الإسلام محمدي الوجود ... حسيني البقاء

الإسلام  محمدي الوجود ... حسيني البقاء0%

الإسلام  محمدي الوجود ... حسيني البقاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 49

  • البداية
  • السابق
  • 49 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16026 / تحميل: 3720
الحجم الحجم الحجم
الإسلام  محمدي الوجود ... حسيني البقاء

الإسلام محمدي الوجود ... حسيني البقاء

مؤلف:
العربية

الإسلام

محمدي الوجود حسيني البقاء

محاضرات

الشيخ أحمد الماحوزي

تدوين وتقرير

السيد مصطفى المزيدي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

( الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء )

مقولة مشهورة ومتداولة عند المؤمنين ، وكون الإسلام محمدي الوجود ممّا لاشك ولا ريب فيه ، ومن البديهيات المتّفق عليها عند كافة أهل الإسلام ، وغيرهم من بقيّة الأديان السماوية وغير السماوية ، أمّا القول ببقاء الإسلام واستمراريته بسبب الحسين (عليه السّلام) وتضحيته فهذا ممّا يحتاج إلى دليل وبرهان

فيا ترى هل ما يعتقده المؤمنون من أنّه لولا الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ولولا مواقفه وشهادته في كربلاء لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ومن الدين إلاّ رسمه ، ولكان الإسلام اليوم كبقية الأديان السماوية الأخرى ـ اليهودية والمسيحية ـ ليس لها تطابق مع دين الكليم موسى والمسيح عيسى (عليهما السّلام) إلاّ في الاسم ودعوى الانتساب إليهما ؟

٣

فهل هذه الكلمة ( الإسلام محمدي الوجود ، وحسيني البقاء ) كلمة حبّ وعاطفة أطلقها عشّاق ومحبّي الإمام الحسين (عليه السّلام) ، أم أنّها كلمة لها واقع حقيقي ؟

إذ لعلّ إنسان يتساءل ويقول : كثير من المذاهب الإسلامية لا تنظر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) على أنّه إمام مفترض الطاعة ، كما ينظر إليه المؤمنون ، ومع ذلك فإنّها متمسّكة ظاهراً بالدين وبدستور الإسلام الخالد ( القرآن الكريم ) ، فالإسلام مستمر وباق حتى لو لم يُقتل الإمام الحسين في كربلاء ، بل حتى لو لم يولد الإمام الحسين (عليه السّلام)

إلاّ إنّا نصرّ ونقول :

إنّه لو لم يكن الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ولو لم تكن واقعة كربلاء لكان الإسلام اسمه موجود وحقيقته مفقودة ، ولأصبح كبقيّة الأديان السماوية الموجودة الآن ليس له من الحق إلاّ الاسم ، وأنّ مقولة ( الإسلام حسيني البقاء ) لها واقع حقيقي ملموس ممتدّ من قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( حسين منّي وأنا من حسين ))(١)

ــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ، ورواه في التاريخ الكبير ٤ / ٤١٥ ، مسند الإمام أحمد ٤ / ١٧٢ ، سنن ابن ماجه ، سنن الترمذي ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٧ ، ولمعرفة دلالة الحديث راجع ما ألقيناه تحت عنوان ( علي منّي وأنا منه )

٤

ولتوضيح ذلك نقول : هناك طائفة من البشر يعتنقون المسيحية ، وطائفة أخرى يعتنقون اليهودية ، ويزعمون أنّها المسيحية التي جاء بها عيسى ، واليهودية التي أنزلت على موسى (عليهما السّلام) ، ولكنّ الواقع يشهد على أنّ المسيحية واليهودية الموجودة الآن لا تشكّل أكثر من ٥% ممّا كانت عليه عند موسى وعيسى (عليهما السّلام) ، بل لعلّه أقل من هذه النسبة

وليس الكلام ـ في مقامنا هذا ـ في اسم المسيحية واليهودية وبعض الأمور الاعتقادية الضئيلة والقليلة والأحكام المتفرّعة على ذلك ، وإنّما الكلام في الطابع العام لهذا الدين أو ذاك ، فالطابع العام لليهودية والمسيحية الموجودتان الآن لا يمتّ بصلة إلى المسيحية واليهودية التي جاء بها عيسى وموسى (عليهما السّلام) ، لا في الاعتقاد ، ولا في الطقوس العبادية

