الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71488 / تحميل: 4915
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عبداللّهعليه‌السلام : جعلت فداك ، ما معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريتها على النار؟ فقال : المعتَقون من النار هم ولد بطنها : الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأُمّ كلثوم»(١) .

وعن مهران بن أبي نصر ، عن أخيه رباح ، قال : «قلت لأبي عبداللّهعليه‌السلام : إنّا نروي بالكوفة أنّ علياًعليه‌السلام قال : إنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحرم الرجل من دويرة أهله. فهل قال هذا عليعليه‌السلام ؟

فقال : قد قال ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام لمن كان منزله خلف المواقيت ، ولو كان كما يقولون ، ما كان يمنع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يخرج بثيابه إلى الشجرة»(٢) .

وعن أبي بكر الحضرمي ، قال : «قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : إني خرجت بأهلي ماشياً فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة ، وقد كنت شاكياً ، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون : لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون ، وقد رخّص رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة»(٣) .

٧ ـ بيان مفهوم الحديث وشرح غريبه :

لا يخفى أن من الحديث ما يلفه الابهام ويكتنفه الغموض ، الأمر الذي جعل علماء العربية يوجهون فائق عنايتهم إلى شرحه وبيان معانيه ، ولعل من روادهم النضر بن شميل (ت / ٢٠٣هـ) ، وقطرب (ت / ٢٠٦هـ) ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٠٦ / ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٥.

(٣) الكافى ٤ : ٣٢٤ / ٣.

٤١

وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت / ٢٠٩هـ) ، وأول تصنيف وصلنا في هذا الصدد من أبي عبيد القاسم بن سلام (ت / ٢٢٤هـ) ، وقد أسهم أئمة الهدىعليهم‌السلام في رفد مكتبة غريب الحديث بكثير من الروايات التي تعنى بمعاني الأخبار وشرح غريبها ، سواء من خلال بيان مفهومها العام ، أو من حيث بيان معاني مفرداتها ، وقد أفرده الشيخ الصدوق (ت / ٣٨١هـ) بكتاب سمّاه (معاني الأخبار) ونظرة سريعة إليه تكشف عن مقدار جهودهمعليهم‌السلام في هذا الاتجاه.

ومن ذلك ما رواه عبد المؤمن الأنصاري ، قال : «قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : انّ قوماً يروون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اختلاف أمتي رحمة؟ فقال : صدقوا ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة ، فاجتماعهم عذاب؟!

قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، وإنما أراد قول اللّه عزّوجلّ : «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »(١) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. إنّما أراد اختلافهم من البلدان ، لا اختلافاً في دين اللّه ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد»(٢) .

وعن أبي إسحاق ، قال : «قلت لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : ما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ قال : أخبرهم أنّه الإمام بعده»(٣) .

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.

(٢) علل الشرائع : ٨٥ / ٤.

(٣) معاني الأخبار : ٦٥ / ١.

٤٢

وعن أبان بن تغلب قال : «سألت أبا جعفر محمد بن عليعليه‌السلام عن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال : يا أبا سعيد ، تسأل عن مثل هذا؟! أعلمهم أنّه يقوم فيهم مقامه»(١) .

وعن المفضل بن عمر ، قال : «قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : أخبرني عن قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فاطمةعليها‌السلام : إنّها سيدة نساء العالمين ، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال : ذاك لمريم ، كانت سيدة نساء عالمها ، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(٢) .

وعن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليعليهم‌السلام قال : «سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي مخلّف فيكم الثقلين؛ كتاب اللّه وعترتي. من العترة؟ فقال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه حوضه»(٣) .

وعن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنّ رجلاً قال له : «إنّ من قبلنا يروون أنّ اللّه عزّوجلّ يبغض بيت اللّحم؟ فقال : صدقوا ، وليس حيث ذهبوا ، إنّ اللّه عزّوجلّ يبغض البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس»(٤) .

__________________

(١) معاني الأخبار : ٦٦ / ٢.

(٢) معاني الأخبار : ١٠٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٦ / ٢٥.

(٣) إكمال الدين : ٢٤١ / ٦٤.

(٤) الكافي ٦ : ٣٠٩ / ٦.

٤٣

ومما يعنى ببيان معاني مفردات الحديث ما رواه سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنّه سئل عن قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعوذ بك من شرّ السامة والهامة والعامة واللامة. فقال : السامة : القرابة ، والهامة : هوام الأرض ، واللامة : لمم الشياطين ، والعامة : عامة الناس»(١) .

ونجد أن من الحديث ما يؤدي عند بعض الجامدين على الظواهر إلى انحراف في العقيدة ، إذا لم يصلهم معناه ، ومن ذلك ما رواه عبدالسّلام بن صالح الهروي ، قال : قلت لعليّ بن موسى الرّضاعليه‌السلام : «يابن رسول اللّه ، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : أنّ الموءمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟

فقالعليه‌السلام : يا أبا الصّلت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى فضّل نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع خلقه من النبيّين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومتابعته متابعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، وقال عزّوجلّ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ »(٢) ، وقال : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ »(٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه. ودرجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجنّة أرفع الدرجات ، فمن زاره إلى درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه تبارك وتعالى ـ إلى أن قال : ـ يا أبا الصلّت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى لا

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٧٣ ، بحار الأنوار ٩٥ : ١٤١.

(٢) سورة النِّساء : ٤ / ٨٠.

(٣) سورة الفتح : ٤٨ / ١٠.

٤٤

يُوصف بمكانٍ ، ولا تُدْركه الأبصار والأوهام»(١) .

تدوين الحديث :

لعلّ من أبرز معالم التصحيح في ميدان الحديث الشريف ، هو الانفتاح الواسع على تدوين الحديث حيث لم يُمنع في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام منذ فجر الإسلام حتى آخر عهد صدور الحديث عنهمعليهم‌السلام ، أي في آخر الغيبة الصغرى للإمام المهديعليه‌السلام وذلك (سنة / ٣٢٩هـ) ، وقد دأبواعليهم‌السلام على حثّ أصحابهم كي يباشروا الكتابة ويقيدوا العلم ، ودعوهم إلى الحفاظ على مدوّناتهم الحديثية ، كما تركوا آثاراً في الحديث لا يزال بعضها ماثلاً إلى اليوم ، وفي المقابل تجد أن سلطة الخلافة تدعو إلى حظر تدوين الحديث الشريف منذ رحيل المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زمان عمر بن عبد العزيز ، ومن أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام التي تدعو إلى تقييد العلم وكتابته ، ما رواه الحارث ، عن عليّعليه‌السلام قال : «قيّدوا العلم ، قيّدوا العلم»(٢) .

وعن حبيب بن جري ، قال : قال عليعليه‌السلام : «قيّدوا العلم بالكتاب»(٣) .

وعن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام : «اكتب وبثّ علمك في إخوانك ، فإن مت فأورث كتبك بنيك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم»(٤) .

__________________

(١) التّوحيد : ١١٧ / ٢١ ، الاحتجاج : ٤٠٨.

(٢) تقييد العلم / الخطيب البغدادي : ٨٩.

(٣) تقييد العلم : ٩٠.

(٤) الكافي ١ : ٥٢ / ١١.

٤٥

وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّهعليه‌السلام يقول : «اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا»(١) .

وعن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبداللّهعليه‌السلام : «احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها»(٢) .

وكان بعض الكتب المتداولة عند أهل البيتعليهم‌السلام وبعض الأصحاب بخط أمير المؤمنينعليه‌السلام أو إملائه ، فقد كتب عليعليه‌السلام صحيفة من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحملها في قائم سيفه(٣) ، ولهعليه‌السلام كتاب كبير يعرف بكتاب عليّ ، وهو من إملاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّهعليه‌السلام (٤) ، وقد احتفظ به أهل البيتعليهم‌السلام وتوارثوه ، فقد كان عند الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام (٥) .

وكان لعلي بن أبي رافع كتاب من إملاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في فنون من فقه الوضوء والصلاة وسائر الأبواب(٦) ، وكتب أمير المؤمنينعليه‌السلام صحفا للحارث الأعور المتوفّى (٦٥ هـ) فيها علم كثير(٧) .

