الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71436 / تحميل: 4890
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أصلها.

وقال بعض الع امّة : القول قول الوكيل ، فيثبت التزويج هنا ؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر به ، فكان القولُ قولَه ، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعى أنّه باعه(١) .

ولو غاب رجل فجاء آخَر إلى امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها وأبانها ووكّله في تجديد نكاحها بألف ، فأذنت في نكاحها ، فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ، ثمّ جاء الزوج وأنكر ذلك كلّه ، فالقول قوله ، والنكاح الأوّل بحاله. ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل ، لزمه الألف ، إلّا أن يطلّقها زوجها قبل الدخول - وبه قال مالك وزفر(٢) - لأنّ الوكيل قد أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه ، وأنّه ضامن عنه ، فلزمه ما أقرّ به ، كما لو ادّعى على رجل أنّه ضمن له ألفاً له على أجنبيّ ، فأقرّ الضامن بالضمان وصحّته وثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [ عنه ] وأنكر المضمون عنه ، وكما لو ادّعى شفعةً على إنسانٍ في شقصٍ اشتراه ، فأقرّ البائع بالبيع وأنكر المشتري ، فإنّ الشفيع يستحقّ الشفعة.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يلزم الضامن شي‌ء ؛ لأنّه فرع المضمون عنه ، والمضمون عنه لا يلزمه شي‌ء فكذا فرعه(٣) .

ولو لم تدّع المرأة صحّة ما ذكره الوكيل ، لم يكن عليه شي‌ء.

____________________

= الكبير ٥ : ٢٥٦ ، و ٧ : ٤٥٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٩ : ٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٤١ ، الوسيط ٥ : ٥٣ ، الوجيز ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٩١.

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

٢٢١

ويحتمل أنّ مَنْ أسق ط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ، ومَنْ أوجب أوجبه في الصورة الأُخرى.

مسألة ٨٢٠ : قد بيّنّا أنّه إذا اختلف الوكيل والموكّل - فقال الموكّل : أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسةٍ ، وقال الوكيل : بل أذنتَ لي في البيع نسيئةً وفي الشراء بعشرة - أنّ القولَ قولُ الموكّل مع يمينه ؛ لأصالة عدم الإذن ، وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) .

وقال أحمد : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أمينه في التصرّف ، فكان القولُ قولَه في صفته ، كالخيّاط إذا قال : أذنتَ لي في تفصيله قباءً ، فقال : بل قميصاً(٢) .

وكذا إذا قال : وكّلتُك في البيع بألفين ، فقال : بل بألف.

وقال مالك : إن أُدركت السلعة فالقول قول الموكّل ، وإن فاتت فالقول قول الوكيل ؛ لأنّها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان ، والأصل عدمه ، بخلاف ما إذا كانت موجودةً(٣) .

والأوّل أصحّ ؛ لأنّه اختلاف في التوكيل الذي يدّعيه الوكيل ، والأصل عدمه ، فالقول قول مَنْ ينفيه ، كما لو لم يُقرّ الموكّل بتوكيله في غيره.

ولأنّهما اختلفا في صفة قول الموكّل ، فكان القولُ قولَه في صفة كلامه.

ولو قال الوكيل : اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك ، فقال الموكّل :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٤ - ٥٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، الوسيط ٣ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٥ ، المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٠ - ٢٥١ ، وانظر : الإقناع - لابن المنذر - : ٥٥٢.

(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٤٥ ، المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥١.

(٣) المغني ٥ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥١.

٢٢٢

ما أذنتُ لك إلّا في شراء غيرها ، أو قال : اشتريتُها لك بألفين ، فقال : ما أذنتُ لك إلاّ في شرائها بألف ، فالقول قول الموكّل مع اليمين ، فإذا حلف برئ من الشراء.

ثمّ إن كان الشراء بعين مال الموكّل ، بطل البيع ، وتُردّ الجارية على البائع. وإن كان في الذمّة وسمّاه أو نواه وصدّقه البائع ، فكذلك ، وإلّا وقع للوكيل.

ولو كذّبه البائع في أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه ، حلف البائع على عدم العلم ؛ لأنّ الأصل أنّ ما في يد الإنسان له ، وكان على الوكيل غرامةُ الثمن للموكّل ، ودَفْعُ الثمن إلى البائع ، وتبقى الجارية له(١) ، ولا تحلّ له ؛ لأنّه إن كان صادقاً فهي للموكّل ، وإن كان كاذباً فللبائع ، فإذا أراد استحلالها اشتراها ممّن هي له في الباطن ، فإن امتنع من بيعه إيّاها ، رفع الأمر إلى الحاكم ليثبت له الدَّيْن ظاهراً وباطناً ، ويصير له ما ثبت في ذمّته قصاصاً بالذي أخذ منه الآخَر ظلماً ، فإن امتنع الآخَر من البيع ، لم يُجبر على البيع ؛ لأنّه عقد مراضاة.

وإن قال له : إن كانت الجارية لي فقد بعتُكها ، أو قال الموكّل : إن كنتُ أذنتُ لك في الشراء فقد بعتُكها ، صحّ توصّلاً إلى الخلاص.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

وكلّ موضعٍ كانت للموكّل في الباطن ، فإن امتنع من بيعها للوكيل ،

____________________

(١) الظاهر : « في يده » بدل « له ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٥ ، الوسيط ٣ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦.

٢٢٣

فقد حصلت في يد الوكيل ، وهي للموكّل ، وفي ذمّته للوكيل ثمنها ، فيأذن الحاكم في بيعها وتوفية حقّه من ثمنها ، فإن كانت للموكّل فقد باعها الحاكم في إيفاء دَيْنٍ امتنع المديون من إيفائه. وإن كانت للوكيل ، فقد أذن في بيعها.

مسألة ٨٢١ : إذا بعث المالك إلى المديون رسولاً ليقبض دَيْنه الذي له عليه‌ ، وكان الدَّيْن دراهم مثلاً ، فبعث معه ديناراً فضاع الدينار من الرسول ، فهو من مال الباعث ؛ لأنّه إنّما أمره بقبض دَيْنه وهو دراهم. فإذا دفع إليه ذهباً ، يكون قد صارفه من غير أمره ، وقد دفع المديون إلى الرسول غير ما أمر به المرسل ، والصَّرف شرطه رضا المتصارفين ، فصار الرسول وكيلاً للباعث في تأديته إلى صاحب الدَّيْن ومصارفته به ، فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.

ولو كان الرسول قد أخبر المديونَ بأنّ المالك قد أذن له في قبض الدينار عوضاً عن الدراهم ، كان من ضمان الرسول ؛ لأنّه غرّه ، وأخذ الدينار على أنّه وكيل.

ولو قبض الدراهم فضاعت ، كانت من ضمان صاحبها ؛ لأنّها تلفت في يد وكيله. ولو قبض أزيد ممّا أمره بقبضه ثمّ تلف الجميع ، فالضمان في الأصل على صاحب الدراهم ، وفي الزائد على الباعث ، حيث دفع إلى مَنْ لم يؤمر بالدفع إليه ، ويرجع الباعث على الرسول ؛ لأنّه غرّه ، وحصل التلف في يده ، فاستقرّ الضمان عليه للموكّل ، وللموكّل أن يضمن الوكيل ؛ لأنّه تعدّى بقبض ما لم يؤمر بقبضه ، فإذا ضمنه لم يرجع على أحدٍ ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، فاستقرّ الضمان عليه.

مسألة ٨٢٢ : لو وكّله في قبض دَيْنه وغاب ، فأخذ الوكيل به رهناً‌

٢٢٤

فتلف الرهن في يد الوكيل ، فقد أساء الوكيل بقبض الرهن وأخذه حيث لم يأمره المالك ، ولا ضمان عليه في الرهن ؛ لأنّه رهن فاسد ، والقبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح ، فكلّ قبضٍ صحيح كان مضموناً فالفاسد فيه يكون مضموناً ، وما لا يكون صحيحه مضموناً لا يكون فاسده مضموناً ، والرهن الفاسد كالصحيح في عدم الضمان بقبضه.

