الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء0%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528
المشاهدات: 64601
تحميل: 3751

توضيحات:

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64601 / تحميل: 3751
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: 964-465-169-3
العربية

نسب السّيّدة زينب(١)

أبوها عليّ بن أبي طالب.

جدّها لأبيها أبو طالب.

جدّتها فاطمة بنت أسد.

أمّها فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّها لأمّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّتها خديجة بنت خويلد.

أخوتها الإمامان الحسن والحسين ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وقمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس.

عمومتها جعفر الطّيّار في الجنّة ، وطالب ، وعقيل أبو مسلم.

وبالتالي ، فهيّ عمّة الأئمّة التّسعة المعصومين.

عليّ :

لقد أثنى الله على عليّ في كتابه ، ومحمّد في سنّته ، ودانت الملايين بالولاء

__________________

(١) الزّينب شجر حسن المنظر طيّب الرّائحة ، وبه سميّت المرأة ، وواحد الزّينب للشّجر زينبة. انظر ، لسان العرب : ١ / ٤٥٣.

٢٦١

له ، وألّف في فضائله العلماء القدامى والمحدثون من السّنّة والشّيعة وغير المسلمين من الشّرقيّين ، والغربيّين مئات المجلّدات ، وسيبقى الحديث عن عليّ إلى آخر يوم وأكتفي ـ هنا ـ وأنا أتكلّم عن نسب ابنته بقولهعليه‌السلام : «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد ، فينا نزل القرآن ، وفينا معدن الرّسالة»(١) . وبكلمة الجاحظ الّتي علّق بها على هذه الجملة ، قال(٢) :

«صدق عليّ في قوله : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» ، وكيف يقاس بقوم ، منهم رسول الله ، والأطيبان عليّ وفاطمة ، والسّبطان الحسن والحسين ، والشّهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج العبّاس ، وحليم البطحاء والنّجدة ، والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصّدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرّق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواري حواريهم ، وذو الشّهادتين ، لأنّه شهد لهم(٣)

__________________

(١) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٤٨٦ ح ٣٦٧٦ ، ينابيع المودّة : ١ / ٧١ ح ٢ ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ١٤٢ ح ٦٢٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٤٢٣ ح ٥١٧ ، بشارة المصطفى : ٣٢ ، مئة منقبة : ٦٥ ، تذكرة الخواصّ : ١٨٢ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٧١ ح ١١٤٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٣١١ ح ٦٩١٣ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١٨ ، الصّواعق المحرقة : ٢٣٣ ، الشّرف المؤيّد : ٢٩ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ ، تأريخ دمشق : ٣٠ / ٣٦١ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ١٩٥ ، المعجم الكبير : ٧ / ٢٥ ، طبعة بغداد ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس مخطوط ورقة (٢٦٦).

(٢) انظر ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ٢٨٠ ، الموفقيات : ٣٩٩.

(٣) يقال : أنّ اعرابيا باع فرسا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ندم ، وأنكر البيع ، وقال للرّسول : أين شاهدك على البيع؟ فشهد خزيمة بأنّ الأعرابي باع فرسه للنّبيّ.

فقال له النّبيّ أكنت حاضرا عند البيع يا خزيمة؟.

٢٦٢

__________________

ـ فقال : لا يا رسول الله! ولكن هل أصدقك بما جئت به عن الله ، ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث؟.

فقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : شهادتك شهادة رجلين.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٠٣٣ ح ٢٩٥٢ و : ٤ / ١٧٩٥ ح ٤٥٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٢١ ح ٢١٨٧ ، مجمع الزّوائد : ٧ / ١٨٢ و : ٩ / ٣٢٠ ، سنن البيهقيّ الكبرى : ٢ / ٤١ ح ٢٢٠٣ و : ٧ / ٦٦ ح ١٣١٨٢ و : ١٠ / ١٤٥ ، سنن النّسائي : ٧ / ٣٠١ ح ٤٦٤٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٣٨ ح ٢٢٩٣٣ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ٤٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٦ ، مسند أحمد : ٥ / ١٨٨ ح ٢١٦٨٣ و ٢١٩٣٣ و ٢١٩٣٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٣٥٩ ح ٣٦٠٤ ، فتح الباري : ٦ / ٢٤ ح ٢٦٥٢ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٧٠٣ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٧٩ ، الإصابة : ٢ / ٢٧٨ ح ٢٢٥٣ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٧٧ ح ١٤٧ ، تحفة الطّالب : ١ / ٢٩٠ ، المحلى لابن حزم الظّاهري : ٨ / ٣٤٨ ، نيل الأوطار للشّوكاني : ٥ / ٢٧١.

