الإسلام محمدي الوجود ... حسيني البقاء

الإسلام  محمدي الوجود ... حسيني البقاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 49

  • البداية
  • السابق
  • 49 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17737 / تحميل: 4496
الحجم الحجم الحجم
الإسلام  محمدي الوجود ... حسيني البقاء

الإسلام محمدي الوجود ... حسيني البقاء

مؤلف:
العربية

الإسلام

محمدي الوجود حسيني البقاء

محاضرات

الشيخ أحمد الماحوزي

تدوين وتقرير

السيد مصطفى المزيدي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

( الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء )

مقولة مشهورة ومتداولة عند المؤمنين ، وكون الإسلام محمدي الوجود ممّا لاشك ولا ريب فيه ، ومن البديهيات المتّفق عليها عند كافة أهل الإسلام ، وغيرهم من بقيّة الأديان السماوية وغير السماوية ، أمّا القول ببقاء الإسلام واستمراريته بسبب الحسين (عليه السّلام) وتضحيته فهذا ممّا يحتاج إلى دليل وبرهان

فيا ترى هل ما يعتقده المؤمنون من أنّه لولا الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ولولا مواقفه وشهادته في كربلاء لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ومن الدين إلاّ رسمه ، ولكان الإسلام اليوم كبقية الأديان السماوية الأخرى ـ اليهودية والمسيحية ـ ليس لها تطابق مع دين الكليم موسى والمسيح عيسى (عليهما السّلام) إلاّ في الاسم ودعوى الانتساب إليهما ؟

٣

فهل هذه الكلمة ( الإسلام محمدي الوجود ، وحسيني البقاء ) كلمة حبّ وعاطفة أطلقها عشّاق ومحبّي الإمام الحسين (عليه السّلام) ، أم أنّها كلمة لها واقع حقيقي ؟

إذ لعلّ إنسان يتساءل ويقول : كثير من المذاهب الإسلامية لا تنظر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) على أنّه إمام مفترض الطاعة ، كما ينظر إليه المؤمنون ، ومع ذلك فإنّها متمسّكة ظاهراً بالدين وبدستور الإسلام الخالد ( القرآن الكريم ) ، فالإسلام مستمر وباق حتى لو لم يُقتل الإمام الحسين في كربلاء ، بل حتى لو لم يولد الإمام الحسين (عليه السّلام)

إلاّ إنّا نصرّ ونقول :

إنّه لو لم يكن الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ولو لم تكن واقعة كربلاء لكان الإسلام اسمه موجود وحقيقته مفقودة ، ولأصبح كبقيّة الأديان السماوية الموجودة الآن ليس له من الحق إلاّ الاسم ، وأنّ مقولة ( الإسلام حسيني البقاء ) لها واقع حقيقي ملموس ممتدّ من قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( حسين منّي وأنا من حسين ))(١)

ــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ، ورواه في التاريخ الكبير ٤ / ٤١٥ ، مسند الإمام أحمد ٤ / ١٧٢ ، سنن ابن ماجه ، سنن الترمذي ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٧ ، ولمعرفة دلالة الحديث راجع ما ألقيناه تحت عنوان ( علي منّي وأنا منه )

٤

ولتوضيح ذلك نقول : هناك طائفة من البشر يعتنقون المسيحية ، وطائفة أخرى يعتنقون اليهودية ، ويزعمون أنّها المسيحية التي جاء بها عيسى ، واليهودية التي أنزلت على موسى (عليهما السّلام) ، ولكنّ الواقع يشهد على أنّ المسيحية واليهودية الموجودة الآن لا تشكّل أكثر من ٥% ممّا كانت عليه عند موسى وعيسى (عليهما السّلام) ، بل لعلّه أقل من هذه النسبة

وليس الكلام ـ في مقامنا هذا ـ في اسم المسيحية واليهودية وبعض الأمور الاعتقادية الضئيلة والقليلة والأحكام المتفرّعة على ذلك ، وإنّما الكلام في الطابع العام لهذا الدين أو ذاك ، فالطابع العام لليهودية والمسيحية الموجودتان الآن لا يمتّ بصلة إلى المسيحية واليهودية التي جاء بها عيسى وموسى (عليهما السّلام) ، لا في الاعتقاد ، ولا في الطقوس العبادية

أمّا الإسلام الآن ـ الموجود لدى المذاهب الإسلامية ـ طابعه العام ينطبق مع الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

نعم ، لا ينطبق عليه بحذافيره ، ولكنّه في الأعم الأغلب وفي أكثر الأحكام يتطابق معه ، فما عند المسلمين اليوم بكافّة فرقهم كثير منه مؤسس من قبل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

وهذه حقيقة واضحة لا يمكن التغافل والغفلة عنها وهو سرّ خلود الإسلام

٥

إلى يوم القيامة ، فهو خالد بهذه الفرق الإسلامية التي تشكّل بمجوعها ٥٠% إلى ٧٠% تقريباً(١) من الدين الذي جاء به النبي الأُمّي (صلّى الله عليه وآله) ، وخالد على نحو الحقيقة والواقعية بتلك الطائفة التي لا تزال على الحق ، وظاهرة به إلى يوم القيامة(٢) ، والتي تشكّل الإسلام والإيمان صورة وقالباً

ـــــــــــــــــــــــ

(١) وهذا بفضل الحسين (عليه السّلام) ولولاه ـ كما سيأتي ذكره ـ لكان شأن هذه المذاهب شأن المذاهب المسيحية لا تشكّل من دين المسيح (عليه السّلام) إلاّ الاسم ودعوى الانتساب

(٢) ففي الحديث المستفيض (( لا تزال طائفة من أُمّتي يُقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة )) ، راجع : صحيح البخاري ٤ /٢٥٣ كتاب المناقب باب ٢٨ ، صحيح مسلم ١ / ١٣٧ كتاب الإيمان باب نزول عيسى (عليه السّلام) ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ٢ / ٤٧١ ، صحيح سنن ابن ماجه ـ للألباني ١ / ٦ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٨٥ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٧٥٦ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ للألباني ٤ / ٥٧١

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عن جابر ، وأبي أُمامة ، وثوبان ، وزيد بن أرقم ، ومعاوية بن قرّة ، وجابر بن سمرة ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومسلمة ، والمغيرة ، وعمران بن الحصين ، راجع المسند ٢ / ٣٢١ ، ٣٤٠ ، ٣٧٩ ، ٥ / ٣٤٥ ، ٣٨٤ ، ٤ / ٩٣ ، ٩٧ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٢٥٢ ، ٣٦٩ ، ٤٢٩ ، ٤٣٤ ، ٤٣٧ ، ٥ / ٣٤ ، ٣٥ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٨ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩

وفي بعض الروايات : (( ناس من أُمّتي )) ، وبعضها الآخر كما في صحيح البخاري : (( أُمّة قائمة بأمر الله لا يضرّهم مَنْ خذلهم ، ولا مَنْ خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك )) ، وفي بعضها الثالث : (( لن يبرح الدين قائماً ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة )) ، ( والطائفة ، والعصابة ، والأُمّة ، وناس ) فيها دلالة على أنّ الدين لا يزال قائماً بفئة قليلة من الناس لا بالأغلبية من المسلمين

