد والدفع اليها بأن لا يأخذ ذلك فاما كونه إثما مبينا فبين، لان وصفه وتجليه وظهوره مبين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ ) كيف استثنى ما سلف من هذا النهي ومثل ذلك يستحيل لأنّ ما سلف لا يصح أن يباح ويحظر. وجوابنا أنّ النهي يتضمن التحريم واذا كان محرما بالشرع في المستقبل وما سلف جرى على حد الاباحة لم يمتنع ذلك فكانه قال ما نكح آباؤكم من النساء حرام عليكم

٩٠

الا ما قد سلف فانه وقع مباحا ويكون المعنى صحيحا وقد قيل أنّ المراد به سوى ما قد سلف، كما يقول الرجل لمن ينهاه عن بيع متاعه بعد ان كان قد أذن له، لا تبع متاعي إلّا ما بعته ويحتمل أن يكون المراد إلّا ما قد سلف فلا تؤاخذون به وقوله بعده( إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ) يقوي التأويل الأوّل لانه كانه قال إن ذلك فاحشة دون ما سلف فانه ليس كذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) أليس ذلك يقتضي اباحة سوى من ذكر لقوله وأحل لكم ما وراء ذلكم. وجوابنا أنّه قد دخل تحت الأمهات كل من له حظ في الولادة وذلك معلوم بالاجماع وان كان نفس اللفظ لا يوجبه لأن الأم إذا أطلق فالمراد به من لها لولادة خاصة وعلى هذا الوجه لم يعقل من قوله تعالى( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) الجدة فحرم الله تعالى على الانسان أمه وكل أم له بواسطة، وحرم عليه ابنته وكل ابنة له بواسطة، وكما حرم عليه ذلك حرم عليه الاخوات وأولادهن وان كان ذلك بواسطة، وحرم عليه بنات جده من العمات والخالات ولم يحرم أولادهن فجلة ما حرم من النساء لمكان النسب هذه السبعة وحرم بالنسب أيضا سبعة فحرم حليلة الابن وحرم أمهات نسائه وحرم بنات نسائه وهن الربائب بشرط الدخول بالأم، وحرم الجمع بين الاختين وحرم بالرضاع مثل ما حرم بالنسب فقد روى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وان كان تعالى انما نص على الامهات والأخوات وقد ثبت بالسنة تحريم الجمع بين العمة وبنت أخيها والخالة وبنت أختها وأجرى ذلك مجرى الجمع بين الأختين فهذا هو طريق يبين ما حرم الله تعالى من النساء في عينهن وعلى وجه الجمع بين ما أحله من ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ )

٩١

ان ذلك يدل على ان المتعة تحل كما يحل النكاح. وجوابنا أنّ من تعلق بذلك فقد اغتر بهذه اللفظة وإنّما أراد تعالى ان ما أحله من النساء محصنين غير مسافحين فله أن يستمتع ولم يذكر تعالى سبب الاستمتاع في هذه الآية وقد ذكر من قبل في قوله( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) فانما أباح الاستماع بشرط النكاح على ما ذكرنا ولذلك قال من بعد( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) وذلك لا يليق إلّا بعقد وقد ثبت فيه الاجر المسمى ولذلك قال( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) يعني بنقصان وزيادة ولذلك قال( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ ) فكل ذا يزيل هذه الشبهة وإنّما ورد في الخبر المتعة وانه صلّى الله عليه وسلم أباحه في حال الضرورة ثمّ حرمه وقد حرمه الله تعالى في كتابه بقوله( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) وظهر عن الصحابة تحريم ذلك فان عمر بن الخطاب خطب بتحريمه على المنبر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوفرون فصار ذلك كالاجماع وأنكر ذلك علي٧ لـما بلغه اباحة ذلك عن ابن عباس انكارا ظاهرا وقد حكى عنه٢ الرجوع عن ذلك فصار حظره اجماعا من كل الصحابة وذكر تعالى عقيب هذه الآيات التي بيّن فيها ما يحل وما يحرم من النساء ما يريد من العبادة فقال تعالى( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) فبين انه يريد الهداية والبيان والتوبة والعبادة دون اتباع الشهوات فأبطل بذلك قول من يقول إنه تعالى كما يريد الحسن يريد القبيح تعالى الله عن قولهم.

٩٢

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) كيف يصح أن يأكل مال نفسه بالباطل. وجوابنا أنّ الله تعالى ذكر الاكل وأراد سائر التصرف ويحرّم على المرء في مال نفسه أن يتصرف فيه بالامور المحرمة وأن يسرف في ماله ويبذر وأن يتجر فيه بالربا وغيره فهذا هو المراد فأما أكل مال الغير بالباطل فالامر فيه ظاهر ولذلك قال تعالى( إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) كيف يصح النهي عن ذلك ومعلوم ان الانسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه. وجوابنا أنّ المفسرين حملوه على ان المراد أن لا يقتل بعضهم بعضا على حد قوله( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) وقد ذكر فيه أن المراد، وأن لا يتعرض المرء لاسباب التلف فيكون في حكم القاتل لنفسه على حد قوله( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ ) ويحتمل ان يكون المراد، بذكر القتل الهلاك ويكون معناه مفارقة المعاصي لأنها تؤدي إلى الهلاك ولذلك قال تعالى بعده( إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً ) ثمّ بيّن تعالى بعده ما يدل على ان الكبائر لا تغفر فقال( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) فشرط تعالى في تكفير السيئات التي ليست كبائرا اجتناب الكبائر فدل بذلك على أن المؤاخذة تقع بها ولا تقع المغفرة بنفس الكبائر وهذا أحد ما يدل على أن أهل الصلاة فيما يفعلون من الكبائر إذا أصروا عليها يؤاخذون بها بالصغائر جميعا ودل قوله جل وعز( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) أن تمني ما يكون حسدا يقبح وان الواجب على المرء أن يتمنى ما يدبر عليه في احوال الدنيا من نقصان وزيادة ولذلك قال( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ) وفي الروايات ان العادة كانت في