ولسنا بصدد بيان ردّ المؤرّخ الكبير أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ في تأريخه : ٣ حوادث سنة (٣٧ ه‍) وما بعدها ، وما تبعه المؤرّخون من بعده بأنّه بدّل وغيّر اسم الصّحابي الجليل الّذي شهد بدرا وما بعدها ، إلى رجل آخر اسمه خزيمة بن ثابت الأوسي شهد بدرا ، أو أحدا وهو غير خزيمة الّذي قتل في صفّين مع الإمام عليّ عليه‌السلام بل قال : أنّه مات زمن عثمان ، وهذه من مختلقات سيف وهو يحرّف ، ويصحّف ، ويقلّب ، ويختلق أمّة من الصّحابة ، والتّابعين ، ورواة الحديث ، وقادة الفتوح ، والشّعراء ، وعددا كبيرا من أماكن ، وكتبا سياسيّة ، وأراجيز كما فعل في اسطورة القعقاع ، وعبد الله بن سبأ ، وسمّاك بن خرشة الّذي زعمه غير أبي دجانة ، وبرّة بن يحنس الخزاعي مرادفا لاسم الصّحابي وبر بن يحنس الكلبي وغيرهم ، ومن أراد المزيد فليراجع كتاب العلّامة السّيّد مرتضى العسكري في كتابيه : عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : ١ و ٢ ، وخمسون ومئة صحابي مختلق : ١ و ٢. وخزيمة هذا هو الّذي قاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم الجمل ، وقاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم صفّين.

انظر الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١ ، قارن بين خزيمة الحقيقي وخزيمة المختلق في الإصابة : ١ / ٤٢٥ رقم التّرجمة : ٢٢٥١ و ٢٢٥٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد تحقّيق أبو الفضل : ١ / ١٠٩ ، الكامل : ٣ / ٨٤ ، تأريخ ابن خلدون : ٢ / ٤٠٧. وانظر كذلك أصحاب ـ

٢٦٣

ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم ، وأبان رسول الله أهل بيته بقوله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب اللهعزوجل حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ؛ فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما»(١) . ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : «إنّي سمعت رسول الله يقول : «كلّ سبب

__________________

ـ العيون والأقلام المأجورة مجلّة الأزهر : ٣٢ / العدد ١٠ / ١١٥٠ ، و : ٣٣ / العدد ٦ / ٧٦٠ ، ومجلّة «راهنمائي كتاب» الفارسيّة طبع طهران السّنة الرّابعة العدد : ٧ / ٦٩٦ ، والعدد : ٨ / ٨٠٠ ، والعدد : ٩ / ٨٩٤.

وقد رثته ابنته ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين :

عين جودي على خزيمة بالدم

ع قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشّهادتين عتوّا

أدرك الله منهم بالتّرات

قتلوه في فتية غير عزل

يسرعون الرّكوب للدعوات

إلى آخر الأبيات ، انظرها في وقعة صفّين : ٣٦٥ و ٣٦٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٠ ، اسد الغابة : ٣ / ١٢٤ و ٢٨٢ ، الإصابة : ٢ / ٢٨٠ ، و : ٤ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٨٤ طبعة الأندلس ، الاستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٢٦٨ و ٣٩٥ ، و : ٤ / ٢٠١ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٢٧ ، اسد الغابة : ١ / ٣٠٣.

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٣٢ ، و : ١٣ / ١٧١ ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / فضائل القرآن ، وخصائص النّسائي : ٥٠ ، تذكرة الخواصّ : الباب ١٢ ، واسد الغابة : ٢ / ١٢ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٠٩ ، ومسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠ ، و : ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ ، و : ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، والصّواعق المحرقة : ٢٥ المطبعة الميمنية بمصر ، وص : ٤١ المطبعة المحمّدية بمصر ، ومجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٤ ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : ٢ / ٤٥ ح ٥٤٥ ، وكنز العمّال : ١ / ١٦٨ ح ٩٥٩ الطّبعة الأولى ، وينابيع المودّة : ٣٧ طبع إسلامبول إلخ).

انظر ، البخاريّ في صحيحه : ٢ / ٢٠٠ ، والطّيّالسي : ١ / ٢٨ / ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣ ، وابن ماجه: ح ١١٥ ، الأصول الثّمانيّة : ٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٢ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ ، ابن كثير: ٥ / ٢٠٩ ، من هم الزّيديّة ، السّيّد يحيى ابن عبد الكريم الفضيل : ٥٩ ، الأمالي الخميسيّة : ١ / ١٥٦. هذا الحديث الأخذ والعمل به ثقيل وخطير ؛ ولذا سمّي «بحديث الثّقلين» ـ كتاب الله والعترة.

٢٦٤

ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي»(١) . أمّا عليّ فلو أردنا أن ندوّن

__________________

(١) أمّ كلثوم الكبرى تزوّجها عمر ابن الخطّاب ، وأصدقها أربعين ألفا ، وقيل مئة ألف

انظر ، تعليق الشّيخ المفيد في رسالته الخاصّة بهذا الموضوع ، وفي الإرشاد : ١ / ٣٥٤ ولكن بلفظ : زينب الصّغرى المكناة أمّ كلثوم ، وفي أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ أضاف : تزوّجها عمر بن الخطّاب وتحت رقم (٢٣٥) يورد عن هشام الكلبي عن أبيه عن جدّه قال : خطب عمر بن الخطّاب من عليّ أمّ كلثوم فقال : إنّها صغيرة وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٦) عن عثمان بن محمّد بن عليّ قال : خرج عمر إلى النّاس فقال زفّوني وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٧) عن عكرمة عن ابن عبّاس وقال ابن الكلبي : ولدت أمّ كلثوم بنت عليّ لعمر ، زيد ، ورقية فمات زيد وأمّه في يوم واحد.

