• البداية
  • السابق
  • 165 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10804 / تحميل: 3850
الحجم الحجم الحجم
على خطى الحسين (عليه السّلام)

على خطى الحسين (عليه السّلام)

مؤلف:
العربية

لقد كان الحسين (عليه السّلام) طالب حقّ وشهادة لا طالب إمارة كما عنون ابن كثير في تاريخه قائلاً : خرج الحسين طالباً للإمارة

والحقّ أعلى وأجل من الإمرة وإنّ كلّ ما رويناه يخبرنا أنّ خروج الحسين (عليه السّلام) لم يكن متوقّفاً على إرادة الجماهير ومطالبتها له ، بل كان ناشئاً عن الأمر الإلهي ، إنّه الأمر نفسه الذي بُعث بمقتضاه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) للناس بشيراً ونذيراً ، وبعهدٍ من رسول اللّه كانت الوصية والإمامة في آل بيت النبوّة ، وبعهدٍ من اللّه ورسوله إلى أئمّة آل البيت (عليهم السّلام) ـ سواء الذين تحرّكوا أم مَنْ لم يتحرّك ـ كانت حركاتهم وسكناتهم ، كان الحقّ غايتهم ، وكانت بلورته وتحديد معالمه هي مهمّتهم (سلام اللّه عليهم) ؛ ولذا كانت الأُمّة يومها وإلى يومنا هذا في حاجة إلى تلك الحركة الحسينية ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )(سورة الأنفال / ٤٢) ، ولم يكن الحسين (عليه السّلام) بحاجة إلى حركة الأُمّة ، بل كانت الأُمّة هي المحتاجة ؛ ولذا حمل الحسين (عليه السّلام) النساء والأطفال حتى تكون الجريمة الأُمويّة كاملة ، وحتى يحمل الراضون الوزر الكامل من يومها إلى يومنا هذا (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )(سورة العنكبوت / ١٣)

١٠١

وهكذا استكملت الحركة الحسينية معالمها وبنو أُميّة يحاولون الحيلولة بين الحسين (عليه السّلام) وبين اختياره لموقع المواجهة ، فلمّا أحس والي مكة أنّ الحسين قد خرج بعث إليه كتاباً بالأمان ، حمله عبد اللّه بن جعفر ويحيى بن سعيد يُمنّيه بالأمان والصلة ، والبرّ وحسن الجوار ، ويعيذه من الشقاق والخلاف والهلاك ، فردّ (عليه السّلام) بقوله : (( أمّا بعد ، فإنّه لم يشاقق اللّه ورسوله مَنْ دعا إلى اللّه (عزّ وجلّ) وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين ، وقد دعوتني إلى الإمان والبرّ والصلة ، فخير الأمان أمان اللّه ، ولن يؤمن اللّه مَنْ لم يخف من الدنيا ، فنسأل اللّه مخافته في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة ، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، والسّلام ))

عن أيّ أمان يتحدّث هؤلاء المخادعون المنافقون ؟ ألم يبعث يزيد القرود بالأمس إلى واليه على المدينة يخيّر الحسين (عليه السّلام) بين البيعة والقتل ، حتى اضطر (عليه السّلام) إلى الخروج ليلاً وهو يقرأ : ((فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ))(سورة القصص / ٢١) ، فأيّ أمان هذا ؟ أهو تأجيل لتنفيذ القرار حتى تأتي الفرصة المناسبة وتتمّ العملية بهدوء وسلامة ؛ اغتيالاً أو سمّاً ؟ كما أخبر به أخاه محمد بن الحنفية : (( أخشى أن يقاتلني أجناد بني أُميّة في حرم مكة ، فأكون كالذي يُستباح دمه في حرم اللّه ، يا أخي لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني ))

