الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71416 / تحميل: 4885
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

صاحبُ الدَّيْن بكذا ، فصدّقه وقلنا : إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه ، فالأقرب : إنّه يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه يقول : الحقّ لك وأنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ ، فصار كالوارث ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف ، ويستحقّ الرجوع عليه ، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.

ويفارق الميراث ؛ لأنّه آمن من ذلك ، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.

ويبنى على الوجهين أنّه لو كذّبه ولم تكن بيّنة هل له تحليفه؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه ، وإلّا فكما سبق(١) .

مسألة ٧٩٩ : لو قال : مات زيد وله عندي كذا وهذا وصيّه ، فهو كما لو قال : هذا وارثه‌. ولو قال : مات وقد أوصى به لهذا الرجل ، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.

وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ وغرم الدافع ، فله الرجوع على المدفوع إليه ، بخلاف صورة الوكالة ؛ لأنّه صدّقه على الوكالة ، وإنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه ، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد ، وهنا بخلافه ، والحوالة في ذلك كالوكالة.

مسألة ٨٠٠ : إذا ادّعى على إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالَبه بردّه‌ ، أو قال : بعتَه وقبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ ، فأنكر المدّعى عليه ، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه ، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ، فيُنظر في صيغة جحوده.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

٢٠١

فإن قال : « ما لك ع ندي شي‌ء » أو « لا يلزمني تسليم شي‌ء إليك » قُبِل قوله في الردّ والتلف ؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه ، كان صادقاً في إنكاره ، ولم يكن بين كلاميه تناقضٌ. وإن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

وإن كانت صيغة جحوده : « أنّك ما وكّلتني » أو « ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً » أو « ما قبضت الثمن » نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد ، لم يُصدَّقْ ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل ، ولزمه الضمان.

وإن أقام بيّنةً على ما ادّعاه ، فوجهان للشافعيّة :

أوّلهما عندهم : إنّها تُسمع ؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه ، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. وأيضاً فلما يأتي في الوديعة.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : أنّها لا تُسمع ؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ ، ولأنّه لا تُسمع دعواه ، وكلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها ، فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة ، وهي غير مسموعةٍ من غير دعوى.

لكن عدم سماع الدعوى ليس متّفقاً عليه ، ومَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة ، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى ، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً جزماً ، مع الخلاف في سماع البيّنة ؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم(١) .

وإن ادّعى الردَّ بعد الجحود ، لم يُصدَّقْ ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً ، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر ، ومعلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٢

الردّ تُسمع (١) .

ور أى الجويني أن يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين ؛ لتناقض دعوى الردّ والجحود(٢) .

وإن ادّعى التلف بعد الجحود ، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين ، ولكن يلزمه الضمان ؛ لخيانته ، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.

مسألة ٨٠١ : قد بيّنّا أنّه يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل واتّباع أمره والعدول عن مخالفته‌ ، فإذا قال له : بِعْ هذا ثمّ هذا ، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

ولو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع ، استحقّه ؛ لأنّه فَعَل ما أمره به وإن تلف الثمن في يده ؛ لأنّ استحقاقه بالعمل وقد عمل.

فإذا ادّعى خيانةً عليه ، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول : بعتَ بعشرةٍ وما دفعتَ إلَيَّ إلّا خمسةً.

وإذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ ، فقال المديون والمودع : دفعتُ ، وصدّقه الموكّل وأنكر الوكيل ، غرم الدافع بترك الإشهاد - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

وإذا قال شخص : أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ ، وصدّقه مَنْ يعامله ، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد : لم أكن مأذوناً فيه ، لم يلتفت إلى قوله ، ولم يُحكم ببطلان العقد ، وكذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه ، إلّا أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٣

الفصل الخامس : في ا للواحق‌

مسألة ٨٠٢ : إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ ، فإن أذن له في الاستنابة ، جاز له ذلك.

وإن لم يأذن له ، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه ، لم يجز له الاستنابة.

وإن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه ، جازت له الاستنابة ؛ عملاً بقرينة الحال وظاهر الأمر.

وإذا جازت له ، فهل تجوز في جميع العمل ، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولّاه؟ الأقوى : الأوّل.

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

والحكم في ذلك كما تقدّم(٢) في الوكالة.

مسألة ٨٠٣ : إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل ، فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.

وقسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ :

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه ، وهُم المودعون والوكلاء بغير جُعْلٍ.

ومنهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلّا ببيّنةٍ ، وهُم المرتهن والمستأجر.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٦ : ٣٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٨ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٥ ، البيان ١٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٨ : ١٠٢.

(٢) في ص ٢٥ وما بعدها.

٢٠٤

ومنهم : مَن اختُلف فيه على وجهين ، وهُم الوكلاء بجُعْلٍ والشريك والمضارب والأجير المشترك إذا قلنا : إنّه أمين.

أحدهما : إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ، فصاروا كالمرتهن والمستأجر والمستعير.

والثاني : إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة ؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. وكذلك الشريك والمضارب [ والأجير ](١) ينتفعون بالربح وعوض عملهم ، بخلاف المرتهن ، فإنّه يتوثّق بالعين. وكذلك المستأجر ؛ فإنّه يستوفي منفعتها ، فافترقا(٢) .

مسألة ٨٠٤ : لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها ، فقال الموكّل : لم تبعها ، أو يدّعي قبض الثمن من المشتري ، فيصدّقه في الإذن وينكر قبضه إيّاه ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يُقبل إقرار الوكيل في ذلك ، وبه قال أبو حنيفة.

إلّا أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ ، وهي : إذا قال لوكيله : زوّجني من امرأة ، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له وادّعت ذلك المرأةُ ، وأنكر الموكّل العقد ، لم يُقبل قول الوكيل. قال : لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح ، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.

والثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله ؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله ، فلم ينتقل إليه(٣) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٥.

(٣) كذا قوله : « فلم ينتقل إليه » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المغني والشرح الكبير : « فلم يقبل ».

٢٠٥

حقٍّ (١) .

وهذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به ؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين ولا يثبت بهما(٢) ، وقد تموت الشهود وتتعذّر البيّنة.

مسألة ٨٠٥ : إذا وكّله في البيع وقبض الثمن فقبضه ، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل ، فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده ، وإن طالَبه وجب عليه ردّه على حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ - مثل أن يكون في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، أو يصلّي ، أو ما أشبه ذلك - لم يصر مفرّطاً ؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها ، فلا ضمان ؛ لما بيّنّاه.

وإن أخّر بغير عذرٍ ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ ، أو لم يمض ؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

ولو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته ، أو قال : كنتُ رددتُه قبل مطالبته ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه مكذّب لنفسه ، وضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ ، احتُمل سماعها ؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ و ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ و ٢٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٥٥ ، و ٦ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٩٠ ، و ٣ : ١١٧ - ١١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، و ٣ : ١١٩ ، روضة القضاة ١ : ٢١٣ / ٩٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، عيون المجالس ٣ : ١٠٤٩ / ٧٤٣.

٢٠٦

سقط عنه الضمان ، فإ ذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. وعدمُه ؛ لأنّه يكذّب بيّنته ، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه ، وإذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

ويفارق ما إذا صدّقه ، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته ، فلم يستحقّ مطالبته.

وإن ادّعى أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه ، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله ؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً ، ولا يُقبل قوله في الردّ ؛ لأنّه خرج من الأمانة ، فيحتاج إلى بيّنةٍ بذلك.

وللشافعيّة وجهان(١) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه ولم يعلم ، فلا ضمان عليه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يضمن ؛ لأنّه لـمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه(٢) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٠٦ : لو دفع إلى وكيله عيناً وأمره بإيداعها عند زيدٍ ، فأودعها ، وأنكر زيد ، فالقول قوله مع اليمين ، فإذا حلف برئ.

وأمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن ، وإن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يضمن كما في الدَّيْن ؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلّا بالبيّنة.

