مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام6%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77964 / تحميل: 4615
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ذلك بزمان أتاه سهم غرب ، وهو واقف فى قتال ففلق قلبه ، فمات(١)

١١ ـ قال المقرّم : لما قتل أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام مال الناس على ثقله ومتاعه وانتهبوا ما فى الخيام وأضرموا النار فيها وتسابق القوم على سلب حرائر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ففررن بنات الزهراءعليهما‌السلام حواسر مسلبات باكيات وان المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها وخاتمها من إصبعها وقرطها من أذنها والخلخال من رجلها وأخذ رجل قرطين ، لأم كلثوم وخزم أذنها وجاء آخر إلى فاطمة ابنة الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكى.

قالت له : مالك؟ فقال : كيف لا ابكى وانا أسلب ابنة رسول الله قالت له : دعنى قال : أخاف ان يأخذه غيرى. ورأت رجلا يسوق النساء بكعب رمحه وهنّ يلذن بعضهنّ ببعض وقد اخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة ولما بصر بها قصدها ففرت منه فاتبعها رمحه فسقطت لوجهها مغشيا عليها ولما أفاقت رأت عمتها أمّ كلثوم عند رأسها تبكى.

نظرت امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها إلى بنات رسول الله بهذا الحال فصاحت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا حكم إلا لله يا لثارات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فردها زوجها إلى رحله ، وانتهى القوم إلى على بن الحسين وهو مريض على فراشه لا يستطيع النهوض فقائل يقول لا تدعوا منهم صغيرا ولا كبيرا وآخر يقول لا تعجلوا حتى نستشير الأمير عمر بن سعد ، وجرّد الشمر سيفه يريد قتله.

فقال له حميد بن مسلم : يا سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هو صبىّ مريض ، فقال : إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين وبالغ ابن سعد فى منعه خصوصا لما سمع العقيلة زينب ابنة أمير المؤمنين تقول : لا يقتل حتى أقتل دونه فكفّوا عنه.

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٤.

٢٠١

كانت عيادته منهم سياطهم

وفى كعوب الفنا قالوا البقاء لكا

جروه فانتهبوا النطع المعدلة

وأوطئوا جسمه السعدان والحسكا

أقبل ابن سعد إلى النساء فلما رأيته بكين فى وجهه ، فمنع القوم عنهنّ وقد أخذوا ما عليهن ولم يردّوا شيئا فوكل جماعة بحفظهن وعاد إلى خيمته.

ونادى ابن سعد : ألا من ينتدب الى الحسين فيوطئ الخيل صدره وظهره ، فقام عشرة منهم إسحاق بن حوية والأحبش بن مرئد بن علقمة بن سلمة الحضرمى ، وحكيم بن الطفيل السنبسى ، وعمرو بن صبيح الصيداوى ورجاء بن منقذ العبدى وسالم بن خيثمة الجعفى ، وصالح بن وهب الجعفى وواخط بن غانم وهانى بن ثبيت الحضرمى واسيد بن مالك ، قد اسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول وأقبل هؤلاء العشرة الى ابن زياد يقدمهم اسيد بن مالك يرتجز :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الأسر

فأمرهم بجائزة يسيرة.

قال البيرونى : لقد فعلوا بالحسين ما لم يفعل فى جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالسيف والرمح والحجارة واجراء الخيول وقد وصل بعض هذه الخيول الى مصر فقلعت نعالها وسمرت على أبواب الدور تبركا وجرت بذلك السنة عندهم فصار أكثرهم يعمل نظيرها ويعلق على أبواب الدور(١) .

٢٧ ـ باب سلبهعليهما‌السلام

١ ـ قال المفيد : دعى الحسينعليهما‌السلام بسراويل يمانيّة يلمع فيها البصر ففرزها ثمّ لبسها ، وإنمّا فرزها كيلا يسلبها بعد قتله ، فلمّا قتل الحسينعليهما‌السلام عمد أبجر بن

__________________

(١) مقتل الحسين : ٣٥٧ ـ ٣٦٢

٢٠٢

كعب إليه فسلبه السّراويل وتركه مجرّدا وكانت يدا أبجر بن كعب لعنه الله بعد ذلك تتيبسان فى الصيف حتّى كأنهما عودان وتترطّبان فى الشّتاء فتنضحان دما وقيحا الى أن أهلكه الله(١) .

٢ ـ عنه قال : نزل شمر لعنة الله عليه ، إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلى خولى بن يزيد ، فقال احمله إلى الأمير عمر بن سعد ثمّ أقبلوا على سلب الحسينعليه‌السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن الحياة الحضرمىّ لعنة الله عليه وأخذ سراويله ابجر بن كعب لعنة الله عليه ، وأخذ عمامته اخنس بن مرثد لعنة الله عليه وأخذ سيفه رجل من بنى دارم وانتهبوا رحله وابله وأثقاله وسلبوا نسائه(٢) .

٣ ـ قال الطبرسى : ثم اقبلوا على سلب الحسينعليه‌السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمى ، وأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ عمامته أخنس بن يزيد ، وأخذ سيفه رجل من بنى دارم ، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه(٣)

٤ ـ قال ابن شهرآشوب : يروى انّه اخذ عمامته جابر بن زيد الازدى ، وتعمّم بها فصار فى الحال معتوها واخذ ثوبه جعونة بن حوية الحضرمى ، ولبسه فتغيّر وجهه ، وحصّ شعره وبرص بدنه ، وأخذ سراويله الفوقانى بحير بن عمرو الجرمى ، وتسرول به فصار مقعدا.(٤)

٥ ـ عنه قال : سلب الحسينعليه‌السلام ما كان عليه فأخذ عمامته جابر بن يزيد الازدى ، وقميصه اسحاق بن حوّى وثوبه جعونة بن حويّة الحضرمى ، وقطيفته من خزّ قيس بن الاشعث الكندى ، وسراويله بحير بن عمير الجرمى ، ويقال اخذ سراويله بحير بن كعب التميمى ، والقوس والحلل الرّحيل بن خيثمة الجعفى ، وهانى بن شبيب الحضرمى ، وجرير بن مسعود الحضرمى ، ونعليه الأسود الأوسى وسيفه

__________________

(١) الارشاد : ٢٢٥.