ولو دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعةً فخلطها مع دراهمه فضاعا معاً ، ضمن. وإن ضاع أحدهما ، فكذلك ؛ لأنّه فرّط بالمزج.

وقال بعض العامّة : إن ضاعا معاً ، فلا شي‌ء عليه. وإن ضاع أحدهما أيّهما ضاع ، غرمه(١) .

وهذا كلام غير محصّل ، وكيف جعل ضياع مال الاثنين شرطاً في زوال الضمان عنه!؟

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٠ - ٢٦١.

٢٢٥

الفصل السادس : فيما به تثبت الوكالة‌

مسألة ٨٢٣ : تثبت الوكالة بإقرار الموكّل على نفسه بأنّه وكّله ، وبشهادة عَدْلين ذكرين ، ولا تثبت بشهادة رجلٍ وامرأتين ، ولا بشهادة رجلٍ ويمين ، عند علمائنا أجمع ، سواء كانت الوكالة بمالٍ أو لا - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الوكالة إثبات للتصرّف ، فلا تثبت إلّا بشاهدَيْن ، كالوصيّة.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه تُقبل في الوكالة بالمال شهادة رجلٍ وامرأتين وشهادة رجلٍ ويمين(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّها شهادة بولايةٍ ، فلا تُقبل إلّا برجلين.

ويفارق ما إذا ادّعى أنّه أوصى له بكذا ، فإنّه يُقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنّ المقصود فيه إثبات المال ، دون التصرّف.

مسألة ٨٢٤ : يشترط بقاء شهادة الشاهدَيْن على الوكالة ، فلو شهد أحدهما أنّه وكّله ثمّ شهد الآخَر أنّه وكّله ثمّ عزله ، لم تثبت الوكالة بهذه الشهادة ؛ لأنّ أحدهما لم يُثبت وكالته في الحال.

ولو شهدا له بالوكالة مطلقاً ثمّ عاد أحدهما قبل الحكم بها ، فقال : قد‌

____________________

(١) الأُم ٧ : ٤٨ ، الحاوي الكبير ١٧ : ٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٣٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، و ١٢ : ١٣٣ ، الوجيز ٢ : ٢٥٢ ، الوسيط ٧ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، حلية العلماء ٨ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٢١٨ ، البيان ٦ : ٤٠٣ ، و ١٣ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ١٣ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٨ : ٢٢٦ ، المغني ٥ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٤.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٤.

٢٢٦

عزله بعد التوكيل ، لم يحكم بالشهادة ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة قبل الحكم ، فلا يصحّ للحاكم الحكم بما رجع عنه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه [ لا ](١) يُقبل ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة ، فأشبه ما إذا كان بعد الحكم(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه إذا رجع بعد الحكم ، فقد نفذ الحكم بالشهادة. وإذا كان قبل الحكم ، لا يمكن الحكم بشهادةٍ مرجوعٍ عنها.

فأمّا إذا حكم بذلك ثمّ قالا أو أحدهما : إنّه عزله بعد ما وكّله ، فإن كان ذلك رجوعاً عن الشهادة لم يُقبل.

وكذا لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهد ثالث غيرهما بالعزل ، لم يثبت العزل بشهادة واحدٍ ؛ لأنّ العزل إنّما يثبت بما يثبت به التوكيل.

ولو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهدا معاً بالعزل ، تمّت الشهادة في العزل كتمامها في التوكيل.

مسألة ٨٢٥ : من شرط قبول الشهادة اتّفاق الشاهدَيْن على الفعل الواحد ، فلو شهد أحدهما أنّه وكّله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله يوم السبت ، لم تتمّ(٣) البيّنة ؛ لأنّ التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت ، فلم تكمل شهادتهما على فعلٍ واحد.

ولو شهد أحدهما أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ به يوم السبت ، تثبت الشهادة ؛ لأنّ الإقرارين إخبار عن عقدٍ واحد ، ويشقّ جمع الشهود على إقرارٍ واحد ليقرّ عندهم في حالةٍ واحدة ، فجُوّز له الإقرار‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق وكما هو في حلية العلماء.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، البيان ٦ : ٤٠٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « لم تثبت ».

٢٢٧

عند كلّ واحدٍ وحده رخصةً للمُقرّ.

وكذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بالوكالة بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ بها بالعجميّة ، تثبت الوكالة.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله بالعجميّة ، لم تثبت ؛ لأنّ الإنشاء هنا متعدّد لم يشهد بأحدهما شاهدان(١) .

وكذا لو شهد أحدهما أنّه قال : وكّلتُك ، وشهد الآخَر أنّه قال : أذنتُ لك في التصرّف ، أو قال : جعلتُك وكيلاً ، أو شهد أنّه قال : جعلتُك جريّاً ، أي وكيلاً(٢) ، لم تتمّ الشهادة ؛ لاختلاف اللفظ.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله وشهد الآخَر أنّه أذن له في التصرّف ، تمّت الشهادة ؛ لأنّهما لم يحكيا لفظ الموكّل ، وإنّما عبّرا عنه بلفظهما ، واختلاف لفظهما لا يؤثّر إذا اتّفق معناه.

ولو قال أحدهما : أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وشهد الآخَر أنّه وكّله ، لم تثبت الوكالة ؛ لأنّ الإقرار غير الإنشاء ، وكلّ واحدٍ لم تكمل شهادته.

ولو قال أحدهما : أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وقال الآخَر : أشهد أنّه أقرّ أنّه جريُّه ، أو أنّه أوصى إليه بالتصرّف في حياته ، تثبت الوكالة بذلك ؛ لأنّهما أخبرا بلفظهما.

ولو شهدا على الإنشاء لكن شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده ، وشهد الآخَر أنّه وكّله وزيداً ، أو أشهد أنّه وكّله في بيعه وقال : لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً ، لم تتم الشهادة ؛ لأنّ الأوّل أثبت استقلاله بالبيع من‌

____________________

(١) في « ث ، خ » : « الشاهدان ».

(٢) لسان العرب ١٤ : ١٤٢ « جرا ».

٢٢٨

غير شرطٍ ، والثاني ينفي ذلك ، فاختلفت الشهادة.

أمّا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيع عبده وجاريته ، حُكم بالوكالة في العبد ؛ لاتّفاقهما عليه ، وزيادة الثاني لا تقدح في تصرّفه في الأوّل ولا تضرّ.

وهكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وإن شاء لعمرو ، على إشكالٍ.

مسألة ٨٢٦ : لا تثبت الوكالة والعزل بشهادة واحدٍ ولا بخبره‌ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّه حقٌّ ماليّ ، فلا يثبت بخبر الواحد ولا بشهادته ، كالبيع.

وقال أبو حنيفة : تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقةً ، ويجوز التصرّف للمُخبر بذلك إذا غلب على ظنّه صدق المُخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكّل. ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً ؛ لأنّ اعتبار شاهدَيْن عَدْلين في هذا مشِقٌّ ، فسقط اعتباره [ و ](٢) لأنّه أذن في التصرّف ومنع منه ، فلم يعتبر في هذا شرط الشهادة ، كاستخدام غلامه وإسلام عبده(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ العقد لا يثبت بشاهدٍ واحد ، بخلاف الاستخدام وإسلام العبد ؛ لأنّه ليس بعقدٍ.

ولو شهد اثنان أنّ فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر ، فقال الوكيل : ما علمتُ هذا وأنا أتصرّف عنه ، ثبتت الوكالة ؛ لأنّ معنى ذلك أنّي لم أعلم إلى الآن ، وقبول الوكالة يجوز متراخياً ، وليس من شرط التوكيل حضور‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٦ ، وراجع الهامش (١) من ص ٢٢٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٦.

٢٢٩

الوكيل ولا علمه ، و لا يضرّ جهله به.

ولو قال : ما أعلم صدق الشاهدَيْن ، لم تثبت وكالته ؛ لقدحه في شهادتهما ، على إشكالٍ أقربه ذلك إن طعن في الشهود ، وإلاّ فلا ؛ لأنّ الاعتبار بالسماع عند الحاكم ، وجهله بالعدالة مع علم الحاكم بها إمّا بنفسه أو بالتزكية لا يضرّ في ثبوت حقّه.