أمّا الإسلام الآن ـ الموجود لدى المذاهب الإسلامية ـ طابعه العام ينطبق مع الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

نعم ، لا ينطبق عليه بحذافيره ، ولكنّه في الأعم الأغلب وفي أكثر الأحكام يتطابق معه ، فما عند المسلمين اليوم بكافّة فرقهم كثير منه مؤسس من قبل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

وهذه حقيقة واضحة لا يمكن التغافل والغفلة عنها وهو سرّ خلود الإسلام

٥

إلى يوم القيامة ، فهو خالد بهذه الفرق الإسلامية التي تشكّل بمجوعها ٥٠% إلى ٧٠% تقريباً(١) من الدين الذي جاء به النبي الأُمّي (صلّى الله عليه وآله) ، وخالد على نحو الحقيقة والواقعية بتلك الطائفة التي لا تزال على الحق ، وظاهرة به إلى يوم القيامة(٢) ، والتي تشكّل الإسلام والإيمان صورة وقالباً

ـــــــــــــــــــــــ

(١) وهذا بفضل الحسين (عليه السّلام) ولولاه ـ كما سيأتي ذكره ـ لكان شأن هذه المذاهب شأن المذاهب المسيحية لا تشكّل من دين المسيح (عليه السّلام) إلاّ الاسم ودعوى الانتساب

(٢) ففي الحديث المستفيض (( لا تزال طائفة من أُمّتي يُقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة )) ، راجع : صحيح البخاري ٤ /٢٥٣ كتاب المناقب باب ٢٨ ، صحيح مسلم ١ / ١٣٧ كتاب الإيمان باب نزول عيسى (عليه السّلام) ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ٢ / ٤٧١ ، صحيح سنن ابن ماجه ـ للألباني ١ / ٦ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٨٥ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٧٥٦ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ للألباني ٤ / ٥٧١

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عن جابر ، وأبي أُمامة ، وثوبان ، وزيد بن أرقم ، ومعاوية بن قرّة ، وجابر بن سمرة ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومسلمة ، والمغيرة ، وعمران بن الحصين ، راجع المسند ٢ / ٣٢١ ، ٣٤٠ ، ٣٧٩ ، ٥ / ٣٤٥ ، ٣٨٤ ، ٤ / ٩٣ ، ٩٧ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٢٥٢ ، ٣٦٩ ، ٤٢٩ ، ٤٣٤ ، ٤٣٧ ، ٥ / ٣٤ ، ٣٥ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٨ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩

وفي بعض الروايات : (( ناس من أُمّتي )) ، وبعضها الآخر كما في صحيح البخاري : (( أُمّة قائمة بأمر الله لا يضرّهم مَنْ خذلهم ، ولا مَنْ خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك )) ، وفي بعضها الثالث : (( لن يبرح الدين قائماً ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة )) ، ( والطائفة ، والعصابة ، والأُمّة ، وناس ) فيها دلالة على أنّ الدين لا يزال قائماً بفئة قليلة من الناس لا بالأغلبية من المسلمين

٦

إذا عرفت ذلك نقول : لولا الإمام الحسين (عليه السّلام) لكان إسلام بقيّة المذاهب والفرق إسلاماً طابعه العام لا يتلاءم مع الإسلام الواقعي والحقيقي الذي جاء به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، بل ليس له من الإسلام الواقعي إلاّ الاسم وزعم الانتساب ، كما هو شأن اليهودية والمسيحية

مصادر التشريع

ولبلورة المطلب واتّضاحه نمهّده بمقدّمة ، فنقول :

لا شك أنّ مبدأ انحراف الأديان قاطبة هو الانحراف في مصادر التشريع في كلّ دين ، فما من دين إلاّ وله مصادر التشريع خاصّة به يُستنبط منها عباداته ومعتقداته ، وترك هذه المصادر أو استحداث مصادر أُخرى لم يقرّها هذا الدين أو ذاك ، هو منشأ وبداية الانحراف والابتعاد عن الدين ، بل الاختلاف في منابع المعرفة والتشريع هو منشأ كلّ الاختلاف والتنازع الفكري والثقافي والعقائدي بين بني البشر

فمن باب التوضيح : هناك خلاف بين البشر قاطبة في مصادر المعرفة ، هل هي العقل ، أو الحس ، أو التجربة ، فهناك مذهب ومدرسة عقلية صرفة ، وهناك مدرسة ثانية حسّية صرفة ، وهناك مدرسة ثالثة تجريبية صرفة ، وهناك مدرسة رابعة تعتبر كلّ هذه