١٠٢

لقد كان خروج الحسين (عليه السّلام) من مكة قراراً مدروساً ، قائماً على معلومات موثوقة ومؤكّدة عن النوايا الحقيقية لبني أُميّة ، ولسوابقهم التي لم تكن قد أضحت يومها تاريخية في قتل خصومهم اغتيالاً بالسمّ أو بغيره ؛ ولذا كان قرار الخروج من مكة إلى أرض كربلاء لا إلى أيّ مكان آخر ، لا إلى اليمن ولا إلى أي أرض أُخرى

ثمّ هو في لقائه مع الفرزدق يؤكد هذا المعنى

ولا يسعنا إلاّ تصديق ما جاء على لسان الحسين (عليه السّلام) ، فقد التقى الفرزدق الشاعر بقافلة الحسين (عليه السّلام) فسلّم عليه ، وقال له : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول اللّه ، وما أعجلك عن الحجّ ؟

فقال : (( لو لم أعجل لأُخذت ))

وهذا كلام واضح لا لبس فيه ولا التواء

ثمّ سأله أبو عبد اللّه عن الناس ، فقال : قلوبهم معك ، وأسيافهم عليك ، والأمر ينزل من السماء ، واللّه يفعل ما يشاء

فقال (عليه السّلام) : (( صدقت ، للّه الأمر وكلّ يوم هو في شأن ، فإن نزل القضاء بما نحبّ ونرضى فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد مَنْ كان الحق نيّته والتقوى سريرته ))(٢٠)

١٠٣

ويبقى أخذ الحسين (عليه السّلام) لنسائه وبنات النبوّة والرسالة موضعاً للاستفهام والتساؤل ، الناشئ من قلّة فهمنا وإدراكنا لوظيفة أهل البيت (عليهم السّلام) ، وطبيعة مهمّتهم في حفظ الرسالة الإسلامية ، فها هو التاريخ يحكي لنا بعض نماذج الزهادة لأشخاص خالفوا نهج أهل البيت (عليهم السّلام) ، بل وحاربوه ، ويصعب علينا تحقيق كلّ هذه الروايات إثباتاً أو نفياً ، ولكن التاريخ البشري كلّه لم يحدّثنا عن قائد يحمل أمانة الحفاظ على منهج يحمل معه كلّ هذا الكم من القرابين من أهل بيته الطاهرين ومن فلذات كبده ، بل وحتى نساءه وحرماته

التاريخ يحكي لنا آلاف النماذج عن قتلى وشهداء من أجل فكرة أو مذهب ، لكن لم يحكِ لنا عن النموذج الحسيني لقافلة تحمل حرمات رسول اللّه وبنات الرسالة يؤدين واجبهنّ في التضحية والفداء

بعض الباحثين يردّ على أنصار نهج آل البيت (عليهم السّلام) متسائلاً : بأيّ ميزة فُضّل هؤلاء ؟ ويقول : إنّهم ليسوا أفضل من غيرهم ، ويقتطف عبارات يأخذها بعيداً عن سياقها ، مثل قوله : يا فاطمة بنت محمد اعملي ، لا أُغني عنك من اللّه شيئاً

١٠٤

ويردّ أنصار أهل البيت (عليهم السّلام) بما ورد من آيات وأحاديث ، ولكن في ظنّي أنّ أكبر ردّ على هؤلاء هو موقف آل بيت النبوّة في يوم عاشوراء ، حيث ضرب الجميع أروع الأمثال على أنّ فضل آل البيت (عليهم السّلام) على مَنْ عداهم كان فضل عمل لا شرف بلا عمل ، ليس آل البيت في حاجة إلى أكاذيب تُعلي شأنهم بأنّهم أوّل مَنْ يعمل ، وأوّل مَنْ يلبّي ، وأوّل مَنْ يستشهد ، وواللّه لقد ذهب فضلهم ونورهم بكلّ مَنْ عداهم ، وهكذا فإنّ مقالة أبي عبد اللّه (عليه السّلام) حاكياً عن رسول اللّه : (( قد قال جدّي رسول اللّه : أنّ اللّه قد شاء أن يرى نسوتك سبايا مُهتّكات ، يُسقنَ في أسر الذلّ ))