مسألة ٨٢٧ : يصحّ سماع البيّنة بالوكالة على الغائب ، وهو أن يدّعي أنّ فلاناً الغائب وكّلني في كذا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه لا يعتبر رضاه في سماع البيّنة ، فلا يعتبر حضوره كغيره.

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ(٢) .

وإذا قال له مَنْ عليه الحقّ : إنّك لا تستحقّ مطالبتي ، أو لستَ بوكيلٍ ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّ ذلك طعن في الشهادة. ولو طلب منه الحلف على استحقاق المطالبة ، لم يُسمع كذلك.

ولو قال : قد عزلك الموكّل فاحلف أنّه ما عزلك ، لم يستحلف ؛ لأنّ الدعوى على الموكّل ، واليمين لا تدخلها النيابة.

ويحتمل الحلف ؛ لأنّه يدّعي عليه استحقاق المطالبة ، فيحلف على نفي العلم.

ولو قال له : أنت تعلم أنّ موكّلك قد عزلك ، سُمعت دعواه.

وإن طلب اليمين من الوكيل ، حلف أنّه لا يعلم أنّ موكّله عزله ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٧ ، روضة القُضاة ١ : ١٩٠ / ٧٥٢ ، و ٢ : ٦٥٥ / ٣٧٠٩.

(٢) روضة القُضاة ١ : ١٩٠ / ٧٤٩ ، و ٢ : ٦٥٥ / ٣٧٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٧.

٢٣٠

الدعوى عليه.

وإن أقام الخصم بيّنةً بالعزل ، سُمعت ، وانعزل الوكيل.

مسألة ٨٢٨ : تُقبل شهادة الوكيل على موكّله وله فيما ليس بوكيلٍ فيه‌ ، ولا تُقبل لموكّله فيما هو وكيل فيه ؛ لأنّه يُثبت لنفسه حقّاً.

ولو شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله ، فإن لم يكن قد خاصم قُبلت ، وإلّا فلا ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد وأحمد بن حنبل : لا تُقبل شهادته ، سواء خاصم أو لا ؛ لأنّه بعقد الوكالة صار خصماً فيه ، فلم تُقبل شهادته فيه ، كما لو خاصم فيه ، بخلاف ما إذا لم يكن وكيلاً ، فإنّه لم يكن خصماً فيه(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّ الوكيل بعد عزله كالأجنبيّ ، بل ربما كان متّهماً في حقّ موكّله.

مسألة ٨٢٩ : لو كانت الأمة بين اثنين فشهدا لزيدٍ أنّ زوجها وكّله في طلاقها ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو زوال حقّ الزوج من البُضْع الذي هو ملكهما.

ولو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق ، لم تُقبل شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو إبقاء النفقة على الزوج.

وتُقبل شهادة ولدي الرجل له بالوكالة وشهادة أبويه ، خلافاً للعامّة(٣) .

____________________

(١) المحيط البرهاني ٨ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٢) المحيط البرهاني ٨ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

٢٣١

وتُقبل شهادة ابني ا لموكّل وأبويه بالوكالة ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

أمّا عندنا : فلأنّه تُقبل شهادة الولد لوالده ، وبالعكس.

وأمّا عنده : فلأنّ هذا حقٌّ على الموكّل يستحقّ به الوكيل المطالبة ، فقُبلت فيه شهادة قرابة الموكّل ، كالإقرار(٢) .

ونحن متى فُرضت الشهادة على الأب منعنا قبولها.

وقال أحمد بن حنبل : لا تُقبل ؛ لأنّها شهادة يثبت فيها حقٌّ لأبيه أو ابنه ، فلم تُقبل - كشهادة(٣) ابني الوكيل وأبويه - لأنّهما يُثبتان لأبيهما نائباً متصرّفاً له ، وفارق الشهادة عليه بالإقرار ؛ فإنّها شهادة عليه متمحّضة(٤) .

والأقرب : إنّه إن كانت الشهادة على الأب ، لم تُسمع. وإن كانت له أو على الولد أو للولد ، سُمعت.

ولو ادّعى الوكيل الوكالةَ ، فأنكرها الموكّل ، فشهد عليه ابناه ، لم تثبت عندنا ؛ لأنّه لا تُقبل شهادة الولد على والده ، خلافاً للعامّة(٥) .

ولو شهد عليه أبواه ، قُبلت عندنا وعندهم(٦) .

وإن ادّعى الموكّل أنّه تصرّف بوكالته ، وأنكر الوكيل ، فشهد عليه ابناه ، لم تُقبل. فإن شهد أبواه سُمعت.

وإن ادّعى وكيل لموكّله الغائب حقّاً وطالَب به ، فادّعى الخصم أنّ الموكّل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكّل ، لم تُقبل إن كانت شهادة عليه.

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٠ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شهادة ». والمثبت كما في المصدر.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

٢٣٢

وقال الجمهور : تُسمع ، ويثبت العزل ؛ لأنّهما يشهدان على أبيهما(١) .

وإن لم يدّع الخصم عزله ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يشهدان لمن لا يدّعيها.

فإن قبض الوكيل فادّعى [ الموكّل ](٢) أنّه كان قد عزل الوكيل وأنّ حقّه باقٍ في ذمّة الغريم ، وشهد له ابناه ، قُبلت ؛ لأنّهما يثبتان حقّاً لأبيهما ، خلافاً للعامّة(٣) .

ولو ادّعى مكاتَبٌ الوكالةَ فشهد له سيّده ، لم تُقبل.

ولو شهد له ابنا سيّده أو أبواه ، قُبلت عندنا ، خلافاً للعامّة(٤) .

ولو أُعتق العبد وأعاد السيّد الشهادةَ ، احتُمل عدمُ القبول ؛ لأنّها رُدّت للتهمة. والقبولُ ؛ لأنّها رُدّت للملك ، لا للتهمة وقد زال المانع.

وللشافعيّة قولان(٥) .

مسألة ٨٣٠ : لو حضر رجل وادّعى على غائبٍ مالاً في وجه وكيله ، فأنكره‌ ، فأقام بيّنةً بما ادّعاه ، حلّفه الحاكم ، وحكم له بالمال ، فإذا حضر الموكّل وجحد الوكالةَ ، أو ادّعى أنّه كان قد عزله ، لم يؤثّر ذلك في الحكم ؛ لأنّ القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله.

ولو قال له : بِعْ هذا الثوب بعشرة ، فما زاد عليها فهو لك ، فمال الجعالة هنا مجهول ، فيبطل المسمّى ، ويثبت له أُجرة المثل ، ولا يلزم‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٠.

٢٣٣

ما عيّنه له ، وبه ق ال الشافعي(١) .

وقال أحمد : يصحّ ، ويكون للمأمور الزائدُ ؛ لأنّ ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً. ولأنّه يتصرّف في ماله بإذنه ، فصحّ شرط الربح له ، كالمضارب والعامل في المساقاة(٢) .

والفرق : تعذّر تعيين الأُجرة في المضارب والمساقي ، بخلاف الدلالة.

مسألة ٨٣١ : لو ادّعى الوكالة على الغائب وأقام شاهدَيْن وثبتت عند الحاكم وثبت الحقّ لموكّله‌ ، فادّعى مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه من الحقّ أو قضاه ولم يدّع علم الوكيل بذلك ، لم تُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّ سماع هذه الدعوى يؤدّي إلى إبطال الوكالة في استيفاء حقّ الغائب ، لأنّه متى ادّعى ذلك مَنْ عليه الحقُّ وسُمعت منه ، وقفت المطالبة بالحقّ إلى حضور الموكّل ويمينه ، فتقف بذلك الحقوقُ ، فيقال له : ادفع الحقّ الذي عليك ، وتقف دعواك إلى حضور الموكّل ويمينه.

وإن ادّعى علم الوكيل بذلك ، سُمعت دعواه ، وسأله عن ذلك ، فإن صدّقه بطلت وكالته ، وسقطت مطالبته. وإن أنكر ، حلف على ذلك ، وبه قال الشافعي وزفر(٣) .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يحلف ؛ لأنّ هذه اليمين متوجّهة على الموكّل ، فلا ينوب فيها الوكيل(٤) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه ليس بنائبٍ عن الموكّل ؛ لأنّ إقراره بذلك‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٧٠.