(٢) الارشاد : ٢٢٦.

(٣) اعلام الورى : ٢٤٥.

(٤) المناقب : ٢ / ١٨٥.

٢٠٣

رجل من بنى نهشل من بنى دارم ، ويقال الاسود بن حنظلة فأحرقهم المختار بالنّار(١) .

٦ ـ قال ابن طاوس : أخذ سراويله بحر بن كعب التيمى ، لعنه الله تعالى فروى انه صار زمنا مقعدا من رجليه واخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمى ، وقيل جابر بن يزيد الاودى ، لعنهما الله فاعتمّ بها فصار معتوها واخذ نعليه الأسود بن خالد لعنه الله واخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبى وقطع إصبعه مع الخاتم وهذا أخذه المختار فقطع يده ورجليه ، وتركه يتشحط فى دمه حتى هلك واخذ قطيفة لهعليه‌السلام كانت من خز قيس بن الاشعث.

أخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر وهبها المختار لأبى عمرة قاتله وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأودى وقيل رجل من بنى تميم ، يقال له أسود بن حنظلة وفى رواية ابن سعدانة أخذ سيفه الفلافس النهشلى وزاد محمّد بن زكريّا انه وقع بعد ذلك الى بنت حبيب بن بديل وهذا السيف المنهوب المشهور ليس بذى الفقار فانّ ذلك كان مذخورا ومصونا مع أمثاله من ذخائر النبوّة والإمامة وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه(٢) .

٧ ـ قال الطبرى : إنّ رجلا من كندة يقال له مالك بن النّسير من بنى بدّاء أتاه فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين قال : فألقى ذلك البرنس ثمّ دعا بقلنسوة فلبسها واعتمّ وقد أعيا وبلّد وجاء الكندى حتّى أخذ البرنس ـ وكان من خزّ ـ فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أم عبد الله ابنة الحرّ أخت حسين بن الحرّ البدىّ أقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته : أسلب ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تدخل بيتى

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٢٤.

(٢) اللهوف : ٥٦.

٢٠٤

أخرجه عنّى فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات(١) .

٨ ـ عنه قال أبو مخنف : عن جعفر بن محمّد بن علىّ ، قال : وجد بالحسينعليه‌السلام حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة قال : وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين الّا شد عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتى أخذ رأس الحسين فدفعه إلى خولى قال : وسلب الحسين ما كان عليه ، فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته ـ وكانت من خزّ وكان يسمّى بعد قيس قطيفة ـ وأخذ نعليه رجل من بنى أود يقال له الأسود وأخذ سيفه رجل من بنى نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل(٢) .

٩ ـ قال سبط ابن الجوزى : سلبوه جميع ما كان عليه حتى سرواله اخذه بحر ابن كعب التميمى ، وأخذ قميصه اسحاق بن حوية الحضرمى واخذ سيفه القلافس النهشلى واخذ قطيفته قيس بن الأشعث الكندى واخذ نعليه الأسود بن خالد الأزدى واخذ عمامته جابر بن يزيد وأخذ برنسه مالك بن بشير الكندى وقال عمر بن سعد : من جاء برأس الحسين فله ألف درهم(٣) .

١٠ ـ الحافظ ابن عساكر أخبرنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون أنبأنا أبو القاسم بن حبابة ، أنبأنا أبو القاسم البغوى ، أنبأنا إسحاق بن إسماعيل الطالقانى سنة خمس وعشرين أنبأنا جرير : عن ابن أبى ليلى قال : قال الحسين بن على حين أحسّ بالقتل : ابغوا لى ثوبا لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابى حتى لا أجرّد فقيل له : تبان فقال : ذاك لباس من ضربت عليه الذلة فأخذ ثوبا فخرقه فجعله تحت ثيابه فلما قتل جرّد صلوات الله عليه ورضوانه(٤) .

١١ ـ قال محمّد بن سعد : لمّا قتل الحسينعليه‌السلام انتهب ثقله فأخذ سيفه

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٤٨.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٣.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٥٣.

(٤) ترجمة الامام الحسين : ٢٢١.

٢٠٥

الفلافس النهشلى ، وأخذ سيفا آخر جميع بن الخلق الأودى واخذ سراويله بحر الملعون بن كعب التميمى فتركه مجردا! وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكندى فكان يقال له: قيس قطيفة ، وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأودى ، واخذ عمامته جابر بن يزيد ، واخذ برنسه وكان من خزّ ـ مالك بن بشير الكندى(١) .

٢٨ ـ باب ما جرى على رأسهعليه‌السلام

١ ـ قال الصدوق أقبل سنان لعنة الله عليه حتى ادخل رأس الحسين بن علىعليهما‌السلام على عبيد الله بن زياد ، لعنة الله عليه وهو يقول :

املأ ركابى فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس اما وابا

وخيرهم اذ ينسبون نسبا

فقال له عبيد الله بن زياد : ويحك فان علمت انه خير الناس أبا وأما لم قتلته اذا فأمر به فضرب عنقه وعجّل الله بروحه الى النار(٢) .

٢ ـ قال المفيد : سرّح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسينعليه‌السلام مع خولى بن يزيد الأصبحى وحميد بن مسلم الأزدى الى عبيد الله بن زياد ، وأمر برءوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وكانوا اثنين وسبعين رأسا وسرّح بها مع شمر بن ذى الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج فأقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد(٣) .