والثاني : لا يضمن ؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع ، كان القولُ قولَه في التلف والردّ ، فلم تُفد البيّنة شيئاً ، بخلاف الدَّيْن ؛ لأنّ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٦٢.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٦٤.

٢٠٧

القضاء لا يثبت إلّا بها(١) .

وإن صدّقه الـمُودَع وادّعى التلف وحلف ، لم يضمنها.

وأمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل ، لم يضمن. وإن سلّم في غيبته ، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل : دُفع(٢) بحضرتك ، وقال الموكّل : لم تدفع بحضرتي ، أو قال : لم تدفعها إلى المودَع ، وقال : دفعتُها على الوجه الذي تقول ، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة : القول قول الوكيل مع اليمين ، كما إذا ادّعى الردَّ إليه وأنكره ، ولا يشبه هذا [ ما ](٣) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض وأنكر الموكّل ، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين ؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره ، وهنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره ، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه(٤) .

مسألة ٨٠٧ : إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً ، فاستقرضها الوكيل وأخرجها ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم ، فقد تعذّر بتلفها ، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. وإن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدراهم في الثمن ، بطلت أيضاً ؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن ينقد ذلك الثمن ، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

وقال أبو حنيفة : لا تفسد الوكالة ، ولا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣١١ ، المغني ٥ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٢) كذا قوله : « دُفع ». والظاهر : « دفعتُ ».

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

٢٠٨

ويجوز أن يشتري من م ال نفسه ، ويأخذ الدراهم(١) .

وهو غير صحيح ؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم ، فإذا تلفت سقط الإذن ، كما قلناه في العبد.

فإن اشترى للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه ، فإذا(٢) أضاف العقد إليه لم يصح ، وإلّا وقع الشراء له لا للموكّل ؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

والثاني(٣) : إنّه اشترى له بغير المال الذي عيّنه.

وإن اشترى له في الذمّة ، وقع أيضاً للوكيل ؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.

ويجب على الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب : إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء بالعين ، بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به ، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل ، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ وأخرجها ، وجب عليه دفع عوضها في الثمن ، ولم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة ٨٠٨ : إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ، ففرّط فيها بأن ترك حفظها ، ضمنها ، فإذا اشترى العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد ، فإذا نقد تلك‌

____________________

(١) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٨.

(٢) في « ج » : « فإن » بدل « فإذا ».

(٣) كذا قوله : « والثاني ». ولم يسبق ذِكْر الأوّل.

٢٠٩

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

ولا فرق في ذلك بين مَنْ قال : إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة - وفي صحّة بيعه وجهان عنده - وبين مَنْ قال : إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال : لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى؟

لأنّا نقول : إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّى فيه ، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما ، لم يضمن الآخَر ، ولم يخرج من حكم الأمانة جملةً ، كذا هنا.

مسألة ٨٠٩ : لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها ، بطل العقد عند العامة(١) ، أو كان فضوليّاً عندنا ؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج ، فإذا كان بغير أمره لم يقع له ولا للوكيل ؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين ، بخلاف البيع ، ولهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري ، فافترقا.

وإذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ ، صحّ إجماعاً.

ولو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء ، فالأقرب : الجواز ، وهو قول بعض الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأنّ الأغراض تختلف ، فلا يجوز حتى يصف(٣) . واختار الزهري(٤) (٥) هذا الوجه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٩.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥.

(٤) كذا قوله : « الزهري » في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المصدر : « الزبيري ».

(٥) حلية العلماء ٥ : ١١٨.

٢١٠

والمعتمد : الأوّل.

فعلى هذا هل له أن يزوّجه ابنته؟ الأقرب : الجواز ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز له ذلك(٢) .

ولو أذنت المرأة له في تزويجها ، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه ؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

وقد روى الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فقال : لا زوّجتكِ حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للّذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا ، فقال : نعم ، فقال هو للقوم : أشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد زوّجتها من نفسي ، فقالت المرأة : ما كنت أتزوّجك ولا كرامة وما أمري إلاّ بيدي وما ولّيتك أمري إلّا حياءً ، قال : « تنزع منه ، ويوجع رأسه »(٣) .

ويحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

وكذا له أن يزوّجها من ولده ووالده.

ولبعض العامّة وجهان(٤) .

مسألة ٨١٠ : إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فقال الوكيل : اشتريته بألف ، وقال الموكّل : بخمسمائة ، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل والموكّل في تصرّفه ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

(٤) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٢١١

لحقّ البائع على الموكّل .

وقال أبو حنيفة : إن كان الشراء في الذمّة ، فالقول قول الموكّل ، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل ، فالقول قول الوكيل.

وفرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة ، فالموكّل هو الغارم ؛ لأنّه يطالبه بالثمن. وإذا اشتراه بما في يده للموكّل ، فإنّ الغارم الوكيل ؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على خمسمائة ، فالقول في الأُصول قول الغارم(١) .

وقد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.

وما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل ؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به ، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل ، والحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة ٨١١ : إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعة ، فاشترى بالعين ، ثمّ ظهر فيها عيب ، فردّها البائع على الوكيل ، كانت أمانةً في يده لموكّله.

وإن كان [ اشتراها ](٢) بألفٍ في الذمّة ، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها وقبضها الوكيل ، فهي أيضاً على الأمانة ، ويبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

وإن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده ، لم يضمنها عندنا.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٥١ ، المغني ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اشتراه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢١٢

وللشافعيّة قولان مب نيّان على ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل ، كان الوكيل وسيطاً في الدفع ، وكان ذلك في يده أمانةً.

وإن قلنا : يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل ، وعلى الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته ، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه ، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع ، فإذا دفعها وقضى بها دَيْنه ، وجب مثلها عليه للموكّل ، وله الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً ، وصارت مضمونةً عليه ، فإذا عادت إليه بردّ البائع ، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة ، وعليه للبائع ألف سليمة ، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة(١) .

مسألة ٨١٢ : إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ ، تناول المتعارف عند الموكّل.

ويحتمل عند الوكيل.

وقال بعض الشافعيّة : ينصرف إلى الحنطة خاصّةً ؛ لانطلاقه إليه عرفاً(٢) .

وهو غير سديدٍ ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف ، فقال : أسلفها في طعامٍ ، فأسلفها فيه ، صحّ ، وإذا أسلمها برئ من الدَّيْن. وإذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة : وإن لم يكن عليه شي‌ء ، فقال له : أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ويكون لك ألف قرضاً علَيَّ ، ففَعَل ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

٢١٣

صحّ (١) .

وقال بعضهم : هاتان المسألتان سهو من أبي العباس ؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره ، ومذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ ويقع المعوَّض لغيره(٢) .

وتأوّلوا المسألتين بأن يقول : إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ، ولا يعيّنه بالدَّيْن ، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه ، ويبرأ. هذا في المسألة الأُولى ، وفي الثانية : أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ ، فإذا فَعَل هذا ، قال : اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها(٣) .

قال بعض الشافعيّة : إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا ، ولا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن(٤) .

ويجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه ؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

وكذا لو قال له : اشتر به عبداً ، سواء عيّنه أو لم يعيّنه ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن العبد ، جاز. وإن لم يعيّنه ، لم يجز ؛ لأنّه إذا [ لم ](٦) يعيّن ، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع ، وهو مجهول(٧) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٦ : ٣٩٥.

(٥) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٧) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

٢١٤

ولنا : إنّه دفع بإذ نه ، فأشبه ما إذا عيّن. وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له ، ولا يتعيّن بالشراء منه ، ويبطل عليه به إذا قال : أطعم عنّي عشرة مساكين ، فإنّهم غير معيّنين ، ويصحّ عنه.