(٣ و ٤) حلية العلماء ٥ : ١٥١.

٢٣٤

لا يثبت به حقٌّ على الموكّل عندنا ، فلا تسقط(١) بيمينه الدعوى.

ويدلّ على قولنا أنّه لو أقرّ الوكيل بذلك ، سقطت مطالبته ، فإذا أنكر توجّهت عليه اليمين ، كصاحب الحقّ.

* * *

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « ولا تسقط ».

٢٣٥

المقصد السابع : في الإقرار‌

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في ماهيّته ومشروعيّته‌

نريد أن نبحث في هذا الفصل عن جميع ما يتعلّق بالإقرار ، ولا شكّ في أنّه متعلّق بمُقِرٍّ ومُقَرٍّ له ومُقَرٍّ به ، وصيغةٍ تترتّب عليها المؤاخذة. وهذه الأربعة هي أركان الإقرار.

ثمّ الـمُقَرّ به قد يكون مالاً ، وقد يكون غيره ، وعلى التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصّلاً ، وقد يكون مجملاً ، وعلى كلّ تقديرٍ فقد يُعقَّب الإقرار بما ينافيه(١) وقد لا يُعقَّب.

وإذا لم يكن الـمُقَرّ به مالاً ، فقد يكون عقوبةً من قصاصٍ أو حدٍّ ، وقد يكون نسباً وغيره. ثمّ قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك ، فالفصول خمسة.

الإقرار : الإثبات ، من قولك : قرّ الشي‌ء يقرّ وأقررته وقرّرته إذا أفدته القرار ، ولم يُسمّ ما يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثباتٍ ، ولكن لأنّه إخبار عن ثبوتٍ ووجوبٍ سابق.

وهو إخبار عن حقٍّ سابق.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يرفعه » بدل « ينافيه ».

٢٣٦

وهو معتبر بالكتاب و السنّة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) إلى قوله :( ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا ) (١) الآية.

وقوله تعالى :( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) (٢) .

وقوله تعالى :( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (٣) .

وقوله تعالى :( كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (٤) .

قال المفسّرون : شهادة المرء على نفسه إقراره(٥) .

والآيات في ذلك كثيرة في القرآن العزيز.

وأمّا السنّة : فما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أقرّ ماعز عنده بالزنا ، فرجمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

وكذلك الغامديّة ، وقال : « اغْدُ يا أُنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها »(٧) والاعتراف هو الإقرار.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قُولوا الحقّ ولو على أنفسكم »(٨) .

وأمّا الإجماع : فقد أجمعت الأُمّة كافّةً على صحّة الإقرار.

____________________

(١) آل عمران : ٨١.

(٢) التوبة : ١٠٢.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

(٤) النساء : ١٣٥.

(٥) جامع البيان ( تفسير الطبري ) ٥ : ٢٠٦ ، الكشّاف ١ : ٥٧٠ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٢٨٤ ، النكت والعيون ١ : ٥٣٥.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (١)

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (٢)

(٨) أورده الغزالي في الوسيط ٣ : ٣١٧ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٣.

٢٣٧

ولأنّ الإقرار إخبار على وجهٍ ينفي عنه التهمة والريبة ؛ لأنّ العاقل لا يكذب على نفسه فيما يضرّ بها ، ولهذا كان آكد من الشهادة ؛ لأنّ المدّعى عليه إذا اعترف لم تُسمع عليه الشهادة ، وإنّما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر. ولو كذّب المدّعي بيّنته ، لم تُسمع. وإن كذب المُقرّ ثمّ صدّقه ، سُمع.

* * *

٢٣٨

٢٣٩

الفصل الثاني : في أركانه‌

وهي أربعة ؛ لأنّ الإقرار إنّما يتمّ بالصيغة والـمُقرّ والـمُقَرّ له والمقَرّ به ، فهنا مباحث :

البحث الأوّل : في الصيغة

مسألة ٨٣٢ : الصيغة هي اللفظ الدالّ على الإخبار بحقٍّ واجب ، كقوله : له علَيَّ ، أو : عندي ، أو : في ذمّتي.

ويشترط فيها التنجيز والجزم بالحكم.

فإذا قال : عَلَيَّ لفلان كذا ، فهو صيغة إقرارٍ.

وكذا : « لفلان علَيَّ ، أو : في ذمّتي » إقرار بالدَّيْن ظاهراً.

وقوله : « عندي ، أو : معي » إقرار بالعين.

ولو قال له : قِبَلي ألف ، فهو دَيْن.

ويحتمل أن يصلح للدَّيْن والعين معاً.

ولو علّق إقراره على الشرط ، لم يصح ، وكان لاغياً.

مسألة ٨٣٣ : إذا قال لغيره : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : زِنْ ، أو خُذْ ، لم يكن إقرارا ؛ لأنّه لم توجد منه صيغة التزامٍ ، وقد يذكر مثل ذلك مَنْ يستهزئ ويبالغ في الجحود.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

حدّ السّيوف ، وأشدّ من طعن الرّماح واقسم أنّي قد نسيت ذلك المشهد الرّهيب ، ووقوف النّساء والأطفال أسارى بين يدي يزيد نسيت كلّ هذه المحن ، وأنا أستمع إلى الحوارء ، وهي تصفع الطّاغية بكلماتها الملتهبة ، وتلعنه وتخزيه ، وتشفي منه صدور قوم مؤمنين ؛ أجل ، نسيت كلّ شيء إلّا قولها :

«يا بن الطّلقاء؟! ومن لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشّهداء ...».

وقولها : «فو الله ما فريت إلّا جلدك ، وما حززت إلّا لحمك ....».

وقولها : «إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، .....».

وقولها : «هل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظّالمين». أي عليه وعلى آبائه ، وعلى من مهّد له ولهم سبيل الحكم والتّحكم ...»(١) .

وبعد ، فليست هذه الكلمات نفثة مصدور ، ولا هذه الرّوح الّتي خاطبت يزيد في هذا الجور تشبه أرواحنا نحن أبناء الأرض في شيء. أنّها روح إلهية لا ترى غير جبّار السّماء ولو كانت زينب من هذه النّسوة لما استطاعت غير البكاء والرّجاء ولكنّها من بيت ، أساسه محمّد ، وبناؤه عليّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وبانيه الله الواحد الأحد.

أنّ كلّ موقف من مواقف أهل البيت ، وكلّ كلمة من كلماته ، شاهد صدق وعدل على أنّهم إن نطقوا نطقوا بلسان الوحي ، وإن فعلوا فعلوا بتسديد الله وعنايته.

__________________

(١) انظر ، بلاغات النّساء لابن طيفور : ٢٢ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٦ ، مثير الأحزان لابن نما : ٨١ ، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : ٢٢٧.

٣٦١

وقد يسأل سائل : لماذا صبر يزيد على هذا التّقريع والتّوبيخ ، والتّهديد والوعيد ، وعلى لعنه ولعن آبائه؟!

ولماذا لم يسكّت السّيّدة ، أو يأمر بقتلها ، أو إخراجها ، وهو الحاكم المسيطر؟!

الجواب :

أنّ يزيد لم يسكت عن السّيّدة ، لأنّها امرأة ، والمرأة لا تعامل إلّا بالرّفق واللّطف كلّا إنّ يزيد لا يردعه شيء كيف؟ وقد تجرأ على قتل ريحانة الرّسول ، وذبح أطفاله ، وسبى نسائه وإنّما سكت مذهولا من هول الصّفعة ، وممّا رأى من اضطراب المجلس بأهله ، وسمع من الصّرخات بسبّه ولعنه ، حتّى من أهله ونسائه فلقد أو قعته السّيّدة زينب بنبراتها وكلماتها في مأزق خطير لا يملك معه إلّا الإعتراف بعظمة الجريمة ، وإلّا البراءة منها ، وإلقاءها على ابن زياد.