٣ ـ أبو جعفر الطوسى باسناده قال : أخبرنا أبو عمر قال : أخبرنا أحمد قال :

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٢) أمالي الصدوق : ٩٨.

(٣) الارشاد : ٢٢٧.

٢٠٦

حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك قال : حدثنا اسماعيل بن عامر قال : حدّثنا الحكم بن محمّد بن القاسم الثقفى ، قال : حدثني أبى عن أبيه انه حضر عبيد الله بن زياد حين أتى برأس الحسين صلوات الله عليه ، فجعل ينكت بقضيب ثناياه ، ويقول : انه كان لحسن الثغر ، فقال له زيد بن أرقم : ارفع قضيبك فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثم موضعه.

قال : انك شيخ قد خرفت. فقام زيد يجرّ ثيابه ثم عرضوا عليه ، ثم أمر بضرب عنق على بن الحسينعليهما‌السلام ، قال له على : ان كان بينك وبين هؤلاء النساء رحم ، فأرسل معهنّ من يؤدّيهن ، فقال تؤدّيهن أنت وكأنه استحى وصرف اللهعزوجل عن على بن الحسينعليه‌السلام القتل ، قال القاسم بن محمد : ما رأيت منظرا قطّ أفزع من إلقاء رأس الحسين بين يديه وهو ينكته(١) .

٤ ـ قال ابن شهرآشوب قال أبو مخنف جاءت كندة الى ابن زياد بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن بعشرين راسا وصاحبهم شمر بن ذى الجوشن ، وجاءت بنو تميم بتسعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بتسعة أرؤس وجاء ساير الجيش بتسعة رءوس فذلك سبعون رأسا وجاء برأس الحسينعليه‌السلام خوليّ بن يزيد الأصبحى(٢) .

٥ ـ قال ابن طاوس : ثمّ انّ عمر بن سعد بعث برأس الحسينعليه‌السلام فى ذلك اليوم وهو يوم عاشورا مع خولى بن يزيد الأصبحى ، وحميد بن مسلم الأزدى ، الى عبيد الله بن زياد وامر برءوس الباقين من أصحابه واهل بيته فنظفت ، وسرح بها مع شمر بن الجوشن لعنه الله وقيس بن الاشعث وعمرو بن الحجاج فأقبلوا حتى قدموا بها الى الكوفة وأقام بقية يومه واليوم الثانى الى زوال الشمس ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسينعليه‌السلام وحمل نسائه صلوات الله عليه على أحلاس أقتاب

__________________

(١) أمالي الطوسى : ١ / ٢٥٧

(٢) المناقب : ٢ / ٢٢٤

٢٠٧

الجمال بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الاعداء وهنّ ودائع الأنبياء وساقوهنّ كما بساق سبى الترك والروم فى أشد المصائب والهموم ولله در قائله :

يصلى على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه انّ ذا العجيب

وقال آخر :

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب(١)

٦ ـ عنه قال : روى أن أصحاب الحسينعليه‌السلام كانت ثمانية وسبعين رأسا فاقتسمتها القبائل لتقرب بذلك الى عبيد الله بن زياد ، والى يزيد بن معاوية لعنهم الله فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن باثنى عشر رأسا وصاحبهم شمر بن الجوشن لعنهم الله وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا ، وجاءت مذحج بسبعة رءوس وجاء باقى الناس بثلاثة عشر رأسا(٢) .

٧ ـ محمّد بن يعقوب ، عن علىّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن زكريا ، عن يزيد بن عمر بن طلحة ، قال : قال لى أبو عبد اللهعليه‌السلام وهو بالحيرة ، أما تريد ما وعدتك؟ قلت : بلى ـ يعنى الذّهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ قال : فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حتّى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف ، عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما ، فصلّى وصلّى إسماعيل وصلّيت ، فقال لإسماعيل : قم فسلّم على جدّك الحسينعليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال : نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

٨ ـ عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن الحسن

__________________

(١) اللهوف : ٦٢.

(٢) اللهوف : ٦٢.

(٣) الكافى : ٤ / ٥٧١

٢٠٨

الخزّاز ، عن الوشّاء أبى الفرج عن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبى عبد اللهعليه‌السلام فمرّ بظهر الكوفة فنزل فصلّى ركعتين ، ثمّ تقدّم قليلا فصلّى ركعتين ، ثمّ سار قليلا فنزل فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت : جعلت فداك والموضعين اللّذين صلّيت فيهما؟ قال : موضع رأس الحسينعليه‌السلام وموضع منزل القائمعليه‌السلام (١) .

٩ ـ الصدوق حدثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطار رضى الله عنه قال : حدثنا على بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضاعليه‌السلام يقول : لما حمل رأس الحسين بن علىعليهما‌السلام الى الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع ونصبت عليه مائدة ، فأقبل هو لعنه الله وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع ، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع فى طست تحت سريره وبسط عليه رقعة الشطرنج.

جعل يزيد عليه اللعنة يلعب بالشطرنج ويذكر الحسين وأباه وجدّه صلوات الله عليهم ويستهزئ بذكرهم ، فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرّات ، ثم صبّ فضلته ، على ما يلي الطست من الأرض ، فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع واللعب بالشطرنج ، ومن نظر الى الفقاع أو الى الشطرنج فليذكر الحسينعليه‌السلام وليلعن يزيد وآل زياد ، يمحو الله بذلك ذنوبه ولو كانت بعدد النجوم(٢) .