وللإمام علي بن الحسين السجادعليهما‌السلام (الصحيفة السجّادية) و (رسالة الحقوق) وأُثر عنهمعليهما‌السلام (مسند الإمام الكاظمعليه‌السلام ) و (مسائل علي بن

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٢ / ٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٢ / ١٠.

(٣) فتح الباري ١ : ١٦٦ ، تدوين السنة / الجلالي : ٥٢.

(٤) تدوين السنة / الجلالي : ٦٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٦٠.

(٦) رجال النجاشي : ٦ / ٢.

(٧) الطبقات الكبرى / ابن سعد ٦ : ١٦٨.

٤٦

جعفر) عن أخيه الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام و (صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ) و (رسالته الذهبية) في الطبّ وغيرها كثير(١) .

وقد انعكس هذا المنهج على عمل أصحابهم ، فراحوا يدوّنون العلم فور إلقائه. روي بالإسناد عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور ، قال : « خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام خطبة بعد صلاة العصر ، فعجب الناس من حسن صفته ، وما ذكره من تعظيم اللّه جلّ جلاله ، قال أبو إسحاق : فقلت للحارث : أو ما حفظتها؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه : الحمد للّه الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه »(٢) .

وعلى هذا السياق دوّن بعض أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام كتباً وصحفاً ونسخاً من حديثه وخطبه ومواعظه ، وقد كان لحجر بن عدي الكندي الشهيد سنة (٥١ هـ) صحيفة فيها حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

وكان زيد بن وهب الجهني المتوفّى (٩٦ هـ) قد جمع خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها في كتاب(٤) . ولعبيداللّه بن الحرّ الجعفي المتوفّى (٦٨ هـ) نسخة يرويها عنهعليه‌السلام (٥) ، وغير هؤلاء كثير.

__________________

(١) راجع : تدوين السنّة / الجلالي : ١٣٥ ـ ١٨٦.

(٢) الكافي ١ : ١٤١ / ٧ ، التوحيد : ٣١ / ١.

(٣) الطبقات الكبرى ٦ : ٢٢٠.

(٤) الفهرست / الطوسي : ٧٢ / ٢٩١.

(٥) رجال النجاشي : ٩ / ٦.

٤٧

وصنّف أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام في الأحاديث المروية من طرقهمعليهم‌السلام والمستمدّة من مدينة العلم النبوي ما يزيد على ستة آلاف وستمائة بين أصل أو كتاب أو نسخة(١) ، وامتاز من بين تلك الكتب أربعمائة كتاب ، عرفت عند الشيعة بالاُصول الأربعمائة(٢) ، وقد استقرّ الأمر على اعتبارها والتعويل عليها والاحتفاظ بها حتى بقي بعضها إلى يومنا هذا.

ومن هنا كان لهمعليهم‌السلام الدور الأكبر في الحفاظ على السنة النبوية المشرّفة من أن تمسّها يد النسيان والضياع ، أو تطالها يد التحريف والتغيير.

تصحيح كتب الحديث وأصوله :

وهذا من المعالم الأساسية في تصحيح الحديث ، حيث وقف الأئمّةعليهم‌السلام على أُصول أصحابهم التي قدّمنا ذكرها مباشرة فقرأوها ونظروا فيها أو قرئت عليهم ، وقالوا فيها كلمتهم ، مثل كتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عُرض على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكتاب يونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكريعليه‌السلام وغيرها ، وفيما يلي نسجل بعض الأمثلة على جهودهمعليهم‌السلام في هذا المضمار.

عن أبي الصباح قال : «سمعت كلاماً يروى عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن

__________________

(١) راجع : وسائل الشيعة ٣٠ : ١٦٥ ، أعيان الشيعة ١ : ١٤٠.

(٢) راجع : دائرة المعارف الإسلامية ٥ : ٣٢ ، أعيان الشيعة ١ : ١٤٠ ، الذريعة ٢ : ١٢٥ ـ ١٦٧.

٤٨

عليعليه‌السلام ، وعن ابن مسعود ، فعرضته على أبي عبد اللّهعليه‌السلام فقال : هذا قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرفه ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الشقيّ من شقي في بطن أُمّه» ، وذكر الحديث بطوله(١) .

وعن محمد بن فلان الواقفي قال : «كان لي ابن عمّ يقال له الحسين ابن عبد اللّه ، وكان زاهداً ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : اذهب فتفقّه واطلب الحديث ، قال : عمّن؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ قال : فذهب فكتب ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله»(٢) .

.عن أبي السري سهل بن يعقوب بن إسحاق ، عن الإمام الهاديعليه‌السلام ، «قال : قلت له ذات يوم : يا سيدي ، قد وقع لي اختيار الأيام عن سيدنا الصادقعليه‌السلام مما حدثني به الحسن بن عبد اللّه بن مطهر ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيدنا الصادقعليه‌السلام في كل شهر فأعرضه عليك؟ فقال لي : افعل. فلما عرضته عليه وصححته ، قلت له : يا سيدي ، في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد ، لما ذكر فيها من النحس والمخاوف ، فتدلّني على الاحتراز من المخاوف فيها ، فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟» إلى آخر الحديث(٣) .

وعن أبي عمرو المتطبب قال : «عرضت هذه الرواية على أبي عبد اللّهعليه‌السلام فقال : نعم هي حقّ ، وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمر عمّاله

__________________

(١) الكافي ٨ : ٨١ / ٣٩ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٨٤ / ٢٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ ، الارشاد ٢ : ٢٢٣.

(٣) الأمالي / الطوسي : ٢٧٦ / ٥٢٩.

٤٩

بذلك»(١) .

وعن الحسن بن الجهم قال : «عرضته على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال لي : ارووه ، فانّه صحيح»(٢) .

وعن ابن فضال ، ومحمد بن عيسى ، عن يونس ، جميعاً عن الرضاعليه‌السلام قالا : «عرضنا عليه الكتاب فقال : هو حقّ ، وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمر عماله بذلك ، قال : أفتىعليه‌السلام في كلّ عظمٍ له مخّ فريضة مسمّاة ، إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ، فجعل فريضة الدية ستة أجزاء» ، إلى آخر الحديث(٣) .

وعن أحمد بن أبي خلف قال : «كنت مريضاً ، فدخل عليّ أبو جعفرعليه‌السلام يعودني عند مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوله إلى آخره وجعل يقول : رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس»(٤) .

وعن داود بن القاسم الجعفري قال : «أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام ، فنظر فيه وتصفّحه كلّه ، ثمّ قال : هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحقّ كلّه»(٥) .

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٤ / ١٩٤.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٤ / ٩.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٩٥ / ١١٤٨.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٤٨٤ / ٩١٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٤.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٤٨٤ / ٩١٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٥.

٥٠

وعنه ، قال : «عرضت على أبي محمد العسكريعليه‌السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي : تصنيف من هذا؟ قلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : أعطاه اللّه بكلّ حرفٍ نوراً يوم القيامة»(١) .

وفي حديث آخر عن بورق البوشجاني ، قال : «خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة ، فدخلت على أبي محمدعليه‌السلام وأريته ذلك الكتاب ، وقلت له : إن رأيت أن تنظر فيه؟ فلمّا نظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة ، قال : هذا صحيح ، ينبغي أن تعمل به»(٢) . وفي هذا الكلام ما لا يخفى من الحثّ على سلامة التصنيف في الحديث.

وذكر النجاشي أنّ كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي عُرِض على الصادقعليه‌السلام فصححه واستحسنه(٣) .

وقال الشيخ في الفهرست : «عبيداللّه بن علي الحلبي. له كتاب مصنف معوّل عليه ، وقيل : إنّه عُرِض على الصادقعليه‌السلام ، فلما رآه استحسنه وقال : ليس لهؤلاء ـ يعني المخالفين ـ مثله»(٤) .