وبالتالي ، فإنّ كلمات الزّهراء بعد يوم السّقيفة ، وكلمات ابنتها زينب في يوم كربلاء ، وبعده ، وكلمات الإمام زين العابدين ، وأمّ كلثوم ، وفاطمة بنت الحسين ، جميعها ترمي إلى غرض واحد ، وهو إقامة الحججّ والبراهين على أنّ أهل البيت هم أصحاب الحقّ في خلافة الرّسول ، وأولى بالطّاعة ، وأنّ من عارض وعاند فقد ردّ على الله ورسوله.

فأهل البيت أوّل من وضع أسّس الحجاج لحقهم بالدّليل والمنطق ، وأوّل من تكلّم في فضائلهم ومحاسنهم ، ومثالب أعدائهم ومساوئهم ، وأوّل من أقام البراهين على وجوب التّمسك بحبلهم ، والبراءة ، ومن أعدائهم ، ثمّ سار على هذا النّهج كلّ موال ومحبّ لله ورسوله وأهل بيته.

٣٦٢

الدّعوة لأهل البيت

لم يتوان أهل البيت لحظة في إعلان حقّهم بخلافة جدّهم الرّسول. وبكلّ ما فرض الله له على النّاس من سلطان ، وطاعة ، وولاء فلقد أعلنوا هذا الحقّ ، على أنّ الله سبحانه قد خصّهم به ، شاء النّاس أو أبوا ، تماما كما خصّ محمّدا بالنّبوّة ؛ أعلنوا هذا الحقّ ، ودعوا إلى الإيمان به بشتى الأساليب والوسائل ، واحتّجوا له بمنطق العقل ، ونصّ الكتاب والسّنّة.

فما أن توفّي النّبيّ ، وتولى الخلافة أبو بكر ، حتّى ذهبت الزّهراء بنفسها إلى المسجد الجامع ، وأعلنت هذا الحقّ ، واحتجّت له في ملأ من النّاس ، ومحضر الخليفة والأصحاب ، فأبكت النّساء والرّجال ، وبلبلت الأفكار ، واعتذر إليها الأنصار ، وحامت حول خلافة الأوّل ألف شبهة وشبهة

ولا أدري على أي شيء إعتمد من قال : أنّ عليّا لم يحتجّ لحقه بالخلافة على أبي بكر ، وجهل أو تجاهل أنّ إحتجاج الزّهراء هو إحتجاج عليّ بالذات ، وأنّها لم تنطق إلّا بلسانه ، ولم تحتج إلّا بدليله وبرهانه.

هذا ، إلى أنّ الإمام لم يدع مناسبة إلّا أقام فيها الحجّة البالغة على من جحد وعاند نذكر من ذلك على سبيل المثال قوله من على المنبر : «أما والله لقد تقمّصها فلان ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحا. ينحدر عنّي

٣٦٣

السّيل ، ولا يرقى إليّ الطّير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصّغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه»(١) .

وقوله من كتاب له إلى معاوية :

«فدع عنك من مالت به الرّميّة فإنّا صنائع ربّنا ، ـ أي نحن أسراء فضل الله وإحسانه ـ والنّاس بعد صنائع لنا. لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عاديّ طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا ، فنكحنا وأنكحنا ، فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك ومنّا النّبيّ ومنكم المكذّب ، ومنّا أسد الله ، ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب ، في كثير ممّا لنا وعليكم!

فإسلامنا قد سمع ، وجاهليّتنا لا تدفع ، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا ، وهو قوله سبحانه وتعالى :( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) وقوله تعالى :( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) ، فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فلجوا عليهم ، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة «٣». وتعرف بالشّقشقيّة لقول الإمامعليه‌السلام بعدها : «تلك شقشقة هدرت ، ثمّ قرّت».

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) آل عمران : ٦٨.

٣٦٤

بغيره فالأنصار على دعواهم(١) .

وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك ، فيكون العذر إليك»(٢) .

* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها*(٣)

واحتجّ الحسن على معاوية ، والحسين على أهل الكوفة بالحديث المشهور «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(٤) وهما إمامان قاما أو قعدا»(٥) .

__________________

(١) قال المفيد في كتاب «العيون والمحاسن» : زعم الجاحظ أنّ الكميت علّم الشّيعة الحجاج لتقديم آل محمّد. وهذه حماقة وسخف من الحافظ ، فإنّ أمير المؤمنين وأبناءهم هم الّذين احتجّوا لحقهم ، وعلّموا النّاس الحجاج له ، وإنّما نظم الكميت ما قالوه وأعلنوه ، بل أنّ متكلّمي الشّيعة قد احتجّوا واستدلوا قبل الكميت ، وكذلك أصحاب أمير المؤمنين. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة (٢٨).

(٣) ينسب هذا الشّعر إلى أبي ذؤيب الهذلي من قصيدة طويلة يرثي بنيه الخمسة في عام واحد أصابهم الطّاعون ، وتارة ينسب إلى ابن الزّبير ، وهذا هو عجز البيت.

وعيرها الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

انظر ، ديوان الهذليّين : ١ / ٢١ ، شرح أشعار الهذليّين : ١ / ٧٠ ، خزانة الأدب : ٩ / ٥٠٥ ، تنوير الحوالك : ٢٠ ، المحلّى : ٦ / ٤٣ ، مقدّمة فتح الباري : ١٣٧ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٣٨٤ ، معجم الأدباء : ١١ / ٨٩ ، صحيح البخاريّ : ٩ / ٥٣ ، تفسير الثّعالبي : ٣ / ٥١٨ ، العلل لأحمد بن حنبل : ١ / ٩٤ ، الفائق في غريب الحديث : ٣ / ٣٠٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٨٠ و : ١٥ / ١٨٣ و : ١٨ / ١٢٣ و : ٢٠ / ١٠٨ ، تأريخ دمشق : ٦٩ / ١١ ، تهذيب الكمال : ٣٥ / ١٢٤ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٣٧٩ ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٣ / ٣٣ ، النّهاية في غريب الحديث : ٢ / ٤٩٧. (٤) انظر ، كنز العمّال : ٦ / ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢١٧ ، و : ٧ / ١٠٧ و ١١١ و ١٠٨ ، و : ١٢ / ٩٦ و : ١٢ / ٣٤٢٤٦ ، و : ١٣ / ٣٧٦٨٢ ، صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ و ٣٠٧ ، مسند أحمد : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٨٢ ، حلية الأولياء : ٥ / ٧١ و ١٣٩ ، و : ٤ / ١٣٩ و ١٩٠ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٢ ـ ١٨٤ و ١٨٧ ، تأريخ بغداد : ٩ / ٢٣١ و ٢٣٢ ، و : ١٠ / ٩٠ و ٢٣٠ ، و : ١ / ١٤٠ ، و : ٢ / ١٨٥ ، و : ١٢ / ٤ ، و : ٦ / ٣٧٢ ـ

٣٦٥

وقالت السّيّدة زينب ليزيد فيما قالت : «ما قتل الحسين غيرك. ولولاك لكان ابن مرجانة أقل وأذل ، أما خشيت من الله بقتله؟! وقد قال رسول الله فيه وفي أخيه : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة فإن قلت : لا ، فقد كذبت ، وإن قلت : نعم ، فقد خصمت نفسك فقال يزيد : ذرّيّة بعضها من بعض.

وقال الإمام زين العابدين له ، قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول الله : هذا جدّي أو جدّك يا يزيد(١) !