٧ ـ في الطريق إلى كربلاء

ثمّ تحرّك (عليه السّلام) فلقي رجلاً في الرهيمة يُدعى أبا هرم ، فقال له : يابن النبي ، ما الذي أخرجك من المدينة ؟

فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم اللّه لتقتلني الفئة الباغية ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، وليسلطنّ اللّه عليهم مَنْ يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم ))(٢١)

١٠٥

وفي الطريق إلى العراق جاءه نعي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فنظر إلى بني عقيل فقال : (( ما ترون ، فقد قُتل مسلم ؟ ))

فقالوا : واللّه ما نرجع حتى نُصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق

فاقبل عليهم الحسين (عليه السّلام) فقال : (( لا خير في العيش بعد هؤلاء ))

ثمّ التقاه الحرّ بن يزيد الرياحي فخطب فيهم : (( أيّها الناس ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدِمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام ، لعلّ اللّه أن يجمعنا وإيّاكم على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم ))

فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد

ثمّ خطب خطبة أُخرى بعد صلاة العصر ، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : (( أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّكم إن تتّقوا اللّه وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى للّه عنكم ، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلاّ الكراهة لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدِمت عليّ به رسلكم انصرفت عنكم ))

١٠٦

فأجابه الحرّ : إنّي واللّه ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر

فقال (عليه السّلام) لبعض أصحابه : (( يا عقبة بن سمعان ، اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ))

فأخرج خرجين مملوءين صحفاً ، فنُشرت بين يديه

ثمّ مضى الحسين (عليه السّلام) حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل ، فإذا هو بفسطاط مضروب فقال : (( لمَنْ هذا ؟ ))

فقيل : لعبيد اللّه بن الحرّ الجعفي

فدعاه الحسين إلى الخروج معه فاستقاله عبيد اللّه ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( فإن لم تكن تنصرنا فاتّقِ اللّه ، لا تكن ممّن يقاتلنا ؛ فواللّه لا يسمع داعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك ))

فقال له : أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء اللّه

ثمّ سار (عليه السّلام) فخفق وهو على ظهر فرسه خفقه ، ثمّ انتبه وهو يقول : (( إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، والحمد للّه ربّ العالمين ))

ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين (عليهما السّلام) فقال : مِمّ حمدت اللّه واسترجعت ؟

قال : (( يا بُني إنّي خفقت خفقة ، فعنَ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت إنّها أنفسنا نُعيت إلينا ))

فقال له : يا أبتِ لا أراك اللّه سوءاً ، ألسنا على الحق ؟

قال : (( بلى واللّه الذي مرجع العباد إليه ))

فقال : فإنّنا إذاً ما نبالي أن نموت محقّين

١٠٧

فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( جزاك اللّه خير ما جزى ولداً عن والده ))

تروي لنا كتب التاريخ خطبة أُخرى للإمام الحسين (عليه السّلام) : (( أيها الناس ، إنّ رسول اللّه قال : مَنْ رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسُنّة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام اللّه وحرموا حلاله ، وأنا أحق مَنْ غيّر ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللّه ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أُسوة ، وإن لم تفعلوا ، ونقضتم عهدكم ، وخلعتم من أعناقكم بيعتي ، فلعمري ما هي لكم بنكر ؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل ، والمغرور مَنْ اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ )(سورة الفتح / ١٠) ، وسيُغني اللّه عنكم ، والسّلام ))(٢٢)

ثمّ خطب خطبة أُخرى فقال : (( إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، واستمرت جدّاً فلم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إنّ الحق لا يُعمل به ، وإنّ الباطل لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً ؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً ))(٢٣)

