لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام0%

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 198

  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15423 / تحميل: 3024
الحجم الحجم الحجم
لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

يكفي جماعة فيشربه ويضطجع هنيئة ثم يقول : اسقوني قتلني الظمأ ، فما زال كذلك حتى انقدت بطنه انقداد بطن البعير. ذكر ذلك الطبري وابو الفرج بن عبد الرحمن الجوزي وابن الأثير في الكامل بتفاوت يسير وغيرهم.

ثم ان الحسينعليه‌السلام رجع الى مكانه وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه ، فجعل العباسعليه‌السلام يقاتلهم وحده حتى قتل ، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد ان اثخن بالجراح فلم يستطع حراكا ، فبكى الحسينعليه‌السلام لقتله بكاء شديدا.

ثم ان الحسينعليه‌السلام دعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل مقتلة عظيمة ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول :

القتل اولى من ركوب العار

والعار اولى من دخول النار

والله ما هذا وهذا جاري

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :

انا الحسين بن علي

آليت ان لا انثني

أحمي عيالات ابي

أمضي على دين النبي

ولما بقي الحسينعليه‌السلام في ثلاثة او أربعة من أصحابه ، وفي رواية ثلاثة رهط من أهله قال : ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا اجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب ، فأتي بتبان قال : لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ولا ينبغي لي ان ألبسه ، وفي رواية انه قال : هذا لباس اهل الذمة ، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه ، وفي رواية انه اتي بشيء اوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه ، فلما قتل جردوه منه.

١٤١

ثم استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يسلبها بعد قتله ، فلما قتلعليه‌السلام سلبها منه بحر (ابجر خ ل) ابن كعب وتركه مجردا ، فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما عودان وترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا الى ان أهلكه الله تعالى.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه ، وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله ، فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ، ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا.

قال بعض الرواة : فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وان كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى اذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع الى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة الا بالله.

فلما رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة ، وأمر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فاحجم عنهم فوقفوا بازائه ، وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله ، فصاح الحسينعليه‌السلام ويلكم يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا احرار في دنياكم هذه وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون ، فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة ، فقال : أقول اني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر : لك ذلك يا ابن فاطمة ، ثم صاح اليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو

١٤٢

كفوء كريم فقصدوه بالحرب ، وجعل شمر يحرضهم على الحسينعليه‌السلام فجعلوا يحملون على الحسينعليه‌السلام والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى اجلوه عنه.

ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقطعليه‌السلام عن فرسه الى الأرض على خده الأيمن ثم قام ، وخرجت أخته زينب الى باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل وقد دنا عمر بن سعد ، فقالت : يا عمر أيقتل ابو عبد الله وأنت تنظر اليه ، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم يجبها بشيء ، فنادت ويلكم اما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشيء.

وقاتلعليه‌السلام راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول : أعلى قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط عليكم لقتله مني ، وايم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، اما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.

وكان على الحسينعليه‌السلام جبة من خز وكان معتما مخضوبا بالوسمة ، ولم يزل يقاتل حتى اصابه اثنان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف اذ أتاه حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه ، فقالعليه‌السلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رفع رأسه الى السماء وقال : الهي تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت

١٤٣

نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف ووقف.

ولما رجع الحسينعليه‌السلام من المسناة الى فسطاطه بعد قتل أخيه العباس أقبل الشمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا به ، فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل قلنسوة ، فقطع البرنس ووصل السيف الى رأسه فامتلأ البرنس دما ، فقال له الحسينعليه‌السلام : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين ، ثم ألقى البرنس أو القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة أخرى فلبسها واعتمّ عليها وأخذ الكندي البرنس وكان من خز ، فلما قدم على أهله أخذ يغسل عنه الدم ، فقالت له امرأته : أسلب ابن رسول الله تدخل بيتي اخرجه عني ، فلم يزل ذلك الرجل فقيرا بشر طول عمره وهذا أخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب حتى مات.