وللإمام السّجّاد أسلوب خاصّ وجديد في بثّ الدّعوة لأهل البيت ، ذلك أنّه لا يبرز هذه الدّعوة بصورتها بل يضفي عليها ثوب المناجاة والخضوع والتّضرع إلى الله سبحانه ، لتمر في عصر الأمويّين بسلام دون أن تثير أي إهتمام ، ويبدو ذلك جليا لمن تتبع وتأمّل مناجاته في الصّحيفة السّجّاديّة فما مجّد الله وشكره ، أو سأله العفو والرّحمة أو أي شيء بجملة إلّا وقرنها بالصّلاة على محمّد

__________________

ـ الإصابة : ١ / ق ١ / ٢٦٦ ، و : ٦ / ق ٤ / ١٨٦ ، مناقب أمير المؤمنين محمّد بن سليمان الكوفي : ٣ / ٢٥٩ ، الجامع الصّغير للسّيوطي : ١ / ١٩. وانظر ، ذخائر العقبى : ١٣٥ و ١٣٠ و ١٢٩ ، كنوز الحقائق : ١١٨ و ٨١ و ٣٦ ، خصائص النّسائي : ٣٤ و ٣٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٤٤ / ١١٨ ، باب فضائل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٦٧ و ٣٨١ ، تأريخ دمشق : ٧ / ١٠٣ ، اسد الغابة : ٥ / ٥٧٤ ، صحيح ابن حبّان : ٢١٨ ، تهذيب التّهذيب : ٣ / في ترجمة زياد بن جبير ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٢١ / ٣٨٥٦ و : ٣٢٦ / ٣٨٧٠ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٧٧٩ / ١٣٨٤ ، الصّواعق : ١٨٧ و ١٩١ ب ١١ فصل ٢ ، الجامع الصّغير : ١ / ٥٨٩ / ٣٨٢٠ و ٣٨٢١ و ٣٨٢٢ ، منهاج السّنّة : ٤ / ٢٠٩ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٥ و ١٤٠ و ١٣٤ و ١٥٣ و ٢٥٩ ، ينابيع المودّة : ٣٦٩ و ٣٧٢.

(٥) انظر ، سنن التّرمذي : ٣٢٣ ، الإستيعاب : ١ / ٢٨٧ ، التّنبيه والأشراف : ٢٦٠ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٢٩٩ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٤١ ، كشف الغمّة : ١ / ٥٣٣ ، مجمع البيان : ٨ / ٣٦١.

(١) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٦٩ ـ ٧١.

٣٦٦

وآل محمّد ، بحيث يتّجه القاريء تلقائيّا إلى تعظيم أهل البيت وتقدّيسهم ، واقتران اسمهم باسم الله ، واسم جدّهم رسول الله ، وهذا الأسلوب يحدث أثرا معينّا في النّفس من حيث تريد ، أو لا تريد وقد بلغت هذه الصّلوات القمّة في دعائه الّذي كان يدعو به يوم عرفة.

قال : «ربّ صلّ على محمّد وآله صلاة تجاوز رضوانك ، ويتّصل اتّصالها ببقائك ، ولا ينفد كما لا تنفد كلماتك. ربّ صلّ على محمّد وآله ، صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك ، وتشتمل على صلوات عبادك من جنّك وإنسك وأهل إجابتك ، وتجتمع على صلاة كلّ من ذرأت وبرأت من أصناف خلقك ربّ صلّ عليه وآله ، صلاة تحيط بكلّ صلاة سالفة ومستأنفة ، وصلّ عليه وعلى آله ، صلاة مرضيّة لك ولمن دونك ، وتنشئ مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصّلوات عندها ، وتزيدها على كرور الأيّام زيادة في تضاعيف لا يعدّها غيرك»(١) .

طلب الإمام من الله أن يصلّي على الرّسول وآله عدد الصّلوات الّتي صلّاها وتصلّيها الملائكة ، والأنبياء ، والجنّ ، والإنس ، وعدد التّسبيحات الّتي تسبحها بحدّه جميع مخلوقاته من حيوان ، ونبات ، وجماد(٢) ، وأن تبقى صلواته عليهم ببقائه ، وتدوم بدوامه ، على أن تتضاعف في كلّ لحظة أضعافا لا يحصيها إلّا

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٦٥ ، بتحقّيقنا.

(٢) جاء في الآية (٤٤) سورة الإسراء :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) . (منهقدس‌سره ).

٣٦٧

هو وبديهة أنّ هذه الصّلوات الّتي لا يعرف مداها إلّا الله ، إن هي إلّا صدى لعظمة الرّسول وآله ، ومكانهم عند الله وملائكته ورسله.

وهذه صورة أخرى أصرح وأوضح في بثّ الدّعوة لأهل البيت ، قال :

«ربّ صلّ على أطائب أهل بيته الّذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفآءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهّرتهم من الرّجس ، والدّنس تطهيرا بإرادتك ، وجعلتهم الوسيلة إليك ، والمسلك إلى جنّتك»(١) .

وأطائب أهل البيت هم الّذين نزلت بهم آية التّطهير ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وحديث الثّقلين ، وحديث الموالاة ، وحديث المنزلة على أنّهم خزنة علمه ، وحفظة دينه ، وخلفاؤه في أرضه ، وهم محمّد ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين.

وقال طالبا من الله الصّلوات والرّحمة لشيعة أهل البيت :

«اللهمّ وصلّ على أوليائهم المعترفين بمقامهم ، المتّبعين منهجهم ، المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسّكين بولايتهم ، المؤتمّين بإمامتهم ، المسلّمين لأمرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيّامهم ، المادّين إليهم أعينهم ، الصّلوات المباركات الزّاكيات النّاميات الغاديات الرّائحات وسلّم عليهم وعلى أرواحهم ، واجمع على التّقوى أمرهم ، وأصلح لهم شئونهم ، وتب عليهم ، إنّك أنت التّوّاب الرّحيم ، وخير الغافرين ، واجعلنا معهم في دار السّلام برحمتك ،

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجّاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٧٠ ، بتحقّيقنا.

٣٦٨

يا أرحم الرّاحمين»(١) .

وليس من شكّ أنّ الدّعاء للشّيعة بإصلاح شئونهم ، والتّوبة عليهم ، والمغفرة لهم ، دعاية صريحة لأهل البيت ، والتّمسك بولائهم ، ونشر مبادئهم ؛ وليست مبادئهم إلّا مبادىء ، الإسلام وتعاليم القرآن.

ونقف قليلا عند قوله : «واجعلنا معهم في دار السّلام» ، لنتساءل : كيف طلب الإمام من الله سبحانه أن يجعله مع شيعة أهل البيت ، وهم الّذين يرجون النّجاة بشفاعته ، وشفاعة آبائه ، ويسألون الله أن يحشرهم في زمرته ، ويتّخذونه الوسيلة إلى رضوان الخالق ورحمته؟

الجواب :

أنّ قوله هذا تواضع لله لا لسواه فإنّ المعروف من طريقة آل الرّسول إذا ناجوا ربّهم خضعوا وتذلّلوا ، واتهموا أنفسهم ، ولم يقيموا لها أي وزن والشّواهد على ذلك لا يبلغها الإحصاء ، نذكر منها هذا المثال من أقوال الإمام زين العابدين : «إنّك إن تفعل ذلك يا إلهي تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك ، ولا يبرّئ نفسه من استيجاب نقمتك ؛ تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك ، وبمن يأسه من النّجاة أوكد من رجآئه للخلاص ؛ لا أن يكون يأسه قنوطا ، أو أن يكون طمعه اغترارا ؛ بل لقلّة حسناته بين سيّئاته ، وضعف حججه في جميع تبعاته»(٢) .

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٧٥ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجّاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والثّلاثون ، دعاؤه في طلب العفو : ٤٥٦ ، بتحقّيقنا.

٣٦٩

هذا ، إلى أنّ الإمام أراد أن يعرف الشّيعة المجتمعين على الخير والتّقوى أنّ لهم عند الله الحسنى ، والدّرجات العليا.

وبالتالي ، فإنّ أهل البيت قد أدركوا ـ منذ السّاعة الّتي صرف فيها الأمر إلى غيرهم ـ أنّ دين جدّهم معرّض للضّياع والأخطار ، لأنّ من قام ويقوم بالأمر لا يؤتمن على شيء لقد أحسوا وعلموا مقدّما بهذا الخطر ، فحاولوا بكلّ سبيل أن يرشدوا النّاس إلى الحقّ وأهله ، ويفهموا الأجيال أنّ الّذين تولوا الحكم والسّلطان باسم الدّين ليسوا شهداء لله في أرضه ، ولا خلفاء للرّسول في أمره ونهيه ، وإنّما الشّهداء والخلفاء حقّا هم الّذين أمر الله والرّسول بولائهم والتّمسك بحبلهم ، هم الّذين لا يفارقون الحقّ ، ولا يفارقهم في قول أو فعل ، ويدور معهم كيفما داروا ، وأنّى اتّجهوا ، تماما كالقرآن سواء بسواء وبديهة أنّ هذا الوصف لا ينطبق إلّا على أهل البيت بشهادة حديث الثّقلين.

