مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام14%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51546 / تحميل: 4347
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فلم يزل به حتّى استخرج منه شيئا ، قال : ثمّ أرسل معاوية بعده الى ابن الزبير فخلا به فقال له : قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخى فما أربك الى الخلاف؟

قال : فأرسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا لم تكن عجلت علىّ بأمر قال : وتفعل؟ قال : نعم ، فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا ، قال : فأرسل بعده الى ابن عمر فأتاه فخلا به فكلمه بكلام هو ألين من صاحبيه ، وقال : انّى كرهت أن أدع أمّة محمّد بعدى كالضأن لا راعى لها وقد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر أنت تقودهم فما أربك الى الخلاف؟ قال ابن عمر : هل لك فى أمر تحقن به الدماء وتدرك به حاجتك؟

فقال معاوية : وددت ذلك فقال ابن عمر : تبرز سريرك ثمّ أجئ فأبايعك على أنى بعدك أدخل فيما اجتمعت عليه الامة فو الله لو أنّ الامّة اجتمعت بعدك على عبد حبشى لدخلت فيما تدخل فيه الامة ، قال : وتفعل؟ قال : نعم ، ثمّ خرج وأرسل الى عبد الرحمن ابن أبى بكر فخلا به قال : بأىّ يد أو رجل تقدم على معصيتى؟ فقال عبد الرحمن : أرجو أن يكون ذلك خيرا لى.

فقال معاوية : والله لقد هممت أن أقتلك فقال : لو فعلت لا تبعك الله فى الدنيا ولأدخلنّك به فى الآخرة النار ، قال : ثمّ خرج عبد الرحمن بن أبى بكر وبقى معاوية يومه ذلك يعطى الخواص ويعصى مذمة الناس. فلمّا كان صبيحة اليوم الثانى أمر بفراش فوضع له وسويت مقاعد الخاصة حوله وتلقاءه من أهله ثمّ خرج وعليه حلّة يمانية وعمامة وكساء وقد أسبل طرفها بين كتفيه وقد تغلّى وتعطر.

فقعد على سريره وأجلس كتابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس وان قرب ، ثمّ أرسل الى الحسين بن على وعبد الله بن عبّاس فسبق ابن عباس فلمّا دخل وسلم أقعده فى الفراش عن يساره فحادثه مليا

١٦١

ثمّ قال يا ابن عباس لقد وفّر الله حظكم من مجاورة هذا القبر الشريف ودار الرسول عليه الصلاة والسلام.

فقال ابن عبّاس : نعم أصلح الله أمير المؤمنين وحظنا من القناعة بالبعض والتجافى عن الكلّ أوفر فجعل معاوية يحدثه ويحيد به ، عن الطريق المجاوبة ويعدل الى ذكر الاعمار على اختلاف الغرائز والطبائع حتى أقبل الحسين بن على ، فلمّا رآه معاوية جمع له وسادة كانت على يمينه فدخل الحسين وسلم فأشار إليه فأجلسه عن يمينه ، مكان الوسادة ، فسأله معاوية عن حال بنى أخيه الحسن وأسنانهم فأخبره ثمّ سكت قال : ثمّ ابتداء معاوية. فقال :

أمّا بعد فالحمد لله ولى النعم ومنزل النقم وأشهد أن لا إله الا الله المتعالى عما يقول الملحدون علوّا كبيرا وأنّ محمّدا عبده المختص المبعوث الى الجنّ والانس كافة لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فأدّى عن الله وصدع بأمره وصبر على الاذى فى جنبه حتّى وضح دين الله وعزّ أولياؤه وقمع المشركون وظهر أمر الله وهم كارهون.

فمضى صلوات الله عليه وقد ترك من الدنيا ما بذل له واختار منها الترك لما سفر له زهادة واختيارا لله وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى ، فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكور وبين ذلك خوض طال ما عالجناه مشاهدة ومكافحة ومعاينة وسماعا وما أعلم منه فوق ما تعلمان وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه وقد علم الله ما أحاول به فى أمر الرعية من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد بما أيقظ العين وأحمد الفعل.

هذا معناى فى يزيد ، وفيكما فضل القرابة وخطوة العلم وكمال المروءة وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعيانى مثله عند كما وعند غيركما مع علمه بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجع بالصمّ الصلاب ، وقد

١٦٢

علمنا أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة قدم على الصديق والفاروق ومن دونها من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة فى قرابة موصولة ، ولا سنة مذكورة.

فقادهم الرجل بأمره وجمع بهم صلاتهم وحفظ عليهم فيئهم وقال فلم يقل معه وفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة فمهلا بنى عبد المطلب فأنا وأنتم شعبا نفع وجد وما زلت أرجو الانصاف فى اجتماعكما فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما فردا على ذى رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة ، فى عتابكما وأستغفر الله لى ولكما.

