الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71400 / تحميل: 4879
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الحسين ومعنى الإستشهاد

بقلم كمال النّجمي

في طباعة كويتيّة أنيقة ، صدرت هذه المسرحيّة الشّعريّة ذات الفصول الخمسة والمناظر العشرين

طباعتها كويتيّة لأنّ مؤلّفها الشّاعر المصري الشّاب محمّد العفيفي مقيم في الكويت الآن ، يعمل مدرسا أو موظفا بعد أن عمل في الصّحافة المصريّة بضع سنوات.

وقد رحلت معه إلى الكويت شاعريته ، وسوف تعود معه حين يعود ، لأنّها شاعريّة حقّيقيّة أشبه بشاعرية أعرابي قديم مطبوع على قول الشّعر حيثما كان!

والعفيفي يكاد يكون غريبا بين شعراء زماننا ، فإنّ فصاحة بيانه تلحقه بالأقدمين ، ولكن تطور فنّه الشّعري يلحقه بالأحدثين. وقد نجا من عجمة الشّعارير الشّبان أدعياء التّجديد ، ومن جمود الشّعراء الكهول النّائمين على التّراث ، ولكن العوائق في طريقه لم تتح له حتّى الآن بلوغ المرام!

ومسرحيّة الشّعرية الجديدة الّتي طارت إلينا من الكويت ، هي ثالث مسرحياته الشّعرية ، وله أيضا ديوانان من الشّعر الغنائي

عنوان المسرحيّة الجديدة : «هكذا تكلّم الحسين» فهل تقوم هذه

٤٠١

المسرحيّة على كلام الحسين؟! وكيف يمكن أن تقوم مسرحيّة على الكلام لا على الفعل وقد قرّر سادتنا نقاد الدّراما في صحائفهم المهيبة أنّ المسرح فعل لا كلام؟!.

الحقيقة أنّ العفيفي كان يسعه أن يسمي مسرحيته : «هكذا فعل الحسين» لو لا أنّ الحسين حين قال فعل ، فكلامه كان دعوة إلى عمل ، وبداية عمل ، ودفاعا عن عمل وفي النّهاية مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا!

أراد الشّاعر أن يبين بالفعل أو بالدّراما أنّ الكلمة حين تنبعث مخلصة صادقة ، لا تنطفيء في العواصف بل تتضوأ عملا ونجاحا ، أو تشتعل مقاومة واستشهادا. وإذا فاتها الصّدق والإخلاص ، فما أفدح الكارثة وما أرخص الكلام!

مع ذلك ، فعنوان المسرحيّة ليس كبير الأهميّة ، بل ليس مهما على الإطلاق المهم حقّا هو المسرحيّة ذاتها بفنّها ، وفكرها ، وشعرها ، وصراعها وما تضيفه إلى المسرح الشّعري العربي الّذي ما زال منذ بدأه شوقي قبل أربعين عامّا يخطو بعناء كأنّه يخطو على الأشواك!.

والإمام الحسين بن عليّ ـ بطل المسرحيّة ـ شخصيّة تأريخيّة لا يجهلها أحد. وما زال التّأريخ مهجرا خصبا للشّعر المسرحي في العالم كلّه قديما وحديثا ، لأنّ الشّخصيات التّأريخيّة بطبيعة الحال هالات خاصّة ترفعها فوق الواقع المعاشر ، فإذا نطقت شعرا لم يستشعر جمهور المسرح تكلفا فيما يسمع من هذا الشّعر ولو كان فخما جزلا ، موزونا مقفى

إلّا أنّ التّأريخ وإن كان مهجرا للشّعر المسرحي فإنّه ليس حيلة يهرب بها من

٤٠٢

الحياة المعاصرة. وإذا فرغت المسرحيّة الشّعريّة من مضمون قادر على مخاطبة العصر فرغت من الحياة.

ومسرحيّة «هكذا تكلّم الحسين» تعود بنا سياسيّا وفكريّا إلى القرن الأوّل الهجري ، ولكنّها تقف على خشبة عصرنا بمضمون لم يستنفد أغراضه ، فضلا عن أنّها بغير هذا المضمون الإنساني الشّامل قادرة على مخاطبة جمهور ديني خاصّ ، هو جمهور الشّيعة ، ومأساة الحسين جرح في قلب هذا الجمهور لا يندمل!

تدور المسرحيّة حول الصّراع بين الإمام الحسين بن عليّ وبين الخليفة يزيد ابن معاوية الّذي طلب البيعة في بداية خلافته من الحسين وأنصاره في مدينة الرّسول ، فغادرها الحسين متوجّها إلى الكوفة في العراق استجابة لدعوة أهلها ، ولكن جند يزيد حالوا بين الحسين وبين الكوفة ، وحاصروه في كربلاء ومنعوا عنه الماء ، وكان جند يزيد بضعة آلآف ، ولم يكن يصحب الحسين إلّا بضع عشرات من أنصاره وبعض الأطفال ، والنّساء من آل بيته

وقال جند يزيد للحسين : بايع ليزيد ، نرفع عنك الحصار ولا ينلك منّا أذى وتذهب حيث أردت! فلم يبايع ، وصمّم على معارضة يزيد ، لأنّه تولّى الخلافة عنوة وأحالها إلى فراش غرام ومجلس شراب ، وانتهك حدود الدّين ، وظلم العباد ، وأفسد في البلاد

وجادل الحسين قادة جند يزيد مجادلة بليغة طويلة حتّى أوشك بعض الجند أن ينضمّوا إليه مقتنعين بوجهة نظره ، ولكنّ السّيف تكلّم في آخر الأمر ، وعصفت السّهام والنّبال ، فاستشهد الحسين ورجاله القلائل الشّجعان في حرب غير متكافئة كان الرّجل منهم يقاتل فيها مئة أو أكثر من جند الخليفة المغتصب

٤٠٣

للخلافة انهزمت كلمات الحسين وانتصرت أسلحة يزيد.

كان الحسين مناضلا بالقول والعمل ، على طريقة المسلمين الأوّلين ، وشتّان بينها وبين طريقة أهل الطّريق والصّوفيّين. ولو كان الحسين متصوفا لقبع في دار أو لجأ إلى «الخانقاه» يتعبد ويأكل من مال السّلطان.

ولكنّ الحسين خرج يتكلّم ويرشد النّاس ويزع المفسدين ويجادلهم. ثمّ مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا.

٤٠٤

السّيّدة زينب(١)

قال عليه الصلاة والسّلام ، «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والسّاعي لهم في امورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه»(٢) .

والسّيّدة زينب رضي الله عنها من هذه الذرّيّة الطّاهرة الصّالحة المؤمنة ، أمّها فاطمة الزّهراء بنت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، وأبوها عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ولدت في شعبان من السّنّة الخامسة للهجرة ، فحملتها أمّها وجاءت بها إلى أبيها ، وقالت :

ـ سمّ هذه المولودة.

فقال لها رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣١ / ١٠ / ١٩٧٢ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٢٤ الطّبعة الأولى ، مودّة القربى : ١٣ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٠ ح ٣٤١٨٠ ، و : ٨ / ١٥١ ، و : ٦ / ٢١٧ ، جواهر العقدين : ٢ / ٢٧٤ ، الصّواعق المحرقة : ١٧٥ و ١٧٦ ، الفصول المهمّة في أحوال الأئمّة : ١ / ١٧٦ ، بتحقّيقنا ، ذخائر العقبى : ١٨ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٢ / ١١٥ ح ٣٢٥ و ٣٨٠ و ٤٦٤ ح ٢٩٧ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم السّمهوديّ : ٢٤٢ بتحقّيقنا ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس ، مخطوط ورقة (٣٥) ، مسند زيد بن عليّ : ٤٦٣.

٤٠٥

ما كنت لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في سفر له.

ولمّا جاء النّبيّ وسأله عن اسمها قال :

ما كنت لأسبق ربّي.

فهبط جبريل يقرأ على النّبيّ السّلام من الله الجليل وقال له :

اسم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم(١) .

ولقيت زينب من جدّها الأعظم كلّ عطف ومحبّة وحنان وأسبغ الله عليها نور النّبوّة والحكمة ، ودرجت تلك الدّرّة في بيت الرّسالة ، ورضعت لبان الوحي من لدى الزّهراء البتول.

