فلسفتنا

فلسفتنا13%

فلسفتنا مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
تصنيف: كتب
الصفحات: 438

  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36894 / تحميل: 12497
الحجم الحجم الحجم
فلسفتنا

فلسفتنا

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٤- النظام الإسلامي

ويتقاسم العالم اليوم اثنان من هذه الأنظمة الأربعة : فالنظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض ، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة أُخرى وكلٌّ من النظامين يملك كياناً سياسيّاً عظيماً ، يحميه في صراعه مع الآخر ، ويسلِّحه في معركته الجبّارة التي يخوضها أبطاله في سبيل الحصول على قيادة العالم ، وتوحيد النظام الاجتماعي فيه

وأمّا النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص غير أنّ النظام الإسلامي مرّ بتجربة من أروع تجارب النُّظُم الاجتماعية وأنجحها ، ثمّ عصفت به العواصف بعد أن خلا الميدان من القادة المبدئيّين أو كاد ، وبقيت التجربة في رحمة أُناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم ، ولم يملأ أرواحهم بروحه وجوهره ، فعجزت عن الصمود والبقاء ، فتقوَّض الكيان الإسلامي ، وبقي نظام الإسلام فكراً في ذهن الأُمّة الإسلامية ، وعقيدةً في قلوب المسلمين ، وأملاً يسعى إلى تحقيقه أبناؤه المجاهدون وأمّا النظام الشيوعي فهو فكرة غير مُجرَّبة حتّى الآن تجربة كاملة ، وإنّما تتّجه قيادة المعسكر الاشتراكي اليوم إلى تهيئة جوٍّ اجتماعي له ، بعد أن عجزت عن تطبيقه حين ملكت زمام الحكم ، فأعلنت النظام الاشتراكي ، وطبّقته كخطوة إلى الشيوعية الحقيقية

فما هو موضعنا من هذه الأنظمة ؟

وما هي قضيّتنا التي يجب أن ننذر حياتنا لها ، ونقود السفينة إلى شاطئها ؟

٢١

الديمقراطية الرأسمالية

ولنبدأ بالنظام الديمقراطي الرأسمالي ، هذا النظام الذي أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية ، وبالحكم الدكتاتوري في الحياة السياسية ، وبجمود الكنيسة وما إليها في الحياة الفكرية ، وهيّأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلَّت محلّ السابقين ، وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في أسلوب جديد

وقد قامت الديمقراطية الرأسمالية على الإيمان بالفرد إيماناً لا حدّ له ، وبأنّ مصالحه الخاصّة بنفسها تكفل- بصورة طبيعية- مصلحة المجتمع في مختلف الميادين وأنّ فكرة الدولة إنّما تستهدف حماية الأفراد ومصالحهم الخاصّة ، فلا يجوز لها أن تتعدَّى حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها

ويتلخّص النظام الديمقراطي الرأسمالي في إعلان الحرّيات الأربع : السياسية ، والاقتصادية ، والفكرية ، والشخصية

فالحرّية السياسية تجعل لكلّ فرد كلاماً مسموعاً ، ورأياً محترماً في تقرير الحياة العامّة للأُمّة : وضع خططها ، ورسم قوانينها ، وتعيين السلطات القائمة لحمايتها ؛ وذلك لأنّ النظام الاجتماعي للأمّة ، والجهاز الحاكم فيها ، مسألةٌ تتّصل اتّصالاً مباشراً بحياة كلّ فرد من أفرادها ، وتؤثّر تأثيراً حاسماً في سعادته أو شقائه ، فمن الطبيعي ، حينئذٍ ، أن يكون لكلّ فرد حقّ المشاركة في بناء النظام والحكم

وإذا كانت المسألة الاجتماعية ـ كما قلنا ـ مسألة حياة أو موت ، ومسألة سعادة أو شقاء للمواطنين الذين تسري عليهم القوانين والأنظمة العامّة

٢٢

فمن الطبيعي- أيضاً- أن لا يباح الاضطلاع بمسؤوليّتها لفرد أو لمجموعة خاصّة من الأفراد ـ مهما كانت الظروف ـ ما دام لم يوجد الفرد الذي يرتفع في نزاهة قصده ورجاحة عقله على الأهواء والأخطاء

فلابدّ إذن من إعلان المساواة التامّة في الحقوق السياسية بين المواطنين كافةً ؛ لأنّهم يتساوون في تحمُّل نتائج المسألة الاجتماعية ، والخضوع لمقتضيات السلطات التشريعية والتنفيذية وعلى هذا الأساس قام حقّ التصويت ومبدأ الانتخاب العامّ الذي يضمن انبثاق الجهاز الحاكم ، بكلّ سلطاته وشُعَبه ، عن أكثرية المواطنين

والحرّية الاقتصادية ترتكز على الإيمان بالاقتصاد الحرّ ، وتقرّر فتح جميع الأبواب ، وتهيئة كلّ الميادين إمام المواطن في المجال الاقتصادي فيباح التملّك للاستهلاك وللإنتاج معاً ، وتباح هذه الملكية التي يتكوّن منها رأس المال من غير حدٍّ وتقييد ، وللجميع على حدٍّ سواء فلكلّ فرد مطلق الحرّية في انتهاج أيّ أُسلوب وسلوك أيّ طريق لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية

وفي زعم بعض المدافعين عن هذه الحرّية الاقتصاديّة أنّ قوانين الاقتصاد السياسي ، التي تجري على أُصول عامّة بصورة طبيعية ، كفيلة بسعادة المجتمع ، وحفظ التوازن الاقتصادي فيه ، وأنّ المصلحة الشخصية التي هي الحافظ القوي والهدف الحقيقي للفرد في عمله ونشاطه ، هي خير ضمان للمصلحة الاجتماعية العامّة وأنّ التنافس الذي يقوم في السوق الحرّة ، نتيجةً لتساوي المنتجبين والمتّجرين في حقّهم من الحرّية الاقتصادية ، يكفي وحده لتحقيق روح العدل والإنصاف في شتّى الاتفاقات والمعاملات فالقوانين الطبيعية للاقتصاد تتدخّل ـ مثلاً ـ في حفظ المستوى الطبيعي للثمن ، بصورة تكاد أن تكون آلية ؛ وذلك أنّ

٢٣

الثمن إذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة انخفض الطلب بحكم القانون الطبيعي الذي يحكم بأنّ ارتفاع الثمن يؤثّر في انخفاض الطلب ، وانخفاض الطلب بدوره يقوم بتخفيض الثمن ، تحقيقاً لقانون طبيعي آخر ، ولا يتركه حتّى ينخفض به إلى مستواه السابق ، ويزول الشذوذ بذلك

والمصلحة الشخصية تفرض على الفرد ـ دائماً ـ التفكير في كيفية إزادة الإنتاج وتحسينه ، مع تقليل مصارفه ونفقاته ؛ وذلك يحقّق مصلحة المجتمع ، في نفس الوقت الذي يعتبر مسألة خاصّة بالفرد أيضاً

والتنافس يقتضي ـ بصورة طبيعية ـ تحديد أثمان البضائع ، وأُجور العمال والمستخدمين بشكل عادل ، لا ظلم فيه ولا إجحاف ؛ لأنّ كلّ بائع أو منتج يخشى من رفع أثمان بضائعه ، أو تخفيض أُجور عمّاله ، بسبب منافسة الآخرين له من البائعين والمنتجبين

والحرّية الفكرية تعني : أن يعيش الناس أحراراً في عقائدهم وأفكارهم ، يفكّرون حسب ما يتراءى لهم ويحلو لعقولهم ، ويعتقدون ما يصل إليه اجتهادهم ، أو ما توحيه إليهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة فالدولة لا تسلب هذه الحرّية عن فرد ، ولا تمنعه عن ممارسة حقّه فيها ، والإعلان عن أفكاره ومعتقداته ، والدفاع عن وجهات نظره واجتهاده

والحرّية الشخصية تعبّر عن تحرُّر الإنسان في سلوكه الخاصّ من مختلف ألوان الضغط والتحديد ، فهو يملك إرادته وتطويرها وفقاً لرغباته الخاصّة ، مهما نجم عن استعماله لسيطرته هذه على سلوكه الخاصّ من مضاعفات ونتائج ، ما لم تصطدم بسيطرة الآخرين على سلوكهم فالحدّ النهائي الذي تقف عنده الحرّية الشخصية لكلّ فرد : حرّية الآخرين فما لم يمسّها الفرد بسوء

٢٤

فلا جناح عليه أن يكيّف حياته باللون الذي يحلو له ، ويتّبع مختلف العادات والتقاليد والشعائر والطقوس التي يستذوقها ؛ لأنّ ذلك مسألة خاصّة تتّصل بكيانه وحاضره ومستقبله وما دام يملك هذا الكيان ، فهو قادر على التصرّف فيه كما يشاء

وليست الحرّية الدينية ـ في رأي الرأسمالية التي تنادي بها ـ إلاّ تعبيراً عن الحرّية الفكرية في جانبها العقائدي ، وعن الحرّية الشخصية في الجانب العملي الذي يتّصل بالشعائر والسلوك

ويُستخلَص من هذا العرض : أنّ الخطّ الفكري العريض لهذا النظام ـ كما ألمحنا إليه ـ هو : أنّ مصالح المجتمع بمصالح الأفراد ، فالفرد هو القاعدة التي يجب أن يرتكز عليها النظام الاجتماعي ، والدولة الصالحة هي الجهاز الذي يُسخَّر لخدمة الفرد وحسابه ، والأداة القوية لحفظ مصالحه وحمايتها