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة فأشار إليه الحسين وقال : على رسلك ، فأنا المراد ونصيبى فى التهمة أوفر فأمسك ابن عبّاس فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ثمّ قال : أما بعد يا معاويه فلن يؤدّى القائل واطنب فى صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية.

فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتّى أفرطت واستأثرت حتى أجحفت ومنعت حتى محلت وجزت حتّى جاوزت ما بذلت لذى حق من اسم حقّه بنصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامّة محمّد تريد أن توهّم الناس فى يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت ، غائبا أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه.

فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبق لأترابهنّ والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهى تجده باصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه فو الله ما برحت

١٦٣

تقدح باطلا فى جور وحنقا فى ظلم حتّى ملأت الأسقية وما بينك وبين الموت إلا غمضة فتقدّم على عمل محفوظ فى يوم مشهود ولات حين مناص.

رأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد ـ لعمر الله ورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة وجئت لنا بها أما حججتم به القائم عند موت الرسول فأذعن للحجّة بذلك ورده الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم الافاعيل وقلتم كان ويكون حتّى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اولى الأبصار ، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له.

قد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيله بصحبة الرسول ، وبيعة له ، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتّى أنف القوم امرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا جرم معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيرى.

فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول ، فى أوكد الأحكام ، وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا ، وحولك من لا يؤمن فى صحبته ولا يعتمد فى دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعه بها الباقى فى دنياه ، وتشقى بها فى آخرتك. ان هذا لهو الخسران المبين. واستغفر الله لى ولكم(١) .

١٠ ـ قال اليعقوبى : قال معاوية للحسين بن علىعليه‌السلام يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم ، فقال الحسين حجتك وربّ الكعبة لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا حنّطناهم ولا صلينا

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١ / ١٥٨ ـ ١٦١

١٦٤

عليهم ولا دفنّاهم(١) .

١١ ـ قال ابن أبى الحديد : قالوا : ومن هذا الباب ما روى أنّ الحسين بن علىعليهما‌السلام كلّم معاوية فى أمر ابنه يزيد ، ونهاه عن أن يعهد إليه ، فأبى عليه معاوية حتّى أغضب كلّ واحد منهما صاحبه ، فقال الحسينعليه‌السلام فى غضون كلامه أبى خير من أبيه ، وأمّى خير من أمّه ، فقال معاوية : يا ابن أخى : أمّا أمّك فخير من أمّه ، وكيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وأمّا أبوه فحاكم أباك الى الله تعالى ، فحكم لابيه على أبيك(٢) .

١٢ ـ عنه قال : روى المدائنى ، قال : قال معاوية يوما لعقيل بن ابى طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم جارية عرضت علىّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلّا بأربعين ألفا ، فأحبّ معاوية أن يمازحه فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى تجتزى بجارية قيمتها خمسون درهما! قال : أرجو أن أطأها فتلدنى غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف.

فضحك معاوية : وقال : مازحناك يا أبا يزيد! وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما ، فلمّا أتت على مسلم ثمانى عشرة سنة ـ وقد مات عقيل أبوه ـ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى أرضا بمكان كذا من المدينة ، وإنّى أعطيت بها مائة ألف ، وقد أحببت أن أبيعك إيّاها ، فادفع الى ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الارض ، ودفع الثمن إليه.

فبلغ ذلك الحسينعليه‌السلام ، فكتب إلى معاوية : أما بعد ، فانك غررت غلاما من بنى هاشم ، فابتعت منه أرضا لا يملكها ، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه ، واردد إلينا أرضنا. فبعث معاوية الى مسلم ، فأخبره ذلك ، وأقرأه كتاب الحسينعليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبى ٢ / ٢١٩.

(٢) شرح النهج : ٢ / ١٧١.

١٦٥

اردد علينا مالنا ، وخذ أرضك ، فانّك بعت ما لا تملك.

فقال مسلم : أمّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، فقال : يا بنىّ ، هذا والله كلام قاله لى أبوك حين ابتعت له امّك. ثمّ كتب الى الحسين : انّى قد رددت عليكم الارض ، وسوّغت مسلما ما أخذ. فقال الحسينعليه‌السلام أبيتم يا آل أبى سفيان إلّا كرما(١) .

١٣ ـ قال الزبير بن بكار : وقد كان للحسينعليه‌السلام مع معاوية قصّة ، كان بينهما كلام فى أرض للحسينعليه‌السلام ، فقال له الحسينعليه‌السلام : اختر منّى ثلاث خصال : إمّا أن تشترى منّى حقّى ، وإمّا أن ترده علىّ ، أو تجعل بينى وبينك ابن عمر أو ابن الزبير حكما ، وإلا فالرابعة ، وهى الصيلم.

