الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71409 / تحميل: 4880
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وهو على هذه الحال ، فأنكر عليه أشدّ الإنكار بعد أن علم أنّ الرّأس هو رأس الحسين ، وقال له فيما قال : هل سمعت يا يزيد! حديث كنسية الحافر؟

قال : وما هيّ؟.

قال الرّومي : عندنا مكان يقال بأنّ حمار عيسىعليه‌السلام مرّ به ، فبنينا فيه كنيسة الحافر(١) نسبة إلى حافر حمار عيسىعليه‌السلام ، ونحن نحجّ إلى المكان في كلّ عام ، ومن كلّ قطر ، ونهدي إليه النّذور ، ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، فأشهد أنّك على باطل ، فأمر يزيد بقتل الرّسول. فقام الرّومي إلى الرّأس فقبّله وتشهد الشّهادتين ، ثمّ أخذ ، وصلب على باب القصر!(٢) .

وقال الأستاذ العقّاد في كتاب «أبو الشّهداء» ، تحت عنوان الحرم المقدّس : «عرفت قديما باسم كور بابل ثمّ صحفّت إلى كربلاء ، فجعلها التّصحيف عرضة لتصحيف آخر يجمع بين الكرب والبلاء ، كما وسمها بعض الشّعراء.

ولم يكن لها ما تذكر به في أقرب جيرة لها فضلا عن أرجاء الدّنيا البعيدة منها فليس لها من موقعها ، ولا من تربتها ، ولا من حوادثها ما يغري أحدا

__________________

(١) بين عمّان والصّين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلّا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها. ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النّصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون إنّ هذا حافر حمار كان يركبه عيسى ، وقد زينوا حول الحقّة بالذّهب والدّيباج ، يقصدها في كلّ عام عالم من النّصارى ، ويطوفون حولها ، ويقبّلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني : ٨٠ ، نهج الإيمان لابن جبر : ٦١٠ ، الصّواعق المحرقة : ١١٩ ، مثير الأحزان : ٨٢ ، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : ٢٢٩ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١١١.

٨١

برؤيتها ، ثمّ يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها.

فلعلّ الزّمن كان خليقا أن يعبر بها سنة بعد سنة ، وعصرا بعد عصر دون أن يسمع لها اسم ، أو يحس لها بوجود وشاءت مصادفة من المصادفات أن يساق إليها ركب الحسين بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة أخرى ، فاقترن تأريخها منذ ذلك اليوم بتأريخ الإسلام كلّه. ومن حقّه أن يقترن بتأريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة تستحق بها التّنويه والتّخليد.

فهيّ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذّكرى ، ويزوره غير المسلمين للنّظر والمشاهدة ، ولكنّها لو أعطيت حقّها من التّنويه والتّخليد ، لحقّ لها أن تصبح مزارا لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة ، وحظّا من الفضيلة ، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك الّتي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها»(١) .

هذه شهادة حقّ من خبير منصف ، لقد اقترن تأريخ كربلاء بتأريخ الإسلام كلّه ، فما من كتاب في تأريخ العرب والمسلمين إلّا ولكربلاء منه الحظّ الأوفر ، كما ظهر أثرها في كتّاب الغرب ، ودواوين الشّعراء ، وما ذكرت على لسان ، أو في كتاب إلّا بالإكبار والتّعظيم ، ولو لا الحسين لم تكن شيئا مذكورا :

ما روضة إلّا تمنّت أنّها

لك مضجع ولخطّ قبرك موضع(٢)

__________________

(١) انظر ، كتاب «أبو الشّهداء الحسين بن عليّ» : ١١٢ ، طبعة القاهرة.

(٢) انظر ، معجم الأدباء لياقوت الحموي : ١١ / ١١٠.

٨٢

من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام (١)

__________________

(١) سمي زين العابدين لكثرة عبادته وهو الإمام الرّابع عليّ مذهب الإماميّة.

انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠٠ ، تهذيب التّهذيب للعسقلاني : ٧ / ٣٠٦ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤. ولد الإمام زين العابدين عليه‌السلام بالمدينة الشّريفة يوم الخميس خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين في أيّاما جدّه عليّ بن أبي طالب قبل وفاته بسنتين (انظر ، أخبار الدّول : ١٠٩ ، مطالب السّؤول : ٢ / ٤١ ، تأريخ الأئمّة لابن أبي ثلج : ٤).

وكنيته المشهورة : أبو الحسن ، وقيل : أبو محمّد ، وقيل : أبو بكر (انظر ، بحر الأنساب : ٥٢ ، صبح الأعش : ١ / ٤٥٢ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ٢٧٧ ، بتحقّيقنا).

وألقابه كثيرة : أشهرها زين العابدين ، وسيّد العابدين ، والزّكي ، والأمين وذو الثّفثات (انظر ، ذخائر العقبى : ١٥١ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٦).

وصفته : أصفر قصير نحيف (انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٨٠ ، بتحقيقنا).

توفّي عليّ زين العابدين عليه‌السلام في ثاني عشر المحرّم (انظر ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، تأريخ الملوك للقرماني : ١١١) سنة أربع وتسعين من الهجرة ، وكان عمره إذ ذاك سبعا وخمسين سنة (انظر ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٥ ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، الصّواعق المحرقة لابن حجر : ١٢٠).

وله خمسة عشر ولدا (انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠١ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٨٦ ، النّجوم الزّاهرة : ١ / ٢٠٢). ما بين ذكر وأنثى ، أحد عشر ذكرا ، وأربع إناث ، وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الملقّب بالباقر ، أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ عمّ عليّ زين العابدين ، وزيد ، وعمر ، أمّهما أمّ ولد ، وعبد الله ، والحسن والحسين أمّها أمّ ولد ، والحسين الأصغر ، وعبد الرّحمن ، وسلمان أمّهم أمّ ولد. وعليّ وكان أصغر ولد عليّ بن الحسين ، وخديجة ، أمّهما أمّ ولد ، وفاطمة ، وعليّة ، وأمّ كلثوم ، أمّهن أمّ ولد.

٨٣

كان من أخلاق زين العابدين ، وما أخلاقه إلّا أخلاق أبيه الحسين ، وما أخلاق الحسين إلّا أخلاق أبيه عليّ ، وما أخلاق عليّ إلّا أخلاق ابن عمّه محمّد ، وما أخلاق محمّد إلّا أخلاق القرآن الّتي عبّر عنها الرّسول بقوله : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(١) . والّتي شهد الله بها لرسوله في محكم كتابه العزيز( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وكلّ واحد من أئمّة أهل البيت على خلق جدّه النّبيّ المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كان من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الإحسان لمن أساء إليه ؛ فقد روي أنّه كان له ابن عمّ يؤذيه ، فكان يأتيه الإمام ليلا ، ويعطيه الدّنانير ، وهو متستّر ، فيقول له : لكن عليّ بن الحسين لا يصلني ، لا جزاه الله خيرا ، فيسمع الإمام ذلك ويصبر ، فلمّا مات انقطعت عنه الدّنانير ، فعلم أنّ الّذي كان يعطيه ويصله هو الإمام زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

__________________

ـ فهولاء أولاده رضي الله عنهم أجمعين.

وفي بغية الطّالب : أن أولاد عليّ زين العابدين الذّكور عشرة فقط. والله أعلم (انظر ، بغية الطّالب في ذكر أولاد عليّ بن أبي طالب ، السّيّد محمّد بن طاهر بن حسين بن أبي الغيث الحسيني المعروف بابن بحر اليمني المتوفّى عام (١٠٨٦ ه‍). مخطوط ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٥٥ ، تأريخ أهل البيت : : ١٠٣ نقلا عن تأريخ ابن الخشّاب : ١٨٠ هامش رقم ٣٥ ، كشف الغمّة : ٢ / ٨١ ، تذكرة الخواصّ : ٣٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢١١).

(١) انظر ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٢١ ، السّنن الكبرى : ١٠ / ١٩٢ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٤٧٠ ، نظم درّر السّمطين : ٤٢ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٢٠ ح ٣١٩٦٩ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٢٠٩ ، كشف الخفاء : ١ / ٢١١ ح ٦٣٨ ، مكارم الأخلاق للطّبرسي : ٨ ، مكارم الأخلاق لابن أبي الدّنيا : ٦ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٩٢ ح ١١٦٤ ، تكملة حاشية ردّ المحتار : ١ / ٢٣٤.

(٢) القلم : ٤.

(٣) انظر ، تأريخ مختصر دمشق : ١٧ / ٢٤٠ و ٢٣٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٥٧ و ١٦٢ ، سير ـ

٨٤

وكان هشام بن إسماعيل(١) واليا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ، وكان أيّام ولايته يتعمّد الإساءة إلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ولمّا حكم الوليد بعد والده عبد الملك عزل هشاما ، وأمر أن يوقف في طريق عام ، ويعرض للنّاس ، كي يقتص منه كلّ من أساء إليه أيّام ولايته ، فكان الّذين يمرون به من الّذين ظلمهم ، وأساء إليهم يشتمونه ، ويضربونه ، ويطالبونه بردّ ظلامتهم ، وكان أخوف ما يخاف من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لكثرة ما أساء إليه.

ولكنّ الإمامعليه‌السلام جمع أهله وخاصّته ، وأوصاهم أن لا يتعرض له أحد منهم بما يكره ، وكان يمر به فيسلم عليه ، ويلطف به ، ويقول له : انظر ، إلى ما أعجزك من مال تطالب به ، فعندنا ما يسعدك فطب نفسا منّا ومن كلّ من يطيعنا(٢) . فقال هشام :( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) (٣) .

وبعد مذبحة كربلاء ثار أهل المدينة على الأمويّين وطردهم منها ، وأراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله وأولاده ، ويأمن عليهم عند من يحميهم من القتل ، والتّشريد ، فلم يقبلهم أحد ، فضمّهم الإمام زين العابدين إلى عياله ، وحماهم بكنفه ، وأحسن إليهم ، ودافع عنهم ، ولم يدع أحدا يصل إليهم بسوء(٤) .