هذه هي الديمقراطية الرأسمالية في ركائزها الأساسية التي قامت من أجلها جملة من الثورات ، وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب والأُمم ، في ظلّ قادة كانوا حين يعبّرون عن هذا النظام الجديد ويعِدونهم بمحاسنه ، يصفون الجنّة في نعيمها وسعادتها ، وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء وقد أُجريت عليها بعد ذلك عدّة من التعديلات ، غير أنّها لم تمسّ جوهرها بالصميم ، بل بقيت محتفظةً بأهمّ ركائزها وأُسسها

الاتجاه المادّي في الرأسمالية :

ومن الواضح أنّ هذا النظام الاجتماعي نظامٌ مادّيٌّ خالص ، أُخذ فيه الإنسان منفصلاً عن مبدئه وآخرته ، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادّية ،

٢٥

وافتُرِض على هذا الشكل ولكن هذا النظام في نفس الوقت الذي كان مشبعاً بالروح المادّية الطاغية لم يبنَ على فلسفة مادّية للحياة ، وعلى دراسة مفصّلة لها

فالحياة في الجوّ الاجتماعي لهذا النظام ، فُصِلت عن كلّ علاقة خارجة عن حدود المادّة والمنفعة ، ولكن لم يُهيَّأ لإقامة هذا النظام فهمٌ فلسفيٌّ كامل لعملية الفصل هذه ولا أعني بذلك : أنّ العالم لم يكن فيه مدارس للفلسفة المادّية وأنصار لها ، بل كان فيه إقبال على النزعة المادّية تأثُّراً بالعقلية التجريبية التي شاعت منذ بداية الانقلاب الصناعي(١) ، وبروح الشكّ والتبلبل الفكري الذي أحدثه انقلاب الرأي في طائفة من الأفكار كانت تُعَدُّ من أوضح الحقائق وأكثرها صحّة(٢) ، وبروح

____________________

(١) فإنّ التجربة اكتسبت أهمية كُبرى في الميدان العلمي ، ووفِّقت توفيقاً ـ لم يكن في الحسّبان ـ إلى الكشف عن حقائق كثيرة ، وإزاحة الستار عن أسرار مدهشة ، أتاحت للإنسانية أن تستثمر تلك الأسرار والحقائق في حياتها العملية وهذا التوفيق الذي حصلت عليه التجربة ، أشاد لها قدسيّةً في العقليّة العامّة ، وجعل الناس ينصرفون عن الأفكار العقليّة ، وعن كلّ الحقائق التي لا تظهر في ميدان الحسّ والتجربة ، حتّى صار الحسّ التجريبي في عقيدة كثير من التجْرِيبيين الأساس الوحيد لجميع المعارف والعلوم

وسوف نوضِّح في هذا الكتاب : أنّ التجربة بنفسها تعتمد على الفكر العقلي وأنّ الأساس الأوّل للعلوم والمعارف هو العقل الذي يدرك حقائق لا يقع عليها الحسّ ، كما يدرك الحقائق المحسوسة (المؤلّفقدس‌سره )

(٢) فإنّ جملة من العقائد العامّة كانت في درجة عالية من الوضوح والبداهة في النظر العامّ ، مع أنّها لم تكن قائمةً على أساس من منطق عقلي ، أو دليل فلسفي ، كالإيمان بأنّ الأرض مركز العالم فلمّا انهارت هذه العقائد في ظلّ التجارب الصحيحة ، تزعزع الإيمان العامّ ، وسيطرت موجة من الشكّ على كثير من الأذهان ، فبُعِثت السفسطة اليونانية من جديد متأثّرة بروح الشكّ ، كما تأثّرت في العهد اليوناني بروح الشكّ الذي تولَّد من تناقض المذاهب الفلسفية وشدّة الجدل بها (المؤلّف قدس‌سره )

٢٦

التمرّدوالسخط على الدين المزعوم الذي كان يجمِّد الأفكار والعقول ، ويتملّق للظلم والجبروت ، وينتصر للفساد الاجتماعي في كلّ معركة يخوضها مع الضعفاء والمضطهدين(١)

فهذه العوامل الثلاثة ساعدت على بعث المادّية في كثير من العقليّات الغربية

كلّ هذا صحيح ، ولكنّ النظام الرأسمالي لم يركّز على فهم فلسفي مادّي للحياة ، وهذا هو التناقض والعجز ، فإنّ المسألة الاجتماعية للحياة تتّصل بواقع الحياة ، ولا تتبلور في شكل صحيح إلاّ إذا أُقيمت على قاعدة مركزية ، تشرح الحياة وواقعها وحدودها ، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة ، فهو ينطوي على خداع وتضليل ، أو على عجلة وقلّة أناة ، حين تجمّد المسألة الواقعية للحياة ، وتُدرَس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها ، مع أنّ قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته منذ البداية إلى واقع الحياة ، التي تموِّن المجتمع بالمادّة الاجتماعية ـ وهي : العلاقات المتبادلة بين الناس ـ وطريقة فهمه لها ، واكتشاف أسرارها وقيمها فالإنسان في هذا الكوكب إن كان من صنع قوة مدبرة مهيمنة ، عالمة بأسراره وخفاياه ، بظواهره ودقائقه ، قائمة على تنظيمه وتوجيهه ، فمن الطبيعي أن يخضع في توجيهه وتكييف حياته لتلك القوّة الخالقة ؛ لأنّها أبصر بأمره ، وأعلم

____________________

(١) فإنّ الكنيسة لعبت دوراً هاماً في استغلال الدين استغلالاً شنيعاً ، وجعْلِ اسمه أداةَ مآربها وأغراضها ، وخنق الأنفاس العلمية والاجتماعية ، وأقامت محاكم التفتيش ، وأعطت لها الصلاحيّات الواسعة للتصرّف في المقدَّرات ، حتّى تولّد عن ذلك كلّه التبرّم بالدين والسخط عليه ؛ لأنّ الجريمة ارتكبت باسمه ، مع أنّه في واقعه المصفّى وجوهره الصحيح لا يقلّ عن أُولئك الساخطين والمتبرّمين ضيقاً بتلك الجريمة ، واستفظاعاً لدوافعها ونتائجها (المؤلّف قدس‌سره )

٢٧

بواقعه ، وأنزه قصداً ، وأشدّ اعتدالاً منه

وأيضاً ، فإنّ هذه الحياة المحدودة إن كانت بداية الشوط لحياة خالدة تنبثق عنها ، وتتلوّن بطابعها ، وتتوقّف موازينها على مدى اعتدال الحياة الأُولى ونزاهتها ، فمن الطبيعي أن تنظّم الحياة الحاضرة بما هي بداية الشوط لحياة لا فناء فيها ، وتقام على أُسس القِيَم المعنوية والمادّية معاً.

وإذن فمسألة الإيمان بالله وانبثاق الحياة عنه ليست مسألةً فكرية خالصة لا علاقة لها بالحياة ، لتُفصل عن مجالات الحياة ويشرّع لها طرائقها ودساتيرها مع إغفال تلك المسألة وفصلها ، بل هي مسألة تتّصل بالعقل والقلب والحياة جميعاً

والدليل على مدى اتّصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها : أنّ الفكرة فيها تُقدَّم على أساس الإيمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الأفراد بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها إلى الدرجة التي تبيح إيكال المسألة الاجتماعية إليها ، والتعويل في إقامة حياة صالحة للأُمّة عليها وهذا الأساس بنفسه لا موضعَ ولا معنىً له إلاّ إذا أُقيم على فلسفة مادّية خالصة ، لا تعترف بإمكان انبثاق النظام إلاّ عن عقل بشري محدود

فالنظام الرأسمالي مادّي بكلّ ما للّفظ من معنىً ، فهو إمّا أن يكون قد استبطن المادّية ، ولم يجرؤ على الإعلان عن ربطه بها وارتكازه عليها وإمّا أن يكون جاهلاً بمدى الربط الطبيعي بين المسألة الوقعية للحياة ومسألتها الاجتماعية وعلى هذا فهو يفقد الفلسفة التي لا بدّ لكلّ نظام اجتماعي أن يرتكز عليها وهو ـ بكلمة ـ نظام مادّي ، وإن لم يكن مقاماً على فلسفة مادّية واضحة الخطوط

٢٨

موضع الأخلاق من الرأسمالية :

وكان من جرّاء هذه المادّية التي زخر النظام بروحها أن أُقصيت الأخلاق من الحسّاب ، ولم يُلحَظ لها وجودٌ في ذلك النظام ، أو بالأحرى تبدّلت مفاهيمها ومقاييسها ، وأُعلنت المصلحة الشخصية كهدف أعلى ، والحرّيات جميعاً كوسيلة لتحقيق تلك المصلحة فنشأ عن ذلك أكثر ما ضجَّ به العالم الحديث من محن وكوارث ، ومآسي ومصائب.