قال معاوية : ما هى؟ قال : أهتف بحلف الفضول ، ثم قام فخرج وهو مغضب ، فمرّ بعبد الله بن الزبير فأخبره ، فقال : والله لئن هتف به وأنا مضطجع لاقعدنّ ، أو قاعد لأقومنّ أو قائم لا مشين ، أو ماش لأسعين ، ثم لتنفدنّ روحى مع روحك ، أو لينصفنك ، فبلغت معاوية ، فقال : لا حاجة لنا بالصيلم : ثم أرسل إليه ، أن ابعث فانتقد مالك : فقد ابتغاه منك.

قال الزبير : وحدثني بهذه القصة على بن صالح عن جدى عبد الله بن مصعب ، عن أبيه ، قال : خرج الحسينعليه‌السلام من عند معاوية وهو مغضب ، فلقى عبد الله بن الزبير ، فحدثه بما دار بينهما ، وقال : لأخيّرنه فى خصال ، فقال له ابن الزبير ما قال ، ثم ذهب الى معاوية ، فقال : لقد لقينى الحسين فخيرك فى ثلاث خصال ، والرابعة الصيلم.

قال : معاوية : فلا حاجة لنا بالصيلم ، أظنك لقيته مغضبا فهات الثلاث ، قال : أن تجعلنى أو ابن عمر بينك وبينه. قال : قد جعلتك بينى وبينه ، أو جعلت ابن عمر

__________________

(١) شرح النهج : ١١ / ٢٥١.

١٦٦

أو جعلتكما جميعا ، قال : أو تقر له بحقه ثم تسأله اياه. قال : قد أقررت له بحقه وأنا أسأله اياه قال : أو تشتريه منه ، قال : قد اشتريته منه فما الصيلم؟ قال : يهتف بحلف الفضول ، وأنا أوّل من يجيبه. قال : فلا حاجة لنا فى ذلك. وبلغ الكلام عبد الله بن أبى بكر والمسور بن مخرمة ، فقالا للحسين مثل ما قاله ابن الزبير(١) .

١٤ ـ عنه قال : قال أبو الفرج : وحدثني أبو عبيد محمد بن أحمد ، قال : حدثني الفضل بن الحسن البصرى ، قال : حدثني يحيى بن معين ، قال : حدثني أبو حفص اللبان ، عن عبد الرحمن ابن شريك ، عن اسماعيل بن أبى خالد ، عن حبيب بن أبى ثابت ، قال : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها ، والحسن والحسينعليهما‌السلام جالسان تحت المنبر ، فذكر علياعليه‌السلام فنال منه ثم نال من الحسن.

فقام الحسينعليه‌السلام ليردّ عليه ، فأخذه الحسن بيده فأجلسه ، ثم قام فقال : أيها الذاكر عليا ، أنا الحسن ، وأبى على ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمى فاطمة وأمك هند ، وجدى رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، ألأمنا حسبا ، وشرّنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا فقال طوائف من أهل المسجد : آمين.

قال الفضل : قال يحيى بن معين : وأنا أقول : آمين. قال أبو الفرج : قال أبو عبيد : قال الفضل : وأنا أقول آمين ، ويقول على ابن الحسين الاصفهانى : آمين. ويقول عبد الحميد بن أبى الحديد مصنف هذا الكتاب : آمين قال العطاردى : وأنا أقول آمين(٢) .

١٥ ـ عنه قال : كان مال حمل من اليمن الى معاوية : فلما مرّ بالمدينة وثب عليه الحسين بن علىعليه‌السلام ، فأخذه وقسمه فى أهل بيته ومواليه ، وكتب الى معاوية : من

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٧.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ٤٦.

١٦٧

الحسين بن على الى معاوية ، بن أبى سفيان ، أما بعد فان عير امرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق ، وتعلّ بها بعد النهل بنى أبيك ، وانى احتجت إليها فأخذتها. والسلام.

فكتب إليه معاوية : من عبد الله معاوية أمير المؤمنين الى الحسين بن على سلام عليك ، أما بعد ، فان كتابك ورد على تذكران عير امرت بك من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إلىّ لاودعها خزائن دمشق ، وأعلّ بهما بعد النهل بنى أبى ، وأنك احتجت إليها فأخذتها ولم تكن جديرا بأخذها اذ نسبتها الى ، لان الوالى أحق بالمال ، ثم عليه المخرج منه.