وللسّيّدة زينب في طفولتها مواقف تريح النّفس ، وتطمئن الحسّ ، وتبشر بمستقبل لها عظيم ، فقد حدث إن كانت جالسة في حجر أبيها يلاطفها قائلا :

(قولي : واحد.

فقالت : واحد.

قولي : اثنين فسكتت ، فقال عليّ بن أبي طالب :

ـ تكلّمي يا قرّة عيني.

فقالت الطّاهرة :

يا أبتاه ما اطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.

وسألت أباها ذات يوم :

أتحبّنا يا أبتاه؟.

فأجاب رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١. (منهقدس‌سره ).

٤٠٦

وكيف لا احبّكم وأنتم ثمرة فؤادي.

فقالت :

يا أبتاه أنّ الحبّ لله تعالى والشّفقة لنا)(١) .

وقدّر للسّيّدة زينب أن تفقد جدّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي في الخامسة من العمر ، وفقدت أمّها الزّهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت وهي الصّبيّة الصّغيرة عليهما حزنا شديدا ، وواجهت حياة البيت ورعته ، وأدارت شئونه بعقليّة رتيبة واعية وحسّ صادق ، وقلب مؤمن

وعند ما بلغت سنّ الزّواج طلبها شباب هاشم وقريش ، واختار لها والدها عبد الله بن جعفر.

وكتب على السّيّدة زينب الجهاد مع الحسين رضى الله عنه وتتابعت قتلى بني هاشم ، فسقط عبد الله بن عقيل ، وعون بن عبد الله بن جعفر ، ومحمّد ابن عبد الله بن جعفر ، وعبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وجعفر بن عقيل وغيرهم.

ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرّمية.

وتحرك موكب الأسرى والسّبايا من آل البيت النّبوّي الشّريف ، وما كاد الرّكب يمرّ على ساحة المعركة حتّى صاح النّساء وصاحت زينب :

«يا محمّداه! هذا حسين بالعراء مرمل بالدّماء مقطع الأعضاء؟ يا محمّد بناتك سبايا ، وذّريتك مقتلة فأبكت كلّ عدوّ وصديق(٢) .

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٤. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، خطط المقريزي : ٢ / ٢٨٩ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٦ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٧٦ الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، ـ

٤٠٧

ودخل الموكب الحزين الكوفة وتجمع أهلها يبكون فقالت لهم زينب :

«أمّا بعد يا أهل الكوفة

أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولاهدأت الرّنّة

إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.

أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا

وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.

لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.

أتعجبون لو أمطرت دما.؟.

ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا».

قال من سمعها :

«فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كأنّما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فلا والله ما اتّمت حديثها حتّى ضجّ النّاس بالبكاء ، وذهلوا ، وسقط ما في ايديهم من هول تلك المحنة الدّهماء».

__________________

ـ البداية والنّهاية : ٨ / ٢١٠ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٦ و : ٦ / ٢٦٨ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٤٥ ، بتحقّيقنا.

٤٠٨

وتكلمت فاطمة بنت الحسين فقالت في كلام لها :

«أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر ، والغدر ، والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا.

ويّلكم ، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم ، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم ، وختم على سمعكم وبصركم وسوّل لكم الشّيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

«تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله قبلكم؟ وذحول له لديكم؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب ، وعترته الطّيبين الأخيار»(١) .

ومرّت الأيّام ، ثمّ أمر يزيد النّعمان بن بشير أن يجهزها ومن معها بما يصلحهم في رحلتهم إلى المدينة المنورة.

وذهبت السّيّدة زينب إلى المدينة ، وكان وجودها فيها كافيا لأنّ تلهب المشاعر ، وتؤلّب النّاس على الطغاة ، فأخرجت من المدينة بعد أن اختارت مصر دارا لإقامتها.

وقد شرّفت مصر بقدومها رضي الله عنها عند بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجريّة.

وتقدّم لها مسلمة بن مخلّد الأنصاري وإلي مصر ، وعزّاها في خشوع وخضوع ، وبكى فبكت ، وبكى الحاضرون.

محمود يوسف

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦١ ، بلاغات النّساء : ٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧.

٤٠٩
٤١٠

ثأر الله

بقلم : أمير اسكندر

منذ ثلاثة عشر قرنا ، خرج الحسين من أرض الحجاز متوجّها صوب العراق ، ملبيّا نداء أهلها ، كي يعلي كلمة الله الحقيقية ، كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة. وكان خروجه حينذاك ، نذيرا بالنّهاية لكلّ قوى الشّر ، والبغي ، والظّلمة ، فتربصت به ، وتحفّزت له كي تخنق شعاع الضّوء الوليد ، وتحاصر كلمة الحقّ في الصّحراء تموت من الظّمأ قبل أن تبلغ أهلها

رحلة عذاب طويلة ومجيدة ، ما كان يقوى عليها سوى أصحاب الرّسالات وحدهم ناضل فيها الحسين بالكلمة والسّيف معا ، رفض السّلام الخانع وارتفع فوق السّلامة الشّخصيّة الذّليلة ، وظل حتّى آخر نبضة في جسده قوي الرّوح ، صامد الإرادة ، مرفوع الرّأس دائما ، حتّى تمكّنت منه قوى الظّلام والطّغيان فقتلته وفصلت رأسه عن جسده ، وحسبت أنّها بجريمتها قد اطمأنّت ، وأنّ الأرض من تحت أقدامها قد استقرّت. ولكنّها أدركت بعد فوات الأوان أنّها لم تستطع أن تبلغ من أمرها شيئا ، فلا السّلطان دام ولا دعوة الحقّ زالت. قتل الحسين ، ولكن كلمته غدت رسالة. قطع رأسه ولكنّه بات رمزا للشّهادة. تضرّج دمه ولكنّه أمسى في عصره ، وفي كلّ العصور ، نداء يصرخ في المؤمنين

٤١١

والمناضلين من البسطاء والفقراء أن افتحوا دائما عيونكم ، وحدّقوا في كلّ قوى الشّر الّتي تحيطكم ، واقمعوا كلّ عوامل الضّعف والتّردد والخنوع في أعماقكم واثأروا لكلمة الله الحقيقة كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة.

أيمكن أن نعثر في تراثنا على قصّة أروع من قصّة خروج الحسين واستشهاده لنستلهم منها العبرة ، والمثل ، والقدرة على الفداء؟ هل يمكن للفنّان الّذي يعيش بفكره ووجدانه هذه القصّة أن يقاوم في نفسه الرّغبة العميقة والمخلصة في تجسيد أحداثها بوسيلته الخاصّة أيّا كانت شعرا أو لونا أو نغما أو حركة ، أو هذه كلّها معا؟ وكيف يمكننا أن نظل ليل نهار نتحدّث عن التّراث العريق الّذي نملكه ، دون أن تتقدّم خطوة نحو بعث هذا التّراث ، واستخلاص أغلى ما فيه ، وأعزّ ما فيه وأبقى ما فيه ، ونشره وإشاعته بكلّ الوسائل بين النّاس

هكذا صنع شاعر كبير هو عبد الرّحمن الشّرقاوي. وهكذا صنع مخرج مسرحي كبير هو كرم مطاوع ؛ لقد كتب الشّر قاوي مأساة الحسين أو ملحمته ، في مسرحيّة شعريّة هي بالتّأكيد آخر نقطة بلغها في رحلته الفكريّة والفنيّة ، وهي أيضا آخر نقطة بلغها تطور المسرح الشّعري في بلادنا حتّى الآن. وتناولها كرم مطاوع من بعده ، فركّز فصولها ، وكثّف مشاهدها حتّى يمكّنه تجسيدها على خشبة المسرح ، لأنّها في أصلها تزيد عن أربعمئة صفحة واستغرق الإعداد والإخراج شهورا عدّة. كانت الأنباء تنشر في الصّحف خلالها ، عن قرب تقدّيمها للجمهور ، على خشبة المسرح القومي.