٦

إذا عرفت ذلك نقول : لولا الإمام الحسين (عليه السّلام) لكان إسلام بقيّة المذاهب والفرق إسلاماً طابعه العام لا يتلاءم مع الإسلام الواقعي والحقيقي الذي جاء به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، بل ليس له من الإسلام الواقعي إلاّ الاسم وزعم الانتساب ، كما هو شأن اليهودية والمسيحية

مصادر التشريع

ولبلورة المطلب واتّضاحه نمهّده بمقدّمة ، فنقول :

لا شك أنّ مبدأ انحراف الأديان قاطبة هو الانحراف في مصادر التشريع في كلّ دين ، فما من دين إلاّ وله مصادر التشريع خاصّة به يُستنبط منها عباداته ومعتقداته ، وترك هذه المصادر أو استحداث مصادر أُخرى لم يقرّها هذا الدين أو ذاك ، هو منشأ وبداية الانحراف والابتعاد عن الدين ، بل الاختلاف في منابع المعرفة والتشريع هو منشأ كلّ الاختلاف والتنازع الفكري والثقافي والعقائدي بين بني البشر

فمن باب التوضيح : هناك خلاف بين البشر قاطبة في مصادر المعرفة ، هل هي العقل ، أو الحس ، أو التجربة ، فهناك مذهب ومدرسة عقلية صرفة ، وهناك مدرسة ثانية حسّية صرفة ، وهناك مدرسة ثالثة تجريبية صرفة ، وهناك مدرسة رابعة تعتبر كلّ هذه

٧

المنابع مصادر للمعرفة مع اختلاف في متعلق المعرفة ؛ فبعض المعارف لا سبيل لمعرفتها إلاّ بالعقل ، وبعضها الآخر لا طريق لاستيعابها إلاّ عن طريق الحس ، وبعضها الثالث لا يعرف إلاّ عن طريق التجربة

وبما أنّ هذه المدارس تختلف في مصادر المعرفة ومنابع التشريع ، فيتفرّع على هذا الاختلاف ، الاختلاف والتباين في العقيدة والسلوك العبادي ، وهذا واضح لا غبار عليه ؛ إذ بداية الخلاف بين المدارس يرجع إلى الخلاف في مصادر المعرفة كما ذكرنا

وهذا الخلاف أيضاً جارٍ بين المسلمين في مصادر المعرفة المرتبطة بالدين والإسلام ، فالكتاب والسُنّة مجمع على كونهما من مصادر المعرفة والتشريع عند الجميع ، وهنالك خلاف في كون : سنة أهل البيت (عليهم السّلام) ، وسنة الصحابي ، والقياس ، والمصالح المرسلة ، وسد الذرائع ، والاستحسان ، مصادر للمعرفة والتشريع الإسلامي

وباختلاف المصادر تختلف الأحكام ؛ سواء المرتبطة بالجانب العقائدي ، أو المرتبطة بالأحكام الفرعية ـ العبادات والمعاملات ـ

٨

فمَنْ جعل أهل البيت (عليهم السّلام)(١) مصدراً للمعرفة والتشريع تختلف عقائده وممارساته عمّنْ لم يجعلهم (عليهم السّلام) مصدراً لذلك

ومَنْ جعل قول وفعل وتقرير الصحابي ـ مهما كانت صحبته مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ مصدراً للمعرفة والتشريع ، تختلف عقائده وممارساته عمّنْ لم يجعلهم مصدراً للمعرفة والتشريع(٢)

ولكن ، هذا الخلاف كما أشرنا إليه بشكل موجز لا يؤدّي إلى غياب الطابع العام للإسلام(٣) ، بل يبقى الطابع العام طابعاً إسلامياً نعم ، الإسلام بمعناه الحقيقي لا يوجد إلاّ في طائفة واحدة المشار

ــــــــــــــــــــ

(١) كما هو مقتضى الأدلة الكثيرة والمعتبرة والواضحة ، كحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغيرهما

(٢) ولذلك ذهب أغلبية المسلمين ـ تبعاً للخليفة عمر بن الخطاب ـ إلى أنّ قول الرجل لزوجته : أنت طالق طالق طالق ، في مجلس واحد هو طلاق ثلاثي بحاجة إلى محلّل ، خلافاً لقوله تعالى : ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) ، ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وخلافاً لسُنّة الرسول وسيرة أبي بكر ، وستأتي تتمّة لذلك فانتظر

(٣) مع ملاحظة الجهود التي بذلها سيّد المتّقين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في تصحيح سيرة الخلفاء بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وإرشاد بقيّة الصحابة والتابعين إلى مصادر التشريع الحقّة ، حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب في مواقف كثيرة : ( لولا علي لهلك عمر ) ، ( لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن )

٩

إليها في قوله (صلّى الله عليه وآله) المتقدّم : (( لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين على الحق ))

الأئمّة المضلّون

نعم ، الذي يمحق الإسلام محقاً ، ويمحي تعاليمه وسننه هو اتّخاذ الأئمّة المضلّين فقط ، وجعلهم حجّة على الدين ومصادر للمعرفة والتشريع ، فهذا ما يُخاف به على الإسلام ، وهذا ما حذّر منه الإسلام والقرآن في عدّة من البيانات والآيات

من تلك الآيات التي تشير إلى هذا الخطر الكبير :

قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )(١)

قال الإمام الصادق (عليه السّلام) في تفسير الآية : (( أما والله ، ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ؛ ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً ؛ فعبدوهم من حيث لا يشعرون))(٢)

ـــــــــــــــــ

(١) سورة التوبة / ٣١

(٢) الكافي ١ / ٥٤٣ ، المحاسن / ٢٤٦

١٠

قال الرازي : الأكثرون من المفسرين(١) قالوا : ليس المراد من الأرباب أنّهم اعتقدوا فيهم أنّهم آلهة العالم ، بل المراد أنّهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم

نُقل أنّ عدي بن حاتم كان نصرانياً ، فانتهى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقرأ سورة براءة ، فوصل إلى هذه الآية ، قال : فقلت : لسنا نعبدهم ؟

فقال (صلّى الله عليه وآله) : (( أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ؟! ))

فقلت : بلى

قال : (( فتلك عبادتهم))(٢)

وقال الربيع : قلت لأبي العالية ـ عامر الشعبي ـ : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ فقال : إنّهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان ، فكانوا يأخذون بأقوالهم ، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله

قال : قال شيخنا ومولانا خاتمة المحقّقين والمجتهدين ( رضي الله عنه ) : قد شاهدت جماعة من مقلّدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل ، وكانت مذاهبهم

ــــــــــــــــ

(١) تفسير الطبري ١٠ / ٨٠ ، الكشّاف ـ للزمخشري ٢ / ١٨٥ ، تفسير القرطبي ٨ / ١٢٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٣٤٨ ، الدر المنثور ٤ / ١٧٤

(٢) أخرجه ابن سعد وعبد حميد والترمذي وحسّنه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه ، راجع الدر المنثور ٤ / ١٧٤

١١

بخلاف تلك الآيات ، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها ، وبَقوا ينظرون إليّ كالمتعجّب ، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أنّ الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ، ولو تأمّلت حقّ التأمّل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا(١)

أمّا الأحاديث المحذّرة من الأئمّة المضلّين فكثيرة جدّاً :