ورجع شمر ومن معه عن الحسينعليه‌السلام الى مواضعهم ، فمكثوا هنيئة ثم عادوا اليه ، فأخذ الحسينعليه‌السلام يشد عليهم فينكشفون عنه ، ثم انهم أحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن بن عليعليهما‌السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء ، فلحقته زينب بنت عليعليهما‌السلام لتحبسه ، فقال لها الحسينعليه‌السلام : احبسيه يا أختي فأبى وامتنع عليها امتناعا شديدا ، وجاء يشتد الى عمه الحسين حتى وقف الى جنبه وقال : لا أفارق عمي ، فاهوى بحر (ابجر خ ل) بن كعب الى الحسينعليه‌السلام بالسيف ، فقال له الغلام :ويلك يا ابن الخبيثة اتقتل عمي ، فضربه بحر (ابجر خ ل) بالسيف فاتقاها الغلام بيده فاطنها الى الجلد فاذا هي معلقة ، فنادى الغلام يا عماه او يا أماه ، فأخذه الحسينعليه‌السلام فضمه الى صدره وقال: يا ابن اخي اصبر على ما نزل

١٤٤

بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين ، فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه ، فرفع الحسينعليه‌السلام يديه وقال :اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض اللهم ، فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة منهم ابدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا ، ثم ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه وكان قد ضعف عن القتال ، وتحاماه الناس فمكث طويلا من النهار ، وكلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية ان يلقى الله بدمه.

قال هلال بن نافع : اني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر ايها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين ، فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجود بنفسه ، فو الله ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه احسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله ، فاستسقى في تلك الحال ماء فسمعت رجلا يقول : والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : انا ارد الحامية فأشرب من حميمها لا والله بل أرد على جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأشرب من ماء غير آسن وأشكو اليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ، فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا.

وصاح شمر بالفرسان والرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، فحملوا عليه من كل جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسينعليه‌السلام زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا بها لوجهه وكان قد اعيا وجعل يقوم ويكبو ،

١٤٥

وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني(١) صدره ورماه بسهم فوقع في نحره ، فسقط وجلس قاعدا ، فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا عليّ حقي. وقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : أنزل ويحك الى الحسين فأرحه وقيل بل قال سنان لخولى بن يزيد احتز رأسه ، فبدر خولي ليحتز رأسه فضعف وارعد ، فقال له سنان وقيل شمر : فت الله في عضدك مالك ترعد ، ونزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه ، ثم احتز رأسه الشريف وهو يقول : والله اني لأحتز رأسك واعلم انك السيد المقدم وابن رسول الله وخير الناس ابا واما ثم دفع الرأس الشريف الى خولي فقال : احمله الى الأمير عمر بن سعد ، وفي ذلك يقول الشاعر :

فأيّ رزية عدلت حسينا

غداة تبيره كفا سنان

وكان سن الحسينعليه‌السلام يوم قتل سبعا وخمسين سنة ، او ستا وخمسين سنة وخمسة أشهر وسبعة أيام او خمسة ايام او تسعة أشهر وعشرة ايام ، او ثمانية أشهر وسبعة أيام او خمسة ايام على اختلاف الروايات والأقوال المتقدمة في مولدهعليه‌السلام ، وقيل ثمان وخمسون سنة ، وقيل خمس وخمسون سنة وستة أشهر.

__________________

(١) البواني : اضلاع الزور كذا في القاموس (منه).

١٤٦

المقصد الثالث

في الأمور المتأخرة عن قتلهعليه‌السلام

واقبل القوم على سلب الحسينعليه‌السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره ، ووجد في قميصهعليه‌السلام مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة ، وقيل وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم ، وفي جسده الشريف ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف.

وعن الصادقعليه‌السلام انه وجد بالحسينعليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة(١) . وعن الباقرعليه‌السلام انه وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة وفي رواية ثلاثمائة وستون جراحة ، وأخذ سراويله بحر (ايچر خ ل) بن كعب التميمي فصار زمنا مقعدا من رجليه ، وأخذ ثوبه أخ لإسحاق بن حوية ولبسه فتغير وجهه وحص شعره وبرص بدنه ، وأخذ قطيفة له كانت من خز قيس بن الأشعث بن قيس ، وأخذ عمامته الأخنس بن مرثد وقيل جابر بن يزيد فاعتم بها فصار معتوها ، وأخذ برنسه مالك بن النسر كما مر وأخذ نعليه الأسود بن خالد ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل

__________________

(١) لا يخفى ان هذه الرواية لا تنافي ما سبق وما يأتي من الأقوال والروايات ، لأنه لم يعين فيها قدر الرميات بل هي من المؤيدات (منه).