وقال الشيخ الطوسي في ترجمة عبيد بن محمد البجلي : « عبيد بن محمد بن قيس البجلي. له كتاب ، يرويه عن أبيه وقال أبوه : عرضنا هذا

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٤٧ / ١٢٠٨ ، رجال ابن داود : ٢٠٧ / ١٧٤٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٢ / ٨٠.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٥٣٨ / ١٠٢٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٦.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٢ / ٨١ ، رجال النجاشي : ٢٣١ / ٦١٢.

(٤) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٥ ، رجال ابن داود : ١٢٥.

٥١

الكتاب على أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فقال : هذا قول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنّه كان يقول إذا صلّى قال في أول الصلاة وذكر الكتاب»(١) .

وذكر الكشي أن الفضل بن شاذان عرض كتابه على الإمام العسكريعليه‌السلام ، فتناوله منه ونظر فيه ، فترحّم عليه وقال : «أغبط أهل خراسان لمكان الفضل بن شاذان ، وكونه بين أظهرهم»(٢) .

وقال النجاشي في ترجمة عبد اللّه بن أبجر : « شيخ من أصحابنا ، ثقة ، وبنو أبجر بيت بالكوفة أطباء ، وأخوه عبد الملك بن سعيد ثقة ، عمّر إلى سنة أربعين ومائتين. له كتاب الديات ، رواه عن آبائه ، وعرضه على الرضاعليه‌السلام ، والكتاب يعرف بين أصحابنا بكتاب عبد اللّه بن أبجر»(٣) .

* * *

__________________

(١) الفهرست : ١٠٨ / ٤٥٩.

(٢) رجال ابن داود : ١٥١ / ١٢٠٠ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠١ / ٣٣٣٢٢.

(٣) رجال النجاشي : ٢١٧ / ٥٦٥.

٥٢

الفصل الثاني

معالم التصحيح في العقائد

أولى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام مسألة التصحيح العقائدي أهمية فائقة؛ لأنّ العقيدة أساس الدين في كلّ تشريع ، وهي المقصود الأول من مقاصد الإصلاح الديني ، فسعوا إلى تخليص أصول الاعتقاد من الاتجاهات المدمّرة للفكر والعقيدة ، وتبنّوا إصلاح ما ضلّ من العقائد والمفاهيم والأفكار ، وما فسد من الأعمال ، وكشفوا عن جنايات المحرّفين والمبدّلين ، وسعوا إلى إعادة التوحيد إلى اُصوله الخالصة من تضليل المجبرة والمرجئة والمعطلة وغيرها من الفرق التي نشأ أغلبها في أحشاء السياسة ، وأرشدوا الضالين إلى ينابيعه الصافية ، وردّوا العقول الضالة إلى رشدها ، فلم يدعوا حجة لمحتجّ ، ولا معذرة لمعتذر. وفي كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق ، وكتاب التوحيد من (اصول الكافي) المزيد من الأمثلة حول الاصلاح العقائدي الذي مارسه أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقبل الوقوف في أهم محطات التصحيح في الاتجاه العقائدي ، لابدّ أولاً من الاشارة إلى دورهمعليهم‌السلام في تربية أصحابهم عقائدياً ضمن اتجاهين :

٥٣

الأول : مباحثة أصحابهم في المسائل الكلامية وتصحيحها :

كان هشام بن الحكم واحداً من الذين سألوا الإمام الصادقعليه‌السلام عن مئات المسائل الكلامية ، وقد تعرض الإمامعليه‌السلام خلال أجوبته للوضع الفكري السائد آنذاك بالتقويم والتصحيح ، قال هشام بن الحكم : «سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام بمنى عن خمس مئة حرف من الكلام ، فأقبلت أقول : يقولون كذا وكذا ، قال : فيقول : قل كذا وكذا ، قلت : جعلت فداك ، هذا الحلال وهذا الحرام ، أعلم أنك صاحبه ، وأنك أعلم الناس به ، وهذا هو الكلام. فقال لي : ويك يا هشام! لا يحتجّ اللّه تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه»(١) .

الثاني : استعراض عقائد أصحابهم وتصحيحها :

لدينا هنا نموذجان جديران بالأهمية ، لما فيهما من استعراض لأصول الاعتقاد والفرائض الواجبة في الإسلام ، تولى التصحيح في أحدهما الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفي الآخر الإمام الهاديعليه‌السلام .

١ ـ عن عمرو بن حريث قال : «دخلت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد اللّه بن محمد فقلت له : جعلت فداك ، ألا أقصّ عليك ديني؟ فقال : بلى ، قلت : أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن اللّه يبعث من في القبور ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٥.

٥٤

وحج البيت ، والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والولاية للحسن والحسين ، والولاية لعلي بن الحسين ، والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده (صلوات اللّه عليهم أجمعين) وأنكم أئمتي ، عليه أحيا ، وعليه أموت ، وأدين اللّه به.

فقال : يا عمرو ، هذا واللّه دين اللّه ، ودين آبائي الذي أدين اللّه به في السرّ والعلانية ، فاتق اللّه وكفّ لسانك إلاّ من خير ، ولا تقل إني هديت نفسي ، بل اللّه هداك ، فأدِّ شكر ما أنعم اللّه عزّ وجلّ به عليك ، ولا تكن ممن إذا أقبل طعن في عينه ، وإذا أدبر طعن في قفاه »(١) .

٢ ـ وعن عبد العظيم الحسني ، قال : «دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالبعليهم‌السلام ، فلما بصر بي قال لي : مرحباً بك يا أبا القاسم ، أنت ولينا حقاً. قال : فقلت له : يا ابن رسول اللّه ، إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى اللّه عزّوجلّ؟ فقال : هات يا أبا القاسم.

فقلت : إني أقول إن اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين؛ حد الإبطال ، وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه ، وجاعله ومحدثه ، وأن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٣ / ١٤.

٥٥

محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله خاتم النبيين ، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة ، وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير الموءمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي.

فقالعليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

قال : فقلت : أقررت ، وأقول : إن وليهم ولي اللّه ، وعدوهم عدو اللّه ، وطاعتهم طاعة اللّه ، ومعصيتهم معصية اللّه ، وأقول : إن المعراج حق ، والمساءلة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن اللّه يبعث من في القبور ، وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم ، هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(١) .

موارد من التصحيح العقائدي :

١ ـ صفات الذات :

في خضمّ الجدل الدائر في صفات الذات الإلهية ، حرص أهل

__________________

(١) اكمال الدين : ٣٧٩ / ١ ، التوحيد : ٨١ / ٣٧.

٥٦

البيتعليهم‌السلام على تأكيد حقيقة أن الخالق لا يمكن أن يوصف بغير ما وصف به نفسه ، وأن البشر لا يتمكن من معرفة صفات الذات إلاّ من خلاله سبحانه ، فهو الذي أحاط بذاته ولم يحط بذاته أحد سواه ، وإذا حاول أحد ذلك فقد يصفه من خلال ما يتوهمه فيقول ما لا يرضي اللّه ، الأمر الذي يعني إبطال كل المقولات التي كانت تموج بها الساحة الإسلامية من المشبهة والمجسمة والمعطلة وغيرهم.

عن محمد بن حكيم ، قال : «كتب أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى أبي : إن اللّه أعلى وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك»(١) .

وعن الفتح بن يزيد الجرجاني ، قال : « ضمني وأبا الحسن الهاديعليه‌السلام الطريق حين منصرفى من مكة إلى خراسان ، وهو صائر إلى العراق ، فسمعته وهو يقول : إن الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الاحاطة به ، جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيّف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، هو الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، فجل جلاله »(٢) .

__________________

(١) الكافي ١ : ١٠٢ / ٦.

(٢) كشف الغمة ٣ : ١٧٩.

٥٧

كيف وصف أهل البيتعليهم‌السلام الذات الإلهية؟

على ضوء ما تقدم مارس آل البيتعليهم‌السلام التصحيح في هذا الاطار بكلمات منتزعة من ألفاظ الكتاب الكريم وسنة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، محذرين من رواسب الشرك ومقولات أهل البدع والأوهام الباطلة المستندة إلى تقديرات العقول.

فمن كلام لأمير المؤمنينعليه‌السلام وقد سأله ذعلب اليماني : «هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام : أفأعبد ما لا أرى؟ فقال : وكيف تراه؟ فقال : لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان. قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلّم لا بروّية ، مريد لا بهمّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته»(١) .

وعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «قلت : جعلت فداك ، يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع؟ قال : فقال : كذبوا وألحدوا ، وشبّهوا ، تعالى اللّه عن ذلك ، إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع.

قال : قلت : يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه. قال : فقال : تعالى اللّه ، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه كذلك»(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة : ٢٥٨ ـ الخطبة ١٧٩.

(٢) الكافي ١ : ١٠٨ / ١.

٥٨

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام وقد قال رجل عنده : اللّه أكبر ، فقال : اللّه أكبر من أيّ شيء؟ فقال : من كلّ شيء. فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : حدّدته. فقال الرجل : كيف أقول؟ قال : قل : اللّه أكبر من أن يُوصَف»(١) .

وهنا يمارس الإمامعليه‌السلام عملية تصحيح للمقولة ، وما أكثر الناس الذين يقولون : اللّه أكبر من كل شيء! فيجعلون للّه تعالى حدّاً من حيث لا يشعرون ، من هنا جاء في الحديث الشريف : «الشرك أخفى من دبيب النمل».

وعن أبي الصلت الهروي ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : يابن رسول اللّه ، إن قوماً يقولون : لم يزل عالماً بعلم ، وقادراً بقدرة ، وحياً بحياة ، وقديماً بقدم ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر؟ فقالعليه‌السلام : من قال ذلك ودان به ، فقد اتخذ مع اللّه آلهة اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء. ثم قالعليه‌السلام : لم يزل اللّه عزّوجلّ عليماً ، قادراً ، حياً ، قديماً ، سميعاً ، بصيراً لذاته ، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علواً كبيراً»(٢) .

٢ ـ تنزيه الذات عن مقولات المشبهة والمعطلة :

يختلف الرأي في صفات الذات بين المتكلمين ، فمنهم من يثبت الصفات البشرية على الذات الإلهية ، كامتلاك الجارحة ، والنزول والانتقال من مكان إلى مكان ، والجلوس على العرش ، وهؤلاء هم المشبهة ، ومنهم من يذهب إلى تعطيل العقول عن المعرفة ، وهم المعطّلة ، وإزاء ذلك دعا

__________________

(١) الكافي ١ : ١١٧ / ٨.

(٢) التوحيد : ١٣٩ / ٣ ، عيون أخبار الرضا ١ : ١١٩ / ١٠ ، الاحتجاج : ٤١٠.

٥٩

أهل البيتعليهم‌السلام إلى التحدث بلغة القرآن ، وأخذ العناوين الكبرى في العقيدة منه لا من غيره ، فنفوا التشبيه والتعطيل جميعاً ، وأكدوا أن اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين ؛ حد الابطال ، وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم لأنّه خالق الأجسام ، ولا صورة لأنّه خالق الصور ومبدعها ، ولا عرض ولا جوهر ، لأنه خالق الأعراض والجواهر ، وهو رب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه. وفيما يلي نستعرض بعض الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، وهي تؤكد هذه المضامين ، وتشير إلى تصدي أهل البيتعليهم‌السلام إلى أمثال هذه المقولات الباطلة :

عن أبي حمزة الثمالي قال : «رأيت علي بن الحسينعليهما‌السلام قاعداً واضعاً احدى رجليه على فخذه فقلت : إنّ الناس يكرهون هذه الجلسة ، ويقولون : إنها جلسة الرب؟! فقال : إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة ، والربّ لا يملّ ، ولا تأخذه سنة ولا نوم»(١) .

وعن عبدالرّحيم القصير ، قال : «كتبتُ على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبداللّهعليه‌السلام بمسائل فيها : أخبرني عن اللّه عزّوجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ، فإن رأيت ـ جعلني اللّه فداك ـ أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟ فكتبعليه‌السلام بيدي عبدالملك بن أعين : سألت ـ رحمك اللّه ـ عن التوحيد ، وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى اللّه الذي ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، تعالى اللّه عمّا يصفه الواصفون

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٦١ / ٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

__________________

ـ الكبير للطّبراني حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : ١٢٢ ح ٤٥ و ٤٨ و ٩٥ ، كفاية الطّالب : ٢٧٩ ، أعلام النّبوّة للماوردي : ٨٣ باب ١٢ ، نظم درر السّمطين : ٢١٥ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٦ / ٢٣٠ ، و : ٨ / ١٩٩ ، الرّوض النّضير : ١ / ٨٩ و ٩٢ و ٩٣ ، و : ٣ / ٢٤ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٩٨ ، اسد الغابة : ١ / ٢٠٨ ، حلية الأولياء : ٣ / ١٣٥ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٥٤ الطّبعة الأولى.

واستشهد من المهاجرين يوم أحد مع حمزة أسد الله وأسد رسوله : عبد الله بن جحش ، ومصعب بن عمير ، وشماس بن عثمان بن الشّريد ، واستشهد من الأنصار واحد وستون رجلا. (انظر ، المعارف لابن قتيبة : ١٦٠).

وروى ابن مسعود : أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على حمزة وبكى وقال كما أسلفنا سابقا : يا حمزة يا عمّي ، يا حمزة يا أسد الله وأسد رسوطه ، يا حمزة يا فاعل الخيرات ، يا حمزة يا كاشف الكربات ، يا حمزة يا ذابّ عن وجه رسول الله قال : وطال بكاؤه ، قال : ودعا برجل رجل حتّى صلّى على سبعين رجلا سبعين صلاة وحمزة موضوع بين يديه. ذكر ذلك صاحب ذخائر العقبى : ١٨١.

أمّا الرّواية الّتي نقلها صاحب الينابيع عن عبد الله بن مسعود فقد جاء فيها : لمّا قتل حمزة وقتل إلى جنبه رجل من الأنصار يقال له سهيل ، قال : فجيء بحمزة وقد مثّل به. فجاءت صفيّة بنت عبد المطّلب بثوبين لكفنه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : دونك المرأة فردّها ، فأتاها الزّبير بن العوّام ـ كما ذكرنا سابقا ـ فدفعت الثّوبين وانصرفت. فأقرع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينه ـ حمزة ـ وبين سهيل فأصاب سهيلا أكبر الثّوبين ـ إلى أن قال : ـ فدعا برجل رجل حتّى صلّى عليه سبعين صلاة وحمزة على حالته. فقد أخرجها أحمد ، والبغوي ، وصاحب الصّفوة ، والمحاملي ، وابن شاذان.

أمّا مقتل مصعب بن عمير : فإنّه لمّا علمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ لواء المشركين مع طلحة من بني عبد الدّار أخذ اللّواء من عليّعليه‌السلام ودفعه إلى مصعب بن عمير لأنّه أيضا من بني عبد الدّار وقال : نحن أحقّ بالوفاء منهم.

ورد ذلك في الكامل في التّأريخ : ٢ / ١٥٠. وقال الطّبريّ : ٢ / ٢١٩٩ ، وابن الأثير أيضا : ٢ / ١٥٥ ، قاتل مصعب بن عمير دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه لواؤه حتّى قتل ، وكان الّذي أصابه وقتله ابن قميئة اللّيثي وهو يظنّ أنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمّدا ، فجعل النّاس يقولون قتل محمّد ، قتل محمّد ، فلمّا قتل مصعب بن عمير أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللّواء عليّ بن أبي طالب.

وتفرّق أكثر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقصده المشركون وجعلوا يحملون عليه يريدون قتله ، وثبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي عن قوسه حتّى تكسّرت وقاتل قتالا شديدا ورمى بالنّبل حتّى فني نبله ـ

٣٤١

__________________

ـ وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره. (انظر الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٢ / ١٥٤).

وهنا انخلعت القلوب وأوغلوا في الهروب كما قال تعالى :( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ ) آل عمران : ١٥٣ والرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوهم فيقول : إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله ، أنا رسول الله من كرّ فله الجنّة. ولذا قال ابن جرير : ٢ / ٢٠٣ وابن الأثير في الكامل : ٢ / ١١٠ : وانتهت الهزيمة بجماعة المسلمين وفيهم عثمان بن عفّان وغيره إلى الأعوص فأقاموا بها ثلاثا ، ثمّ أتو النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم حين رآهم : لقد ذهبتم فيها عريضة. ذكر هذا الحديث تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٢٠٣ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ١١٠ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٢٧ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٨ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٣ / ٥٥ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢١ ، الدّر المنثور : ٢ / ٨٩ ، تفسير الفخر الرّازي : ٩ / ٥٠ للآية المذكورة.