ونحن لسنا بصدد تحقيق حقيقة الزّواج ، وعدمه ؛ ولكن نشير إلى أنّ الحديث منقطع السّند ، وغير ناهض للحجّية. والطّبريّ في تأريخه : ٤ / ١١٨ لم يذكر ذلك ، ونكتفي بنقل كلام الشّيخ المفيد في جواب المسائل السّروية : ٦١ ـ ٦٣ حيث قال ؛ : إنّ الخبر الوارد بتزوّيج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزّبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقا به في النّقل ، وكان متّهما فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم والحديث بنفسه مختلف ، فتارة يروى أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تولّى العقد له على ابنته ، وتارة يروى أنّ العبّاس تولّى ذلك عنه ، وتارة يروى أنّه لم يقع العقد إلّا بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروى أنّه كان عن إختيار ، وإيثار ، ثمّ إنّ بعض الرّواة يذكر أنّ عمر أولدها ولدا سمّاه زيدا ، وبعضهم يقول : إنّه قتل قبل دخوله بها ، وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول : إنّه وأمّه قتلا ، ومنهم من يقول : إنّ أمّه بقيت بعده ، ويقال إنّه رمي بحجر بين حيين في حرب فمات ولا عقب له ، ويقال إنّه مات هو وأمّه في ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الآخر ، وصلّى عليهما عبد الله بن عمر ، وقدم زيدا على أمّه فصار سنّة ، ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أمّ كلثوم أربعين ألف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمئة درهم ، ويبدوّ هذا الإختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال ، انتهى.

وسبق وأن أوضحنا بأنّ أمّ كلثوم هي بنت الخليفة الأوّل أبي بكر وهي الّتي تزوّجها عمر بن الخطّاب ، ولكن الأقلام المأجورة ، والضّغائن والأحقاد هي الّتي أثبتت أنّها بنت الإمام عليّ عليه‌السلام لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

٢٦٥

لأيّامه الشّريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السّنية ، لأفنينا في ذلك الطّوامير ، العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشّأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللّسان خطيب ، والصّدر رحب ، وأخلاقة وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه»(١) .

إسلام أبي طالب :

ولا بدّ من كلمة في اسلام أبي طالب ، ونحن نتحدث عن نسب حفيدته السّيّدة زينب. وقد اشتهر بين السّنّة أنّه مات على غير الإسلام ، وأجمعت كلمة الشّيعة على أنّه مات مسلما ، ولكنّى نعرف الحقّ مع أي جانب من الطّائفتين ينبغي التّمهيد بما يلي :

١ ـ إذا اتّفقت كلمة المسلمين جميعا السّنّة والشّيعة على شيء ، كان اتّفاقهم دليلا بنفسه لا يحتاج معه إلى البحث والنّظر ، وكان لكلّ مسلم أن يجزم ويعتقد بما اتّفقوا عليه دون قيد أو شرط ، وبدون ترو وتريث ، فلو قال قائل : أنّ أبا جهل مات على غير السّلام ، فلا يحقّ لأحد أن يعترض عليه ، ويطلب منه التّثبت قبل الحكم بكفره ، لأنّ المفروض اتّفاق الجميع على ذلك ، وعدم وجود قولين ، ليجب النّظر ، والتّدقيق في أي القولين أصح ، وأي الدليلين أقوى؟.

أمّا إذا اختلف المسلمون فيما بينهم ، وذهبت كلّ طائفة إلى رأي فيجب حينئذ البحث والنّظر ، ومن جزم وحكم بدون تثبت ، ولمجرد الإعتماد على الشّهرة عند أحد الفريقين فهو مقلّد جاهل ، إذ ليس كلّ ما هو موجود واقعا يجب أن يشتهر ،

__________________

(١) انظر ، مئة منقبة للجاحظ : ٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٤٥.

٢٦٦

ولا كلّ مشهور يجب أن يكون موجودا في الواقع ، ولذا قيل : «ربّ مشهور لا أصل له ، وربّ متأصّل غير مشهور». ولو سلّمنا جدلا ، لا اعتقادا أنّ الشّهرة حقّ وصدق فإنّما تكون حقّا إذا لم يقم الدّليل المحسوس الملموس على ضدّها وكذبها وقد جاء في الحديث : «ليس المخبر كالمعاين»(١) ، على أنّ الأخذ بما اشتهر عند السّنّة دون الأخذ بما اشتهر عند الشّيعة تحكّم ، وترجيح بلا مرجّح. وعليه يتحتّم طرح القولين معا ، وترك التّعصب لأحدهما ، والتّجرد للبحث النّزيه فلقد دلّت التّجارب منذ القديم على أنّ الّذين يلجأون إلى نزوات العاطفة لا يهتدون إلى خير ، ومحال أن يهتدوا ما دامت الميول هي المسيطرة ، والتّقاليد هي المتحكّمة.

٢ ـ أنّ عقيدة الإنسان ، أي إنسان لا تعرف على حقيقتها إلّا في ضوء واقعة وحياته الخاصّة ، وما يحيط بها من الظّروف والملابسات ، فهي الّتي توجّهه في سلوكه ، وآرائه ، ومعتقداته ، ومحال أن نعرف شيئا من ميوله ورغباته بمعزل عن واقعه وعالمه الخاصّ.

