الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71441 / تحميل: 4892
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

نسب السّيّدة زينب(١)

أبوها عليّ بن أبي طالب.

جدّها لأبيها أبو طالب.

جدّتها فاطمة بنت أسد.

أمّها فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّها لأمّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّتها خديجة بنت خويلد.

أخوتها الإمامان الحسن والحسين ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وقمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس.

عمومتها جعفر الطّيّار في الجنّة ، وطالب ، وعقيل أبو مسلم.

وبالتالي ، فهيّ عمّة الأئمّة التّسعة المعصومين.

عليّ :

لقد أثنى الله على عليّ في كتابه ، ومحمّد في سنّته ، ودانت الملايين بالولاء

__________________

(١) الزّينب شجر حسن المنظر طيّب الرّائحة ، وبه سميّت المرأة ، وواحد الزّينب للشّجر زينبة. انظر ، لسان العرب : ١ / ٤٥٣.

٢٦١

له ، وألّف في فضائله العلماء القدامى والمحدثون من السّنّة والشّيعة وغير المسلمين من الشّرقيّين ، والغربيّين مئات المجلّدات ، وسيبقى الحديث عن عليّ إلى آخر يوم وأكتفي ـ هنا ـ وأنا أتكلّم عن نسب ابنته بقولهعليه‌السلام : «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد ، فينا نزل القرآن ، وفينا معدن الرّسالة»(١) . وبكلمة الجاحظ الّتي علّق بها على هذه الجملة ، قال(٢) :

«صدق عليّ في قوله : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» ، وكيف يقاس بقوم ، منهم رسول الله ، والأطيبان عليّ وفاطمة ، والسّبطان الحسن والحسين ، والشّهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج العبّاس ، وحليم البطحاء والنّجدة ، والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصّدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرّق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواري حواريهم ، وذو الشّهادتين ، لأنّه شهد لهم(٣)

__________________

(١) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٤٨٦ ح ٣٦٧٦ ، ينابيع المودّة : ١ / ٧١ ح ٢ ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ١٤٢ ح ٦٢٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٤٢٣ ح ٥١٧ ، بشارة المصطفى : ٣٢ ، مئة منقبة : ٦٥ ، تذكرة الخواصّ : ١٨٢ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٧١ ح ١١٤٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٣١١ ح ٦٩١٣ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١٨ ، الصّواعق المحرقة : ٢٣٣ ، الشّرف المؤيّد : ٢٩ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ ، تأريخ دمشق : ٣٠ / ٣٦١ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ١٩٥ ، المعجم الكبير : ٧ / ٢٥ ، طبعة بغداد ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس مخطوط ورقة (٢٦٦).

(٢) انظر ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ٢٨٠ ، الموفقيات : ٣٩٩.

(٣) يقال : أنّ اعرابيا باع فرسا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ندم ، وأنكر البيع ، وقال للرّسول : أين شاهدك على البيع؟ فشهد خزيمة بأنّ الأعرابي باع فرسه للنّبيّ.

فقال له النّبيّ أكنت حاضرا عند البيع يا خزيمة؟.

٢٦٢

__________________

ـ فقال : لا يا رسول الله! ولكن هل أصدقك بما جئت به عن الله ، ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث؟.

فقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : شهادتك شهادة رجلين.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٠٣٣ ح ٢٩٥٢ و : ٤ / ١٧٩٥ ح ٤٥٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٢١ ح ٢١٨٧ ، مجمع الزّوائد : ٧ / ١٨٢ و : ٩ / ٣٢٠ ، سنن البيهقيّ الكبرى : ٢ / ٤١ ح ٢٢٠٣ و : ٧ / ٦٦ ح ١٣١٨٢ و : ١٠ / ١٤٥ ، سنن النّسائي : ٧ / ٣٠١ ح ٤٦٤٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٣٨ ح ٢٢٩٣٣ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ٤٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٦ ، مسند أحمد : ٥ / ١٨٨ ح ٢١٦٨٣ و ٢١٩٣٣ و ٢١٩٣٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٣٥٩ ح ٣٦٠٤ ، فتح الباري : ٦ / ٢٤ ح ٢٦٥٢ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٧٠٣ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٧٩ ، الإصابة : ٢ / ٢٧٨ ح ٢٢٥٣ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٧٧ ح ١٤٧ ، تحفة الطّالب : ١ / ٢٩٠ ، المحلى لابن حزم الظّاهري : ٨ / ٣٤٨ ، نيل الأوطار للشّوكاني : ٥ / ٢٧١.

ولسنا بصدد بيان ردّ المؤرّخ الكبير أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ في تأريخه : ٣ حوادث سنة (٣٧ ه‍) وما بعدها ، وما تبعه المؤرّخون من بعده بأنّه بدّل وغيّر اسم الصّحابي الجليل الّذي شهد بدرا وما بعدها ، إلى رجل آخر اسمه خزيمة بن ثابت الأوسي شهد بدرا ، أو أحدا وهو غير خزيمة الّذي قتل في صفّين مع الإمام عليّ عليه‌السلام بل قال : أنّه مات زمن عثمان ، وهذه من مختلقات سيف وهو يحرّف ، ويصحّف ، ويقلّب ، ويختلق أمّة من الصّحابة ، والتّابعين ، ورواة الحديث ، وقادة الفتوح ، والشّعراء ، وعددا كبيرا من أماكن ، وكتبا سياسيّة ، وأراجيز كما فعل في اسطورة القعقاع ، وعبد الله بن سبأ ، وسمّاك بن خرشة الّذي زعمه غير أبي دجانة ، وبرّة بن يحنس الخزاعي مرادفا لاسم الصّحابي وبر بن يحنس الكلبي وغيرهم ، ومن أراد المزيد فليراجع كتاب العلّامة السّيّد مرتضى العسكري في كتابيه : عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : ١ و ٢ ، وخمسون ومئة صحابي مختلق : ١ و ٢. وخزيمة هذا هو الّذي قاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم الجمل ، وقاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم صفّين.

انظر الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١ ، قارن بين خزيمة الحقيقي وخزيمة المختلق في الإصابة : ١ / ٤٢٥ رقم التّرجمة : ٢٢٥١ و ٢٢٥٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد تحقّيق أبو الفضل : ١ / ١٠٩ ، الكامل : ٣ / ٨٤ ، تأريخ ابن خلدون : ٢ / ٤٠٧. وانظر كذلك أصحاب ـ

٢٦٣

ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم ، وأبان رسول الله أهل بيته بقوله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب اللهعزوجل حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ؛ فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما»(١) . ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : «إنّي سمعت رسول الله يقول : «كلّ سبب

__________________

ـ العيون والأقلام المأجورة مجلّة الأزهر : ٣٢ / العدد ١٠ / ١١٥٠ ، و : ٣٣ / العدد ٦ / ٧٦٠ ، ومجلّة «راهنمائي كتاب» الفارسيّة طبع طهران السّنة الرّابعة العدد : ٧ / ٦٩٦ ، والعدد : ٨ / ٨٠٠ ، والعدد : ٩ / ٨٩٤.

وقد رثته ابنته ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين :

عين جودي على خزيمة بالدم

ع قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشّهادتين عتوّا

أدرك الله منهم بالتّرات

قتلوه في فتية غير عزل

يسرعون الرّكوب للدعوات

إلى آخر الأبيات ، انظرها في وقعة صفّين : ٣٦٥ و ٣٦٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٠ ، اسد الغابة : ٣ / ١٢٤ و ٢٨٢ ، الإصابة : ٢ / ٢٨٠ ، و : ٤ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٨٤ طبعة الأندلس ، الاستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٢٦٨ و ٣٩٥ ، و : ٤ / ٢٠١ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٢٧ ، اسد الغابة : ١ / ٣٠٣.

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٣٢ ، و : ١٣ / ١٧١ ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / فضائل القرآن ، وخصائص النّسائي : ٥٠ ، تذكرة الخواصّ : الباب ١٢ ، واسد الغابة : ٢ / ١٢ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٠٩ ، ومسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠ ، و : ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ ، و : ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، والصّواعق المحرقة : ٢٥ المطبعة الميمنية بمصر ، وص : ٤١ المطبعة المحمّدية بمصر ، ومجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٤ ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : ٢ / ٤٥ ح ٥٤٥ ، وكنز العمّال : ١ / ١٦٨ ح ٩٥٩ الطّبعة الأولى ، وينابيع المودّة : ٣٧ طبع إسلامبول إلخ).

انظر ، البخاريّ في صحيحه : ٢ / ٢٠٠ ، والطّيّالسي : ١ / ٢٨ / ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣ ، وابن ماجه: ح ١١٥ ، الأصول الثّمانيّة : ٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٢ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ ، ابن كثير: ٥ / ٢٠٩ ، من هم الزّيديّة ، السّيّد يحيى ابن عبد الكريم الفضيل : ٥٩ ، الأمالي الخميسيّة : ١ / ١٥٦. هذا الحديث الأخذ والعمل به ثقيل وخطير ؛ ولذا سمّي «بحديث الثّقلين» ـ كتاب الله والعترة.

٢٦٤

ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي»(١) . أمّا عليّ فلو أردنا أن ندوّن

__________________

(١) أمّ كلثوم الكبرى تزوّجها عمر ابن الخطّاب ، وأصدقها أربعين ألفا ، وقيل مئة ألف

انظر ، تعليق الشّيخ المفيد في رسالته الخاصّة بهذا الموضوع ، وفي الإرشاد : ١ / ٣٥٤ ولكن بلفظ : زينب الصّغرى المكناة أمّ كلثوم ، وفي أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ أضاف : تزوّجها عمر بن الخطّاب وتحت رقم (٢٣٥) يورد عن هشام الكلبي عن أبيه عن جدّه قال : خطب عمر بن الخطّاب من عليّ أمّ كلثوم فقال : إنّها صغيرة وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٦) عن عثمان بن محمّد بن عليّ قال : خرج عمر إلى النّاس فقال زفّوني وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٧) عن عكرمة عن ابن عبّاس وقال ابن الكلبي : ولدت أمّ كلثوم بنت عليّ لعمر ، زيد ، ورقية فمات زيد وأمّه في يوم واحد.