مسألة ٨١٣ : إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعام ، فاشترى السلعة واستسلف ولم يُسمّ الموكّلَ في العقد ، ثمّ اختلفا ، فقال الوكيل : إنّما اشتريت لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر ، وكان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يكون السَّلَم للموكّل؟ لأنّه دفع دراهمه(١) . واختلفوا إذا [ تصادقا ](٢) أنّه لم يَنْو لا لَه ولا للموكّل.

فقال أبو يوسف : يكون بحكم الدراهم(٣) .

وقال محمّد : يكون للوكيل(٤) .

أمّا الأوّل : فلأنّهما إذا اختلفا ، رجّح قول الموكّل ؛ لأنّه دفع دراهمه ، فكان الظاهر معه.

وإذا أطلق قال أيضاً : يرجّح بالدراهم(٥) .

ودليلنا : إذا نوى ذلك عن نفسه وصدّقه عليه ، وقع لنفسه ، فإذا أطلق‌ واختلفا كان القولُ قولَه ، كما لو لم ينقد دراهم.

وما ذكروه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصادقوا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ - ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

٢١٥

فلا يؤثّر فيه.

مسألة ٨١٤ : إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له‌ ، كان له أن يوكّل ؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما - كالوكيل - هل له أن يوكّل؟ الوجه عندنا : لا ، إلّا مع الإذن - ولأصحاب [ الشافعي ](١) فيه وجهان(٢) ، وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّه لا يملك التزويج إلّا بإذنها ، فلا يملك التوكيل فيه إلّا بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها ، فلم يعتبر إذنها في توكيله ، كالأب ٤.

وأمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.

مسألة ٨١٥ : لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح على المرأة ، فالقول قول الموكّل مع يمينه‌ ، فإذا حلف برئ من الصداق ، وبطلت الزوجيّة بينهما ، وكان على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر ؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً ، وجب على الموكّل طلاقها ؛ لئلّا يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

ولما رواه عمر بن حنظلة عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قال لآخَر :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشافعيّة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٥ : ٧٩ ، الوجيز ٢ : ٧ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٤١٨ - ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢١٧ ، و ٧ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ ، و ٧ : ٤٣٩.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١.

٢١٦

اخطب لي فلانة فما ف علتَ من شي‌ء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شي‌ء أو شرطتَ فذلك رضاً لي وهو لازم لي ، ولم يُشهدْ على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك ممّا طالبوه وسألوه ، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه ، قال : « يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها ، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال ، حلّ لها أن تتزوّج ، ولا تحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله ، إلّا أن يطلّقها ، لأنّ الله تعالى يقول :( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [ الله تعالى ](٢) لها أن تتزوّج »(٣) .

مسألة ٨١٦ : للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره‌ ؛ لأنّه الوليّ عليها ، فكان له طلب حقّها أين كان.

ولو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض ، كان له ذلك أيضاً.

وإن لم توكّله ، لم تكن له المطالبة ؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ والرشد.

فإن أقبضه الزوج ، كان لها مطالبة الزوج بحقّها ، ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه ؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها وغير وكيلها ، ولم يقع القبض موقعه ، فكان للزوج الرجوعُ به.

ولو مات الأب ، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. ولو مات معسراً ، ضاع ماله ؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن‌

____________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ - ٢١٤ / ٥٠٤ بتفاوت يسير.

٢١٧

الصادق عليه‌السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها ، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقالعليه‌السلام : « إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك ، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره ، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها ، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، وليس له أن يدع كلّه ، وذلك قول الله عزّ وجلّ :( إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (١) يعني الأب والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما »(٢) .

مسألة ٨١٧ : لو زوّجها الوليّ أو الوكيل وكانت قد دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به ، فإذا ردّها الزوج ، كان له الرجوعُ عليها بالمهر ، ولا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها ؛ لعدم التفريط منه ، واستناد الغشّ إليها خاصّةً.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها ، قال : « يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوّجها شي‌ء »(٣) .

مسألة ٨١٨ : لو قال رجل لآخَر : وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا ، ففَعَلتُ ، وادّعت المرأة ذلك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ ، وإلّا حلف المدّعى عليه عقد النكاح.

____________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٠ - ٥١ / ١٧٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٥٠٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

٢١٨

وقال أحمد بن حنبل : لا يستحلف ؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره(١) .

هذا إن ادّعى الوكيل ، وإن ادّعته المرأة ، استحلف ؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

ونحن لـمّا أوجبنا نص ف المهر على الوكيل ، كان له إحلاف الموكّل.

وقال أحمد : لا يلزم الوكيل شي‌ء ؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل ، وحقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل(٢) .

وعنه رواية أُخرى : إنّه يلزمه نصف الصداق - كما قلناه - لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [ للثمن و ](٣) للبائع مطالبته به ، كذا هنا(٤) .

أمّا لو ضمن الوكيل المهر ، فلها الرجوع عليه بنصفه ؛ لأنّه ضمنه للموكّل ، وهو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي : لا يلزم الوكيل شي‌ء(٥) .

وقال محمّد بن الحسن : يلزم الوكيل جميع الصداق ؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره ، فيكون ثابتاً في الباطن ، فيجب جميع الصداق(٦) .

واحتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق ، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه ، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ المرأة تتزوّج وإن لم يطلّق الموكّل ؛ لأنّه لم يثبت عقده.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢ و ٤) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥ و ٦) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٧) المغني ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

٢١٩

وقال أحمد : لا تتزوّج حتى يطلّق ، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره(١) .

قال أصحابه : ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها ؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له ، فيؤخذ بإقرارها ، وإنكاره ليس بطلاقٍ(٢) .

وهل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوى : الإلزام ؛ لإزالة الاحتمال ، وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه ، فأشبه النكاح الفاسد.

ويحتمل عدم اللزوم ؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح ، ولو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة ٨١٩ : لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ، فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به ، ورثت المرأة نصيبها من تركته. وإن لم تصدّقه الورثة ولا قامت البيّنة ، لم يكن لها ميراث ، ولها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل ، فإن حلف فلا ميراث ، وإلّا حلفت وأخذت.

ولو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوّج له ، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل ، وقد سبق(٣) .

فقيل : القول قول الموكّل مع اليمين ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة ؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم(٥) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦.

(٣) في ص ١٨٤ ، المسألة ٧٨٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٩ ، و ٥ : ٢٥٧ ، المغني ٥ : ٢٢٥ و ٧ : ٣٣٩ ، الشرح =

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

نسب السّيّدة زينب(١)

أبوها عليّ بن أبي طالب.

جدّها لأبيها أبو طالب.

جدّتها فاطمة بنت أسد.

أمّها فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّها لأمّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّتها خديجة بنت خويلد.

أخوتها الإمامان الحسن والحسين ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وقمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس.

عمومتها جعفر الطّيّار في الجنّة ، وطالب ، وعقيل أبو مسلم.

وبالتالي ، فهيّ عمّة الأئمّة التّسعة المعصومين.

عليّ :

لقد أثنى الله على عليّ في كتابه ، ومحمّد في سنّته ، ودانت الملايين بالولاء

__________________

(١) الزّينب شجر حسن المنظر طيّب الرّائحة ، وبه سميّت المرأة ، وواحد الزّينب للشّجر زينبة. انظر ، لسان العرب : ١ / ٤٥٣.