١٤٧

عمر اعطاها المختار لقاتله ، وأخذ سيفه الفلافس النهشلي من بني دارم ، وقيل جميع بن الخلق الأودي ، وقيل الأسود بن حنظلة التميمي ، وأخذ القوس والحلل الرجيل بن خيثمة الجعفي ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي وقطع أصبعه مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك ، ومال الناس على الفرش (الورس خ ل) والحلل والإبل فانتهبوها وانتهبوا رحله وثقله وسلبوا نساءه ، ونحرت الإبل التي كانت مع الحسينعليه‌السلام فلم يؤكل لحمها لأنه كان أمرّ من الصبر ، وروي انه لما جعل اللحم في القدر صار نارا.

وكان مع الحسينعليه‌السلام ورس وطيب فاقتسموه فلما صاروا الى بيوتهم صار دما. وعن مشائخ من طيء انهم قالوا : وجد شمر بن ذي الجوشن في رحل الحسينعليه‌السلام ذهبا فدفع بعضه الى ابنته فدفعته الى صائغ يصوغ منه حليا فلما ادخله النار صار نحاسا وقيل نارا ، وما تطيبت امرأة من ذلك الطيب الا برصت. قال حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجهافي أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسينعليه‌السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا واقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات رسول الله ، فأخذها زوجها وردها الى رحله.

وانتهوا الى علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض وكان مريضا بالذرب أي الإسهال وقد أشرف على الموت ومع شمر جماعة من الرجالة ، فقالوا له : الا نقتل هذا العليل ، فأراد شمر قتله فقال له حميد بن مسلم : سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هو صبي وانه لما به فلم يزل يدفعهم عنه حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا

١٤٨

لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهن شيئا فليرده فلم يرد أحد شيئا.وفي رواية انهم اشعلوا النار في الفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات.

ونادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل ظهره وصدره ، فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن حوية (حيوة خ ل) الذي سلب قميص الحسينعليه‌السلام ، والأخنس بن مرثد الذي سلب عمامة الحسينعليه‌السلام ، وحكيم بن الطفيل الذي اشترك في قتل العباسعليه‌السلام ، وعمرو بن صبيح الصيداوي الذي رمى عبد الله بن مسلم بسهم فسمر يده في جبهته ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وصالح بن وهب الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من الطالبيين كما مر ، وأسيد بن مالك فداسوا الحسينعليه‌السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره ، وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحدهم :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد : من أنتم؟ فقالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسينعليه‌السلام حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا ، وهؤلاء اخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا ، وفي خبر ان أحدهم وهو الأخنس كان واقفا بعد ذلك في قتال فجاء سهم لم يعرف راميه ففلق قلبه فهلك ، وسرح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسينعليه‌السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي الى عبيد الله بن زياد.

١٤٩

قال الطبري وابن الأثير : فوجد القصر مغلقا فأتى بالرأس الى منزله فوضعه تحت أجانه ودخل فراشه ، وقال لامرأته النوار : جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسينعليه‌السلام معك في الدار ، فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجمع رأسي لا يجمع رأسي ورأسك بيت ، وقامت من الفراش فخرجت الى الدار ، قالت : فما زلت انظر الى نور يسطع مثل العمود من السماء الى الاجانة ورأيت طيرا أبيض يرفرف حولها وذكر ابن نما نحوا من ذلك ، وخولى هذا قتله أصحاب المختار واحرقوه وكان مختفيا في مخرجه ، فدلت عليه امرأته العيوف بنت مالك وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما سألوها عنه قالت : لا أدري وأشارت بيدها الى المخرج.

وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته فقطعت (فنظفت خ ل) وكانت اثنين وسبعين رأسا وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث بن قيس وعمرو بن الحجاج ، فاقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد وروي ان الرؤوس كانت سبعين رأسا وروي ثمانية وسبعين رأسا ، فاقتسمتها القبائل لتتقرب بها الى ابن زياد والى يزيد لعنهما الله تعالى ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وقيل بعشرين وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وقيل بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأسا وقيل بسبعة.