ونحن لسنا بصدد تحقيق حقيقة الزّواج ، وعدمه ؛ ولكن نشير إلى أنّ الحديث منقطع السّند ، وغير ناهض للحجّية. والطّبريّ في تأريخه : ٤ / ١١٨ لم يذكر ذلك ، ونكتفي بنقل كلام الشّيخ المفيد في جواب المسائل السّروية : ٦١ ـ ٦٣ حيث قال ؛ : إنّ الخبر الوارد بتزوّيج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزّبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقا به في النّقل ، وكان متّهما فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم والحديث بنفسه مختلف ، فتارة يروى أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تولّى العقد له على ابنته ، وتارة يروى أنّ العبّاس تولّى ذلك عنه ، وتارة يروى أنّه لم يقع العقد إلّا بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروى أنّه كان عن إختيار ، وإيثار ، ثمّ إنّ بعض الرّواة يذكر أنّ عمر أولدها ولدا سمّاه زيدا ، وبعضهم يقول : إنّه قتل قبل دخوله بها ، وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول : إنّه وأمّه قتلا ، ومنهم من يقول : إنّ أمّه بقيت بعده ، ويقال إنّه رمي بحجر بين حيين في حرب فمات ولا عقب له ، ويقال إنّه مات هو وأمّه في ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الآخر ، وصلّى عليهما عبد الله بن عمر ، وقدم زيدا على أمّه فصار سنّة ، ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أمّ كلثوم أربعين ألف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمئة درهم ، ويبدوّ هذا الإختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال ، انتهى.

وسبق وأن أوضحنا بأنّ أمّ كلثوم هي بنت الخليفة الأوّل أبي بكر وهي الّتي تزوّجها عمر بن الخطّاب ، ولكن الأقلام المأجورة ، والضّغائن والأحقاد هي الّتي أثبتت أنّها بنت الإمام عليّ عليه‌السلام لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

٢٦٥

لأيّامه الشّريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السّنية ، لأفنينا في ذلك الطّوامير ، العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشّأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللّسان خطيب ، والصّدر رحب ، وأخلاقة وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه»(١) .

إسلام أبي طالب :

ولا بدّ من كلمة في اسلام أبي طالب ، ونحن نتحدث عن نسب حفيدته السّيّدة زينب. وقد اشتهر بين السّنّة أنّه مات على غير الإسلام ، وأجمعت كلمة الشّيعة على أنّه مات مسلما ، ولكنّى نعرف الحقّ مع أي جانب من الطّائفتين ينبغي التّمهيد بما يلي :

١ ـ إذا اتّفقت كلمة المسلمين جميعا السّنّة والشّيعة على شيء ، كان اتّفاقهم دليلا بنفسه لا يحتاج معه إلى البحث والنّظر ، وكان لكلّ مسلم أن يجزم ويعتقد بما اتّفقوا عليه دون قيد أو شرط ، وبدون ترو وتريث ، فلو قال قائل : أنّ أبا جهل مات على غير السّلام ، فلا يحقّ لأحد أن يعترض عليه ، ويطلب منه التّثبت قبل الحكم بكفره ، لأنّ المفروض اتّفاق الجميع على ذلك ، وعدم وجود قولين ، ليجب النّظر ، والتّدقيق في أي القولين أصح ، وأي الدليلين أقوى؟.

أمّا إذا اختلف المسلمون فيما بينهم ، وذهبت كلّ طائفة إلى رأي فيجب حينئذ البحث والنّظر ، ومن جزم وحكم بدون تثبت ، ولمجرد الإعتماد على الشّهرة عند أحد الفريقين فهو مقلّد جاهل ، إذ ليس كلّ ما هو موجود واقعا يجب أن يشتهر ،

__________________

(١) انظر ، مئة منقبة للجاحظ : ٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٤٥.

٢٦٦

ولا كلّ مشهور يجب أن يكون موجودا في الواقع ، ولذا قيل : «ربّ مشهور لا أصل له ، وربّ متأصّل غير مشهور». ولو سلّمنا جدلا ، لا اعتقادا أنّ الشّهرة حقّ وصدق فإنّما تكون حقّا إذا لم يقم الدّليل المحسوس الملموس على ضدّها وكذبها وقد جاء في الحديث : «ليس المخبر كالمعاين»(١) ، على أنّ الأخذ بما اشتهر عند السّنّة دون الأخذ بما اشتهر عند الشّيعة تحكّم ، وترجيح بلا مرجّح. وعليه يتحتّم طرح القولين معا ، وترك التّعصب لأحدهما ، والتّجرد للبحث النّزيه فلقد دلّت التّجارب منذ القديم على أنّ الّذين يلجأون إلى نزوات العاطفة لا يهتدون إلى خير ، ومحال أن يهتدوا ما دامت الميول هي المسيطرة ، والتّقاليد هي المتحكّمة.

٢ ـ أنّ عقيدة الإنسان ، أي إنسان لا تعرف على حقيقتها إلّا في ضوء واقعة وحياته الخاصّة ، وما يحيط بها من الظّروف والملابسات ، فهي الّتي توجّهه في سلوكه ، وآرائه ، ومعتقداته ، ومحال أن نعرف شيئا من ميوله ورغباته بمعزل عن واقعه وعالمه الخاصّ.

٣ ـ أنّه كما اشتهر بين السّنّة أنّ أبا طالب مات على غير الإسلام ، فقد أجمعت الشّيعة أنّ أبا سفيان مات على النّفاق ، واختلفت السّنّة في حسن إسلامه ، أي في نفاقه وعدمه ، قال صاحب «الإستيعاب» : «اختلف في حسن إسلام أبي سفيان ، فطائفة تروي أنّه لمّا أسلم حسن إسلامه وطائفة تروي أنّه كان كهفا

__________________

(١) انظر ، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي : ٢ / ٦٨٩ ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ٩٧ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ٦ / ٢٩١ ح ١٧٧٨ ، تأريخ بغداد ٣ / ٢٠٠ ، غريب الحديث لابن قتيبة : ١ / ٢٦٠.

٢٦٧

للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهليّة ينسب إلى الزّندقة»(١) .

ويحتم علينا المنطق في مثل هذه الحال أن لا نجزم بإسلام أبي طالب ، ولا بحسن إسلام أبي سفيان إلّا بعد البحث والنّظر ، وأن لا نعتمد على قول أيّة فئة من الفئات بل علينا أن ننظر ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ إلى حياة كلّ من أبي طالب وأبي سفيان وظروفة الخاصّة : هل تتّجه به إلى الإسلام ، والإيمان برسالة محمّد ، أو إلى الشّرك ، ومحاربة محمّد ورسالته؟

وإنّ واقع أبي سفيان ، وكلّ ما يتّصل بتأريخه وحياته من قريب أو بعيد يتّجه إلى التّعلق بالأوثان ، والدّفاع عنها ، والتّضحية من أجلها بكلّ غال وعزيز ، حتّى ولو كان في واقعة ، وبينه وبين نفسه لا يعتقد بها ولا بشيء أبدا لأنّ الأوثان تمنحه الإمتياز والسّيادة على الضّعفاء والمساكين ، ومحمّد يجرده من كلّ ذلك ، ويدعو إلى الإخاء والمساواة ، والأوثان تبيح له السّلب ، والنّهب ، والفسق ، والفجور ، وما إليه من الرّذائل ، ومحمّد يأمر بالفضائل ، ومكارم الأخلاق ، فمحمّد ـ إذن ـ خطر على الإستقراطيّين بعامّة ، وعلى أبي سفيان بخاصّة.

هذا ، إلى العداء الموروث المتأصّل بين هاشم واميّة ، فكيف يستسلم أبو سفيان وينقاد إلى ألد أعدائه ، وقد ظهر ذلك في الحروب والمكائد الّتي نصبها للرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهل بعد هذه الأرقام المحسوسة المستمدّة من واقع أبي سفيان من شكّ ، وريب في أنّه أظهر الإسلام عن خوف لا عن إيمان ، وحقنا لدمه لا بدافع من ضميره ووجدانه؟ وهل نأخذ بالشّهرة وغير الشّهرة بعد أن انكشف الواقع كشفا حسيّا تبددت معه الشّكوك والأوهام؟ أنّ أبا سفيان لا

__________________

(١) انظر ، الإستيعاب في اسماء الأصحاب : ٤ / ٨٦ المطبوع مع الإصابة سنة (١٩٣٩ م). (منهقدس‌سره ).

٢٦٨

يرجع في سلوكه إلى عقل ، ولا دين ، ولا ضمير ، وإنّما المعيار ، والدّافع ، والمثل الأعلى عنده هي المنفعة الخاصّة لا غيرها شأن جميع الأقوياء الّذين لا يربطهم أي شيء بهذا العالم غير المصالح الشّخصيّة(١) .

أمّا واقع أبي طالب فعلى الضّد تماما من واقع أبو سفيان ، فلا يلتقيان في جهة ، ولا يتشابهان في شيء ، فأبو سفيان تأكل الضّغائن قلبه على محمّد ، وأبو طالب يحنو عليه حنو المرضع على فطيمها ، فعن طبقات ابن سعد أنّه كان يحبّه حبّا شديدا لا يحبّه ولده ، وكان لا ينام إلّا وهو إلى جنبه(٢) ، وإذا خرج أخرجه معه(٣) ،

__________________

(١) قال صاحب الإستيعاب : ٤ / ٨٨ : «لأبي سفيان أخبار رديئة ذكرها أهل الأخبار» ونحن نشير هنا إلى بعضها ، منها : ذكره صاحب الإستيعاب : ٨٧ «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : درها كالكرة إنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة وما نار.

ومنها : ما ذكره صاحب الإصابة : ٢ / ١٧٢ طبعة (١٩٣٩ م) (أنّ أبا سفيان قال في نفسه : ما أدري بم غلبنا محمّد؟ فضرب النّبيّ على ظهره ، وقال : بالله غلبك.

ومنها : ما جاء في العقد الفريد : ٥ / ١٠ طبعة (١٩٥٣ م) (أنّه حين بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان : أنّي أرى غبرة لا يطفئها إلّا الدّم ، وجعل يطوف في أزقّة المدينة ويقول : انظر ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ١٠٥ ، و : ٢ / ١٢٦ ، تأريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٠ ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ١٠٥.