وقد يدافع أنصار الديمقراطية الرأسمالية عن وجهة نظرها في الفرد ومصالحه الشخصية ، قائلين إنّ الهدف الشخصي بنفسه يحقّق المصلحة الاجتماعية ، وإنّ النتائج التي تحقّقها الأخلاق بقيمها الروحية تُحقَّق في المجتمع الديمقراطي الرأسمالي ، لكن لا عن طريق الأخلاق ، بل عن طريق الدوافع الخاصّة وخدمتها ؛ فإنّ الإنسان حين يقوم بخدمة اجتماعية يحقّق بذلك مصلحةً شخصية أيضاً ؛ باعتباره جزءاً للمجتمع الذي سعى في سبيله ، وحين ينقذ حياة شخص تعرَّضت للخطر فقد أفاد نفسه أيضاً ؛ لأنّ حياة الشخص سوف تقوم بخدمة للهيئة الاجتماعية ، فيعود عليه نصيب منها ، وإذن ، فالدافع الشخصي والحسّ النفعي يكفيان لتأمين المصالح الاجتماعية وضمانها ، ما دامت ترجع بالتحليل إلى مصالح خاصّة ومنافع فردية

وهذا الدفاع أقرب إلى الخيال الواسع منه إلى الاستدلال فتصوّر بنفسك أنّ المقياس العملي في الحياة لكلّ فرد في الأُمّة إذا كان هو تحقيق منافعه ومصالحه الخاصّة ، على أوسع نطاق وأبعد مدى ، وكانت الدولة تُوفِّر للفرد حرّياته وتقدِّسه بغير تحفّظ ولا تحديد ، فما هو وضع العمل الاجتماعي من قاموس هؤلاء الأفراد ؟! وكيف يمكن أن يكون اتّصال المصلحة الاجتماعية بالفرد كافياً لتوجيه

٢٩

الأفراد نحو الأعمال التي تدعو إليها القيم الخُلُقية ؟! مع أنّ كثيراً من تلك الأعمال لا تعود على الفرد بشيء من النفع ، وإذا اتّفق أن كان فيها شيء من النفع باعتباره فرداً من المجتمع ، فكثيراً ما يُزاحَم هذا النفع الضئيل ـ الذي لا يُدْرِكه الإنسان إلاّ في نظرة تحليلية ـ بفوات منافع عاجلة أو مصالح فردية تجد في الحرّيات ضماناً لتحقيقها ، فيطيح الفرد في سبيلها بكلّ برنامج الخُلُق والضمير الروحي

مآسي النظام الرأسمالي :

وإذا أردنا أن نستعرض الحلقات المتسلسلة من المآسي الاجتماعية التي انبثقت عن هذا النظام المرتجل- لا على أساس فلسفيٍّ مدروس ـ فسوف يضيق بذلك المجال المحدود لهذا البحث ؛ ولذا نلمّح إليها :

فأوّل تلك الحلقات : تحكُّم الأكثرية في الأقلية ومصالحها ومسائلها الحيوية ؛ فإنّ الحرّية السياسية كانت تعني : أنّ وضع النظام والقوانين وتمشيتها من حقّ الأكثرية ولنتصوّر أنّ الفئة التي تمثِّل الأكثرية في الأُمّة ملكت زمام الحكم والتشريع ، وهي تحمل العقلية الديمقراطية الرأسمالية ، وهي عقلية مادّية خالصة في اتّجاهها ونزعاتها ، وأهدافها وأهوائها ، فماذا يكون مصير الفئة الأُخرى ؟! أو ماذا ترتقب للأقلية من حياة في ظلّ قوانين تُشرَّع لحساب الأكثرية ولحفظ مصالحها ؟! وهل يكون من الغريب حينئذٍ إذا شَرَّعت الأكثرية القوانين على ضوء مصالحها خاصّة ، وأهملت مصالح الأقلية ، واتّجهت إلى تحقيق رغباتها اتّجاهاً مجحفاً بحقوق الآخرين ؟! فمن الذين يحفظ لهذه الأقلية كيانها الحيوي ، ويذبُّ عن وجهها الظلمَ ، ما دامت المصلحة الشخصية هي مسألة كلّ فرد ، وما دامت الأكثرية لا تعرف للقيم الروحية والمعنوية مفهوماً في عقليّتها الاجتماعية ؟! وبطبيعة الحال ، أنّ التحكّم سوف يبقى في ظلّ النظام كما كان

٣٠

في السابق ، وأنّ مظاهر الاستغلال والاستهتار بحقوق الآخرين ومصالحهم ستُحفَظ في الجوّ الاجتماعي لهذا النظام كحالها في الأجواء الاجتماعية القديمة

وغاية ما في الموضوع من فرق : أنّ الاستهتار بالكرامة الإنسانية كان من قِبَل أفراد بأُمّة ، وأصبح في هذا النظام من الفئات التي تمثِّل الأكثريّات بالنسبة إلى الأقلِّيات التي تشكّل بمجموعها عدداً هائلاً من البشر

وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، إذاً لكانت المأساة هيّنة ، ولكان المسرح يحتفل بالضحكات أكثر ممّا يعرض من دموع ، بل إنّ الأمر تفاقم واشتدّ حين برزت المسألة الاقتصادية من هذا النظام بعد ذلك ، فقرّرت الحرّية الاقتصادية على هذا النحو الذي عرضناه سابقاً ، وأجازت مختلف أساليب الثراء وألوانه مهما كان فاحشاً ، ومهما كان شاذّاً في طريقته وأسبابه ، وضمنت تحقيق ما أعلنت عنه ، في الوقت الذي كان العالم يحتفل بانقلاب صناعي كبير ، والعلم يتمخَّض عن ولادة الآلة التي قلبت وجه الصناعة ، وكسحت الصناعات اليدوية ونحوها ، فانكشف الميدان عن ثراء فاحش من جانب الأقلية من أفراد الأُمّة ، ممّن أتاحت لهم الفرص وسائل الإنتاج الحديث ، وزوَّدتهم الحرّيات الرأسمالية غير المحدودة بضمانات كافية لاستثمارها واستغلالها إلى أبعد حدٍّ ، والقضاء بها على كثير من فئات الأُمّة التي اكتسحت الآلة البخارية صناعتها ، وزعزعت حياتها ، ولم تجد سبيلاً للصمود في وجه التيّار ، ما دام أرباب الصناعات الحديثة مسلّحين بالحرّية الاقتصادية ، وبحقوق الحرّيات المقدَّسة كلّها

وهكذا خلا الميدان إلاّ من تلك الصفوة من أرباب الصناعة والإنتاج ، وتضاءلت الفئة الوسطى ، واقتربت إلى المستوى العامّ المنخفض ، وصارت هذه الأكثرية المحطَّمة تحت رحمة تلك الصفوة التي لا تفكّر ولا تحسب إلاّ على الطريقة الديمقراطية الرأسمالية ومن الطبيعي حينئذٍ أن لا تمدُّ يد العطف

٣١

والمعونة إلى هؤلاء ، لتنتشلهم من الهوَّة ، وتشركهم في مغانمها الضخمة ولماذا تفعل ذلك ؟! ما دام المقياس الخُلُقي هو المنفعة واللذّة ، وما دامت الدولة تضمن لها مطلق الحرّية فيما تعمل ، وما دام النظام الديمقراطي الرأسمالي يضيق بالفلسفة المعنوية للحياة ومفاهيمها الخاصّة

فالمسألة ـ إذاً ـ يجب أن تُدرَس بالطريقة التي يوحي بها هذا النظام ، وهي أن يستغلَّ هؤلاء الكبراء حاجة الأكثرية إليهم ، ومقوِّماتهم المعيشية ، فيفرض على القادرين العملُ في ميادينهم ومصانعهم في مدّة لا يمكن الزيادة عليها ، وبأثمان لا تفي إلاّ بالحياة الضرورية لهم هذا هو منطق المنفعة الخالص الذي كان من الطبيعي أن يسلكوه ، وتنقسم الأُمّة بسبب ذلك إلى فئة في قمّة الثراء ، وأكثرية في المهوى السحيق

وهنا يتبلور الحقّ السياسي للأُمّة من جديد بشكل آخر فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين وإن لم تمح من سجلّ النظام ، غير أنّها لم تعد بعد هذه الزعازع إلاّ خيالاً وتفكيراً خالصاً ؛ فإنّ الحرّية الاقتصادية حين تسجِّل ما عرضناه من نتائج ، تنتهي إلى الانقسام الفظيع الذي مرّ في العرض ، وتكون هي المسيطرة على الموقف والماسكة بالزمام ، وتُقهَر الحرّية السياسية أمامها ؛ فإنّ الفئة الرأسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع ، وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية ، وتمكُّنِها من شراء الأنصار والأعوان ، تهيمن على مقاليد الحكم في الأُمّة ، وتتسلّم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها ، ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال ، بعد أن كان المفروض في المفاهيم الديمقراطية أنّه من حقّ الأُمّة جمعاء وهكذا تعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حُكماً تستأثر به الأقلية ، وسلطاناً يحمي به عدّة من الأفراد كيانهم على حساب الآخرين ، بالعقلية النفعية التي يستوحونها

٣٢

من الثقافة الديمقراطية الرأسمالية

ونصل هنا إلى أفظع حلقات المأساة التي يمثّلها هذا النظام ؛ فإنّ هؤلاء السادة الذين وضع النظامُ الديمقراطي الرأسمالي في أيديهم كلَّ نفوذ ، وزوَّدهم بكلّ قوّة وطاقة ، سوف يمدّون أنظارهم ـ بوحي من عقلية هذا النظام ـ إلى الآفاق ، ويشعرون بوحي من مصالحهم وأغراضهم أنّهم في حاجة إلى مناطق نفوذ جديدة ؛ وذلك لسبيين :

الأوّل : أنّ وفرة الإنتاج تتوقّف على مدى توفّر المواد الأوّلية وكثرتها ، فكلّ من يكون حظّه من تلك المواد أعظم تكون طاقاته الإنتاجية أقوى وأكثر وهذه المواد منتشرة في بلاد الله العريضة وإذا كان من الواجب الحصول عليها ، فاللازم السيطرة على البلاد التي تملك المواد ، لامتصاصها واستغلالها