وايم الله لو تركت ذلك حتى صار الى لم أبخسك حظك منه ، ولكنى قد ظننت يا ابن أخى أن فى رأسك نزوة وبودّى أن يكون ذلك فى زمانى فأعرف لك قدرك ، وأتجاوز عن ذلک : ولکنی والله اتخوف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة ، وكتب في أسفل كتابة :

يا حسين بن على ليس ما

جئت بالسائغ يوما فى العلل

أخذك المال ولم تؤمر به

إنّ هذا من حسين لعجل

قد أجزناها ولم نغضب لها

واحتملنا من حسين ما فعل

يا حسين بن على ذا الأمل

لك بعدى وثبة لا تحتمل

ويؤدّى أننى شاهدها

فاليها منك بالخلق الاجل

اننى أذهب أن تصلى بمن

عنده قد سبق السيف العدل(١)

١٦ ـ روى ابن عبد ربه عن الشعبى قال : دخل الحسين بن على يوما على معاوية ومعه مولى له يقال له ذكوان ، وعند معاوية جماعة من قريش فيهم ابن

__________________

(١) شرح النهج : ١٨ / ٤٠٩.

١٦٨

الزبير ، فرحب معاوية بالحسين وأجلسه على سريره ، قال : ترى هذا القاعد ـ يعنى ابن الزبير ـ فانه ليدركه الحسد لبنى عبد مناف. فقال ابن الزبير لمعاوية : قد عرفنا فضل الحسين وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن ان شئت أن أعلمك فضل الزبير على أبيك أبى سفيان فعلت.

فتكلم ذكوان مولى الحسين ابن علىعليهما‌السلام ، فقال : يا ابن الزبير ، ان مولاى ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طلق اللسان ، رابط الجنان ، فان نطق نطق بعلم ، وان صمت صمت بحلم ، غير أنه كف الكلام وسبق الى السنان ، فاقرت بفضله الكرام ، وأنا الذي أقول :

فيم الكلام لسابق فى غاية

والنّاس بين مقصّر ومجلّد

إنّ الذي يجرى ليدرك شأوه

ينمى بغير مسود ومسدد

بل كيف يدرك نور بدر ساطع

خير الانام وفرع آل محمّد

فقال معاوية : صدق قولك يا ذكوان ، أكثر الله فى موالى الكرام مثلك. فقال ابن الزبير : ان أبا عبد الله سكت ، وتكلم مولاه ، ولو تكلم لاجبناه ، أو لكفننا عن جوابه اجلالا له ، ولا جواب لهذا العبد ، قال ذكوان : هذا العبد خير منك ، قال رسول الله : «مولى القوم منهم» فانا مولى رسول الله وأنت ابن الزبير بن العوام بن خويلد ، فنحن أكرم ولاء وأحسن فعلا(١)

١٧ ـ عنه عن العتبى قال : دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر علىّ فى الحسين ، قال : تخرجه معك الى الشام فتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، قال : أردت والله أن تستريح منه وتبتلينى به فان صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وان أسأت إليه كنت قد قطعت رحمه ، فأقامه ، وبعث الى سعيد ابن العاص ، فقال له : يا

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١٥.

١٦٩

أبا عثمان أشر علىّ فى الحسين.

قال : إنّك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك ، وانّك لتخلّف له قرنا ان صارعه ليصرعنّه ، وإن سابقه ليسبقنّه فذر الحسين منبت النخلة ، يشرب من الماء ويقعد فى الهواء ، ولا يبلغ إلى السّماء قال : فما غيبك عنّى يوم صفّين؟ قال : تحملت الحرم ، وكفيت الحزم ، وكنت قريبا ، لو دعوتنا لاجبناك ، ولو أمرت لاطعناك ؛ قال معاوية : يا أهل الشام ، هؤلاء قومى وهذا كلامهم(١) .

١٨ ـ روى عن العتبى عن أبيه : ان عتبة بن أبى سفيان قال : كنت مع معاوية فى دار كندة ، إذا أقبل الحسن والحسين ومحمّد ، بنو علىّ بن أبى طالب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لهؤلاء القوم أشعارا وأبشارا ، وليس مثلهم كذب ، وهم يزعمون أن أباهم كان يعلم ، فقال : إليك من صوتك ، فقد قرب القوم ، فاذا قاموا فذكرنى بالحديث ، فلمّا قاموا قلت يا أمير المؤمنين ، ما سألتك عنه من الحديث؟ قال : كلّ القوم كان يعلم وأبوهم من أعلمهم(٢) .

١٩ ـ عنه قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ، عامله على المدينة : أن ادع أهل المدينة إلى بيعة يزيد ، فان أهل الشام والعراق قد بايعوا ، فخطبهم مروان فحضّهم على الطاعة وحذرهم الفتنة ودعاهم الى بيعة يزيد قال سنة أبى بكر الهادية المهدية ، فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر : كذبت! ان كان أبا بكر ترك الأهل والعشيرة ، وبايع لرجل من بنى عدى ، رضى دينه وأمانته ، واختاره لامّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال مروان : أيها الناس ، إن هذا المتكلّم هو الّذي أنزل الله فيه : «والذي قال لوالديه افّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى» فقال له عبد الرحمن : يا ابن الزرقاء ، أفينا تتأول القرآن! وتكلّم الحسين بن علىّ ، وعبد الله بن

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٢٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨٢

١٧٠

الزبير ، وعبد الله بن عمر وأنكروا بيعة يزيد ، وتفرّق الناس فكتب مروان إلى معاوية بذلك.