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو حسن عليّ

فقال عمر لأبي بكر : أنّ هذا فاعل شرّا ، وكان يتألّفه على الإسلام ، فدع ما بيده من الصّدقة ، ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه. انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٤٤٩ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٢.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٩ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٦٦ ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٥ ، الكاشف : ٣ / ٢٦٤ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٣٨٤ ، وأخرجه أبو نعيم عن الواقديّ عن شيوخه ، وذكره ابن حجر في الإصابة : ١ / ١٧٩ ، وابن سعد في الطّبقات : ١ / ١٢١ ـ ،

٢٦٩

وأبو سفيان يخشى من انتصار محمّد على مجد «اميّة» ، ويعتقد أبو طالب أنّ في انتصار أخيه المجد الدّائم والشّرف الخالد ، وأي شرف أعظم من أن يعهد الله سبحانه إلى ربيب أبي طالب بأمانته ، ويختاره على جميع خلقه؟.

هذا إذا قسنا أبا طالب بمقياس النّفعيّين والإنتهازيّين تماما كما نقيس أبا سفيان ، وقلنا : أنّ كلّا منهما يعمل بدافع من منافعه الخاصّة ، لا بوحي من عقله وضميرة فإنّ النّتيجة الحتيمة المنطقية هي إيمان أبي طالب بمحمّد ورسالته ، وجحود أبي سفيان بكلّ ما يمت إلى النّبيّ بسبب.

ولو نزّهنا أبا طالب عن الغايات والأهواء ، ونظرنا إليه كطالب للحقّ من مصدره وأدلّته لجاءت النّتيجة أيضا إيمانه بالله والرّسول ، فلقد شاهد من آيات ابن أخيه منذ طفولته إلى ما بعد النّبوّة ما لم يتسن لأحد سواه مات أبو النّبيّ قبل أن يرى ولده العظيم ، فكفله جدّه عبد المّطّلب(١) ، ثمّ توفّي الجدّ ، وللنّبيّ من العمر ثماني سنوات ، وكان قد عهد به إلى أبي طالب ، وقال له فيما قال : «استمسك به وانصره بلسانك ، ويدك ، ومالك فإنّ له شأنا وأرجو أن يبلغ

__________________

ـ والسّيوطيّ في الخصائص : ١ / ٢٠٨ ، ودلائل النّبوّة : ١ / ٢١٥ ، و : ٢ / ٢٤ ، ابن هشام في السّيرة : ١ / ١٨٠ ، والتّرمذيّ برقم «٣٦٢٤» ، والفتح : ١٠ / ٣٤٥.

(١) انظر ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٤٠ ، و : ١٧ / ١٣٣ ، الدّيباج على مسلم : ٣ / ٤٠٨ و : ٦ / ١٤٨ ، تلخيص الحبير لابن حجر : ٤ / ٥٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٣ و : ٥ / ٨٩ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٦ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ١٥٣ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٥ و ١٨ و ٣٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٨٢ و : ٨ / ٢٩٨ ، البداية والنّهاية : ٦ / ١٤١ و : ٣٠٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٣٣ ، صحيح ابن خزيمة : ٣ / ١٤٠ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٤٥ و : ٢٣ / ٢٥٥ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ٢٥٢ ، تأريخ دمشق : ٤ / ٣٩٠ و : ٧ / ٢٠٢ ، اسد الغابة : ١ / ٢٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٨ ، تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٥.

٢٧٠

من الشّرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده»(١) .

وكان أبو طالب يحدّث عن النّبيّ بعد أن ضمّه إليه ، ويقول :

«كنت كثيرا ما اسمع منه إذا ذهب اللّيل كلاما يعجبني ، وكنّا لا نسمي على الطّعام ، ولا الشّراب ، حتّى سمعته يقول : بسم الله الأحد ، ثمّ يأكل ، فإذا فرغ قال : الحمد لله كثيرا(٢) ، وكنت آتيه على غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السّماء ولم أرمنه كذبة قطّ ، ولا جاهليّة قطّ ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضّحك ، ولا وقف مع الصّبيان في لعب ، ولا التفقت إليهم ، وكانت الوحدة ، والتّواضع أحبّ إليه»(٣) .

ونقل ابن عساكر أنّ قحطا أصاب قريشا ، فاستسقى أبو طالب بمحمّد ، وما أن مدّ باصبعه ، حتّى أقبل السّحاب من هاهنا وهنا ، وأغدق الوادي ، وأخصب النّادي ، وفي ذلك يقول أبو طالب(٤) :

__________________

(١) انظر ، الخصائص الكبرى للسّيوطي : ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١ / ٧٠ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٢ دار الكتب العلميّة بيروت.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٠٧٨ ح ٥١٤٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٧١٠ ح ١٩٣٥ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٩٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٢٨٦ ح ١٤٤٤٨ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥٦ ح ٢٢٢٥٤.

(٣) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٥ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٤٦.

(٤) انظر ، التّأريخ الكبير لابن عساكر : ١ / ٣٣٣ طبعة الشّام ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ١٢٥ طبعة مصر ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٢٤.

ذكر هذه القصيدة أكثر أهل السّير ، وشرحها أيضا كثيرون ، كالعلّامة الدّحلاني في أسنى المطالب في نجاة أبي طالب : ١١ ، وقال : قال ابن كثير هذه القصيدة بليغة جدّا ، لا يستطيع أن يقولها إلّا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى.

وأمّا سبب إنشائها فقد اختلف المؤرّخون في ذلك ط ، فقيل : إنّه قالها حين انتشر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

٢٧١

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وكانت فاطمة بنت أسد زوّجة عمّه أبي طالب تحدّث عنه ، وتقول :

«كان في صحن داري شجرة قد يبست ، فأتى محمّد يوما إلى الشّجرة ، فمسّها بكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرّطب»(١) . وفي طبقات ابن سعد : «أنّ أبناء أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا كان معهم النّبيّ شبعوا»(٢) .

وبعد أن رأى أبو طالب هذه الآيات بعينيه ، وتكرّرت عليه مرّات ومرّات ، وبعد أن سمع من أبيه وغير أبيه التّنبؤات ، يقال له : أنّه مات على غير الإسلام ، وهو ذو العقل الكبير ، والنّظر البعيد؟. وهل عرب البادية وغيرهم من المهاجرين والأنصار أرجح عقلا من أبي طالب أو رأوا وشاهدوا من آيات محمّد أكثر ممّا رأى وشاهد أو كانوا ألصق به وأقرب إليه من عمّه؟. وبعد ، فبأي منطق أخذ الباحث ، وبأي مقياس قاس أبا طالب ، فالنّتيجة أنّ عدم إسلامه مستحيل أو شبه مستحيل.

__________________

ـ وخاف أبو طالب أن تعاضد العرب قومه على قلعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أنشأها وتلاها عليهم وسمعها الأشراف تعوذوا بها. وقيل : إنّه قالها في الشّعب وفي بعض أبياتها ما يؤيد ذلك.

انظر ، ابن هشام في سيرته : ١ / ٢٨٦ ، أبا هفان العبدي في ديوان أبي طالب : ٢ ـ ١٢ ، ابن أبي الحديد في شرح النّهج : ٢ / ٣١٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٥٣ ، إرشاد السّاري : ٢ / ٢٢٧ ، المواهب اللّدنية: ١ / ٤٨ ، عمدة القاريّ : ٣ / ٤٣٤ ، خزانة الأدب : ١ / ٢٥٢.

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٦ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٢٨.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٠ طبعة دار بيروت سنة (١٩٥٧ م). (منهقدس‌سره ).

تأريخ دمشق : ٣ / ٨٦ ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٤ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ١ / ٢٤٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ١٣٥.

٢٧٢

أنّ من شكّ بإسلام أبي طالب فقد شكّ بنبوّة محمّد ، من حيث لا يدري ولا يشعر إذ لا يمكن بحال أن نجمع بين القول بأنّ النّبيّ أتى بالبرهان القاطع على نبوّته ، وبين القول بأنّ أبا طالب غير مسلم ، مع العلم والتّسليم بصحة إدراكه ، ورجحان عقله ، وخبرته التّامة بحقيقة ابن أخيه ، وشدّة حبّه وإخلاصه له. فكلّ من قال بأنّ محمّد أتى بالدّليل الكافي الوافي يلزمه القول بإسلام أبي طالب ، وكلّ من قال بعدم إسلامه يلزمه القول بأنّ النّبيّ لم يقم الدّليل المقنع بذاته على نبوّته ، والتّفكيك جهل وتحكم وبكلمة أنّ عدم إسلام أبي طالب ـ لو فرض ـ يدل على أنّ في الواقع سرّا يستدعي عدم الإيمان بمحمّد حاشا لله ولرسوله ، ولكافله ، وحاميه ، والذّاب عنه وعن رسالته.

وربّ من يسأل ويقول : ما هو السّبب للتّشكيك بإسلام أبي طالب ما دام بهذه المنزلة والوضوح؟.

الجواب : أنّ القول بنفي الإسلام عن أبي طالب جاء جوابا للقول بنفاق أبي سفيان أليس أبو طالب والد عليّ أمير المؤمنين ، وأبو سفيان والد معاوية؟! ولا بدّ من الموازنة ، وترجيح هذا على ذلك ، أو المساواة بينهما على الأقل

سؤال ثان : لماذا لم يجاهر أبو طالب بإسلامه منذ اليوم الأوّل لدعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل ولده عليّ؟.

الجواب :

أوّلا : أنّه جاهر بذلك فيما قاله من الشّعر الّذي في كتب السّير والتّأريخ ، ومنه قوله:

٢٧٣

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا(١)

لو لا الملامة أو حذار مسبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت فيه أمينا(٢)

ثانيا : أنّ الإسلام كان ضعيفا في بدء الأمر ، وقد تألّبت عليه قوى الشّرك من كلّ جانب ، فكان من صواب الرّأي ، والخير للإسلام ونبيّه أن يكتم أبو طالب إيمانه إحكاما لخطة الدّفاع ، وهذا كثيرا ما يحدث بين أصحاب المباديء ، فلقد كتم مؤمن من آل فرعون إيمانه ليمكّنه الدّفاع عن موسىعليه‌السلام :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) (٣) . وأمر رسول الله نعيم من مسعود الأشجعي أن يكتم إيمانه في وقعة الأحزاب ، ليخذّل بين اليهود وقريش ، بل أذن له أن يقول فيه ما يشتهون(٤) .

وقال السّيّد محسن الأمين في الأعيان :

__________________

(١) انظر ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠.