الثاني : أنّ شِدَّة حركة الإنتاج وقوّتها بدافع من الحرص على كثرة الربح من ناحية ، ومن ناحية أُخرى انخفاض المستوى المعيشي لكثير من المواطنين بدافع من الشره المادّي للفئة الرأسمالية ، ومغالبتها للعامّة على حقوقها بأساليبها النفعية ، التي تجعل المواطنين عاجزين عن شراء المنتجات واستهلاكها ، كلّ ذلك يجعل كبار المنتجين في حاجة ماسّة إلى أسواق جديدة لبيع المنتجات الفائضة فيها ، وإيجاد تلك الأسواق يعني التفكير في بلاد جديدة

وهكذا تُدرَس المسألة بذهنية مادّية خالصة ومن الطبيعي لمثل هذه الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخُلُقية ، ولم يعترف مذهبها الاجتماعي بغاية إلاّ إسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات ، أن ترى في هذين السببين مبرّراً ومسوّغاً منطقيّاً للاعتداء على البلاد الآمنة ، وانتهاك كرامتها ، والسيطرة على مقدّراتها ومواردها الطبيعية الكبرى ، واستغلال ثرواتها لترويج البضائع الفائضة فكلّ ذلك أمر معقول وجائز في عرف المصالح الفردية

٣٣

التي يقوم على أساسها النظام الرأسمالي والاقتصاد الحرّ

وينطلق من هنا عملاق المادّة ، يغزو ويحارب ، ويقيِّد ويكبّل ، ويستعمر ويستثمر ؛ إرضاءً للشهوات وإشباعاً للرغبات فانظر ماذا قاست الإنسانية من ويلات هذا النظام ، باعتباره مادّياً في روحه وصياغته ، وأساليبه وأهدافه ، وإن لم يكن مركّزاً على فلسفة محدَّدة تتّفق مع تلك الروح والصياغة ، وتنسجم مع هذه الأساليب والأهداف كما ألمعنا إليه ؟!!

وقدِّرْ بنفسك نصيب المجتمع الذي يقوم على ركائز هذا النظام ومفاهيمه من السعادة والاستقرار ، هذا المجتمع الذي ينعدم فيه الإيثار والثقة المتبادلة ، والتراحم والتعاطف الحقيقي ، وجميع الاتّجاهات الروحية الخيِّرة ، فيعيش الفرد فيه وهو يشعر بأنّه المسئول عن نفسه وحده ، وأنّه في خطر من قبل كلّ مصلحة من مصالح الآخرين التي قد تصطدم به ، فكأنّه يحيا في صراع دائم ومغالبة مستمرّة ، لا سلاح له فيها إلاّ قواه الخاصّة ، ولا هدف له منها إلاّ مصالحه الخاصّة

٣٤

الاشتراكية والشيوعية

في الاشتراكية مذاهب متعدّدة ، وأشهرها المذهب الاشتراكي القائم على النظرية الماركسية والمادّية الجدلية التي هي عبارة عن فلسفة خاصّة للحياة ، وفهم مادّي لها على طريقة ديالكتيكية وقد طبّق المادّيون الديالكتيكيون هذه المادّية الديالكتيكية على التأريخ والاجتماع والاقتصاد ، فصارت عقيدةً فلسفية في شأن العالم ، وطريقة لدرس التأريخ والاجتماع ، ومذهباً في الاقتصاد ، وخطّة في السياسة

وبعبارة أُخرى : أنّها تصوغ الإنسان كلّه في قالب خاصّ ، من حيث لون تفكيره ووجهة نظره إلى الحياة وطريقته العملية فيها ولا ريب في أنّ الفلسفة المادّية وكذلك الطريقة الديالكتيكية ليستا من بدع المذهب الماركسي وابتكاراته ، فقد كانت النزعة المادّية تعيش منذ آلاف السنين في الميدان الفلسفي ، سافرةً تارة ، ومتواريةً أُخرى وراء السفسطة والإنكار المطلق ، كما أنّ الطريقة الديالكتيكيّة في التفكير عميقة الجذور ببعض خطوطها في التفكير الإنساني ، وقد استكملت كلّ خطوطها على يد (هيجل ) الفيلسوف المثالي المعروف وإنّما جاء (كارل ماركس ) إلى هذا المنطق وتلك الفلسفة فتبنّاهما ، وحاول تطبيقها على جميع ميادين الحياة ، فقام بتحقيقين :

أحدهما : أن فسَّر التأريخ تفسيراً مادّياً خالصاً بطريقة ديالكتيكيّة

والآخر : زعم فيه أنّه اكتشف تناقضات رأس المال والقيمة الفائضة التي يسرقها صاحب المال في عقيدته من العامّل(١) وأشاد على أساس هذين

____________________

(١) شرحنا هذه النظريّات مع دراسة علمية مفصّلة في كتاب (اقتصادنا) (المؤلّف قدس‌سره )

٣٥

التحقيقين إيمانه بضرورة فناء المجتمع الرأسمالي ، وإقامة المجتمع الشيوعي والمجتمع الاشتراكي الذي اعتبره خطوة للإنسانية إلى تطبيق الشيوعية تطبيقاً كاملاً

فالميدان الاجتماعي في هذه الفلسفة ميدان صراع بين المتناقضات ، وكلّ وضع اجتماعي يسود ذلك الميدان فهو ظاهرة مادّية خالصة ، منسجمة مع سائر الظواهر والأحوال المادّية ومتأثّرة بها ، غير أنّه في نفس الوقت يحمل نقيضه في صميمه ، وينشب ـ حينئذٍ ـ الصراع بين النقائض في محتواه ، حتّى تتجمَّع المتناقضات ، وتُحدِث تبدّلاً في ذلك الوضع وإنشاءً لوضع جديد ، وهكذا يبقى العراك قائماً حتّى تكون الإنسانية كلّها طبقةً واحدة ، وتتمثَّل مصالح كلّ فرد في مصالح تلك الطبقة الموحّدة في تلك اللحظة يسود الوئام ، ويتحقّق السلام ، وتزول نهائياً جميع الآثار السيّئة للنظام الديمقراطي الرأسمالي ؛ لأنّها إنّما كانت تتولَّد من تعدّد الطبقة في المجتمع ، وهذا التعدّد إنّما نشأ من انقسام المجتمع إلى منتج وأجير وإذاً فلابدّ من وضع حدٍّ فاصل لهذا الانقسام ، وذلك بإلغاء الملكيّة وتختلف هنا الشيوعية عن الاشتراكية في الخطوط الاقتصادية الرئيسية ؛ وذلك لأنّ الاقتصاد الشيوعي يرتكز :

أوّلاً - على إلغاء المِلْكية الخاصّة ومحوها محواً تاماً من المجتمع ، وتمليك الثروة كلّها للمجموع ، وتسليمها إلى الدولة باعتبارها الوكيل الشرعي عن المجتمع في إدارتها واستثمارها لخير المجموع واعتقاد المذهب الشيوعي بضرورة هذا التأميم المطلق إنّما كان ردّ الفعل الطبيعي لمضاعفات المِلْكية الخاصّة في النظام الديمقراطي الرأسمالي وقد بُرِّر هذا التأميم بأنّ المقصود منه إلغاء الطبقة الرأسمالية ، وتوحيد الشعب في طبقة واحدة ؛ ليُختم بذلك الصراع ، ويُسدّ على الفرد الطريق إلى استغلال شتّى الوسائل والأساليب لتضخيم ثروته ، إشباعاً

٣٦

لجشعه واندفاعاً بدافع الأثرة وراء المصلحة الشخصية

ثانياً - على توزيع السلع المنتجة على حسب الحاجات الاستهلاكية للأفراد ، ويتلخّص في النصّ الآتي : (من كلٍّ حسب قدرته ، ولكلّ حسب حاجته) ؛ وذلك أنّ كلّ فرد له حاجات طبيعية لا يمكنه الحياة بدون توفيرها ، فهو يدفع للمجتمع كلّ جهده ، فيدفع له المجتمع متطلّبات حياته ، ويقوم بمعيشته

ثالثاً ـ على منهاج اقتصادي ترسمه الدولة ، وتوفِّق فيه بين حاجة المجموع والإنتاج : في كمّيته ، وتنويعه ، وتحديده ؛ لئلاً يمنى المجتمع بنفس الأدواء والأزمات التي حصلت في المجتمع الرأسمالي حينما أطلق الحرّيات بغير تحديد

الانحراف عن العملية الشيوعية :

ولكنّ أقطاب الشيوعية الذين نادوا بهذا النظام لم يستطيعوا أن يطبّقوه بخطوطه كلّها حين قبضوا على مقاليد الحكم ، واعتقدوا أنّه لابدّ لتطبيقه من تطوير الإنسانية في أفكارها ودوافعها ونزعاتها ، زاعمين أنّ الإنسان سوف يجيء عليه اليوم الذي تموت في نفسه الدوافع الشخصية والعقلية والفردية ، وتحيا فيه العقلية الجماعية والنوازع الجماعية ، فلا يفكّر إلاّ في المصلحة الاجتماعية ، ولا يندفع إلاّ في سبيلها

ولأجل ذلك كان من الضروري ، في عرف هذا المذهب الاجتماعي ، إقامة نظام اشتراكي قبل ذلك ؛ ليتخلّص فيه الإنسان من طبيعته الحاضرة ، ويكتسب الطبيعة المستعدّة للنظام الشيوعي وهذا النظام الاشتراكي أُجريت فيه تعديلات مهمّة على الجانب الاقتصادي من الشيوعية

٣٧

فالخطّ الأوّل من خطوط الاقتصاد الشيوعي ، وهو : إلغاء الملكية الفردية ، قد بُدِّل إلى حلٍّ وسط ، وهو : تأميم الصناعات الثقيلة والتجارة الخارجية والتجارات الداخلية الكبيرة ، ووضعها جميعاً تحت الانحصار الحكومي وبكلمة أُخرى : إلغاء رأس المال الكبير مع إطلاق الصناعات والتجارات البسيطة وتركها للأفراد ؛ وذلك لأنّ الخطّ العريض في الاقتصاد الشيوعي اصطدم بواقع الطبيعة الإنسانية الذي أشرنا إليه ؛ حيث أخذ الأفراد يتقاعسون عن القيام بوظائفهم والنشاط في عملهم ، ويتهرَّبون من واجباتهم الاجتماعية ؛ لأنّ المفروض تأمين النظام لمعيشتهم وسدِّ حاجاتهم ، كما أنّ المفروض فيه عدم تحقيق العمل والجهد ـ مهما كان شديداً ـ لأكثر من ذلك فعلام إذن يجهد الفرد ويكدح ويجدُّ ما دامت النتيجة في حسابه هي النتيجة في حالي الخمول والنشاط ؟! ولماذا يندفع إلى توفير السعادة لغيره وشراء راحة الآخرين بعرقه ودموعه وعصارة حياته وطاقاته ، ما دام لا يؤمن بقيمة من قيم الحياة ، إلاّ القيمة المادّية الخالصة ؟!!