ثم ان ابن سعد صلى على القتلى من أصحابه ودفنهم وترك الحسينعليه‌السلام وأصحابه بغير دفن ، وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الثاني الى زوال الشمس ، ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجه الى الكوفة ، وحمل معه

١٥٠

نساء الحسينعليه‌السلام وبناته واخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن الحسينعليه‌السلام قد نهكته العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان قد واسى عمه في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وكان قد نقل من المعركة وقد أثخن بالجراح وبه رمق فبرأ وأخواه زيد وعمر أبناء الحسن السبطعليه‌السلام ، وتدل بعض الروايات على وجود الباقرعليه‌السلام معهم ، وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم ، فقال النسوة : بحق الله الا ما مررتم بنا على مصرع الحسينعليه‌السلام ، فرموا بهم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه وهم صرعى ، فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن وجوههن قال الراوي : فو الله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسينعليه‌السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب يا محمداه صلى عليك مليك السما ، هذا حسينك مرمل بالدما مقطع الاعضا وبناتك سبايا ، الى الله المشتكى والى محمد المصطفى والى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء ، يا محمداه هذا حسين بالعرى تسفي عليه ريح الصبا قتيل أولاد البغايا ، وا حزناه وا كرباه عليك يا أبا عبد الله. اليوم مات جدي رسول الله ، يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات : وا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسبين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردى ، بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفدى ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبته تقطر الدما ، بأبي من جده رسول اله السما ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء ، بأبي من ردّت له الشمس حتى صلى. قال : فأبكت والله

١٥١

كل عدو وصديق ، ثم ان سكينة بنت الحسينعليه‌السلام اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الاعراب حتى جروها عنه.

ولما رحل ابن سعد عن كربلا خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسينعليه‌السلام وأصحابه فصلوا على تلك الجثث الطواهر ودفنوها ، فدفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ودفنوا ابنه عليا الأكبر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته ولأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسينعليه‌السلام ، فجمعوهم فدفنوهم جميعا في حفيرة واحدة وسووا عليهم التراب ويقال ان أقربهم دفنا الى الحسينعليه‌السلام ولده علي الأكبر ، فيزورهم الزائر من عند قبر الحسينعليه‌السلام ويومي الى الأرض التي نحو رجليه بالسلام عليهم. ودفنوا العباس بن عليعليهما‌السلام في موضعه الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث قبره الآن ، ودفنوا بقية الشهداء حول الحسينعليه‌السلام في الحائر.

قال المفيد عليه الرحمة : ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل الا أنا لا نشك ان الحائر محيط بهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

وسار ابن سعد بسبايا أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت امرأة من الكوفيات وقالت : من أي الأسارى انتن؟ فقلن لها : نحن أسارى آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت من سطحها فجمعت لهن ملاء وأزرا ومقانع ، وجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسينعليهما‌السلام : اتنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا؟ قال بشر بن خزيم الأسدي : ونظرت الى زينب بنت عليعليهما‌السلام يومئذ فلم أر خفرة انطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد أو مأت الى الناس ان اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس(١) ، ثم قالت:

__________________

(١) جمع جرس وهو الصوت أو خفيه (منه).

١٥٢

خطبة زينب بنت أمير المؤمنينعليهما‌السلام بالكوفة

الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر اتبكون ، فلا رقأت الدمعة ولا قطعت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم الا الصلف(١) النطف(٢) ، والصدر الشنف(٣) (الا الصلف والعجب والشنف والكذب خ ل) ، وملق(٤) الاماء ، وغمز(٥) الأعداء ، أو كمرعى على دمنة(٦) ، أو كفضة على ملحودة(٧) ، الا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، اتبكون وتنتحبون ، أي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(٨) ولن ترحضوها(٩) بغسل بعدها ابدا ، وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، (محجتكم خ ل) ، ومدرة(١٠) سنتكم ، الا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الصلف بفتحتين : ادعاء الانسان فوق ما فيه تكبر أو هو صلف ككتف (منه).