(٢) هذان البيتان هما من قصيدته النّونيّة الّتي قالها «أبو طالب» لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخافته قريش أوّلها :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسّد في التّراب دفينا

انظر ، تفسير الثّعلبيّ ، والّذي قال فيه : «قد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب ، ديوان أبي طالب : ١٢ ، السّيرة النّبوّية لزيني دحلان هامش السّيرة الحلبية : ١ / ٩١ ، و ٢١١ ، شرح ابن أبي الحديد :

٣ / ٣٠٦ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠ ، فتح الباري : ٧ / ١٥٣ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمدية للقسطلاني : ١ / ٦١ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٤٢ ، الواحديّ في أسباب النّزول : ١٦١ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٤٠٦ ، الإصابة : ٧ / ٢٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٥٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٤ / ٥٥ ، الكاشف : ١ / ٥٠٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٥٦ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٤٦٤.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) انظر ، فتح الباري : ٧ / ٣٩٣ ، فيض القدير : ٣ / ٤١١.

٢٧٤

«لو جاهر أبو طالب بإسلامه لم يمكنه ما أمكنه من نصرة رسول الله»(١) .

وقال صاحب السّيرة الحلبيّة : «وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاء أبي طالب على دين قومه ، لما في ذلك من المصالح الّتي تبدو لمن تأملها»(٢) .

ويأبى الله سبحانه إلّا أن يقيم الشّواهد على الحقّ ، ولو على لسان الجاحدين والمعاندين أنّ هذا القائل ينكر إيمان أبي طالب ، ويعترف في الوقت نفسه أنّ مصلحة الإسلام تستدعي ذلك ، وذهل عن بديهة لا تقبل الشّك ، وهي أنّ الكفر بالله قبيح في ذاته ، وأنّه لم ولن تكون فيه مصلحة ولا حكمة مهما تكن الظّروف والبواعث والأهداف وأيضا ذهل أنّ الغرض المطلوب يتحقّق في كتم الإيمان ، كما فعل نعيم بن مسعود ، ومؤمن آل فرعون ، ولو شاء الله عدم إسلام أبي طالب لمصلحة النّبيّ لكان كفره أفضل من إيمانه بل وجب أن يؤاخذ ويعاقب على الإسلام والإيمان بالله ورسوله ولا قائل بهذا الهجر ، والهذايان أحد فتعيّن ـ إذن ـ القول بأنّ كتم إيمانه ، جمعا بين مصلحة الإسلام ، وقبح الكفر.

وقد وضعت كتب خاصّة في إسلام أبي طالب ومناقبه ، فليرجع إليها من أراد التّفصيل ، تسهيلا على القاريء نزوده بهذين الرّقمين :

الأوّل : جاء في السّيرة النّبوّة لابن هشام أنّ أبا طالب قال لولده عليّ : «أنّ محمّدا لم يدعك إلّا إلى خير ، فالزمه»(٣) . ولا معنى للإسلام إلّا الإعتراف بأنّ

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣ / ٥ طبعة (١٩٦٠ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ ، «باب وفاة أبي طالب وزوّجته». (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، السّيرة النّبوّة لابن هشام : ١ / ٢٤٧ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ). وانظر ، الإصابة لابن حجر : ـ

٢٧٥

دعوة محمّد خير يجب اتّباعه والإلتزام به.

الثّاني : جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد ، وفي السّيرة الحلبيّة : «أنّ عليّا حين أخبر النّبيّ بموت أبيه (أبي طالب) بكى ، وقال : إذهب ، فاغسله وكفّنه ، وواره ، غفر الله له ورحمه»(١) .

__________________

ـ ٤ / ١١٦ ، رقم «٦٨٤» الكنى تأريخ الطّبري : ٢ / ٢١٤ ، عيون الأثر : ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، أسنى المطالب : ١٠.

(١) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٣ طبعة (١٩٥٧ م) ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ (باب وفاة أبي طالب) (منه قدس‌سره). انظر ، السّنن الكبرى : ١ / ٣٠٥ ح ١٣٥٤ ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية : ١ / ٢٣٦ ح ٣٠٧ ، تلخيص الحبير : ٢ / ١١٥ ح ٧٥٤ ، نصب الرّاية : ٢ / ٢٨١ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، معجم القبور : ١ / ٢٠٤ ، العقد الفريد : ٢ / ٣١٥ طبعة الجماليّة بمصر.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، أسنى المطالب : ٢١ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٣٧٣ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، السّيرة الحلبيّة لدحلان : ١ / ٩٠ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٨٤ ، أسنى المطالب : ٢١.

وقال : أنا أموت على ملّة عبد المطّلب ، ثمّ مات. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث وأمثاله. وانظر ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٢ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٩ ، ولكنّ المسعوديّ يرى في عبد المطلب ، أنّه قد قال فيه : أنّه مات مسلما لمّا رأى من الدّلائل على نبوّة محمّد ٩ ، وعلم أنّه لا يبعث إلّا بالتّوحيد. وانظر ، الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢١٩ ، الإصابة : ٧ / ١٩٨ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٦٠ ، مشكل الآثار للطّحاوي : ١ / ١٠٨ ، العلل المتناهية لابن الجوزيّ : ٢ / ٤٢١ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٣٧٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ٣٤٦ ، السّيرة النّبوّية لابن هشام : ٢ / ٥٩ ، دار إحياء التّراث العربي بيروت ، ابن حجر في فتح الباري : ٧ / ١٩٣.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّه : وصلت رحمك وجزاك الله خيرا يا عمّ. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه ـ

٢٧٦

وما كان النّبيّ ليأمر بتجهيّز من أشرك وألحد ، ويطلب له من الله الرّحمة والرّضوان وغريب حقّا أن يحتاج إسلام أبي طالب إلى دليل ، وأن يكون محلا للتّساؤل ، وهو الّذي كفل رسول الله صغيرا ، ونصره كبيرا ، ولاقى من أجله أشدّ البلاء والعناء ، حتّى أنّ أحدا لم يطمع برسول الله ، وأنّ الله لم يأمره بالهجرة إلّا بعد وفاة عمّه أبي طالب غريب أن يكون إسلام أبي طالب محلا للتّساؤل ، وقد اتّفقت الكلمة على أنّه لو لا أبو طالب لقضي على دعوة محمّد ، وهي في المهد ، ولم يكن للإسلام عين ولا أثر.

فاطمة بنت أسد

وأبوها أسد أخو عبد المطّلب جدّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهيّ أوّل هاشميّة(١) . تزوّجها هاشمي ، ولم يتزوّج أبو طالب بغيرها ، وولدت له طالبا ، ولا عقب له ، وعقيلا ، وجعفرا ، وعليّا ، وكلّ واحد أسنّ من الآخر بعشر سنين ؛ وأمّ هاني ، واسمها

__________________

ـ أبي طالب ، تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٣١٤ ، معجم القبور : ١ / ١٩١ و ٢٠٤ ، شيخ الأبطح : ٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، إيمان أبي طالب : ١٠ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبية : ١ / ٣٧٣ ، أسنى المطالب : ٣٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، الحجّة على الذّاهب إلى تكفير أبي طالب لابن فخّار : ١٤٥.

(١) انظر ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا.

٢٧٧

فاختة(١) .

ولمّا كفل أبو طالب محمّدا أنزلته من قلبها منزلة الأحشاء ، وجعلته نصب عينيها ، إن غاب عنها لحظة لم يغب مثاله ، ولم تفقد شخصه ، وتذهل عن كلّ شيء ، حتّى يحضر ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله ، وتنظيفه ، وتلبيسه ، وتدهينه ، وتعطيره ، وإصلاح شأنه فإذا كان اللّيل اشتغلت بفرشه ، وتوسيده ، وتمهيده ، فكانت لا تغفل عنه وعن خدمته لحظة في ليل ولا نهار ، وكان يسميها أمّي.

ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر(٢) من يحفر قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره بيده ، واضطجع فيه ، وقال ، «أللهمّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، فقيل له : يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها ، فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ، ليوسع الله عليها ، وتأمن ضغط القبر ، أنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا إليّ بعد أبي طالب»(٣) .

صنع النّبيّ بها هذا وفاء لإحسانها ، واعترافا بجميلها ، ومع هذا فقد جعله دون إحسان عمّه أبي طالب ، لأنّها أحسنت إليه بالذات ، وعمّه أحسن للإسلام

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته. انظر ، كتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩. لا حظت ، وأنا اتّتبع كتب الفضائل أنّ ما من منقبة يذكرها الشّيعة لأهل البيت إلّا وفي كتب السّنّة مثلها.

(٢) أمر ، اسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمر بن الخطّاب ، وغلاما أسود. (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة :

١ / ٧٥ في الهامش رقم (٢) ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقيقنا ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، وكتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩.

٢٧٨

والمسلمين جميعا ولو لا دفاع أبي طالب وسيف ولده عليّ لما قام للإسلام قائمة ، ولما عاش فى ظلّه إنسان وغريبة الغرائب أن يعترف النّبيّ بأنّ لعمّه حقوقا دونها حقوق الأمّهات على الأبناء ، ثمّ يقول من يدّعي الإسلام : أنّه في ضحضاح من نار(١) ، لا لشيء إلّا لأنّ في هذا الإفتراء مسّا بعليّ وخلافة عليّ وبالتالي ، فإنّ على الباحث المنصف أن يضع هذه الحقيقة في حسابه ، وهو يقرأ أو يسمع لمن أنكر إسلام أبي طالب عليه أن يقف موقف المدقق الّذي ينظر إلى أبعد الأسباب والدّوافع ، لا موقف الجاهل المقلّد الّذي لا يعرف إلّا المظاهر ، ويؤمن بالكلمة المطبوعة ، لا لشيء إلّا لأنّها مطبوعة ، وكفى.

__________________

(١) بفتح الضّاد المعجمة بعدها الحاء المهملة السّاكنة : هو في الأصل مارقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنّار ، ذكره (ابن الأثير في حرف الضّاد) بعد أن ذكر الحديث المذكور. وحديث الضّحضاح ، هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الّتي وضعها الوضّاعون لبني أميّة خاصّة. فقد ورد في صحيح مسلم : ١ / ١٣٤ و ١٣٥ باب شفاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب ، وصحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠١ باب قصّة أبي طالب.

انظر ، ترجمة رواة الحديث في تهذيب التّهذيب : ٧ / ٤١ ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ٣ / ٩٦ و ١٥١.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا. فقد عالج الحديث الموضوع دلالة وسندا.

٢٧٩
٢٨٠

الإنتساب إلى النّبيّ

ليس من شك أنّ القربى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليست بالشّيء اليسير ، ولكن ما هي هذه القربى؟. وبأي شيء ينال الإنسان شرفها؟. هل يناله لمجرد الإنتساب بالولادة إلى محمّد ، أو لا بدّ من شيء آخر؟.