١٠٨

٨ ـ محاولات إخفاء الحقيقة ، ابن كثير يناقض نفسه

كلمات واضحة يفهمها من يقرأها ، تستعصي على التزوير ، لكن يد الغشّ والخيانة أخفت كلّ شي‏ء ، وزوّرت كلّ شي‏ء ، ونشأت أجيال وأجيال لا تعرف من ذكرى الحسين (عليه السّلام) إلاّ أنّه ابن بنت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّه خرج يطلب المُلك والإمارة فخذله المسلمون الشيعة ، وقتله بنو أُميّة وهم أصحاب الدولة الشرعية ، وأمّا الشيعة فهم يضربون أنفسهم ، ويسيلون دماءهم ؛ لأنّهم قتلوه

قليل أولئك الذين يعرفون الحقيقة بتفصيلاتها ، حتى ابن كثير يكتب فصلاً في البداية والنهاية بعنوان : صفة مقتل الحسين بن علي (رضي اللّه عنه) مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب الصريح والبهتان

ولا يُلام ابن كثير الدمشقي على حبّ قومه من بني أُميّة ، ولا على سبابه للمسلمين الشيعة ، واتّهامه لهم بالكذب الصريح والبهتان

١٠٩

ولكنّ العجب كلّ العجب ! أنّه لم يُخالف حرفاً واحداً ممّا رواه أئمّة التشيّع في كتبهم عن مقتل الحسين (عليه السّلام) ، ويكذّب عدّة روايات وردت في هذا الشأن ليست محورية ولا أساسية في القضية وهو يتناقض مع نفسه فيقول : ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء ، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً وفحشاً ، من كون الشمس كُسفت يومئذٍ حتى بدت النجوم ...(٢٤)

ثمّ يقول ناقضاً ما ذهب إليه : وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت مَنْ قتله فأكثرها صحيح ! فإنّه قلّ مَنْ نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة ، أو عاهة في الدنيا ، فلم يخرج منها حتى أُصيب بمرض ، وأكثرهم أصابهم الجنون(٢٥)

ثمّ يناقض نفسه ، ويتخبّط ويواصل الشتم والسبّ ، ويقول : للشيعة والروافض في صفة مصرع الحسين كذب كثير ، وأخبار باطلة ، وفي ما ذكرناه كفاية ، وفي بعض ما أوردناه نظر ، ولولا أنّ ابن جرير وغيره من الحفاظ ذكروا ما سقته وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى ، وقد كان مسلماً شيعياً ، وهو ضعيف الحديث عند الأئمّة ، ولكنّه إخباري حافظ عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره

١١٠

ثمّ يقول : وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه ، فكانت الدبادب تضرب بغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء إلخ

وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام ، فكانوا يوم عاشوراء يطبخون ويغتسلون ، ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون فيه السرور والفرح ؛ يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم(٢٦)

إذاً الشيخ ابن كثير يقرّ ويعترف أنّ أجهزة الدعاية الأُمويّة قلبت الحقائق ، وحولّت يوم الكارثة إلى يوم عيد وسرور ، وهو الذي ما زال متداولاً إلى يومنا هذا

ويمضى الرجل يكشف على استحياء دخيلة نفسه فيقول : وقد تأوّل عليه مَنْ قتله أنّه جاء ليفرّق كلمة المسلمين بعد اجتماعها ، وليخلع مَنْ بايعه من الناس واجتمعوا عليه ، فقد ورد في صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك ، والتحذير منه والتوعّد عليه

عفواً أيّها الشيخ ، يبدو أنّ خطأ الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّه ولد واستشهد قبل مجي‏ء مسلم وكتابه ، فلم يدرِ بالحديث المزعوم على رسول اللّه ، ولم يعلم أنّ الأُمّة بعد قرنين ستعرف صحيح مسلم وتجهل صحيح الحسين (عليه السّلام)