٣ ـ أنّه كما اشتهر بين السّنّة أنّ أبا طالب مات على غير الإسلام ، فقد أجمعت الشّيعة أنّ أبا سفيان مات على النّفاق ، واختلفت السّنّة في حسن إسلامه ، أي في نفاقه وعدمه ، قال صاحب «الإستيعاب» : «اختلف في حسن إسلام أبي سفيان ، فطائفة تروي أنّه لمّا أسلم حسن إسلامه وطائفة تروي أنّه كان كهفا

__________________

(١) انظر ، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي : ٢ / ٦٨٩ ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ٩٧ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ٦ / ٢٩١ ح ١٧٧٨ ، تأريخ بغداد ٣ / ٢٠٠ ، غريب الحديث لابن قتيبة : ١ / ٢٦٠.

٢٦٧

للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهليّة ينسب إلى الزّندقة»(١) .

ويحتم علينا المنطق في مثل هذه الحال أن لا نجزم بإسلام أبي طالب ، ولا بحسن إسلام أبي سفيان إلّا بعد البحث والنّظر ، وأن لا نعتمد على قول أيّة فئة من الفئات بل علينا أن ننظر ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ إلى حياة كلّ من أبي طالب وأبي سفيان وظروفة الخاصّة : هل تتّجه به إلى الإسلام ، والإيمان برسالة محمّد ، أو إلى الشّرك ، ومحاربة محمّد ورسالته؟

وإنّ واقع أبي سفيان ، وكلّ ما يتّصل بتأريخه وحياته من قريب أو بعيد يتّجه إلى التّعلق بالأوثان ، والدّفاع عنها ، والتّضحية من أجلها بكلّ غال وعزيز ، حتّى ولو كان في واقعة ، وبينه وبين نفسه لا يعتقد بها ولا بشيء أبدا لأنّ الأوثان تمنحه الإمتياز والسّيادة على الضّعفاء والمساكين ، ومحمّد يجرده من كلّ ذلك ، ويدعو إلى الإخاء والمساواة ، والأوثان تبيح له السّلب ، والنّهب ، والفسق ، والفجور ، وما إليه من الرّذائل ، ومحمّد يأمر بالفضائل ، ومكارم الأخلاق ، فمحمّد ـ إذن ـ خطر على الإستقراطيّين بعامّة ، وعلى أبي سفيان بخاصّة.

هذا ، إلى العداء الموروث المتأصّل بين هاشم واميّة ، فكيف يستسلم أبو سفيان وينقاد إلى ألد أعدائه ، وقد ظهر ذلك في الحروب والمكائد الّتي نصبها للرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهل بعد هذه الأرقام المحسوسة المستمدّة من واقع أبي سفيان من شكّ ، وريب في أنّه أظهر الإسلام عن خوف لا عن إيمان ، وحقنا لدمه لا بدافع من ضميره ووجدانه؟ وهل نأخذ بالشّهرة وغير الشّهرة بعد أن انكشف الواقع كشفا حسيّا تبددت معه الشّكوك والأوهام؟ أنّ أبا سفيان لا

__________________

(١) انظر ، الإستيعاب في اسماء الأصحاب : ٤ / ٨٦ المطبوع مع الإصابة سنة (١٩٣٩ م). (منهقدس‌سره ).

٢٦٨

يرجع في سلوكه إلى عقل ، ولا دين ، ولا ضمير ، وإنّما المعيار ، والدّافع ، والمثل الأعلى عنده هي المنفعة الخاصّة لا غيرها شأن جميع الأقوياء الّذين لا يربطهم أي شيء بهذا العالم غير المصالح الشّخصيّة(١) .

أمّا واقع أبي طالب فعلى الضّد تماما من واقع أبو سفيان ، فلا يلتقيان في جهة ، ولا يتشابهان في شيء ، فأبو سفيان تأكل الضّغائن قلبه على محمّد ، وأبو طالب يحنو عليه حنو المرضع على فطيمها ، فعن طبقات ابن سعد أنّه كان يحبّه حبّا شديدا لا يحبّه ولده ، وكان لا ينام إلّا وهو إلى جنبه(٢) ، وإذا خرج أخرجه معه(٣) ،

__________________

(١) قال صاحب الإستيعاب : ٤ / ٨٨ : «لأبي سفيان أخبار رديئة ذكرها أهل الأخبار» ونحن نشير هنا إلى بعضها ، منها : ذكره صاحب الإستيعاب : ٨٧ «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : درها كالكرة إنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة وما نار.

ومنها : ما ذكره صاحب الإصابة : ٢ / ١٧٢ طبعة (١٩٣٩ م) (أنّ أبا سفيان قال في نفسه : ما أدري بم غلبنا محمّد؟ فضرب النّبيّ على ظهره ، وقال : بالله غلبك.

ومنها : ما جاء في العقد الفريد : ٥ / ١٠ طبعة (١٩٥٣ م) (أنّه حين بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان : أنّي أرى غبرة لا يطفئها إلّا الدّم ، وجعل يطوف في أزقّة المدينة ويقول : انظر ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ١٠٥ ، و : ٢ / ١٢٦ ، تأريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٠ ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ١٠٥.