الجواب :

أنّ من انتسب إلى رسول الله بالولادة أشبه بمن انتسب إلى الإسلام ، لنطقه بالشّهادتين فمن قال : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله تصحّ نسبته شرعا إلى الإسلام ، ولو فعل ما فعل وكذا من ولدته فاطمة الزّهراءعليها‌السلام تصّح نسبته إلى محمّد واقعا ، ولغة ، وعرفا ، ولو كان بينه وبينه ألف واسطة وواسطة(١) .

ولكن إذا اعتبر الإسلام الشّهادتين أساسا وركنا من أركانه ، فليس معنى ذلك أنّ هذه هي حقيقة الإسلام ، وكفى ، وأنّه في واقعة لا يعدو الشّكل والكلام ، كيف؟. ولو كانت هذه حقيقته ، وهذا واقعه لإستوى عند الله سبحانه الأئمّة والمقلّدون ، والمجاهدون ، والمتخلفون ما داموا جميعا يشهدون لله بالوحدانية ، ولمحمّد بالرّسالة.

__________________

(١) وقيل : مع كثرة الواسطات تصّح النّسبة لغة ، لا عرفا ، لأنّه مع بعد الزّمن وطول السّلسلة تكون النّسبة إلى الجدّ الأوّل تماما كنسبة أبناء هذا الجيل ومن بعده إلى أبي البشر آدم.

٢٨١

أنّ المسلم منه العالم والجاهل ، ومنه العادل وغير العادل ، ومنه المجاهد والقاعد ، ولكلّ درجته ومرتبته عند الله سبحانه ، وأحكامه الخاصّة في هذه الحياة فالعالم يرجع إليه في معرفة الشّريعة وفصل الخصومات ، والعادل يؤتّم به في الصّلاة ، ويؤخذ بحديثه وشهادته ، والمجاهد يعطي الأفضليّة في كثير من الحقوق الماديّة والأدبيّة.

أجل ، هناك آثار وأحكام تعم الجميع بالسّواء ، وبدون استثناء ، فكلّ من قال : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله حفظ ماله ودمه ، وجرت عليه أحكام الزّواج والمواريث ، وكان له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم في الشّؤون العامّة وكذلك من انتسب بالولادة من طريق الأب إلى هاشم منه الصّالح والطّالح ولكلّ درجته وأحكامه الخاصّة ، ويشترك الجميع في بعض الأحكام من أخذ الأخماس ، والنّذورات ، والأوقاف الخاصّة بالسّادات المنتسبين ، وحرمان المنتسب من الزّكاة إلّا من منتسب مثله(١) . هذا ما يمتاز به المنتسب على غيره يأخذ من أموال الأغنياء ما يسد به حاجته وكفى أمّا أن يفخر ويعتز ، أمّا أن يشمخ ويعلو لمجرد الإنتساب فلا.

وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو إذا كان الأمر كذلك ، فعلام أمر الله ورسوله بمودّة القربى وطاعتهم والتّمسك بحبلهم؟.

ونجد الجواب في خطبة خطبها الحسينعليه‌السلام في مكّة وهو متوجّه إلى العراق ،

__________________

(١) يقول الشّيعة : أنّ لله حقوقا في أموال الأغنياء تنفق على المعوزين ، وفي وجوه البر والصّالح العام ، ويقسمون هذه الحقوق على نوعين : نوع يسمّونه الزّكاة ، وآخر يسمّونه الخمس ، وللفقير المنتسب إلى هاشم من طريق الأب إن يأخذ من الخمس ، سواء أكان الغني الّذي يعطي الخمس منتسبا أو غير منتسب ، أمّا الزّكاة فليس للمنتسب أن يأخذ منها إلّا إذا كان المعطي لها منتسبا مثل الآخذ.

٢٨٢

فقد جاء فيها : «الحمد لله ما شاء الله ، ولا قوّة إلّا بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النّواويس ، وكربلاء فيملأنّ منّي أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل ، مصبحا إنّ شاء الله تعالى»(١) . فالقربى الّذين أمر الله بمودّتهم وطاعتهم هم أهل بيت الرّسول خاصّة ، وليس كلّ من انتسب إلى النّبيّ أو إلى جدّه هاشم بالولادة وأهل بيته هم الّذين لا يشذون عنه في قول أو فعل ، هم المثل الأكمل لشخص الرّسول وعلومه وأخلاقه ، وجميع مبادئه ، فإذا تكلموا نطقوا بلسانه ، وإذا فعلوا عبّروا عن رسالته ، ولا شيء أدل على ذلك من حديث الثّقلين الّذين أوجب التّمسك بهم ، تماما كما أوجب التّمسك بكتاب اللهعزوجل .

وهل لمنتسب ـ غير الأئمّة الأطهار ـ أن يدّعي ويقول تجب مودّتي وطاعتي على النّاس محتجّا بهذا الحديث وآية التّطهير وما إليهما؟

أنّ الّذين تجب طاعتهم ومودّتهم هم آل البيت الّذين حدّدهم سيّد الشّهداء بقوله : «رضا الله رضانا أهل البيت» ثمّ أومأ إلى سبب هذا الرّضا بقوله : «لن تشذّ عن رسول الله لحمته» فهم من الرّسول ، والرّسول منهم ، وهو لا يغضب ولا

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٢٨٣

يرضى إلّا لله فهم كذلك ، حيث لا شذوذ ولا انفصال.

وبالتالي ، فإنّ الإنتساب إلى النّبيّ بالإسم واللّفظ يصحّ لمجرد الولادة ، أمّا الإنتساب إليه بالرّوح فيبحث ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ عن دلائله في النّوايا والأعمال الّتي ترضي الله سبحانه ، لا في سلسلة الآباء والأجداد.

٢٨٤

في بيت فاطمة

ولدت زينب الحوراء في بيت لا شيء فيه من الدّنيا وزخرفها ، وفيه من التّقى والصّلاح كلّ شيء رأت النّور في هذا البيت الطّاهر الّذي ضمّ أباها سيّد الوصيّين ، وأمّها سيّدة نساء العالمين(١) ، وأخويها ريحانتي رسول ربّ العالمين(٢) استقبل بيت فاطمة أبناءه الثّلاثة في ثلاث سنوات : الحسن سنة (٣ ه‍) ، والحسين سنة (٤ ه‍) ، وزينب سنة (٥ ه‍)(٣) .

__________________

(١) انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٣٩١ ، و : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٨٢ ، صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ ، و : ٥ / ٣٢٦ باب ١١٠ ح ٣٨٧٠ ، كنز العمّال : ١٢ / ١١٢ و ٦ / ٢١٧ و ٢١٨ ، تأريخ دمشق : ٧ / ١٠٢.

(٢) هذه الكلمة مأخوذة من سورة الواقعة ٨٨ و ٨٩ :( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) . ويشير إليها بقوله «من الدّنيا» فهو ريحانة رسول الله في الدّنيا في قبال ريحان الجنّة في الجنّة للمقّربين. انظر ، مطالب السّؤول في مناقب آل الرّسول : ٢٤٠ ، صحيح البخاري : ٢ / ١٨٨ ، و : ٤ / ٢١٧ ، سنن التّرمذي : ٥٣٩ ، خصائص النّسائي : ٢٦ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٥. صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ ، ٥ / ٣٢٢ / ٣٨٥٩ ، البخاري في الأدب المفرد : ١٤ ، مسند أحمد : ٢ / ٨٥ و ٩٣ و ١١٤ و ١٥٣ ، مسند الطّيالسي : ٨ / ٢٦٠ ، حلية الأولياء : ٥ / ٧٠ ، و : ٣ / ٢٠١ ، خصائص النّسائي : ٣٧ ، فتح الباري في شرح البخاري : ٨ / ١٠٠ ، كنز العمّال : ٦ / ٢٢٠ ـ و ٢٢٢ ، و : ٧ / ١٠٩ و ١١٠ ، و : ١٢ / ١١٣ / ٣٤٢٥١ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨١ ، ذخائر العقبى : ٤١ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٦٥ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٢٣٢ ، الصّواعق المحرقة : ١٩١ ب ١١ فصل ٣ ، مودّة القربى : ٣٤ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٤٨ و ٣٧ و ٣٢٩ ، و : ٣ / ١٠ طبعة اسوة.

(٣) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ـ

٢٨٥

وكان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يصبر عن بيته هذا ، ولا يشغله عنه شاغل ، بخاصّة بعد أن نبتت فيه رياحينه فإذا دخله قبل هذا ، وشمّ ذاك ، وابتسم لتلك ودخله ذات يوم فأخذ الحسن وحمله ، فأخذ عليّ الحسين وحمله ، فأخذت فاطمة زينب وحملتها(١) ، فاهتزّت أركان البيت طربا لجو الصّفوة المختارة ، وابتهاج الرّسول بآله ، وابتهاجهم به وتدلنا هذه الظّاهرة وكثير غيرها أنّ محمّدا كان أكثر الأنبياء غبطة وسعادة بأهل بيته ، كما أنّه كان أشدّهم بلاء بقومه من أمثال أبي جهل ، وأبي سفيان.

ولدت الحوراء في هذا البيت ، حيث كان النّبيّ يبتهج ، وينعم فيه بالسّكينة والإطمئنان ، ورضعت من ثدي الطّهر ، من بضعة الرّسول الأعظم ، ودرجت مع أخويها سيّدي شباب أهل الجنّة(٢) ، وأخذت العلم عن أبيها باب مدينة العلم(٣) ،

__________________

ـ ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(١) انظر ، بحار الأنوار : ١٠ / ٥٨. (منهقدس‌سره ).

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) لقد وصل إلينا حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» متواترا عن طريق الشّيعة ، والسّنّة كما صرح بذلك أكثر الفقهاء ، والعلماء ، وأصحاب الحديث ، والسّنن مع وجود بعض الإختلاف في اللّفظ. انظر ، تأريخ دمشق / ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام : ٣ / ٤٦٧ ، والمناقب لابن المغازلي : ٨١ ، وصحيح التّرمذي : ٢ / ٢٩٩ ح ٣٨٠٧ ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٨٧ / ٣٠١ ، وأخرجه الطّبراني في المعجم الكبير : ٣ / ١٠٨ ، و : ١١ / ٥٥ / ١١٠٦١ عن ابن عبّاس ، الحاكم في المناقب : ٢٢٦ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٩ ، أسنى المطالب للجزري : ٧٠ و ٧١ ، تأريخ بغداد : ١١ / ٢٠٤ و ٤٨ و ٤٩ و : ـ

٢٨٦

ثمّ خرجت من هذا البيت لتستقبل ما تخبئه لها الأيّام بصدر أوسع من الفضاء ، وقلب أثبت من الجبال الرّاسيات وليس هذا بغريب من السّيّدة الحوراء ما دام البيت الّذي نشأت فيه يتّجه بها إلى سبيل خاتم النّبيّين ، وسيّد المرسلين.