منها : ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّما أخاف على أُمّتي الأئمّة المضلّين ))(٢)

فالخطر الذي يُخاف منه على الإسلام هو : أن يُصبح كلّ مَنْ تسلّم زمام الأمور السياسية والإدارية للمسلمين قوله وفعله وتقريره حجّة ، كحجّية قول وفعل وتقرير الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، فيُصبح مصدراً من مصادر التشريع ، وهذا ما حصل

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٦ / ٣٧

(٢) سنن الترمذي ٤ / ٥٠٤ ، كتاب الفتن ، وقال : حديث حسن صحيح ، المستدرك ٤ / ٤٤٩ ، وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وقد روى الحديث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء كلّ من : أبو داود في السنن ٤ / ٩٧ ، أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٤٢ ، ٥ / ١٤٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨٤ ، ٦ / ٤٤١ ، ابن ماجه في السنن ٢ / ١٣٠٤ ، والدارمي في السنن ١ / ٧٠ ، وصحّح الحديث الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣ / ٨٠١ ، وصحيح سنن ابن ماجه ٢ / ٣٥٢

١٢

بالفعل لدى المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة(١)

إذ أنّ بعض المسلمين ـ بل كثير منهم ـ يأخذون عقائدهم من الواقع المعاش ، فبما أنّ أبا بكر أوّل مَنْ جاء بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي ، فأبو بكر عندهم أفضل الصحابة ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي ، ولو أنّ معاوية لم يحارب علياً (عليه السّلام) لكان بعد علي (عليه السّلام) في الأفضلية

فتربى المسلمون على قبول كلّ ما يصدر من الخلفاء بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأصبحت أقوالهم وأفعالهم حجّة ودليلاً على الحكم الشرعي والاعتقادي ، حتى معاوية بن أبي سفيان الذي هو طليق بإجماع المسلمين قوله حجّة عند عدّة من المسلمين(٢)

ــــــــــــــــ

(١) وسُنّة الصحابي تارة تكون حجّة بلحاظ أنّها طريق إلى سُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأُخرى تكون حجّة بما هي هي ، فعلى الأوّل تكون الحجّية طريقية وعلى الثاني تكون الحجّية موضوعية ، والحجّية الموضوعية هي أن يكون الشيء بنفسه حجّة يجب التعبّد به كحجّية الكتاب ، والحجّية الطريقية هي أن يكون الشيء طريقاً إلى الحجّة وكاشف عنها ، وليس الخلاف بين المسلمين في سُنّة الصحابي من كونها حجّة طريقية ، وإنّما الخلاف في كونها حجّة موضوعية

(٢) وهؤلاء لم يفرّقوا بين كون الصحابي عدل وثقة وبين كونه مصدراً للتشريع ؛ إذ كونه ثقة لا يستلزم حجّية أقواله وأفعاله ، فقد يخطأ وقد يغفل وقد ينسى ، والشاهد عليه اختلاف سيرة الشيخين أبي بكر وعمر

١٣

بدع مستحدثة

ودلالة على ما نقول نذكر عدّة من الموارد التي غيّر فيها بعض الخلفاء من الصحابة سُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأتبعهم السواد الأعظم والأكثر من المسلمين إلى اليوم

البدعة الأولى : الطلقات الثلاث

روى مسلم بسنده عن ابن عباس قال : كان الطلاق في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم(١) ، وهو إلى اليوم ممضى خلافاً لسُنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(٢)

البدعة الثانية : التثويب في الأذان(٣)

روى الترمذي عن مجاهد قال : دخلت مع عبد الله بن عمر

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ٢ / ١٠٩٩ ، كتاب الطلاق ، باب طلاق الثلاث ، سنن أبي داود ٢ / ٢٦١ ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ٢ / ٤١٥ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٧١٨

(٢) نعم ، رجعت مشيخة الأزهر في هذه الأعصار إلى كتاب الله وسُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والاقتداء بأهل البيت ، وتركوا سُنّة الخليفة عمر بن الخطاب ، فجعلوا الطلقات الثلاث بصيغة واحد طلقة واحدة

(٣) وهو قول المؤذّن ( الصلاة خير من النوم )

١٤

مسجداً وقد أذّن فيه ونحن نريد أن نصلّي فيه فثوّب المؤذّن ؛ فخرج عبد الله بن عمر من المسجد ، وقال : اخرج بنا من عند هذا المبتدع ، ولم يصلِّ(١)

وأوّل مَنْ ثوّب في الأذان وأمر به هو الخليفة عمر بن الخطاب ، فقد أخرج مالك في الموطأ أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر يؤذِنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح(٢)

وروى عبد الرزاق بسند متّصل عن عمر بن حفص قال : أنّ سعداً ـ ابن القرظ مؤذّن عمر ـ أوّل مَنْ قال : الصلاة خير من النوم ، في خلافة عمر ، فقال : بدعة ، ثمّ تركه ، وأنّ بلال لم يؤذّن لعمر(٣)

قال الشوكاني : وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أنّ التثويب بدعة ، قال في البحر : أحدثه عمر ، فقال ابنه : هذه بدعة ، وقال علي (عليه السّلام) حين سمعه : (( لا تزيدوا في الأذان ما ليس

ــــــــــــــــــ

(١) سنن الترمذي ١ / ٣٨١ ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ١ / ١٠٨ ، السنن الكبرى ١ / ٤٢٤

(٢) الموطأ / ٤٢ ح ١٥١ ، وراجع المصنّف ـ لابن أبي شيبة ١ / ١٨٩ ح ٢١٥٩ ، سنن الدارقطني ١ / ٢٤٣

(٣) المصنّف ١ / ٤٧٣ رقم ١٨٢٩

١٥

منه))(١)

وقال ابن أبي ليلى : ما ابتدعوا بدعة أحبّ إليّ من التثويب في الصلاة ، يعني العشاء والفجر(٢)

وروى ابن أبي شيبة في المصنّف بسنده عن الأسود بن يزيد أنّه سمع مؤذّناً يقول في الفجر : ( الصلاة خير من النوم ) ، فقال : لا يزيدون في الأذان ما ليس منه

وقد استمرت هذه البدعة إلى الآن ، قال السرخسي : أمّا المتأخّرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات ؛ لأنّ الناس قد ازدادت بهم الغفلة ، وقلّما يقومون عند سماع الأذان ، فيستحسن التثويب للمبالغة في الإعلام(٣)

البدعة الثالثة : الصلاة بمنى تماماً

روى الشيخان وغيرهما بسندهم إلى عبد الرحمن بن يزيد قال : صلّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) فاسترجع(٤) ، ثمّ قال : صلّيت

ـــــــــــــــــ

(١) نيل الأوطار ٢ / ٣٨

(٢) المصنّف ـ لابن أبي شيبة ١ / ١٩٠ ح ٢١٧٠ ، بسند صحيح عن وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصفهاني عن ابن أبي ليلى

(٣) المبسوط ١ / ١٣١

(٤) أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا يُقال ذلك إلاّ لمصيبة ، ولا مصيبة

١٦

مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمنى ركعتين ، وصلّيت مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصلّيت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(١)

البدعة الرابعة : تحريم نكاح المتعة

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمر بن حريث(٢)