٧

المنابع مصادر للمعرفة مع اختلاف في متعلق المعرفة ؛ فبعض المعارف لا سبيل لمعرفتها إلاّ بالعقل ، وبعضها الآخر لا طريق لاستيعابها إلاّ عن طريق الحس ، وبعضها الثالث لا يعرف إلاّ عن طريق التجربة

وبما أنّ هذه المدارس تختلف في مصادر المعرفة ومنابع التشريع ، فيتفرّع على هذا الاختلاف ، الاختلاف والتباين في العقيدة والسلوك العبادي ، وهذا واضح لا غبار عليه ؛ إذ بداية الخلاف بين المدارس يرجع إلى الخلاف في مصادر المعرفة كما ذكرنا

وهذا الخلاف أيضاً جارٍ بين المسلمين في مصادر المعرفة المرتبطة بالدين والإسلام ، فالكتاب والسُنّة مجمع على كونهما من مصادر المعرفة والتشريع عند الجميع ، وهنالك خلاف في كون : سنة أهل البيت (عليهم السّلام) ، وسنة الصحابي ، والقياس ، والمصالح المرسلة ، وسد الذرائع ، والاستحسان ، مصادر للمعرفة والتشريع الإسلامي

وباختلاف المصادر تختلف الأحكام ؛ سواء المرتبطة بالجانب العقائدي ، أو المرتبطة بالأحكام الفرعية ـ العبادات والمعاملات ـ

٨

فمَنْ جعل أهل البيت (عليهم السّلام)(١) مصدراً للمعرفة والتشريع تختلف عقائده وممارساته عمّنْ لم يجعلهم (عليهم السّلام) مصدراً لذلك

ومَنْ جعل قول وفعل وتقرير الصحابي ـ مهما كانت صحبته مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ مصدراً للمعرفة والتشريع ، تختلف عقائده وممارساته عمّنْ لم يجعلهم مصدراً للمعرفة والتشريع(٢)

ولكن ، هذا الخلاف كما أشرنا إليه بشكل موجز لا يؤدّي إلى غياب الطابع العام للإسلام(٣) ، بل يبقى الطابع العام طابعاً إسلامياً نعم ، الإسلام بمعناه الحقيقي لا يوجد إلاّ في طائفة واحدة المشار

ــــــــــــــــــــ

(١) كما هو مقتضى الأدلة الكثيرة والمعتبرة والواضحة ، كحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغيرهما

(٢) ولذلك ذهب أغلبية المسلمين ـ تبعاً للخليفة عمر بن الخطاب ـ إلى أنّ قول الرجل لزوجته : أنت طالق طالق طالق ، في مجلس واحد هو طلاق ثلاثي بحاجة إلى محلّل ، خلافاً لقوله تعالى : ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) ، ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وخلافاً لسُنّة الرسول وسيرة أبي بكر ، وستأتي تتمّة لذلك فانتظر

(٣) مع ملاحظة الجهود التي بذلها سيّد المتّقين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في تصحيح سيرة الخلفاء بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وإرشاد بقيّة الصحابة والتابعين إلى مصادر التشريع الحقّة ، حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب في مواقف كثيرة : ( لولا علي لهلك عمر ) ، ( لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن )

٩

إليها في قوله (صلّى الله عليه وآله) المتقدّم : (( لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين على الحق ))

الأئمّة المضلّون

نعم ، الذي يمحق الإسلام محقاً ، ويمحي تعاليمه وسننه هو اتّخاذ الأئمّة المضلّين فقط ، وجعلهم حجّة على الدين ومصادر للمعرفة والتشريع ، فهذا ما يُخاف به على الإسلام ، وهذا ما حذّر منه الإسلام والقرآن في عدّة من البيانات والآيات

من تلك الآيات التي تشير إلى هذا الخطر الكبير :

قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )(١)

قال الإمام الصادق (عليه السّلام) في تفسير الآية : (( أما والله ، ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ؛ ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً ؛ فعبدوهم من حيث لا يشعرون))(٢)

ـــــــــــــــــ

(١) سورة التوبة / ٣١

(٢) الكافي ١ / ٥٤٣ ، المحاسن / ٢٤٦

١٠

قال الرازي : الأكثرون من المفسرين(١) قالوا : ليس المراد من الأرباب أنّهم اعتقدوا فيهم أنّهم آلهة العالم ، بل المراد أنّهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم

نُقل أنّ عدي بن حاتم كان نصرانياً ، فانتهى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقرأ سورة براءة ، فوصل إلى هذه الآية ، قال : فقلت : لسنا نعبدهم ؟

فقال (صلّى الله عليه وآله) : (( أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ؟! ))

فقلت : بلى

قال : (( فتلك عبادتهم))(٢)

وقال الربيع : قلت لأبي العالية ـ عامر الشعبي ـ : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ فقال : إنّهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان ، فكانوا يأخذون بأقوالهم ، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله

قال : قال شيخنا ومولانا خاتمة المحقّقين والمجتهدين ( رضي الله عنه ) : قد شاهدت جماعة من مقلّدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل ، وكانت مذاهبهم

ــــــــــــــــ

(١) تفسير الطبري ١٠ / ٨٠ ، الكشّاف ـ للزمخشري ٢ / ١٨٥ ، تفسير القرطبي ٨ / ١٢٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٣٤٨ ، الدر المنثور ٤ / ١٧٤

(٢) أخرجه ابن سعد وعبد حميد والترمذي وحسّنه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه ، راجع الدر المنثور ٤ / ١٧٤

١١

بخلاف تلك الآيات ، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها ، وبَقوا ينظرون إليّ كالمتعجّب ، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أنّ الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ، ولو تأمّلت حقّ التأمّل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا(١)

أمّا الأحاديث المحذّرة من الأئمّة المضلّين فكثيرة جدّاً :

منها : ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّما أخاف على أُمّتي الأئمّة المضلّين ))(٢)

فالخطر الذي يُخاف منه على الإسلام هو : أن يُصبح كلّ مَنْ تسلّم زمام الأمور السياسية والإدارية للمسلمين قوله وفعله وتقريره حجّة ، كحجّية قول وفعل وتقرير الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، فيُصبح مصدراً من مصادر التشريع ، وهذا ما حصل

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٦ / ٣٧

(٢) سنن الترمذي ٤ / ٥٠٤ ، كتاب الفتن ، وقال : حديث حسن صحيح ، المستدرك ٤ / ٤٤٩ ، وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وقد روى الحديث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء كلّ من : أبو داود في السنن ٤ / ٩٧ ، أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٤٢ ، ٥ / ١٤٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨٤ ، ٦ / ٤٤١ ، ابن ماجه في السنن ٢ / ١٣٠٤ ، والدارمي في السنن ١ / ٧٠ ، وصحّح الحديث الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣ / ٨٠١ ، وصحيح سنن ابن ماجه ٢ / ٣٥٢

١٢

بالفعل لدى المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة(١)

إذ أنّ بعض المسلمين ـ بل كثير منهم ـ يأخذون عقائدهم من الواقع المعاش ، فبما أنّ أبا بكر أوّل مَنْ جاء بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي ، فأبو بكر عندهم أفضل الصحابة ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي ، ولو أنّ معاوية لم يحارب علياً (عليه السّلام) لكان بعد علي (عليه السّلام) في الأفضلية

فتربى المسلمون على قبول كلّ ما يصدر من الخلفاء بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأصبحت أقوالهم وأفعالهم حجّة ودليلاً على الحكم الشرعي والاعتقادي ، حتى معاوية بن أبي سفيان الذي هو طليق بإجماع المسلمين قوله حجّة عند عدّة من المسلمين(٢)

ــــــــــــــــ

(١) وسُنّة الصحابي تارة تكون حجّة بلحاظ أنّها طريق إلى سُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأُخرى تكون حجّة بما هي هي ، فعلى الأوّل تكون الحجّية طريقية وعلى الثاني تكون الحجّية موضوعية ، والحجّية الموضوعية هي أن يكون الشيء بنفسه حجّة يجب التعبّد به كحجّية الكتاب ، والحجّية الطريقية هي أن يكون الشيء طريقاً إلى الحجّة وكاشف عنها ، وليس الخلاف بين المسلمين في سُنّة الصحابي من كونها حجّة طريقية ، وإنّما الخلاف في كونها حجّة موضوعية