لقد أراد أهل البيت أن تؤمن وتدين بهذا المبدأ النّاس. ولو طائفة من النّاس ، ولا يهمهم بعد ذلك أن يتولى الأمر من يتولّاه ؛ ومن أجل الإيمان بهذا المبدأ كانت حادثة كربلاء وغيرها من الحوادث والمجازر وقد تمّ لهم ما أرادوا فهؤلاء شيعتهم في شرق الأرض وغربها يحيون آثارهم ، ويقيمون شعائرهم ، وينشرون مناقبهم ومآثرهم.

٣٧٠

صور من كربلاء

بكاء ابن سعد

حين وقف الحسين وحيدا في وسط المعركة ، وفي ساعته الأخيرة. والألوف تحيط به من كلّ جانب صاح بأعلى صوته :

هل من ذابّ يذبّ عن حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ؟.

هل من موحّد يخاف الله؟.

هل من مغيث يرجو الله(٢) ؟.

فأغاثوه برمي السّهام ، وطعن الرّماح ، وضرب السّيوف ، فثبت وصبر ، حتّى قال من رآه : «ما رأيت مكثورا قطّ ، قتل ولده وأهل بيته ، وأصحابه أربط جأشا من الحسين ، وإن كانت الرّجال لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه

__________________

(١) ذكرنا ، فيما تقدّم ، السّر الّذي من أجله خرج الحسين بحرم جدّه رسول الله ، واستغاثته هذه تعزّز ما قلناه. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الحدائق الوردية (مخطوط) ، نسب قريش لمصعب الزّبيري : ٥٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٩ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥٧ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٤٨ ، بتحقيقنا ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٣١ ، بتحقّيقنا ، الإتحاف بحبّ الأشراف الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عامر الشّبراوي : ١٤٨ ، بتحقّيقنا.

٣٧١

إنكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذّئب»(١) . وكان يردّد في موقفه هذا كلمات ، منها :

«لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم».

«اللهمّ أنّك ترى ما أنا فيه».

«إلهي إن كنت حبست عنّا النّصر ، فاجعله لما هو خير منه».

«اللهمّ اجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل».

«لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

«إنّي لأرجو أن يكرمني الله بالشّهادة».

«صبرا على قضائك يا ربّ ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين»(٢) .

ولمّا نزف الدّم من جسده الشّريف ، ضعف وهوى على الأرض ، فدنا عمر بن سعد في جماعة من أصحابه ، فرآه يجود بنفسه ، فبكى وسالت دموعه على لحيته ، ثمّ صاح ، وهو يبكي : انزلوا إليه وأريحوه!

بكى ابن سعد على الحسين ، وفي نفس الوقت أمر بذبحه(٣)

وتدّلنا هذه الظّاهرة على أنّ الإنسان قد يتأثر وينفعل في موقف من المواقف من غير قصد وشعور ، تماما كما يتنفس ، وبهذا نستطيع أن نفسّر بكاء المجرمين

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٣ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٧٢ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٢ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٨٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٠٨ ، مثير الأحزان : ٥٢ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١٦٦ ، معالي السّبطين : ١ / ٤٢٣ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٧.

(٣) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٣ ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ١٧١ الطّبعة الثّانية ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٣ ، النّهاية : ٤ / ٣٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٣.

٣٧٢

القساة ، وهم يستمعون إلى حديث كربلاء وفاجعتها.

وعن السّيّدة زينب أنّها قالت : حين استشهد أخي الحسين هجم العدوّ على خيامنا للسّلب والنّهب ، ودخل إلى خيمتي رجل أزرق العينين ، فأخذ ما في الخيمة ، ونظر إلى زين العابدين ، وهو على نطع ، وكان مريضا ، فجذبه من تحته ورماه إلى الأرض ، والتفت إليّ ، وأخذ القناع من رأسي ، وقرطين كانا في أذنيّ ، وجعل يعالجهما ، ويبكي ، حتّى انتزعهما فقلت له : تسلبني ، وأنت تبكي؟! فقال : أبكي لمصابكم أهل البيت

وما يدرينا أنّ بعض من يبكي لمصاب أهل البيت يحمل روح هذا المجرم؟ وإنّه لو تسنى له أن يسلب الحوراء خمارها لفعل وأيّ فرق بين أزرق العينين هذا ، وبين من لا يفعل ولا يترك إلّا على أساس منفعته ومصلحته الخاصّة ، غير مكترث بدين ولا بضمير؟

وإنّي أقدّم هذه الصّورة ، صورة بكاء أزرق العينين ، وسيّده ابن سعد للّذين يحسبون أنّ مجرد البكاء «التّباكي» يدخلهم الجنّة ، ولو راءوا ونافقوا ، ودسّوا وتآمروا ، وتجسموا وقبضوا

وأقدّمها للّذين يصعدون على منبر سيّد الشّهداء ، يشيدون ببطولته ، وإبائه ، وعظمته ، ومبادئه واعظين ومرشدين إلى سبيله وهدايته ، حتّى إذا نزلوا عنه طأطأوا رؤوسهم للوجهاء ، ومدوا أيديهم للأغنياء وإنّي رأيت أكثر من مرّة على منبر الحسين من يسبّح بحمد الظّالمين ، ويكيل لهم المديح والثّناء ناسيا أنّ هذا المنبر قد نصب لمحاربة الظّلم ومكافحة الإجرام

وأيضا أقدّمها للّذين يقضون حياتهم في معاقرة الخمرة ، واللّعب في القمار ،

٣٧٣

وفي حوانيت الدّعارة ، ولا ينطقون إلّا بالكفر والفسق ، وسبّ الأديان والمذاهب ، ولا يتعرفون على صوم ولا صلاة ، حتّى إذا جاء يوم العاشر من المحرّم لبسوا الأكفان ، وضربوا الجباه بالسّيوف ، والأكتاف بالسّلاسل ، وأظهروا الشّيعة والتّشيّع بأبشع الصّور والمظاهر ، ووسموا الذّكرى المقدّسة بأقبح السّمات ، وأفسحوا المجال للمفترين والمتقوّلين بأنّنا لا نصلح للحياة ، وأنّ عقيدتنا بدعة وضلالة ، وسلّحوا العدوّ بأقوى سلاح وأمضاه ، وقبعوا في بيوتهم لا يفكرون إلّا في أنفسهم ، وتركوا غيرهم في وسط المعركة يكافح ، ويناضل ، بكلّ سلاح.

أنّ ذكرى الحسين ما زالت ولن تزال حيّة في القلوب ، فعلينا أن نستغلها لمرضاة الله ورسوله ، لصالح الإسلام والمسلمين ، وبثّ العلم والوعي ، وجمع الكلمة ، لا لإشاعة الجهل والتّفريق ، والإتّجار بالدين والعواطف.

ابتسام الحسين

روي أنّ شمرا ، حيت ارتقى الصّدر الشّريف ، وهمّ بذبح الإمام ، ابتسم عليه أفضل الصّلاة والسّلام ، وقال لشمر :

أتعرفني من أنا؟.

قال اللّعين : أجل ، حقّ المعرفة جدّك محمّد المصطفى ، وأبوك عليّ المرتضى ، وأمّك فاطمة الزّهراء ، وخصمي العليّ الأعلى(١) .