__________________

ـ أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٩٧ ، الطّبقات الكبرى : ٢١٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٧٥.

(١) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٧ / ٣٠٦ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧١ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤.

(٢) انظر ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ٣٢٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣١٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٥٢٦ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٣٣ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢٢٠.

(٣) الأنعام : ١٢٤.

(٤) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٥٤ ، تهذيب الكمال : ٣ / ٤٥٤ ، كانت وقعة الحرّة سنة (٦٣ ه‍).

٨٥

والحكم والد مروان كان يؤذي الرّسول في مكّة ، ويستهزيء به ، ويخبر عنه المشركين ، وقد عفا النّبيّ عنه فيمن عفا من الأمويّين يوم الفتح(١) . وابنه مروان قاد الجيوش يوم الجمل(٢) مع عائشة ، وطلحة ، والزّبير لحرب أمير المؤمنين عليّ ، وعفا عنه بعد أن وقع أسيرا في قبضته ، فتركه لينضم إلى معاوية يحارب

__________________

(١) انظر ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ٢٣ ، السّيرة النّبويّة : ٢ / ٨٢ ، طبعة ٢ مصر ، شرح النّهج : ١ / ٦٦ و ٢٣٣ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٣٧ و : ٣٤٥ ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٦٥ و ٧٣ ، الطّبريّ : ٥ / ٨٠ و ٩٤ ، مسند أحمد : ٥ / ١٥٥ و ١٦٦ ، و : ٦ / ٤٥٧ ، كنز العمّال : ٦ / ١٧٠ ، العقد الفريد : ٣ / ٩١ ، المعارف لابن قتيبة : ٨٤ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٦٨ ، الإصابة : ٣ / ٦١٩ ، سنن البيهقيّ : ٨ / ٦١ ، الطّبقات لابن سعد : ٥ / ٨ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٢٨ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٨٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٣٤ ـ ٣٨.

(٢) ذكر قصّة الجمل ، وكلاب الحوأب ، الطّبري في تأريخه : ٣ / ٤٧٥ ، واسم جمل أمّ المؤمنين يسمّى «عسكرا» وكان عظيم الخلق شديدا ، فلمّا رأته أعجبها ، وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته ، وشدّته ، ويقول في أثناء كلامه «عسكر» فلمّا سمعت هذه اللّفظة استرجعت ، وقالت : ردّوه لا حاجة لي فيه ، وذكرت حين سئلت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر لها هذا الاسم ، ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره ، فلم يوجد لها ما يشبهه فغيّر لها بجلال غير جلاله ، وقيل لها : قد أصبنا لك أعظم منه خلقا ، وأشدّ منه قوّة ، واتيت به فرضيت!

انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٢٢٤ ، وفي : ٦ / ٢٢٧ (أنّ عائشة ركبت يوم الحرب الجمل المسمّى عسكرا في هودج قد البس الرّفوف ، ثمّ البس جلود النّمر ، ثمّ البس فوق ذلك دروع الحديد) ، في تأريخ ابن أعثم : ١٧٦ مثله ، وزاد الطّبريّ في تأريخه : ٥ / ٢١٢ ، وابن الأثير : ٣ / ٩٧ أنّ ضبّة ، والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل. وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل يفتّونه ـ يكسرونه بأصابعهم ـ ويشمّونه ويقولون : بعر جمل امّنا ريحه ريح المسك

مروج الذّهب : ٢ / ٣٦٦ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٧٨ ، وطبعة اوروبا : ١ / ٣١٢٧ ، ابن كثير في تأريخه : ٦ / ٢١٢ ، السّيوطي في خصائصه : ٢ / ١٣٧ ، والبيهقيّ ، والمستدرك : ٣ / ١١٩ ، والإصابة : ٦٢ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، مسند أحمد : ٦ / ٩٧ ، السّمعاني في ترجمة الحوأب في الأنساب ، والسّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، ومنتخب الكنز : ٥ / ٤٤٤.

٨٦

عليّا في صفّين(١) ، وبعد أن استتب الأمر لمعاوية ، ونصّب مروان واليا على المدينة جعل مروان يؤذي الإمام الحسن ، ويجرّعه الغيظ(٢) ، ثمّ كانت مجزرة الطّفّ ، وظهرت مخازي الأمويّين في أبشع صورها.

وبعد هذا كلّه لا يصفح الإمام زين العابدين عن أسواء اميّة ، ويتجاهلها فحسب ، بل أحسن إليهم ، وحمى لهم العيال والأطفال ، وضمّهم إلى أهله وأولاده ، ودفع عنهم السّوء والأذي ، هذا بعد أن ذبح الأمويون أخاه الرّضيع(٣) ، وأوطأوا الخيل صدر أبيه وظهره(٤) ، وأسروا الإمام زين العابدين مع عمّاته مكبّلا بالحديد ، وهو لما به من الأسقام والآلآم(٥) .

ويعجب كلّ من عرف هذه الحقيقة ، ويتساءل في حيرة وذهول : كيف فعل الإمام زين العابدين هذا الفعل مع من وقف ذاك الموقف معه ، ومع جدّه ، وأبيه ، وعمّه ، واخوته ، ونسائه؟! وهل هذا حلم وعقل ، أو إنسانيّة ورحمة؟!.

__________________

(١) انظر ، الاسيعاب : ٦٤ ـ ٦٧ ، وقعة صفّين : ٤٦٢ طبعة ٢ سنة ١٣٨٢ ه‍ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦١ و : ٢ / ٣٠١ ، تهذيب ابن عساكر : ٣ / ٢٢٠ ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٨٠ ، و : ٤ / ٢٠ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٤١ ، تأريخ دمشق : ٣ / ٢٢٢ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣٧١ ، مروج الذّهب بهامش ابن الأثير : ٦ / ٩٣ ، الجمهرة : ٢٢٨ و ٣٩١ ، اسد الغابة : ٣ / ٣٤٠ ، و : ١ / ١٨٠ ، ابن الأثير : ٣ / ١٥٣.

(٢) انظر ، المقاتل : ٤٣ ، أنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١١ و ١٧ : تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة الصّواعق المحرقة : ٨١ ، مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، وأسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، ابن شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢.

(٣) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، المعارف : ٢١٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٣٦٢ ، مقاتل الطّالبيين : ٩٤ ، الأغاني : ١٤ / ١٦٣ ، المسعودي في ينابيعه : ٣ / ٧٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٢.

(٤) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣١٤ ، والكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٤.

(٥) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، مقتل الخوارزمي : ٢ / ٦١.

٨٧

والجواب : أنّ هذا سمو وترفع عن كلّ ما في هذه الحياة. سمو عن طبائع البشر ، وانفعالات النّاس. وعمّا يشترك فيه أنا ، وأنت ، وغيرنا. أنّ هذا من صنع الإمامة ، والعصمة لا من صنعي وصنعك ، ولا من صنع الّذين يخطبون ويعظون.

لقد عفا محمّد عن أبي سفيان ، وزوّجته هند ، وعن وحشي وغيرهم ، عفا عنهم ، لأنّه مختار من الله لا من النّاس ، وعفا عليّ عن مروان وابن العاصّ ، لأنّه إمام بإرادة السّماء لا بإنتخاب أهل الأرض ، وفعل زين العابدين ما فعل ، لأنّه الإمام ابن الإمام أبي الأئمّة الأطهار القائمين بحجّة الله على جميع خلقه.

فلا بدع إذن أن يحسن الإمام زين العابدين لمن أساء إليه ، ولا عجب أن يفعل الأمويون ما فعلوا ، وإنّما العجب أن لا يحسن الإمام لمن أساء إليه ، وأن لا يسيء الأمويون إلى من أحسن إليهم ، وإلى النّاس أجمعين(١) ، وهذا هو جواب الشّاعر الّذي قال(٢) :

وعليك خزي يا اميّة دائم

يبقى كما في النّار دام بقاك

فلقد حملت من الآثام جهالة

ما عنه ضاق لمن وعاك وعاك

__________________

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢. فهذا أبو سفيان أشدّ عداوة لرّسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في محاربته ، وغزواته تشهد بذلك ، وإنّما أسلم على يد العبّاس الّذي منع النّاس من قتله ، وجاء به رديفا ، شرّفه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرّمه فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليّاعليه‌السلام ، وسمّوا الحسنعليه‌السلام ، وقتلوا الحسينعليه‌السلام ، وحملوا النّساء على الأقتاب حواسرا ، وقيّدوا بالحديد زين العابدينعليه‌السلام الّذي لمّا أوقفوه على مدرج جامع دمشق في محلّ عرض السّبايا.

(٢) انظر ، الدّر النّضيد : ٢٤٠ ، الغدير : ٦ / ٥٨١ ، القصيدة للشّيخ عليّ الشّفهيني الحلّي.

٨٨

هلّا صفحت عن الحسين ورهطه

صفح الوصي أبيه عن آباك؟

وعففّت يوم الطّفّ عفّة جدّه ال

مبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟

أفهل يد سلبت إماءك مثلما

سلبت كريمات الحسين يداك؟

أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا

كنسائه يوم الطّفوف نساك؟

٨٩
٩٠

حبّ الله والرّسول

( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) (١)

أنّ هذه الآية الكريمة نصّ صريح في صفات عمر بن سعد ، حتّى كأنّها نزلت فيه بالذّات. فلقد دعاه الحسين إلى أن يكون معه ، ويدع ابن زياد ، فقال ابن سعد : أخاف أن تهدم داري. وهذا مصداق قوله تعالى :( وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها ) : قال الحسين : أنا أبنيها لك.

قال ابن سعد : أخاف أن تؤخذ ضيعتي. وهذا ما دلّ عليه قوله سبحانه :( وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها ) .

قال الحسين : أنا أخلف عليك خيرا منها.