فخرج معاوية الى المدينة فى ألف فلمّا قرب منها تلقّاه الناس ، فلمّا نظر الى الحسين قال : مرحبا بسيّد شباب المسلمين ، قرّبوا دابّة لابي عبد الله ، وقال لعبد الرحمن بن أبى بكر: مرحبا بشيخ قريش وسيّدها وابن الصديق. وقال لابن عمر : مرحبا بصاحب رسول الله وابن الفاروق. وقال لابن الزبير : مرحبا بابن حوارىّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمته.

دعا لهم بدواب فحملهم عليها. وخرج حتّى أتى مكّة فقضى حجّه ، ولما أراد الشخوص أمر باثقاله فقدّمت ، وأمر بالمنبر فقرب من الكعبة ، وأرسل الى الحسين وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن الزبير فاجتمعوا ، وقالوا لابن الزبير : اكفنا كلامه ، فقال : على أن لا تخالفونى. قالوا : لك ذلك.

ثمّ أتوا معاوية ، فرحّب بهم وقال لهم : قد علمتم نظرى لكم وتعطّفى عليكم ، وصلتي أرحامكم ، ويزيد أخوكم وابن عمّكم ، وإنّما أردت أن أقدّمه باسم الخلافة وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون ، فسكتوا ، وتكلّم ابن الزبير ، فقال : نخيّرك بين احدى ثلاث ، أيّها أخذت فهى لك رغبة وفيها خيار :

فان شئت فاصنع فينا ما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبضه الله ولم يستخلف ، فدع هذا الامر حتى يختار الناس لانفسهم ؛ وإن شئت فما صنع أبو بكر ، عهد الى رجل من قاصية قريش وترك من ولده ومن رهطه الادنين من كان لها أهلا ؛ وإن شئت فما صنع عمر ، صيّرها الى ستّة نفر من قريش يختارون رجلا منهم وترك ولده وأهل بيته وفيهم من لو وليها لكان لها أهلها.

قال : معاوية : هل غير هذا؟ قال : لا ثم قال الآخرين : ما عندكم؟ قالوا : نحن على ما قال ابن الزبير ، وقال معاوية : انّى أتقدّم إليكم ، وقد أعذر من أنذر ، إنّى

١٧١

قائل مقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ علىّ رجل منكم كلمة فى مقامى هذا لا ترجع إليه كلمة حتّى يضرب رأسه. فلا ينظر امرؤ منكم الا الى نفسه ، ولا يبقى الّا عليها.

وأمر أن يقوم على رأس كلّ رجل منهم رجلان بسيفيهما ، فان تكلّم بكلمة يردّ بها عليه قوله قتلاه. وخرج وأخرجهم معه حتّى رقى المنبر ، وحفّ به أهل الشام ، واجتمع الناس ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : انّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، قالوا : ان حسينا وابن أبى بكر وابن عمر وابن الزبير لم يبايعوا ليزيد ، وهؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا نبرم أمرا دونهم ، ولا نقضى أمرا الا عن مشورتهم ، وانّى دعوتهم فوجدتهم سامعين مطيعين ، فبايعوا وسلّموا وأطاعوا.

فقال أهل الشام : وما يعظم من أمر هؤلاء ، ائذن لنا فنضرب أعناقهم ، لا نرضى حتّى يبايعوا علانية! فقال معاوية : سبحان الله! ما أسرع الناس الى قريش بالشرّ وأحلى دماءهم عندهم أنصتوا ، فلا أسمع هذه المقالة من أحد. ودعا الناس الى البيعة فبايعوا. ثمّ قربت رواحله ، فركب ومضى. فقال الناس للحسين وأصحابه : قلتم : لا نبايع ، فلمّا دعيتم وأرضيتم بايعتم! قالوا لم نفعل. قالوا : بلى ، قد فعلتم وبايعتم ، أفلا أنكرتم! قالوا : خفنا القتل وكادكم بنا وكادنا بكم(١) .

٢٠ ـ قال أبو اسحاق القيروانى : كان لمعاوية بن أبى سفيان عين بالمدينة يكتب إليه بما يكون من امور الناس وقريش فكتب إليه : انّ الحسين بن على أعتق جارية له وتزوّجها ؛ فكتب معاوية الى الحسين : من أمير المؤمنين معاوية الى الحسين ابن علىّ. أمّا بعد فانّه بلغنى أنك تزوّجت جاريتك ، وتركت أكفاءك من قريش ، ممّن تستنجبه للولد ، وتمجد به فى الصهر ، فلا لنفسك نظرت ، ولا لولدك انتقيت.