وأنا لا أكتب في هذا السّطور نقدا للنّص المسرحي المنشور في كتاب أو للعرض المسرحي الّذي أتيح لي أن أشهد «بروفته» النّهائية ولكنّني ـ للأسف ـ

٤١٢

أريد أن أشير إلى رحلة هذه المسرحيّة الطّويلة خلف كواليس المسرح ، وهي رحلة حافلة بأشد ألوان العذاب للفكر والضّمير ، حتّى يتاح لها أن تخرج للنّاس. ويبدو أنّ مأساة الحسين الّتي وقعت في العراق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا(١) تتكرّر هنا مرّة أخرى رغم اختلاف الظّروف وبعد القرون. فمسرحيّة الحسين تتعرّض الآن مثلما تعرّض الحسين نفسه في الماضي للتّنكر والإنكار! وهي توشك أن تلقى مصيره الدّامي ، مختنقة وسط حصاد قوى غريبة تسلك سلوكا غير مبرّر وغير مفهوم

* * *

وحتّى يكون القاريء على بينة من القصّة كلّها ، أضع أمامه هذه الوقائع الّتي ترسم صورة تسجيليّة لكلّ ما حدث حتّى الآن

في (٨ يوليو عام ١٩٧٠ م) طلب مؤلّف المسرحيّة عبد الرّحمن الشّرقاوي من الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف فحص المسرحيّة وإبداء الرّأي فيها ، حتّى يتسنى البدء في إخراجها للمسرح القومي

رأى الأزهر تقليد متّبع في الأعمال الّتي تتناول موضوعات أو شخصيّات لها مسحة دينيّة.

في (٤ أغسطس عام ١٩٧٠ م) جاءت موافقة الأزهر الشّريف على نصّ المسرحيّة مع بعض التّحفظات الّتي تتحدد في أن يؤدي الممثّل الّذي يقوم بدور الحسين دوره متّخذا شخصيّة الرّاوية عن الحسين لا شخصية الحسين نفسه ، أي أن يبدأ كلماته قائلا «قال الحسين ...» وأن تؤدي الممثّلة الّتي تقوم بدور

__________________

(١) نحن الآن في القرن الرّابع عشر الهجري. المحقق.

٤١٣

السّيّدة زينب دورها متّخذة هي أيضا شخصية الرّاوية عن السّيّدة زينب ، لا شخصية السّيّدة زينب نفسها ، أي أن تبدأ كلماتها قائلة «قالت زينب ...» وهكذا على طول الرّواية ، وذلك كلّه حتّى يمكن تخطي عقبة التّقليد السّائر بعدم ظهور الشّخصيّات الدّينيّة على المسرح أو على شاشة السّينما والتّليفزيون. وبالفعل وافق المؤلّف والمخرج على هذه التّحفظات واقتضى ذلك خروج «عبد الله غيث وأمينة رزق» في بداية العرض إلى مقدّمة الخشبة ليقولا لجمهور المشاهدين أنّهما لا «يمثلان» الشّخصيتين الكريمتين : الحسين والسّيّدة زينب وإنّما يرويان عنهما فقط.

في (١٢ نوفمبر عام ١٩٧١ م) وافقت الرّقابة على المصنّفات الفنّية. على النّص المسرحي المقدم لها بناء على موافقة الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف على عرض المسرحيّة في أغسطس عام (١٩٧٠ م) ، وأصبح الأمر واضحا بعد هذا كلّه ؛ أنّ الضّوء الأخضر مفتوح إمام عرض المسرحيّة من كلّ الجهات الّتي يعنيها الأمر ، وخاصّة جهات الأزهر ، بل أنّ الدّكتور أحمد إبراهيم مهنا مدير إدارة البحوث والنّشر بمجمع البحوث الإسلاميّة أرسل إلى المؤلّف خطابا في (٢١ أكتوبر عام ١٩٧١ م) يقول له فيه : «أرجو أن تلتزموا بما اتّفق عليه بشأن مسرحيّتكم ـ يقصد عدم ظهور الحسين وزينب إلّا كراويتين ـ وفقكم الله».

بعد ذلك ، عقد إجتماع ضمّ ثمانية أشخاص هم : الدّكتور مهنا ، والشّيخ عبد المهيمن ، والأستاذ عبد الحميد جودّة السّحار رئيس هيئة المسرح والسّينما ، وسيّد بدير مدير عام الهيئة ، وحمدي غيث مستشار قطّاع المسرح ، وكرم مطاوع مخرج المسرحيّة ، وعبد الرّحمن الشّرقاوي مؤلّفها ، وسعد أردش الّذي كان

٤١٤

يشرف وقتها على المسرح القومي. واتّفق في هذا الإجتماع على الإلتزام بالتّحفظات الّتي أبداها الأزهر ؛ كما اتّفق على ضم جزئي المسرحيّة «الحسين تائرا والحسين شهيدا» وتقديمهما معا بعد التّركيز والتّكثيف في عرض واحد.

وبدأت بعدها بروفات المسرحيّة وأخذت الصّحف تنشر أنباء تتابع العمل في نموه واكتماله. ثمّ ظهرت في الصّحف والمجلّات ، وعلى جوانب الطّرقات ، الإعلانات الّتي تقول أنّ «ثأر الله» سوف تعرض على خشبة المسرح القومي هذا الأسبوع.

ولكن كانت هناك مفاجأة تنتظر الجميع. قيل : نحن لم نبد رأيا بعد في المسرحيّة! أيّة مسرحيّة؟ قيل أنّ ضم جزئي المسرحيّة وتركيزها في عرض واحد يحتاج إلى إعادة نظر ؛ ما الّذي يمكن أن يتغيّر في المسرحيّة لو عرضت في ساعة أو في سبع ساعات من وجهة نظر بعض الجهات في الأزهر الشّريف ...؟ أنّ تحفظاتها ملتزم بها سواء استغرق العرض ساعة أو عشر ساعات. أنّ مسألة الإقتصاد في الوقت والتّركيز في الفصول والتّكيّيف في المشاهد ، لأنّهم ـ بعد ذلك ـ سوى العاملين في المسرحيّة وجمهورها ونقّادها. أليس كذلك أيمكن أن تكون هذه قضية خلافية بحقّ؟ ومع ذلك فلقد أرسل لهم النّص المعد للعرض في (٩ ديسمبر عام ١٩٧١ م) أي منذ أكثر من شهرين ، وحتّى الآن لم يأت الرّد! رغم أنّ النّص الأصلي للمسرحيّة الّذي أرسل في عام (١٩٧١ م) لم تستغرق إلّا أقل من شهر واحد!.

ما ذا حدث إذن؟ ما ذا يجري خلف الكواليس؟ وأي جديد طرأ اليوم حتّى يحتاج الأمر لإعادة نظر ، وإعادة تقييم ، ومراجعة للموافقات السّابقة؟ وما الموقف الآن ، بعد أن ظهرت الإعلانات في الصّحف والمجلّات والطّرقات ،

٤١٥

واكتمل جهد فكري وفنّي كبير ، وانفق مال حلال من خزينة الدّولة.

لست أريد اليوم أن أتساءل عن الأساس الّذي يستند إليه أولئك الّذين يطالبون اليوم بإعادة النّظر ، أريد أن أسأل فحسب عن معنى الحرمان من عمل كبير هو بالتأكيد من أفضل الأعمال الّتي اتيح لمسرحنا أن يقدّمها ، ومن أكثره قيمة ، ومن أشدّها إستجابة للضّرورات الفكريّة ، والوطنيّة ، والرّوحيّة الّتي نواجهها الآن ؛ من الّذي يكسب من هذا الحرمان بحقّ؟ ومن الّذي يخسر في النّهاية؟ وباسم أيّة قيمة فكريّة ، أو دينيّة تحول جهة ما بين الجمهور وبين هذا العمل الّذي قال عنه بعض رجال الأزهر الشّريف أنفسهم مثل الأستاذ عبد الكريم الخطيب ، والشّيخ عبد الرّحيم فودة : أنّه خدمة كبيرة للقيم الإسلاميّة ، ويجب أن يعرض؟.

* * *

أنّ حرّيّة الفكر الّتي نصّ عليها الدّستور ، ليست مجرد عبارة مجردة ، ولكنّها ينبغي أن تكون فعلا وممارسة. وعلينا جميعا أن نحرص عليها ، وأن نناضل من أجلها ، فهي في النّهاية حجر الزّاوية في أي بناء إجتماعي ، وسياسي ، وثقافي متحضّر.

ونحن نناشدكم أيّها السّادة أن ترفعوا أيديكم عن هذا العمل الّذي يدافع عن أغلى وأعز ، وأبقى ما في تراثنا الماضي ، وحياتنا الرّاهنة أنّ الحسين العظيم لم يكن مجرّد شخصيّة دينيّة فقط ؛ ولكنّه كان أيضا رمزا إنسانيا نبيلا ينحني له المسلمون وغير المسلمين ، ويجسّد لهم كلّ معاني التّضحية الشّريفه في سبيل أسمى ما يدافع عنه الإنسان من قيم.