ولسنا بصدد بيان من فرّ ورجع ، وماذا قال وقيل له ، كأنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك حين قال لبعض المهاجرين حين ألقوا ما بأيديهم : ما يحبسكم قالوا : قتل النّبيّ ، قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ موتوا على ما مات عليه النّبيّ. ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل رضى الله عنه فوجد به سبعون ضربة وطعنه وما عرفته إلّا أخته من حسن بنانه : وقيل : لقد سمع أنس بن النّضر جماعة يقولون لمّا سمعوا أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قتل : ليت لنا من يأتي عبد الله بن أبي بن سلول ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان قبل أن يقتلونا ، فقال لهم أنس : يا قوم إن كان محمّد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد ، أللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلآء وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلآء. ثمّ قاتل حتّى استشهد رضى الله عنه. علما بأنّ ابن جرير الطّبريّ ، وابن الأثير الجزري ، وابن هشام في السّيرة الحلبية وغيرهم قد ذكروا أسماء الّذين فرّوا يوم أحد ، ونحن نحيل القارئ الكريم على المصادر التّالية المتيسره لدينا على سبيل المثال لا الحصر : الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٢ / ١٠٨ و ١٤٨ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٢٧ ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٢٠٣ ، الدّر المنثور : ٢ / ٨٠ و ٨٨ و ٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٠ و ٢٢ و ٢٤ و ٢٥ ، و : ١٣ / ٢٩٣ ، و : ١٤ / ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٤ / ٢٨ و ٢٩ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٣ / ٥٥ و ٥٨ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٤ / ٨٥ ، لباب الآداب : ١٧٩ ، حياة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لهيكل : ٢٦٥. انظر ، تفسير الرّازي : ٩ / ٥٠ و ٦٧ ، كنز العمّال : ٢ / ٢٤٢ ، و : ١٠ / ٢٦٨ و ٢٦٩ ، حياة الصّحابة : ١ / ٢٧٢ ، و : ٣ / ٤٩٧ ، المغازي للواقدي : ٢ / ٦٠٩ و ٩٩٠ ، منحة المعبود في تهذيب مسند الطّيّالسي : ٢ / ٩٩ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٥٥ ، و : ٢ / ٤٦ و ٤٧ الطّبعة الأولى ، تأريخ الخميس : ١ / ٤١٣.

٣٤٢

الخروج بالنّساء :

قد يقول قائل : ما دام الحسين يعلم بأنّه مقتول لا محالة ، كما صرّح بذلك لأخيه محمّد بن الحنفيّة وحين علم بمقتل ابن عمّه مسلم ، وفي مناسبات شتى ، فلماذا صحب معه النّساء والأطفال ، حتّى جرى عليها ما جرى؟

الجواب :

أجل : أنّ الحسين والأصحاب والتّابعين كانوا يعلمون بمقتل الحسين قبل وقوعه ، فقد اشتهر وتواتر من طريق السّنّة والشّيعة أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بذلك أكثر من مرّة قال صاحب «العقد الفريد» :

«قالت أمّ سلمة : «كان جبرائيلعليه‌السلام عند النّبيّ والحسين معي فغفلت عنه فذهب إلى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعله على فخذه

فقال له جبرائيل أتحبّه يا محمّد؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم

فقال : إنّ أمّتك ستقتله ، وإن شئت أريتك تربة الأرض الّتي يقتل بها ، ثمّ فبسط جناحه إلى الأرض وأراه أرضا يقال لها كربلاء. تربة حمراء بطفّ العراق ، فبكى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

__________________

(١) انظر ، العقد الفريد : ٥ / ١٢٤ طبعة (١٩٥٣ م). (منهقدس‌سره ).

انظر ، مسند أحمد : ٣ / ٢٤٢ ، و : ٦ / ٢٩٤ ، ذخائر العقبى : ١٤٦ ، كنز العمّال : ٧ / ١٠٦ و ١٠٥ و ١١٠ ، و : ٦ / ٢٢٢ و ٢٢٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٧ ـ ١٨٩ ، الصّواعق المحرقة : ١١٥ و ١٩٢ ح ٢٨. المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٧٦ و ٢١٧٩ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٠٤ ، الإصابة : ١ / ٦٨ و : ٨ / ٢٦٧ ، و : ٥ / ٢٣١ ، اسد الغابة : ٣ / ٣٤٢ ، و : ٢ / ١٠ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٩٩ ، صحيح ابن ماجه ـ

٣٤٣

وقال صاحب ذخائر العقبى :

«قال رسول الله : «أنّ ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض من العراق فمن أدركه منكم فلينصره»(١) .

ثمّ قال صاحب الذّخائر : وهذا الحديث خرّجه البغوي في معجمه ، وأبو حاتم في صحيحه ، وأحمد في مسنده(٢) .

وبهذا يتبيّن معنى أنّ الّذين نهوا الحسين عن الخروج من الأصحاب والتّابعين ، وأعلموه بأنّه مقتول قد اعتمدوا على أحاديث النّبيّ ، وتجاهلوا قوله «فمن أدركه منكم فلينصره» إيثارا للعاجلة على الآجلة حين سمع ابن عمر بخروج الحسين أسرع خلفه حتّى أدركه في بعض المنازل ، فقال له : «إلى أين يا رسول الله؟.

__________________

ـ ٢٨٩ ، تأريخ دمشق : ١٣ / ٦٢ ح ٦٣١ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ١٧٩ و ١٨٧ ، الصّواعق المحرقة : ١٩٢ ح ٢٨ و ٢٩ ، المناقب لأحمد : ٢ / ٧٧٠ ح ١٣٥٧ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي : ٣ / ٧ و ٨ طبعة اسوة ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٥٩ ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١٣٣ ، تأريخ ابن كثير : ٦ / ٢٣٠ ، ٨ / ١٩٩ ، أمالي الشّجري : ١٨٨ ، الرّوض النّضير : ١ / ٨٩ ، كنز العمّال : ٦ / ٢٢٣ ، الخصائص الكبرى : ٢ / ١٢٥.

(١) انظر ، ذخائر العقبى : ١٤٦ طبعة (١٣٥٦ ه‍). (منهقدس‌سره ). اسد الغابة : ١ / ١٤٦ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٩ ، وأنس ـ راوي الحديث ـ هو أنس بن الحارث.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٤٤٠ ح ٨٢٠٢ ، مسند أحمد : ٦ / ٢٩٤ ، الإصابة : ١ / ١٢١ رقم «٢٦٦» ، الآحاد والمثاني : ١ / ٣١٠ ح ٤٢٩ ، المعجم الكبير : ٣ / ١٠٩ ح ٢٨٢١ و : ٢٣ / ٣٠٨ ح ٦٩٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ٢٨٩ ، الثّقات لابن حبّان : ٤ / ٤٩ ، تأريخ دمشق : ١٤ / ٢٢٤ ، معرفة الثّقات للعجلي : ١ / ١٧ ، الرّوض النّضير : ١ / ٩٣ ، تهذيب الكمال : ٦ / ٤١٠ ، تأريخ ابن الوردي : ١ / ١٧٣ ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ٧٥ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٨ ، تهذيب ابن عساكر : ٤ / ٣٣٨ ، أسد الغابة : ١ / ١٣٢ ، الجرح والتّعديل للرّازي : ١ / ٢٨٧ ، تأريخ البخاري الكبير : ١ / ٣٠ رقم «١٥٨٣».

٣٤٤

قال : إلى العراق.

قال : اكشف لي عن الموضوع الّذي كان رسول الله يقبّله منك. فكشف له عن سرّته ، فقبّلها ابن عمر ثلاثا ، وبكى ، وقال : استودعك الله يا ابن رسول الله ، فإنّك مقتول في وجهك هذا(١) .