(٢) النطف بالتحريك : التلطخ بالعيب ، وهو نطف أي متلطخ بالعيب (منه).

(٣) الشنف بالتحريك البغض والتنكر ، وصدر شنف أي مبغض متنكر (منه).

(٤) الملق : ان تعطي باللسان ما ليس في القلب (منه).

(٥) الغمز : الطعن (منه).

(٦) الدمنة بالكسر : الموضع القريب من الدار (منه).

(٧) أي ميتة موضوعة في اللحد (منه).

(٨) الشنار : العيب (منه).

(٩) تغسلوها (منه).

(١٠) المدرة بالكسر : زعيم القوم والمتكلم عنهم والذي يرجعون الى رأيه (منه).

١٥٣

فريتم (فرثتم خ ل)(١) ، وأي كريمة له ابرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم ، لقد جئتم بها صلعاء(٢) ، عنقاء(٣) ، سؤاء(٤) ، فقماء(٥) ، نأناء(٦) . وفي رواية خرقاء(٧) شوهاء(٨) كطلاع الأرض(٩) أو ملىء السماء ، افعجبتم ان مطرت السماء دما فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه(١٠) البدار ولا يخاف فوت الثار ، وان ربكم لبالمرصاد.

قال : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى(١١) .

وروى زيد بن موسى عن أبيه عن جدهعليهم‌السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلا فقالت :

خطبة فاطمة الصغرىعليها‌السلام بالكوفة

الحمد لله على عدد الرمل والحصى وزنة العرش الى الثرى ، أحمده

__________________

(١) الفري : القطع ، والفرث : التفتيت (منه).

(٢) الصلعاء : الداهية القبيحة المكشوفة (منه).

(٣) العنقاء : الداهية (منه).

(٤) قبيحة (منه).

(٥) عظيمة (منه).

(٦) النأنأة : العجز والضعف (منه).

(٧) الخرق : ضد الرفق (منه).

(٨) قبيحة (منه).

(٩) أي ملئها (منه).

(١٠) لا يعجله (منه).

(١١) أي لا يغلب ولا يقهر (منه).

١٥٤

وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات. اللهم اني أعوذ بك ان افتري عليك الكذب أو ان أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس في بيت(١) من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته اليك محمود النقيبة(٢) ، طيب العريكة(٣) ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للإسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك حتى قبضته اليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فهديته الى صراط مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كثير ممن خلق تفضيلا بينا ، فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء (اجتراء خ ل) على الله ومكرا مكرتم والله خير الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل ان نبرأها ان

__________________

(١) متعلق بالمقتول (منه).

(٢) النفس (منه).

(٣) الطبيعة (منه).

١٥٥

ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ، تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فتسحتكم(١) بما كسبتم (فيسحتكم بعذاب خ ل) ، ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، الا لعنة الله على الظالمين ، ويلكم اتدرون أية يد طاعنتنا منكم ، وأية نفس نزعت الى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم الينا تبغون محاربتنا ، والله قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على افئدتكم ، وختم على سمعكم وعلى بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون ، فتبا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلكم وذحول له لديكم بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه وعترته الطيبين الأخيار. وافتخر بذلك مفتخر من الظالمين فقال :

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب(٢) افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم واذهب عنهم الرجس ، فاكظم(٣) واقع(٤) كما اقعى أبوك فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه ، أحسدتمونا ويلكم على ما فضلنا الله عليكم.

فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا

وبحرك ساج(٥) ما يواري الدعا مصا(٦)

__________________

(١) سحته استأصله (منه).

(٢) الكثكث والأثلب بالضم والكسر فيهما فتات الحجارة والتراب (منه).

(٣) اسكت على غيظك (منه).

(٤) الاقعاء : جلوس الكلب على أسته (منه).

(٥) ساكن (منه).

(٦) جمع دعموص وهي دويبة تغوص في الماء ، والبيت للأعشى (منه).

١٥٦

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله لو نورا فما له فما له من نور. فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين فقد احرقت قلوبنا وانضجت نحورنا واضرمت أجوافنا فسكتت.