وهل هناك أسمى من قيم الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة؟.

أليست هذه بحقّ ، كلمة الله الحقيقيّة؟

٤١٦

يسأل ابنته في العيد

من أين لك هذا؟(١)

تحدّث التّأريخ عن بطولات عليّ بن أبي طالب ، وشجاعته ، وفدائيته ، وتضحياته ، كما تحدّث عن زهده ، وعلمه ، وبلاغته ، وتلك صفحة مشرقة من حياته يرويها التّأريخ عنه ، ونستشف منها عدله ، ويقظته ، وشدّته في الحفاظ على أموال الدّولة ، وتطبيق قانون «من أين لك هذا»؟.

فقد حدّث عليّ بن أبي رافع قائلا(٢) : كنت على بيت المال أيّام ولاية عليّ بن

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢ / ١ / ١٩٦٨ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) أبو رافع : هو مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز ، وصالح.

يعدّ في الطّبقة الأولى من الشّيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبد المطّلب ، فوهبه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإسلام العبّاس أعتقه.

هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه‌السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه‌السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه‌السلام ، لأنّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة.

انظر ، ترجمته في : طبقات ابن سعد : ٤ / ٧٣ ق ٤ ، اسد الغابة : ١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢١٢ ح ٢ ، و : ١٢ / ١٠٠ ، الإصابة : ١١ / ١٢٨ ، رجال النّجاشي : ٤ / ١ ، الكنى والألقاب : ١ / ١٧٤ ، تنقيح المقال : ٣ / ١٦ (باب الكنى) ، وتأسيس الشّيعة : ٣١٩ و ٣٤١ ، أعيان الشّيعة :

٤١٧

أبي طالب رضى الله عنه ، وكان في بيت المال عقد ، فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب تقول : بلغني أنّ في بيت المال عقد لؤلؤ ، واحبّ أن أستعيره لأتجمّل به في يوم عيد الأضحى ، فأرسلت إليها قائلا : العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ، فقبلت ، وردّت تقول : نعم ، العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ؛ فدفعتها إليها.

فلمّا رآه أمير المؤمنين في جيدها قال لها : من أين جاء إليك هذا العقد؟.

فقالت : استعرته من ابن أبي رافع لأتزيّن به يوم العيد ثمّ أردّه.

فبعث أمير المؤمنين إلى ابن أبي رافع وابتدره بقوله : يا ابن أبي رافع ، أتخون المسلمين؟.

قال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أخون المسلمين.

فقال : قد أعرت العقد الّذي في بيت المال بغير إذني ورضاي.

قال : يا أمير المؤمنين أنّها ابنتك.

فقال عليّ رضى الله عنه : ردّه من يومك ، وإيّاك أن تعود إلى مثل هذا ، فتلك عقوبتي ، وويل لابنتي(١) .

عليّ عمران

__________________

ـ ٢ / ٣٥٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٦ / ٣ ، الجرح والتّعديل : ٢ / ١٤٩ ، تأريخ ابن معين : ٧٠٤.

والرّاوي لهذه القصّة هو عليّ بن أبي رافع ، والّذي عدّه الشّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان كاتبا له ، ومن خواصّ أصحابه ، وله كتاب في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكتاب في من شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الجمل ، وصفّين ، والنّهروان من الصّحابة.

انظر ، رجال النّجاشي : ٣ ، رجال البرقي : ٤ ، رجال الطّوسي : ٤٧ ، اسد الغابة : ٢ / ١٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٥.

(١) انظر ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ ، وسائل الشّيعة : ٢٨ / ٢٩٢ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٧٥ ، حلية الأبرار : ٢ / ٢٨٦ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٣٣٨ ح ٢٢.

٤١٨

أهل البيت

بقلم : محسن محمّد

تلاشى الزّمن اختفت القرون الّتي تفصل بيني وبينهم وأحسست كأنّي أقف أمامهم في بيت النّبوّة.

هؤلاء هم «أهل البيت» فاطمة الزّهراء ـ ابنة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجها عليّ ـ ابن عمّ الرّسول ـ وأولادهما الحسن والحسين وأحفادهما(١) .

ولقد زرت مكّة والمدينة ، ووقفت بكربلاء وعبرت الطّريق إلى النّجف والكوفة وتمثّلت لي في كلّ لحظة مواقفهم بطولاتهم استشهادهم.

ولقد سرح بي الفكر فيما رأيت من بقايا آثارهم وأنا أقرأ آخر وأحدث ما كتب عنهم قد جمعهم المؤلّف في كتاب واحد وروى قصصّ حياتهم وآراءهم وحكاياتهم ومواقفهما البطوليّة والإنسانيّة معا ووصاياهم لأهلهم وللنّاس ، ولا يوجد سطر في هذا الكتاب الجديد ـ أكثر من (٦٠٠) صحفة ، إلّا وقد عزّزه الكاتب الباحث المحقّق بدليل تأريخي يؤيد وجهة نظره وبمرجع عربي أو أجنبي وبوقائع ثابتة ومحدّدة وينتهي الكاتب إلى

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٤١٩

النّتيجة الّتي ينتهي إليها وتحس في نهاية المطاف بأنّه لا توجد نهاية أخرى أو نتيجة أخرى غير تلك الّتي وصل إليها الكاتب توفيق أبو علم وكيل وزارة العدل ورئيس مجلس إدارة مسجد السّيّدة نفسية وهي واحدة من أهل البيت.

فالكتاب خلاصة حبّ طويل وشفافيّة استغرقت العمر كلّه وكلّ صفحة من الكتاب تجعلك تشعر بأنّ الكاتب يريد أن ينقل إليك الحبّ الكبير الّذي عاشه ، ووهبه لأهل البيت.

أصغر البنات

هذه هي السّيّدة فاطمة الزّهراء أصغر بنات الرّسول وأحبّهنّ إليه.

أمّها السّيّدة خديجة الّتي جاءها النّبيّ من غار حرّاء بعد نزول الوحي خائفا متردّدا غريب النّظرات فإذا بها تردّ إليه السّكينة ، والأمن ، وتسبغ عليه ودّ الحبيبة ، وإخلاص الزّوجة ، وحنان الأمّهات.

تعلّمت من أمّها أعظم الدّروس فكانت ـ فاطمة ـ تضمّد جراح أبيها ـ النّبيّ ـ في غزوة احد وتقوم وحدها بعمل البيت لا يعينها أحد ، عاشت على الكفاف لا تكذب ولا تشكو ، وكانت تردّد دائما قول أبيها : «طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا قنع به»(١) . تركت الإعتراض والسّخط. وأعرضت عن طيبات الدّنيا ، واستوى عندها الفقر ، والغنى ، والرّاحة ، والعناء ، والصّحة ، والمرض ،

__________________

(١) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٦ و : ٤ / ٥٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٩٠ ح ٩٨ و : ٤ / ١٣٦ ح ٧١٤٤ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٧٦ ح ٢٣٤٩ ، مسند أحمد : ٦ / ١٩ ح ٢٣٩٨٩ ، المعجم الكبير : ١٨ / ٣٠٥ ح ٧٨٦ و ٧٨٧ ، كشف الخفاء : ١ / ١٧٨ ح ٤٧٣ و : ٢ / ٦٢ ح ١٦٨١.

٤٢٠

والفناء ، والبقاء ، والموت ، والحياة.

صنع لها النّبيّ زيّا جديدا لليلة عرسها وزفافها وكان لها زي قديم ، فإذا بسائلة في الباب تطلب زيّا قديما فقدّمت لها القديم ، ثمّ تذكرت قول الله :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) (١) فدفعت إليها بالجديد.

روت عن النّبيّ كثيرا من الأحاديث ، وسمعته وهو يقول : «أنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللهعزوجل فيها خيرا إلّا أعطاه»(٢) .

ولكن فيها ملامح النّساء جميعا

بلغ العتاب يوما بين فاطمة وزوّجها عليّ ما يبلغه من خصومة بين الزّوجين ، عند ما علمت أن عليّا يزمع الزّواج على مألوف عادة قومة في الجمع بين زوّجتين وأكثر ويفعل ما أباح له الإسلام من تعدد الزّوجات قصدت أباها النّبيّ تروي القصّة قائلة : إنّ قومك يتحدثون أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا عليّ ناكح ابنة أبي جهل؟.