قال ابن سعد : أنّ لي بالكوفة عيالا أخاف عليهم ابن زياد. وهذا ما أشار إليه قولهعزوجل :( وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) التّوبة : ٢٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣١٢ و : ٤ / ٣٤١ ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٣ / ٢٨٣ و : ٤ / ٥٥٤ ، ـ

٩١

هذا هو مبدأ ابن سعد الّذي عليه يموت ويحيا : ضيعته ، وداره ، وأهله ، وعشيرته ، أمّا الدّين والضّمير ، أمّا الله ورسوله فألفاظ يجترها ما دامت تحفظ له الضّيعة والدّار ، والأبناء والأقارب. حارب ابن سعد حسينا بدافع المنفعة الشّخصيّة ، وحبّ الدّنيا ، وكلّ من آثر المال والأهل على طاعة الله ، والرّسول فإنّه على مبدأ ابن سعد ودينه ، وإن بكى على الحسين حتّى ابيّضت عيناه ، ولعن ابن سعد في اليوم ألف مرّة ، ما دام لا يفعل إلّا بنفس الباعث الّذي بعث ابن سعد على قتل الحسين.

قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والّذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وأبويه ، وأهله وولده ، والنّاس أجمعين»(١) .

وإذا عطفنا هذا الحديث الشّريف على الحديث الّذي رواه السّنّة والشّيعة :

__________________

ـ الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٤ / ٥٥٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ١٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٥ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٩.

(١) انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ٩ ، مسند أحمد : ٣ / ٢٠٧ و ٢٧٥ و ٢٧٨ ، مغني المحتاج لمحمّد بن الشّربيني : ٤ / ٢٢٢ ، صحيح مسلم : ١ / ٤٩ ، شرح صحيح مسلم : ٢ / ١٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٢٦ ، كشف القناع للبهوتي : ٥ / ٣٠ : الدّيباج على مسلم : ١ / ٦٠ ، منتخب مسند عبد بن حميد : ٣٥٥ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٥٣٤ و : ٧ / ٤٨١ ح ١١٧٤٤ و ١١٧٤٦ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ و : ٦ / ٢٣ ، صحيح ابن حبّان : ١ / ٤٠٦ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٣٥٥ ، مسند الشّاميّين : ٤ / ١٤ ح ٢٥٩٣ وص : ٩٢ ح ٣٣٣٨ ، كتاب الأربعون الصّغرى للبيهقي : ٨٥ ، كنز العمّال : ١ / ٣٧ ح ٧٠ و ٧١ وص : ٤١ ح ٩١ ، و : ١٢ / ١٨٣ ح ٣٤٥٨١ و ٣٤٥٨٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٦ / ٥٧١ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عيّاض : ١٨ ، سبل الهدى والرّشاد : ١٠ / ٤٧٦ و : ١١ / ٤٣٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٠٧ ، الإيمان لابن مندة : ١ / ٤٣٥ ، شعب الإيمان : ٢ / ١٣٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ١٥٣ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ ، السّنن الكبرى : ٧ / ٤٨١ و : ١٠ / ٣١٩ ، مسند أبي عوانة : ١ / ٣٣.

٩٢

«حسين منّي ، وأنا من حسين»(١) ، تكون النّتيجة الطّبيعيّة أنّ العبد لا يؤمن حتّى يكون الحسين أحبّ إليه من نفسه ر ، وأبويه وأهله ، وولده ، والنّاس أجمعين.

وقد وجد بين المسلمين من الرّجال ، والنّساء من أحبّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحبّ ، وفدوه بالأرواح ، والأولاد ، فلقد فرّ النّاس عنه يوم أحد ، وثبت معه الإمام عليّعليه‌السلام وأبو دجانة(٢) ، وسهل بن حنيف ، وعاصم بن ثابت ، ونسيبة بنت كعب المازنيّة ، وكانوا يتلقون الضّرب ، والطّعن عن الرّسول(٣) . وكانت نسيبة تخرج معه في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها مع من كان في أحد فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فقالت له : يا بني أين تفرّ عن الله ، والرّسول؟! فردّته وحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيفه ، وقتلت به قاتله ، فقال لها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بارك الله فيك يا نسيبة» ، وكانت تقي الرّسول بصدرها ، وثدييها حتّى أصابتها جراحات كثيرة(٤) .

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، الكافي : ٨ / ٣١٩ ح ٥٠٢ ، تحف العقول : ٣٤٥ ، شرح الأخبار : ٢ / ٤٧٣. وانظر ، ترجمته في سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢٤٣ رقم «٣٩» ، اسد الغابة : ٢ / ٣٥٢.

(٣) انظر ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٢ / ١٠٨ و ١٤٨ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٢٧ ، تأريخ الطّبريّ :٢ / ٢٠٣ ، الدّر المنثور : ٢ / ٨٠ و ٨٨ و ٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٠ و ٢٢ و ٢٤ و ٢٥ ، و : ١٣ / ٢٩٣ ، و : ١٤ / ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٤ / ٢٨ و ٢٩ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٣ / ٥٥ و ٥٨ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٤ / ٨٥ ، لباب الآداب : ١٧٩ ، تفسير الرّازي : ٩ / ٥٠ و ٦٧ ، كنز العمّال : ٢ / ٢٤٢ ، و : ١٠ / ٢٦٨ و ٢٦٩ ، حياة الصّحابة : ١ / ٢٧٢ ، و : ٣ / ٤٩٧ ، المغازي للواقدي : ٢ / ٦٠٩ و ٩٩٠ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٥٥ ، و : ٢ / ٤٦ و ٤٧ الطّبعة الأولى ، تأريخ الخميس : ١ / ٤١٣ و ٤٣١ طبعة آخر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٧ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١١٢.

(٤) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٤١٢ ، اسد الغابة : ١ / ٣٧٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٣١٨ ، تهذيب التّهذيب : ١٢ / ٤٢٢ ، الإصابة : ٨ / ٤٤١ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٦٥.

٩٣

وتجمّع النّاس مع الحسين ، وهو سائر في طريقه إلى العراق ، ولمّا جدّ الجدّ تفرقوا عنه ، كما تفرقوا عن جدّه من قبل ، ولم يبق معه إلّا صفوة الصّفوة من الّذين أحبّوا الله ، والرّسول وآله ، وآثروا الموت من أجلهم على الأهل والمال ، قال عابس بن أبي شبيب :

(«يا أبا عبد الله ، أما والله أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ، ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضّيم ، والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت(١) . السّلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هديك ، وهدي أبيك ، ثمّ مشى بالسّيف إلى المعركة».

فرآه رجل من جيش ابن سعد ، وكان قد شاهده في المغازي ، والحروب ، فنادى بأصحابه : «أيّها النّاس هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب فلا يبرز إليه أحد» ، فأخذ شبيب ينادي : ألا رجل ألا رجل ، فتحاماه العسكر ، فنادى ابن سعد : ارضخوه بالحجارة ، فرموه بها من كلّ جانب ، فالقى درعه ومغفره ، وشدّ عليهم ، فكان يطرد أمامه أكثر من مئتين»)(٢) .

وما أشبه موقف أمّ وهب في كربلاء بموقف نسيبة في أحد ، قالت لابنها

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

٩٤

وهب : «قم يا بني! وانصر ابن بنت رسول الله. قال : أفعل يا أمّاه ، ولا أقصّر»(١) . وحمل على جيش الأعداء ، حتّى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمّه وامرأته ، وقال : يا أمّاه أرضيت؟

فقالت : كلّا ، إلّا أن تقتل بين يدي الحسين.

فقالت له امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.

فقالت أمّه : لا تقبل منها ، ارجع وقاتل ، فيكون رسول الله شفيعا لك يوم القيامة(٢) ، فرجع ، وهو يقول :

إنّي زعيم لك أم وهب

بالطّعن فيهم تارة والضّرب

إنّي امرء ذو مرّة وعصب

ولست بالخوار عند النّكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

ولم يزل حتّى قتل تسعة عشر فارسا ، وإثني عشر راجلا ، ثمّ قطعت يداه ، فأخذت أمّه عمودا ، وأقبلت نحوه ، وهي تقول : «فداك أبي وأمّي قاتل دون الطّيبين حرم الرّسول» ، وأراد أن يردّها إلى النّساء ، فأخذت بجانب ثوبه ، وقالت : لن أعود أموت معك. فقال لها الحسين :

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ و ٤٣٦ و ٤٣٨ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٦٠٢ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٧ ، العوالم : ٢٦٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٦٣ و ١٣٠ ، أمالي الشّيخ الصّدوق : ٣٢٥ ، روضة الواعظين : ١٨٧ ، لواعج الأشجان : ١٤٤.

(٢) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ١٢ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣١ ، العوالم : ٣٣٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، لواعج الأشجان : ١٣٨.

٩٥

ارجعي ، جزيتم من أهل بيت خيرا». فرجعت.

وقاتل وهزب حتّى قتل ، فذهبت امرأته تمسح الدّم عن وجهه ، فبصر بها شمر ، فأمر غلاما له ، فضربها بعمود كان معه على رأسها ، فشجّها وقتلها ، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسينعليه‌السلام (١) .

وكان غلام مع أمّه في كربلاء قتل أبوه في المعركة ، فقالت له أمّه : اخرج يا بني ، وقاتل بين يدي الحسين ، فخرج ، ولمّا رآه الحسين ، قال : هذا شاب قتل أبوه ، ولعلّ أمّه تكره خروجه. فقال الغلام : أمّي أمرتني بذلك؟ فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور البشير النّذير

عليّ ، وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضّحى

له غرّة مثل بدر منير

وقاتل حتّى قتل. فأخذت أمّه رأسه ، وقالت : أحسنت يا بني ، يا سرور قزلبي ، ويا قرّة عيني ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته ، وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيّدي ضعيفة

خاويّة بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشّريفة

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسينعليه‌السلام بصرفها ، ودعا لها(٢) .

أرأيت إلى هذه! أمّ لا ترضى عن ولدها ، وأعزّ من كبدها إلّا أن تراه مضرجا

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، وقعة الطّفّ : ٢١٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠ ، مثير الأحزان : ٤٢ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢١ و ٢٢.

٩٦

بدمائه جثّة بلا رأس! ولا عجب أنّه حبّ الله ورسوله وعترته ، وليس كمثل الله ورسوله وعترته شيء ، فكذلك حبّهم عند المؤمنين حقّا لا يعادله شيء ، حتّى الأرواح والأبناء.

بهذا الحبّ ، بهذا الإخلاص لأهل البيت ، بهذه التّضحية ، بهذه الرّوح وحدها يستعد المؤمنون الخلّص لما بعد الموت ، بهذا الزّهد في العاجل يقفون غدا مرفوعي الرّؤوس أمام جبّار السّموات والأرض.

لقد ترك أصحاب الحسين الدّنيا وما فيها لله وفي الله ، وضحوا بالأرواح ، والأزواج ، والأبناء ، والأموال في حبّ الحسين ، ومودّة القربى ، وإعلاء كلمة الحقّ ، فكانوا مع الحسين وجدّه في الآخرة ، كما كانوا معه في الدّنيا ، وحسن أولئك رفيقا.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللهعزوجل ، ويبغض أهل معصيته فإنّ فيك خيرا ، وإن كان يحبّ أهل معصية الله ، ويبغض أهل طاعته فليس فيك خير ، والله يبغضك والمرء مع من أحب»(١) .

عجبا لقلبي وهو يألف حبّكم

لم لا يذوب بحرقة الأرزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت إلى

ماء الفرات فلم تسل في الماء

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٧ / ١١٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٤٣ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٢١ ، المحاسن : ١ / ٢٦٣ ح ٣٣١ ، علل الشّرائع : ١ / ١١٧ ح ١٦ ، مصادقة الإخوان : ٥٠ ح ٣ ، بحار الكافي : ٢ / ١٢٦ ح ١١ ، بحار الأنوار : ٦٦ / ٢٤٧ ، ينابيع المودّة : ١٨٨ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم الحسنيّ ، الشّافعيّ ، السّمهوديّ ، المدنيّ : ٢٦٧ بتحقّيقنا.

٩٧
٩٨

عداء في الله

وما كلّ جدّ في الرّجال محمّد

ولا كلّ أمّ في النّساء بتول(١)

أجل ، ولا كلّ أب كعليّ ، ولا كلّ آخ كالحسن ، ولا كلّ أخت كزينب ، ولا كل ابن كزين العابدين ، ولا كلّ أصحاب كحبيب ، وزهير ، وبرير ، ولا كلّ شهيد كالحسين ، ويقف يزيد في الموقف المعاكس المناقض في نسبه وأخلاقه وأصحابه ، فلا سكّير وشرّير كيزيد ، ولا أحد أخبث من أبيه معاوية ، ولا عدوّ لله ورسوله أعدى من جدّه أبي سفيان ، ولا آكلة لأكباد الشّهداء ، كجدّته هند ، ولا أصحاب أكثر لؤما وجرما من ابن زياد ، وشمر ، وابن سعد.

قال الإمام الصّادق بقوله : «نحن وآل أبي سفيان تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله. وقالوا كذب الله»(٢) . فالعداء ، إذن ، بين الصّدق والكذب ، وبين الكفر الّذي يتمثّل بالأمويّين ، وبين الإيمان الّذي يتجسّم بأهل البيت ، وقد حاول معاوية أن يجمع الحقّ والباطل ، ويجري المصالحة بين الرّحمن والشّيطان ، فكتب إلى

__________________

(١) من قصيدة الشّيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي من شعراء الشّيعة في القرن الثّامن كما جاء في الغدير : ٦ / ٣٩٨ و : ١١ / ٢١٠.

(٢) انظر ، مجمع الزّوائد : ٧ / ٢٣٩ ، مسند البزّار : ٢ / ١٩١ ح ٥٧١ ، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم : ٣١٨ ، معاني الأخبار : ٢٤٦ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٤٦ ، المعيار والموازنة : ١٤٥.

٩٩

مروان بن الحكم ، وكان على المدينة ، أن يخطب بنت زينب بنت أمير المؤمنين ، وأبوها عبد الله بن جعفر ، أن يخطبها لابنه يزيد ، فكلّم مروان أباها عبد الله ، فقال له : أنّ أمرها إلى سيّدنا الحسين خالها ، فذهب مروان إلى الحسين ، وقال له : أنّ معاوية أمرني أن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع قضاء دينه ، وصلح ما بين هذين الحيّين ، وأن من يغبطكم بيزيد أكثر من يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقى الغمام!

فقال الحسين : الحمد لله الّذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، أمّا قولك يا مروان مهرها حكم أبيها ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله في بناته ونسائه ، وهو أربعمئة وثمانون درهما ، وأمّا قولك عن قضاء دين أبيها فمتى كان نساؤنا يقضينّ عنّا الدّيون؟! وأمّا صلح ما بين الحيّين فنحن عاديناكم في الله ، فلا نصالحكم للدّنيا ، وأمّا قولك كيف يستمهر يزيد فقد استمهر(١) النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قولك يزيد كفؤ من لا كفؤ له فمن كان كفؤه قبل اليوم فهو كفؤه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ، أمّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فإنّما ذاك وجه رسول الله ، وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل ، ثمّ أشهد الحسين من حضر على أنّه زوّج ابنة شقيقته ، وكانت تدعى أمّ كلثوم ، من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب.

أراد يزيد ابن آكلة الأكباد الزّواج من بنت العقيلة زينب بنت عليّ وفاطمة ،

__________________

(١) استمهر ، أي دفع المهر.

وجعل المهر أربعمئة وثمانين درهما ، ونحلها ضيعة له ، وكانت غلتها ثمانية آلآف دينار.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وصدق الكاتب «أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة» ولكن من أي نوع هذا الشّيء العميق؟ وهل كشف عنه الباحثون والمؤرّخون؟

لقد تكلّم العلماء والأدباء قديما وحديثا حول شخصية السّيّدة ، واتّفقوا على بسالتها وعلمها وقوّة صبرها وإيمانها وعقلها ، وعلى عظمة الدّور الّذي قامت به في كربلاء وحاول كثيرون أن يشرحوا هذا الدّور ، ويفسّروا لنا وللأجيال السّر الكامن في ذهابها مع أخيها إلى كربلاء ورأى بعضهم أنّ الغاية من وجودها مع أخيها أن تبث دعوة الحقّ ، وتعلن سرّ نهضة الحسين ، وتبلّغ حجّته للملأ ، وتبين مساويء الأمويّين ، وتؤلّب النّاس على الطّغاة البغاة بالمواعظ والخطب ، كما فعلت في الكوفة والشّام ، وفي الطّريق إليهما منتهزة الفرص ، لإنجاز مهمّة أخيها سيّد الشّهداء.

وليس من شك أنّها أدّت هذه المهمّة على أكمل وجه بخاصّة في مجلس يزيد وابن مرجانة ، فلقد عرفت كلّا منهما بمكانة من الخزي والعار ، وفضحتهما لدى الأشهاد ، ولعنتهما كما لعنت كلّ الّذين يغدرون ويفجرون ؛ وقد ذكرنا ذلك في غير مكان من هذا الكتاب بعنوان : «خروج الحسين بأهله إلى كربلاء» ولكن هل هذا وحده هو الشّيء العميق الّذي ترمز إليه السّيّدة زينب؟ كلّا ، فأنّ معه شيئا آخر أعمق وأبعد من هذا بكثير ، أنّه الإحتفاظ بالدّين ، والإبقاء على شريعة سيّد المرسلين ، أنّ هذا الشّيء العميق يعود إلى أبيها أمير المؤمنين ، وعلومه الّتي تلقّاها عن أخيه وابن عمّه خاتم الرّسل وجدّ السّيّدة زينب ، وإليك القصّة من أوّلها :

قال الشّيخ محمود أبو ريّة خريج الأزهر في كتاب «أضواء على السّنّة

١٨١

المحمّديّة» :

«ولد عليّ قبل البعثة بنحو عشر سنين ، وتربى في حجر النبيّ ، وعاش تحت كنفه قبل البعثة ، وظلّ معه إلى أن انتقل إلى الرّفيق الأعلى ، ولم يفارقه أبدا لا في سفر ولا في حضر ـ وهو ابن عمّه ، وزوّج ابنته فاطمة الزّهراء ـ وشهد المشاهد كلّها سوى تبوك ، فقد استخلفه النّبيّ فيها على المدينة ، فقال : يا رسول الله! أتخلفني في الصّبيان ، والنّساء؟

فقال الرّسول : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبّي بعدي»(١) .

ولمّا قال معاوية لسعد بن أبي وقّاص ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

قال له : أما ما ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ تكون واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم ، فلن أسبّه(٢) ، ثمّ ذكر له هذه الثّلاث ، وهي حديث : «أنت منّي

__________________

(١) انظر ، الصّواعق المحرقة لابن حجر : ٢٩ ، صحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠٠ و ٣٢٤ ، و : ٤ / ٢٠٨ ، و : ١٤ / ٢٤٥ / ٣٤٧٠ ، و : ١٦ / ٢١٧ / ٤١١٥ بشرح الكرماني. صحيح مسلم في فضائل عليّ : ٣٢٤ ، المستدرك للحاكم النّيسابوري : ٣ / ١٠٩ ، مسند ابن ماجه : ١ / ٢٨ ، مسند الإمام أحمد : ١ / ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ٣٣١ و ٣٦٩ ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٢ ح ٢٥٠٤ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٥٦٨ ، وينابيع المودّة للقندوزي : ٢ / ٥٨.