عفواً أيّها الشيخ ، فقد جهلت الأُمّة حديث الثقلين : (( إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلّوا أبداً ؛ كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض )) ، وهو حديث رواه مسلم في صحيحه بعد الحسين بقرنين

١١١

لقد جهلت الأُمّة هذا الحديث يوم كان عليها أن تذكره ، ثمّ روته بعد ذلك ولم تفهمه هذه الأُمّة التي نسيت وتناست ما صح نصاً وما جسّده الإمام الحسين (عليه السّلام) ، مارست الدين على الطريقة الأُمويّة ، ومَنْ حاول المقاومة كان مصيره القتل كما أسلفنا من قبل

ثمّ يمضي الشيخ في منطقه ويقول بعدما عدّد القتلى ممّن عدّهم أفضل من الحسين وأبيه (عليهما السّلام) : ولم يتّخذ أحد يوم موتهم مأتماً يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين(٢٧)

ثمّ يناقض نفسه كعادته : وأحسن ما يُقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ، ما رواه علي بن الحسين ، عن جدّه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أنّه قال : (( ما من مسلم يُصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلاّ أعطاه اللّه من الأجر مثل يوم أُصيب فيها ))

إنّنا نستعرض كلمات ابن كثير ؛ لأنّها نموذج لحالة التناقض والارتباك التي وقع فيها الكثيرون ممّن أذهلهم الحدث ، وعجزوا عن متابعته وقول كلمة الحق فيه ، ومن أولئك الذين أرادوا استتباب الأمر لبني أُميّة وظنّوا أنّ قضية آل البيت قد طويت وانتهت ، فلمّا أعلن الحسين (عليه السّلام) ثورته وخطّ كلمة الحق بدمائه على الأرض ، وفي السماء ، بل وفي الكون كلّه ، لجأوا مرّة أُخرى إلى الكتمان والتزييف ؛ لعلّ الناس ينسون ، ولكن هيهات هيهات

١١٢

هكذا وصل الركب إلى محطّ رحاله الأخير ، إلى كربلاء حيث أذن اللّه أن يستقرّ الجسد الطاهر لأبي عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) ويبقى شاهداً لكلّ القيم التي جاء بها محمد بن عبد اللّه وأورثها المصطفين من عباد اللّه من آل محمد إماماً وراء إمام ، ( دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ )

ويبقى أيضاً هذا الجسد الطاهر شاهداً على الذين (نقضوا غزلهم من بعد) قوّة أمكاثاً ، واتّبعوا سنن مَنْ قبلهم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع أراد اللّه أن يستقرّ الجسد الطاهر لأبي عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) في هذا المكان شاهداً على فضيحة بني أُميّة ومَنْ مهّدوا لهم ، ومَنْ ساروا على دربهم من المزوّرين ومن الأخسرين أعمالاً ، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ، ومكروا مكراً ومكر اللّه بهم مكراً وهم لا يشعرون ، هم قد خطّطوا لقتل أبي عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) في صمت ، كما قُتل الحسن (سلام اللّه عليه) من دون أن يعرف التاريخ قاتله ، وهذا ما أكّد عليه أبو عبد اللّه (عليه السّلام) في حواراته المختلفة

وكان الحسين (عليه السّلام) يعلم أنّ الأجل لا مفرّ منه ؛ ولذا كان يتمثّل بأبيات الشاعر :

أذلّ الحياة وذلّ الممات وكلاً أراه طعاماً وبيلا

فإن كان لا بدّ من إحداهما فسَيْري إلى الموت سَيْراً جميلا

١١٣

لقد كان خروج الحسين (عليه السّلام) رفضاً للاغتيال خلسة وصمتاً ، وسعياً إلى القتل شاهداً شهيداً في واقعة لا بدّ من تسجيلها في القلوب ، حتى القلوب الميّتة تعجز عن مداراتها ، ذلك الأموي البغيض الذي روى كلّ تفاصيل الواقعة كارها كان شاهداً رغم أنفه ، وحاول أن يتنصّل وحاول أن يتمسّح بتكذيب بعض تفاصيل لن تغيّر شيئاً