٩٣

الميراث وغيره أن يختص به الرجال في أوّل الاسلام فنزلت هذه الآية وعلم بها ان النساء كالرجال وأن لهن حقا في الميراث وفي سائر أسباب التملك ثمّ ذكر تعالى أن الواجب على المرء أن يسأل ربه ما يريده من الفضل في الدنيا ويعدل عن طريقة التمني، فلذلك قال( وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) كيف يصح ذلك وبالمعاقدة لا يرث المرء. وجوابنا أنّ ذلك قد كان في أوّل الاسلام ثمّ نسخ بآية المواريث كما قد كانوا يرثون بالهجرة ثمّ نسخ.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) كيف أوجب ذلك لأجل انه فضل بعضهم على بعض ولأجل انفاقهم لأموالهم فقد تكون المرأة أفضل من الرجل وأكثر انفاقا. وجوابنا أنّه تعالى جعل ذلك علة في جملة الرجال لا في آحادهم لأن الغالب انهم أفضل في التدبير والرأي وطلب المعاش من النساء في أحوال كثيرة وانهم الذين يتولون الانفاق والعلة إذا صارت للجملة لم يطعن فيها بالأندر في الآحاد والله تعالى جعلهم بهذا الوصف في مقابلة انه جعل النساء حافظات للغيب على الرجال مؤتمنات على ما يتصل بتدبير المنزل فلكل فريق في ذلك من الحظ ما ليس للآخر.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله تعالى( وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) ومعلوم أن نشوزهن إذا زال بالوعظ لم يحسن الهجران والضرب فكيف جمع تعالى بين الثلاثة. وجوابنا أنّ المراد بذلك الترتيب لا الجمع فمن يؤمل زوال نشوز امرأته بالوعظ لم يحسن منه الهجران ومن يرجو ذلك بالهجران لم يحسن منه الضرب واذا لم يرج زوال ذلك إلّا بالضرب على وجه التأديب يحسن منه ذلك، فكأنه تعالى قال فعظوهن واهجروهن اذ لم ينفع ذلك أو اضربوهن ان

٩٤

لم يؤثر ذلك وإنّما صح ذلك لأن مراد المرء فيما يغمه من غيره أن لا يقع ذلك فاذا أمكنه التوصل إلى أن لا يقع بالسهل لم يكن له أن يعدل إلى ما فوقه وهكذا مذهبنا في النهي عن المنكر ومثل ذلك يتعلق حسنه باجتهاد المرء فكأنه تعالى بيّن أن الذي يحسن منه عند نشوز المرأة أحد هذه الثلاثة على الترتيب الذي ذكرناه ولذلك قال تعالى( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) فنبه بذلك على ان لا سبيل لكم عليها إذا أطاعت بالموعظة فدل بذلك على صحة ما ذكرناه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً ) بعد قوله( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) كيف تعلق ذلك بهذا النهي. وجوابنا أنّه تحذير من هذا الفعل لأن معنى قوله ان الله كان عليا كبيرا انه مقتدر على المؤاخذة بما نهاكم عنه وكذلك قوله( كَبِيراً ) فحذر تعالى من المخالفة بذكر هذين الوصفين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) فما يدل ذلك على انه تعالى يفعل فيهما الموافقة وان فعلهما من خلق الله تعالى. وجوابنا أنّ التوفيق لا يكون إلّا من قبل الله تعالى وهو الأمر الذي يدعو العبد إلى الصلاح فعند الشقاق أمر تعالى بالحكمين من قبل الرجل والمرأة ثمّ بيّن ان ذلك معني وأن بذل الجهد غير التوفيق من الله فليس الأمر كما قدروه بل يدل على ان فعل العبد من جهته لأنه لو كان من خلق الله تعالى فيه لاستغنى عن التوفيق ولذلك قال تعالى في هذا التوفيق ان من شرطه أن يريدا اصلاحا لا افسادا ليتخفف ذلك الواقع من قبله تعالى.

[ فصل ] ولما بين لنا ما نعامل به النساء عند الصلاح وعند النشوز وعند الشقاق بيّن، أيضا ما يلزم المرء أن يفعله لصلاح دينه فقال( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا

٩٥

تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) وذلك يجمع كل العبادات والطاعات التي تختص به ثمّ قال( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) يجمع تعالى بذلك الاحسان إلى كل محتاج وان كان بعضهم أقرب إلى المرء كنحو ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وملك اليمين وبعضهم أبعد كنحو اليتامى والمساكين وابن السبيل فأمر بالاحسان إلى الكل ثمّ من بعد ذلك نبه المرء على طريقة التواضع فقال( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً ) فهذه الآية جامعة لكل ما يحتاج المرء اليه فتدخل فيه العبادات بكمالها وضروب الاحسان والانفاق في سبيله والمنع من ضروب التكبر والعدول عنه إلى التواضع فهو على اختصاره بجمع ما يدخل في المجلدات الكبار ثمّ قال تعالى( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) فجعل ذلك من صفات من يكون مختالا فخورا فنبه بذلك على ان الانفاق هو الذي يخرجه من أن يكون فخورا ومن أن يكون بخيلا فالذي يخرج من ذلك لا يكتم ما آتاه الله من فضله فيرى شكورا معترفا بنعم الله قولا وفعلا فكل ذلك تأديب من الله تعالى في باب الدين. وبين من بعد كيف ينبغي أن ينفق في ذات الله تعالى فقال( وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً ) فرغب في ذلك حتّى ختم الكلام بقوله جل وعز( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) فبين كيف يدبر المكلفين ولا يظلم أحدا منهم حتّى يمنعه المصالح ويمنعه الثواب أو يزيد في عقابه وبين انه في الحسنات