(٢) وهؤلاء لم يفرّقوا بين كون الصحابي عدل وثقة وبين كونه مصدراً للتشريع ؛ إذ كونه ثقة لا يستلزم حجّية أقواله وأفعاله ، فقد يخطأ وقد يغفل وقد ينسى ، والشاهد عليه اختلاف سيرة الشيخين أبي بكر وعمر

١٣

بدع مستحدثة

ودلالة على ما نقول نذكر عدّة من الموارد التي غيّر فيها بعض الخلفاء من الصحابة سُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وأتبعهم السواد الأعظم والأكثر من المسلمين إلى اليوم

البدعة الأولى : الطلقات الثلاث

روى مسلم بسنده عن ابن عباس قال : كان الطلاق في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم(١) ، وهو إلى اليوم ممضى خلافاً لسُنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(٢)

البدعة الثانية : التثويب في الأذان(٣)

روى الترمذي عن مجاهد قال : دخلت مع عبد الله بن عمر

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ٢ / ١٠٩٩ ، كتاب الطلاق ، باب طلاق الثلاث ، سنن أبي داود ٢ / ٢٦١ ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ٢ / ٤١٥ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٧١٨

(٢) نعم ، رجعت مشيخة الأزهر في هذه الأعصار إلى كتاب الله وسُنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والاقتداء بأهل البيت ، وتركوا سُنّة الخليفة عمر بن الخطاب ، فجعلوا الطلقات الثلاث بصيغة واحد طلقة واحدة

(٣) وهو قول المؤذّن ( الصلاة خير من النوم )

١٤

مسجداً وقد أذّن فيه ونحن نريد أن نصلّي فيه فثوّب المؤذّن ؛ فخرج عبد الله بن عمر من المسجد ، وقال : اخرج بنا من عند هذا المبتدع ، ولم يصلِّ(١)

وأوّل مَنْ ثوّب في الأذان وأمر به هو الخليفة عمر بن الخطاب ، فقد أخرج مالك في الموطأ أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر يؤذِنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح(٢)

وروى عبد الرزاق بسند متّصل عن عمر بن حفص قال : أنّ سعداً ـ ابن القرظ مؤذّن عمر ـ أوّل مَنْ قال : الصلاة خير من النوم ، في خلافة عمر ، فقال : بدعة ، ثمّ تركه ، وأنّ بلال لم يؤذّن لعمر(٣)

قال الشوكاني : وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أنّ التثويب بدعة ، قال في البحر : أحدثه عمر ، فقال ابنه : هذه بدعة ، وقال علي (عليه السّلام) حين سمعه : (( لا تزيدوا في الأذان ما ليس

ــــــــــــــــــ

(١) سنن الترمذي ١ / ٣٨١ ، صحيح سنن أبي داود ـ للألباني ١ / ١٠٨ ، السنن الكبرى ١ / ٤٢٤

(٢) الموطأ / ٤٢ ح ١٥١ ، وراجع المصنّف ـ لابن أبي شيبة ١ / ١٨٩ ح ٢١٥٩ ، سنن الدارقطني ١ / ٢٤٣

(٣) المصنّف ١ / ٤٧٣ رقم ١٨٢٩

١٥

منه))(١)

وقال ابن أبي ليلى : ما ابتدعوا بدعة أحبّ إليّ من التثويب في الصلاة ، يعني العشاء والفجر(٢)

وروى ابن أبي شيبة في المصنّف بسنده عن الأسود بن يزيد أنّه سمع مؤذّناً يقول في الفجر : ( الصلاة خير من النوم ) ، فقال : لا يزيدون في الأذان ما ليس منه

وقد استمرت هذه البدعة إلى الآن ، قال السرخسي : أمّا المتأخّرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات ؛ لأنّ الناس قد ازدادت بهم الغفلة ، وقلّما يقومون عند سماع الأذان ، فيستحسن التثويب للمبالغة في الإعلام(٣)

البدعة الثالثة : الصلاة بمنى تماماً

روى الشيخان وغيرهما بسندهم إلى عبد الرحمن بن يزيد قال : صلّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) فاسترجع(٤) ، ثمّ قال : صلّيت

ـــــــــــــــــ

(١) نيل الأوطار ٢ / ٣٨

(٢) المصنّف ـ لابن أبي شيبة ١ / ١٩٠ ح ٢١٧٠ ، بسند صحيح عن وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصفهاني عن ابن أبي ليلى

(٣) المبسوط ١ / ١٣١

(٤) أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا يُقال ذلك إلاّ لمصيبة ، ولا مصيبة