وإذا كان الحسين مقتولا لا محالة فليكن ثمن قتله واستشهاده ذهاب دولة الباطل من الوجود ، وخلاص المسلمين منها ومن الجور والبغي ولا طريق للخلاص إلّا بإنفجار الثّورة على الأمويّين وسلطانهم وكان ذبح الأطفال وسبي النّساء ، والتّطواف بهنّ من بلد إلى بلد من أجدى الوسائل لإنفجار الثّورة الّتي هزّت دولة البغي من الأركان.

لقد صحب الحسين النّساء معه عن قصد وتصميم ليطوف بهنّ الأمويون في البلدان ، ويراهن كلّ إنسان ، ويقلن بلسان الحال والمقال : «أيّها المسلمون ، انظروا ما فعلت اميّة الّتي تدّعي الإسلام بآل نبيّكم وكان النّاس يستقبلون جيش يزيد الّذي يطوف بالسّبايا ، يستقبلونه بالمظاهرات ، والرّشق بالأحجار ، والهتافات المعادية للأمويّين وحزبهم ، ويصرخون : في وجوههم يا فجرة يا قتلة أولاد الأنبياء

لقد رأى المسلمون في السّبايا من الفجيعة أكثر ممّا رأوا من قتل الحسين ، ولولاهنّ لم يتحقّق الهدف من قتل الحسين ، وهو إنهيار دولة الظّلم والطّغيان ولنفترض أنّ السّيّدة زينب بقيت في المدينة ، وقتل أخوها الحسين في كربلاء ، فماذا تصنع؟ وأي شيء تستطيع القيام به غير البكاء وإقامة العزاء؟

__________________

(١) انظر ، أمالي الشّيخ الصّدوق : ٢١٧ ، العوالم : ١٧ / ١٦٣ ، لواعج الأشجان : ٧٤.

٣٤٥

وممّا قلته في كتاب المجالس الحسينيّة :

«هل ترضى لنفسها ، أو يرضى لها مسلم أن تركب جملا مكشوفة الوجه تنتقل من بلد إلى بلد تؤلّب النّاس على يزيد ، وابن زياد؟! وهل كان يتسنى لها الدّخول على ابن زياد في قصر الإمارة ، وتقول له في حشد من النّاس : «الحمد لله الّذي أكرمنا بنّبيه محمّد ، وطهرنا من الرّجس تطهيرا ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذّب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله»(١) ؟! وهل كان بإمكانها أن تدخل على يزيد في مجلسه وسلطانه ، وتلقي تلك الخطب الّتي أعلنت بها فسقه ، وفجوره ، ولعن آبائه ، وأجداده على رؤوس الأشهاد؟!.

أنّ السّيّدة زينب لا تخرج من بيتها مختارة ، ولا يرضى المسلمون لها بالخروج مهما كان السّبب ، حتّى ولو قطّع النّاس يزيد بأسنانهم ، ولكن الأمويّين هم الّذين أخرجوها ، وهم الّذين ساروا بها ، وهم الّذين أدخلوها في مجالسهم ، ومهدوا لها طريق سبّهم ولعنهم ، والدّعاية ضدّهم وضدّ سلطانهم.

ومرّة ثانية نقول : هذه هي المصلحة في خروج الحسين بنسائه وأطفاله إلى كربلاء ، وما كان لأحد أن يدركها في بدء الأمر إلّا الحسين وأخته زينب ، عهد إلى الحسين من أبيه عليّ عن جدّه محمّد عن جبريل عن ربّ العالمين. سرّ لا يعلمه إلّا الله ، ومن ارتضاه لعلمه ورسالته.

وكلّ ما فعله الأمويون في كربلاء عاد عليهم بالوبال والخسران قال الألماني ماريين: «بعد وقعة كربلاء انكشفت سرائر الأمويّين ، وظهرت قبائح أعمالهم ، وانتشر الخلاف على يزيد وبني أميّة. وما كان يجرؤ إنسان قبل كربلاء

__________________

(١) انظر ، الإرشاد : ٢ / ١١٥ ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ١ / ٤٧١ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٣ / ٨٧.

٣٤٦

أن يجهر بتقدّيس عليّ والحسين ، وبعدها لم يكن للنّاس من حديث إلّا في فضل العلويّين ومحنهم ، حتّى في مجلس يزيد كان يذكر الحسين وأباه بالتّقدير والتّعظيم»(١) .

__________________

(١) انظر ، تأريخ الدّولة العربيّة وسقوطها لهاوزن : ١٢٩ طبعة ١٩٥٨ م. (منهقدس‌سره ).

٣٤٧
٣٤٨

في الكوفة والشّام

قيل للحسين : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟.

قال : «أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبنآءنا ويستحيون نسآءنا ، وأصبح خير البرية بعد محمّد يلعن على المنابر ، وأصبح عدوّنا يعطي المال والشّرف ، وأصبح من يحبّنا محتقرا منتقصا حقّه وكذلك لم يزل المؤمنون ، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها ، لأنّ محمّدا منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها ، لأنّ محمّدا منها وأصبحنا أهل البيت لا يعرف لنا حقّ ، فهكذا أصبحنا»(١) .

وإذا كان غير العرب لم ينافسوا العرب في الحكم والسّلطان ، لأنّهم أقرب إلى محمّد ، والعرب لم ينافسوا قريشا للسّبب ذاته ، فالنّتيجة الحتميّة لهذا المنطق أن تنافس قريش أهل البيت في حقّهم بالخلافة ، وأن تسمع لهم ، وتطيع وهذي هي عقيدة التّشيّع لأهل البيت ، ولا شيء سواها ، وهي ـ كما ترى ـ نتيجة طبيعيّة لمنطق الّذي أنكروا هذا الحقّ ، ومدلول قهري لدليلهم الّذي اعتمدوا عليه بالذات ، ومن هنا فرض نفسه على جاحدية ، وظهر على فلتات ألسنتهم من

__________________

(١) انظر ، تأريخ دمشق : ٤١ / ٣٦٩ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢٢٠ ، تهذيب الكمال : ٢٠ / ٤٠٠ ، المنتخب من ذيل المذيل للطّبري : ١٢٠. ونسب بعضهم هذا القول إلى الإمام السّجّادعليه‌السلام .

٣٤٩

حيث لا يشعرون.

قال الرّاغب الإصفهاني :

«كان عمر يسير مع ابن عبّاس ، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب

فقال : أما والله يا بني عبد المطّلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ، ومن أبي بكر

فقال ابن عبّاس : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ، وأنت وصاحبك وثبتما ، وافترعتما الأمر منّا دون النّاس؟!

فقال عمر : إنّا والله ما فعلنا الّذي فعلنا عن عداوة ، ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها

قال ابن عبّاس : فأردت أن أقول : كان رسول الله يبعثه ، فينطح كبشها ، فلم يستصغره ، افتستصغره أنت وصاحبك؟

فقال عمر : لا جرم : فكيف ترى؟ والله ما نقطع أمرا دونه ، ولا نعمل شيئا ، حتّى نستأذنه»(١) .

وطبيعي أن يعتذر عمر بجميع الأعذار ، وأن يتشبث ولو بالطّحلب بعد أن اعترف صراحة أنّ عليّا أولى منه ومن صاحبه بالخلافة ولو وقف الأمر عند خلافة الشّيخين لهان الخطب ولكن هذه الخلافة جرّت الويلات على الإسلام والمسلمين إلى يوم يبعثون ، بخاصّة ما حدث على أهل البيت ، فلولاها لم يكونوا في قومهم كبني إسرائيل في آل فرعون ، ولا كان يوم عثمان ، ولا الجمل ، وصفّين ، والنّهروان ، ووقعة الحرّه ، وما إليها

__________________

(١) انظر ، محاضرات الأدباء : ٤ / ٤٧٨ طبعة سنة (١٩٦١ م). (منهقدس‌سره ). و : ٧ / ٢٦٣.