فاضطرّ زعماء هذا المذهب إلى تجميد التأميم المطلق ، وإلى تعديل الخطّ الثاني من خطوط الاقتصاد الشيوعي أيضاً ، وذلك بجعل فوارق بين الأُجور ؛ لدفع الأعمال إلى النشاط والتكامل في العمل ، معتذرين بأنّها فوارق مؤقّتة سوف تزول حينما يُقضى على العقلية الرأسمالية ، وينشأ الإنسان إنشاءً جديداً وهم لأجل ذلك يجرون التغييرات المستمرّة على طرائقهم الاقتصادية وأساليبهم الاشتراكية ؛ لتدارك فشل كلّ طريقة بطريقة جديدة ولم يوفَّقوا حتّى الآن للتخلّص من جميع الركائز الأساسية في الاقتصاد الرأسمالي ، فلم تلغ ـ مثلاً ـ القروض الربوية نهائياً ، مع أنّها في الواقع أساس الفساد الاجتماعي في الاقتصاد الرأسمالي

٣٨

ولا يعني هذا كلّه أنّ أولئك الزعماء مقصّرون ، أو أنّهم غير جادّين في مذهبهم وغير مخلصين لعقيدتهم ، وإنّما يعني : أنّهم اصطدموا بالواقع حين أرادوا التطبيق ، فوجدوا الطريق مليئاً بالمعاكسات والمناقضات التي تضعها الطبيعة الإنسانية أمام الطريقة الانقلابية للإصلاح الاجتماعي الذي كانوا يبشّرون به ، ففرض عليه الواقع التراجعَ آملين أن تتحقّق المعجزة في وقت قريب أو بعيد

وأمّا من الناحية السياسية ، فالشيوعية تستهدف في نهاية شوطها الطويل إلى محو الدولة من المجتمع حين تتحقّق المعجزة ، وتعمّ العقلية الجماعية كلَّ البشر ، فلا يفكّر الجميع إلاّ في المصلحة المادّية للمجموع وأمّا قبل ذلك ، ما دامت المعجزة غير محقّقة ، وما دام البشر غير موحَّدين في طبقة ، والمجتمع ينقسم إلى قوى رأسمالية وعمّالية ، فاللازم أن يكون الحكم عمّالياً خالصاً ، فهو حكم ديمقراطي في حدود دائرة العمال ، ودكتاتوري بالنسبة إلى العموم وقد علَّلوا ذلك بأنّ الدكتاتورية العمّالية في الحكم ضرورية في كلّ المراحل التي تطويها الإنسانية بالعقلية الفردية ؛ وذلك حمايةً لمصالح الطبقة العامّلة ، وخنقاً لأنفاس الرأسمالية ، ومنعاً لها عن البروز إلى الميدان من جديد.

والواقع : أنّ هذا المذهب الذي تمثَّل في الاشتراكية الماركسية ، ثمّ في الشيوعية الماركسية ، يمتاز على النظام الديمقراطي الرأسمالي بأنّه يرتكز على فلسفة مادّية معيّنة ، تتبنّى فهماً خاصّاً للحياة ، لا يَعترف لها بجميع المثُل والقيم المعنوية ، ويعلِّلها تعليلاً لا موضع فيه لخالق فوق حدود الطبيعة ، ولا لجزاء مرتقب وراء حدود الحياة المادّية المحدودة وهذا على عكس الديمقراطية الرأسمالية ؛ فإنّها وإن كانت نظاماً مادّياً ولكنّها لم تبنَ على أساس فلسفيٍّ محدَّد فالربط الصحيح بين المسألة الواقعية للحياة والمسألة الاجتماعية آمنت به الشيوعية المادّية ، ولم تؤمن به الديمقراطية الرأسمالية أو لم تحوّل إيضاحه

٣٩

وبهذا كان المذهب الشيوعي حقيقاً بالدرس الفلسفي وامتحانه عن طريق اختبار الفلسفة التي ركّز عليها وانبثق عنها ، فإنّ الحكم على كلّ نظام يتوقّف على مدى نجاح مفاهيمه الفلسفية في تصوير الحياة وإدراكها

ومن السهل أن ندرك في أوّل نظرة نلقيها على النظام الشيوعي المخفَّف أو الكامل ، أنّ طابعه العامّ هو إفناء الفرد في المجتمع ، وجعله آلة مسخَّرة لتحقيق الموازين العامّة التي يفترضها فهو على النقيض تماماً من النظام الرأسمالي الحرّ الذي يجعل المجتمع للفرد ويسخّره لمصالحه ، فكأنّه قد قُدِّر للشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية ـ في عرف هذين النظامين ـ أن تتصادما وتتصارعا فكانت الشخصية الفردية هي الفائزة في حدّ النظامين الذي أقام تشريعه على أساس الفرد ومنافعه الذاتية ، فمني المجتمع بالمآسي الاقتصادية التي تزعزع كيانه وتشوِّه الحياة في جميع شُعَبِها وكانت الشخصية الاجتماعية هي الفائزة في النظام الآخر الذي جاء يتدارك أخطاء النظام السابق ، فساند المجتمع ، وحكم على الشخصية الفردية بالاضمحلال والفناء ، فأُصيب الأفراد بمحن قاسية قضت على حرّيتهم ووجودهم الخاصّ ، وحقوقهم الطبيعية في الاختيار والتفكير

المؤاخذات على الشيوعية :

والواقع : أنّ النظام الشيوعي وإن عالج جملة من أدواء الرأسمالية الحرّة بمحوه للملكية الفردية ، غير أنّ هذا العلاج له مضاعفات طبيعية تجعل ثمن العلاج باهظاً ، وطريقة تنفيذه شاقّة على النفس لا يمكن سلوكها إلاّ إذا فشلت سائر الطرق والأساليب ، هذا من ناحية ومن ناحية أُخرى هو علاج ناقص لا يضمن القضاء على الفساد الاجتماعي كلّه ؛ لأنّه لم يحالفه الصواب في تشخيص الداء ، وتعيين النقطة التي انطلق منها الشرّ حتّى اكتسح العالم في ظلّ الأنظمة الرأسمالية ،

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ولنعيّن لك صفحات روايات أحمد في مسنده ؛ لترجع إليها عند الحاجة ، فإنّه روى :

حديث سعد ، صفحة ١٧٥ من الجزء الأوّل

وحديث ابن عبّاس ، صفحة ٣٣١ من الجزء الأوّل أيضا

وحديث ابن عمر ، صفحة ٢٦ من الجزء الثاني

وحديث زيد بن أرقم ، صفحة ٣٦٩ من الجزء الرابع

ولعلّه لأحمد أحاديث أخر.

فأنت ترى أنّ طرق الحديث مستفيضة أو متواترة ، ولا سيّما بضميمة أخبارنا ، وقد صحّح القوم جملة من أحاديثهم كما عرفت ، حتّى صحّح الحاكم في « المستدرك » طريقين منها(١) ، وأقرّه الذهبي ـ مع ما تعلمه من حاله ـ على صحّة حديث زيد بن أرقم ، الذي رواه مع حديث عمر ، صفحة ١٢٥ من الجزء الثالث(٢) .

فمع هذا كلّه ، كيف يجوز لابن الجوزي دعوى الوضع لمجرّد رواية الصحيحين لحديث استثناء باب أبي بكر ، وهو أقرب إلى الوضع ؛ لأنّه من حديث المتّهمين والنصّاب ، مع ضعف رجال سنده كما عرفت(٣) ، وعدم تعدّد طرقه؟! ولكن لا حيلة مع التعصّب ومجانبة الإنصاف!!

* * *

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٥ ح ٤٦٣١ و ٤٦٣٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٥ ح ٤٦٣١.

(٣) راجع الصفحتين ١١٠ و ١١١ من هذا الجزء.

١٢١

١٣ ـ حديث المؤاخاة

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثالث عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، من عدّة طرق ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين الناس وترك عليّا حتّى بقي آخرهم لا يرى له أخا ، فقال : يا رسول الله! آخيت بين أصحابك وتركتني؟!

فقال : «إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب.

والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي »(٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «مكتوب على باب الجنّة : محمّد رسول الله ، عليّ أخو رسول الله ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٧.

(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ح ١ ، وفي فضائل الصحابة ٢ / ٧٦٥ ح ١٠٥٥ وص ٧٩٢ ح ١٠٨٥ وص ٨٢٩ ح ١١٣٧ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢٠ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ / ٣٦ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ١٤٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥ ـ ١٦ ح ٤٢٨٨ ـ ٤٢٨٩ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٩٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٥٧ ـ ٦٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥١ ـ ٦٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٣٦٣٤٥ وص ١٤٠ ح ٣٦٤٤٠.