٩٦

يضاعف ثوابها وبيّن أنه يؤتى المرء الاجر العظيم على ما ينزل به من الشدائد ودل بقوله إنه لا يظلم مثقال ذرة على بطلان قول هؤلاء القدرية الذين يقولون لا ظلم إلّا من قبل الله وبخلقه وإرادته. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ثمّ بيّن تعالى أنه صلّى الله عليه وسلم يكون شاهدا على أمته بما يقع منهم من خير وشر فحذر بذلك من المعاصي وأن المرء إذا علم ان الرسول صلّى الله عليه وسلم مع عظم محله يشهد عليه كان أبعد من المعصية وبين أن شهادته تكون يوم القيامة وان( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) فيتمنون أن يبقوا في التراب وفي القبر لـما رأوه من العذاب ويصيرون بحيث لا يكتمون الله حديثا حتّى تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم بما كانوا يعملون فلو لم يتدبر المرء إلّا هذه الآيات لكفاه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) كيف يصح ذلك والسكران لا يخاطب لزوال عقله. وجوابنا أنّ المراد المنع من السكر الذي لا يمكن اقامة الصلاة معه لا انه إذا سكر يؤمر وينهى هذا هو الوجه. وروى عن بعض الصحابة انه جعل ذلك أوّل دلالة على تحريم الخمر ودل قوله( حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) على ان الصلاة لا تصح إلّا بقول فذلك احد ما يدل على وجوب الذكر والقراءة في الصلاة ويدل أيضا على ان المصلي يجب ان يكون عالما بصلاته وبقراءته متدبرا لها فلا يصلي وهو غافل ونهى تعالى الجنب ان يقرب الصلاة إلّا عابر سبيل حتّى يغتسل فدل بذلك على انه متى لم يكن مسافرا لم تصح صلاته إلّا بالاغتسال ونبه جل وعز على انه إذا كان مسافرا يجوز ان يصلي بلا اغتسال بل بالتيمم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ

تنزيه القرآن (٧)

٩٧

وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أو نَلْعَنَهُمْ ) كيف يصح أولا ان يكون القرآن مصدقا لـما معهم وكيف يصح في الوجوه ان ترد على أدبارها وذلك يخرجها من أن تكون وجوها. وجوابنا أنّ القرآن مصدق لكتبهم من حيث فيها البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم ومخالفة شريعتهم لـما في القرآن لا تمنع من أن يكون مصدقا كما أن ثبوت الناسخ والمنسوخ في القرآن لا يمنع من ذلك. فأما طمس الوجوه وردها على أدبارها فمن عظيم ما يخوف به المرء من المعصية ولم يقل تعالى انه بعد ردها على ادبارها تكون وجوها لهم ولو قيل ذلك كان لا ينكر لان صورة الوجه إذا لم تتغير اجرى عليه هذا الاسم وبين تعالى من بعد انه لا يغفر ان يشرك به والمراد الاصرار على الشرك ثمّ انه( يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) والمراد مع الاصرار واذا صح ذلك فانما أراد أصحاب الصغائر دون أصحاب الكبائر لقوله تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) وليس في اليهود من يعبد الصنم ويؤمن به فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه ليس المراد بالجبت والطاغوت الأصنام بل المراد به الشيطان والسحرة على ما روي عن الحسن وغيره والمروي عن ابن عباس ان كعب بن الاشرف قال لقريش أنتم خير من محمد ووعدهم بمعونة عليه فقالوا له أنتم أهل الكتاب ولا نأمن ان يكون ذلك خديعة فان أردت أن نثق بقولك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل فنزلت هذه الآية « وقد قيل أنّ المراد به الكهنة والسحرة كقوله يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت » وبعد فليس في قوله( أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) انهم أهل كتاب لان كثيرا ممن بعث اليه موسى وعيسى صلّى الله عليهما وسلم يدخلون في هذا الوصف وان لم يؤمنوا فلا يدل على ما ذكروه وقد يقال لمن تبع طريقة من يعبدون الاصنام انه يؤمن بها كقوله تعالى( اتَّخَذُوا

٩٨

أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) لـما اطاعوهم وكل ذلك يسقط هذه الشبهة.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) ان ذلك يوجب تعذيب من لم يذنب أو تعذيب بعض من العاصي لم يكن بعضا له في حال الذنب ويوجب أيضا ان يصير الواحد من أهل النار على الايام في نهاية العظم بأن يخلق له الجلد حالا بعد حال وكل ذلك لا يحسن. وجوابنا أنّ المراد بهذا التنزيل انه تعالى يغير ذلك الجلد عن صورة الاحتراق إلى صورة الصحة فيقال انه بدل وان كان الجلد ثانيا هو الذي كان أولا كما يقال في الماء انه قد تغير وتبدل إذا اذا صار ملحا بعد ان كان عذبا. وقد قيل ان الله تعالى يخلق جلدا بعد جلد ولا يوجب ذلك فسادا لان المعذب هو العاصي دون ابعاضه ويصح عندنا ان يعظم الله تعالى جسد أهل النار على ما روى في الخبر ويعذبون وهذا كما يذم ويلعن الكافر وان صار بعد كفره سمينا ولا يؤدي إلى العظم الذي ينكر فانه تعالى كما يخلق جلدا بعد جلد يفنى ذلك حالا بعد حال ولذلك قال تعالى( لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) فجعل ذلك عذابا لهم لا للجلد.