١٠ ـ عنه حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشى رضى الله عنه ، قال : حدثنا أبى ، عن أحمد بن على الأنصاري ، عن عبد السلام بن صالح الهروى ، قال : سمعت أبا الحسن على بن موسى الرضاعليهما‌السلام يقول : أوّل من اتخذ له الفقاع فى الإسلام بالشام يزيد بن معاوية ، لعنه الله ، فاحضر وهو على المائدة وقد نصبها على رأس الحسينعليه‌السلام ، فجعل يشربه ويسقى أصحابه ويقول لعنه الله :

__________________

(١) الكافى : ٤ / ٥٧٢

(٢) عيون اخبار الرضا : ٢ / ٢٢.

٢٠٩

اشربوا فهذا شراب مبارك ولو لم يكن من بركته إلّا أنا أوّل ما تناولناه ورأس عدوّنا بين أيدينا ومائدتنا منصوبة عليه ونحن نأكله ونفوسنا ساكنة وقلوبنا مطمئنة ، فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع ، فانه من شراب أعدائنا فان لم يفعل فليس منا.

لقد حدثني أبى عن أبيه ، عن آبائه ، عن على بن أبى طالبعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تلبسوا لباس أعدائى ولا تطعموا مطاعم أعدائى ولا تسلكوا مسالك أعدائى ، فتكونوا أعدائى كما هم أعدائى(١) .

١١ ـ قال المجلسى : روى انّه لمّا حمل رأسه إلى الشّام جنّ عليهم اللّيل فنزلوا عند رجل من اليهود ، فلمّا شربوا وسكروا قالوا : عندنا رأس الحسينعليه‌السلام فقال : أروه لى فأروه ، وهو فى الصّندوق يسطع منه النور نحو السماء ، فتعجّب منه اليهودىّ فاستودعه منهم ، وقال للرأس : اشفع لى عند جدّك فأنطق الله الرأس فقال : إنمّا شفاعتى للمحمّديين ، ولست بمحمّدىّ ، فجمع اليهودىّ أقرباءه ثمّ أخذ الرأس ووضعه فى طست وصبّ عليه ماء الورد ، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر.

ثمّ قال لأولاده وأقربائه : هذا رأس ابن بنت محمّدعليه‌السلام . ثمّ قال : يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم على يديه ، يا لهفاه حيث لم أجدك حيّا فأسلم على يديك واقاتل بين يديك ، فلو اسلمت الآن اشفع لى يوم القيامة ، فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح : إن أسلمت فأنا لك شفيع ، قاله ثلاث مرّات وسكت فأسلم الرّجل وأقرباؤه(٢) .

١٢ ـ محمّد بن سعد : أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : حدّثنا عطاء بن مسلم ، عمّن أخبره ، عن عاصم بن أبى النجود ، عن زرّ بن حبيش ، قال : أول رأس رفع على

__________________

(١) عيون اخبار الرضا : ٢ / ٢٣.

(٢) بحار الانوار : ٤٥ / ١٧٢.

٢١٠

خشبة رأس الحسين(١) .

١٣ ـ عنه أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : حدّثنى عيسى بن عبد الرحمن السلمى ، عن الشعبى ، قال : رأس الحسين أول رأس حمل فى الإسلام(٢) .

١٤ ـ عنه أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : حدّثنا شيبان ، عن جابر ، عن عامر ، قال : رأيت رأس الحسين بن على بعد أن قتل قد نصل الشيب من صبغ السواد(٣) .

١٥ ـ عنه قال : وأمر عبيد الله بن زياد بحبس من قدم به عليه من بقيّة أهل حسين معه فى القصر ، فقال ذكوان أبو خالد ، خلّ بينى وبين هذه الرءوس فأدفنها ففعل فكفّنها ودفنها بالجبّانة ، وركب إلى أجسادهم فكفّنهم ودفنهم(٤) .

١٦ ـ قال الدينورى : بعث عمر بن سعد برأس الحسين من ساعته إلى عبيد الله بن زياد مع خوليّ بن يزيد الأصبحىّ قالوا : ولما أدخل رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فوضع بين يديه جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانة ثنايا الحسين ، وعنده زيد بن أرقم ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : «مه ، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا ، فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثمها». ثم خنقته العبرة ، فبكى. فقال له ابن زياد : ممّ تبكى؟! أبكى الله ، عينيك ، والله لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. قالوا : وكانت الرءوس قد تقدم بها شمر بن ذى الجوشن أمام عمر بن سعد. قالوا : واجتمع أهل الغاضريّة فدفنوا أجساد القوم(٥) .

١٦ ـ قال المسعودى : كان الذي تولى قتله رجل من مذحج واحتزّ رأسه ، وانطلق به إلى ابن زياد وهو يرتجز :

أوقر ركابى فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٢) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٣) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٤) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٥) الاخبار الطوال : ٢٥٩.

٢١١

فبعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس ، فدخل إلى يزيد وعنده أبو برزة الأسلمى فوضع الرأس بين يديه ، فأقبل ينكت القضيب فى فيه ويقول :

تفلّق هاما من رجال أحبة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة : ارفع قضيبك فطال ما والله رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يضع فمه على فمه يلثمه(١) .

١٧ ـ قال سبط ابن الجوزى : ذكر ابن سعد فى الطبقات قال : قالت مرجانة أمّ ابن زياد لابنها يا خبيث قتلت ابن رسول الله والله لا ترى الجنة أبدا ثم ان ابن زياد نصب الرءوس كلها بالكوفة على الخشب وكانت زيادة على سبعين رأسا وهى أول رءوس نصبت فى الاسلام بعد رأس مسلم بن عقيل بالكوفة. وذكر عبد الله بن عمرو الوراق فى كتاب المقتل أنه لما حضر الرأس بين يدى ابن زياد أمر حجاما فقال قوره فقوره واخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم ، واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم.