قال المسور : فقام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته حين تشهد ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي أنكحت أبا العاص ابن الرّبيع فحدّثني فصدّقني ، وإنّ فاطمة بضعة منّي ، وإنّما أكره أن تفتنوها ، وإنّه والله لا تجتمع بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبدا». قال : فترك عليّ الخطبة»)(٣) .

__________________

(١) آل عمران : ٩٢.

(٢) انظر ، مسند أحمد : ٢ / ٢٣٠ ح ٧١٥١ و : ٢ / ٤٥٧ ح ٩٨٩٣ و ١٠٠٧٠ و ١٠٤٦٤ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥٨٤ ح ٨٦٢ ، السّنن الكبرى : ٦ / ١٣٢ ح ١٠٣٠٧ و ١٩٣٠٨ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٦٦ و : ٥ / ٩٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٣ ح ١٧٤٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ١ / ٤٧٧ ح ٥٥١٠.

(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٤ / ١٩٠٣ ح ٢٤٤٩ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٦٤ ح ٣٥٢٣ ، صحيح ابن

٤٢١

ويعدل عليّ عن هذا الزّواج الجديد. وتموت فاطمة في سنّ الثّامنة والعشرين(١) وقبل أن تموت توصي زوّجها بالزّواج من بنت أختها(٢) ، وأن تدفن ليلا(٣) .

__________________

ـ حبّان : ١٥ / ٤٠٨ ح ٦٩٥٧ و ٧٠٦٠ ، مسند أبي عوانه : ٣ / ٧١ ح ٤٢٣٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٣٠٨ ح ١٤٥٧٧ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٦٤٤ ح ١٩٩٩ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ٧ / ٣٠١ ح ١٣٢٦٧ ـ ١٣٢٦٩ ، معتصر المختصر : ١ / ٣٠٧ ، مسند أحمد : ٤ / ٣٢٦ ح ١٨٩٣١ و ١٨٣٢ ، مسند أبي يعلى : ١٣ / ١٣٤ ح ٧١٨١ ، المعجم الكبير : ٢٠ / ١٨ ح ١٨ و ٢١ ، البيان والتّعريف : ١ / ٢٧٠ ، فتح الباري : ٩ / ٣٢٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٣٣ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٧٥٦ ح ١٣٢٩ ـ ١٣٣٤ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ١ / ٤٧ ح ٥٥.

(١) اختلف في وفاة الصّدّيقة على أقوال. انظر ، المناقب للخوارزمي : ١ / ٨٣ ، الإصابة : ٤ / ٣٨٠ ، مقاتل الطّالبيين : ٣١ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ١٨ ، الملل والنّحل : ١ / ٥٧ ، لسان الميزان : ١ / ٢٩٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٩٣ ، إثبات الوصية للمسعودي : ٢٣ ، الذّريّة الطّاهرة : ٢١٦ ، مروج الذّهب : ١ / ٤٠٣ ، المعارف : ١٤٢.

(٢) أمامة بنت أبي العاص بنت زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّجها بعد موت خالتها فاطمة البتول.

انظر ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٣٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، الشّيخ العلّامة شرف الدّين أبي محمّد عمر بن شجاع الدّين العارف المتوفّى سنة (٦٤٦ ه‍) : ٢٢٩ ، بتحقيقنا ، تأريخ الطّبري : ٤ / ١١٨ ، الهداية الكبرى : ٤٠٧ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ المعارف : ٢١٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، دلائل الإمامة : ١٣٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تذكرة الخواصّ : ٥٧.

(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٣٩ ، و : ٥ / ١٧٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ٧٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٤٩ و ٥٠ ، و : ١٦ / ٢١٤ و ٢١٨ ، اسد الغابة : ٥ / ٥٢٤ ، الإستيعاب : ٢ / ٧٥١ ، مسند أحمد : ٦ / ٤٦١ ، الإصابة : ٤ / ٤٧٨ ، تأريخ الطّبري ٤ / ٤٧٤ ، المناقب للخوارزمي : ١ / ٨٤ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٣ ، روائع الحكم في أشعار الإمام عليّعليه‌السلام الدّيوان : ٩٢ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٨٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٩٨.

٤٢٢

ولمّا علم المسلمون بوفاتها وجدوا أربعين قبرا بناه عليّ حتّى لا يعرف قبرها أحد وهي الّتي لم يترك النّبيّ غيرها من الأولاد(١) .

ولقد تركت وصايا كثيرة تركتها لابنها الحسن دعاء يردّده : «الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره ، ولا يخيب من دعاه ، ولا يقطع رجاء من رجاه»(٢) .

الإمام عليّعليه‌السلام

وهذا عليّ بن أبي طالب قال عنه النّبيّ : «لقد كفاني أمري وهو ابن (١٢) سنة ، وضرب بين يدي بالسّيف وهو ابن (١٦) سنة. وقتل الأبطال وهو ابن (١٩) سنة. وفرّج همومي وهو ابن (٢٠) سنة ، ورفع باب خيبر وهو ابن (نيف وعشرين) سنة ، وكان لا يرفعه (٥٠) رجلا»(٣) .

اختلف عليّ عن الخلفاء بلقب الإمام. لم يبدأ أحدا يوما بقتال. ودخل عليه أحدهم يوما فوجد بين يديه لبنا حامضا وكسرة يابسة ، فقال الرّجل :

ـ لقد آذتني حموضة اللّبن يا أمير المؤمنين. أتأكل هذا.

فقال عليّ :

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٤٤٨ ، البخاريّ : ٣ / ٣٨ ، صحيح مسلم : ١ / ٧٢ و : ٥ / ١٥٣ ، ابن كثير : ٥ / ٢٨٥ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٤ ، ابن الأثير : ٢ / ١٢٦ ، كفاية الطّالب : ٢٢٥ ، المسعوديّ : ٢ / ٤١٤ ، التّنبيه والأشراف : ٢٥٠ ، الصّواعق المحرقة : ١ / ١٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٤ ، والسّنن الكبرى : ٦ / ٣٠٠. كلّ هذه المصادر تتحدث بأنّه ـ أبو بكر ـ ، لم يصلّ عليها ، بل دفنت سرّا.

(٢) انظر ، مشارق الأنوار في آل البيت الأخيار ، لعبد الرّحمن بن حسن بن عمر الأجهوري المصري الأزهري المالكي (المتوفّى ١١٩٨ ه‍) : ٢٦٦ ، تأريخ مدينة دمشق ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام : ١٠.

(٣) انظر ، الأمالي للشّيخ الصّدوق : ٤٨٣ ، روضة الواعظين : ١٢٠ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٦ ، أمالي الشيخ الطوسي : ٤٣٩ ح ٤٠ ، دلائل الإمامة : ٧٠.

٤٢٣

ـ كان رسول الله يأكل أيبس من هذا وأخشن من هذا(١)

ومنذ اليوم الأوّل لخلافة عليّ هزل الولاة الّذين استباحوا الغنائم المحظورة وتمرغوا بالدّنيا وطمعوا وأطمعوا رعاياهم في بيت مال المسلمين وجنّب الصّحابة الطّامحين إلى الإمارة فتنة الولايات خوفا عليهم من غوايتها.

ويترك لولده الحسن وصيّتة :

(أوصيكما بتقوى الله ، وألّا تبغيا الدّنيا ، وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها ، زوي عنكما وقولا بالحقّ ، واعملا للأجر ، وكونا للظّالم خصما ، وللمظلوم عونا.

أوصيكما ، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام».

الله الله في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم.

والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم. ما زال يوصي بهم ، حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم.

والله الله في القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

والله الله في الصّلاة ، فإنّها عمود دينكم.

والله الله في بيت ربّكم ، لا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا.

والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتّواصل والتّباذل ، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف

__________________

(١) انظر ، الغارات : ١ / ٨٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٠١ ، مكارم الأخلاق : ١٥٨.

٤٢٤

والنّهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

ثمّ قال : يا بني عبد المطّلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا ، تقولون : «قتل أمير المؤمنين». ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا بالرّجل ، فإنّي سمعت رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور»(١) .