(٢) انظر ، مستدرك الصّحيحين : ١ / ١٢١ ، طبعة حيدر آباد سنة ١٣٢٤ ه‍ ، كفاية الطّالب : ٨٢ و ٨٣ ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٠٢ و ٣٠٣ ح ٢٤١ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٣٥ ، الصّواعق المحرقة : ٧٤ طبعة الميمنية و : ١٢١ المحمّدية بتفاوت ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المناقب للخوارزمي : ١٣٧ ح ١٥٤ ، خصائص النّسائي : ٢٤ ، كنز العمّال : ٦ / ٤٠١ ، ومشكاة المصابيح : ٥٦٥ و ٣ / ١٧٢٢ ح ٦٠٩٢ طبعة أخرى ، وتأريخ الخلفاء : ٦٧ ، والرّياض النّضرة : ٢ / ١٦٦ بألفاظ متقاربة ، فضائل الخمسة من الصّحاح السّتة : ٢ / ٢٢٣ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٥٩٤ ح ١٠١١ ، جمع الزّوائد : ٩ / ١٣٠ ، منتخب كنز ـ

١٨٢

بمنزلة هرون من موسى»(١) ، وحديث : «لأعطين الرّاية إلى رجل يحبّه الله ورسوله»(٢) ، وحديث المباهلة. وقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاة»(٣) . وهو حديث متواتر مشهور.

وقال ابن تيميّة : عليّ أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ثبت عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أدار كساه على عليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وقال : «أللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا»(٤) .

ومغازيه الّتي شهدها مع رسول الله ، وقاتل فيها كانت تسعة : «بدر ، وأحد ، والخندق ، وخيبر ، وفتح مكّة ، ويوم حنين ، وغيرها»(٥) ، وثبت في الصّحيح أنّ النّبيّ قال: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ،

__________________

ـ العمّال بهامش مسند أحمد : ٥ / ٣٠ ، ينابيع المودّة : ١ / ١٥٢ ، و : ٢ / ١٠٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ طبعة اسوة ، الجامع الصّغير : ٢ / ٦٠٨ ح ٨٧٣٦ ، مودّة القربى : ١٥.

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، صحيح البخاريّ بشرح الكرماني : ١٦ / ٩٨ / ٣٩٣٥ ، و : ٥ / ٢٢ و ٢٣ ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ للعيني : ٤ / ٧٣ و ٢٠٨ و : ١٢ / ١٩٠ ح ٢٧٤٤ ، و ٢٠٧ ح ٢٧٧١ ، و : ١٦ / ٢١٦ ، الصّواعق المحرقة : ٨٧ ، والسّيوطي في تأريخه : ٦٦ ، ومنتخب كنز العمّال هامش مسند أحمد : ٥ / ٣٩. صحيح مسلم : ٢ / ٤٤٨ / ٢٤٠٤ و ٤٤٩ / ٢٤٠٥ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٢١٦.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

(٤) انظر ، فتاوى ابن تيميّة : ١ / ٢٥٠. (منهقدس‌سره ).

(٥) انظر ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٥ / ٧٨ ، فتح الباري : ٧ / ٢٨٠ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٢٦٣ ، شرح الزّرقاني : ٢ / ٥٣٢ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٩١ و ٢١٤ ، مسند أبي عوانة : ٤ / ٣٦٥ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ١١٦ ، السّيرة الحلبية بهامش السّيرة النّبويّة : ٢ / ١٤٣ ، تأريخ دمشق : ١ / ١٤٣ / ٣٠٢ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٣٧٠ ، صحيح البخاري : ٤ / ١٥١٦ ح ٣٩٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين :

٣ / ٥٩٤ ح ٦٢٠٣ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٤٢.

١٨٣

يفتح الله على يديه». فأعطاها عليّا(١) .

هذا هو عليّ رضى الله عنه الّذي لو كان قد حفظ كلّ يوم عن النّبيّ ، وهو الفطن اللّبيب الذّكي ربيب النّبي حديثا واحدا ، وقد قضى معه رشيدا أكثر من ثلث قرن ، لبلغ ما كان يجب أن يرويه حوالي (١٢) ألف حديث على الأقل ، هذا إذا روى حديثا واحدا في كلّ يوم ، فما بالك لو كان قد روى كلّ ما سمعه(٢) ، ولقد كان له حقّ في روايتها ولا يستطيع أحد أن يماري فيها ، ولكن لم يصح عنه كما جاء بكتاب الفصل إلّا نحو خمسين حديثا لم يحمل البخاري ، ومسلم إلّا نحو عشرين حديثا ، هذا كلام أبي ريّة في كتابه «أضواء على السّنّة المحمّديّة»(٣) .

وقال الشّيخ محمّد أبو زهرة وهو من كبّار شيوخ الأزهر ، والمؤلّفين المعروفين ، قال في كتاب «الإمام الصّادق» :(٤)

«يجب علينا أن نقرّر هنا أنّ فقه عليّ وفتاوية وأقضيته لم ترو في كتب السّنّة وكان أكثر الصّحابة اتّصالا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد رافق الرّسول ، وهو صبي قبل أن يبعث ، واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه ، ولذا كان يجب أن يذكر له في كتب السّنّة أضعاف ما هو مذكور فيها.

وإذا كان لنا أن نتعرف السّبب الّذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين

__________________

(١) انظر ، فتاوى ابن تيميّة : ١ / ٣١٠. (منهقدس‌سره ).

(٢) نعم ، لقد روى كلّ ما سمعه من النّبيّ ، ولكن لأولاده وذرّيّته ورواه ذرّيّته للنّاس على لسان محمّد الباقر ، وجعفر الصّادق ، كما سيتّضح ذلك فتابع القراءة لتتأكد من هذه الحقيقة.

(٣) انظر ، أضواء على السّنّة المحمّديّة» : ٢٠٤ طبعة (١٩٥٨ م). (منهقدس‌سره ).

(٤) هذا الكتاب أكبر موسوعة علميّة عن الإمام الصّادق ، وبيان عظمته عند الله سبحانه ، وسموه في أخلاقه ، وخير مصدر للعلماء ، ومرشد لمن يجهل مقام الصّادق خاصّة وأهل البيت عامّة. (منهقدس‌سره ).

١٨٤

بعض مرويات عليّ وفقهه ، فإنّا نقول : أنّه لا بدّ أن يكون الحكم الأموي أثّر في إختفاء كثير من آثار عليّ في القضاء والإفتاء ، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنون عليّا فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه ، وينقلون فتاويه وأقواله للنّاس وخصوصّا ما كان يتّصل منها بأساس الحكم الإسلامي.

ولكن هل كان إختفاء أكثر آثار عليّ رضى الله عنه ، وعدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلا لإندثارها وذهابها في لجّة التّأريخ إلى حيث لا يعلم بها أحد ...!! أنّ عليّا رضي الله عنه قد استشهد ، وقد ترك وراءه من ذرّيّته أبرارا أطهارا كانوا أئمّة في علم الإسلام ، وكانوا ممّن يقتدى بهم ، ترك ولديه في فاطمة الحسن ، والحسين ، وترك روّاد الفكر محمّد ابن الحنفيّة ، فأودعهم عنه ذلك العلم ، وقد قال ابن عبّاس : «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكتاب كتبه إليّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه(١) . وقام أولئك الأبناء بالمحافظة على تراث أبيهم الفكري ، وهو إمام الهدى ، فحفظوه من الضّياع ، وقد انتقل معهم إلى المدينة لمّا انتقلوا إليها بعد استشهاده رضي الله عنه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبذلك تنتهي إلى أنّ البيت العلوي فيه علم الرّواية كاملة عن عليّ رضى الله عنه ، رووا عنه ما رواه عن الرّسول كاملا ، أو قريبا من الكمال ، واستكنوا بهذا العلم المشرق في ركن من البيت الكريم»(٢) .

وإذا عطفت هذا القول للشّيخ أبي زهرة على قول الشّيخ أبي ريّة السّابق ، فإنّك واصل حتما إلى اليقين بأنّ علم محمّد عند عليّ ، وعلم عليّ عند أبنائه ،

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٣ / ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ١٤٠.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق : ١٦٢ مطبعة أحمد عليّ مخيبر. (منهقدس‌سره ).

١٨٥

وهم الّذين نشروه وأذاعوه على النّاس.

نقلنا أقوال هذين الشّيخين الجليلين من شيوخ الأزهر باللّفظ لا بالمعنى ، نقلناهما بالحرف الواحد مع أرقام الصّفحات وهي تقدّم الأدلّة على حقيقة لا ترد ولا تقبل التّشكيك.

عليّ بن أبي طالب الّذي لازم النّبيّ منذ طفولته(١) إلى آخر يوم من أيّام الرّسول لا يروى عنه إلّا خمسون حديثا!! عليّ الّذي تربى في حجر الرّسول ، وكان منه بالمنزلة الخصّيصة ، كما قال الإمام يصف نفسه : «وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ، ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالإقتداء به»(٢) . لا يروي عن النّبيّ إلّا خمسين حديثا ، وأبو هريرة الّذي لم يصحب النّبيّ إلّا نحو ثلاث سنوات ، لا يراه فيها إلّا قليلا ، والحين بعد الحين ، يروي عنه (٥٣٧٤) حديثا(٣) ! ولو أخذنا بهذا القياس لوجب أن

__________________

(١) قال أمير المؤمنين في خطبته المعروفة بالقاصعة : «وقد علمتم موضعي من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل». انظر ، نهج البلاغة : الخطبة (١٩٢» ، الكامل في التأريخ : ٢ / ٥٨ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٥٧ ، الإصابة : ٢ / ٥٠١.

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة (١٩٢).

(٣) انظر ، هدي السّاري : ٤٧٧ ، قال : وله في البخاري «٤٤٦» حديثا ، جوامع السّيرة : ٢٧٦ ، مسند الإمام أحمد ، بتحقّيق أحمد محمّد شاكر : ١٢ / ٨٢ ، مسند ابن راهويه : ١ / ٨ ، أضواء على السّنّة المحمّديّة : ٢٢٤.

١٨٦

يروي الإمام (١٨٢١٦) حديثا ، لأنّه لازم النّبيّ رشيدا أكثر من ثلث قرن.

ومن هنا تعلم أنّ السّر الوحيد لقلّة الرّواية عن الإمام عليّ هو ما أشار إليه الشّيخ أبو زهرة ، هو عداء الأمويّين وموقفهم من الإمام ، وممّن يذكره بخير ، فقد عاقبوا من يروي منقبة من مناقبه ، أو ينقل حديثا عنه ، وتتبعوا تلاميذه وخاصّته في كلّ مكان ، كميثم التّمار ، وعمر بن الحمق ، ورشيد الهجري ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد وغيرهم وغيرهم ، وقتلوهم الواحد بعد الآخر ، ونكلّوا بهم شرّ تنكيل ، كي لا يتسرب عن طريقهم أثر من آثار عليّ.