كان الجميع شاهداً على عظمة أبي عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) ، وعلى عظمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، سواء المحبون أم الكارهون ، وهكذا تحقّق للحسين (عليه السّلام) ما أراد ، وخسر بنو أُميّة ومَنْ مهّدوا لهم ومَنْ ساروا على دربهم ، خسروا معركة الشرعية بشكل نهائي ، تلك الغلالة الرقيقة من التمسّح بالدين زوّراً وبهتاناً سقطت وتمزّقت ، كان معاوية يرفع شعار الثأر للخليفة المظلوم وقد موّه بذلك على البسطاء ، أمّا الآن فإنّ النظام الأُموي أسفر عن وجهه الكئيب ، وها هو يزيدهم يعريهم وينادي أئمّة الكفر من آبائه : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ )(سورة الحج / ١٩) ، عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة الذين أُرسلوا إلى النار بسيف الإمام علي (عليه السّلام) ليشهدوا ، ويقول :

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل

وها هي واقعة رواها كلّ أصحاب التواريخ بلا استثناء حتى ابن كثير الأُموي ، لقد علّم الحسين (عليه السّلام) كلّ البشر درساً في الإدراك الواعي للهدف ، والسعي إلى تحقيقه مهما كانت التضحيات

١١٤

وهكذا سقطت مرّة واحدة وإلى الأبد كلّ أقنعة الإسلام الكهنوتي ، وتبلور الصراع بين الحق والباطل ليصبح بين الحسين ويزيد

أمّا أصحاب أنصاف المواقف أشباه الرجال فقد سقطوا وأدرك الجميع أنّهم في صفّ الإسلام الأُموي ، وهكذا يمتدّ الصراع حتى آخر الزمان ليصبح بين المهدي وارث أهل البيت والسفياني وارث النهج الأُموي

١١٥

الفصل الرابع

كربلاء : النهوض بالأُمّة المنكوبة

١ ـ الموقف الحسيني معيار وقدوة

في ليلة الشهادة وفي يومها واصل الحسين (عليه السّلام) الشرح والبيان ، جمع أصحابه وأهل بيته ، وخطب فيهم : (( أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم اللّه عنّي جميعاً خيراً

ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، ألا وإنّي قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج اللّه ؛ فإنّ القوم إنّما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ))

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد اللّه بن جعفر : لِمَ نفعل ؟ لنبقى بعدك ؟! لا أرانا اللّه ذلك أبداً

١١٦

بدأهم بهذا القول العباس بن علي (عليهما السّلام) ، ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه ، فقال الحسين (عليه السّلام) : (( يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم ))

قالوا : فما يقول الناس ؟! يقولون : إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرمِ معهم بسهم ، ولم نطعن معه برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ! لا واللّه لا نفعل ، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ؛ فقبح اللّه العيش بعدك(٢٨)

ـــــــــــــــــــــــ

١ ـ الاحتجاج ـ للشيخ أحمد بن علي الطبرسي ٢ / ٢٣

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ـ للطبري ٤ / ٢٥٠

٣ ـ توجد بين الفقرتين كلمة (قال) قد حذفناها خشية أن يتوهم القارئ الكريم من أنّ القول في الفقرة الثانية هو للإمام الحسين (عليه السّلام) ، والصحيح ما أثبتناه (راجع الكامل في التاريخ ـ لابن الأثير ٤ / ١٥) [موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)]

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ـ للطبري ، أحداث سنة(٦٠) ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢

٥ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٢٥٣

٦ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤

٧ ـ المصدر نفسه

٨ ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٣٢٥

٩ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ٤ / ٤٨٠ ، دار الهدى الوطنية ، بيروت

١٠ ـ المصدر نفسه

١١ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٤٨١

١٢ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٤٩٢

١٣ ـ هذه الإضافة منّا للتوضيح [موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)]