فكتب إليه الحسين بن على : أمّا بعد فقد بلغنى كتابك ، وتعييرك إيّاى بأنّى

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٣٧١.

١٧٢

تزوّجت مولاتى ، وتركت أكفائى من قريش ، فليس فوق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منتهى فى شرف ، ولا غاية فى نسب ؛ وإنمّا كانت ملك يمينى ، خرجت عن يدى بأمر التمست فيه ثواب الله تعالى ؛ ثم ارتجعتها على سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ووضع عنّا به النقيصة : فلا لوم على امرئ مسلم الّا فى أمر مأثم ، وإنّما اللوم لوم الجاهليّة ، فلمّا قرأ معاوية كتابه نبذه الى يزيد فقرأه ، وقال : لشدّ ما فخر عليك الحسين! قال : لا ولكنّها ألسنة بنى هاشم الحداد التي تفلق الصخر ، وتغرف من البحر!(١) .

٢٨ ـ باب ما جرى بينهعليه‌السلام ومروان

١ ـ فرات قال حدّثنى علىّ بن حمدون معنعنا عن ابن الجارية واصبغ بن نباتة الحنظلى ، قال لما كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع فى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فلمّا نزل من المنبر أتى الحسين بن علىعليه‌السلام فقيل له ان مروان قد وقع فى علىعليه‌السلام ، قال فما كان فى المسجد الحسنعليه‌السلام قالوا بلى ، قال فلم يقل له شيئا قالوا : لا فقام الحسينعليه‌السلام مغضبا حتى دخل على مروان.

فقال يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة القمل أنت الواقع فى علىعليه‌السلام ، قال له مروان أنت صبىّ لا عقل لك قال فقال له الحسينعليه‌السلام ألا أخبرك بما فيك وأصحابك وفى علىعليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى قال( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) فذلك لعلى وشيعته( فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) فبشر بذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىّ بن أبى طالبعليه‌السلام (٢)

__________________

(١) زهر الآداب : ١ / ١٠١.

(٢) تفسير فرات : ٩٠.

١٧٣

٢ ـ روى ابن شهرآشوب ، عن عبد الملك بن عمير والحاكم والعبّاس قالوا : خطب الحسينعليه‌السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان ازوّجها عبد الله بن الزبير ، ثمّ إنّ معاوية كتب الى مروان وهو عامله على الحجاز ، يأمره ان يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، فأبى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله : انّ أمرها ليس الىّ إنمّا هو الى سيّدنا الحسينعليه‌السلام وهو خالها.

فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى ، اللهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد ، فلمّا اجتمع الناس فى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مروان حتّى جلس الى الحسينعليه‌السلام وعنده من الجلة.

وقال انّ أمير المؤمنين أمرنى بذلك وان اجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيّين مع قضاء ، دينه أعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له وبوجهه يستسقى الغمام فردّ خيرا يا أبا عبد الله.

فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه الى آخر كلامهعليه‌السلام ، ثمّ قال يا مروان قد قلت فسمعنا اما قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، فلعمرى لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فى بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أو يكون أربعمائة وثمانين درهما.

أمّا قولك مع قضاء دين أبيها فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ، وأمّا صلح ما بين هذين الحيين فأنا قوم عاديناكم فى الله ولم نكن نصالحكم للدنيا فلعمرى فلقد اعيى النسب فكيف السبب وأمّا قولك العجب ليزيدك كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جدّ يزيد.

١٧٤

فأمّا قولك انّ يزيد كفو من لا كفو له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته فى الكفاة شيئا ، وامّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فانّما كان ذلك بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبط بنا ، فانّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.

ثمّ قال بعد كلام فاشهدوا جميعا انّى قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، من ابن عمّها القسم بن محمّد بن جعفر ، على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتى بالمدينة أو قال أرضى بالعتيق وانّ عليها فى السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لهما غنى إن شاء الله ، قال فتغير وجه مروان وقال : اغدوا يا بنى هاشم تأبون إلّا العداوة(١) .

٣ ـ قال ابن أبى الحديد : أمّا مروان فأخبث عقيدة ، وأعظم الحادا وكفرا ؛ وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ؛ وهو يومئذ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال :

يا حبّذا بردك فى اليدين

وحمرة تجرى على الخدّين

كأنّما بتّ بمحشدين

ثمّ رمى بالرأس نحو قبر النبيّ ، قال : يا محمّد ، يوم بيوم بدر ، وهذا القول مشتق من الشعر الّذي تمثّل به يزيد بن معاوية وهو شعر ابن الزبعرى يوم وصل الرأس إليه(٢) .