[ فصل ] وقوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ) يدل على ان العبد هو الفاعل والا لم يكن لهذا الامر معنى ولا للوعظ فائدة إذا كان تعالى هو الخالق لرد الامانة وللحكم وأي نفع في هذا الوعظ ان كان مراده تعالى ذلك وأي تأثير بهذا الوعظ حتّى يصفه بهذا الوصف وحتى يمن تعالى على عباده بذلك وكذلك قوله تعالى من بعد( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) لا يصح إلّا إذا كان العبد هو المختار لفعله فيكون موافقا لـما في الكتاب ولسنة الرسول صلّى الله عليه وسلم

٩٩

ولطريقة العلماء. وقد اختلفوا في أولى الامر منكم فمنهم من قال الامراء ومنهم من قال العلماء وقوله من بعد( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) يدل على انهم الفاعلون لهذا الرد عند التنازع والا كان قوله( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ ) لا يفيد إذا الفائدة في ذلك ان إيمانكم بالله يقتضي امتثال أمره بهذا الرد وصف تعالى بعد ذلك المنافقين بانهم يزعمون انهم آمنوا بالله والرسول ويريدون مع ذلك( أَنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) والمراد بذلك شيطان الانس أو الجن على ما تقدم ذكره ولذلك قال بعده( وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أو اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) كيف يصح ان يكلفهم قتل أنفسهم مع ان الانسان ملجأ إلى ان لا يقتل نفسه. وجوابنا أنّ المراد قتل بعضهم لبعض كقوله تعالى( فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) وعلى هذا الوجه تأوله المفسرون ويحتمل ان يكون المراد التعرض لاسباب الهلكة وقد يقال لمن يفعل ذلك انه قتل نفسه ولذلك قال بعده( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) فنبه بذلك على ان الايمان منهم مما يصح ويصح خلافه وذلك يدل على أنّ ذلك فعلهم لانه لا يقال لمن لا يصح منه إلّا القيام فقط لو فعل القعود لكان خيرا له وبيّن من بعد حال المطيع بما يرغب نهاية الترغيب في الطاعة فقال( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً ) ثمّ رغب تعالى في الجهاد فقال( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أو انْفِرُوا جَمِيعاً ) ووصف

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

مسألة ١٧٦ : يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية مَنْ شاء من الأقارب وإن لم يكن محارم ، دون الأجانب ، بأن يشترط ، فإن أطلق ، لم يتبعه إلّا صغار أولاده وزوجاته وعبيده ؛ لأنّهم أموال ، ولا تتبعه نسوة الأقارب.

وأمّا الأصهار فالأقرب : عدم إلحاقهم بالأجانب.

وللشافعي وجهان(١) .

وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو اُعتق العبد فاستقلّوا(٢) ، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يُقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.

والأقارب(٣) : أنّه يجب على الصبي استئناف عقدٍ لنفسه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

وإن اكتفي بعقد أبيه ، لزمه مثل ما لزم الأب وإن كان فيه زيادة.

وإذا بلغ سفيهاً ، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم ، ويصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

ومَنْ يجنّ يوماً ويُفيق يوماً سبق(٥) حكمه.

وللشافعي أقوال :

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، الوسيط ٧ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣.

(٢) في « ق » : واستقلّوا.

(٣) في الطبعة الحجريّة : والأقوى.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، الوسيط ٧ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٥) سبق في المسألة ١٧٢.

٣٠١

أحدها : تُلتقط أيّام [ إفاقته ](١) وتكمل سنة ، ويؤخذ منه دينار.

والثاني : لا شي‌ء.

والثالث : كالعاقل.

والرابع : يُنظر إلى الأغلب.

والخامس : يُنظر إلى آخر السنة ، كما في تحمّل العَقْل. وإذا وقع مثله في الأسر ، نُظر إلى وقت الأسر(٢) .

البحث الثاني : في مقدار الجزية.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدراً معيّناً لا يجوز تغييره على أقوال ثلاثة :

أحدها : أنّ فيها مقدّراً ، وهو ما قدّره عليّعليه‌السلام : على الفقير اثنا عشر درهماً ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون ، وعلى الغني ثمانية وأربعون في كلّ سنة(٣) - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(٤) - لما رواه العامّة : أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : جنونه. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ ، الوسيط ٧ : ٦٢ - ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦ / ٩٥ ، التهذيب ٤ : ١٢٠ / ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ - ٥٤ / ١٧٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٩٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، =

٣٠٢

النبيعليه‌السلام أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً(١) .

وما تقدّم(٢) من وضع عليعليه‌السلام ، وكذا وضع عمر(٣) ، ولم يخالفهما أحد ، فكان إجماعاً.

الثاني : أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّةً ولا كثرةً ، بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة وكثرة بحسب المصلحة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٤) ، والثوري وأحمد في رواية(٥) ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالم ديناراً(٦) . وصالح أهلَ نجران على ألفي حلّة ، النصف في صفر ، والنصف في رجب(٧) . وما وضعه عليّعليه‌السلام وعمر(٨) . وصالَح عمر بني تغلب على مثلَيْ ما على المسلمين من الصدقة(٩) . وهو يدلّ على عدم التقدير فيه.