٢٦١

له ، وألّف في فضائله العلماء القدامى والمحدثون من السّنّة والشّيعة وغير المسلمين من الشّرقيّين ، والغربيّين مئات المجلّدات ، وسيبقى الحديث عن عليّ إلى آخر يوم وأكتفي ـ هنا ـ وأنا أتكلّم عن نسب ابنته بقولهعليه‌السلام : «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد ، فينا نزل القرآن ، وفينا معدن الرّسالة»(١) . وبكلمة الجاحظ الّتي علّق بها على هذه الجملة ، قال(٢) :

«صدق عليّ في قوله : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» ، وكيف يقاس بقوم ، منهم رسول الله ، والأطيبان عليّ وفاطمة ، والسّبطان الحسن والحسين ، والشّهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج العبّاس ، وحليم البطحاء والنّجدة ، والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصّدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرّق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواري حواريهم ، وذو الشّهادتين ، لأنّه شهد لهم(٣)

__________________

(١) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٤٨٦ ح ٣٦٧٦ ، ينابيع المودّة : ١ / ٧١ ح ٢ ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ١٤٢ ح ٦٢٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٤٢٣ ح ٥١٧ ، بشارة المصطفى : ٣٢ ، مئة منقبة : ٦٥ ، تذكرة الخواصّ : ١٨٢ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٧١ ح ١١٤٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٣١١ ح ٦٩١٣ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١٨ ، الصّواعق المحرقة : ٢٣٣ ، الشّرف المؤيّد : ٢٩ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ ، تأريخ دمشق : ٣٠ / ٣٦١ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ١٩٥ ، المعجم الكبير : ٧ / ٢٥ ، طبعة بغداد ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس مخطوط ورقة (٢٦٦).

(٢) انظر ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ٢٨٠ ، الموفقيات : ٣٩٩.

(٣) يقال : أنّ اعرابيا باع فرسا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ندم ، وأنكر البيع ، وقال للرّسول : أين شاهدك على البيع؟ فشهد خزيمة بأنّ الأعرابي باع فرسه للنّبيّ.

فقال له النّبيّ أكنت حاضرا عند البيع يا خزيمة؟.

٢٦٢

__________________

ـ فقال : لا يا رسول الله! ولكن هل أصدقك بما جئت به عن الله ، ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث؟.

فقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : شهادتك شهادة رجلين.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٠٣٣ ح ٢٩٥٢ و : ٤ / ١٧٩٥ ح ٤٥٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٢١ ح ٢١٨٧ ، مجمع الزّوائد : ٧ / ١٨٢ و : ٩ / ٣٢٠ ، سنن البيهقيّ الكبرى : ٢ / ٤١ ح ٢٢٠٣ و : ٧ / ٦٦ ح ١٣١٨٢ و : ١٠ / ١٤٥ ، سنن النّسائي : ٧ / ٣٠١ ح ٤٦٤٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٣٨ ح ٢٢٩٣٣ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ٤٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٦ ، مسند أحمد : ٥ / ١٨٨ ح ٢١٦٨٣ و ٢١٩٣٣ و ٢١٩٣٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٣٥٩ ح ٣٦٠٤ ، فتح الباري : ٦ / ٢٤ ح ٢٦٥٢ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٧٠٣ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٧٩ ، الإصابة : ٢ / ٢٧٨ ح ٢٢٥٣ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٧٧ ح ١٤٧ ، تحفة الطّالب : ١ / ٢٩٠ ، المحلى لابن حزم الظّاهري : ٨ / ٣٤٨ ، نيل الأوطار للشّوكاني : ٥ / ٢٧١.

ولسنا بصدد بيان ردّ المؤرّخ الكبير أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ في تأريخه : ٣ حوادث سنة (٣٧ ه‍) وما بعدها ، وما تبعه المؤرّخون من بعده بأنّه بدّل وغيّر اسم الصّحابي الجليل الّذي شهد بدرا وما بعدها ، إلى رجل آخر اسمه خزيمة بن ثابت الأوسي شهد بدرا ، أو أحدا وهو غير خزيمة الّذي قتل في صفّين مع الإمام عليّ عليه‌السلام بل قال : أنّه مات زمن عثمان ، وهذه من مختلقات سيف وهو يحرّف ، ويصحّف ، ويقلّب ، ويختلق أمّة من الصّحابة ، والتّابعين ، ورواة الحديث ، وقادة الفتوح ، والشّعراء ، وعددا كبيرا من أماكن ، وكتبا سياسيّة ، وأراجيز كما فعل في اسطورة القعقاع ، وعبد الله بن سبأ ، وسمّاك بن خرشة الّذي زعمه غير أبي دجانة ، وبرّة بن يحنس الخزاعي مرادفا لاسم الصّحابي وبر بن يحنس الكلبي وغيرهم ، ومن أراد المزيد فليراجع كتاب العلّامة السّيّد مرتضى العسكري في كتابيه : عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : ١ و ٢ ، وخمسون ومئة صحابي مختلق : ١ و ٢. وخزيمة هذا هو الّذي قاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم الجمل ، وقاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم صفّين.

انظر الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١ ، قارن بين خزيمة الحقيقي وخزيمة المختلق في الإصابة : ١ / ٤٢٥ رقم التّرجمة : ٢٢٥١ و ٢٢٥٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد تحقّيق أبو الفضل : ١ / ١٠٩ ، الكامل : ٣ / ٨٤ ، تأريخ ابن خلدون : ٢ / ٤٠٧. وانظر كذلك أصحاب ـ

٢٦٣

ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم ، وأبان رسول الله أهل بيته بقوله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب اللهعزوجل حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ؛ فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما»(١) . ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : «إنّي سمعت رسول الله يقول : «كلّ سبب

__________________

ـ العيون والأقلام المأجورة مجلّة الأزهر : ٣٢ / العدد ١٠ / ١١٥٠ ، و : ٣٣ / العدد ٦ / ٧٦٠ ، ومجلّة «راهنمائي كتاب» الفارسيّة طبع طهران السّنة الرّابعة العدد : ٧ / ٦٩٦ ، والعدد : ٨ / ٨٠٠ ، والعدد : ٩ / ٨٩٤.

وقد رثته ابنته ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين :

عين جودي على خزيمة بالدم

ع قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشّهادتين عتوّا

أدرك الله منهم بالتّرات

قتلوه في فتية غير عزل

يسرعون الرّكوب للدعوات

إلى آخر الأبيات ، انظرها في وقعة صفّين : ٣٦٥ و ٣٦٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٠ ، اسد الغابة : ٣ / ١٢٤ و ٢٨٢ ، الإصابة : ٢ / ٢٨٠ ، و : ٤ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٨٤ طبعة الأندلس ، الاستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٢٦٨ و ٣٩٥ ، و : ٤ / ٢٠١ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٢٧ ، اسد الغابة : ١ / ٣٠٣.

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٣٢ ، و : ١٣ / ١٧١ ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / فضائل القرآن ، وخصائص النّسائي : ٥٠ ، تذكرة الخواصّ : الباب ١٢ ، واسد الغابة : ٢ / ١٢ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٠٩ ، ومسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠ ، و : ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ ، و : ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، والصّواعق المحرقة : ٢٥ المطبعة الميمنية بمصر ، وص : ٤١ المطبعة المحمّدية بمصر ، ومجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٤ ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : ٢ / ٤٥ ح ٥٤٥ ، وكنز العمّال : ١ / ١٦٨ ح ٩٥٩ الطّبعة الأولى ، وينابيع المودّة : ٣٧ طبع إسلامبول إلخ).

انظر ، البخاريّ في صحيحه : ٢ / ٢٠٠ ، والطّيّالسي : ١ / ٢٨ / ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣ ، وابن ماجه: ح ١١٥ ، الأصول الثّمانيّة : ٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٢ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ ، ابن كثير: ٥ / ٢٠٩ ، من هم الزّيديّة ، السّيّد يحيى ابن عبد الكريم الفضيل : ٥٩ ، الأمالي الخميسيّة : ١ / ١٥٦. هذا الحديث الأخذ والعمل به ثقيل وخطير ؛ ولذا سمّي «بحديث الثّقلين» ـ كتاب الله والعترة.

٢٦٤

ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي»(١) . أمّا عليّ فلو أردنا أن ندوّن

__________________

(١) أمّ كلثوم الكبرى تزوّجها عمر ابن الخطّاب ، وأصدقها أربعين ألفا ، وقيل مئة ألف

انظر ، تعليق الشّيخ المفيد في رسالته الخاصّة بهذا الموضوع ، وفي الإرشاد : ١ / ٣٥٤ ولكن بلفظ : زينب الصّغرى المكناة أمّ كلثوم ، وفي أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ أضاف : تزوّجها عمر بن الخطّاب وتحت رقم (٢٣٥) يورد عن هشام الكلبي عن أبيه عن جدّه قال : خطب عمر بن الخطّاب من عليّ أمّ كلثوم فقال : إنّها صغيرة وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٦) عن عثمان بن محمّد بن عليّ قال : خرج عمر إلى النّاس فقال زفّوني وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٧) عن عكرمة عن ابن عبّاس وقال ابن الكلبي : ولدت أمّ كلثوم بنت عليّ لعمر ، زيد ، ورقية فمات زيد وأمّه في يوم واحد.