١٢٢

قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام »(١) .

* * *

__________________

(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٢٧ ـ ٨٢٨ ح ١١٣٤ ـ ١١٣٥ وص ٨٣١ ـ ٨٣٢ ح ١١٤٠ ، المعجم الأوسط ٥ / ٥٠٤ ح ٥٤٩٨ ، حلية الأولياء ٧ / ٢٥٦ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٨٧ رقم ٣٩١٩ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ح ١٣٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٤٠ ح ٦٧١٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٤ ح ١٦٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١١ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣ وج ١٣ / ١٣٨ ح ٣٦٤٣٥.

١٢٣

وقال الفضل(١) :

حديث المؤاخاة مشهور معتبر معوّل عليه ، ولا شكّ أنّ عليّا أخ(٢) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحبّه وحبيبه ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الحبّ له ، وهذا كلّه يؤخذ من صحاحنا ومن مذهبنا ، ولكن لا يدلّ على النصّ ؛ لأنّ أبا بكر كان خليل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووزيره وقرينه ، وله أيضا من الفضائل ما لا يعدّ ولا يحصى ، والكلام ليس في عدّ الفضائل وإثباتها ، بل وجود النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٣٩.

(٢) كذا في الأصل ، وليس بعزيز من مثل الفضل ، والصواب لغة : « أخو ».

١٢٤

وأقول :

نقل في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، حديث المؤاخاة عن أحمد في مسنده ، عن زيد بن أبي أوفى(١) .

كما نقله المصنّفرحمه‌الله في « منهاج الكرامة » ، عن « المسند » أيضا(٢) .

وقد سبق ذكره في الآية الثانية والثلاثين ، وأنّ ابن تيميّة زعم أنّه من زيادات القطيعي(٣) .

وسبق أنّه قد نقله في « كنز العمّال » و « تذكرة الخواصّ » ، عن أحمد في « الفضائل »(٤) .

ثمّ حكى في « الينابيع » أيضا ، عن أحمد في « مسنده » ، عن حذيفة ابن اليمان ، قال : « آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المهاجرين والأنصار ، وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، ثمّ أخذ بيد عليّعليه‌السلام ، فقال : هذا أخي »(٥) .

وحكى أيضا عن عبد الله بن أحمد في « زوائد المسند » ثمانية أحاديث في مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام (٦) .

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ح ١.

(٢) منهاج الكرامة : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٣) انظر : ج ٥ / ١٤٣ من هذا الكتاب ، منهاج السنّة ٧ / ٢٧٨.

(٤) فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٢ ح ١٠٨٥ ، وانظر : كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٣٦٣٤٥ ، تذكرة الخواصّ : ٢٩ و ٣١.

(٥) ينابيع المودّة ١ / ١٧٨ ح ٤.

(٦) إنّما هما حديثان عن « زوائد المسند » ، فانظر : ينابيع المودّة ١ / ١٧٨ ح ٣ وص ١٧٩ ح ٦ ، ويبدو أنّ ذلك من سهو القلم ، فمجموعة أحاديث المؤاخاة المذكورة

١٢٥

فيمكن أن يكون المصنّفرحمه‌الله أشار إلى هذه الأحاديث بقوله : « من عدّة طرق » ، وكأنّ القوم قد تعلّلوا لحذفها من « المسند » في الطبع ، بدعوى أنّها من الزيادات ، فإنّي لم أعثر على شيء منها!

وروى الترمذي حديث المؤاخاة في فضائل عليّعليه‌السلام من « سننه » ، عن ابن عمر ، وحسّنه ، ثمّ قال : وفيه عن زيد بن أبي أوفى(١) .

ورواه في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن أبي الطفيل ، قال : « لمّا احتضر عمر جعلها شورى بين عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، فقال لهم عليّ : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبينه ـ إذ آخى بين المسلمين ـ غيري؟!

قالوا : اللهمّ لا ».

ثمّ قال : « وروينا من وجوه عن عليّ أنّه كان يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب ».

ثمّ قال : « قال أبو عمر(٢) : آخى رسول الله بين المهاجرين [ بمكّة ] ، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار [ بالمدينة ] ، وقال في كلّ واحدة منهما لعليّ :أنت أخي في الدنيا والآخرة ؛ وآخى بينه وبين نفسه ؛ فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من عليّ ».

انتهى ما في « الاستيعاب »(٣) .

__________________

في ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ـ ١٨١ ب‍ ٩ ح ١ ـ ٧ هي من مصادر مختلفة وبطرق متعدّدة ؛ فلاحظ!

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢٠.

(٢) هو صاحب كتاب « الاستيعاب في معرفة الأصحاب » ، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ الأندلسي ، المتوفّى سنة ٤٦٣ ه‍.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١٠٩٨ ـ ١٠٩٩.

١٢٦

وروى الحاكم حديث المؤاخاة في « المستدرك » ، في كتاب الهجرة ، من طرق ، عن ابن عمر(١)

وحكى في « كنز العمّال »(٢) ، عن الخلعي ، والبيهقي في « سننه »(٣) ، والضياء في « المختارة » ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : «آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين عمر وأبي بكر ، وبين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة ـ إلى أن قال : ـوبيني وبين نفسه »

وحكى في « الكنز » أيضا(٤) ، عن أبي يعلى في « مسنده »(٥) ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : «آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الناس وتركني ـ إلى أن قال : ـ قال : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن حاجّك أحد فقل : إنّي عبد الله وأخو رسوله ، لا يدّعيها أحد بعدك إلّا كذّاب ».

وحكى في « الكنز » أيضا نحوه(٦) ، عن ابن عديّ ، بسنده عن يعلى ابن مرّة.

وحكى فيه أيضا ، عن الطبراني ، عن ابن عبّاس : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : «أغضبت [ عليّ ] حين واخيت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟!

__________________

(١) ص ١٤ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥ ـ ١٦ ح ٤٢٨٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٣٩٤ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٠ ح ٣٦٣٨٤ ]. منهقدس‌سره .

(٣) لم نعثر عليه في « السنن » المطبوع!

(٤) ص ٣٩٩ من ج ٦ [ ١٣ / ١٤٠ ح ٣٦٤٤٠ ]. منهقدس‌سره .

(٥) لم نعثر عليه في « مسند أبي يعلى » المطبوع!

(٦) ص ٥٤ من ج ٦ [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٣٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٣٥ رقم ١٢٠٥.

١٢٧

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟!

ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية »(١) .

وحكى أيضا حديث المؤاخاة بين النبيّ وعليّ ، عن ابن عساكر ، عن أبي رافع ، عن أبي أمامة(٢) .

ونقل سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ثلاث روايات في المؤاخاة ، عن أحمد في « الفضائل » ، كما هي عادته في النقل عنها ، وأثبت وثاقتها ، ونقل أيضا عن أحمد ما نقله المصنّفرحمه‌الله عن « الجمع بين الصحاح »(٣) .

وحكى في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، عن ابن المغازلي ، أنّه أخرج ستّة أحاديث في المؤاخاة ، وعن أخطب خوارزم اثني(٤) عشر حديثا ، وعن الحمويني حديثين ، بأسانيدهم عن ابن عبّاس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن أبي أوفى ، وأبي أمامة ، وغيرهم(٥) .

__________________

(١) كنز العمّال ١١ / ٦٠٧ ح ٣٢٩٣٥ ، وانظر : المعجم الأوسط ٨ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٧٨٩٤ ، المعجم الكبير ١١ / ٦٢ ـ ٦٣ ح ١١٠٩٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١١.

(٢) ص ٤٠٠ من ج ٦ [ ١٣ / ١٤٤ ح ٣٦٤٥٠ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٥١.

(٣) تذكرة الخواصّ : ٢٩ ـ ٣١.

(٤) في المصدر : « إحدى ».

(٥) ينابيع المودّة ١ / ١٧٩ ضمن ح ٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٥٧ ـ ٦٠ وص ١٣٥ ح ١٥٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام

١٢٨

وقد مرّ في الآية الثالثة والعشرين الأحاديث في قول أمير المؤمنين : «أنا عبد الله وأخو رسوله »(١) .

ونقل في « كنز العمّال »(٢) ، عن العدني ، عن أبي يحيى ، قال : سمعت عليّا يقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد بعدي إلّا كاذب » ؛ فقالها رجل فأصابته جنّة

ويشهد لصحّة أخبار المؤاخاة بين المهاجرين ، ما رواه البخاري في باب « كيف يكتب : هذا ما صالح فلان بن فلان » ، من كتاب « الصلح »(٣) .

وفي باب « عمرة القضاء » ، من كتاب « المغازي » ، أنّه اختصم عليّ وجعفر وزيد بن حارثة في كفالة ابنة حمزة لمّا تبعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتناولها عليّعليه‌السلام ؛ فقال عليّعليه‌السلام : أنا أخذتها ، وهي بنت عمّي.

وقال جعفر : هي ابنة عمّي ، وخالتها تحتي.

وقال زيد : ابنة أخي(٤) .

ومثله في « مستدرك » الحاكم(٥) .

إذ لا معنى لقول زيد : « ابنة أخي » ومنازعته لأمير المؤمنين وجعفر ،

__________________

_ للخوارزمي ـ : ١١١ ـ ١١٢ ح ١٢٠ و ١٢١ وص ١٤٠ ح ١٥٩ وص ١٤٤ ح ١٦٨ وص ١٥٢ ضمن ح ١٧٨ وص ١٥٧ ح ١٨٦ وص ٢٩٤ ح ٢٨٢ وص ٣٠١ ضمن ح ٢٩٦ وص ٣٤١ ح ٣٦١ وص ٣٤٤ ضمن ح ٣٦٤ وص ٣٥٩ ح ٣٧٢ ، فرائد السمطين ١ / ١١٢ ـ ١١٦ ح ٨٠ و ٨١.