وأوصى الإمام الحسن : «إنّي اوصيك يا حسن(٢) وكفى بك وصيّا بما أوصاني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا كان ذلك يا بنيّ فالزم بيتك وابك على خطيئتك ، ولا تكن الدّنيا أكبر همّك ، واوصيك يا بنيّ بالصّلاة عند وقتها ، والزّكاة في أهلها عند محلّها ، والصّمت عند الشّبهة ، والإقتصاد ، والعدل في الرّضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضّيف ، ورحمة المجهود ، وأصحاب البلاء ، وصلة الرّحم ، وحبّ المساكين ومجالستهم ، والتّواضع فإنّه أفضل العبادات ، وقصر الأمل ، وذكر الموت ، والزّهد في الدّنيا فإنّك رهن موت وغرض بلاء وطريح سقم.

وأوصيك بخشية الله تعالى في سرّ أمرك وعلانيتك ، وأنهاك عن التّسرّع بالقول والفعل ، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شيء من أمر الدّنيا

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة (٤٧) ، والحديث في مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٤٩ و : ٩ / ١٤٢ ، المعجم الكبير: ١ / ١٠٠ و : ١٢ / ٤٠٣ ح ١٣٤٨٥ و : ١٨ / ١٥٧ ح ٣٤٣ و ٣٤٥ ، البداية في تخريج أحاديث الدّراية : ٢ / ٣٨ ح ٤٩٨ ، نصب الرّاية : ٣ / ٢٢٤ ، السّير الكبير للشّيباني : ١ / ١١٠ و : ٣ / ١٠٢٩ ، تنزيه الأنبياء : ٢١٨ ، وهنالك أحاديث كثيرة تنهى عن المثلة كما جاء في مسند أحمد : ٤ / ٢٤٦ و ٤٤٠ و : ٥ / ١٢ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ١٨٣ ، السّنن الكبرى : ٩ / ٦٩.

(٢) انظر ، المعمّرون والوصايا للسّجستاني : ١٤٩ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٨٥ و ٦١ ، الأمالي للزّجاجي : ١١٢ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٢٥ ، ذخائر العقبى : ١١٦ ، المعارف : ٢ / ١٧٨.

٤٢٥

فتأنّه حتّى تصيب رشدك فيه ، وإيّاك ومواطن التّهمة والمجلس المظنون به السّوء ، فإنّ قرين السّوء يغير جليسه.

وكن لله يا بنيّ عاملا ، وعن الخنا زجورا ، وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخ الإخوان في الله ، وأحبّ الصّالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله ، وإيّاك والجلوس في الطّرقات ، ودع المماراة ومجاورة من لا عقل له ولا علم.

واقتصد يا بنيّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدّائم الّذي تطيقه ، والزم الصّمت وبه تسلم ، وقدّم لنفسك تغنم ، وتعلّم الخير تعلم ، وكن ذاكرا لله تعالى على كلّ حال ، وارحم من أهلك الصّغير ، ووقّر منهم الكبير ، ولا تأكلنّ طعاما حتّى تتصدّق منه قبل أكله ، وعليك بالصّوم فإنّه زكاة البدن ، وجنّة لأهله.

وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوّك ، وعليك بمجالس الذكر ، وأكثر من الدّعاء فإنّي لم آلك يا بنيّ نصحا وهذا فراق بيني وبينك.

واوصيك بأخيك محمّد خيرا فإنّه شقيقك ابن أبيك وقد تعلم حبّي له. أمّا أخوك الحسين فإنّه شقيقك وابن امّك وأبيك ، ولا ازيد الوصاة بذلك ، أزيدك وصياته ، والله الخليفة عليكم ، وإيّاه أسأل أن يصلحكم ، وأن يكفّ الطّغاة والبغاة عنكم ، والصّبر الصّبر حتّى يقضي الله الأمر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم(١) .

ـ ثمّ قال للحسن : يا حسن أبصروا ضاربي ، أطعموه من طعامي ، واسقوه من

__________________

(١) انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٤٣٦.

٤٢٦

شرابي»(١) .

الحسنعليه‌السلام

كان يحضر مجلس جدّه النّبيّ فيحفظ الوحي يستمع إلى دعائه : «أللهمّ أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن تولّيت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرّ ما قضيت فإنّك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنّه لا يذل من واليت. تباركت ربّنا وتعاليت»(٢) .

ويستمع إلى نصيحة النّبيّ : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنّ الشّر ريبة والخير طمأنية»(٣)

كان الحسن جريئا

وكان لا يرى للمال أهميّة سوى ما يردّ به جوع جائع ، أو يكسو به عاريا ، أو يغيث به ملهوفا أو يفي به دين غارم ورفض جميع مباهج الحياة وزهد في نعيمها(٤) . وردّد نصح النّاس فقال : «من لم يؤمن بقضاء الله وقدره خيره

__________________

(١) انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ٦٢٧ ، بتحقّيقنا) ، نور الأبصار للشّبلنجي : ١ / ٤١١ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٤٤ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٢٤٨ ح ١٧٤٦ ، مسند أحمد : ١ / ١٩٩ ح ١٧١٨ ، فتح العزيز : ٣ / ٤٢١ ـ ٤٣٠ و : ٤ / ٢٤٩ ، المغني : ١ / ٨٢١ ، الشّرح الكبير : ١ / ٧٥٧ ، سنن التّرمذي : ٢ / ٣٢٨ ح ٤٦٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٦٣ ح ١٤٢٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٣٧٢ ح ١١٧٨ ، سنن البيهقي : ٢ / ٤٩٨ ، تأريخ بغداد : ١٠ / ٢٨٤ ، تأريخ دمشق : ١٣ / ١٦٤.

(٣) انظر ، صحيح ابن خزيمة : ٤ / ٥٩ ح ٢٣٤٨ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٤٩٨ ح ٧٢٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ١٥ ح ٢١٦ ، المعجم الكبير : ٣ / ٧٦ ح ٢٧١١ و : ٢٢ / ٨١ ح ١٩٧.

(٤) انظر ، حياة الحيوان للدّميري : ١ / ١٦٥ ، حلية الأولياء : ٢ / ٣٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : / ٣ ـ

٤٢٧

وشرّه فقد كفر ..»(١) .

ونصح الحكم فقال : «إنّ الحاكم المثالي هو من إذا خاف الله في السّر والعلانية وعدل عند الغضب والرّضا. وقصد في الفقر والغنى. ولم يأخذ الأموال غصبا. ولم يأكلّها إسرافا وتبذيرا»(٢) .

وآمن الحسن بالمساواة. وفي ذات يوم جاءته امرأتان تشكوان فقرهما ، فأعطاهما ، ولكن إحداهما سألته أن يزيدها ، ويفضلها على صاحبتها ، لأنّها هي عربية ، وصاحبتها من الموالي ، فأخذ قبضة من تراب ، ونظر فيه وقال : «إنّي نظرت في كتاب الله فلم أجد فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحق ، ولا أعلم أنّ الله فضل أحدا من النّاس على أحد إلّا بالطّاعة ، والتّقوى»(٣) .

وتنازل عن الإمارة لمعاوية ، وعقد معه صلحا(٤) وكان هذا الصّلح ، ثمّ

__________________

ـ ١٨٠ ، تأريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام الحسن) : ١٤٢ ، سنن البيهقي : ٤ / ٣٣١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٠ ، تأريخ الخلفاء : ٧٣.

(١) انظر ، فقه الإمام الرّضا : ٤٠٨ ، المعجم الكبير : ٢ / ٤٨ ح ٩٠٣.

(٢) انظر ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٧. ونسب القول إلى غير الإمام.

(٣) انظر ، الإمام جعفر بن محمّد الصّادق للجندي : ٣١٣. وقد نسبها إلى الإمام عليّ.

(٤) أنّ الشّريعة الإسلاميّة الإنسانية تقوم على أسّس عديدة ، أهمها ، وأدقّها رعاية المصلحة ، ودفع المفسدة ، لأنّ أحكام الإسلام تبتني بكلامها على هذا الأساس ، وقد يكون في الحادثة ، أو الفعل مصلحة من جهة ، ومفسدة من جهة ثانية ، وعندها لا مفرّ من عملية الموازنة بين رعاية المصلحة ، ودفع المفسدة ، وتقديم الأهم على المهم ، فإن كان درء المفسدة أوجب تجاهلنا المصلحة ، وعقدنا الهدنة ، والمصالحة مع المفسدة إلى أن تحين الفرصة ، وتسنح ، والشّرط الأوّل فيمن يجري عملية الموازنة أن يكون من العارفين الحكماء.