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو حسن عليّ

فقال عمر لأبي بكر : أنّ هذا فاعل شرّا ، وكان يتألّفه على الإسلام ، فدع ما بيده من الصّدقة ، ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه. انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٤٤٩ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٢.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٩ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٦٦ ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٥ ، الكاشف : ٣ / ٢٦٤ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٣٨٤ ، وأخرجه أبو نعيم عن الواقديّ عن شيوخه ، وذكره ابن حجر في الإصابة : ١ / ١٧٩ ، وابن سعد في الطّبقات : ١ / ١٢١ ـ ،

٢٦٩

وأبو سفيان يخشى من انتصار محمّد على مجد «اميّة» ، ويعتقد أبو طالب أنّ في انتصار أخيه المجد الدّائم والشّرف الخالد ، وأي شرف أعظم من أن يعهد الله سبحانه إلى ربيب أبي طالب بأمانته ، ويختاره على جميع خلقه؟.

هذا إذا قسنا أبا طالب بمقياس النّفعيّين والإنتهازيّين تماما كما نقيس أبا سفيان ، وقلنا : أنّ كلّا منهما يعمل بدافع من منافعه الخاصّة ، لا بوحي من عقله وضميرة فإنّ النّتيجة الحتيمة المنطقية هي إيمان أبي طالب بمحمّد ورسالته ، وجحود أبي سفيان بكلّ ما يمت إلى النّبيّ بسبب.

ولو نزّهنا أبا طالب عن الغايات والأهواء ، ونظرنا إليه كطالب للحقّ من مصدره وأدلّته لجاءت النّتيجة أيضا إيمانه بالله والرّسول ، فلقد شاهد من آيات ابن أخيه منذ طفولته إلى ما بعد النّبوّة ما لم يتسن لأحد سواه مات أبو النّبيّ قبل أن يرى ولده العظيم ، فكفله جدّه عبد المّطّلب(١) ، ثمّ توفّي الجدّ ، وللنّبيّ من العمر ثماني سنوات ، وكان قد عهد به إلى أبي طالب ، وقال له فيما قال : «استمسك به وانصره بلسانك ، ويدك ، ومالك فإنّ له شأنا وأرجو أن يبلغ

__________________

ـ والسّيوطيّ في الخصائص : ١ / ٢٠٨ ، ودلائل النّبوّة : ١ / ٢١٥ ، و : ٢ / ٢٤ ، ابن هشام في السّيرة : ١ / ١٨٠ ، والتّرمذيّ برقم «٣٦٢٤» ، والفتح : ١٠ / ٣٤٥.

(١) انظر ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٤٠ ، و : ١٧ / ١٣٣ ، الدّيباج على مسلم : ٣ / ٤٠٨ و : ٦ / ١٤٨ ، تلخيص الحبير لابن حجر : ٤ / ٥٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٣ و : ٥ / ٨٩ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٦ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ١٥٣ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٥ و ١٨ و ٣٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٨٢ و : ٨ / ٢٩٨ ، البداية والنّهاية : ٦ / ١٤١ و : ٣٠٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٣٣ ، صحيح ابن خزيمة : ٣ / ١٤٠ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٤٥ و : ٢٣ / ٢٥٥ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ٢٥٢ ، تأريخ دمشق : ٤ / ٣٩٠ و : ٧ / ٢٠٢ ، اسد الغابة : ١ / ٢٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٨ ، تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٥.

٢٧٠

من الشّرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده»(١) .

وكان أبو طالب يحدّث عن النّبيّ بعد أن ضمّه إليه ، ويقول :

«كنت كثيرا ما اسمع منه إذا ذهب اللّيل كلاما يعجبني ، وكنّا لا نسمي على الطّعام ، ولا الشّراب ، حتّى سمعته يقول : بسم الله الأحد ، ثمّ يأكل ، فإذا فرغ قال : الحمد لله كثيرا(٢) ، وكنت آتيه على غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السّماء ولم أرمنه كذبة قطّ ، ولا جاهليّة قطّ ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضّحك ، ولا وقف مع الصّبيان في لعب ، ولا التفقت إليهم ، وكانت الوحدة ، والتّواضع أحبّ إليه»(٣) .

ونقل ابن عساكر أنّ قحطا أصاب قريشا ، فاستسقى أبو طالب بمحمّد ، وما أن مدّ باصبعه ، حتّى أقبل السّحاب من هاهنا وهنا ، وأغدق الوادي ، وأخصب النّادي ، وفي ذلك يقول أبو طالب(٤) :

__________________

(١) انظر ، الخصائص الكبرى للسّيوطي : ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١ / ٧٠ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٢ دار الكتب العلميّة بيروت.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٠٧٨ ح ٥١٤٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٧١٠ ح ١٩٣٥ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٩٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٢٨٦ ح ١٤٤٤٨ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥٦ ح ٢٢٢٥٤.

(٣) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٥ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٤٦.

(٤) انظر ، التّأريخ الكبير لابن عساكر : ١ / ٣٣٣ طبعة الشّام ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ١٢٥ طبعة مصر ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٢٤.

ذكر هذه القصيدة أكثر أهل السّير ، وشرحها أيضا كثيرون ، كالعلّامة الدّحلاني في أسنى المطالب في نجاة أبي طالب : ١١ ، وقال : قال ابن كثير هذه القصيدة بليغة جدّا ، لا يستطيع أن يقولها إلّا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى.