____________________

= حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ - ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٢) تقدّم في ص ٢٩١ وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٥)

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٤ - ٤٥ / ١٠٤ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٥ : ٥٤٥ ، المسألة ٩ ، وسلّار في المراسم : ١٤١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١١٠ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(٦) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٥) من ص ٢٩١ ، والهامش (٣) من هذه الصفحة.

(٩) الأموال - لأبي عبيد - : ٣٣ - ٣٤ / ٧٠ و ٧١ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير =

٣٠٣

ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة - الصحيحة - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره؟ فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق »(١) الحديث.

الثالث : أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة ، وتتقدّر في طرف القلّة ، فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار - وهو قول ابن الجنيد ، وأحمد في رواية(٢) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام زاد على ما قرّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينقص منه(٣) ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.

وقال الشافعي : إنّها مقدّرة بدينار على الغني والفقير لا يجوز النقصان منه ، وتجوز الزيادة عليه إن بذلها الذمّيّ(٤) .

وقال مالك : هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهماً ، وفي حقّ المتوسّط بعشرين درهماً ، وفي حقّ الفقير بعشرة دراهم(٥) .

____________________

= ١٠ : ٥٩٢ - ٥٩٣.

(١) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦ بتفاوت وزيادة.

(٢) المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢.

(٣) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٣) من ص ٣٠١.

(٤) الاُمّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ و ٥٢٠ ، الوسيط ٧ : ٦٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١١ و ١١٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، وفيها بعض المقصود.

٣٠٤

مسألة ١٧٨ : تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سَلَفاً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول ، وتؤخذ في آخر كلّ حول ، فلا تجب بأوّله ، كالزكاة والدية.

وقال أبو حنيفة : تجب بأوّله ، ويُطالب بها عقيب العقد ، وتجب الثانية في أوّل الحول الثاني وهكذا ؛ لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) (٣) .

والمراد التزام إعطائها ، لا نفس الأخذ والإعطاء حقيقةً ، ولهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعاً.

إذا عرفت هذا ، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على حسب قدرتهم ، ولا يلزمهم شي‌ء معيّن ، كذهبٍ أو فضّة - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عِدْله معافري(٥) (٦) .

وأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من نصارى نَجْران ألفي حلّة(٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٥) المعافري : برود باليمن منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة باليمن. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٦٢.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

٣٠٥

وكان عليّعليه‌السلام يأخذ الجنس ، فيأخذ الحبالَ من صانعها ، والمسالَّ(١) من صانعها ، والإبرَ من صانعها ، ثمّ يدعو الناس فيُعطيهم الذهب والفضّة ، فيقتسمونه ، ثمّ يقول : « خذوا هذا(٢) فاقتسموا » فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : « أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنّه »(٣) .

ولا تتداخل الجزية ، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استُوفيت منه أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه حقُّ ماليّ يجب في آخر كلّ حولٍ ، فلا تتداخل ، كالدية والزكاة.

وقال أبو حنيفة : تتداخل ؛ لأنّها عقوبة ، فتتداخل ، كالحدود(٥) .

والفرق : ما تقدّم.

مسألة ١٧٩ : يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رؤوسهم ، وإن شاء على أرضيهم.

وهل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رؤوسهم شيئاً وعن أرضيهم شيئاً آخر؟ منع منه الشيخان وابن إدريس(٦) ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) المِسَلَّة واحدة المسالّ ، وهي الإبر العظام. لسان العرب ١١ : ٣٤٢ « سلل ».

وفي الأموال - لأبي عبيد - : المسان ، بدل المسالّ.

(٢) كلمة « هذا » لم ترد في « ق ، ك».

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩ / ١١٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٤) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٧ / ١٦٣٧ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٦.

(٦) المقنعة : ٢٧٣ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨ ، السرائر : ١١٠.

٣٠٦

أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخُمْس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم في ذلك شي‌ء موظّف؟ فقال : « كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وإن شاء فعلى أموالهم ، وليس على رؤوسهم شي‌ء »(١) .

وفي حديث آخر قال : « فإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم »(٢) .

وقال أبو الصلاح : يجوز الجمع بينهما(٣) ؛ لعدم تقدّر الجزية قلّةً وكثرةً ، فجاز أن يأخذ من أرضيهم(٤) و رؤوسهم ، كما يجوز أن يُضعفها(٥) على رؤوسهم. ولأنّه أنسب بالصَّغار.

ونقول بموجَب الحديثين ، ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن ، فإن شاء أخذه من رؤوسهم ، ولا شي‌ء حينئذٍ على أرضيهم(٦) ، وبالعكس.

مسألة ١٨٠ : يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة مَنْ يمرّ بهم من المسلمين إجماعاً ، بل تُستحبّ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار - وكانوا ثلاثمائة نفر - في كلّ سنة ، وأن يضيفوا مَنْ‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٨ / ٣٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٧.

(٣) اُنظر : الكافي في الفقه : ٣٤٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : أراضيهم.

(٥) في الطبعة الحجريّة : يضعها.

(٦) في « ك » والطبعة الحجريّة : أراضيهم.

٣٠٧

يمرّ(١) بهم من المسلمين ثلاثة أيّام ، ولا يغشوا مسلماً(٢) .