واختلف المؤرّخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصّلح ، فابن خلدون في تأريخه : ٢ / ١٨٦ ذهب ـ

٤٢٨

استشهاد الحسين بعد ذلك من دعائم الإسلام ، ولو لا هما لما بقي للإسلام اسم.

الحسينعليه‌السلام

وهذا هو الحسين وتلك كلماته الباقية على مرّ الزّمن :

«لا تتكلّف ما لا تطيق. ولا تتعرض لما لا تدرك. ولا تعد بما لا تقدر عليه. ولا تنفق إلّا بقدر ما تستفيد. ولا تطلب من الجزاء إلّا بقدر ما صنعت ، ولا تفرح إلّا بما نلت من طاعة الله تعالى ، ولا تتناول إلّا ما رأيت نفسك أهلا له»(١) .

أقدم على الموت مقدّما نفسه وأولاده وأطفاله وأهل بيته للقتل ، وكان يردّد : «لست أخاف الموت. موت في عزّ خير من حياة في ذلّ»(٢) .

(وارتكب أحد عمّاله جناية توجب التّأديب ، فأمر بتأديبه ، فقال العامل :

قال الله تعالى( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) (٣) .

قال الحسين : خلّوا عنه كظمت غيظي.

__________________

ـ إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسن رضى الله عنه ، والكامل لابن الأثير : ٣ / ٢٠٥ ، والفتوح : ٢ / ٢٩٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٩٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٥. مثل ذلك.

أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب وبادر إلى الصّلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد ، كما ذكر الشّيخ المفيد في الإرشاد : ٢ / ١٣ ، وكشف الغمّة : ١٥٤ ، مقاتل الطّالبيّين : ٧٤ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠٦ ولكنّنا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصّلح ، وممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن رضى الله عنه الّذي ألقاه في المدائن.

جاء فيه : ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفه

(١) انظر ، أسرار الحكماء : ٩٠ ، أعيان الحكماء : ١ / ٦٢١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٦٧١ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٢٤ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٨١.

(٣) آل عمران : ١٣٤.

٤٢٩

قال العامل :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) (١) .

قال الحسين : عفوت عنك.

قال :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) فأعتقه وأعطاه)(٣) .

وقفته في كربلاء ، وحربه معروفة عند ما قاتل جيوش الأمويّين قتل أمامه ولده وأهل بيته وأصحابه ، ولكنّه استمر يقاتل ، ومثله في هذه المواقف يسلّم ويستسلم ، ولكنّه وقف أمام ثلاثين ألف(٤) كالجراد المنتشر ، ينهزمون بسيفه ، وهو يقول : «لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم»(٥) .

وفي كربلاء في يوم عاشوراء استشهد كلّ كبير وصغير من أبناء عليّ واستشهد الحسين ، وحمل قاتله الرّأس إلى زوّجته ـ زوّجة القاتل ، قائلا :

ـ جئتك بغني الدّهر هذا رأس الحسين معك في الدّار.

فقالت الزّوجة :

ـ ويّحك. جاء النّاس بالذّهب والفضّة وجئت برأس ابن بنت رسول الله.

والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت(٦) .

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

(٢) آل عمران : ١٣٤.

(٣) انظر ، شعب الإيمان : ٦ / ٣١٧ ح ٨٣١٧ ، تأريخ دمشق : ٤١ / ٣٨٧ ، الدّر المنثور : ٢ / ٧٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٩٦ ، البداية والنّهاية : ٩ / ١٢٥ ، روضة الواعظين : ١٩٩ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٩٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٤٧ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٩١ ، بتحقّيقنا).

(٤) تقدّمت تخريجاته.

(٥) تقدّمت تخريجاته.

(٦) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٣ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٨٠.

٤٣٠

ولقد كانت حركة الحسين عملية استشهاد كلّف الأيّام ضدّ طباعها.

عزّ عليه ـ على الحسين ـ النّصر العاجل وابتغى النّصر الآجل بعد موته ليحيي بذلك قضيّة مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة وقد رفض الحسين إلّا أن يصحب أهله ليشهدوا النّاس على ما يقترفه أعداؤه بما لا يبرّره دين ، ولا وازع من إنسانيّة ، فلا تضيع قضيّة مع دمه المراق في الصّحراء.

وإذا كان الحسين قد هزم في معركة حربيّة أو خسر قضيّة سيّاسيّة ، فلم يعرف التّأريخ هزيمة كان لها من الأثر لصالح المهزومين كما كان لدم الحسين ، فقد قامت ـ بعد وفاته ـ الثّوارات لتدك عرش بني اميّة.

أمّ العواجز

وتمضي صفحات الكتاب مع أهل البيت لتنتهي عند السّيّدة نفيسة الّتي لقّبت بنفسية الدّارين ، ونفيسة العلم ، ونفيسة المصريژين وأمّ العواجز ولأمّ العواجز حديث آخر يطول(١) .

__________________

(١) انظر ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٥٩ ـ ٢٧٦ ، بتحقّيقنا ، فوات الوفيّات : ٢ / ٣١٠ ، وفيّات الأعيان : ٢ / ١٦٩ ، خطط المبارك : ٥ / ١٣٥ ، عمدة الطّالب : ٢٤٩ ، لسان الميزان : ٢ / ٢٠٨ ، المجدي في أنساب الطّالبيين : ١٦ ، الأعلام للزّركلي : ٣ / ٦٧ ، كتاب الشّهاب للقضاعي : ١٣ ، درّر الأصداف في فضل السّادة الأشراف ، لعبد الجواد بن خضر الشّربيني ، المآثر النّفيسة في مناقب السّيّدة نفيسة ، لجمال الدّين محمد الرّومي ، طبعة الحجر : ٤٧.

٤٣١
٤٣٢

في طريق الشّام

القربان :

بعد أن قتل الحسين وقفت سيّدة الطّفّ عند جسده الشّريف ، ثمّ نظرت إلى السّماء ، وقالت :

«اللهمّ تقبل منّا هذا القليل من القربان»(١)

من أي معدن هذه الرّوح الّتي عرفت حقيقة الحسين وعظمته عندها وأبيها عليّ ، وأمّها فاطمة ، وأخيها الحسن ، ولكنّها تعرف أيضا عظمة الدّين ، الله وطاعته ومرضاته؟

أجل ، أنّها تعرف عظمة الحسين ، بل ترى فيه شخص جدّها محمّد ، وقد حاول الأمويون القضاء عليه ، فقدم آل الرّسول الحسين فداء له وأنّه يفدى بكلّ عظيم ، ويضحي في سبيله ، حتّى بالأنبياء والأوصياء فيحاة الحسين عظيمة وغالية ، كحياة جدّه وأبيه ، ولكنّ الدّين أغلى وأثمن ، وقد حاول الأمويون القضاء عليه ، فقدّم آل الرّسول الحسين فداء له.

وتضرعت سيّدة الطّفّ إلى الله سبحانه أن يتقبل هذا القربان القليل ، لأنّها لا

__________________

(١) «زينب الكبرى» للنّقدي عن كتاب «الطّراز المذهّب». (منهقدس‌سره ).

و : ٥٧ و ٩٦ ، الكبريت الأحمر : ٣ / ١٣.

٤٣٣

وأمّ كلثوم(١) ، وعرف عنها أنّها كانت رضوان الله عليها خير أمّ صالحة في رعاية زوّجها وأولادها ، كما عرفت عنها الشّجاعة النّادرة والجرأة العظيمة الّتي ظهرت بعد موقعة كربلاء وموقفها من يزيد.

فلقد خاطرت السّيّدة زينب بحياتها لمّا ذهب أخوها الإمام الشّهيد أبي عبد الله الحسين إلى العراق ، وصاحبته إلى تلك البلاد واشتغلت بتضميد الجرحى ، والسّهر عليهم ، وإعانة أهل من قتل من جيش أخيها ، وجاهدت في سبيل الله حقّ الجهاد إلى أن استشهد الحسين وكثير من أهل بيته ، فحزنت ، لكنّها صبرت صبر أيوب ، وأخذت تخاطب الظّالمين ، والقتلة الكافرين بأعنف وأغلظ الأقوال قائلة : ماذا تقولون إذا قال النّبيّ لكم وطالبكم بدم أخي الحسين؟

وماذا يكون الجواب إذا سألكم جدّي رسول الله عن رحمه وضياع حقّ آل بيت النّبوّة على يد يزيد قبّحه الله.