فقام عمرو بن حريث المخزومى فقال لابن زياد قد بلغت حاجتك من هذا الرأس فهب لى ما ألقيت منه فقال ما تصنع به فقال أواريه فقال خذه فجمعه فى مطرف خز كان عليه وحمله الى داره فغسله وطيبه وكفنه ودفنه عنده فى داره وهى بالكوفة تعرف بدار الخز ، دار عمرو بن حريث المخزومى ، وقيل ان الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين أخذت الرأس ووضعته فى حجرها وقبلته وقالت :

وا حسينا فلا نسيت حسينا

أقصدته أسنة الأعداء

غادروه بكربلاء سريعا

لا سقى الله جانبى كربلاء(٢)

١٨ ـ عنه قال عبيد بن عمير : لقد رأيت فى هذا القصر عجبا يعنى قصر الكوفة رأيت رأس الحسين بين يدى ابن زياد موضعا ، ثمّ رأيت رأس ابن

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧٠.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٥٩.

٢١٢

زياد بين يدى المختار ثمّ رأيت رأس المختار بين يدى مصعب بن الزبير ، ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير بين يدى عبد الملك بن مروان ، قيل له فكم كانت المدة؟ فقال : مقدار ثلاث سنين فأفّ لدنيا تنتهى الى هذا(١) .

١٩ ـ عنه قال الواقدى : ثم دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفى وسلّم إليه الرءوس والسبايا وجهزه الى دمشق فحكى ربيعة بن عمرو قال : كنت جالسا عند يزيد بن معاوية فى بهو له اذ قيل هذا زحر بن قيس بالباب ، فاستوى جالسا مذعورا واذن له فى الحال ، فدخل فقال : ما وراءك ، فقال : ما تحبّ أبشر بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين فى سبعين راكبا من أهل بيته وشيعته ، فعرضنا عليهم الامان والنزول على حكم ابن زياد.

فأبوا واختاروا القتال ، فما كان إلّا كنومة القائل أو جزر جزور حتّى أخذت السيوف مأخذها من هام الرجال؟ جعلوا يلوذون بالاكام فهاتيك أجسامهم مجردة وهم صرعى فى الفلاة ، قال : فدمعت عينا يزيد وقال : لعن الله ابن مرجانة ورحم الله أبا عبد الله لقد كنا نرضى منكم يا أهل العراق بدون هذا لعن الله ابن مرجانة لو كان بينه وبينه رحم ما فعل به هذا.

فلما حضرت الرءوس عنده قال : فرّقت سمية بينى وبين أبى عبد الله وانقطع الرحم لو كنت صاحبه لعفوت عنه ، ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا رحمك الله يا حسين لقد قتلك رجل لم يعرف حق الأرحام ، وفى رواية لعن الله ابن مرجانة لقد اضطرّه إلى القتل ، لقد سأله أن يلحق ببعض البلاد أو الثغور فمنعه زرع لى ابن زياد فى قلب البرّ والفاجر والصالح والطالح العداوة ، ثمّ تنكر لابن زياد ولم يصل زحر بن قيس بشيء ، ثم بعث بالرأس الى ابنته عاتكة فغسلته وطيبته.

قلت : هكذا وقعت هذه الرواية ، رواها هشام بن محمّد وأمّا المشهور عن

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٥٩.

٢١٣

يزيد فى جميع الروايات : انه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران ويقول أبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا قتل بدر فاعتدل(١)

٢٠ ـ عنه حكى القاضى أبو يعلى عن أحمد بن حنبل فى كتاب الوجهين والروايتين أنه قال : إن صح ذلك عن يزيد فقد فسق. قال الشعبى وزاد يزيد فيها :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحى نزل

لست من خندف ان لم أنتقم

من بنى أحمد ما كان فعل

قال مجاهد : نافق(٢)

٢١ ـ عنه قال الزهرى : لما جاءت الرءوس كان يزيد فى منظره على جيرون فأنشد لنفسه :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديونى(٣)

٢٢ ـ عنه ذكر ابن أبى الدنيا انه لما نكت بالقضيب ثناياه أنشد لحصين بن الحمام المرى :

صبرنا وكان الصبر منا سجية

بأسيافنا تفرين هاما ومعصما

تفلق هاما من رءوس أحبة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال مجاهد فو الله لم يبق فى الناس أحد إلا من سبّه وعابه وتركه ، قال ابن أبى الدنيا ، وكان عنده أبو برزة الأسلمى فقال له يا يزيد أرفع قضيبك فو الله لطال

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٦٠.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٦١.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٦١.

٢١٤

ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل ثناياه(١) .

٢٣ ـ عنه ذكر البلاذرى : ان الذي كان عند يزيد وقال هذه المقالة أنس بن مالك وهو غلظ من البلاذرى لأن أنسأ كان بالكوفة عند ابن زياد ولما جيء بالرأس بكى وقد ذكرناه(٢) .

٢٤ ـ عنه قال هشام : لما أنشد يزيد الأبيات قال له على بن الحسين بل ما قال الله أولى( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) فقال يزيد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ، وكان على بن الحسين والنساء موثقين فى الحبال فناداه علىّ يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا موثقين فى الحبال عرايا على أقتاب الجمال فلم يبق فى القوم إلا من بكى(٣) .

٢٥ ـ روى ابن أبى الدنيا عن الحسن البصرى قال ضرب يزيد رأس الحسين ومكانا كان يقبله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تمثّل الحسن :

سمية أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل(٤)

٢٦ ـ عنه قال ابن سعد بعث ابن زياد بالرأس مع مخفر بن ثعلبة العائدى وأمر يزيد نسائه فأقمن الماتم على الحسين ثلاثة أيام(٥)

٢٧ ـ عنه قال : حكى هشام بن محمّد عن أبيه عن عبيد بن عمير ، قال : كان رسول قيصر حاضرا عند يزيد فقال ليزيد هذا رأس من؟ فقال رأس الحسين قال ومن الحسين قال اين فاطمة ، قال ومن فاطمة؟ قال بنت محمّد ، قال : نبيكم؟ قال نعم ، قال : ومن أبوه؟ قال على بن أبى طالب ، قال ومن على بن أبى طالب؟ قال ابن عم نبينا ، فقال تبا لكم ولدينكم ما أنتم وحقّ المسيح على شيء ان عندنا فى بعض

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٦٢.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٦٢.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٦٢.