وقد روى الرّواة أنّ امرأة أصلها من الهند تسمّى فضّة كانت تختلف وتتردّد إلى بيت فاطمة تعينها على بعض الأعمال البيتية ، وأنّها أصبحت بعد ذلك من القانتات الصّالحات ، فكيف بمن كان من هذا البيت في الصّميم؟ وما يحكى عن فضّة هذه أنّها بقيت بعد سيّدتها فاطمة عشرين عاما لا تتكلم إلّا بالقرآن

__________________

ـ ٢ / ٣٧٧ و : ٤ / ٢٤٨ ، و : ٧ / ١٧٢ ، لسان الميزان لابن حجر : ١ / ١٩٧ تحت رقم ٦٢٠ ، الصّواعق المحرقة : ٧٣ و ١٢٠ و ١٢٢ / ٩ طبعة المحمّدية أورد الحديثين «أنا مدينة العلم ...» و «أنا دار الحكمة ...».

وانظر تهذيب التّهذيب : ٦ / ٣٢٠ ، و : ٧ / ٤٢٧ ، تذكرة الحفّاظ : ٤ / ٢٨ طبعة حيدر آباد ، الفردوس لأبي شجاع الدّيلمي : ١ / ٧٦ / ١٠٩ ، مودّة القربى : ٢٤ ، مصابيح السّنّة للبغوي : ٢ / ٢٧٥ ، الجامع الصّغير للسّيوطي : ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٠٥ و ٢٧٠٤ طبعة مصطفى محمّد ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : ٥ / ٣٠ ، وكنز العمّال : ٦ / ١٥٢ و ١٥٦ ، و ١١ / ٦١٤ / ٣٢٩٧٩ ، و ٦٠٠ / ٣٢٨٨٩ ، و : ١٣ / ١٤٧ / ٣٦٤٦٢ و ٣٦٤٦٣ ، و : ١٥ / ١٢٩ / ٣٧٨ الطّبعة الثّانية ، الفتح الكبير للنّبهاني ، ١ / ٢٧٢ و ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٧ / ٣٥٨ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ١١٤ ، حلية الأولياء : ١ / ٦٤ و ٦٣ ، فرائد السّمطين : ١ / ٩٨ ، شواهد التّنزيل للحافظ الحسكاني : ١ / ٣٣٤ / ٤٥٩ و ٨١ / ١١٨ و ٨٢ / ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ طبعة أخرى ، الرّياض النّضرة : ٢ / ١٩٣ و ٢٥٥ الطّبعة الثّانية.

وراجع فضائل الخمسة : ٢ / ٢٤٨ و ٢٥٠ ، جامع الأصول : ٩ / ٤٧٣ / ٦٤٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٣٦ طبعة بيروت ، و : ٧ / ٢١٩ طبعة مصر بتحقّيق محمّد أبو الفضل ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ١ / ٤١٥ و ٤٣٦ تحت رقم ٤٢٩ ، و : ٢ / ٢١٥ ، و : ٣ / ١٨٢ ، و : ٤ / ٩٩ ، اسد الغابة : ٤ / ٢٢ ، تأريخ دمشق لابن عساكر الشّافعي / ترجمة الإمام علي عليه‌السلام : ٢ / ٤٥٩ / ٩٨٣ و ٤٦٤ و ٤٧٦ حديث ٩٨٤ و ٩٨٦ و ٩٩٧.

٢٨٧

قال صاحب البحار :

أنّ فضّة حجّت مع أربعة من أولادها ، وانقطعت في الطّريق عن القافلة ، فرآها رجل من عرب البادية ، وقبل أن يسلّم قال لها :

من أنت؟.

فتلت قوله تعالى :( وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (١) .

فسلّم الرّجل ، وقال : ما تصنعين هنا؟.

فتلت :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (٢) .

فقال : أمن الجنّ أنت أم الإنس؟.

فتلت :( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ) (٣) .

قال : أين تقصدين؟.

فتلت :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) .

قال : متى انقطعت عن القافلة؟.

فتلت :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) (٥) .

قال : أتشتهين طعاما؟.

فتلت :( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) (٦) .

__________________

(١) الزّخرف : ٨٩.

(٢) الزّمر : ٣٦.

(٣) الأعراف : ٣١.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) سورة ق : ٣٨.

(٦) الأنبياء : ٨.

٢٨٨

فاطعمها ، ثمّ قال لها : عجلي بالسّير معي.

فتلت :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) (١) .

فقال : أردفك خلفي على النّاقلة؟

فتلت :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) (٢) .

فنزل وأركبها.

فتلت :( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ) (٣) .

وحين أدرك الرّكب قال لها : ألك أحد فيه؟.

فتلت :( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) (٤) .( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ ) (٥) .

( يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (٦) .( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) (٧) .

فصاح الرّجل بهذه الأسماء ، فأتى أربعة شباب ، فقال لها : من هؤلاء؟.

فتلت :( الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (٨) ، ثمّ التفتت إلى أبنائها الأربعة ، وتلت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) (٩) . فأعطوه بعض

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) الأنبياء : ٢٢.

(٣) الزّخرف : ١٣.

(٤) آل عمران : ١٤٤.

(٥) مريم : ١٢.

(٦) القصص : ٣٠.

(٧) سورة ص : ٢٦.

(٨) الكهف : ٤٦.

(٩) القصص : ٢٦.

٢٨٩

الشّيء ، فاستقلته فضّة ، وتلت :( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (١) فزادوه.

وسأل الرّجل الشّباب الأربعة عن عادة أمّهم هذه؟

فقالوا : هذه فضّة جارية الزّهراء ، وما تكلمت إلّا بالقرآن منذ (٢٠) عاما(٢) .

بقيت زينب مع أمّها ست سنوات ، ويقول علماء النّفس التّربوي : أنّ الطّفل بعد أن يتم الثّالثة تبدأ مرحلة التّوافق بينه وبين بيئته ، والتّميّيز بين الألفاظ والمعاني ، وأنموّه العقلي في هذه السّن يتّجه بصاحبه إلى كشف ما يحيط به ممّا يرى ويسمع ، وأنّ هذا الكشف يترك آثارا تعمل عملها في نفس الطّفل إلى آخر يوم في حياته وكانت زينب ترى ـ في هذه المرحلة ـ أمّها فاطمة تقوم للصّلاة ، حتّى تتورم قدماها ، وتبيت على الطّوى هي وصغارها ، وتطعم الطّعام( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (٣) ، وتلبس الثّياب الخلقه ، وتكسوا الفقراء جديد الملابس(٤) .

رآها سلمان الفارسي(٥) مرّة ، فبكى ، وقال : «أنّ قيصر وكسرى في السّندس

__________________

(١) البقرة : ٢٦١.

(٢) انظر ، بحار الأنوار : ١٠ / ٢٦. (منهقدس‌سره ). و : ٤٣ / ٨٦ ح ٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٢١.

(٣) الإنسان : ٨.

(٤) انظر ، درّر السّمط في خبر السّبط : ٦١ ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٣٣٢ و ٤٠٣ ، أسباب نزول الآيات ، الواحدي : ٢٩٦ ، زاد المسير : ١ / ٣٢١ ، الدّر المنثور : ٦ / ٣٩٩.

(٥) هو من نسل الملوك ، وجدّ آبائه «منوجهر» مؤسّس الدّولة الثّانية من دول الفرس القديمة ، ولكنّ سلمان يرفض الانتساب لغير الإسلام ، وكان يقول : أنا ابن الإسلام ، أعتقني الله بمحمّد ، ورفعني بمحمّد ، وأغناني بمحمّد ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، فهذا حسبي ونسبي. هو منوجهر بن محمّد بن تركانشاه ، أبو الفضل بن أبي الوفاء. انظر مختصر ابن الدّبيثي : ٣٥٠ ، العبر : ٤ / ٢٢٦ ، بغية ـ

٢٩٠

__________________

ـ الوعاة : ٣٩٩ ، ويظهر من بعض المؤرخين هو زراداشت ، كما يظهر من سؤالات حمزة للدّار قطني : ٥٠ ، فهرست منتخب الدّين : ١٥٢ و ٣٥١ ، ذيل تأريخ بغداد : ٢ / ٥١ ، تذكرة الحفاظ : ٢ / ٧٦٥ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٥٥٥ ، ويظهر من ترجمته أنّه كان أديبا فاضلا صادقا ، حسن الطّريقة صدوقا. انظر المستفاد من ذيل تأريخ بغداد لابن الدّمياطي : ١ / ١٧٥ ، تأريخ ابن خلدون : ٤ / ٤٩٨ ، معجم الأدباء : ١٩ / ١٩٦.

وأقره محمّد على هذا الحسب والنّسب ، وقال : «سلمان منّا أهل البيت». وكان يقال له : سليمان المحمّدي ، وسلمان الخير ، وسلمان الحكمة والعلم ، وسلمان باك أي النّظيف في لغة الفرس ، والطّيّب ، والطّاهر ، وصاحب الكتابين : القرآن ، والإنجيل.