٤ ـ عنه قال : روى المدائنى ، عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسنعليه‌السلام أخرجوا جنازته ، فحمل مروان بن الحكم سريره ، فقال له الحسينعليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرّعه الغيظ؟ قال : مروان : نعم ؛ كنت أفعل ذلك بمن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧١.

(٢) شرح النهج : ٤ / ٧١.

١٧٥

يوازن حمله الجبال(١) .

٥ ـ عنه روى المدائنى عن يحيى بن زكريّا ، عن هشام بن عروة ، قال : قال الحسن ، عند وفاته : ادفنوني عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الّا أن تخافوا أن يكون فى ذلك شرّ ، فلمّا أرادوا دفنه ، قال مروان بن الحكم : يدفن عثمان فى حشّ كوكب ، ويدفن الحسن هاهنا ، فاجتمع بنو هاشم وبنو اميّة ، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم وجاءوا بالسلاح.

فقال أبو هريرة لمروان : أتمنع الحسن أن يدفن فى هذا الموضع ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة قال مروان : دعنا منك ، لقد ضاع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبى سعيد الخدرى وإنّما أسلمت أيّام خيبر.

قال أبو هريرة : صدقت ، أسلمت أيّام خيبر ، ولكنّنى لزمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أكن أفارقه وكنت أسأله ، وعنيت بذلك حتّى علمت من أحبّ ومن أبغض ، ومن قرّب ومن أقرّ ومن نفى ، ومن لعن ومن دعا له.

فلمّا رأت عائشة السلاح والرجال ، وخافت أن يعظم الشرّ بينهم ، وتسفك الدماء قالت : البيت بيتى ، ولا آذن لأحد أن يدفن فيه ، وأبى الحسينعليه‌السلام أن يدفنه الّا مع جدّه ، فقال له محمّد بن الحنفيّة : يا أخى ، إنّه لو أوصى أن يدفنه لدفنّاه أو نموت قبل ذلك ، ولكنّه قد استثنى ، قال : إلّا أن تخافوا الشرّ ، فأىّ شرّ يرى أشدّ ممّا نحن فيه فدفنوه فى البقيع(٢) .

٥ ـ عنه قال أبو الفرج : وقال جويرية بن أسماء : لما مات الحسن واخرجوا جنازته جاء مروان حتّى دخل تحته فحمل سريره ، فقال له الحسينعليه‌السلام : أتحمل

__________________

(١) شرح النهج : ٤ / ٧١.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ١٣.

١٧٦

اليوم سريره وبالأمس كنت تجرّعه الغيظ! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(١) .

٦ ـ العياشى باسناده : عن داود بن فرقد عن أبى عبد اللهعليه‌السلام ، قال : دخل مروان بن الحكم المدينة قال : فاستلقى على السرير وثمّ مولى للحسين ؛ فقال :( رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ) قال : فقال الحسين لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل؟ قال استلقى على السرير فقرأ( رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ) إلى قوله( الْحاسِبِينَ ) قال: فقال الحسينعليه‌السلام نعم والله رددت أنا وأصحابى إلى الجنّة ، وردّ هو وأصحابه الى النار(٢) .

٢١ ـ باب ما جرى بينهعليه‌السلام والوليد

١ ـ قال ابن أبى الحديد : قال الزبير : وحدّثنى محمّد بن حسن ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادى الليثى ، أنّ محمّد بن الحارث أخبره ، قال : كان بين الحسين بن علىعليهما‌السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبى سفيان كلام فى مال كان بينهما بذى المروة والوليد يومئذ أمير المدينة فى أيّام معاوية.

فقال الحسينعليه‌السلام : أيستطيل الوليد علىّ بسلطانه! أقسم بالله لينصفنّى من حقّى أو لآخذنّ سيفى ، ثمّ أقوم فى مسجد الله فادعو بحلف الفضول! فبلغت كلمته عبد الله بن الزبير ، فقال أحلف بالله لئن دعا به لآخذنّ سيفى ، ثمّ لأقومنّ معه حتّى ينتصف أو نموت جميعا.

__________________

(١) شرح النهج ١٦ / ١٥.

(٢) تفسير العياشى : ١ / ٣٦٢.

١٧٧

فبلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهرى ، فقال مثل ذلك ، فبلغ عبد الرحمن ابن عثمان بن عبيد الله التيمىّ ، فقال مثل ذلك ، فبلغ ذلك الوليد بن عتبة ، فأنصف الحسينعليه‌السلام من نفسه حتّى رضى(١)

٣٠ ـ باب الاخبار عن شهادتهعليه‌السلام

١ ـ الحميرى ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه قال مرّ علىّ بكربلاء فى اثنين بأصحابه ، قال فلمّا مرّ بها ، ترقرقت عيناه ، للبكاء ، ثمّ قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، هاهنا تهراق دمائهم ، طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الاحبّة(٢) .