أجل ، لقد بذل الأمويون أقصى الجهود ، واستعملوا التّقتيل والتّنكيل ، وسلكوا جميع السّبل ، ليقضوا القضاء الأخير على كلّ أثر يتّصل بعليّ من قريب أو بعيد إلّا السّب واللّعن ، أنّ الأمويّين يعلمون حقّ العلم أنّ عليّا أخو رسول الله ووصيه ، ووارث علمه ، وأمينه على شرعه حجّته البالغة على النّاس أجمعين ، ويعلم الأمويون أيضا أنّهم ملعونون في كتاب الله ، وعلى لسان نبيّه ، فالإمساك عن عليّ وآثاره معناه القضاء على حكمهم ، لأنّ آثار عليّ هي آثار محمّد الّذي نصّ على أنّ الخلافة محرّمة على الأمويّين ، لذا لعنوا الإمام على المنابر ، وقتلوا خاصّته ، كي لا يروا شيئا عنه ، ولكن :( يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (١) ؛ فلقد أودع الإمام علوم الرّسول ذرّيّته وأولاده ، كما قال الشّيخ أبو زهرة ، ووصلت إلينا عن طريق آله وذرّيّته.

ولم تخف هذه الحقيقة على الأمويّين ، فحاولوا القضاء على ذرّيّة عليّ ، وأن لا يبقوا من نسله حيّا ، ليمحوا كل أثر من الوجود ، وأصدق شاهد على ذلك قول

__________________

(١) التّوبة : ٣٢.

١٨٧

شمر بن ذي الجوشن : «قد صدر أمر الأمير عبيد الله أن أقتل جميع أولاد الحسين». قال هذا حين شهر سيفه ليقتل الإمام زين العابدين ، وقد دفعه عنه حميد بن مسلم وعمر بن سعد ، وقالت عمّته الحوراء لمّا همّ بقتله : والله لا يقتل حتّى أقتل»(١) . وفي هذا نجد التّفسير الصّحيح لقتل الطّفل الرّضيع وغيره من أولاد أهل البيتعليهم‌السلام .

قتل الأمويون سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن ، والحسين ، وقتلوا أبناء الحسين ، ولم ينج منهم إلّا الإمام زين العابدين ، والفضل الأوّل في نجاته من القتل للسّيّدة زينب ، دفعت عنه شمرا في كربلاء ، وابن زياد في الكوفة ، حيث أمر بقتله ، فتعلقت به السّيّدة ، واعتنقته قائلة : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه ، فنظر ابن مرجانه إليهما ساعة ، ثمّ قال : «عجبا للرّحم! والله إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه ، دعوه ، فأنّي أراه لما به»(٢) . أي يراه مريضا.

كلّا ، ليست المسألة مسألة رحم ، وكفى ، ولا مسألة حبّ وعطف فقط ، أنّها أعمق وأبعد من ذلك التّفكير ، أنّها الخوف على دين الله وعلوم رسول الله من الضّياع ، لقد استماتت السّيّدة دون الإمام زين العابدين ، لأنّه حلقة الإتّصال بين الحسين وبين الإمامين الباقر والصّادق اللّذين أشاعا وأذاعا علوم محمّد وعليّ.

كان علم الرّسول عند عليّ ، وعلم عليّ عند ولديه الحسن والحسين ، وعلم الحسين عند زين العابدين ، ومنه إلى ولده الباقر وحفيده الصّادق ظ ، وهكذا انتقلت علوم الرّسول من إمام إلى إمام حتّى ذهب الأمويون ، وزال حكمهم ، ولم

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢١١ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٦.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٧ ، الإرشاد : ٢ / ١١٧ ، مثير الأحزان : ٧٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢١١.

١٨٨

يبق له عين ولا أثر في عهد الصّادقين حيث انتشرت علومهما في كلّ مكان ، ولم يكن من سبيل إلى بثّ هذه العلوم في عهد الأمويّين ، ويؤكّد هذه الحقيقة أنّ الحسين لمّا توجه إلى العراق دفع إلى أمّ سلمة الوصيّة والكتب ، وقال لها : إذا أتاك أكبر ولدي ، فادفعيها إليه ، وبعد أن قتل الحسين أتى زين العابدين إلى أمّ سلمة ، فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين(١) .

فالإمام زين العابدين هو حلقة الإتّصال بين أبيه وجدّه وبين ولديه الصّادقين ، ولو فقدت هذه الحلقة لم يكن لعلوم عليّ خبر ولا أثر ، ولخسر الدّين والإسلام أعظم ثماره وأثمن كنوزه ، ولهذا وقفت السّيّدة موقفها مع الّذين حاولوا قتل الإمام زين العابدين ، وكان لها أكرم يد وأفضلها رمزا لشيء عميق الدّلالة» كما قال محرّر مجلّة «الغد» ولكنّه لم يدرك نوع هذا السّر على حقيقته ، وكفاه معرفة أن يدرك ، ولو على سبيل الإجمال ، أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة.

وقد يتساءل : إذا كانت الغاية الأولى والأخيرة هي المحافظة على الإمام زين

__________________

(١) انظر ، إثبات الوصيّة للمسعودي : ١٤٣ و ٢٢٧ و ٢٣٠ ، الكافي : ١ / ٤٤٢ / ٣ ، الإختصاص للشّيخ المفيد : ٢١٠ ، إكمال الدّين : ٣١١ / ١ ، و : ١ / ٢٣٦ ح ٥٣ طبعة آخر ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ١٣٦ ح ٤٣٢ ـ ٤٣٥ و ٣١٩ ح ٥٧١ و ١٣٢ ح ٤٣١ ، ألقاب الرّسول وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ١٧٠ ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ١ / ١٧ ، عيون أخبار الرّضا : ١ / ٤٠ ح ١ ، و : ٢ / ٢٣٧ ح ٢٢ ، كتاب الغيبة للنّعماني : ٦٢ و ٦٦ ، كتاب الغيبة للطة وسي : ١٤٣ ح ١٠٨ و ١٩٥ ح ١٥٩ ، الإرشاد : ٢ / ١٣٨ ، غاية المرام : ٧٤٣ ح ٥٧ ، العمدة لابن البطريق : ٤١٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ٣٠٩ ح ٤٢٧٩ ، صحيح البخاري : ٨ / ١٠٤ ، و : ٩ / ٨١ ، صحيح مسلم : ٦ / ٤ ، و : ٢ / ١٨٣ و ١٨٤ / ١٨٢٢ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٣٤٠ باب ٤٠ / ٢٣٢٣ ، مودّة القربى : ٢٩ ، كتاب سليم بن قيس : ٢٣ ح ٧ ، كفاية الأثر : ١٩ ، مسند أحمد : ١ / ٣٩٨ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٧٢ ، مختصر البصائر : ٣٩ ، معاني الأخبار : ٣٥ ، أمالي الصّدوق : ١٢٤ ح ١٣.

١٨٩

العابدين فلماذا صحبه الحسين معه إلى كربلاء؟ ولماذا لم يبقه في حرم جدّه الرّسول؟

والجواب : أنّ المدينة كانت تحت سيطرة الأمويّين ، وكان فيها مروان ابن الحكم الّذي أشار على الوليد بقتل الحسين ، فكيف يأمن الحسين على أهله ، وهم بين أيدي الطّغاة ، وفي حكم أشدّ النّاس لؤما وعداءا للحسين ولكلّ من يمتّ إليه بسبب أو نسب.

وقد اسلفنا أنّ الأمويّين أصدروا أمرهم بقتل أولاد الحسين حتّى الطّفل الرّضيع ، فهل يعفون ويصفحون عن خليفته وأكبر أولاده ووارث علمه؟! وهل للأمويّين هدف من قتل الحسين وأولاده وأصحاب أبيه وأصحابه إلّا القضاء على كلّ أثر لأبي الحسين وجدّ الحسين؟!.

ومرّة ثانية نقول مع محرّر المجلّة : «أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة». أنّها لكلمة بالغة ، ما أنطق بها الكاتب إلّا الحقّ ، وإلّا عظمة السّيّدة ، أنّها لكلمة تحمل من المعاني ما تضيق عنها المجلّدات ؛ وكلّ مآثر أهل البيت الطّاهر لا تتّسع لها الكتب والأسفار.

١٩٠

الإمام الصّادقعليه‌السلام

في هذه السّنّة (١٣٨٠ ه‍) ظهر في الرّياض عاصمة المملكة السّعوديّة مجلّة تحمل اسم «راية الإسلام» ، وصاحب الإمتياز اسمه الشّيخ عبد اللّطيف بن إبراهيم آل الشّيخ. ورئيس التّحرير الشّيخ صالح بن محمّد بن لحيدان ، والمدير الشّيخ عليّ بن حمد الصّالحي(١) . «ثلاثة ليس ليس لهم شبيه» باعوا أنفسهم للشّيطان ، وقبضوا الثّمن كاملا ، فجرى منهم مجرى الدّم في العروق ، وما خالفوا له قولا ، ولا عصوا له أمرا حتّى أصاب منهم كل ما يبتغي ، وحتّى أصبحوا له نصيبا مفروضا ، وأطوع له من بنانه ، يديره كيف شاء ، ومتى أراد ، فإذا تكلموا فبلسانه ، وإذا كتبوا فبقلمه ، وإذا فكّروا فبوحي منه يفكرون ، وإذا فعلوا فبأمره يعملون.