وقد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء وأبو هلال العسكري في كتاب الأوائل تحريم عمر للمتعة(٣)

البدعة الخامسة : تحريم متعة الحج

روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال : أُنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

ــــــــــــــــ

==

أعظم من مصيبة الدين

(١) صحيح البخاري ١ / ٣٢٥ تقصير الصلاة ، صحيح مسلم ١ / ٤٨٣ صلاة المسافرين ، صحيح سنن ابن داود ١ / ٣٦٩

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٣ كتاب النكاح باب ١٣ ، مسند أحمد ٣ / ٣٨٠ ، ٤ / ٤٢٩ ، ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، فلو أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) نهى عنها لما خفي ذلك على جابر وهو الحافظ لتراث النبي (صلّى الله عليه وآله) والمدمن صحبته

(٣) تاريخ الخلفاء / ١٠٨ ، الأوائل ١ / ٢٤٠

١٧

ولم ينزل قرآن يحرّمها ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء(١)

وروى بسنده عن مروان قال : شهدت عثمان وعلياً (عليه السّلام) وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجّة ، قال : (( ما كنت لأدع سُنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لقول أحد))(٢)

البدعة السادسة : صلاة التراويح

روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنّه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نِعْمَ البدعة هذه(٣)

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ / ٣٣ ، كتاب التفسير سورة البقرة ، والرجل الذي يقصده الصحابي عمران هو الخليفة عمر بن الخطاب

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١٧٥ كتاب الحج باب التمتع والإقران ، سنن النسائي بشرح السيوطي ٥ / ١٤٨

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٥٩٥ ، الموطأ / ٥٩ ح ٢٤٧

١٨

هذا وقد روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي ومالك وأحمد وغيرهم بأسانيدهم عن زيد بن ثابت : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اتّخذ حجرة ـ قال : حسبت أنّه قال : من حصير ـ في رمضان ، فصلّى فيها ليالي ، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه ، فلمّا علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : (( قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ؛ فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة ))(١)

فمع هذا المنع من الرسول (صلّى الله عليه وآله) نجد حرص الناس والسواد الأكثر من المسلمين على اتّباع سُنّة الخليفة عمر وترك سُنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله)(٢) ، وحينما حاول الإمام علي (عليه السّلام) المنع من هذه الصلاة ارتفعت العقائر ( وا سُنّة عمراه ) فتركهم لشأنهم

إحداث الصحابة

وقد تواترت الأحاديث عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

ــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ١ / ٢٢٨ كتاب الأذان ب ٨١ ح ٧٣١ ، صحيح مسلم ١ / ٥٣٩ صلاة المسافرين ب ٢٩ ح ٧٨١ ، سنن الترمذي ٢ / ٣١٢ ح ٤٥٠ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧٤ ح ١٠٤٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٧ ، مسند أحمد : ح ٢١٦٦٥ ، ٢١٦٨٦ ، ٢١٧٠٩ تحقيق أحمد شاكر ، الموطأ / ٦٦ ح ٢٨٨

(٢) وهي القيام بأداء النوافل في البيت لا جماعة في المسجد

١٩

بأنّ عدداً غير قليل من الصحابة سوف يُحدثوا في الدين ما ليس منه

من هذه الروايات :

ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ في حديث ـ قال : (( ألا وإنّه يُجاء برجال من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيُقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ))(١)

وما رواه البخاري عن أبي هريرة أنّه كان يُحدّث أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : (( يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُحلؤون(٢) عن الحوض ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري ))(٣)

وما رواه مسلم وأحمد عن عبد الله قال : قال رسول الله (صلّى

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ / ٦٩ كتاب التفسير ، سورة المائدة / ١٢٢ سورة الأنبياء / ١٣٦ كتاب الرقاق ب ٤٥ ، صحيح مسلم ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة ب ١٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢١ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٤٤٩ ، مسند أحمد ١ / ٢٣٥ ، ٢٥٣

(٢) أي يبعدون عن الحوض

(٣) صحيح البخاري ٨ / ١٥٠ كتاب الرقاق باب في الحوض

٢٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين، ولاسيّما بقيّة الله في الأرضين، واللّعنة الدّائمة على أعدائهم أجمعين.

النسخ التي استفدنا منها في الربع الأوّل من التفسير

١ - نسخة موجودة في جامعة طهران، برقم ١٤، ورمزها (أ).

٢ - نسخة إلى آخر سورة المائدة، كتبت في حياة المؤلّف، بل في نفس سنة تأليف الكتاب.

وكانت هذه النسخة ضمن مخطوطات الأستاذ الشانه‌چي، ثمّ نقلت إلى مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة في مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام وهي الأصل.

٣ - نسخة أخرى إلى نهاية سورة المائدة أيضا، نسخت هي الأخرى في نفس سنة التأليف. محفوظة في المكتبة المركزيّة بجامعة طهران، برقم ٧٣٥٣، ورمزها (ر).

ولا بدّ من توضيح مسألة: وهي أنّ متن النسخة ٢ (الأصل)، هو نفسه في النسخة ١ (أ)، مع شيء من الاختلاف في العبارات والمواضع التي حذفت وأبدلت بغيرها في الحاشية.

وقد كانت هذه الحواشي تذيّل بعبارات مثل: منه، منه سلّمه الله، منه دام ظلّه العالي، منه أدام الله بقائه، أو "صح".

ويلاحظ في الحاشية كلمات: «بلغ» و «بلغ قبالا».

وفي الواقع، فإنّ النسخة (٣)، هي عين النسخة (٢) التي توجد التصحيحات

٢١

والحواشي في متنها.

أمّا الإختلاف الموجود بين النسخة الأولى (أ)، والنسختين الأخريين، فهو يوضح أنّ نسخة التأليف الأوّل هي نفسها، ولكن، وبعد إنهاء الربع الأوّل من التفسير، أدعى المفسّر النظر فيها وأدخل عليها بعض التصحيحات وأكملها.

كان ذلك بعدما تداولت الأيدي النسخة غير المصحّحة واستنسختها. حيث بقيت على تلك الحال.

وعلى هذا الأساس، جعلت النسخة ٢، التي تمّ تصحيحها من قبل المفسّر، أصلا.

وخلال التحقيق في سائر النسخ الموجودة، التي تحتوي على الربع الأوّل، لوحظ أنّ النسخة المرّقمة (٢٣٤٨) الموجودة في مكتبة آية الله المرعشي - دام ظلّه - ، مطابقة لنسخة جامعة طهران برقم (١٤). وجميع النسخ - مع الأخذ بنظر الاعتبار المتن والحاشية - مطابقة للنسخة الأصل.

ولا بدّ من القول: إننا قد اعتمدنا في حلّ غوامض النسخة الأصل، على نسخة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم (١٢٠٧٣).

حسين الدّرگاهي

٢٢

سورة آل عمران

٢٣
٢٤

سورة آل عمران(١)

في كتاب ثواب الأعمال(٢) : بإسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ البقرة وجاء(٣) يومالقيامة يضلّانه(٤) على رأسه مثل الغمامتين، أو مثل الغيابتين. [مدنيّة وآيها مائتان].(٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ألم ) (١): قد مرّ بعض إشاراته في أوّل سورة البقرة.