(١) راجع : ج ٥ / ٩٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) ص ٣٩٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٩ ح ٣٦٤١٠ ]. منهقدس‌سره .

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٢٦٣.

(٥) ص ١٢٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤ ]. منهقدس‌سره .

١٢٩

وهما هما مع رحمهما الماسّة بابنة عمّهما لو لا المؤاخاة التي عقدها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين حمزة وزيد ، وهما مهاجريّان(١) .

لكنّ ابن تيميّة أنكر المؤاخاة بين المهاجرين ، وبين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين(٢) ، قال : لأنّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لإرفاق بعضهم ببعض ، ولتأليف قلوب بعضهم ببعض ، فلا معنى لمؤاخاة مهاجريّ لمهاجريّ(٣) .

وفيه : إنّ الإرفاق والتأليف أيضا مطلوبان بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، مع اشتمال المؤاخاة على حكم كثيرة أخر.

قال في « السيرة »(٤) : « قال الحافظ ابن حجر : وهذا ردّ للنصّ بالقياس ، وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة ، فآخى بين الأعلى والأدنى ، ليرتفق الأدنى بالأعلى ، وليستعين الأعلى بالأدنى.

ولهذا تظهر مؤاخاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام ؛ لأنّه كان هو الذي يقوم بأمره قبل البعثة(٥) .

وفي ( الصحيح ) ، في عمرة القضاء ، أنّ زيد بن حارثة قال : ( إنّ بنت حمزة بنت أخي ) ؛ أي بسبب المؤاخاة(٦) » ؛ انتهى.

__________________

(١) انظر : السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٨١.

(٢) انظر : منهاج السنّة ٤ / ٣٢ ـ ٣٣ وج ٥ / ٧١ وج ٦ / ١٧٢ وج ٧ / ٢٧٩ و ٣٦١ و ٣٦٢.

(٣) كما في : السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٢ / ٣٢٦ ولم يصرّح باسم ابن تيميّة ، فتح الباري ٧ / ٣٤٥ ب‍ ٥٠ ح ٣٩٣٧ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٨١ ـ ١٨٢.

(٤) ص ٢٢ من الجزء الثاني [ السيرة الحلبية ٢ / ١٨٢ ]. منهقدس‌سره .

(٥) فتح الباري ٧ / ٣٤٥ ب‍ ٥٠ ح ٣٩٣٧.

(٦) تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة ه‍ ٤.

١٣٠

وهو كلام حسن ، سوى إنّ مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ ليست للارتزاق ؛ لغنى عليّعليه‌السلام حينئذ بالغنائم وغيرها ، وبلوغه منزلة يعول بها ولا يعال به.

وإنّما الغرض من مؤاخاته لعليّ تعريف منزلته ، وبيان فضله على غيره ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، كما دلّ عليه بعض الأخبار(١) ؛ لأنّ ذلك أقرب إلى التعاون والتعاضد ، وأوجب للتأليف ، فيكون أمير المؤمنينعليه‌السلام هو النظير لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كما جعلته آية المباهلة نفسه ؛ وذلك رمز لإمامته ؛ ولذا احتجّ به أمير المؤمنين يوم الشورى(٢) .

كما أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أيضا ـ إلى ذلك بقوله في كثير من هذه الأحاديث : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ».

وقوله :أنت أخي ووارثي ؛ فقال عليّ :وما أرث منك ؟ قال :ما ورّث الأنبياء قبلي ؛ قال :وما ورّثوا ؟ قال :كتاب الله وسنن أنبيائه ؛ كما سبق في الآية الثانية والثلاثين(٣) .

فإنّ عليّاعليه‌السلام إذا ورث مواريث الأنبياء كان من خلفائهم وإمام الأمّة ؛ إذ ليس الإمام إلّا من كان كذلك.

ويشهد لذلك وصف عليّعليه‌السلام بالأخوّة في عرض وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، في ما هو مكتوب على باب الجنّة ، كما في الخبر

__________________

(١) انظر علاوة على أحاديث المؤاخاة المتقدّمة : مطالب السؤول : ٨٧ ـ ٨٨ ، كفاية الطالب : ١٩٤ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٧ ، ينابيع المودّة ١ / ١٧٨.

(٢) انظر مبحث آية المباهلة في ج ٤ / ٣٩٩ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٣) انظر : ج ٥ / ١٤٣ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٣١

الذي نقله المصنّفرحمه‌الله عن « الجمع بين الصحاح »(١) ، ونقلناه عن « تذكرة الخواصّ »(٢) ، ونقله في « كنز العمّال » عن الطبراني والخطيب(٣) ، وعن ابن عساكر(٤) ، بأسانيدهم عن جابر(٥) .

وأمّا مناظرة الفضل للحديث بأنّ أبا بكر خليل رسول الله ووزيره وقرينه ، فمن مقاومة حجّتنا عليهم بما ليس حجّة علينا.

والظاهر ، أنّه أشار بقوله : « خليل رسول الله » إلى ما رووه من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا »(٦) .

وأنت ترى أنّه نفي للخلّة(٧) لا إثبات لها.

نعم ، فيه خلّة فرضية لا تساوي الأخوّة الفعليّة ، مع أنّ الأخوّة فوق الخلّة.

وسيأتي إن شاء الله تعالى ما على هذا الخبر من دلائل أنّه من الموضوعات.

__________________

(١) انظر الصفحة ١٢٢ ـ ١٢٣ من هذا الجزء.

(٢) تذكرة الخواصّ : ٣٠ ، وانظر الصفحة ١٢٥ ه‍ ٤ من هذا الجزء.

(٣) ص ١٥٩ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الأوسط ٥ / ٥٠٤ ح ٥٤٩٨ ، المتّفق والمفترق ١ / ٤٩٨ ح ٢٦٠ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٨٧ رقم ٣٩١٩.

(٤) ص ٣٩٩ من هذا الجزء [ ١٣ / ١٣٨ ح ٣٦٤٣٥ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٩.

(٥) وانظر مبحث حديث المؤاخاة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ٣ / ٢٤٢ ـ ٢٤٩!

(٦) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ح ٣٦٥٩ و ٣٦٦٠ ، مسند أحمد ١ / ٣٧٧ و ٤٣٣.

(٧) الخلّة : الصداقة المختصّة التي ليس فيها خلل ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٢٠٢ مادّة « خلل ».

١٣٢

١٤ ـ حديث : إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الرابع عشر : من مسند أحمد بن حنبل ، وفي الصحاح الستّة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من عدّة طرق : «إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ »(٢) .

وفيه أيضا : لمّا قتل عليّ أصحاب الألوية يوم أحد قال جبرئيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذه [ لهي ](٣) المواساة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٨.

(٢) مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ و ٤٣٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٥ ح ١٠١٠ وص ٧٤٢ ح ١٠٢٣ ، صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٨٧ « باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، القرشيّ الهاشميّ ، أبي الحسن رضي الله عنه ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : أنت منّي وأنا منك » ولم نجد في هذا الباب حديثا يدلّ على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا! وص ٢٩٢ ذ ح ٢٦٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٦ ـ ٨١٤٧ وص ١٢٦ ح ٨٤٥٣ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ وص ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ، مسند الطيالسي : ١١١ ح ٨٢٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ح ٨ وص ٥٠٤ ح ٥٨ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٠ ح ١١٨٧ وص ٥٥١ ح ١١٨٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ح ٣٥٥ ، مسند الروياني ١ / ٦٢ ح ١١٩ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٩ ح ٢٦٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٢ ح ٦٨٩٠ ، حلية الأولياء ٦ / ٢٩٤ رقم ٢٨٧ ، مناقب الإمام عليّ ٧ ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٥ ـ ٢١١ ح ٢٦٧ ـ ٢٧٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٦ و ٤٧٦٨.

(٣) أثبتناه من « فضائل الصحابة ».

١٣٣

فقال : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّا منّي وأنا منه ».

فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله(١) .

* * *

__________________

(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨١٦ ـ ٨١٧ ح ١١١٩ و ١١٢٠ ، المعجم الكبير ١ / ٣١٨ ح ٩٤١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥ ، الأغاني ١٥ / ١٨٧ ، ربيع الأبرار ١ / ٨٣٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٧٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ٢٥١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣١ عن أحمد ، ذخائر العقبى : ١٢٧ ، فرائد السمطين ١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ح ١٩٨ ، مجمع الزوائد ٦ / ١١٤ و ١٢٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ح ٣٦٤٤٩.

١٣٤

وقال الفضل(١) :

إتّصال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعليّ في النسب ، وأخوّة الإسلام ، والنصرة ، والمؤازرة ، غير خفيّ على أحد ، ولا دلالة على النصّ بخلافته ؛ لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لغير عليّ ، كما ذكر أنّه قال : « الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا(٢) ، أنا منهم وهم منّي »(٣) .

ولا شكّ أنّ الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء ، فلا يكون هذا نصّا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٣.

(٢) أرمل القوم : أي نفد زادهم ، وأصله من الرّمل كأنّهم لصقوا بالرّمل ، كما قيل للفقير : التّرب ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٣٢١ مادّة « رمل ».

(٣) صحيح البخاري ٣ / ٢٧٦ ح ٤ ، صحيح مسلم ٧ / ١٧١ كتاب الفضائل / باب فضائل الأشعريّين ، مختصر تاريخ دمشق ١٣ / ٢٤٠ رقم ٦٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٥٦ ح ٣٣٩٧٣.