مكانته :

كان من رؤوس الصّحابة ، وأقطابهم علما ، وتقى ، وجهادا ، وكان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخليل الأثير ، قال ابن عبد البر في «الاستيعاب» : ٢ / ٥٦ طبعة سنة ١٩٣٩ م :

وروى أبو بردة عن أبيه عن النّبيّ أنّه قال : «أمرني ربّي بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم ، وهم عليّ ، وسلمان ، وأبوذرّ ، والمقداد». انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٩٩ ح ٣٨٠٢ ، طبعة دار الفكر ، اسد الغابة : ٥ / ٢٥١ ح ٥٠٦٩ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥١ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ٤٠٩ ، جامع الأصول لابن الأثير : ٨ / ٥٧٩ ح ٦٣٩٣ ، الصّواعق المحرقة : ١٢٢ ، تأريخ ابن عساكر : ٦ / ١٩٨ و : ٢١ / ٤٠٩ و : ٦٠ / ١٧٥ و : ٦٦ / ١٨٩ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٣ ح ١٤٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٥٥ ، المعجم الأوسط : ٧ / ١٥٦ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٣٩ ح ٣٣١١١ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٢ / ٢٧١ ح ١٦٩٢ ، تهذيب التّهذيب : ١ / ٢٨٦ طبع حيدر آباد الدّكن ، تهذيب الأسماء واللّغات : ٢ / ١١٢ طبع المنيرية بمصر ، كنى البخاريّ : ٣١ الرّقم «٢٧١» ، تهذيب الكمال : ١١ / ٢٥١ و : ٢٨ / ٤٥٦ و : ٣٣ / ٣٠٦ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٦١ ، الإصابة : ٦ / ١٦٦ ، مناقب الخوارزمي : ٧٥ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٣٠ ، حلية الأولياء : ١ / ١٩٠ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٨٩ ، سبل السّلام : ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة : ١ / ٣٧٥ و : ٢ / ٨٩ و : ٣ / ١٤٢.

وعن الإمام أمير المؤمنين أنّه قال : «أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وصهيب سابق الرّوم ، وبلال سابق الحبش ، وخبّاب سابق النّبط». انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٢٨٥ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٠٥ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ١١ / ٢٤٢ ح ٢٠٤٣٢ ، المعجم الصّغير : ١ / ١٠٤ ـ ،

٢٩١

__________________

ـ المعجم الأوسط : ٣ / ٢٤١ ، المعجم الكبير : ٨ / ٢٩ و : ٢٤ / ٤٣٥ ، تأريخ المدينة : ٢ / ٤٧٩ ، سبل السّلام : ١ / ٤٦٨ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٥٨٧ ، الإصابة : ٣ / ٣٦٥ ، اسد الغابة : ٣ / ٣١ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٣٤٩ و : ٨ / ٥٣٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٣٣٦ ، الكامل لابن عدي : ٢ / ٧٥ و : ٧ / ١٦٧ ، تأريخ دمشق : ١٠ / ٤٤٨ و : ٢٤ / ٢٢٠ ، الدّر المنثور : ٦ / ١٥٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير :٣ / ٥٧ ح ٢٦٩٥ و : ٤ / ١٧٧ ح ٤٧٩٣ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٠٨ ح ٣١٩٠٩ و ٣٣١٣٣ و ٣٣٦٧٦ ، مسند الشّاميين : ٢ / ١١ ، الجامع الصّغير : ١ / ٤١٣ ح ٢٦٩٥ و : ٢ / ٦٦ ح ٤٧٩٣.

زوجته وأولاده :

تزوّج عربية توفيت في حياته ، فتزوّج عجمية ومات عنها. ذكر أنّه تزوّج مولاة له يقال لها بقيرة ، كوفية ثقة. انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٤٣٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٤٤ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٤٠٢ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ٨ / ١٨٢ ح ٢٥ ، الأدب المفرد : ٥٩ ح ٢٣٤ ، المعجم الكبير : ٦ / ٢١٥ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٩٢ و ٩٤ ، التّأريخ الصّغير : ١ / ٩٧ ، معرفة الثّقات للعجلي : ٢ / ٤٤٩ ح ٢٣٢٥ ، إكمال الكمال : ٧ / ٣٦٢ ، تأريخ دمشق : ٢١ / ٤٥٧ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ٥٥٣ ، حلية الأولياء : ١ / ٢٠٨.

له ستة أولاد : ثلاثة ذكور عبد الله وقد أعقب ، ومحمّدا أيضا أعقب ، ومن نسله علماء وشعراء ، وكثير ، ولا يعرف له عقب ، وثلاث بنات : واحدة كانت بأصفهان ، ولها عقب ، واثنتان كانتا بمصر. روي أنّ سلمان خطب إلى عمر بن الخطّاب ، فكره عبد الله بن عمر ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : أنا أكفيك ، فلقى عمرو بن العاص سلمان الفارسي ، فقال : ليهنئك يا سلمان ، فقال : وما هو؟ فقال : تواضع لك أمير المؤمنين ، فقال سلمان : لمثلي يقال هذا؟ والله لا نكحتها أبدا.

انظر ، المبسوط للسّرخسي : ٥ / ٢٣ ، البحر الزّخّار : ٤ / ٨٠ ، سلمان المحمّدي للشّيخ عبد الواحد المظفر الطّبعة الحيدرية سنة ١٣٧١ ه‍ ، سبل السّلام : ٣ / ١٣٠ ، تأريخ الخميس : ١ / ٣٥١ ، السّنن الكبرى : ٧ / ٢٧٣ ، التّأريخ الصّغير للبخاري : ١ / ٩٧.

وفاته :

انتقل إلى ربّه سنة (٣٥ ه‍) ، ودفن في البلدة المعروفة بسلمان باك على ضفاف دجلة الشّرقي ، وتبعد ثلاثة فراسخ من بغداد ، ويؤم قبره الشّريف ألوف الزّائرين من كلّ فجّ.

انظر ، الاستيعاب : ٢ / ٥٣ ـ ٥٩ ، الإصابة : ٢ / ٦٠ ، الطّبريّ : ٢ / ٤٤٣ ، ابن هشام : ٤ / ٣٣٥ ، مسند ـ

٢٩٢

والحرير ، وابنة محمّد في ثياب باليلة»(١) وروي أنّه كان عند عليّ وفاطمة جلد كبش. ولذا قال الإمام عليّعليه‌السلام : «لقد تزوّجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه باللّيل ، ونعلف عليه النّاضح(٢) بالنّهار ، ومالي ولها خادم غيرها»(٣) أمّا صدقها فقد نقل صاحب الإستيعاب في ترجمتها عن عائشة أنّها قالت : «ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلّا أن يكون والدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) . وبكلمة أنّ زينب رأت جدّها الرّسول ممثلا في أمّها فاطمة

__________________

ـ أحمد : ١ / ٥٥ ، الرّياض النّضرة : ١ / ١٦٧ ، تأريخ الخميس : ١ / ١٨٨ ، ابن الأثير : ٢ / ١٢٦ ، ابن كثير : ٥ / ٢٤٥ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٣ ، اسد الغابة : ٣ / ٢٢٢.

(١) انظر ، غاية المرام في رجال البخاري إلى سيّد الأنام : ٢٧٩ ، نفس الرّحمن في فضائل سلمان : ٥١٩.

(٢) النّواضح : البعير ، أو الثّور ، أو الحمار ، الّتي يستقى عليها ، واحدها ناضح. انظر ، لسان العرب : ٢ / ٦١٩ ، الغريب لابن سلّام : ٣ / ٢٥٧ ، مختار الصّحاح : ١ / ٢٧٧.

(٣) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ١٠ ، الزّهد لهنّاد : ٢ / ٣٨٧ ح ٧٥٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٢ ، كتاب السّنن : ١ / ١٩٦ ح ٦٠١.

(٤) مع أنّ أبا بكر والد عائشة طلب البينة من الصّدّيقة الزّهراء على أنّها تملك فدكا «منهقدس‌سره ».

انظر ، صحيح البخاريّ : ١٢ / ٧ ، صحيح مسلم كتاب الجهاد رقم «٥١ و ٥٣ و ٥٤ و ٥٦» ، مسند أحمد : ١ / ٤ و ٦ ، عن عائشة إشارة إلى المحاورة الّتي دارت بين فاطمة الزّهراء البتول عليها‌السلام وبين أبي بكر حيث قال : إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه فهو صدقة!!

وقد علّق الإمام يحيى بن الحسين الهادي في كتابه «تثبيت الإمامة» ، تحقيق العلّامة السّيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي في : ٢٩ ما نصّه : «ولو سألنا جميع من نقل من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل روى أحد منكم عن أحد من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما قال أبو بكر؟

لقالوا : أللهمّ ، لا.

ثمّ جاءت ـ من بعد ذلك ـ أسانيد كثيرة قد جمعها الجهّال لحبّ التّكثّر بما لا ينفع : عن عائشة ، وعن ابن عمر ، فنظرنا عند ذلك إلى أصل هذه الأحاديث الّتي أسندوها إلى عائشة عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا عائشة تقول : سمعت أبا بكر ، وابن عمر يقول : سمعت أبا بكر يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا معاشر الأنبياء ـ

٢٩٣

بجميع صفاته ومزاياه ، وتجلّت هذه الحقيقة فيما قالته ، وهي ترثي والدتها. «يا أبتاه يا رسول الله! الآن حقّا فقدناك فقدا لا لقاء بعده»(١) .

وقد انعكست صفات الزّهراء في نفس ابنتها زينب ، وظهرت جلية واضحة

__________________

ـ لا نورّث ما تركناه فهو صدقة.

وإذا هذه الأسانيد المختلفة ترجع إلى أصل واحد ، ولم يوجد أحد من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يشهد بمثل شهادة أبي بكر في الميراث!.

فدفع أبو بكر فاطمةعليها‌السلام عن ميراثها بهذا الخبر الّذي أسند إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا الخبر ينقض كتاب الله ، وحكمه في عباده!.

فويل لمن يهم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينقض ما جاء به محكما عن الله عزوجل.

وقد كان في كلام فاطمةعليها‌السلام لأبي بكر بيان لمن خاف الله سبحانه وتعالى : أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريّا!!؟؟ ثمّ انصرفت عنه.

ومن أعجب العجائب : أنّ جميع هذه الأمّة أجمعت : أنّ من ادّعى لنفسه ، أو دعوى له فيها حقّ أنّه «خصم» ، شهادته لا تقبل ، حتّى يشهد له على ذلك شاهدان عدلان لا دعوى لهما ما شهدا فيه.

وأجمعوا أيضا : أنّ الإمام لا يحكم لنفسه بحقّه دون أن يشهد له به غيره.

ثمّ النّاس على ذلك إلى يومنا هذا ، لا تقبل شهادة الرّجل لنفسه ، ولا يحكم لأحد على أحد في دعوى يدّعيها عليه إلّا بشاهدين عدلين غير فاطمة عليها‌السلام ، فإنّه حكم عليها خلاف ما حكم به على جميع الخلق ، وانتزع من يدها ما كانت تملكه ، وتحوزه ـ من ميراث أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومالها من فدك المعروف بها ، ولها بلا شهود! إلّا بما ادّعى أبو بكر لنفسه ، وللمسلمين من الصّدقة عليهم بأموال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فكان أبو بكر المدعي لنفسه ، ولأصحابه أموال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيا للعجب من قبضه ما ليس بيده ، ولا شهود له ، ولا بيّنة!؟ وطلبه الشّهود ، والبيّنة من فاطمةعليها‌السلام على ما هو بيدها ، ولها!