وفي كتاب معاني الأخبار(٦) : بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصادقعليه‌السلام ، في حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وأمّا «الم» في أوّل فمعناه أنا الله المجيد.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) خيثمة الجعفيّ، عن أبي لبيد(٨) المخزوميّ قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا أبا لبيد انّه يملك من ولد عبّاس(٩) اثنا عشر(١٠) ، يقتل بعد الثّامن منهم أربعة ،

__________________

(١) يوجد في أبعد «سورة»: مدنية وآيتها مائتان.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٠، ح ١.

(٣) المصدر: جاءتا.

(٤) المصدر: تضلّانه.

(٥) ليس في أ.

(٦) معاني الأخبار / ٢٢ ضمن ح ١. وفي أ: ثواب الأعمال.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٣.

(٨) النسخ: «خيثمة الجعفري حدّثني أبو لبيد» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٩) المصدر: ولد العباس.

(١٠) النسخ: «اثنى عشرة.» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٢٥

يصيب(١) أحدهم الذّبحة فتذبحه، هم فئة(٢) قصيرة أعمارهم قليلة مدّتهم خبيثة سيرتهم [منهم](٣) الفويسق الملقّب بالهادي، والنّاطق والغاوي، يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلماً جمّا، إنّ الله - تبارك وتعالى - أنزل( الم ذلِكَ الْكِتابُ ) فقام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد(٤) يوم ولد وقد مضى من الألف السّابع مائة سنة وثلاث سنين، ثمّ قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطّعة، إذا عدّدتها من غير تكرار، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّام إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه، ثمّ قال: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدء(٥) خروج الحسين بن عليّعليه‌السلام الم الله، فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عبد «المص» ويقوم قائمنا عند انقضائها «بالر» فافهم ذلك وعه واكتمه.

وإنّما فتح الميم في المشهورة، وكان حقّها أن يوقف عليها، لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدلّ على أنّها في حكم الثّابت، لأنّها أسقطت للتّخفيف لا للدّرج، فإنّ الميم في حكم الوقف، كقولهم: واحد اثنان، لا لالتقاء السّاكنين، فإنّه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم يحرّك في لام.

وقرئ بكسرها، على توهّم التّحريك لالتقاء السّاكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها، والابتداء بما بعدها على الأصل(٦) .

( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (٢):(٧) : قد مرّ تفسيره فلا حاجة إلى تكريره.

( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ) ، أي: القرآن منجما،( بِالْحَقِ ) : بالعدل، أو بالصّدق في أخباره، أو بالحجج المحقّقة أنّه من عند الله. وهو في موضع الحال عن المفعول.

( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) : من الكتب.

__________________

(١) المصدر: فتصيب.

(٢) النسخ: «فتنة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) النسخ: «ولده». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) هكذا في أ. وفي الأصل ورو المصدر: بدو.

(٦) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٤٨.

(٧) البقرة ٢٥٥.

٢٦

( وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) (٣)(١) جملة على موسى وعيسى.

في أصول الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: [سألته عن قول الله - عزّ وجلّ - :( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :](٣) نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل(٤) في طول عشرين سنة، ثمّ قال: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وآله: نزلت(٥) صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التّوراة لستّ مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت(٦) من شهر رمضان، وأنزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، [وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفي الكافي(٧) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أنزلت(٨) التّوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل(٩) الإنجيل في اثنا عشر(١٠) ليلة من شهر رمضان، وأنزل(١١) الزّبور في ليلة ثمانية عشرة مضت من شهر رمضان](١٢) وأنزل(١٣) القرآن في ليلة القدر.

قيل(١٤) : التّوراة مشتقّة من الورى، الّذي هو إخراج النار من الزناد، سمّي بها لإخراج نور العلم منه. والإنجيل من النّجل، بمعنى: الولد، سمّي به لأنّه يتولّد منه النّجاة.

ووزنهما تفعلة وإفعيل، وهو تعسّف لأنّهما اسمان أعجميّان، يؤيّد ذلك أنّه قرئ الإنجيل بفتح الهمزة، وهو ليس من أبنية العرب.

__________________

(١) آل عمران، ٣.

(٢) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.

(٣) ما بين المعقوفتين يوجد في المصدر.

(٤) النسخ: «نزلت». وما في المتن موافق المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: نزل.

(٦) ليس في ر.

(٧) نفس المصدر ٤ / ١٥٧، ح ٥.

(٨) المصدر: نزلت.

(٩) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: أنزل.

(١٠) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: اثنتي عشرة.

(١١) المصدر: نزل.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٣) المصدر: نزل.

(١٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٨.

٢٧

( مِنْ قَبْلُ ) : تنزيل القرآن.

( هُدىً لِلنَّاسِ ) ، أي: لكلّ من أنزل عليه( وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) :

قيل(١) : يريد به جنس الكتب الإلهيّة، فإنّها فارقة بين الحقّ والباطل، ذكر ذلك بعد [ذكر](٢) الكتب الثّلاثة ليعمّ ما عداها [كأنّه قال: وأنزل سائر ما يفرّق به بين الحقّ والباطل، أو الزّبور](٣) أو القرآن. وكرّر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما وإظهارا لفضله، من حيث أنّه يشركهما في كونه وحيا منزّلا، ويتميّز بأنّه معجز، يفرّق به بين المحقّ والمبطل أو المعجزات.

ويحتمل أن يكون المراد به محكمات القرآن، أفردها لزيادة شرفها ونفعها.

وفي أصول الكافي(٤) : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو غيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد.

فقالعليه‌السلام : القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته(٦) عن قول الله:( الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) .

قال: هو كلّ أمر محكم، والكتاب هو جملة القرآن الّذي يصدّق فيه من كان(٧) قبله [من](٨) الأنبياء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وروى مثل ما في تفسير العيّاشيّ.

وفي كتاب علل الشّرائع(١٠) : بإسناده إلى أبي عبد الله [بن يزيد قال: حدّثني يزيد](١١)

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤٨.

(٢ و ٣) يوجد في المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٦٣٠، ح ١١.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ١٦٢، ح ١.

(٦) «قال سألته» ليس في المصدر.

(٧) المصدر: «كتاب» بدل «كان».

(٨) يوجد في المصدر.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٩٦.

(١٠) علل الشرائع / ٤٧٠، صدر ح ٣٣.

(١١) يوجد في المصدر.

٢٨

ابن سلام أنّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: لم سمّي الفرقان فرقانا؟

[قال :](١) لأنّه متفرّق الآيات والسّور أنزلت في غير الألواح، وغيره من الصّحف(٢) والتّوراة والإنجيل والزّبور أنزلت(٣) كلّها جملة في الألواح والورق.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الصّحيفة السّجّاديّة في دعائهعليه‌السلام عند ختم القرآن(٤) : وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك.

](٥) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ ) : من كتب منزلة كانت أو غيرها،( لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ) : بسبب كفرهم. ولا شك أنّ أمير المؤمنين من أعظم آيات الله، والكافرين به والمنكرين لحقّه لهم عذاب شديد.