(٤) تذكرة الخواص : ٢٦٢.

(٥) تذكرة الخواص : ٢٦٢.

٢١٥

الجزاير دير فيه حافر حمار ركبه عيسى السيد المسيح ونحن نحجّ إليه فى كل عام من الأقطار وتنذر له النذور ونعظمه كما تعظمون كعبتكم فاشهد أنكم على باطل ثم قام ولم يعد إليه(١) .

٢٨ ـ عنه قال : حكى محمّد بن سعد فى الطبقات عن محمّد بن عبد الرحمن قال لقينى رأس الجالوت فقال ان بينى وبين داود سبعين نبيا وأن اليهود تعظمنى وتحترمنى وأنتم قتلتم ابن بنت نبيكم(٢) .

٢٩ ـ ذكر عبد الملك بن هاشم فى كتاب السيرة أخبرنا القاضى الأسعد أبو البركات عبد القوى ابن أبى المعالى ابن الحبار السعدى ، فى جمادى الأول سنة تسع وستمائة بالديار المصرية قراءة عليه ونحن نسمع ، قال : أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدى فى جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمائة قال أنبأنا أبو الحسن علىّ بن الحسن الخلعى ، أنبأنا أبو محمّد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد النحاس التجيى أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن جعفر بن محمّد بن رنجويه البغدادى ، أنبأنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله البرقي ، أنبأنا أبو محمّد عبد الملك بن هشام النحوى البصرى.

قال لما أنفذ ابن زياد رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى موثقين فى الحبال ، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أقتاب الجمال موثقين مكشفات الوجوه والرءوس وكلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له فوضعوه على رمح وحرسوه طول الليل الى وقت الرحيل ثم يعيدون الى الصندوق ويرحلوا فنزلوا بعض المنازل وفى ذلك المنزل دير فيه راهب فأخرجوا الرأس على عادتهم ووضعوه على الرمح وحرسه الحرس على عادته وأسندوا الرمح الى الدير.

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٦٣.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٦٣.

٢١٦

فلما كان فى نصف الليل رأى الراهب نورا من مكان الرأس الى عنان السماء فاشرف على القوم وقال من أنتم؟ قالوا نحن أصحاب ابن زياد قال وهذا رأس من؟ قالوا رأس الحسين بن على بن أبى طالب ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نبيكم؟ قالوا نعم قال بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لاسكناه أحداقنا ثم قال هل لكم فى شيء قالوا وما هو قال عندى عشرة آلاف دينار تأخذونها وتعطونى الرأس يكون ، عندى تمام الليلة واذا رحلتم تأخذونه قالوا وما يضرّنا فناولوه الرأس وناولهم الدنانير فاخذه الراهب فغسله وطيبه وتركه على فخذه وقعد يبكى الليل كله.

فلمّا أسفر الصبح قال يا رأس لا أملك إلا نفسى وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمّدا رسول الله وأشهد الله اننى مولاك وعبدك ثم خرج عن الدير وما فيه وصار يخدم أهل البيت ، قال ابن هشام فى السيرة : ثم إنهم أخذوا الرأس وساروا فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض تعالوا حتى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منا فأخذوا الأكياس وفتحوها واذا الدنانير قد تحولت خزفا وعلى أحد جانب الدينار مكتوب( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) الآية وعلى الجانب الآخر( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) فرموها فى بردا(١) .

٢٩ ـ عنه اختلفوا فى الرأس على اقوال : اشهرها أنه ردّه الى المدينة مع السبايا ثم ردّ الى الجسد بكربلاء فدفن معه ، قاله هشام وغيره ، والثانى : انه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمةعليهما‌السلام قاله ابن سعد قال لمّا وصل الى المدينة كان سعيد بن العاص واليا عليها فوضعه بين يديه وأخذ بارنبة أنفه ثم أمر به فكفن ودفن عند أمه فاطمةعليهما‌السلام وذكر الشعب : أنّ مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذه وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال :

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٦٣.

٢١٧

يا حبذا بردك فى اليدين

ولونك الأحمر فى الخدين

والله لكأنى أنظر الى ايام عثمان ، وقال ابن الكلبى سمع سعيد بن العاص أو عمرو بن سعيد الضجة من دور بنى هاشم فقال :

عجّت نساء بنى تميم عجة

كعجيج سؤتنا غداة الأرنب

والبيت لعمرو بن معدى كرب والرواية (عجت نساء بنى زياد) وروى ان مروان أنشد :

ضرب الدوسر فيهم ضربة

اثتبت أوتاد ملك فاستقر

والثالث : انه بدمشق حكى ابن ابى الدنيا قال وجد رأس الحسين فى خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكر البلاذرى فى تاريخه قال هو بدمشق فى دار الأمارة وكذا ذكر الواقدى أيضا.

الرابع : انه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة. ذكره عبد الله بن عمر الوراق فى كتاب المقتل وقال لمّا حضر الرأس بين يدى يزيد بن معاوية قال : لأبعثنه الى آل أبى معيط عن رأس عثمان وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه فى بعض دورهم ثم ادخلت تلك الدار فى المسجد الجامع قال وهو الى جانب سدرة هناك وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفا.