١٦

مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمنى ركعتين ، وصلّيت مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصلّيت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(١)

البدعة الرابعة : تحريم نكاح المتعة

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمر بن حريث(٢)

وقد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء وأبو هلال العسكري في كتاب الأوائل تحريم عمر للمتعة(٣)

البدعة الخامسة : تحريم متعة الحج

روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال : أُنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

ــــــــــــــــ

==

أعظم من مصيبة الدين

(١) صحيح البخاري ١ / ٣٢٥ تقصير الصلاة ، صحيح مسلم ١ / ٤٨٣ صلاة المسافرين ، صحيح سنن ابن داود ١ / ٣٦٩

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٣ كتاب النكاح باب ١٣ ، مسند أحمد ٣ / ٣٨٠ ، ٤ / ٤٢٩ ، ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، فلو أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) نهى عنها لما خفي ذلك على جابر وهو الحافظ لتراث النبي (صلّى الله عليه وآله) والمدمن صحبته

(٣) تاريخ الخلفاء / ١٠٨ ، الأوائل ١ / ٢٤٠

١٧

ولم ينزل قرآن يحرّمها ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء(١)

وروى بسنده عن مروان قال : شهدت عثمان وعلياً (عليه السّلام) وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجّة ، قال : (( ما كنت لأدع سُنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لقول أحد))(٢)

البدعة السادسة : صلاة التراويح

روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنّه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نِعْمَ البدعة هذه(٣)

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ / ٣٣ ، كتاب التفسير سورة البقرة ، والرجل الذي يقصده الصحابي عمران هو الخليفة عمر بن الخطاب

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١٧٥ كتاب الحج باب التمتع والإقران ، سنن النسائي بشرح السيوطي ٥ / ١٤٨

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٥٩٥ ، الموطأ / ٥٩ ح ٢٤٧

١٨

هذا وقد روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي ومالك وأحمد وغيرهم بأسانيدهم عن زيد بن ثابت : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اتّخذ حجرة ـ قال : حسبت أنّه قال : من حصير ـ في رمضان ، فصلّى فيها ليالي ، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه ، فلمّا علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : (( قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ؛ فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة ))(١)

فمع هذا المنع من الرسول (صلّى الله عليه وآله) نجد حرص الناس والسواد الأكثر من المسلمين على اتّباع سُنّة الخليفة عمر وترك سُنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله)(٢) ، وحينما حاول الإمام علي (عليه السّلام) المنع من هذه الصلاة ارتفعت العقائر ( وا سُنّة عمراه ) فتركهم لشأنهم

إحداث الصحابة

وقد تواترت الأحاديث عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

ــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ١ / ٢٢٨ كتاب الأذان ب ٨١ ح ٧٣١ ، صحيح مسلم ١ / ٥٣٩ صلاة المسافرين ب ٢٩ ح ٧٨١ ، سنن الترمذي ٢ / ٣١٢ ح ٤٥٠ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧٤ ح ١٠٤٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٧ ، مسند أحمد : ح ٢١٦٦٥ ، ٢١٦٨٦ ، ٢١٧٠٩ تحقيق أحمد شاكر ، الموطأ / ٦٦ ح ٢٨٨

(٢) وهي القيام بأداء النوافل في البيت لا جماعة في المسجد

١٩

بأنّ عدداً غير قليل من الصحابة سوف يُحدثوا في الدين ما ليس منه

من هذه الروايات :

ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ في حديث ـ قال : (( ألا وإنّه يُجاء برجال من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيُقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ))(١)

وما رواه البخاري عن أبي هريرة أنّه كان يُحدّث أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : (( يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُحلؤون(٢) عن الحوض ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري ))(٣)

وما رواه مسلم وأحمد عن عبد الله قال : قال رسول الله (صلّى

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ / ٦٩ كتاب التفسير ، سورة المائدة / ١٢٢ سورة الأنبياء / ١٣٦ كتاب الرقاق ب ٤٥ ، صحيح مسلم ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة ب ١٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢١ ، صحيح سنن النسائي ـ للألباني ٢ / ٤٤٩ ، مسند أحمد ١ / ٢٣٥ ، ٢٥٣

(٢) أي يبعدون عن الحوض

(٣) صحيح البخاري ٨ / ١٥٠ كتاب الرقاق باب في الحوض

٢٠