( وَاللهُ عَزِيزٌ ) : غالب، لا يمنع من التّعذيب،( ذُو انْتِقامٍ ) (٤): تنكيره للتّعظيم، أي: انتقام لا يقدر مثله أحد ولا يعرف كنهه أحد. والنّقمة، عقوبة المجرم. والفعل منه، نقم - بالفتح والكسر - وهو وعيد جيء به بعد تقرير التّوحيد، وإنزال الكتب والآيات لمن أعرض عنها.

( إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ) : كلّيّا كان أو جزئيّا، إيمانا أو كفرا،( فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) (٥): خصّصهما، إذ الحسّ لا يتجاوزهما، وقدّم الأرض ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى، ولأنّ المقصود ما اقترف فيها.

( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ ) :

وهو ردّ على ما ذهب إليه بعض الحكماء من وجود القوّة المصوّرة.

وقرئ: تصوّركم، أي: صوّركم لنفسه وعبادته(٦) .

( كَيْفَ يَشاءُ ) : من الصّور المختلفة، مشابها لصورة أبيه أولا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الأصل: «غير الصحف» بدل «غيره من الصحف». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) المصدر: نزلت.

(٤) الصحيفة السجادية / ٢١١، الدعاء ٤٢.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.

٢٩

وفي كتاب علل الشّرائع(١) : بإسناده إلى جعفر بن بشير، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله - تبارك وتعالى - إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كلّ صورة بينه وبين أبيه إلى آدم، ثمّ خلقه على صورة أحدهم، فلا يقولنّ أحد: هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح بن شعيب رفعه، عن عبد الله بن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أتى رجل من الأنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هذه ابنة عمّي وامرأتي، لا أعلم منها(٣) إلّا خيرا، وقد أتتني بولد شديد السّواد، منتشر المنخرين، جعد، قطط، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لامرأته: ما تقولين؟

قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما أقعدت مقعده منّي(٤) منذ ملكني أحداً غيره.

قال: فنكس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [برأسه](٥) مليّا، ثمّ رفع بصره إلى السّماء، ثمّ أقبل على الرجل فقال: يا هذا، إنّه ليس من أحد إلّا بينه وبين آدم تسعة وتسعون(٦) عرقا كلّها تضرب في النّسب، فإذا وقعت النّطفة في الرّحم اضطربت تلك العروق تسأل الشّبه(٧) لها، فهذا من تلك العروق الّتي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك.

فقالت المرأة: فرجت عنّي يا رسول الله.

محمّد بن يحيى وغيره(٨) ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمرو، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ للرحم أربعة(٩) سبل، في أيّ سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد واثنان وثلاثة وأربعة،(١٠)

__________________

(١) علل الشرائع / ١٠٣، ح ١.

(٢) الكافي ٥ / ٥٦١، ح ٢٣.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) أ: مقعدته أعنى.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) النسخ: تسعة وتسعين. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) المصدر: تسأل الله الشبهة.

(٨) الكافي ٦ / ١٧، ح ٢.

(٩) النسخ: أربع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١٠) النسخ: ثلث أربع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٣٠

ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.

عليّ بن محمّد رفعه(١) ، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله - عزّ وجلّ - خلق للرّحم أربعة أوعية، فما كان في الأوّل فللأب، وما كان في الثّاني فللأم، وما كان في الثّالث(٢) فللعمومة، وما كان في الرّابع(٣) فللخئولة. وذلك التّصوير بعد مكث النّطفة في الرّحم أربعين يوما.

يدلّ عليه ما رواه في كتاب علل الشّرائع(٤) : بإسناده إلى محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن عليّ بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: تعتلج النطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت يشبه(٥) أخواله، وإنْ كانت نطفة الرّجل أكثر جاءت يشبه(٦) أعمامه.

وقال: تحول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو الله - عزّ وجلّ - ففي تلك الأربعين قبل أن يخلق(٧) ، ثمّ يبعث الله - عزّ وجلّ - ملك الأرحام، فيأخذها فيصعد بها إلى الله - عزّ وجلّ - فيقف منه ما شاء(٨) الله، فيقول: يا إلهي أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله - عزّ وجلّ - ما يشاء.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) : إذ لا يعلم ولا يفعل جملة ما يعلمه، ولا يقدر أن يفعل مثل ما يفعله غيره.

( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٦): إشارة إلى كمال قدرته، وتناهي حكمته.

قال البيضاويّ(٩) : قيل: هذا حجاج(١٠) على من زعم أنّ عيسى كان ربّا، فإنّ وفد نجران لـمّا حاجّوا فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت السّورة من أوّلها إلى نيف وثمانين آية، تقريرا لما احتجّ به عليهم وأجاب عن شبههم.

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ) : أُحكمت عبارتها، بأن

__________________

(١) نفس المصدر ٦ / ١٧، ح ٢.

(٢) النسخ: للثالث. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) النسخ: للرابع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٤) علل الشرائع / ٩٥، ح ٤.

(٥ و ٦) المصدر: تشبه.

(٧) المصدر: تخلق.

(٨) المصدر: «حيث يشاء» بدل «ما شاء».

(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.

(١٠) النسخ: احتجاج. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٣١

حفظت من الإجمال والاشتباه.

( هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ) : أصله، يردّ إليها غيرها. والقياس أمّهات، فأفرد على تأويل واحدة، أو على أنّ الكلّ بمنزلة آية واحدة.

( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) : محتملات، لا يتّضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر.

والعلّة في ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج(١) : عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث طويل وفيه يقول: ثمّ إنّ الله - جلّ ذكره - لسبقة(٢) رحمته ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه(٣) العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تميّزه ممّن شرح الله صدره للإسلام، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأنبياؤه(٤) والرّاسخون في العلم. وإنّما فعل ذلك، لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الكتاب ما لم يجعله(٥) الله(٦) لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن(٧) ولاه أمرهم، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا(٨) وافتراء على الله، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند(٩) الله - جل اسمه - ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله

واعلم أنّ قسمين ممّا ذكر في الخبر داخل في المحكم المذكور في الآية. وأمّا قوله:( كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ) ، فمعناه: أنّها حفظت من فساد المعنى، وركاكة اللّفظ. وقوله:( كِتاباً مُتَشابِهاً ) . فمعناه: يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى، وجزالة اللّفظ. «وأخر» جمع أخرى، ولم ينصرف لأنّه وصف معدول من «الآخر» ولا يلزم معرفته، لأنّ معناه أنّ القياس أن يعرّف، ولم يعرّف لأنّه(١٠) معرّف في المعنى(١١) أو من آخر من بهذا المعنى(١٢) .

في أصول الكافي(١٣) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٧٦.

(٢) المصدر: لسعة.

(٣) أ: معرفة.

(٤) المصدر: أمناؤه.

(٥) المصدر: يجعل.

(٦) ليس في أ.

(٧) النسخ: بمن وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) النسخ: تفررا. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٩) الأصل: عاندا. وما أثبتناه في المتن موافق أ.

(١٠) الأصل: لا أنّه. وما أثبتناه في المتن موافق ر.

(١١ و ١٢) أ: الحق.

(١٣) الكافي ١ / ٤١٤، ح ١٤.

٣٢

تعالى:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ) ، قال: أمير المؤمنينعليه‌السلام والائمّة - عليهم السّلام -( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) ، قال: فلان وفلان.

وللحديث تتمّة، أخذت منه موضع الحاجة.

( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) : ميل عن الحقّ وعدول.

( فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ) : بظاهره، أو بتأويل غير منقول عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة - عليهم السّلام - أو فلان وفلان.

( ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ ) طلب أن يفتنوا أنفسهم والناس عن دينهم.

وفي مجمع البيان(١) : قيل: المراد بالفتنة هنا الكفر، وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

( وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) : طلب أن يأوّلوه(٢) على ما يشتهونه.

قيل(٣) : يحتمل أن يكون الدّاعي إلى الاتّباع مجموع الطّلبتين، أو كل(٤) واحدة منهما على التّعاقب، والأوّل يناسب المعاند والثّاني يلائم الجاهل.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة(٦) ، عن وهيب بن حفص(٧) ،](٨) عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنّة(٩) ويزجر عن النّار.

وفيه محكم ومتشابه. فأمّا المحكم فيؤمن به ويعمل به. وأمّا المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله:( فَأَمَّا الَّذِينَ ) - وقرأ إلى -( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) ، وقال(١٠) : آل محمّد الرّاسخون في العلم.

( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ) ، أي: الّذي يجب أن يحمل عليه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤١٠.

(٢) الأصل: يألوه. وما أثبتناه في المتن موافق أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.

(٤) ر: لكل. (ظ)

(٥) تفسير القمي ٢ / ٤٥١.

(٦) الأصل: الحسن بن أحمد بن سماعة. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) الأصل: وهب بن حفص. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) أ: بالخير.

(١٠) ليس في المصدر.

٣٣

( إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، أي: الّذين ثبتوا وتمكّنوا فيه.

وفي تتّمة الحديث السّابق، أنّ الرّاسخين في العلم أمير المؤمنين والأئمّة - عليهم السّلام(١) -

وفي كتاب معاني الأخبار(٢) : بإسناده إلى محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يحدّث: أنّ حييّا وأبا ياسر أبني أخطب ونفرا من يهود اهل نجران أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا(٣) له: أليس فيما تذكر فيما أنزل الله عليك الم؟

قال: بلى.

قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟

قال: نعم.

قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك وما نعلم نبيّا منهم أخبر ما(٤) مدّة ملكه وما أجل أمّته غيرك.

قال: فأقبل حييّ بن أخطب(٥) على أصحابه فقال لهم: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب ممّن يدخل في دين مدّة ملكه وأجل أمّته إحدى وسبعون سنة.

قال: ثمّ أقبل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: يا محمّد هل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: فهاته(٦) .

قال: المص.

قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون(٧) ، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فهذه مائة وواحد وستّون سنة(٨) .

__________________

(١) لا يوجد هكذا تتمة في الحديث السابق، كما أنّ الحديث السابق قد نقل هنا بتمامه ولم تبق له تتّمة لم تنقل.

(٢) معاني الأخبار / ٢٣ - ٢٤، ح ٣.

(٣) كذا في المصدر وفي النسخ: فقال.

(٤) المصدر: أخبرنا.

(٥) أ: حيّ بن أخطب.

(٦) المصدر: هاته.

(٧) يوجد في أبعد هذه العبارة: «والراء مائتان.» ووجودها خطأ أو زائدة.

(٨) النسخ: «فهذه مائة وواحد وأربعون». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٣٤

ثمّ قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: هاته.

قال: الر.

قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون(١) ، والرّاء مائتان.

[ثمّ قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :](٢) فهل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: هاته.

قال: المر.

قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون والميم أربعون والرّاء مائتان.

ثمّ قال له: هل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت. ثمّ قاموا عنه، ثمّ قال أبو ياسر لحييّ(٣) أخيه: ما يدريك، لعل محمّدا قد جمع له هذا كلّه وأكثر منه.

قال: فذكر أبو جعفرعليه‌السلام أنّ هذه الآيات أنزلت فيهم: منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات.

قال: وهي تجري في وجه آخر [على](٤) غير تأويل حييّ وأبي ياسر وأصحابهما.

أقول: وهذا الوجه هو ما مرّ، من أنّ المراد بالمحكمات والمتشابهات الأئمّة وأعداؤهم، وبعضهم وقفوا على الله وفسّروا المتشابه بما استأثره بعلمه.

( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) : استئناف موضح. لحال الرّاسخين، أو حال منهم، أو خبر إن جعلته مبتدأ.

( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) ، أي: كلّ من المحكم والمتشابه من عنده، وعلى كون المراد بالمتشابه فلان وفلان كونه من عنده، بمعنى: خلقه له وعدم جبره على الاهتداء، كما هو

__________________

(١) يوجد في أبعد هذه العبارة: «والميم أربعون والصاد تسعون هذه». وهي زائدة.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) أ: لحيّ. المصدر: للحيي.

(٤) يوجد في المصدر.

٣٥

طريقة الابتلاء والتّكليف.

( وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٧): مدح للرّاسخين، أو لمن يتذكّر أنّ العالم بالمتشابه لا يكون غير الرّاسخين، الّذين هم الأئمّة - عليهم السّلام -

[وفي شرح الآيات الباهرة(١)] (٢) روى محمّد بن يعقوب(٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن أيّوب(٤) بن الحرّ [وعمران بن عليّ، عن أبي بصير](٥) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: نحن الرّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله.

ويؤيّده ما رواه أيضا، عن عليّ بن محمّد(٦) ، عن عبد الله بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما - عليهما السّلام - في قول الله عزّ وجلّ:( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .

قال: فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الرّاسخين في العلم، قد علّمه الله - عزّ وجلّ - علم جميع ما أنزل [الله](٧) عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان [الله](٨) لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه [وكيف لا يعلمونه؟! ومنهم مبدأ العلم، وإليهم منتهاه، وهم معدنه وقراره ومأواه.

](٩) وبيان ذلك ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم(١٠) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد الله بن سليمان، عن حمران بن أعين [عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ](١١) قال: إنّ جبرئيلعليه‌السلام أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برمّانتين، فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين،

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة / ٣٥ - ٣٧.

(٢) ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٢١٣، ح ١.

(٤) أ: أبو أيوب.

(٥) ليس في النسخ.

(٦) نفس المصدر والموضع، ح ٢.

(٧ و ٨) يوجد في الكافي.

(٩) يوجد في الكافي بدل ما بين المعقوفتين: والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله بقوله:( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) والقرآن خاصّ وعامّ ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ. فالراسخون في العلم يعلمونه.

(١٠) الكافي ١ / ٢٦٣، ح ١.

(١١) يوجد في الكافي.

٣٦

فأكل نصفا وأطعم عليّا نصفا.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي هل تدري ما هاتان الرّمّانتان؟

قال: لا.

قال: أمّا الأولى فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه.

فقلت: أصلحك الله كيف يكون(١) شريكه فيه؟

قال: لم يعلّم الله محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله [علما](٢) إلّا وأمره أن يعلّمه عليّاعليه‌السلام

ويؤيّده ما رواه أيضا، عن محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: نزل جبرئيلعليه‌السلام على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله برمّانتين من الجنّة، فلقيه عليّعليه‌السلام فقال له: ما هاتان الرّمّانتان الّتي في يدك؟

فقال: أمّا هذه فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا هذه فالعلم. ثمّ فلقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصفين(٤) فأعطاه نصفها وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصفها، ثمّ قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه.