الخامس : ان الخلفاء الفاطميين نقلوه من باب الفراديس الى عسقلان ثم نقلوه الى القاهرة وهو فيها وله مشهد عظيم يزار فى الجملة ففى أىّ مكان رأسه أو جسده فهو ساكن فى القلوب والضمائر قاطن فى الأسرار والخواطر أنشدنا بعض أشياخنا فى هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى حسين

بأرض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحوى فمشهده بقلبى(١)

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٦٤.

٢١٨

٣٠ ـ محمّد بن اسماعيل البخاري عن محمّد بن الحسين بن إبراهيم قال حدثني حسين بن محمّد ، حدّثنا جرير ، عن أنس بن مالك أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل فى طست فجعل ينكت ، وقال فى حسنه شيئا ، فقال أنس كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مخضوبا بالوسمة(١) .

٣١ ـ ابو عيسى الترمذى حدّثنا خلاد بن أسلم ، أبو بكر البغدادىّ ، حدثنا النّضر بن شميل. أخبرنا هشام بن حسّان ، عن حفصة بنت سيرين قالت : حدّثنى أنس بن مالك قال : كنت عند ابن زياد فجئ برأس الحسين فجعل يقول بقضيب له فى أنفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حسنا قال ، قلت : أما إنّه كان من أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

٣٢ ـ قال الهيتمى : قتله سنان بن أبى أنس وأجهز عليه خولى بن يزيد الاصبحى ، من حمير وحزّ رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد فقال سنان

أوقر ركابى فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

رواه الطبرانى ورجاله ثقات(٣) .

٣٣ ـ عنه باسناده ، عن الشعبى قال رأيت رأس الحسين أوّل رأس حمل فى الاسلام(٤) .

٣٤ ـ عنه عن عبد الملك بن عمير قال دخلت على عبيد الله بن زياد واذا رأس الحسين قدامه على ترس فو الله ما لبثت الا قليلا حتى دخلت على المختار فاذا رأس عبيد الله بن زياد على ترس ، فو الله ما لبثت إلّا قليلا حتى دخلت على مصعب بن الزبير ، واذا رأس المختار على ترس ، فو الله ما لبثت الا قليلا حتى دخلت على

__________________

(١) صحيح البخاري : ٥ / ٣٢.

(٢) صحيح الترمذى : ٥ / ٦٥٩.

(٣) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٤.

(٤) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٦.

٢١٩

عبد الملك وإذا رأس مصعب بن الزبير على ترس(١) .

٣٥ ـ عنه عن أبى قبيل ، قال لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا فى أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج إليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا.

٣٦ ـ الحافظ ابن عساكر ، أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقى ، أنبأنا أبو محمّد الجوهرى إملاء ، قالا : أنبأنا أبو بكر بن مالك ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله ، أنبأنا سليمان بن حرب ، أنبأنا حمّاد بن سلمة ، عن على بن زيد ، عن أنس بن مالك ، قال : لما أتى برأس الحسين ـ يعنى إلى عبيد الله بن زياد ـ قال : فجعل ينكت بقضيب فى يده ويقول : إن كان لحسن الثغر : فقلت : والله لأسوءنك! لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل موضع قضيبك من فيه(٢) .

٣٧ ـ عنه أخبرتنا أم المجتبى فاطمة بنت ناصر ، قالت : قرئ على ابراهيم بن منصور ، أنبأنا أبو بكر بن المقرى ، قالا : أنبأنا أبو يعلى ، أنبأنا إبراهيم ـ هو ابن الحجاج ـ أنبأنا حمّاد ـ هو ابن سلمة ـ عن على بن زيد : عن أنس قال : لمّا قتل الحسين جئ برأسه إلى عبيد الله بن زياد ، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال : إن كان حسن الثغر ، فقلت : أما والله لأسوءنّك ، فقلت : لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل موضع قضيبك من فيه(٣) .

٣٨ ـ أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندى أنبأنا عبد العزيز بن أبى طاهر ، أنبأنا صدقة ابن محمّد بن مروان ، أنبأنا عثمان بن محمّد الذهبى ، أنبأنا إسحاق بن الحسن بن

__________________

(١) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٦.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ٢٥٧.

(٣) ترجمة الامام الحسين : ٢٥٨.

٢٢٠

ميمون ، أنبأنا محمّد بن عبد الوهاب ، أنبأنا معتمر بن سليمان ، عن قرّة بن خالد ، عن الحسن عن أنس ، أنه قال : لم تر عينى ـ أو لم تر عيناى ـ يوما مثل يوم أتى برأس الحسين فى طست إلى ابن زياد ، فجعل ينكت فاه ويقول : إن كان لصبيحا إن كان لقد خضب(١) .

٢٩ ـ باب ما جرى لأهل بيتهعليه‌السلام فى الكوفة

١ ـ الصدوق حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ،رحمه‌الله قال حدثنا على ابن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه عن محمّد بن سنان ، عن أبى الجارود ، زياد بن المنذر عن عبد الله بن الحسين عن أمه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام قال دخلت الغانمة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفى رجلى خلخالان من ذهب فجعل رجل يفض الخلخالين من رجلى وهو يبكي فقلت ما يبكيك يا عدوّ الله فقال كيف لا أبكى وأنا أسلب ابنة رسول الله فقلت لا تسلبنى قال أخاف ان يجئ غيرى فيأخذه قالت وانتهبوا ما فى الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا(٢) .

٢ ـ عنه حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرحمه‌الله قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصرى ، قال أخبرنا محمّد بن زكريا قال : حدثنا أحمد بن محمّد بن يزيد ، قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنى حاجب عبيد الله بن زياد أنه لما جئ يرأس الحسين أمر فوضع بين يديه فى طست من ذهب وجعل يضرب بقضيب فى يده على ثناياه ويقول لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله فقال رجل من القوم مه فانى رأيت رسول الله يلثم حيث تضع قضيبك فقال يوم بيوم بدر.