وشرط على نصارى نجران إقراء رُسُله عشرين ليلة فما دونها ، وعارية ثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً وثلاثين دِرْعاً مضمونة إذا كان حدث باليمن(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندةً وإضراراً.

ولو لم يشترط الضيافة ، لم تكن واجبةً - وبه قال الشافعي(٤) - للأصل. ولأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي ، فالضيافة أولى.

وقال بعض العامّة : تجب بغير شرط(٥) .

وتجوز لجميع الطارقين ، ولا تختصّ بأهل الفي‌ء ، خلافاً لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين(٦) .

ويجب أن تكون الضيافة زائدةً على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط زيادةً على الدينار الضيافة(٨) . والدينار عنده مقدار(٩) الجزية(١٠) . ولأنّه لو شرط الضيافة من‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : مرّ.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٢٠١ / ٥٠٣.

(٤و٥) المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٩ - ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٢)

(٩) في الطبعة الحجريّة : بمقدار.

(١٠) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

٣٠٨

الجزية ولم يمرّ بهم أحد ، خرج الحول بغير جزية.

والثاني للشافعي : تُحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده(١) (٢) .

ويجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومةً بأن يكون عدد مَنْ يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوماً. ويكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

والأقرب عندي : جواز الزيادة مع الشرط.

ويجب أن يعيّن القوت قدراً وجنساً ، وعطف الدوابّ كذلك. ولا يكلّفوا الذبيحة ، ولا الضيافة بأرفع من طعامهم ، إلّا مع الشرط.

وينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية ، فيُكثرها على الغني ، ويُقلّلها على الفقير ، ويُوسّطها على المتوسّط.

وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بِيَعهم وكنائسهم. ويؤمرون بأن يُوسّعوا أبواب البيع والكنائس ، وأن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء ، نزلوا في بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم. وإن لم تسعهم ، لم يكن لهم إخراج أهلها منها. ومَنْ سبق إلى منزلٍ ، كان أحقّ به ، ولو اجتمعوا ، فالقرعة.

وإذا شُرطت الضيافة وامتنع بعضُهم منها ، اُجبر عليها(٣) . ولو امتنع الجميع(٤) ، قُهروا وقُوتلوا مع الحاجة ، فإن قاتلوا ، نقضوا العهد وخرقوا‌

____________________

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣) في « ك » والطبعة الحجريّة : عليهم. وفي « ق » : عليه. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جميعهم.

٣٠٩

الذمّة ، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزيةً لهم ، لزمه إجابتهم ، ولا يتعيّن الدينار.

مسألة ١٨١ : مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها ، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا ، إلّا في أرض الحجاز على ما يأتي - وبه قال الشافعي(١) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) جَعَل إباحة الدم ممتدّاً إلى إعطاء الجزية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

وما رواه العامّة من قولهعليه‌السلام : « فادعهم إلى الجزية ( فإن أطاعوك فاقبل منهم )(٣) وكُفّ عنهم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شي‌ء سوى الجزية؟ قال : « لا »(٥) .

وقال أحمد : إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجراً ، اُخذ منه نصف العُشْر ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلمين عشور ، إنّما العشور على اليهود والنصارى »(٦) (٧) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : فإن أجابوك فدعهم.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ - ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ / ٢٢٤٦٩ ، و ٤٩٢ / ٢٢٥٢١ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ٩٩ ، التهذيب ٤ : ١١٨ - ٣٣٩.

(٦) سنن البيهقي ٩ : ١٩٩ و ٢١١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ٦ : ٥٦٩ - ٢٢٩٧٢.

(٧) المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٢.

٣١٠

ويحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية ، أو يُحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب : مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء ؛ لأنّه مال اُخذ بالقهر والغلبة ، فكان مصرفه المجاهدين ، كغنيمة دار الحرب.

مسألة ١٨٢ : اختُلف(١) في الصَّغار. فقال ابن الجنيد : إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم وبين المسلمين أو تحاكموا(٢) إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهُمْ قيام على الأرض.

[ و ](٣) قال الشيخرحمه‌الله : الصَّغار التزام أحكامنا وإجراؤها(٤) عليهم(٥) .

وقال الشافعي : هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم ، فيأخذ المستوفي بلحيته ويضربه في لَهازِمه(٦) ، وهو واجب في أحد قولَيْه حتى لو وكَّل مسلماً بالأداء لم يَجُزْ. وإن ضمن المسلم الجزية ، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. ويجوز ذلك مع العرب والعجم. فيقول الإمام : أبْدَلْتُ الجزيةَ بضِعْف الصدقة ، فيكون ما يأخذه جزيةً باسم الصدقة. فيأخذ من خَمْسٍ من الإبل شاتين ، ومن خَمْسٍ وعشرين بنتي مخاض ، وممّا سقت السماء الخُمْس ، ومن مائتي درهم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : اختلف علماؤنا.

(٢) في الطبعة الحجريّة : يتحاكموا.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) في « ق ، ك » : وجريانها.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٣.

(٦) اللهازم : اُصول الحَنَكيْن. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٨١ « لهزم ».

٣١١

عشرة دراهم ، ومن عشرين ديناراً ديناراً ، ويأخذ من ستّ وثلاثين بنتي لبون ، فإن لم تكن ، فبنتي مخاض ، ومع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهماً. ولا يُضعّف الجبران ثانياً. والإمام أيضاً يعطي الجبران.