١٣٥

وأقول :

روى البخاري والحاكم في « المستدرك » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت منّي وأنا منك »(١) ، وذلك في قصّة مخاصمة أمير المؤمنين وجعفر وزيد في ابنة حمزة ، كما أشرنا إليها في المبحث السابق(٢) .

وروى الحاكم في « المستدرك »(٣) ، عن عمران بن حصين ـ وصحّحه على شرط مسلم ـ ، قال عمران ما حاصله : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل عليّا على سريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، فتعاقد أربعة أن يخبروا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره أحدهم ، فأعرض عنه ، وكذلك الثاني والثالث.

ثمّ قام الرابع فأخبره ، فأقبل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والغضب في وجهه فقال : «ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن ».

ونحوه في « سنن الترمذي » ، في مناقب عليّعليه‌السلام (٤) .

وفي « مسند أحمد »(٥) و « كنز العمّال »(٦) ، نقلا عن ابن أبي شيبة ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٢٦٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤.

(٢) انظر الصفحة ١٢٥ من هذا الجزء.

(٣) ص ١١٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٩ ]. منهقدس‌سره .

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ح ٣٧١٢.

(٥) ص ٤٣٧ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٦) ص ١٥٤ من الجزء السادس [ ١١ / ٥٩٩ ح ٣٢٨٨٣ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : كنز العمّال ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٠ وج ١٣ / ١٤٢ ح ٣٦٤٤٤.

١٣٦

جميعا عن عمران(١) .

وفي رواية أخرى لأحمد(٢) ، ولابن أبي شيبة ، كما في « الكنز »(٣) ، كلاهما عن بريدة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا تقع في عليّ عليه‌السلام ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ».

وفي حديث آخر لابن أبي شيبة ، كما في « الكنز »(٤) ، عن عمران ، ـ وقال : صحيح ـ : «عليّ منّي وأنا من عليّ ، وعليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي ».

وقد سبق في الحديث السادس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ »(٥) .

رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة(٦) .

ودلالة الجميع على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ظاهرة ؛ لأنّ جعل كلّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام بعضا من الآخر دليل على اتّحادهما بالمزايا والفضل والإمامة.

كما يشهد له مضيّ فعل عليّعليه‌السلام في اصطفاء الجارية من السبي ، كما مرّ في رواية عمران وبريدة.

__________________

(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٤٩ ـ ٧٥٠ ح ١٠٣٥ وص ٧٦٨ ح ١٠٦٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ح ٥٨.

(٢) ص ٣٥٦ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

(٣) في الصحيفة السابقة [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٢ ]. منهقدس‌سره .

(٤) في الصحيفة السابقة أيضا [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ذ ح ٥٨.

(٥) راجع الصفحة ٦٥ وما بعدها من هذا الجزء.

(٦) انظر : مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٨ ح ٨٤٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٨.

١٣٧

وبهذا يعلم أنّه أراد الإمامة بقوله : «هو وليّ كلّ مؤمن » ؛ إذ لا يصلح إرادة غيرها في المقام.

وبالجملة ، قد دلّت هذه الروايات على صحّة اصطفاء أمير المؤمنين للجارية ، ومضيّ فعله ؛ لأنّه من رسول الله ورسول الله منه ، فيفهم منها أنّه إمام فعلا.

بل يفهم من مجرّد قوله : « هو منّي وأنا منه » ، أنّه بمنزلته فعلا ، فيكون إماما فعليّا.

ولا ينافيه التقييد بالبعديّة في بعض الأخبار المذكورة ؛ لأنّ المراد بها التأخّر في الرتبة ، والإشارة إلى قيامه بعده بتمام شؤون الإمامة ، كما سبق تحقيقه في الآية الأولى من الآيات التي استدلّ بها المصنّفرحمه‌الله على الإمامة(١) .

وأمّا معارضة الفضل بما ورد عندهم في شأن الأشعريّين ، ففي غير محلّها ؛ لأنّه من حديث المخالفين ، وهو ليس حجّة علينا

مع أنّه من رواية أبي موسى الأشعري ، وهو محلّ التهمة ، ومنافق ؛ لبغضه عليّا(٢) ، والمنافق أعظم الفاسقين ، فلا تقبل روايته لو صحّ السند

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٣٠٤ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) لا يخفى نفاق أبي موسى الأشعري وانحرافه وسوء مواقفه وبغضه لأمير المؤمنين الإمام عليّعليه‌السلام ، ومن سبر سيرته يعلم ذلك جليّا

فموقفه لمّا أتاه كتاب الإمام عليّ عليه‌السلام بيد محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ـ رضوان الله عليهما ـ ليجمع له أهل الكوفة لحرب الجمل ، فثبّطهم عن الخروج ، فأرسل له أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام الإمام الحسن عليه‌السلام وعمّار بن ياسر رضي الله عنه إلى الكوفة ليستنهضا أهلها ، فماطلهما وخذّل الناس عن الاستجابة لهما ، حتّى أتى

١٣٨

إليه.

ولو سلّم قبولها ، فاستعمال التبعيض في حديث الأشعريّين ـ بغير الإمامة ، بقرينة المقام وغيره ـ لا يستلزم مثله في ما نحن فيه ، الذي عرفت ظهوره في الاتّحاد بالفضل والمنزلة ؛ ولذا اقتضى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قصّة براءة : «لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي » انعزال أبي بكر ، والحال أنّه ليس دون الأشعريّين عند القوم.

وممّا بيّنّا يعلم وجه الاستدلال بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لجبرئيل : « إنّ

__________________

_ مالك الأشتر رضي الله عنه وطرده. انظر حوادث سنة ٣٦ ه‍ في : تاريخ الطبري ٣ / ٢٥ وما بعدها ، الكامل في التاريخ ٣ / ١١٨ وما بعدها.

وما رواه سويد بن غفلة ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يكون في هذه الأمّة حكمين ضالّين ، ضالّ من اتّبعهما » فقلت : يا أبا موسى! انظر لا تكون أحدهما؟! قال : فو الله ما مات حتّى رأيته أحدهما. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٢.

وما روي عن شقيق ، قال : كنّا مع حذيفة جلوسا ، فدخل عبد الله [ أي : ابن مسعود ] وأبو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق ؛ ثمّ قال : إنّ أشبه الناس هديا ودلّا وسمتا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الله. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٣.

وهذا تلميح أبلغ من التصريح كما لا يخفى ؛ ومن الثابت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر حذيفة رضي الله عنه بأسماء المنافقين. انظر مثلا : أسد الغابة ١ / ٤٦٨ رقم ١١١٣.

وما روي عن حكيّم ، قال : كنت جالسا مع عمّار فجاء أبو موسى ، فقال : ما لي ولك؟! قال : ألست أخاك؟! قال : ما أدري! إلّا أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعنك ليلة الجمل [ أي : ليلة العقبة ] ؛ قال : إنّه استغفر لي ؛ قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٣.

ولا يخفى دلالة هذا النصّ على أنّ أبا موسى الأشعري كان من النفر الّذين أرادوا قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم العقبة.

ثمّ موقفه المشين يوم التحكيم في صفّين.

.. إلى غير ذلك من المواقف التي تؤكّد انحرافه عن الإمام عليّ عليه السلام وبغضه له ، فكان مصداقا لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق ».

١٣٩

عليّا منّي وأنا منه » ؛ لدلالته على أنّه نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فله منزلته وفضله ، وقد كرّم جبرئيل نفسه يجعلها بعضا منهما.

وقد روى هذا الحديث المصنّفرحمه‌الله عن « مسند أحمد » في ظاهر كلامه(١) .

وحكاه في « كنز العمّال »(٢) ، عن الطبراني ، عن رافع بن خديج.

ورواه الطبري في « تاريخه »(٣) ، وذكر فيه قتل عليّعليه‌السلام لأصحاب الألوية ، وتفريقه لمن أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من جماعات المشركين ، وقتله لبعضهم.

ومثله في « كامل » ابن الأثير(٤) .

ونحوه في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(٥) ، نقلا عن غلام ثعلب(٦) ، ومحمّد بن حبيب في « أماليه » ، وجماعة من المحدّثين ، وقال :

__________________

(١) راجع الصفحة ١٣٣ من هذا الجزء.

(٢) ص ٤٠٠ ج ٦ [ ١٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ح ٣٦٤٤٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الكبير ١ / ٣١٨ ح ٩٤١.

(٣) ص ١٧ من الجزء الثالث [ ٢ / ٦٥ ]. منهقدس‌سره .

(٤) ص ٧٤ من الجزء الثاني [ ٢ / ٤٩ ]. منهقدس‌سره .

(٥) نحوه في آخر ص ٣٧١ من المجلّد الثالث [ ١٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ]. منهقدس‌سره .

(٦) هو : أبو عمر محمّد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرّز الباوردي ، المعروف بالزاهد ، أحد أعلام اللغة المكثرين في التصنيف ، صحب أبا العبّاس ثعلبا النحوي زمانا حتّى لقّب ب‍ « غلام ثعلب » ، وكانت صنعته تطريز الثياب فنسب إليها.

كان نهاية في النصب والميل على الإمام عليّ عليه السلام ، مغاليا في حبّ معاوية! وصنّف جزءا في فضائله!! وكان إذا ورد عليه من يروم الأخذ عنه ألزمه بقراءة ذلك الجزء! ومن مصنّفاته : غريب القرآن ، غريب الحديث ، شرح الفصيح ، فائت الفصيح ، فائت العين ، فائت الجمهرة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438