وخطبت أم كلثوم بنت عليعليهما‌السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :

خطبة أم كلثومعليها‌السلام بالكوفة

يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبا لكم وسحقا لكم أي دواه دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم ، وأي دماء سفكتموها ، وأي كريمة اصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي أموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزعت الرحمة من قلوبكم ، الا ان حزب الله هم الملفحون وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثم قالت :

قتلتم أخي ظلما فويل لأمكم

ستجزون نارا حرها يتوقد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثم محمد

فضج الناس بالبكاء والنحيب ، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن ولطمن خدودهن ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم. ثم ان زين العابدينعليه‌السلام أومأ الى الناس ان اسكتوا فسكتوا ، فقام قائما فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو أهله فصلى عليه ، ثم قال :

خطبة علي بن الحسينعليه‌السلام بالكوفة

ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا أعرفه بنفسي ، أنا

١٥٧

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا.

أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم الى أبي وخدعتموه واعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ، فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم ، بأيه عين تنظرون الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ، فارتفعت أصوات النساء بالبكاء من كل ناحية ، وقال بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ، فقالعليه‌السلام : رحم الله امرءا أقبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله وأهل بيته فان لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا ، فقالعليه‌السلام : هيهات هيهات ايها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون ان تأتوا الي كما أتيتم إلى آبائي من قبل ، كلا ورب الراقصات فان الجرح لما يندمل ، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسني ثكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي(١) ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش(٢) صدري ، ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا ، ثم قال :

لا غرو ان قتل الحسين فشيخه

قد كان خير من حسين واكرما

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي

أصاب حسينا كان ذلك اعظما

قتيل بشط النهر روحي فداؤه

جزاء الذي أرداه نار جهنما

__________________

(١) اللهاة : اللحمة في أقصى الفم (منه).

(٢) الفراش كل عظم رقيق ، يقال : فراش وفراشة كسحاب وسحابة (منه).

١٥٨

ثم قال : رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا علينا.

وجاء سنان بن أنس النخعي الى باب ابن زياد فقال :

أوقر ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فلم يعطه ابن زياد شيئا. وقيل ان سنانا أنشد هذه الأبيات على باب فسطاط عمر بن سعد فحذفه بالقضيب وقال : أو مجنون أنت؟ والله لو سمعك ابن يزيد لضرب عنقك. وقيل المنشد لها عند ابن سعد هو الشمر وقيل ان قاتل الحسينعليه‌السلام انشدها عند يزيد لعنه الله والله اعلم.

ثم ان ابن زياد لعنه الله جلس في قصر الامارة وأذن للناس اذنا عاما ، وأمر باحضار رأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه ، فجعل ينظر اليه ويتبسم ، وكان في يده قضيب فجعل يضرب به ثناياه ويقول : انه كان حسن الثغر وفي رواية انه قال : لقد أسرع الشيب اليك يا أبا عبد الله : ثم قال : يوم بيوم بدر.

وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مخضوبا بالوسمة ، وكان الى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شيخ كبير ، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا اله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا أحصيه كثرة يقبلهما ، ثم انتحب باكيا ، فقال له ابن زياد :ابكى الله عينيك أتبكي لفتح الله والله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار الى منزله وفي رواية انه نهض وهو يقول : ايها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، والله ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم فبعدا لمن رضي بالذل

١٥٩

والعار ، ثم قال : يا ابن زياد لأحدثنك حديثا أغلظ عليك من هذا ، رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافو خيهما ، ثم قال : اللهم اني استودعك إياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندك يا ابن زياد.

وادخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه على ابن زياد ، فالبست زينبعليها‌السلام ارذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها اماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه؟ فلم تجبه ، فاعاد الكلام ثانيا وثالثا يسأل عنها فلم تجبه ، فقال له بعض امائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل عليها ابن زياد فقال لها : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ، فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا ، فقال : كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك ، فقالت : ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم (فتتحاجون إليه وتختصمون عنده خ ل) فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة ، فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه هم بها ، فقال عمرو بن حريث : ايها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذم على خطائها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي (نفسي خ ل) من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ، فرقت زينب وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت ، فقال ابن زياد : هذه سجاعة(١) ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا ، فقالت : ما

__________________

(١) في نسخة شجاعة بالشين المعجمة وكذا ما بعدها (منه).

١٦٠