١٤ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ‏٤/٤٨٩

١١٧

ـــــــــــــــــــــــ

١٥ ـ المصدر نفسه ٤ / ٤٨٩

١٦ ـ المصدر نفسه ٥ / ٤٩٥

١٧ ـ تاريخ الطبري ‏٤ / ٢٨٩

١٨ ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٣٢٨ ، معهد تحقيقات باقر العلوم ، دار العروق قم ، ومقتل الحسين للخوارزمي الجزء الثاني

١٩ ـ البداية والنهاية ـ لابن كثير ٤ / ٦٨٧

٢٠ ـ الأمالي / ٩٣ ، نفس المهموم ـ للشيخ عباس القمي / ٩٨

٢١ ـ تاريخ الطبري ‏٤ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥

٢٢ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٣٠٥

٢٣ ـ البداية والنهاية ـ لابن كثير ٤ / ٧٣٠

٢٤ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٧٣١

٢٥ ـ المصدر نفسه

٢٦ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٧٣٢

٢٧ ـ المصدر نفسه

١١٨

وفي رواية عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السّلام) أنّه قال : (( إنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) قال : يا بُني إنّك ستُساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبييون وأوصياء الأنبياء ، وهي أرض تُدعى عمّورا ، وإنّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألماً من الحديد ، وتلا : قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (سورة الأنبياء / ٦٩)

تكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم فابشروا ، فواللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ))

فلمّا أجمع أهل بيته وأصحابه على مواصلة الجهاد والسير إلى موضع شهادتهم قال لهم : (( فإن كنتم قد وطّنتم أنفسكم على ما وطّنت نفسي عليه فاعلموا أنّ اللّه يهب المنازل الشريفة لعباده ؛ لصبرهم على احتمال المكاره ، وإنّ اللّه وإن كان خصّني مع مَنْ مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاءً في الدنيا من المكرمات بما سهّل معها احتمال الكريهات ، فإنّ لكم شطر ذلك من كرامات اللّه

واعلموا أنّ الدنيا حلوها ومرّها حلم ، والانتباه في الآخرة ، والفائز مَنْ فاز فيها ، والشقي مَنْ يشقي فيها ، أوَ لا أُحدّثكم بأوّل أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ، والمعتصمين بنا ؛ ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون ؟ ))

قالوا : بلى يابن رسول اللّه

قال : (( إنّ اللّه خلق آدم واستواه ، وعلّمه أسماء كلّ شي‏ء وعرضهم على الملائكة ، جعل محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم ، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش ، فأمر الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له ؛ لأنّه قد فضّله بأن جعله وعاءً لتلك الأشباح التي قد عمّت أنوارها الآفاق ، فسجدوا إلاّ إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمته ، وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت ، وقد تواضعت لها الملائكة واستكبر وترفّع ، وكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين ))

١١٩

وبات الحسين (عليه السّلام) وأصحابه في تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد ، وكان الإمام (عليه السّلام) يتلو قوله تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )(سورة آل عمران / ١٧٨) ، وفي ليلة الشهادة جلس أبو عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) يصلح سيفاً له ، وزينب (عليها السّلام) جالسه ، فأنشد :

يا دهرُ أفٍّ لكَ من خليل كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ

من صاحبٍ وطالبٍ قتيل والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ

وإنّما الأمر إلى الجليل وكلُّ حيٍّ سالكٌ السبيلِ

ففهمتها زينب (عليها السّلام) ، فلم تملك نفسها ؛ فوثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتى انتهت إليه ، فقالت : واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين

فنظر إليها الحسين (عليه السّلام) قائلاً : (( يا أختي ، لا يذهبنَّ بحلمك الشيطان ))

وترقرقت عيناه بالدموع ، وقال : (( لو تُرك القطا ليلاً لنام ))

فقالت : يا ويلتاه ! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي

ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيّاً عليها

١٢٠