ونحن لسنا بصدد تحقيق حقيقة الزّواج ، وعدمه ؛ ولكن نشير إلى أنّ الحديث منقطع السّند ، وغير ناهض للحجّية. والطّبريّ في تأريخه : ٤ / ١١٨ لم يذكر ذلك ، ونكتفي بنقل كلام الشّيخ المفيد في جواب المسائل السّروية : ٦١ ـ ٦٣ حيث قال ؛ : إنّ الخبر الوارد بتزوّيج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزّبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقا به في النّقل ، وكان متّهما فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم والحديث بنفسه مختلف ، فتارة يروى أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تولّى العقد له على ابنته ، وتارة يروى أنّ العبّاس تولّى ذلك عنه ، وتارة يروى أنّه لم يقع العقد إلّا بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروى أنّه كان عن إختيار ، وإيثار ، ثمّ إنّ بعض الرّواة يذكر أنّ عمر أولدها ولدا سمّاه زيدا ، وبعضهم يقول : إنّه قتل قبل دخوله بها ، وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول : إنّه وأمّه قتلا ، ومنهم من يقول : إنّ أمّه بقيت بعده ، ويقال إنّه رمي بحجر بين حيين في حرب فمات ولا عقب له ، ويقال إنّه مات هو وأمّه في ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الآخر ، وصلّى عليهما عبد الله بن عمر ، وقدم زيدا على أمّه فصار سنّة ، ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أمّ كلثوم أربعين ألف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمئة درهم ، ويبدوّ هذا الإختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال ، انتهى.

وسبق وأن أوضحنا بأنّ أمّ كلثوم هي بنت الخليفة الأوّل أبي بكر وهي الّتي تزوّجها عمر بن الخطّاب ، ولكن الأقلام المأجورة ، والضّغائن والأحقاد هي الّتي أثبتت أنّها بنت الإمام عليّ عليه‌السلام لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

٢٦٥

لأيّامه الشّريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السّنية ، لأفنينا في ذلك الطّوامير ، العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشّأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللّسان خطيب ، والصّدر رحب ، وأخلاقة وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه»(١) .

إسلام أبي طالب :

ولا بدّ من كلمة في اسلام أبي طالب ، ونحن نتحدث عن نسب حفيدته السّيّدة زينب. وقد اشتهر بين السّنّة أنّه مات على غير الإسلام ، وأجمعت كلمة الشّيعة على أنّه مات مسلما ، ولكنّى نعرف الحقّ مع أي جانب من الطّائفتين ينبغي التّمهيد بما يلي :

١ ـ إذا اتّفقت كلمة المسلمين جميعا السّنّة والشّيعة على شيء ، كان اتّفاقهم دليلا بنفسه لا يحتاج معه إلى البحث والنّظر ، وكان لكلّ مسلم أن يجزم ويعتقد بما اتّفقوا عليه دون قيد أو شرط ، وبدون ترو وتريث ، فلو قال قائل : أنّ أبا جهل مات على غير السّلام ، فلا يحقّ لأحد أن يعترض عليه ، ويطلب منه التّثبت قبل الحكم بكفره ، لأنّ المفروض اتّفاق الجميع على ذلك ، وعدم وجود قولين ، ليجب النّظر ، والتّدقيق في أي القولين أصح ، وأي الدليلين أقوى؟.

أمّا إذا اختلف المسلمون فيما بينهم ، وذهبت كلّ طائفة إلى رأي فيجب حينئذ البحث والنّظر ، ومن جزم وحكم بدون تثبت ، ولمجرد الإعتماد على الشّهرة عند أحد الفريقين فهو مقلّد جاهل ، إذ ليس كلّ ما هو موجود واقعا يجب أن يشتهر ،

__________________

(١) انظر ، مئة منقبة للجاحظ : ٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٤٥.

٢٦٦

ولا كلّ مشهور يجب أن يكون موجودا في الواقع ، ولذا قيل : «ربّ مشهور لا أصل له ، وربّ متأصّل غير مشهور». ولو سلّمنا جدلا ، لا اعتقادا أنّ الشّهرة حقّ وصدق فإنّما تكون حقّا إذا لم يقم الدّليل المحسوس الملموس على ضدّها وكذبها وقد جاء في الحديث : «ليس المخبر كالمعاين»(١) ، على أنّ الأخذ بما اشتهر عند السّنّة دون الأخذ بما اشتهر عند الشّيعة تحكّم ، وترجيح بلا مرجّح. وعليه يتحتّم طرح القولين معا ، وترك التّعصب لأحدهما ، والتّجرد للبحث النّزيه فلقد دلّت التّجارب منذ القديم على أنّ الّذين يلجأون إلى نزوات العاطفة لا يهتدون إلى خير ، ومحال أن يهتدوا ما دامت الميول هي المسيطرة ، والتّقاليد هي المتحكّمة.

٢ ـ أنّ عقيدة الإنسان ، أي إنسان لا تعرف على حقيقتها إلّا في ضوء واقعة وحياته الخاصّة ، وما يحيط بها من الظّروف والملابسات ، فهي الّتي توجّهه في سلوكه ، وآرائه ، ومعتقداته ، ومحال أن نعرف شيئا من ميوله ورغباته بمعزل عن واقعه وعالمه الخاصّ.

٣ ـ أنّه كما اشتهر بين السّنّة أنّ أبا طالب مات على غير الإسلام ، فقد أجمعت الشّيعة أنّ أبا سفيان مات على النّفاق ، واختلفت السّنّة في حسن إسلامه ، أي في نفاقه وعدمه ، قال صاحب «الإستيعاب» : «اختلف في حسن إسلام أبي سفيان ، فطائفة تروي أنّه لمّا أسلم حسن إسلامه وطائفة تروي أنّه كان كهفا

__________________

(١) انظر ، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي : ٢ / ٦٨٩ ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ٩٧ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ٦ / ٢٩١ ح ١٧٧٨ ، تأريخ بغداد ٣ / ٢٠٠ ، غريب الحديث لابن قتيبة : ١ / ٢٦٠.

٢٦٧

للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهليّة ينسب إلى الزّندقة»(١) .

ويحتم علينا المنطق في مثل هذه الحال أن لا نجزم بإسلام أبي طالب ، ولا بحسن إسلام أبي سفيان إلّا بعد البحث والنّظر ، وأن لا نعتمد على قول أيّة فئة من الفئات بل علينا أن ننظر ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ إلى حياة كلّ من أبي طالب وأبي سفيان وظروفة الخاصّة : هل تتّجه به إلى الإسلام ، والإيمان برسالة محمّد ، أو إلى الشّرك ، ومحاربة محمّد ورسالته؟

وإنّ واقع أبي سفيان ، وكلّ ما يتّصل بتأريخه وحياته من قريب أو بعيد يتّجه إلى التّعلق بالأوثان ، والدّفاع عنها ، والتّضحية من أجلها بكلّ غال وعزيز ، حتّى ولو كان في واقعة ، وبينه وبين نفسه لا يعتقد بها ولا بشيء أبدا لأنّ الأوثان تمنحه الإمتياز والسّيادة على الضّعفاء والمساكين ، ومحمّد يجرده من كلّ ذلك ، ويدعو إلى الإخاء والمساواة ، والأوثان تبيح له السّلب ، والنّهب ، والفسق ، والفجور ، وما إليه من الرّذائل ، ومحمّد يأمر بالفضائل ، ومكارم الأخلاق ، فمحمّد ـ إذن ـ خطر على الإستقراطيّين بعامّة ، وعلى أبي سفيان بخاصّة.