قال: فلم يعلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرفا ممّا علّمه الله - عزّ وجلّ - إلّا وقد علّمه عليّا، ثمّ انتهى العلم إلينا، ثمّ وضع يده على صدره.

وأوضح من هذا بيانا ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد(٥) ، عن عبد الله [بن](٦) الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبيّ(٧) ، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، فههنا(٨) أحد يسمع كلامي؟

__________________

(١) الكافي: كان يكون.

(٢) يوجد في الكافي.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٤) الكافي: بنصفين.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٣٨ - ٢٣٩، ح ١.

(٦) يوجد في الكافي.

(٧) كذا في الكافي. وفي النسخ وشرح الآيات: أحمد بن محمد الحلبي

(٨) الكافي: هاهنا.

٣٧

قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطّلع فيه. ثمّ قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك.

قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّا بابا، يفتح [له](١) منه ألف باب.

قال: فقال: يا أبا محمّد، علّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام ألف باب، يفتح [الله](٢) كلّ باب ألف باب.

قال: قلت: هذا - والله - العلم.

قال: فنكت(٣) ساعة في الأرض، ثمّ قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.

قال: ثمّ قال: يا أبا محمّد إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة.

قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟

قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله، و(٤) إملائه من ملء(٥) فيه، وخطّ عليّ بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ فقال لي: أتأذن(٦) لي يا أبا محمّد.

قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت.

قال: فغمزني بيده، قال: حتّى أرش هذا - كأنّه مغضب -

قال: قلت: هذا - والله - العلم.

قال: إنّه لعلم وليس(٧) بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: إنّ(٨) عندنا الجفر.

وما يدريهم ما الجفر.

[قال :](٩) قلت: وما الجفر؟

قال: وعاء من أدم، فيه علم النّبيّين والوصيّين وعلم العلماء(١٠) الّذين مضوا من بني

__________________

(١) يوجد في الكافي.

(٢) يوجد في شرح الآيات. وفي الكافي: «من» بدل «الله».

(٣) أو شرح الآيات: فسكت.

(٤) النسخ: من.

(٥) الكافي: فلق.

(٦) الكافي: تأذن.

(٧) هكذا في أو الكافي. وفي الأصل ور: فليس.

(٨) ليس في الأصل ور.

(٩) يوجد في الكافي.

(١٠) النسخ: علماء

٣٨

إسرائيل.

قال: قلت: إنّ هذا هو العلم.

قال: إنّه لعلم(١) وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة - عليها السّلام - وما يدريهم ما مصحف فاطمة.

قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟

قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا - ثلاث مرّات - والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

قال: قلت: هذا - والله - هو العلم.

قال: إنّه العلم(٢) وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: وإنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.

قال: قلت: جعلت فداك هذا - والله - هو العلم.

قال: إنّه لعلم وليس بذاك.

قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شيء العلم؟

قال: ما يحدث باللّيل والنّهار، والأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.

وممّا ورد في غزارة علمهم - صلوات الله عليهم -

ما رواه أيضا - رحمه الله - قال(٣) : روى عدّة من أصحابنا [عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن مغيرة وعدّة من أصحابنا](٤) منهم: عبد الأعلى [وأبو عبيدة](٥) وعبد الله بن بشير الخثعميّ(٦) ، أنّهم سمعوا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّي لأعلم ما في السّموات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النّار، وأعلم ما كان وما يكون، ثمّ سكت هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه. فقال: علمت ذلك من كتاب الله - عزّ وجلّ - [إنّه - عزّ وجلّ - ](٧) يقول: فيه(٨) فيه تبيان كلّ شيء.

__________________

(١ و ٢) النسخ: العلم. وما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».

(٣) الكافي ١ / ٢٦١، ح ٢.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٥) يوجد في الكافي.

(٦) الكافي: «عبد الله بن بشر الخثعمي». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٧٠. وما أثبتناه في المتن موافق الأصل.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) النحل / ٨٩. وفيها:( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) . وهنا إمّا نقل بالمعنى، او كان في قراءتهم - عليهم السّلام - كما تذكّر بهذين في هامش المصدر.

٣٩

وممّا ورد في غزارة علمهم - صلوات الله عليهم -

ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى،(١) عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حمّاد، عن سيف التّمّار قال: كنّا مع أبي عبد اللهعليه‌السلام و(٢) جماعة من الشّيعة في الحجر، فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا.

فقلنا ليس علينا عين.

فقال: وربّ الكعبة وربّ البيّنة - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى والخضر - عليهما السّلام - أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم السّاعة، وقد ورثناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وراثة.

ويؤيّد هذا ويطابقه، ما رواه أصحابنا من رواة الحديث، من كتاب الأربعين، رواية أسعد الأربلىّ(٣) ، عن عمّار بن خالد، عن إسحاق الأزرق(٤) ، عن عبد الملك بن

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٦٠ - ٢٦١، ح ١.

(٢) «واو» ليس في الكافي.

(٣) هو أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأربلي وله كتاب الأربعين في الفضائل والمناقب يرويها عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة ٦١٠، ألّفه في بغداد. توجد من الأربعين هذا نسخ في المكتبة المركزية لجامعة طهران، رقم ١ / ٢١٣٠، ٢ / ٢١٤٠. وأمّا ما ذكره في فهرس هذه المكتبة أنّه يوجد من الأربعين هذا في مجموعة رقم ٣ / ٢١١٧ وهم. بل هو أربعين حافظ أبو نعيم الاصبهاني الّذي نقله ابو الحسن على بن عيسى الاربلي في كتابه كشف الغمة في معرفة الائمة، عند ذكر صاحب الأمر - صلوات الله عليه - فراجع.

والحديث الذي نقل في المتن، الحديث الثاني من هذا الأربعين. وأورده العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار ١٣ / ٣١٢ - ٣١٣، ح ٥٢، نقلا عن رياض الجنان بعين السند المذكور في «الأربعين». ولكن بين البحار ونسخ الأربعين وتفسير تأويل الآيات (مصدر المتن) إختلاف كثير في الألفاظ والعبارات. وقال - رحمه الله - في نفس المصدر والموضع، بعد نقل الحديث: «كنز: ذكر بعض أصحابنا من رواة الحديث في كتاب الأربعين رواية أسعد الاربليّ عن عمّار بن خالد مثله.» و «كنز» المذكور في البحار رمز لكنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة معا (على ما قيل في «رموز الكتاب».) وأيضا أورده العلامة - رحمه الله - في نفس المصدر ٤٠ / ١٨٦، ح ٧١، نقلا عن البرسيّ في مشارق الأنوار، بسند آخر مع تفاوت في المتن.

وفي تصحيح الرواية اختصرنا بالنسخ التفسير، إلّا في موارد ما.

(٤) الأصل: الأورق. أ: الأورق. وما أثبتناه في المتن موافق ر، المصدر، الأربعين والبحار (١٣ / ٣١٢)

٤٠

٤١

٤٢

٤٣

٤٤

٤٥

٤٦

٤٧

٤٨

٤٩