وهل يحطّ عنهم الوَقْصَ؟ فيه ثلاثة أوجه له : أحدها : لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاةً شاةً ، ومن مائة درهمٍ خمسةً. والثاني : يحطّ. والثالث : لا يحطّ إلّا إذا أدّى إلى التجزئة ، فيأخذ من سبع(١) من الإبل ونصف ثلاث شياه.

ثمّ على الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة ، فإن لم يف بمال الجزية إذا قُوبل بعدد رؤوسهم ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وزيادة ، وله أن يقنع بنصف الصدقة [ و ](٢) إن كان وافياً.

قال الشافعي : ويجوز أخذ العُشْر من بضاعة تُجّار أهل الحرب وتجوز الزيادةُ إن رأى ، والنقصانُ إلى نصف العُشْر عن الميرة ترغيباً لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. وهل يجوز حطّ أصله؟ خلاف.

وأمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلّا أن يتّجر في الحجاز ، ففيه خلاف.

ولا يؤخذ العُشْر في السنة أكثر من مرّة ، وإنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط ، فلو دخل بأمانٍ من غير شرط ، فأصحّ الوجهين أنّه لا شي‌ء عليهم.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : سبعة. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المصدر.

(٢) أضفناها من المصدر.

٣١٢

وأمّا الخراج فإنّما يكون إذا قُرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج ، ويسقط بالإسلام ، فإن ملّكناها عليهم ورددناها بخَراجٍ ، فذلك اُجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق(١) .

مسألة ١٨٣ : إذا مات الذمّي بعد الحول ، لم تسقط عنه الجزية ، واُخذت من تركته - وبه قال الشافعي ومالك(٢) - لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته ، فلا يسقط بالموت ، كسائر الديون.

وقال أبو حنيفة : تسقط - وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد روايتان - لأنّها عقوبة ، فسقطت بالموت(٣) .

ونمنع أنّها عقوبة وإن استلزمتها ، بل معاوضة ؛ لأنّها وجبت لحقن الدماء والمساكنة ، والحدّ يسقط بالموت ؛ لفوات محلّه وتعذّر استيفائه ، بخلاف الجزية.

ولو مات في أثناء الحول ، ففي مطالبته بالقسط نظرٌ أقربه : المطالبة - وبه قال ابن الجنيد - لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة ، وإنّما أخّرنا المطالبة إرفاقاً ، ولو لم يمت لم يُطالَب في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة ؛ عملاً بالشرط.

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ - ٧٠٣ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ و ٥٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤.

٣١٣

وتُقدّم الجزية على وصاياه. والوجه : مساواتها للدَّيْن ، فتقسَّط التركة عليهما مع القصور.

ولو لم يخلّف شيئاً ، لم يطالب ورثته بشي‌ء.

ولو مات قبل الحول ، لم يؤخذ من تركته شي‌ء أيضا.

ولو أفلس ، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

ولو مات الذمّيّ وقد استسلف منه عن السنة المقبلة ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة ١٨٤ : لو أسلم الذميّ في أثناء الحول ، سقطت الجزية إجماعاً منّا.

وإن أسلم بعد الحول ، قال الشيخان وابن إدريس : تسقط(١) - وبه قال مالك والثوري وأبو عبيد وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٣) أوجب الأخذ حالة الصّغار ، ولا يتحقّق في حقّ المسلم ، فلا تثبت الجزية أيضاً.

ولقوله تعالى :( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٤) وهو عامٌّ.

____________________

(١) المقنعة : ٢٧٩ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٢ ، السرائر : ١١٠.

(٢) مقدّمات - لابن رشد - : ٢٨٤ ، التفريع ١ : ٣٦٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) الأنفال : ٣٨.

٣١٤

وقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلم جزية »(١) .

وأسلم ذمّيٌّ فطُولب بالجزية وقيل له : إنّما أسلمت تعوّذاً ، قال : إنّ في الإسلام معاذاً ، فرُفع إلى عمر ، فقال عمر : إنّ في الإسلام معاذاً ، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية(٢) .

ولأن الجزية صَغارٌ ، فلا تؤخذ ، كما لو أسلم قبل الحول.

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : لا تسقط(٣) ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ، لأنّها دين مستحقّ واستحقّت المطالبة به ، فلا يسقط بالإسلام ، كالخراج والدَّيْن(٤) .

والفرق : أنّها عقوبة بسبب الكفر وصَغار ، بخلاف الدَّيْن.

ولا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

وفرَّق الشيخرحمه‌الله ، فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني ، كما لو زنى ذمّيٌّ بمسلمة ، لا يسقط عنه القتل بإسلامه(٥) .

ولو أسلم في أثناء الحول ، سقطت عنه الجزية ، وهو أحد قولي‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧١ / ٣٠٥٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٥٦ و ١٥٧ / ٦ و ٧ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٦٨ / ١٩٥٠.

(٢) الأموال - لأبي عبيد - : ٥٢ / ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٥٤٧ ، المسألة ١١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٤٥ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٥.

٣١٥

الشافعي(١) . والثاني : يؤخذ منه القسط(٢) .

ولو استسلف منه [ الجزية ](٣) ثمّ أسلم في أثناء الحول ، ردّ عليه قسط باقي الحول.

وهل يردّ لما مضى؟ الأقرب : عدمه.

والفرق بين أن يأخذ منه وأن لا يأخذ ظاهرٌ ؛ لتحقّق الصَّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث : فيما يشترط على أهل الذمّة‌

مسألة ١٨٥ : لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلّا بشرطين : التزام إعطاء الجزية في كلّ حول ، والتزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقٍّ أو ترك محرَّم.