هذا ، إلى العداء الموروث المتأصّل بين هاشم واميّة ، فكيف يستسلم أبو سفيان وينقاد إلى ألد أعدائه ، وقد ظهر ذلك في الحروب والمكائد الّتي نصبها للرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهل بعد هذه الأرقام المحسوسة المستمدّة من واقع أبي سفيان من شكّ ، وريب في أنّه أظهر الإسلام عن خوف لا عن إيمان ، وحقنا لدمه لا بدافع من ضميره ووجدانه؟ وهل نأخذ بالشّهرة وغير الشّهرة بعد أن انكشف الواقع كشفا حسيّا تبددت معه الشّكوك والأوهام؟ أنّ أبا سفيان لا

__________________

(١) انظر ، الإستيعاب في اسماء الأصحاب : ٤ / ٨٦ المطبوع مع الإصابة سنة (١٩٣٩ م). (منهقدس‌سره ).

٢٦٨

يرجع في سلوكه إلى عقل ، ولا دين ، ولا ضمير ، وإنّما المعيار ، والدّافع ، والمثل الأعلى عنده هي المنفعة الخاصّة لا غيرها شأن جميع الأقوياء الّذين لا يربطهم أي شيء بهذا العالم غير المصالح الشّخصيّة(١) .

أمّا واقع أبي طالب فعلى الضّد تماما من واقع أبو سفيان ، فلا يلتقيان في جهة ، ولا يتشابهان في شيء ، فأبو سفيان تأكل الضّغائن قلبه على محمّد ، وأبو طالب يحنو عليه حنو المرضع على فطيمها ، فعن طبقات ابن سعد أنّه كان يحبّه حبّا شديدا لا يحبّه ولده ، وكان لا ينام إلّا وهو إلى جنبه(٢) ، وإذا خرج أخرجه معه(٣) ،

__________________

(١) قال صاحب الإستيعاب : ٤ / ٨٨ : «لأبي سفيان أخبار رديئة ذكرها أهل الأخبار» ونحن نشير هنا إلى بعضها ، منها : ذكره صاحب الإستيعاب : ٨٧ «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : درها كالكرة إنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة وما نار.

ومنها : ما ذكره صاحب الإصابة : ٢ / ١٧٢ طبعة (١٩٣٩ م) (أنّ أبا سفيان قال في نفسه : ما أدري بم غلبنا محمّد؟ فضرب النّبيّ على ظهره ، وقال : بالله غلبك.

ومنها : ما جاء في العقد الفريد : ٥ / ١٠ طبعة (١٩٥٣ م) (أنّه حين بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان : أنّي أرى غبرة لا يطفئها إلّا الدّم ، وجعل يطوف في أزقّة المدينة ويقول : انظر ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ١٠٥ ، و : ٢ / ١٢٦ ، تأريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٠ ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ١٠٥.

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو حسن عليّ

فقال عمر لأبي بكر : أنّ هذا فاعل شرّا ، وكان يتألّفه على الإسلام ، فدع ما بيده من الصّدقة ، ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه. انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٤٤٩ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٢.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٩ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٦٦ ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٥ ، الكاشف : ٣ / ٢٦٤ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٣٨٤ ، وأخرجه أبو نعيم عن الواقديّ عن شيوخه ، وذكره ابن حجر في الإصابة : ١ / ١٧٩ ، وابن سعد في الطّبقات : ١ / ١٢١ ـ ،

٢٦٩

وأبو سفيان يخشى من انتصار محمّد على مجد «اميّة» ، ويعتقد أبو طالب أنّ في انتصار أخيه المجد الدّائم والشّرف الخالد ، وأي شرف أعظم من أن يعهد الله سبحانه إلى ربيب أبي طالب بأمانته ، ويختاره على جميع خلقه؟.

هذا إذا قسنا أبا طالب بمقياس النّفعيّين والإنتهازيّين تماما كما نقيس أبا سفيان ، وقلنا : أنّ كلّا منهما يعمل بدافع من منافعه الخاصّة ، لا بوحي من عقله وضميرة فإنّ النّتيجة الحتيمة المنطقية هي إيمان أبي طالب بمحمّد ورسالته ، وجحود أبي سفيان بكلّ ما يمت إلى النّبيّ بسبب.

ولو نزّهنا أبا طالب عن الغايات والأهواء ، ونظرنا إليه كطالب للحقّ من مصدره وأدلّته لجاءت النّتيجة أيضا إيمانه بالله والرّسول ، فلقد شاهد من آيات ابن أخيه منذ طفولته إلى ما بعد النّبوّة ما لم يتسن لأحد سواه مات أبو النّبيّ قبل أن يرى ولده العظيم ، فكفله جدّه عبد المّطّلب(١) ، ثمّ توفّي الجدّ ، وللنّبيّ من العمر ثماني سنوات ، وكان قد عهد به إلى أبي طالب ، وقال له فيما قال : «استمسك به وانصره بلسانك ، ويدك ، ومالك فإنّ له شأنا وأرجو أن يبلغ

__________________

ـ والسّيوطيّ في الخصائص : ١ / ٢٠٨ ، ودلائل النّبوّة : ١ / ٢١٥ ، و : ٢ / ٢٤ ، ابن هشام في السّيرة : ١ / ١٨٠ ، والتّرمذيّ برقم «٣٦٢٤» ، والفتح : ١٠ / ٣٤٥.

(١) انظر ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٤٠ ، و : ١٧ / ١٣٣ ، الدّيباج على مسلم : ٣ / ٤٠٨ و : ٦ / ١٤٨ ، تلخيص الحبير لابن حجر : ٤ / ٥٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٣ و : ٥ / ٨٩ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٦ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ١٥٣ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٥ و ١٨ و ٣٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٨٢ و : ٨ / ٢٩٨ ، البداية والنّهاية : ٦ / ١٤١ و : ٣٠٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٣٣ ، صحيح ابن خزيمة : ٣ / ١٤٠ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٤٥ و : ٢٣ / ٢٥٥ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ٢٥٢ ، تأريخ دمشق : ٤ / ٣٩٠ و : ٧ / ٢٠٢ ، اسد الغابة : ١ / ٢٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٨ ، تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٥.

٢٧٠

من الشّرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده»(١) .

وكان أبو طالب يحدّث عن النّبيّ بعد أن ضمّه إليه ، ويقول :

«كنت كثيرا ما اسمع منه إذا ذهب اللّيل كلاما يعجبني ، وكنّا لا نسمي على الطّعام ، ولا الشّراب ، حتّى سمعته يقول : بسم الله الأحد ، ثمّ يأكل ، فإذا فرغ قال : الحمد لله كثيرا(٢) ، وكنت آتيه على غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السّماء ولم أرمنه كذبة قطّ ، ولا جاهليّة قطّ ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضّحك ، ولا وقف مع الصّبيان في لعب ، ولا التفقت إليهم ، وكانت الوحدة ، والتّواضع أحبّ إليه»(٣) .

ونقل ابن عساكر أنّ قحطا أصاب قريشا ، فاستسقى أبو طالب بمحمّد ، وما أن مدّ باصبعه ، حتّى أقبل السّحاب من هاهنا وهنا ، وأغدق الوادي ، وأخصب النّادي ، وفي ذلك يقول أبو طالب(٤) :

__________________

(١) انظر ، الخصائص الكبرى للسّيوطي : ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١ / ٧٠ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٢ دار الكتب العلميّة بيروت.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٠٧٨ ح ٥١٤٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٧١٠ ح ١٩٣٥ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٩٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٢٨٦ ح ١٤٤٤٨ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥٦ ح ٢٢٢٥٤.

(٣) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٥ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٤٦.

(٤) انظر ، التّأريخ الكبير لابن عساكر : ١ / ٣٣٣ طبعة الشّام ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ١٢٥ طبعة مصر ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٢٤.