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٦ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٣٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٤٠ ، مروج ـ

٣٧٤

لم يتعجب الحسين لهذه المفاجأة الّتي يحسب كلّ إنسان أنّها محال ، حتّى في التّصور والخيال ، وإنّما ابتسم مستبشرا بالشّهادة ، ولقاء جدّه وأبيه ، أمّه وأخيه ، وبالرّحمة من دار البلاء والفناء إلى دار النّعيم والبقاء ، تماما كما استبشر أبوه من قبل بضربة ابن ملجم ، وقال : «فزت وربّ الكعبة»(١) وروي أنّ الحسين كان في يوم الطّفّ ، كلّما اشتدّ الأمر ، أشرق وجهه ، وهدأت جوارحه ، وسكنت نفسه ، حتّى قال النّاس بعضهم لبعض : أنظروا لا يبالي بالموت(٢)

ولم يقل الحسين لشمر : هل تعرفني؟ ليقيم عليه الحجّة ، لأنّها قائمة عليه ، ولا رجاء أن يتّعظ ويرتدع ، لأنّ الإتعاظ في حقّه أكثر من محال ، وإنّما سأله هذا

__________________

ـ الذّهب : ٢ / ٩١ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٨ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٣ / ٣٤٢ ، سمط النّجوم العوالي : ٣ / ٧٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٦ و ٣٧ ، المعارف : ٢١٣ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٨٢ ـ ٨٣ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١٥ و ٢٣٣ ، و : ٤ / ٥٨ ، النّهاية : ٤ / ٣٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٣ ،

(١) ذكرت قصّة ضرب ابن ملجم مقطّعة في بعض الكتب التّأريخية ، وأهل السّير ، ولكن نحن بصدد تحقّيق هذا الكتاب ، ولسنا بصدد بيان وجمع المقاطع على الرّغم من أنّ بعض الكتب قد نقلتها تفصيلا مع إختلاف يسير في الألفاظ ، وكذلك من التّقديم ، والتّأخير.

انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ١٤٣ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٩ و ٤٧ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ٣٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٤٨٩ و ٤٩٩ و ٥٢٤ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤١١ ، الإمامة والسّيّاسة : ١ / ١٥٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٨٩ ، مناقب الخوارزمي : ٣٨٠ ـ ٤١٠ ، مناقب ابن شهر آشوب : ٣ / ٣١١ ، تأريخ ابن عساكر : ٣ / ٣٦٧ ح ١٤٢٤ ، تأريخ دمشق : ٣٨ / ٩٧ ، و : ٣ / ٣٠٣ ح ١٤٠٢ وما بعدها ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٩٧ ، الفتح الرّبّاني : ٢٣ / ١٦٣ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٤٤ ، ذخائر العقبى : ١١٠ فضائل عليّ عليه‌السلام ، الصّواعق المحرقة : ١٣٣ باب ٩ فصل ٥ مع تقديم وتأخير بما يناسب السّياق ، ويحفظ استرسال المعنى واللّفظ. الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٧٦ ، الاسيعاب : ٣ / ٥٩ بإضافة «... لا يفوتنكم الكلب» ، اسد الغابة : ٤ / ٣٨ ، ينابيع المودّة : ١٦٤ ، أرجح المطالب : ٦٥١.

(٢) انظر ، معاني الأخبار للشّيخ الصّدوق : ٢٨٨ ، الإعتقادات للشّيخ المفيد : ٥٢.

٣٧٥

السّؤال ليعلمه إلى أي حدّ بلغ منع اللّؤم ، والضّعة ، والجرأة على الله والرّسول وأجاب شمر بما أجاب مستخفّا بالله ونبّيه وبجميع الأخلاق والقيم.

وقد يسأل سائل : كيف تجرأ الشّمر وأقدم على ما أقدم عليه؟!. كيف بلغت القسوة منه هذا المبلغ؟!. هل هو من البشر ، أو من طبيعة أخرى؟!.

الجواب :

إنّ الشّمر فرد من النّاس لا يختلف عنهم في لحمه ودمه ، ولا في طبيعته وفطرته الّتي خلق عليها أوّل ما خلق ـ ولا في شيء إلّا إنّه مارس الذّنوب ، واعتادها ، وتمادى فيها ، واستهان بمعصية الله ، حتّى أصبحت عنده كشرب الماء ، ومن كانت هذه حاله قسا قلبه ، وعميت بصيرته ، ولم يعد يبالي بشيء مهما كان ويكون قال أمير المؤمنين : «ما قست القلوب إلّا لكثرة الذّنوب»(١) . وقال تعالى :( بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢) .

وهكذا كلّ من تمادى في غيّه ، واستخفّ بدينه ، ولم يخش حسابا ولا عقابا ، يجوز عليه أن يقدم على ما أقدم الشّمر ، قال الإمام الصّادق : «إذا أذنب الرّجل خرج من قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب زالت ، وإن زاد ازدادت ، حتّى تغلب على قلبه ، فلا يصلح بعدها أبدا»(٣) .

المرتزقة :

خطب الحسين في جيش ابن سعد مرّتين ، وممّا قاله في الخطبة الأولى :

__________________

(١) انظر ، علل الشّرائع : ٨١ ، وسائل الشّعة : ١٦ / ٤٥ ح ٥ ، روضة الواعظين : ٤٢٠.

(٢) المطفّفين : ١٤.

(٣) انظر ، الكافي : ٢ / ٢٧١ ح ١٣ ، وسائل الشّيعة : ١٥ / ٣٠٢ ح ١٢ ، رسائل الشّهيد الثّاني : ١٠٥.

٣٧٦

«أيّها النّاس اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يجب لكم عليّ. وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري ، وصدّقتم قولي ، وأنصفتموني ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي العذر فاجمعوا أمركم وشركائكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون وليي الله الّذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصّالحين».

«أمّا بعد. فانسبوني ، فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها ، وانظروا : هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله ، والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّ أبي ، أو ليس جعفر الشّهيد الطّيار عمّي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي ولأخي : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة»(١) ؟ فإن صدّقتموني بما أقول ـ وهو الحقّ ـ والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم : سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، أو أبا سعيد الخدري ، أو سهل بن سعد السّاعدي ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ٩ لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم ع ن سفك دمي؟».

فقال له شمر بن ذي الجوشن :

هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.

فقال له حبيب بن مظاهر :

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٣٧٧

والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال لهم الحسين :

«فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكّون في أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ، وأنا ابن بنت نبيّكم خاصّة. أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟».

فأخذوا لا يكلمونه. فنادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن ابجر ، ويا قيس بن الأشعت ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ : إن قد اينعت الثّمار ، واخضّر الجناب ، وطمت الجمام ، وإنّما تقدم على جند لك مجند ، فاقبل. قالوا له : لم نفعل. فقال : سبحان الله! ، بلى والله ، لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها النّاس : إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث أولا تنزل على حكم بني عمّك ، فإنّهم لن يروك إلّا ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟(١) .

«لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله : إنّي عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب»(٢) .

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٧٨

هذي هي لغة المرتزقين المأجورين الّذين يطلبون ويزمرون في كلّ عرس يدفع الأجر ، أمّا المباديء والأخلاق ، أمّا الدّين والعلم فكلام فارغ سألهم الحسين عن مكانته فيهم؟. وهل أساء إليهم ، وإلى أحد منهم؟ فاقرّوا واعترفوا بأنّه قدس الأقداس ، وأنّه خير النّاس أبا وأمّا ، ولكنّ الأمير هكذا أراد وهو طوع لمّا يريد

وقال لهم : كيف تناصرون أعداد الله على أولياء الله «من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم؟ ..»(١) فوضعوا أصابعهم في آذانهم ، وأبو إلّا طاعة اللّئام ، لا بغضا للنّبيّ وأهل بيته ـ كما يظن ـ ولا حبّا بأبي سفيان وآل أبي سفيان ، كلّا وألف كلّا بل لأنّهم مرتزقة ، وكفى ولو كانت الدّنيا مع الحسين لكانوا معه على الأمويّين ، ولفعلوا بهم أكثر ممّا فعلوا به وبأهله ، لو أراد.

هذا هو مبدأ المرتزقة في كل عصر ومصر يصنعون كلّ شيء يجر إليهم النّفع فيطيعون الأمير والزّعيم ، ولو كان يزيد وابن زياد ، ويقتلون الصّادق الأمين ، ولو كان محمّدا أو حسينا

وبعد ، فإذا رأيت من يسير في ركاب زعماء هذا العصر وحكّامه فاحكم بأنّه محترف ، حتّى ولو توجّع وتفجّع لمصاب أهل البيت ولا تشك بأنّ الحسين لو كان حيّا ، وأمره الزّعيم بقتاله لأقدم ، وأوجد لنفسه ألف مبرّر ومبرّر.

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٥٧ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٩٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٢٨ ، الإحتجاج : ٢ / ٢٤.

٣٧٩
٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528