وعقد الذمّة والهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعاً.

ولو شرط عليهم في الذمّة [ شرطاً ](٤) فاسداً ، مثل أن لا جزية عليهم ، وأن يُظهروا المناكير ، أو أن يسكنوا الحجاز ، أو يدخلوا الحرم أو المساجد ، أو‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٢٥٥.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ و ٣١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الحربي. وذلك تصحيف.

وما أثبتناه - كما في منتهى المطلب ٢ : ٩٦٨ - هو الصحيح.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : عقداً. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣١٦

عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، لم يصحّ الشرط إجماعاً. والأقرب : فساد العقد أيضاً.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم.

قال ابن الجنيد : اختار أن يشترط عليهم أن لا يُظهروا سبّاً لنبيّناعليه‌السلام ، ولا لأحد من الأنبياء والملائكة ، ولا سبّ أحد من المسلمين ، ولا يطعنوا في شي‌ء من الشرائع ، ولا يُظهروا شركهم في عيسى والعُزَيْر ، ولا يرعون خنزيراً في شي‌ء من أمصار الإسلام ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلّا من حيث نُصّ لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقرّبوها لصنم ولا لشي‌ء من المخلوقات ، ولا يربوا(١) مسلماً ، ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلماً خمراً ، ولا يعطوه مُحرَّماً ، ولا يقاتلوا مسلماً ، ولا يعاونوا باغياً ، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا يدلّوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين(٢) شيئاً إلّا بإذن وإليهم ، فإن فعلوا ، كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا غيره ، ويشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم ، وسكنى الحجاز ، وغيرهما ، يقال(٣) : فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نقض عهده ، واُحلّ دمه وماله ، وبرئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) والمؤمنين.

مسألة ١٨٦ : جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة :

____________________

(١) في متن الطبعة الحجريّة : ولا يرثوا. وما أثبتناه هو الموافق لما في هامشها بعنوان نسخة بدل ، وما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بلاد الإسلام.

(٣) كذا ، وفي منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩ : ثمّ يقال.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذمّة الله ورسوله.

٣١٧

الأوّل : ما يجب شرطه ، ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما : شرط الجزية عليهم ، وثانيهما : التزام أحكام الإسلام ، ولا بدّ منهما معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما ، لم تنعقد الجزية ، لقوله تعالى : (حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ )(١) والصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ولو منع(٢) الرجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم »(٣) .

الثاني : ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه ، وهو : أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين ، لأنّهم إذا قاتلونا ، وجب علينا قتالهم ، وهو ضدّ الأمان.

وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث : ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ ، وهو سبعة : ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلماً عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي عين المشركين ، ولا يعين على المسلمين بدلالةٍ أو بكتابة كتابٍ إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلماً ولا مسلمةً ، فإن فعلوا شيئاً من ذلك وكان تركه شرطاً في العقد ، نقضوا العهد ، وإلّا فلا.

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الكافي والتهذيب : امتنع.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

٣١٨

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّاً ، حدّهم الإمام ، وإن لم يوجبه ، عزَّرهم بحسب ما يراه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يكون نقضاً للعهد مع الشرط ؛ لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضاً للعهد(١) إذا لم يُشترط(٢) لم يكن نقضاً وإن اشتُرط(٣) ، كإظهار الخمر والخنزير(٤) .

ونمنع الكلّيّة وثبوت الحكم في الأصل.

وقال أبو حنيفة : لا ينتقض العهد إلّا بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الأمان وقع على هذا الشرط ، فيبطل ببطلانه.

ولأنّ عمر رُفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا ، فقال : ما على هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس(٦) .

الرابع : ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ لله تعالى أو رسوله ، وجب قتلهم ، وكان نقضاً للعهد.

وإن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله تعالى بما‌

____________________

(١) كلمة « للعهد » لم ترد في « ق ، ك ».

(٢ و ٣) في « ق ، ك » : لم يشرط شرط.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، التنبيه : ٢٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨٥ ، حلية العلماء ٧ : ٧١١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٧ - ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٥) المغني ١٠ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٦) المغني ١٠ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

٣١٩

لا ينبغي ، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك ، كان نقضاً للعهد ، وإلّا فلا.

وقال بعض الشافعيّة : يجب شرط ذلك ، فإن أهمل ، فسد عقد الذمّة ؛ لأنّه ممّا يقتضيه الصَّغار(١) .

الخامس : ما يتضمّن المنكَر ولا ضرر فيه على المسلمين ، وهو : أن لا يحدثوا كنيسةً ولا بِيعةً في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكُتًبهم ، ولا يضربوا الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يُظهروا خمراً ولا خنزيراً في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه ، سواء شرط عليهم أو لا ، فإن خالفوا وكان مشروطاً عليهم ، انتقض أمانهم ، وإلّا فلا ، بل يجب الحدّ أو التعزير ؛ لما رواه العامّة عن عمر ، قال : مَنْ ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قَبِل الجزية من أهل الجزية(٣) على أن لا يأكلوا الربا ، ولا يأكلوا لحم الخنزير ، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمَنْ فَعَل ذلك منهم برئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : ليست لهم اليوم ذمّة »(٥) .

ولأنّه عقد منوط بشرط ، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد ، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

____________________

(١) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، وحلية العلماء ٧ : ٧١٢.

(٢) المغني ١٠ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٣) في المصدر : أهل الذمّة.

(٤) في التهذيب والطبعة الحجريّة : رسول الله.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ / ٢٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501