وفي ربيع الآخر سنة (١٣٨٠ ه‍) صدرت الأوامر لهؤلاء «الثّلاثة» من سيّدهم «أبي مرّة» أن يكتبوا في مجلّته «راية الشّيطان» مقالا وضع لهم تصاميمه ، ورسم معالمه ، ثمّ أوحى إليهم أن يقيموا عليها أركانه وبنيانه ، فنشروا مقالا في العدد الخامس بعنوان «خطاب موجّه لشيخ الجامع الأزهر» ، وقّعوه

__________________

(١) كان من نتيجة الرّدود والإحتجاجات الّتي قام بها علماء جبل عامل ، وأهل القطيف ، والبحرين أن طرد المسؤولون في السّعوديّة الشّيخ الصّالحي من إدارة المجلّة. (منهقدس‌سره ).

١٩١

باسم «إبراهيم الجبهان». وهذي هي الأسّس الّتي أوحى بها إبليس إلى شيوخه ، واحتواها مقال آله ورجاله.

١ ـ التّهجم على شيخ الأزهر بألفاظ السّفاهة والجهالة ؛ لأنّه ناصر دعوة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة ، وهذه الدّعوة ترضي الله الّذي قال :( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (١) ، وتغضب سيّدهم إبليس الّذي يفرّق بين المرء وزوّجه ، ويبث التّعصب ، والشّقاق بين العباد.

٢ ـ نعت الإمام الصّادقعليه‌السلام بما يهتزّ له العرش ، ويقوم له الكون بما فيه ، افتروا على عظمته لا لشيء إلّا لأنّه إمام العلم والدّين ، وقائد الخير والحقّ ، وحرب على الشّرك والمشركين ، وعزّ للإسلام والمسلمين ، وإلّا ، لأنّه مهجة الرّسول النّاطق بلسانه ، والحافظ لشريعته وتعاليمه.

٣ ـ تكفير الشّيعة بعامّة ، والإماميّة منهم بخاصّة ، والتّحريض على قتلهم وإبادتهم ، لأنّهم يعبدون الله مخلصين له الدّين ، لا يوالون فاجرا ، ولا يهادنون جائرا ، ولا يساومون مستعمرا.

هذي هي الأسّس الّتي رسمها الشّيطان لشيوخه ، وبنوا عليها بنيانه في مجلّته ، فتصدى لهم علماء جبل عامل في لبنان الّذين كانوا وما زالوا الرّكن الرّكين للإسلام ، والحصن للتّشيّع ومباديء أهل البيت الكرام ، فاحتجوا لدى المسؤلين في السّعوديّة ، وفي سفارتها ببيروت ، ونشروا الرّدود في المجلّات والجرائد ، كما قام أهل القطيف ، والبحرين بواجبهم في هذه السّبيل ، وهدموا ما بناه شيوخ مجلّة الشّيطان ونقضوا ما دبروا ، وعليه تآمروا ، حتّى اضطروهم

__________________

(١) الأنفال : ٤٦.

١٩٢

مرغمين إلى أن يكتبوا في العدد السّابع من هذه المجلّة مقالا ضافيا عن الإمام الصّادق وعظمته عند الله والنّاس ، فاقرّوا بالحقّ بعد أن جحدوا ، وأكذبوا أنفسهم بأنفسهم. وممّا جاء في المقال المذكور :

«نحن الآن بصدد علم من أعلام الإسلام ، وسيّد من سادات المسلمين ، لم يكن أميرا ولا ملكا ، ولم يكن قائدا ولا خليفة ، ولكنّه أسمى من ذلك وأجل ، أنّه عالم من خيار علماء المسلمين ، وخيرة بني هاشم ، أنّه من سلالة آل بيت الرّسول الّذي نكن لهم كلّ حبّ واحترام ، والّذين لا يحصل إيمان أحد إلّا وقلبه عامر بحبّ رسول الله وآله ، فآل البيت عند أهل السّنّة مكرمون محترمون معترف لهم فضلهم وقربهم من الرّسول ، وحبّهم دين وصلاح ، والتّرضي عنهم مبدأ يسير المسلمون عليه ، وصاحبنا من أفضل أهل البيت ، ولم يأت بعده أفضل ولا أتقى منه ، فهو الإمام الّذي اتّفق المسلمون على اختلاف طوائفهم وتعدد مذاهبهم على إمامته وورعه وتقواه ، وأثنوا عليه ومدحوه ، لفضله وزهده ، وعلمه ، وقرابته من رسول الله ونشر العلم ، وأخذ عنه خلق كثير ، وروى عنه سادة الأمّة وخيارها أمثال سفيان الثّوري ، وابن عيّنية ، وسلمان بن بلال ، والدّراوردي ، وابن حازم ، وأبو حنيفة ، ومالك وقال أبو حاتم : «لا يسأل عن مثله»(١) . وقال عمر بن المقداد : «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النّبيّين»(٢) ،

__________________

(١) انظر ، الجرح والتّعديل : ٢ / ٤٨٧ رقم «١٩٨٧» ، ميزان الإعتدال في نقد الرّجال : ٢ / ١٤٤ رقم «١٥٢١» ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٨٨ رقم «١٥٦» ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٨.

(٢) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ١٠٤ ، حلية الأولياء : ٣ / ١٩٣ ، تذكرة الخواصّ : ٣٤٢ ، ينابيع المودّة : ٣ / ١٦٠ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٣.

١٩٣

وأثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيميّة(١) في منهاج السّنّة ، وقال عنه : «أنّه من خيار أهل الفضل والدّين»(٢) ، وأشاد بفضله. وقال السّخاوي : «كان من سادات أهل البيت فقها ، وعلما ، وفضلا ، وجودا ، يصلح للخلافة بسؤدده ، وفضله ، وعلمه ، وشرفه ..»(٣) .

وقال عنه أبو حنيفة : «ما رأيت أفقه منه»(٤) .

وقال عنه مالك : «اختلفت إليه زمانا ، فما كنت أراه إلّا مصلّيا أو صائما ، وما رأيته يحدّث إلّا على طهارة»(٥) .

هذا ما قالته المجلّة في عددها السّابع بعد أن نشرت ما نشرته في العدد الخامس ، وهكذا أنكر أبو سفيان نبوّة محمّد ، وقاد الجيوش لحربه في بدر ، واحد ، والخندق ، ثمّ آمن به حين جاء نصر الله والفتح!

كتبت ردّا على مجلّة الشّيوخ الثّلاثة نشرته العرفان في عدد تشرين الثّاني سنة (١٩٦٠ م) ، ثمّ نشر في كراسة مستقلة.

ورغب إليّ بعض الإخوان الأفاضل أن أكتب كلمة حول كتاب جديد ، اسمه

__________________

(١) ابن تيميّة الحجّة الكبرى والقدوة العظمى عند الوهابيّين. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، منهاج السّنّة : ٤ / ٢٠٩.

(٣) انظر ، القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشّفيع ، للحافظ السّخاوي : ١١٣ ، رجال مسلم : ١ / ١٢٠ رقم «٢٢١» ، سير أعلام النّبلاء : ١٣ / ١٢٠ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٩١ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٢.

(٤) انظر ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٩ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١٣٢ ، جامع مسانيد أبي حنيفة : ١ / ٢٢٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٦ / ٢٥٧.

(٥) انظر ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٨ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ١٦٦ ، سير أعلام النّبلاء : ٦ / ٢٥٧ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١٣٣.

١٩٤

«الإمام الصّادق» لفضيلة الأستاذ العالم الشّيخ محمّد «أبو زهرة» ، وفي نفس الوقت طلب منّي الأستاذ نزار أن أكتب للعرفان مقالا مستقلا عن الإمام الصّادقعليه‌السلام ، لا أتعرض فيه لكتاب أبي زهرة ، لا تأيّيدا ولا تفنيدا ، وحجّته في تبرير هذا الشّرط أن يعرف أصحاب مجلّة الشّيطان على آيّة عظمة تجرأوا ، ومن أيّة قداسة نالوا ، فيأتي المقال ردّا ضمنيّا بعد الرّد الصّريح.

وما دامت هذي هي الغاية الأولى والأخيرة من هذا المقال(١) ، فإنّي أنقل للقرّاء ما ذكره الشّيخ أبو زهرة من النّعوت والأوصاف الّتي وصف بها الإمام الصّادق في كتابه المذكور ، هذا مع العلم بأنّ صاحب الكتاب أزهري ، بل من شيوخ الأزهر الكبّار ، والمؤلّفين المكثرين ، والباحثين المعروفين ، وقد بلغت صفحات الكتاب (٥٦٨) بالقطع الكبير ، وكلّها أو جلّها أرقام وشواهد على إمامة الصّادق في الدّين والعلوم ، وعلو منزلته في الفضائل ومكارم الأخلاق كاملة دون استثناء.

وقد اقتبست من مجموع صفحات الكتاب وسطوره كلمتي التالية مشيرا في آخرها إلى بعض الملاحظات. وسلفا أقول : أنّها لم تف بالغاية من عظمة الإمام الصّادق الّتي صورها الشّيخ في كتابه ، فلقد أبرز من شخصيّة الإمام ما لا يفي به إلّا كتاب ضخم في حجم كتابه الحافل ، وليس من شكّ أنّ إيمانه بقوى شخصيّة

__________________

(١) لم يكن من قصدي إدراج هذا المقال هنا ، بل كان العزم على نشره في العرفان ، وكفى ، ولكن رغب إليّ أكثر من واحد أن أنشره في كراسة على حدة ، وجاءتني رسائل بذلك من بعش الإخوان في البحرين بعد أن علموا به ، فرأيت أن أنشره هنا وفي العرفان ، لأنّ رسالتي أن تعم مناقب الآل الكرام كلّ مكان وزمان ، وأن تتردّد على كلّ لسان ، وفي كلّ صحيفة وكتاب ، هذا بالإضافة إلى أنّي عرّفت كتابي هذا في المقدّمة «بأنّ فيه ذكرا لآل الرّسول ، ولا شيء أكثر من ذلك». (منهقدس‌سره ).

١٩٥

الإمام وغزارتها قد اسعفاه وأمدّاه بتلك الصّحفات الطّوال ، وعكسا في نفسه وعقله سطورها وكلماتها.

استمع إلى المؤلّف ، وهو يقول في أوّل صفحة من مقدّمة الكتاب : كتبنا عن سبعة من الأئمّة الكرام ، وتأخرنا في الكتابة عن الإمام الصّادق تهيّبا لمقامه.