ذكر هذه القصيدة أكثر أهل السّير ، وشرحها أيضا كثيرون ، كالعلّامة الدّحلاني في أسنى المطالب في نجاة أبي طالب : ١١ ، وقال : قال ابن كثير هذه القصيدة بليغة جدّا ، لا يستطيع أن يقولها إلّا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى.

وأمّا سبب إنشائها فقد اختلف المؤرّخون في ذلك ط ، فقيل : إنّه قالها حين انتشر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

٢٧١

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وكانت فاطمة بنت أسد زوّجة عمّه أبي طالب تحدّث عنه ، وتقول :

«كان في صحن داري شجرة قد يبست ، فأتى محمّد يوما إلى الشّجرة ، فمسّها بكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرّطب»(١) . وفي طبقات ابن سعد : «أنّ أبناء أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا كان معهم النّبيّ شبعوا»(٢) .

وبعد أن رأى أبو طالب هذه الآيات بعينيه ، وتكرّرت عليه مرّات ومرّات ، وبعد أن سمع من أبيه وغير أبيه التّنبؤات ، يقال له : أنّه مات على غير الإسلام ، وهو ذو العقل الكبير ، والنّظر البعيد؟. وهل عرب البادية وغيرهم من المهاجرين والأنصار أرجح عقلا من أبي طالب أو رأوا وشاهدوا من آيات محمّد أكثر ممّا رأى وشاهد أو كانوا ألصق به وأقرب إليه من عمّه؟. وبعد ، فبأي منطق أخذ الباحث ، وبأي مقياس قاس أبا طالب ، فالنّتيجة أنّ عدم إسلامه مستحيل أو شبه مستحيل.

__________________

ـ وخاف أبو طالب أن تعاضد العرب قومه على قلعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أنشأها وتلاها عليهم وسمعها الأشراف تعوذوا بها. وقيل : إنّه قالها في الشّعب وفي بعض أبياتها ما يؤيد ذلك.

انظر ، ابن هشام في سيرته : ١ / ٢٨٦ ، أبا هفان العبدي في ديوان أبي طالب : ٢ ـ ١٢ ، ابن أبي الحديد في شرح النّهج : ٢ / ٣١٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٥٣ ، إرشاد السّاري : ٢ / ٢٢٧ ، المواهب اللّدنية: ١ / ٤٨ ، عمدة القاريّ : ٣ / ٤٣٤ ، خزانة الأدب : ١ / ٢٥٢.

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٦ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٢٨.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٠ طبعة دار بيروت سنة (١٩٥٧ م). (منهقدس‌سره ).

تأريخ دمشق : ٣ / ٨٦ ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٤ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ١ / ٢٤٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ١٣٥.

٢٧٢

أنّ من شكّ بإسلام أبي طالب فقد شكّ بنبوّة محمّد ، من حيث لا يدري ولا يشعر إذ لا يمكن بحال أن نجمع بين القول بأنّ النّبيّ أتى بالبرهان القاطع على نبوّته ، وبين القول بأنّ أبا طالب غير مسلم ، مع العلم والتّسليم بصحة إدراكه ، ورجحان عقله ، وخبرته التّامة بحقيقة ابن أخيه ، وشدّة حبّه وإخلاصه له. فكلّ من قال بأنّ محمّد أتى بالدّليل الكافي الوافي يلزمه القول بإسلام أبي طالب ، وكلّ من قال بعدم إسلامه يلزمه القول بأنّ النّبيّ لم يقم الدّليل المقنع بذاته على نبوّته ، والتّفكيك جهل وتحكم وبكلمة أنّ عدم إسلام أبي طالب ـ لو فرض ـ يدل على أنّ في الواقع سرّا يستدعي عدم الإيمان بمحمّد حاشا لله ولرسوله ، ولكافله ، وحاميه ، والذّاب عنه وعن رسالته.

وربّ من يسأل ويقول : ما هو السّبب للتّشكيك بإسلام أبي طالب ما دام بهذه المنزلة والوضوح؟.

الجواب : أنّ القول بنفي الإسلام عن أبي طالب جاء جوابا للقول بنفاق أبي سفيان أليس أبو طالب والد عليّ أمير المؤمنين ، وأبو سفيان والد معاوية؟! ولا بدّ من الموازنة ، وترجيح هذا على ذلك ، أو المساواة بينهما على الأقل

سؤال ثان : لماذا لم يجاهر أبو طالب بإسلامه منذ اليوم الأوّل لدعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل ولده عليّ؟.

الجواب :

أوّلا : أنّه جاهر بذلك فيما قاله من الشّعر الّذي في كتب السّير والتّأريخ ، ومنه قوله:

٢٧٣

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا(١)

لو لا الملامة أو حذار مسبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت فيه أمينا(٢)

ثانيا : أنّ الإسلام كان ضعيفا في بدء الأمر ، وقد تألّبت عليه قوى الشّرك من كلّ جانب ، فكان من صواب الرّأي ، والخير للإسلام ونبيّه أن يكتم أبو طالب إيمانه إحكاما لخطة الدّفاع ، وهذا كثيرا ما يحدث بين أصحاب المباديء ، فلقد كتم مؤمن من آل فرعون إيمانه ليمكّنه الدّفاع عن موسىعليه‌السلام :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) (٣) . وأمر رسول الله نعيم من مسعود الأشجعي أن يكتم إيمانه في وقعة الأحزاب ، ليخذّل بين اليهود وقريش ، بل أذن له أن يقول فيه ما يشتهون(٤) .

وقال السّيّد محسن الأمين في الأعيان :

__________________

(١) انظر ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠.

(٢) هذان البيتان هما من قصيدته النّونيّة الّتي قالها «أبو طالب» لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخافته قريش أوّلها :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسّد في التّراب دفينا

انظر ، تفسير الثّعلبيّ ، والّذي قال فيه : «قد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب ، ديوان أبي طالب : ١٢ ، السّيرة النّبوّية لزيني دحلان هامش السّيرة الحلبية : ١ / ٩١ ، و ٢١١ ، شرح ابن أبي الحديد :

٣ / ٣٠٦ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠ ، فتح الباري : ٧ / ١٥٣ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمدية للقسطلاني : ١ / ٦١ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٤٢ ، الواحديّ في أسباب النّزول : ١٦١ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٤٠٦ ، الإصابة : ٧ / ٢٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٥٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٤ / ٥٥ ، الكاشف : ١ / ٥٠٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٥٦ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٤٦٤.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) انظر ، فتح الباري : ٧ / ٣٩٣ ، فيض القدير : ٣ / ٤١١.

٢٧٤

«لو جاهر أبو طالب بإسلامه لم يمكنه ما أمكنه من نصرة رسول الله»(١) .

وقال صاحب السّيرة الحلبيّة : «وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاء أبي طالب على دين قومه ، لما في ذلك من المصالح الّتي تبدو لمن تأملها»(٢) .

ويأبى الله سبحانه إلّا أن يقيم الشّواهد على الحقّ ، ولو على لسان الجاحدين والمعاندين أنّ هذا القائل ينكر إيمان أبي طالب ، ويعترف في الوقت نفسه أنّ مصلحة الإسلام تستدعي ذلك ، وذهل عن بديهة لا تقبل الشّك ، وهي أنّ الكفر بالله قبيح في ذاته ، وأنّه لم ولن تكون فيه مصلحة ولا حكمة مهما تكن الظّروف والبواعث والأهداف وأيضا ذهل أنّ الغرض المطلوب يتحقّق في كتم الإيمان ، كما فعل نعيم بن مسعود ، ومؤمن آل فرعون ، ولو شاء الله عدم إسلام أبي طالب لمصلحة النّبيّ لكان كفره أفضل من إيمانه بل وجب أن يؤاخذ ويعاقب على الإسلام والإيمان بالله ورسوله ولا قائل بهذا الهجر ، والهذايان أحد فتعيّن ـ إذن ـ القول بأنّ كتم إيمانه ، جمعا بين مصلحة الإسلام ، وقبح الكفر.