وأمّا سبب إنشائها فقد اختلف المؤرّخون في ذلك ط ، فقيل : إنّه قالها حين انتشر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

٢٧١

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وكانت فاطمة بنت أسد زوّجة عمّه أبي طالب تحدّث عنه ، وتقول :

«كان في صحن داري شجرة قد يبست ، فأتى محمّد يوما إلى الشّجرة ، فمسّها بكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرّطب»(١) . وفي طبقات ابن سعد : «أنّ أبناء أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا كان معهم النّبيّ شبعوا»(٢) .

وبعد أن رأى أبو طالب هذه الآيات بعينيه ، وتكرّرت عليه مرّات ومرّات ، وبعد أن سمع من أبيه وغير أبيه التّنبؤات ، يقال له : أنّه مات على غير الإسلام ، وهو ذو العقل الكبير ، والنّظر البعيد؟. وهل عرب البادية وغيرهم من المهاجرين والأنصار أرجح عقلا من أبي طالب أو رأوا وشاهدوا من آيات محمّد أكثر ممّا رأى وشاهد أو كانوا ألصق به وأقرب إليه من عمّه؟. وبعد ، فبأي منطق أخذ الباحث ، وبأي مقياس قاس أبا طالب ، فالنّتيجة أنّ عدم إسلامه مستحيل أو شبه مستحيل.

__________________

ـ وخاف أبو طالب أن تعاضد العرب قومه على قلعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أنشأها وتلاها عليهم وسمعها الأشراف تعوذوا بها. وقيل : إنّه قالها في الشّعب وفي بعض أبياتها ما يؤيد ذلك.

انظر ، ابن هشام في سيرته : ١ / ٢٨٦ ، أبا هفان العبدي في ديوان أبي طالب : ٢ ـ ١٢ ، ابن أبي الحديد في شرح النّهج : ٢ / ٣١٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٥٣ ، إرشاد السّاري : ٢ / ٢٢٧ ، المواهب اللّدنية: ١ / ٤٨ ، عمدة القاريّ : ٣ / ٤٣٤ ، خزانة الأدب : ١ / ٢٥٢.

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٦ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٢٨.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٠ طبعة دار بيروت سنة (١٩٥٧ م). (منهقدس‌سره ).

تأريخ دمشق : ٣ / ٨٦ ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٤ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ١ / ٢٤٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ١٣٥.

٢٧٢

أنّ من شكّ بإسلام أبي طالب فقد شكّ بنبوّة محمّد ، من حيث لا يدري ولا يشعر إذ لا يمكن بحال أن نجمع بين القول بأنّ النّبيّ أتى بالبرهان القاطع على نبوّته ، وبين القول بأنّ أبا طالب غير مسلم ، مع العلم والتّسليم بصحة إدراكه ، ورجحان عقله ، وخبرته التّامة بحقيقة ابن أخيه ، وشدّة حبّه وإخلاصه له. فكلّ من قال بأنّ محمّد أتى بالدّليل الكافي الوافي يلزمه القول بإسلام أبي طالب ، وكلّ من قال بعدم إسلامه يلزمه القول بأنّ النّبيّ لم يقم الدّليل المقنع بذاته على نبوّته ، والتّفكيك جهل وتحكم وبكلمة أنّ عدم إسلام أبي طالب ـ لو فرض ـ يدل على أنّ في الواقع سرّا يستدعي عدم الإيمان بمحمّد حاشا لله ولرسوله ، ولكافله ، وحاميه ، والذّاب عنه وعن رسالته.

وربّ من يسأل ويقول : ما هو السّبب للتّشكيك بإسلام أبي طالب ما دام بهذه المنزلة والوضوح؟.

الجواب : أنّ القول بنفي الإسلام عن أبي طالب جاء جوابا للقول بنفاق أبي سفيان أليس أبو طالب والد عليّ أمير المؤمنين ، وأبو سفيان والد معاوية؟! ولا بدّ من الموازنة ، وترجيح هذا على ذلك ، أو المساواة بينهما على الأقل

سؤال ثان : لماذا لم يجاهر أبو طالب بإسلامه منذ اليوم الأوّل لدعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل ولده عليّ؟.

الجواب :

أوّلا : أنّه جاهر بذلك فيما قاله من الشّعر الّذي في كتب السّير والتّأريخ ، ومنه قوله:

٢٧٣

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا(١)

لو لا الملامة أو حذار مسبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت فيه أمينا(٢)

ثانيا : أنّ الإسلام كان ضعيفا في بدء الأمر ، وقد تألّبت عليه قوى الشّرك من كلّ جانب ، فكان من صواب الرّأي ، والخير للإسلام ونبيّه أن يكتم أبو طالب إيمانه إحكاما لخطة الدّفاع ، وهذا كثيرا ما يحدث بين أصحاب المباديء ، فلقد كتم مؤمن من آل فرعون إيمانه ليمكّنه الدّفاع عن موسىعليه‌السلام :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) (٣) . وأمر رسول الله نعيم من مسعود الأشجعي أن يكتم إيمانه في وقعة الأحزاب ، ليخذّل بين اليهود وقريش ، بل أذن له أن يقول فيه ما يشتهون(٤) .

وقال السّيّد محسن الأمين في الأعيان :

__________________

(١) انظر ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠.