٣٥٠

وقد لا تكون هذه الأحداث في حسبان الشّيخين ، ولا من مقاصدهما حين دبّر الأمر ضدّ عليّ ، ونحّيّاه عن الخلافة ، ولكنّها جاءت نتيجة طبيعيّة لخلافتهما وقد برّرا هذا التّدبير بخوف الفتنة ، وعدم إجتماع كلمة العرب وقريش على عليّ ، «لما قد وترها» ـ كما قال عمر ـ وقد أبطلت سيّدة النّساء هذا الزّعم بخطبتها الشّهيرة الّتي ألقتها على الخليفة الأوّل والأصحاب في مسجد أبيها ، حيث قالت : زعمتم خوف الفتنة :( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (١) .

فأفهمتهم أنّ الفتنة والشّقاق فيما دبّروا وتآمروا ، كما ذكّرتهم :

كيف كانوا في جاهليتهم؟ وكيف صاروا بفضل أبيها ، وجهاد ابن عمّها ، ثمّ وازنت بينهم وبين بعلها أمير المؤمنين ، بقولها :

«كان عليّعليه‌السلام مكدودا في ذات الله ، مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله سيّدا من أولياء الله ، مشمّرا ناصحا ، مجدّا كادحا ، وأنتم في بلهنيّة من العيش ، وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدّوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النّزال ، وتفرّون عند القتال ، فلمّا اختار الله لنبّيه دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النّفاق وأطلع الشّيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فالفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافا»(٢) .

__________________

(١) التّوبة : ٤٩.

(٢) انظر ، بلاغات النّساء لابن طيفور : ١٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٢٥١ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ١ / ١٦٠ ، شرح الأخبار : ٣ / ٣٦ ، السّقيفة وفدك للجوهري : ١٤٣ ، كشف الغمّة : ٢ / ١١١.

٣٥١

وبهذا يتبيّن أنّ الزّهراء أوّل من وضع أسّس الموازنة ، والمفاضلة بين أهل البيت وغيرهم ، وأوّل من دعا دعوة صريحة واضحة لولائهم ووجوب طاعتهم ومتابعتهم ، وأوّل من أعلن نفاق من صدّوا عليّا عن الخلافة بعد أبيها(١) خطبت الزّهراء بعد حادثة السّقيفة خطبتين :

الأولى : في المسجد الجامع بحضور المهاجرين والأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر.

والثّانية : في بيتها حين إجتمعت نّساء الأصحاب ، ليعدنها في المرض الّذي ماتت فيه ، وترتكز أقوالها في كلتا الخطبتين على أنّ ابن عمّها عليّا هو صاحب الحقّ في الخلافة بعد رسول الله ، وأنّ الّذين حالوا بينه وبينها قد خانوا العهد

__________________

(١) أوّل من أثبت الولاية لعليّ الله ورسوله ، فلقد فسّر المفسرون قوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) المائدة : ٥٦ فسّروها بعليّ وهي :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) . (منهقدس‌سره ).

انظر ، الكشف والبيان في تفسير القرآن : ٤ / ٢٣٤ ، جواهر العقدين في فضل الشّرفين : ٣ / ٥٣٤ ، الصّواعق المحرقة : ٢٩ ، صحيح البخاريّ : ٢ / ٣٢٤ ، صحيح مسلم في فضائل عليّ : ٣٢٤ ، المستدرك للحاكم : ٣ / ١٠٩ ، مسند ابن ماجه : ١ / ٢٨ ، مسند أحمد : ١ / ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ٣٣١ و ٣٦٩ ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٢ ح ٢٥٠٤ ، خصائص النّسائي : ١٧ ، الإصابة : ٤ / ٥٦٨ ، ذخائر العقبى : ٨٨ ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ١٨ / ٢٨٧ ، شواهد التّنزيل : ١ / ١٦٢ ، الإعتقاد للبيهقي : ٢٠٤ ، اسد الغابة : ٢ / ١٢ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٢ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٤ ، تأريخ دمشق : ٢ / ٤٥ ح ٥٤٥ ، المسامرة في شرح المسايرة : ٢٨٢ ، الإبانة عن أصول الدّيانة : ١٨٧ الطّبعة الأولى دمشق ١٩٨١.

أمّا أحاديث الولاية من السّنّة فلا يبلغها الإحصاء ، منها الحديث المتواتر عند جميع المسلمين ، وهو «من كنت مولاه فعليّ مولاة». تقدّمت تخريجاته.

٣٥٢

والميثاق ؛( وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) (١) .

أمّا مطالبتها بفدك فقد كانت وسيلة لهذه الغاية ، وإلّا فما لفاطمة بنت محمّد وفدك ، وغير فدك إنّ الدّنيا بكاملها ليست من آل محمّد في شيء ، ولا هم منها في شيء هذا ، إلى أنّها كانت على علم من موقف الخليفة قبل أن تخاصمه ، وتحتجّ عليه ، فقد أخبرها أبوها بكلّ ما يجري عليها وعلى بعلها ، وأولادها من بعده ، وصرّحت هي بمعرفتها هذه في آخر الخطبة بقولها : «وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم والغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم»(٢) .

أنّها لا تريد فدكا وإنّما تريد أن ترسي أساس حقّ عليّ في الخلافة ، وتعلن للأجيال أنّ هذا الحقّ ركن من أركان الإسلام ، ودعامة من دعائمه ، ولا يهمها بعد هذا أن يصل بعلها إلى الخلافة أو لا يصل ، وإنّما المهم أن يعرف هذا الحقّ ، ويؤمن به كلّ من آمن بالله ونبّوّة محمّد وقد طعن معاوية على الإمام بأنّه أجبر على مبايعة من سبقه ، فأجابه : «ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دينه»(٣) .

أنّ الّذي لا يكترث بالأقاليم السّبعة ، تحت أفلاكها ، ويستهين بالحياة ، ويرى الشّهادة الفوز الأكبر ، لا يهتم بهذه الخلافة ، ومن تقمصّها وطبيعي أن لا يهتم

__________________

(١) البقرة : ٢٧ ، الرّعد : ٢٥.

(٢) انظر ، بلاغات النّساء لابن طيفور : ١٢ ـ ١٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٢١٣ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ١ / ١٦٠ ، شرح الأخبار : ٣ / ٣٦ ، السّقيفة وفدك للجوهري : ١٠٢ ، كشف الغمّة : ٢ / ١١٤ ، أعلام النّساء : ٣ / ١٢٠٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٥٠.

(٣) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة (٢٨).

٣٥٣

عليّ بالخلافة الّتي يتنافس عليها ابناء الدّنيا ما دام الحقّ يدور معه كيفما دار أنّ عليّا خليفة على كلّ حال ، لأنّ خلافته إلهية ، تماما كنبوّة محمّد لا يمكن أن يتولاها غيره ، أو ينتزعها أحد منه. وإذا جهل ، أو تجاهل هذه الحقيقة ، الّذي انقلب على عقبيه بعد نبيّه ، فقد وعدها وآمن بها الّذين ثبّتهم الله على الإيمان بإتّباع الرّسول وأهل بيته.

خطبت الزّهراء خطبتين : الأولى في المسجد الجامع ـ كما قدّمنا ـ والثّانية في نساء الأصحاب ، وقد جاء في هذه الخطبة :

«أصبحت والله عائفة لدنيا كنّ ، قالية لرجالكنّ( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ) (١) فجدعا ، وعقرا ، وبعدا للقوم الظّالمين وما الّذي نقموا من أبي الحسن؟. نقموا والله نكير سيفه ، وقلة مبالاته بحتفه ، وشدّة وطأته ، وتنمره في ذات اللهعزوجل ، وتالله لو مالوا عن المحجّة اللأئحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردّهم إليها»(٢) .

وتكلّمت ابنتها زينب بعد يوم كربلاء في ثلاثة مواقف :

الأوّل : حين دخلت السّبايا الكوفة ، واستقبلها الكوفيون والكوفيّات بالبكاء والعويل ، فارتجلت خطبة ، جاء فيها :

__________________

(١) المائدة : ٨٠.

(٢) انظر ، بلاغات النّساء لابن طيفور : ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٢٣٣ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ١ / ١٦٦ ، شرح الأخبار : ٣ / ٣٦ ، السّقيفة وفدك للجوهري : ١٢٠ ، كشف الغمّة : ٢ / ١١٥ ، أعلام النّساء : ٣ / ١٢٠٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٥٠ ، معاني الأخبار : ٣٥٥ ، أمالي الطّوسي : ٣٧٥ ، الإحتجاج للطّبرسي : ١ / ١٤٧ ، النّزاغ والتّخاصم : ١٠٠.