وكانت رضي الله عنها عنيفة في قولها لابن زياد ممّا جعل بعض الكافرين من أصحاب ابن زياد والموالين ليزيد أن يهجم على خبائها ويقتل الإمام عليّ زين العابدين ابن أخيها الحسين والّذي أبقى به الله نسل النّبوّة إلى يومنا هذا وحتّى قيام السّاعة ، فصرخت في وجهه صرخة شديدة قائلة :

والله لا يقتل حتّى أقتل قبله فألقى الله في قلب ذلك الغادر الرّعب ، وسقط السّيف من يده ولم يتعرض لهما بسوء ورجع خاسرا(٢) .

بعد ذلك رحلت ومن معها من السّادة الأطهار إلى الشّام ، ولمّا مثلت في

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٤٣٤

مجلس يزيد وظهر عليه الحقد وما أبداه من الشّماتة وما تفوّه به من ألفاظ ، قالت له السّيّدة زينب : صدق الله يا يزيد :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) (١) أظننت أننا غلبنا وسقنا كالأسارى هوانا من الله لنا ، وأنت جذل فرح حين رأيت الدّنيا مستوثقة لك ، فالله أكبر وأملك :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٢)

ثمّ رحلت بعد ذلك إلى المدينة ، ثمّ إلى القاهرة ، إلى أن توفّيت سنة (٦٢) ودفنت في مسجدها المعروف(٣) .

حسين البتنوني

__________________

(١) الرّوم : ١٠.

(٢) آل عمران : ١٧٨. انظر ، أخبار الزّينبيّات : ٨٦ ، بلاغات النّساء : ٢١ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٢٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٧ ، أعلام النّساء : ٢ / ٥٠٤ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٧٩ ، العوالم : ٢٠٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٦٠.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

٤٣٥
٤٣٦

كتاب للإمام جعفر الصّادق

في ألف صفحة

أنّ جابر بن حيّان الّذي اعترفت أوربا أنّ الكيمياء هي صنعة جابر ، حتّى أطلقوا عليها اسم «كيمياء جابر» هذا العبقري الّذي أسّس علم الكيمياء ونظريّاته الحديثة ينسب كلّ مواهبه العلميّة إلى التّعاليم المحمّديّة ، وله نظريّة تربط بين الدّين والعلم ، ويقول المستشرق الأوربي «كراوس» في دائرة المعارف عن نظرية جابر بن حيّان الّتي يربط بها بين الدّين والعلم وحتميّة ذلك فيقول : «يربط جابر بين نظريّات العلم الطّبيعي وعلم الأديان ويسمّي أستاذه جعفر الصّادق معدن الحكمة»

وكان النّاس في بغداد أيّام العبّاسيّين يهرعون إلى جعفر الصّادق ليتفقهوا في الدّين وفي علوم الإسلام وكان جابر بن حيّان ينسب كلّ معارفه في علم الكيمياء إلى الإلهام المحمّدي ، فيقول عن ذلك وهو يتحدّث عن كتبه العلميّة :

«تأخذ من كتبي علم النّبيّ وعليّ وسيّدي «جعفر الصّادق» وما بينهم من أولاد»

وجعفر الصّادق حفيد رسول الله كان من علماء الكيمياء ، وله كتاب في هذا العلم يقع في ألف صفحة كما تقول دائرة المعارف.

٤٣٧

أي أنّ جابر بن حيّان عبقري الكيمياء في التّأريخ البشري كلّه والّذي أسقط نظريّة «ارسطو» في تكوين «الفلزّات» ، ينسب هذا العلم الخطير إلى الإلهام المحمّدي

وهو يرى أنّ مزج علوم الدّين بعلوم الدّنيا يجعل الإنسان متوحدا في مسيرته الكونيّة ولا مفرّ من ذلك ، لأنّ العلم في يد الجهّال ، كما يقول جابر بن حيّان ، فيه خراب العالم والجهّال هم الكفرة!!.

وروح الحضارة الإسلاميّة تتبلور في شعار الأمل أمام الباحث في العلوم.

وجابر بن حيّان ينصح تلاميذه وهم من العلماء أيضا بأنّ الأمل هو طريق العلم وكان يردّد هذه الآية :

( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) (١) .

وكان جابر بن حيّان يعتقد أنّ الوحي مستمر بعد رسول الله ، لكن في الخفاء ، ويأتي هذا الوحي بالعلوم إلى الأئمّة ، ومنهم إلى الرّعيّة.

عليّ الدّالي

__________________

(١) يوسف : ٨٧.

٤٣٨

معنى الإحتفال بمولد السّيّدة

المثال لعظمة الفداء وسيّادة الحبّ

والدّاعية إلى وحدة الصّفوف(١)

تحتفل مصر الآن بمولد السّيّدة الطّاهرة زينب ابنة الإمام عليّ رضي الله عنهما ، وحفيدة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من ابنتة فاطمة الزّهراء أنّ مئات الألوف من النّاس يفدون إلى الحي الزّينبي للمشاركة في هذا الإحتفال. يقودهم إليه حبّ النّبيّ وعترته فالسّيّدة زينب بضعة منه وعطر من سيرته وقبس من نوره وهم يعلمون جميعا أنّ الأحجار ، والأعتاب ، والأضرحة لا تنفع أحدا ولا تعطي شيئا ولكنّهم يعودون جميعا ومعهم فضل من دعاء صالح وقبضة من أثر دعوة النّبيّ الباقية الخالدة إلى الحبّ وليس إلى البغض وإلى السّلام وليس إلى الخصام وإلى الوحدة وليس إلى الفرقة دعوته إلى طهارة القلب وأمانة الإيمان وسماحة الإسلام

كانت أسرة الرّسول في مكّة ـ قبل بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ جديرة بأن تطوقها السّعادة ،

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢٥ / ٧ / ١٩٧٢ م). (منهقدس‌سره ).

٤٣٩

وأن ترفرف عليها السّكينة ، وأن تتجافاها الهموم ، وأن يتطامن لها الزّمن ، فقد كان الزّوجان صالحين ، قد غنيا بتجارة رابحة ، وهما يتفيآن ظلال بيت الله ، ويحلّان من قريش سدنة البيت في أرفع محل ومكّة حافلة بكلّ عجيب من السّلع والرّفاهات ، والأخبار

ولكنّ الله الّذي رزق محمّدا وخديجة طفليهما القاسم وعبد الله يستردهما إليه في سنّي الطّفولة ، بعد أن ملأ البيت سرورا وحبورا ، في مجتمع كان الفتيان فيه يشغلون مكان الطّلائع ، فماذا كان يعني ذلك بالنّسبة للزّوجين السّعيدين المتوافقين؟ ما ذا كان يعني أن يذهب الأبناء دائما ـ حتّى فيما بعد عند ما جاء مع الشّبيه إبراهيم ـ وأن يبقى البنات الوديعات البارّات؟.

أليس هذا السّؤال ممّا يرد بالبال ترى لو أنّ الله كان قد أطال في أعمار القاسم ، وإبراهيم حتّى غدوا «رجالا» يشاركون بعد أبيهم في السّعي ، وفي الرّأي ، وفي الجهاد عن الدّين والجماعة ، أما كان تأريخ المسلمين في أهم منعطفاته قد تغيير إلى قرون طويلة؟.

سؤال هل سأله أحد؟ وهل أجاب عنه أحد؟ وهل وصل إلى حكمته أحد؟. وإذا كنّا نسأله لأنفسنا اليوم ـ تفكيرا بصوت مسموع ـ ونحن نكتب بمناسبة مولد السّيّدة الطّاهرة المطهّرة «زينب» إحدى شهيرات أسباط الرّسول أفلا يقودنا هذا إلى تلمس الحكمة ـ إن إستطعنا ـ في أن تكون سبطية أسباط الرّسول ـ على غير المألوف ـ من طريق بناته ، وليس من طريق أبنائه؟ ألم يكن هذا بنفسه مطعنا لبعض المشركين عليه ، ولبعض المستشرقين والحاقدين أيضا؟ فلما ذا لا يكون ذلك لحكمة ، وكرامة ، ورحمة أرادها الله

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528