ثمّ أنّ الشّيخ الفاضل يوافق الإماميّة الإثني عشريّة عن علم وإيمان بكلّ ما يعتقدونه بالإمام الصّادق ، ولا يخالفهم إلّا في أمرين : الأوّل في وجوب العصمة له ، والثّاني في أنّه إمام سياسي ، كما أنّه إمام ديني بالنّص من إمام عن إمام إلى أن ينتهي النّص إلى الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله . أنّ الشّيخ أبا زهرة يعتقد بإمامة الصّادق في الدّين والعلوم ، وأنّه الفصل والفارق بين الحقّ والباطل ، كما جاء في : ١٨٤ ، ولكنّه يختلف عن الإماميّة بالإتّجاه ، وقد بين ذلك صراحة في : ٧٤ حيث قال ما نصّه بالحرف الواحد :

«ندرس الإمام الصّادق بنظرنا وتفكيرنا وباتّجاهنا ، ولسنا بصدد تقرير ما يراه الّذين حملوا اسم الجعفريّة فقط ، ولا ضير في أن يختلف نظرنا إلى الإمام عن نظرهم ما دامت النّتيجة هي بيان شأن الإمام ، وبيان علو قدره ، وقد اعلوه بنظرهم ، ونعليه بنظرنا ، والغاية واحدة ، وحسبه شرفا أنّه يصل إلى أعلى مراتب الرّفعة باتّجاهنا واتّجاههم ، ونظرنا ونظرهم».

والآن ، وبعد هذا التّمهيد تعالوا معي لنرى إلى هذه الشّرارة من القبس الّذي آتانا به فضيلة المؤلّف من نور الإمام الصّادق وهديه :

١٩٦

نسبه :

ينتهي نسبه إلى سيف الله المسلول ، وفارس الإسلام عليّ بن أبي طالب ، وقد نال فوق هذا كلّه أكبر شرف في الإسلام بعد العمل الصّالح ، وهو من عترة النّبيّ الطّاهرة(١) .

وصفه الجسمي :

كان ربعة ليس بالطّويل ولا بالقصير ، أبيض الوجه أزهر ، له لمعان كأنّه سراج ، أسود الشّعر أجعده ، أشم الأنف ، وقد انحسر الشّعر عن جبينه فبدا مزهرا ، على خدّه خال أسود ، ولمّا تقدّم في السّن زاده الشّيب بهاء ووقارا وجلالا وهيبة(٢) .

تسميّته بالصّادق :

قال ابن خلّكان في كتاب وفيّات الأعيان : «لقّب بالصّادق لصدق مقالته»(٣) . وقال أبو زهرة : «ومن يكون أصدق قولا ممّن لقّبه الخصوم

__________________

(١) انظر ، كشف الغمّة : ٢ / ١٥٥ و ١٦١ و ١٨٧ ، عمدة الطّالب : ١٩٥ ، مطالب السّؤول : ٨١ ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٩١ ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٦١ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٣٠٤ ، و : ٢ / ١٧٩ طبعة آخر ، الكافي : ١ / ٤٧٢ ، البحار : ٤٧ / ١ ح ١ ، و ٤ ح ١٢ ، و ٦ ح ١٧ ، دلائل الإمامة : ١١١ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ١٦٦ ، كفاية الطّالب : ٤٥٥ ، الفصول المهمّة : ٢ / ٢٣٧ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٢٣٨ ، بتحقيقنا) ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٤٠٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٨٨ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الجامع الصّغير : ١ / ٢٣٨ ح ٣٩٨ ، التّمهيد لابن عبد البر : ٢ / ٦٦ ، تحفة الأحوذي : ١ / ١١٥ ، فيض القدير : ٣ / ٢٢٩ ، لسان الميزان : ٧ / ١٩٠ رقم «٢٥٢٦» ، تقريب التّهذيب : ١ / ١٤١ رقم «٩٥٠».

١٩٧

والأولياء ، والتأريخ كلّه بالصّادق ، وهو الإمام أبو عبد الله رضي الله عنه(١) وعن آبائه الأكرمين الأبرار الأطهار. ومن الأئمّة من اختلف فيه النّاس بين موال غالي في ولايته ، وخصم غالى في خصومته ، والإمام الصّادق أجمع العلماء على فضله ، وإذا غالى كثيرون في محبّته ، فإنّه لم يكن العكس بالنّسبة إلى الإمام الصّادق ، حيث لم يغال في عداوته أحد ، بل لم يعاده أحد(٢) .

صفاته النّفسيّة :

أمّا صفاته النّفسيّة والعقليّة فقد علا بها على أهل الأرض ، وأنّى لأهل الأرض أن يسامتوا أهل السّماء؟! سمو في الغاية ، تجرد في الحقّ ، ورياضة للنّفس ، وانصراف إلى العلم ، والعبادة ، وابتعاد عن الدّنيا ومآربها ، وبصيرة تبدّد الظّلمات ، وإخلاص لا يفوته إخلاص ، لأنّه من معدنه ، من شجرة النّبوّة ، وإذا لم يكن الإخلاص في عترة النّبيّ ، وأحفاد عليّ ففيمن يكون؟! فلقد توارث أحفاد عليّ الإخلاص خلفا عن سلف ، وفرعا من أصل ، فكانوا يحبّون لله ، ويبغضون لله ويعتبرون ذلك من أصول الإيمان وظواهر اليقين.

والصّادق مصداق لقوله تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) (٣) ، وهو من أولياء الله الّذين قال فيهم :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

__________________

(١) انظر ، تأريخ الخشّاب : ١٨٨ ، مقصد الرّاغب : ١٥٦ ، تأريخ أهل البيتعليهم‌السلام : ١٣٨ ، الهداية الكبرى: ٢٤٧ ، دلائل الإمامة : ١١٢ ، المعارف : ٢١٥ ، كفاية الطّالب : ٤٥٥.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق ، أبو زهرة : ٣٦ ، الهداية الكبرى : ٢٤٧.

(٣) فاطر : ٣٢.

١٩٨

وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) ، وهو من الّذين عناهم جدّه الرّسول بقوله : «أنّ الله يحبّ ذا البصر النّافذ عند ورود الشّبهات ، ويحب ذا العقل الكامل عند حلول المشكلات»(٢) . ومن غير الصّادق يبدد الشّبهات بعقله النّير ، وبصيرته الهادية المرشدة؟!.

وكان عليّ بي أبي طالب من أسخى الصّحابة ، بل من أسخى العرب ، وقد كان أحفاده كذلك من بعده ، فزين العابدين كان يحمل الطّعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلّا من بعده(٣) ، فلم يكن غريبا أن يكون الإمام الصّادق النّابت في ذلك البيت الكريم سخيّا جوادا ، فقد يعطي حتّى لا يبقي لعياله شيئا.

وكان حليما لا يقابل الإساءة بمثلها ، بل يقابلها بالّتي هي أحسن عملا بقوله تعالى :( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٤) .

أمّا الشّجاعة فقد كانت ملازمة لذرّيّة عليّ ، وهي فيهم كالجبلّة ، لا يهابون الموت ، وبخاصّة من يكونون في مثل حال أبي عبد الله الصّادق الّذي عمر الإيمان قلبه ، وانصرف عن الأهواء والشّهوات ، واستولى عليه خوف الله تعالى وحده ، ومن عمر قلبه بالإيمان لا يخاف أحدا إلّا الله.

وكان ذا فراسة قوّية جعلته ذا إحساس قوي يدرك به مغبة الأمور ، والفراسة من أخلاق المؤمنين ، كما أنّ الله سبحانه قد أضفى عليه جلالا ونورا من نوره ،

__________________

(١) يونس : ٦٢.

(٢) انظر ، البداية والنّهاية : ١ / ٣٦٢ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٥٢ ح ١٠٨٠.

(٣) انظر ، تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٥١ ، تأريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٥ ، البداية والنّهاية : ٩ / ١٠٥ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٣٨ ، حلية الأولياء : ٣ / ١٣٦.

(٤) المؤمنون : ٩٦.

١٩٩

وذلك لكثرة عبادته وصمته عن اللّغو ، وقد راع أبا حنيفة منظر الإمام الصّادق ، واعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الطّول والحول والقوّة ، والتقى به ابن أبي العوجاء ، وهو من دعاة الزّنادقة فارتاع ، ولم يحر جوابا ، فتعجب الصّادق من أمره ، وقال له : مالك؟! فقال : ما ينطق لساني بين يديك ، فإنّي شاهدت العلماء ، وناظرت المتكلمين ، فما داخلني قطّ مثل ما داخلني من هيبتك(١) !

هذه بعض صفاته النّفسيّة ، وببعضها يعلو على الرّجال ، ويرتفع إلى أعلى المراتب ، فكيف وقد تحلّى بهذه الصّفات وغيرها(٢) ؟!

علومه :

انصرف الإمام الصّادق بكلّه إلى العلم ، فلم يشغل نفسه بشيء سواه ، وكان مخلصا لله في إحياء العلم ونشره ، يرشد الضّال ، ويهدي إلى الحقّ ، ويردّ الشّبهات ، ويدفع الزّيغ ، ويعمل على تنقية عقائد المسلمين ممّا اعترى بعضها من الإنحراف ، ويبث روح التّسامح ، ويمنع الطّائفيّة ، فكان بذلك الإمام الصّادق حقّا ، وحفيد الإمام عليّ ، وسيّد العترة الطّاهرة.

وكان يدرس علم الكون ، وما اشتمل عليه ، ومن تلاميذه الكيمائي الشّهير جابر بن حيّان(٣) ، تلقى عنده علم الكيمياء ، ووضع فيه رسائل ، طبع منها

__________________

(١) انظر ، بحار الأنوار : ٣ / ٤٦.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق ، الشّيخ أبو زهرة : ٣٦.

(٣) جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفي ، أبو موسى : فيلسوف كيميائي ، كان يعرف بالصّوفي. من أهل ـ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528