٣٥٤

«أمّا بعد : يا أهل الكوفة ، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولا هدأت الرّنّة ، إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.

«أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.

لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء. أتعجبون لو أمطرت دما.؟.

ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا»(١) .

ومن تأمّل خطبتها هذه ، وخطبة أمّها تلك يبدو له لأوّل نظرة وجه الشّبه بين الخطبتين ، وأنّهما تصدران من معدن واحد ، وترميان إلى هدف واحد ، وهو بثّ الدّعوة لأهل البيت ، ونشر فضائلهم ومحاسنهم ، ومثالب غيرهم ومساوئهم وإفهام النّاس جميعا أنّ الإسلام في حقيقته لا يقوم على التّلفظ بالشّهادة ، وتأدية الفرائض المكتوبة ، وكفى ، بل لا بدّ ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ من التّصديق بكلّ ما جاء به محمّد ، وممّا جاء به وجوب التّمسك بالكتاب والعترة «بنصّ حديث الثّقلين الّذي رواه مسلم وأحمد»(٢) ، ولكن المسلمين بعد نبيّهم نبذوا الكتاب ،

__________________

(١) انظر ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧ ، مثير الأحزان : ٦٧ ، الإحتجاج : ٢ / ٩٦.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، مسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ ـ

٣٥٥

وأضاعوا العترة ويقول الشّيخ المظفر : «ولا أدري متى تمسكت الأمّة بالعترة؟ أفي زمن أمير المؤمنين ، أو في زمن أبنائه الطّاهرين؟ بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة ، والشّام ، والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي التّرك والدّيلم»(١) .

ولا احسبني بحاجة إلى التّنبيه أنّ زينب حين تخاطب أهل الكوفة ، وتقول : «أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ إنّما تعني من ظلم أهل البيت ، ورضي بظلمهم ، وشايع وتابع عليه.

الموقف الثّاني للسّيّدة زينب : حين دخلت مجلس ابن زياد ، وقال لها :

الحمد لله الّذي فضحكم

فقال : «الحمد لله الّذي أكرمنا بنّبيه محمّد ، وطهرنا من الرّجس تطهيرا ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذّب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله»(٢) ؟!.

أجل ، يا ابنة أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين أنّكم النّور الّذي انبثق من ذات. الله ، ومستودع سرّه وإمانته ، والطّهر الّذي انبعث من رسول الله ، ووارثو علمه وخلقه ، ومجده وشرفه ، وحكمه وسلطانه.

ثمّ قال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟.

قالت : ما رأيت إلّا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ،

__________________

ـ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠ ، و : ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ ، و : ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨.

(١) انظر ، دلائل الصّدق ، الشّيخ المظفر : ج ٣. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الإرشاد : ٢ / ١١٥ ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ١ / ٤٧١ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٣ / ٨٧.

٣٥٦

ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة»(١) .

أسيرة تحتقر الحاكم الآسر وتزدريه ، ولا ترهب سلطانه وبطشه! أجل ، أنّها بنت عليّ لا تخشى الموت ، ومن لا يخشى الموت لا يخضع لشيء ، ولا يرهبه شيء.

وما أشبه قولها لابن زياد : «فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة». يقول أمّها للخليفة الأوّل : «أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريّا!!؟؟ ثمّ انصرفت عنه(٢)

أجل ، أنّ كلّا منهما ـ المعني بخطاب الزّهراء ، والمعني بخطاب زينب ـ قد ترك الكتاب ، ونبذه وراء ظهره عن عمد ، ولم يختلفا في شيء إلّا في الأسلوب والمظهر

الموقف الثّالث : حين دخلت مجلس يزيد ، وسمعته يتمثل بأبيات من قال :

ليت أشياخي ببدر لو رأوا

مصرع الخزرج من وقع الأثل

لأهلوّا واستهلوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تسل

فقالت السّيّدة :

(الحمد لله رب العالمين ، والصّلاة على جدّي سيّد المرسلين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) (٣) ، أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ،

__________________

(١) انظر ، مثير الأحزان : ٧١ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٩٤.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) الرّوم : ١٠.

٣٥٧

وضيّقت علينا آفاق السّماء ، فأصبحنا لك في آسار ، نساق إليك سوقا في أقطار ، وأنت علينا ذو اقتدار إنّ بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة ، وامتنانا ، وإنّ ذلك لعظم خطرك ، وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب اصدريك فرحا ، وتنقض مذرويك مرحا ، حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة ، والأمور لديك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول اللهعزوجل :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) (١) . أمن العدل يابن الطّلقاء؟! تخديرك حرائرك وآمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، وتستشرفهنّ المناقل ، ويتبرزنّ لأهل المناهل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والغائب والشّهيد ، والشّريف والوضيع ، والدّني والرّفيع ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ، ولا من حماتهنّ حمي ، عتوا منك على الله ، وجحودا لرسول الله ، ودفعا لما جاء به من عند الله ، ولا غرو منك ، ولا عجب من نظر في عطفه فعلك ، وأنّى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشّهداء ، ونبت لحمه بدماء السّعداء ، ونصب الحرب لسّيّد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهزّ السّيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشد العرب جحودا ، وأنكرهم له رسولا ، وأظهرهم له عدوانا ، وأعتاهم على الرّب كفرا وطغيانا اللهمّ خذّ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على من سفك دمائنا ، ونقض ذمارنا ، وقتل حماتنا( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ

__________________

(١) آل عمران : ١٧٨.

٣٥٨

خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (١) ، وحسبك بالله وليّا وحاكما ، وبرسول الله خصما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تمّيت وحينا ، ولا يدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد)(٢) .

ثمّ تقول غير متألّم ولا مستعظم :

لأهلوّا واستهلوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تسل

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة ، تنكثها بمخصرتك؟ وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشّأفة بإراقتك دماء ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب ، وتهتف بأشياخك

زعمت أنّك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ، ولتردن أنّك شللّت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت ، أللهمّ خذّ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا ، فو الله ما فريت إلّا جلدك ، ولا حززت إلّا لحمك». ويأخذ بحبّهم :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣) .

وحسبك بالله حاكما ، وبمحمّد خصيما ، وبجبريل ظهيرا ، وسيعلم من سوّل

__________________

(١) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٢) انظر ، أخبار الزّينبيّات : ٨٦ ، بلاغات النّساء : ٢١ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٢٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٧ ، أعلام النّساء : ٢ / ٥٠٤ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٧٩ ، العوالم : ٢٠٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٦٠.

(٣) آل عمران : ١٦٩.

٣٥٩

لك ، ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظّالمين بدلا وأيّكم شرّ مكانا ، وأضعف جندا.

ولئن جرّت عليّ الدّواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، ولكن العيون عبرى ، والصّدور حرّى ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النّجباء بحزب الشّيطان الطّلقاء! فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تنحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطّواهر الزّواكي تنتابها العواسل ، وتعفّرها أمّهات الفراعل.

ولئن اتّخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلّا ما قدّمت يداك ، وما ربّك بظلّام للعبيد ، وإلى الله المشتكى ، وعليه المعوّل.

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميّت وحينا ، ولا يدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد. يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظّالمين.

والحمد لله ربّ العالمين الّذي ختم لأولنا بالسّعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشّهادة والرّحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثّواب ، ويوجب لهم المزيد. ويحسن علينا الخلافة. أنّه رحيم ودود. وحسبنا الله ونعم الوكيل»(١) .

وادع تحليل هذه الكلمات ، وبيان ما فيها من كنوز وأسرار ، لأنّي أخشى أن لا اعطيها قيمتها الحقيقة ، ومعناها الصّحيح ، واحاول أن أرسم ما استشعرته ، وأنا أتأمل ، وانعم الفكر في مدلول هذه الكلمات والنّبرات الّتي هي أمضى من

__________________

(١) انظر ، أخبار الزّينبيّات : ٨٦ ، بلاغات النّساء : ٢١ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٢٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٧ ، أعلام النّساء : ٢ / ٥٠٤ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٧٩ ، العوالم : ٢٠٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٦٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528