(٢) هذان البيتان هما من قصيدته النّونيّة الّتي قالها «أبو طالب» لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخافته قريش أوّلها :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسّد في التّراب دفينا

انظر ، تفسير الثّعلبيّ ، والّذي قال فيه : «قد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب ، ديوان أبي طالب : ١٢ ، السّيرة النّبوّية لزيني دحلان هامش السّيرة الحلبية : ١ / ٩١ ، و ٢١١ ، شرح ابن أبي الحديد :

٣ / ٣٠٦ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠ ، فتح الباري : ٧ / ١٥٣ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمدية للقسطلاني : ١ / ٦١ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٤٢ ، الواحديّ في أسباب النّزول : ١٦١ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٤٠٦ ، الإصابة : ٧ / ٢٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٥٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٤ / ٥٥ ، الكاشف : ١ / ٥٠٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٥٦ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٤٦٤.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) انظر ، فتح الباري : ٧ / ٣٩٣ ، فيض القدير : ٣ / ٤١١.

٢٧٤

«لو جاهر أبو طالب بإسلامه لم يمكنه ما أمكنه من نصرة رسول الله»(١) .

وقال صاحب السّيرة الحلبيّة : «وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاء أبي طالب على دين قومه ، لما في ذلك من المصالح الّتي تبدو لمن تأملها»(٢) .

ويأبى الله سبحانه إلّا أن يقيم الشّواهد على الحقّ ، ولو على لسان الجاحدين والمعاندين أنّ هذا القائل ينكر إيمان أبي طالب ، ويعترف في الوقت نفسه أنّ مصلحة الإسلام تستدعي ذلك ، وذهل عن بديهة لا تقبل الشّك ، وهي أنّ الكفر بالله قبيح في ذاته ، وأنّه لم ولن تكون فيه مصلحة ولا حكمة مهما تكن الظّروف والبواعث والأهداف وأيضا ذهل أنّ الغرض المطلوب يتحقّق في كتم الإيمان ، كما فعل نعيم بن مسعود ، ومؤمن آل فرعون ، ولو شاء الله عدم إسلام أبي طالب لمصلحة النّبيّ لكان كفره أفضل من إيمانه بل وجب أن يؤاخذ ويعاقب على الإسلام والإيمان بالله ورسوله ولا قائل بهذا الهجر ، والهذايان أحد فتعيّن ـ إذن ـ القول بأنّ كتم إيمانه ، جمعا بين مصلحة الإسلام ، وقبح الكفر.

وقد وضعت كتب خاصّة في إسلام أبي طالب ومناقبه ، فليرجع إليها من أراد التّفصيل ، تسهيلا على القاريء نزوده بهذين الرّقمين :

الأوّل : جاء في السّيرة النّبوّة لابن هشام أنّ أبا طالب قال لولده عليّ : «أنّ محمّدا لم يدعك إلّا إلى خير ، فالزمه»(٣) . ولا معنى للإسلام إلّا الإعتراف بأنّ

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣ / ٥ طبعة (١٩٦٠ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ ، «باب وفاة أبي طالب وزوّجته». (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، السّيرة النّبوّة لابن هشام : ١ / ٢٤٧ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ). وانظر ، الإصابة لابن حجر : ـ

٢٧٥

دعوة محمّد خير يجب اتّباعه والإلتزام به.

الثّاني : جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد ، وفي السّيرة الحلبيّة : «أنّ عليّا حين أخبر النّبيّ بموت أبيه (أبي طالب) بكى ، وقال : إذهب ، فاغسله وكفّنه ، وواره ، غفر الله له ورحمه»(١) .

__________________

ـ ٤ / ١١٦ ، رقم «٦٨٤» الكنى تأريخ الطّبري : ٢ / ٢١٤ ، عيون الأثر : ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، أسنى المطالب : ١٠.

(١) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٣ طبعة (١٩٥٧ م) ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ (باب وفاة أبي طالب) (منه قدس‌سره). انظر ، السّنن الكبرى : ١ / ٣٠٥ ح ١٣٥٤ ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية : ١ / ٢٣٦ ح ٣٠٧ ، تلخيص الحبير : ٢ / ١١٥ ح ٧٥٤ ، نصب الرّاية : ٢ / ٢٨١ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، معجم القبور : ١ / ٢٠٤ ، العقد الفريد : ٢ / ٣١٥ طبعة الجماليّة بمصر.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، أسنى المطالب : ٢١ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٣٧٣ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، السّيرة الحلبيّة لدحلان : ١ / ٩٠ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٨٤ ، أسنى المطالب : ٢١.

وقال : أنا أموت على ملّة عبد المطّلب ، ثمّ مات. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث وأمثاله. وانظر ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٢ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٩ ، ولكنّ المسعوديّ يرى في عبد المطلب ، أنّه قد قال فيه : أنّه مات مسلما لمّا رأى من الدّلائل على نبوّة محمّد ٩ ، وعلم أنّه لا يبعث إلّا بالتّوحيد. وانظر ، الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢١٩ ، الإصابة : ٧ / ١٩٨ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٦٠ ، مشكل الآثار للطّحاوي : ١ / ١٠٨ ، العلل المتناهية لابن الجوزيّ : ٢ / ٤٢١ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٣٧٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ٣٤٦ ، السّيرة النّبوّية لابن هشام : ٢ / ٥٩ ، دار إحياء التّراث العربي بيروت ، ابن حجر في فتح الباري : ٧ / ١٩٣.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّه : وصلت رحمك وجزاك الله خيرا يا عمّ. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه ـ