وقد أجمعت الأمّة على أنّ من كان في يده شيء ، فهو أحقّ به حتّى يستحقّ بالبيّنة العادلة ، فقلب أبو بكر الحجّة عليها في ما كان في يدها! وإنّما تجب عليه هو ولى أصحابه في ما ادّعاه له ، ولهم. فحكم على فاطمة عليها‌السلام بما لم يحكم به على أحد من المسلمين ، وطلب منها البيّنة على ما في يدها ، ومنعت ميراث أبيها. وشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يورّثها! والله تعالى قد ورّث الولد من والده ، نبيّا كان أو غيره.

(١) انظر ، روضة الواعظين : ١٥٢.

٢٩٤

في زهدها ، وعبادتها ، وصبرها ، وجرأتها. قال الرّواة : «أنّ زينب بنت أمير المؤمنين لم تدّخر شيئا من يومها لغدها ، وأنّها كانت تقضي عامّة لياليها بالتّهجد وتلاوة القرآن ، حتّى ليلة العاشر من المحرّم ، وهي اللّيلة الّتي قتل الحسين في صبيحتها ، وليلة الحادي عشر ، حيث كان أخوها الحسين وأولاده وأصحابه صرعى مجزّرين كالأضاحي ، حتّى في هذه الحال لم تدع صلاة اللّيل والتّعبد والتّهجد أمّا صبرها وشجاعتها ، فسنتكلم عنهما مفصلا في الصّفحات الآتية.

٢٩٥
٢٩٦

جعفر الطّيّار

بيت أبي طالب

أنّ من نعم الله وفضله على الإنسانيّة أن أرسل محمّدا رحمة للعالمين ، وأن من بالغ حكمته وتدبيره تبارك وتعالى أن عزّز محمّدا ورسالته ببيت عمّه أبي طالب ، ولو بعث الله محمّدا إلى صناديد قريش وعتاتهم ، ولا ظهير له من قومه كأبي طالب ، وزوّجته وأولاده لكانت حال الرّسول كحال جيش يقاتل بدون عناد وسلاح ومن قبل قال الجاحدون لنّبيهم شعيب :( وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ ) (١) .

ولو لا بيت أبي طالب لكان مصير محمّد كمصير زكريا ، ويحيى وغيرهما من الأنبياء الّذين قتلهم الإسرائيليون قبل أن تنمو رسالتهم ، وتنتشر وقف أبو طالب بجانب ابن أخيه محمّد ، وأعلن أنّه سيمنع عنه كلّ من تحدّثه نفسه بالإساءة إليه ، والنّيل منه ، وأوقفت زوّجته فاطمة بنت أسد نفسها لخدمته منذ اليوم الأوّل الّذي مات فيه جدّه عبد المطّلب ، وسارع عليّ ، وجعفر إلى تصديقه ونصرته ، ومهما تقوّل المتقوّلون ، وتأوّل المتأوّلون فلا يسمعهم إلّا الإعتراف بأنّ بيت أبي طالب كان أوّل نواة في حقل الإسلام ، وأوّل قوّة دعمت الإسلام ونبيّ

__________________

(١) هود : ٩١.

٢٩٧

الإسلام ، لقد تحدّى رسول الله صناديد قريش ، فسبّ آلهتهم ، وسفّه أحلامهم ، ولعن الطّغاة والأغنياء الّذين يكنزون المال ، ولا ينفقونه على الفقراء ولا جزاء عندهم لمن فعل هذا أو دون هذا إلّا القتل ، ولكن من يجرؤ على رسول الله ، وبيت أبي طالب بالمرصاد؟.

وسبقت منّا الإشارة إلى أبي طالب وزوّجته ، والآن تتحدّث بشيء من التّفصيل عن جعفر الطّيّار ، لأنّه أبو عبد الله زوّج السّيّدة الحوراء.

إسلامه :

لم يسبق جعفر بن أبي طالب إلى الإسلام إلّا خديجة زوّجة الرّسول ، وأخوه عليّ ، فكان جعفر ثالث المسلمين والمصلّين(١)

ومضى أمد غير قصير ، ولا أحد يعبد الله سبحانه سوى محمّد ، وعليّ ،

__________________

(١) حديث يحيى بن عفيف الكندي روي بطرق متعدّدة ، وبصور مختلفة ، ولكن من خلال تتبّع المصادر التّأريخية والحديثية ، والرّوائية نجدها تؤدّي نفس المعنى ، والمضمون بل بعضها يتطابق تماما في اللّفظ. انظر ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٠٣ و ٢٢٢ ، لسان الميزان : ١ / ٣٩٥ ، الكامل لابن عدي : ١ / ١٤٢ و ١٥٠ ، و : ٢ / ٥٧ ، تأريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام : ١ / ٥٧ / ٩٣ و ٩٥ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ١٧ و ١٠ الطّبعة الأولى بيروت في ترجمة خديجة ، معجم الصّحابة : ٥ / ١٣٥ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٣١٢ ، وفي طبعة أخرى : ٥٦ و ٥٧ ، وفي الطّبعة الأولى : ١١٦٢ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٨٣ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٢٤٨ القسم الأوّل ، الإستيعاب لابن عبد البرّ : ٢ / ٤٥٨ و ٥١١ ، كنز العمّال : ٦ / ٣٩١ ، و : ٧ / ٥٦ ، حلية الأولياء : ٢ / ٢٤٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٩٠ و ٢٠٩ ، وفي طبعة أخرى ، و : ٢٥ / ٢٦ ، و : ٤ / ٤٢٨ و ٤٢٩ و ٤٤٠ ، المناقب لأحمد بن حنبل : ٢٥ و ١٨ ، شواهد التّنزيل للحاكم الحسكاني : ١ / ١١٣ / ١٢٥ تحقيق المحمودي ، مناقب الخوارزمي : ١٩٨ الفصل ١٧ ، النّسائي في الخصائص : ٤٤ ح ٥ ، و : ٣ وفي طبعة أخرى ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٣١٦ ، بتحقّيقنا.

٢٩٨

وخديجة ، وجعفر ، فكان النّبيّ يتقدّمهم للصّلاة ، ويقف عليّ عن يمينه ، وجعفر عن يساره ، وخديجة خلفه وروي أنّ أبا طالب رأى النّبيّ ، وعليّا يصلّيان ، فأمر ولده جعفر أن ينضم إليهما(١) ، ووصف جعفر بأنّه صلّى إلى القبلتين ، وهاجر الهجرتين ، وصاحب الجناحين(٢) .

أخلاقه :

قال رسول الله لجعفر : «أشبهت خلقي وخلقي ، وكان يكنيه أبا المساكين ، لأنّه خير النّاس لهم(٣) . وعن أبي هريرة أنّه قال : «كنت أسأل الرّجل من أصحاب رسول الله عن الآية من القرآن ، أنا أعلم بها منه ، ما أسأله إلّا ليطعمني شيئا وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني ، حتّى يذهب بي إلى منزله ، فيطعمني ، ثمّ يجيبني»(٤) .

وروي عن جعفر أنّه كان يقول : «ما شربت خمرا قطّ ، لأنّي علمت إن شربتها زال عقلي ، وما كذبب قطّ ؛ لأنّ الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قطّ ، لأنّي خفت إنّي إذا عملت عمل بي ، وما عبدت صنما قطّ ، لأنّي علمت أنّه لا يضرّ ولا

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) القبلتان هما بيت المقدّس ، والكعبة ، والهجرتان ، إلى الحبشة ، والمدينة ، والجناحان إشارة إلى حديث : «أنّ الله أبدل جعفرا عن يديه بجناحين يطير بهما بالجنّة». وفي بعض المؤلّفات وبايع البيعتين ، وهو اشتباه ، لأنّ بيعة الرّضوان والشّجرة كانت في الحديبيّة ، وكان جعفر غائبا عنها. (منهقدس‌سره ).

(٣) تقدّمت تخريجاته.

(٤) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٥ ح ٣٧٦٦ ، فتح الباري : ٧ / ٧٦ و : ١١ / / ٢٨٤ ، التّرغيب والتّرهيب : ٤ / ١٠٧ ح ٥٠٠١.

٢٩٩

ينفع»(١) .

منزلته عند الله ورسوله :

في نهج البلاغة أنّ الإمام أرسل كتابا لمعاوية جاء فيه :

«ألا ترى ـ الخطاب لمعاوية ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة الله أحدّث أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار ، ولكلّ فضل ، حتّى إذا استشهد شهيدنا ـ الحمزة ـ قيل : سيّد الشّهداء ، وخصّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه! أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل الله ـ ولكلّ فضل ـ حتّى إذا فعل بواحدنا ـ جعفر ـ ما فعل بواحدهم ، قيل : «الطّيّار في الجنّة وذو الجناحين»! ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه ، لذكر ذاكر فضائل جمّة. تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين»(٢) .

أجل ، لا ينفر من أريج المسك إلّا الجعل ، ولا يعمي نور الشّمس إلّا عيون الخفافيش ، ولا يجد طعم العسل مرّا إلّا ذوو الأسقام والأمراض.

وفي الحديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي ، أنا سيّد الثلاثة ، اختارني ، وعليّا ، وجعفرا ، وحمزة»(٣) . وفي الجزء الثّاني من «الإستيعاب» ترجمة جعفر بن أبي طالب أنّ النّبيّ قال : «دخلت البارحة الجنّة

__________________

(١) انظر ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٩٧ ح ٥٨٤٧ ، أمالي الصّدوق : ١٣٣ ، روضة الواعظين : ٢٥٩ ، الإصابة : ١ / ٢٣٧ رقم «١١٦٦» ، الإستيعاب : ١ / ٢١٠ ، اسد الغابة : ١ / ٣٤١ رقم «٧٥٩».

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة «٢٨».

(٣) انظر ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٤٢ ح ٣٧٦٢٦ ، مناقب أمير المؤمنين لمحمّد بن سليمان الكوفي : ١ / ١٢٩ ، البيان والتّعريف : ١ / ٦ ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٤٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528