وقد وضعت كتب خاصّة في إسلام أبي طالب ومناقبه ، فليرجع إليها من أراد التّفصيل ، تسهيلا على القاريء نزوده بهذين الرّقمين :

الأوّل : جاء في السّيرة النّبوّة لابن هشام أنّ أبا طالب قال لولده عليّ : «أنّ محمّدا لم يدعك إلّا إلى خير ، فالزمه»(٣) . ولا معنى للإسلام إلّا الإعتراف بأنّ

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣ / ٥ طبعة (١٩٦٠ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ ، «باب وفاة أبي طالب وزوّجته». (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، السّيرة النّبوّة لابن هشام : ١ / ٢٤٧ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ). وانظر ، الإصابة لابن حجر : ـ

٢٧٥

دعوة محمّد خير يجب اتّباعه والإلتزام به.

الثّاني : جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد ، وفي السّيرة الحلبيّة : «أنّ عليّا حين أخبر النّبيّ بموت أبيه (أبي طالب) بكى ، وقال : إذهب ، فاغسله وكفّنه ، وواره ، غفر الله له ورحمه»(١) .

__________________

ـ ٤ / ١١٦ ، رقم «٦٨٤» الكنى تأريخ الطّبري : ٢ / ٢١٤ ، عيون الأثر : ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، أسنى المطالب : ١٠.

(١) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٣ طبعة (١٩٥٧ م) ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ (باب وفاة أبي طالب) (منه قدس‌سره). انظر ، السّنن الكبرى : ١ / ٣٠٥ ح ١٣٥٤ ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية : ١ / ٢٣٦ ح ٣٠٧ ، تلخيص الحبير : ٢ / ١١٥ ح ٧٥٤ ، نصب الرّاية : ٢ / ٢٨١ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، معجم القبور : ١ / ٢٠٤ ، العقد الفريد : ٢ / ٣١٥ طبعة الجماليّة بمصر.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، أسنى المطالب : ٢١ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٣٧٣ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، السّيرة الحلبيّة لدحلان : ١ / ٩٠ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٨٤ ، أسنى المطالب : ٢١.

وقال : أنا أموت على ملّة عبد المطّلب ، ثمّ مات. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث وأمثاله. وانظر ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٢ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٩ ، ولكنّ المسعوديّ يرى في عبد المطلب ، أنّه قد قال فيه : أنّه مات مسلما لمّا رأى من الدّلائل على نبوّة محمّد ٩ ، وعلم أنّه لا يبعث إلّا بالتّوحيد. وانظر ، الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢١٩ ، الإصابة : ٧ / ١٩٨ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٦٠ ، مشكل الآثار للطّحاوي : ١ / ١٠٨ ، العلل المتناهية لابن الجوزيّ : ٢ / ٤٢١ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٣٧٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ٣٤٦ ، السّيرة النّبوّية لابن هشام : ٢ / ٥٩ ، دار إحياء التّراث العربي بيروت ، ابن حجر في فتح الباري : ٧ / ١٩٣.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّه : وصلت رحمك وجزاك الله خيرا يا عمّ. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه ـ

٢٧٦

وما كان النّبيّ ليأمر بتجهيّز من أشرك وألحد ، ويطلب له من الله الرّحمة والرّضوان وغريب حقّا أن يحتاج إسلام أبي طالب إلى دليل ، وأن يكون محلا للتّساؤل ، وهو الّذي كفل رسول الله صغيرا ، ونصره كبيرا ، ولاقى من أجله أشدّ البلاء والعناء ، حتّى أنّ أحدا لم يطمع برسول الله ، وأنّ الله لم يأمره بالهجرة إلّا بعد وفاة عمّه أبي طالب غريب أن يكون إسلام أبي طالب محلا للتّساؤل ، وقد اتّفقت الكلمة على أنّه لو لا أبو طالب لقضي على دعوة محمّد ، وهي في المهد ، ولم يكن للإسلام عين ولا أثر.

فاطمة بنت أسد

وأبوها أسد أخو عبد المطّلب جدّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهيّ أوّل هاشميّة(١) . تزوّجها هاشمي ، ولم يتزوّج أبو طالب بغيرها ، وولدت له طالبا ، ولا عقب له ، وعقيلا ، وجعفرا ، وعليّا ، وكلّ واحد أسنّ من الآخر بعشر سنين ؛ وأمّ هاني ، واسمها

__________________

ـ أبي طالب ، تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٣١٤ ، معجم القبور : ١ / ١٩١ و ٢٠٤ ، شيخ الأبطح : ٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، إيمان أبي طالب : ١٠ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبية : ١ / ٣٧٣ ، أسنى المطالب : ٣٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، الحجّة على الذّاهب إلى تكفير أبي طالب لابن فخّار : ١٤٥.

(١) انظر ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا.

٢٧٧

فاختة(١) .

ولمّا كفل أبو طالب محمّدا أنزلته من قلبها منزلة الأحشاء ، وجعلته نصب عينيها ، إن غاب عنها لحظة لم يغب مثاله ، ولم تفقد شخصه ، وتذهل عن كلّ شيء ، حتّى يحضر ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله ، وتنظيفه ، وتلبيسه ، وتدهينه ، وتعطيره ، وإصلاح شأنه فإذا كان اللّيل اشتغلت بفرشه ، وتوسيده ، وتمهيده ، فكانت لا تغفل عنه وعن خدمته لحظة في ليل ولا نهار ، وكان يسميها أمّي.

ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر(٢) من يحفر قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره بيده ، واضطجع فيه ، وقال ، «أللهمّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، فقيل له : يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها ، فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ، ليوسع الله عليها ، وتأمن ضغط القبر ، أنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا إليّ بعد أبي طالب»(٣) .

صنع النّبيّ بها هذا وفاء لإحسانها ، واعترافا بجميلها ، ومع هذا فقد جعله دون إحسان عمّه أبي طالب ، لأنّها أحسنت إليه بالذات ، وعمّه أحسن للإسلام

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته. انظر ، كتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩. لا حظت ، وأنا اتّتبع كتب الفضائل أنّ ما من منقبة يذكرها الشّيعة لأهل البيت إلّا وفي كتب السّنّة مثلها.

(٢) أمر ، اسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمر بن الخطّاب ، وغلاما أسود. (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة :

١ / ٧٥ في الهامش رقم (٢) ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقيقنا ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، وكتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩.

٢٧٨

والمسلمين جميعا ولو لا دفاع أبي طالب وسيف ولده عليّ لما قام للإسلام قائمة ، ولما عاش فى ظلّه إنسان وغريبة الغرائب أن يعترف النّبيّ بأنّ لعمّه حقوقا دونها حقوق الأمّهات على الأبناء ، ثمّ يقول من يدّعي الإسلام : أنّه في ضحضاح من نار(١) ، لا لشيء إلّا لأنّ في هذا الإفتراء مسّا بعليّ وخلافة عليّ وبالتالي ، فإنّ على الباحث المنصف أن يضع هذه الحقيقة في حسابه ، وهو يقرأ أو يسمع لمن أنكر إسلام أبي طالب عليه أن يقف موقف المدقق الّذي ينظر إلى أبعد الأسباب والدّوافع ، لا موقف الجاهل المقلّد الّذي لا يعرف إلّا المظاهر ، ويؤمن بالكلمة المطبوعة ، لا لشيء إلّا لأنّها مطبوعة ، وكفى.

__________________

(١) بفتح الضّاد المعجمة بعدها الحاء المهملة السّاكنة : هو في الأصل مارقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنّار ، ذكره (ابن الأثير في حرف الضّاد) بعد أن ذكر الحديث المذكور. وحديث الضّحضاح ، هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الّتي وضعها الوضّاعون لبني أميّة خاصّة. فقد ورد في صحيح مسلم : ١ / ١٣٤ و ١٣٥ باب شفاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب ، وصحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠١ باب قصّة أبي طالب.

انظر ، ترجمة رواة الحديث في تهذيب التّهذيب : ٧ / ٤١ ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ٣ / ٩٦ و ١٥١.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا. فقد عالج الحديث الموضوع دلالة وسندا.

٢٧٩
٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528