٢٧٦

وما كان النّبيّ ليأمر بتجهيّز من أشرك وألحد ، ويطلب له من الله الرّحمة والرّضوان وغريب حقّا أن يحتاج إسلام أبي طالب إلى دليل ، وأن يكون محلا للتّساؤل ، وهو الّذي كفل رسول الله صغيرا ، ونصره كبيرا ، ولاقى من أجله أشدّ البلاء والعناء ، حتّى أنّ أحدا لم يطمع برسول الله ، وأنّ الله لم يأمره بالهجرة إلّا بعد وفاة عمّه أبي طالب غريب أن يكون إسلام أبي طالب محلا للتّساؤل ، وقد اتّفقت الكلمة على أنّه لو لا أبو طالب لقضي على دعوة محمّد ، وهي في المهد ، ولم يكن للإسلام عين ولا أثر.

فاطمة بنت أسد

وأبوها أسد أخو عبد المطّلب جدّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهيّ أوّل هاشميّة(١) . تزوّجها هاشمي ، ولم يتزوّج أبو طالب بغيرها ، وولدت له طالبا ، ولا عقب له ، وعقيلا ، وجعفرا ، وعليّا ، وكلّ واحد أسنّ من الآخر بعشر سنين ؛ وأمّ هاني ، واسمها

__________________

ـ أبي طالب ، تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٣١٤ ، معجم القبور : ١ / ١٩١ و ٢٠٤ ، شيخ الأبطح : ٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، إيمان أبي طالب : ١٠ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبية : ١ / ٣٧٣ ، أسنى المطالب : ٣٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، الحجّة على الذّاهب إلى تكفير أبي طالب لابن فخّار : ١٤٥.

(١) انظر ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا.

٢٧٧

فاختة(١) .

ولمّا كفل أبو طالب محمّدا أنزلته من قلبها منزلة الأحشاء ، وجعلته نصب عينيها ، إن غاب عنها لحظة لم يغب مثاله ، ولم تفقد شخصه ، وتذهل عن كلّ شيء ، حتّى يحضر ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله ، وتنظيفه ، وتلبيسه ، وتدهينه ، وتعطيره ، وإصلاح شأنه فإذا كان اللّيل اشتغلت بفرشه ، وتوسيده ، وتمهيده ، فكانت لا تغفل عنه وعن خدمته لحظة في ليل ولا نهار ، وكان يسميها أمّي.

ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر(٢) من يحفر قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره بيده ، واضطجع فيه ، وقال ، «أللهمّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، فقيل له : يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها ، فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ، ليوسع الله عليها ، وتأمن ضغط القبر ، أنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا إليّ بعد أبي طالب»(٣) .

صنع النّبيّ بها هذا وفاء لإحسانها ، واعترافا بجميلها ، ومع هذا فقد جعله دون إحسان عمّه أبي طالب ، لأنّها أحسنت إليه بالذات ، وعمّه أحسن للإسلام

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته. انظر ، كتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩. لا حظت ، وأنا اتّتبع كتب الفضائل أنّ ما من منقبة يذكرها الشّيعة لأهل البيت إلّا وفي كتب السّنّة مثلها.

(٢) أمر ، اسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمر بن الخطّاب ، وغلاما أسود. (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة :

١ / ٧٥ في الهامش رقم (٢) ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقيقنا ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، وكتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩.

٢٧٨

والمسلمين جميعا ولو لا دفاع أبي طالب وسيف ولده عليّ لما قام للإسلام قائمة ، ولما عاش فى ظلّه إنسان وغريبة الغرائب أن يعترف النّبيّ بأنّ لعمّه حقوقا دونها حقوق الأمّهات على الأبناء ، ثمّ يقول من يدّعي الإسلام : أنّه في ضحضاح من نار(١) ، لا لشيء إلّا لأنّ في هذا الإفتراء مسّا بعليّ وخلافة عليّ وبالتالي ، فإنّ على الباحث المنصف أن يضع هذه الحقيقة في حسابه ، وهو يقرأ أو يسمع لمن أنكر إسلام أبي طالب عليه أن يقف موقف المدقق الّذي ينظر إلى أبعد الأسباب والدّوافع ، لا موقف الجاهل المقلّد الّذي لا يعرف إلّا المظاهر ، ويؤمن بالكلمة المطبوعة ، لا لشيء إلّا لأنّها مطبوعة ، وكفى.

__________________

(١) بفتح الضّاد المعجمة بعدها الحاء المهملة السّاكنة : هو في الأصل مارقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنّار ، ذكره (ابن الأثير في حرف الضّاد) بعد أن ذكر الحديث المذكور. وحديث الضّحضاح ، هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الّتي وضعها الوضّاعون لبني أميّة خاصّة. فقد ورد في صحيح مسلم : ١ / ١٣٤ و ١٣٥ باب شفاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب ، وصحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠١ باب قصّة أبي طالب.

انظر ، ترجمة رواة الحديث في تهذيب التّهذيب : ٧ / ٤١ ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ٣ / ٩٦ و ١٥١.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا. فقد عالج الحديث الموضوع دلالة وسندا.

٢٧٩
٢٨٠