٢ ـ الصفّار حدّثنا سلام ابن أبى عمرة الخراسانى ، عن أبان بن تغلب ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه انّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن يحيى حياتي ويموت مماتى ، ويدخل جنّة ربّى جنّة عدن غرسه ربّى ، فليتولّ علىّ بن أبى طالب.

وليعاد عدوّه ، وليأتمّ بالاوصياء من بعده ، فانّهم ائمّة الهدى ، من بعدى أعطاهم الله فهمى ، وعلمى ، وهم عترتى من لحمى ، ودمى ، الى الله اشكو من امّتى ، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم ، صلتى ، وأيم الله ليقتلنّ ابنى يعنى الحسين لا أنالهم الله شفاعتى(٣) .

٣ ـ عنه حدّثنا عبد الله بن محمّد بن الحسن بن محبوب ، عن أبى حمزة ، عن

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٦.

(٢) قرب الاسناد : ١٤.

(٣) بصائر الدرجات : ٥٢.

١٧٨

سويد بن غفلة قال : أنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من وادى القرى وقد مات خالد بن عرفطة ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : انّه لم يمت فأعادها عليه ، فقال له علىعليه‌السلام لم يمت والذي نفسى بيده لا يموت فأعادها عليه الثالثة.

فقال سبحان الله : أخبرك انّه مات وتقول لم يمت ، فقال له علىّعليه‌السلام : لم يمت والّذي نفسى بيده لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رأيته حبيب بن جمّاز قال فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين فقال : أناشدك فىّ وأنا لك شيعة وقد ذكرتنى بأمر والله ما أعرفه من نفسى.

فقال له علىّعليه‌السلام : ان كنت حبيب بن جمّاز فتحملها فولّى حبيب بن جمّاز وقال : ان كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها ، قال أبو حمزة فو الله ما مات حتّى بعث عمر بن سعد الى الحسين بن علىعليهما‌السلام وجعل خالد بن عرفه على مقدّمته وحبيب صاحب رايته(١) .

٤ ـ فرات قال : حدّثنى محمّد بن زيد الثقفى حدّثنا أبو يعرب بن أبى مسعود الاصفهانى ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل ، عن علىّ بن محمّد الكوفى ، عن موسى بن عبد الله الموصلى ، عن أبى نزار عن حذيفة اليمان ، قال : دخلت عائشة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّل فاطمة فقالت يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتقبلها وهى ذات بعل.

فقال لها والله لو عرفت ودّى لها لازددت ودّا لها انّه لما عرج بى الى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثمّ قال لى أذن قلت أؤذن وأنت حاضر : فقال : نعم ، انّ الله تعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلت أنت خاصّة

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٢٩٨.

١٧٩

يا محمّد فدنوت ، فصلّيت بأهل السماء الرابعة.

فلمّا صرت الى السماء السادسة اذا أنا بملك من نور على سرير من نور ، وحوله صفّ من الملائكة فسلمت عليه فردّ علىّ السلام وهو متّكئ فأوحى الله إليه أيها الملك سلّم عليك حبيبى وخيرة خلقى ، فرددتعليه‌السلام وأنت متّكأ فو عزتى وجلالى لتقومنّ ولتسلمنّ عليه ولا تقعد الى يوم القيمة ، فقام الملك وعانقنى ثمّ قال ما أكرمك على ربّ العالمين.

فلما صرت الى الحجب نوديت آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه ، فاجبت وقلت : والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ثمّ أخذ جبرئيل بيدى فأدخلنى الجنّة وأنا مسرور ، فاذا شجرة نور مكللة بالنور وفى أصلها ملكان يطويان الحلّي والحلل الى يوم القيمة ثمّ تقدّمت أمامى فاذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت على منها حوراء كأن أجنحتها مقاديم اجنحة النسور.

فقلت : لمن أنت فبكت وقالت لابن بنتك المقتول الحسين بن على بن أبى طالبعليه‌السلام ، ثمّ قدّمت أمامى فاذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فاخذت رطبة وأكلتها وانا اشتهيها فتحولت الرطبة نطفة فى صلبى فلمّا هبطت الى الارض واقعت خديجة فحملت فاطمة الحوراء الانسيّة فاذا اشتقت الى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتى فاطمةعليها‌السلام (١) .

٥ ـ فرات ، قال : حدّثنى جعفر بن محمّد الفزارى ، معنعنا ، عن أبى عبد الله ، قال: كان الحسينعليه‌السلام مع أمه تحمله فاخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك وهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بينى وبين من أعان عليك ،

__________________

(١) تفسير فرات : ١٠

١٨٠

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531