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ٢٥٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٩٩.

٢٢١

ثمّ أمر بعلىّ بن الحسينعليه‌السلام فغلّ وحمل مع النسوة والسبايا الى السجن وكنت معهم فما مررنا بزقاق إلّا وجدناه ملاء رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون فحبسوا فى سجن وطبق عليهم ثم ان ابن زياد لعنه الله دعا بعلى بن الحسينعليه‌السلام والنسوة وأحضر رأس الحسينعليه‌السلام وكانت زينب ابنة علىعليه‌السلام فيهم فقال ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب احاديثكم.

فقالت زينبعليه‌السلام الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا انما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر قال كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت قالت كتب إليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده فغضب ابن زياد لعنه الله عليها وهمّ بها فسكن منه عمرو بن حريث فقالت زينب يا ابن زياد حسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا وقطعت أصلنا وأبحت حريمنا وسبيت نساءنا وذرارينا فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت فامر ابن زياد بردهم ، الى السجن وبعث البشاير الى النواحى بقتل الحسين.

٣ ـ قال المفيد : سرّح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسينعليه‌السلام مع خولى بن يزيد الأصبحى وحميد بن مسلم الأزدى إلى عبيد الله بن زياد ، وأمر برءوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وكانوا اثنين وسبعين رأسا وسرّح بها مع شمر بن ذى الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج ، فأقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد وأقام بقيّة يومه واليوم الثّانى الى زوال الشّمس ثمّ نادى فى النّاس بالرّحيل وتوجّه الى الكوفة ومعه بنات الحسينعليه‌السلام وأخواته ومن كان معهنّ من النّساء والصّبيان وعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام فيهم وهو مريض بالذرب وقد اشفى.

لمّا رحل ابن سعد خرج قوم من بنى أسد كانوا نزولا بالغاضريّة الى الحسينعليه‌السلام وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علىّ

٢٢٢

ابن الحسين الأصغر عند رجله وحفروا للشّهداء من أهل بيته وأصحابه الّذين صرعوا حوله ممّا يلى رجلى الحسينعليه‌السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ودفنوا العبّاس بن علىّعليهما‌السلام فى موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة ، حيث قبره الآن ، ولمّا وصل رأس الحسينعليه‌السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسينعليه‌السلام وأهله.

جلس ابن زياد للنّاس فى قصر الأمارة وأذن للنّاس اذنا عاما وأمر باحضار الرّاس فوضع بين يديه وجعل ينظر إليه ويتبسّم وفى يده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان الى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو شيخ كبير فلمّا رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشّفتين فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما ما لا أحصيه ثمّ انتحب باكيا.

فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله ولو لا انّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار الى منزله وادخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فدخلت زينب اخت الحسينعليه‌السلام فى جملتهم متنكرة وعليها ارذل ثيابها فمضت حتّى جلست ناحية من القصر وحفّت بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه الّتي انحازت فجلست ناحية ومعها نسائها فلم تجبه زينب فأعاد ثانية يسأل عنها.

فقال له بعض إماؤها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليها ابن زياد ، فقال لها الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم فقالت زينبعليهما‌السلام : الحمد لله الّذي أكرمنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا من الرجس تطهيرا إنمّا يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا ، والحمد لله ، فقال ابن زياد كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم

٢٢٣

وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّون إليه وتختصمون عنده فغضب ابن زياد واستشاط.

فقال عمرو بن حريث ايّها الأمير انّها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذمّ على خطائها فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرّقت زينبعليها‌السلام وبكت وقالت له لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان يشفك هذا فقد شفيت فقال لها ابن زياد هذه سجّاعة ولعمرى لقد كان أبوها سجّاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسّجاعة انّ لى عن السّجاعة لشغلا ولكن صدرى نفث لما قلت.

عرض عليه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال له من أنت فقال أنا علىّ بن الحسينعليه‌السلام ، فقال أليس قد قتل الله علىّ بن الحسين ، فقال له علىّعليه‌السلام قد كان لى أخ يسمّى عليّا قتله النّاس فقال ابن زياد بل الله قتله ، فقال على بن الحسينعليهما‌السلام الله يتوفّى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة وفيك بقيّة للرّد علىّ اذهبوا به ، فاضربوا عنقه فتعلّقت به زينب عمّته وقالت :

يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلنى معه فنظر ابن زياد إليها وإليه ثمّ قال عجبا للرّحم ، والله انّى لأظنّها ودّت انّى قتلتها معه دعوه فانّى أراه لما به ثمّ قام من مجلسه حتّى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال : الحمد لله الّذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذّاب ابن الكذّاب وشيعته(١) .

٤ ـ قال المفيد : أخبرنى أبو عبد الله محمّد بن عمران المرزبانى ، قال : حدثني أحمد بن محمّد الجوهرى ، قال : حدّثنا محمّد بن مهران ، قال : حدّثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقى ، عن عمر بن عبد الواحد ، عن إسماعيل بن راشد عن حذلم بن

__________________

(١) الارشاد : ٢٢٧.

٢٢٤

سيّر ، قال قدمت الكوفة فى المحرم سنة احدى وستين عند منصرف على بن الحسينعليه‌السلام بالنسوة من كربلاء ومعهم الأجناد يحيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم ، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطإ جعل نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن.

فسمعت على بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلة وفى عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه ألا إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا قال : ورأيت زينب بنت علىعليه‌السلام ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال وقد أومأت الى الناس أن اسكتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأصوات ، فقالت.

الحمد لله والصلاة على أبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة فما مثلكم إلا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم إلا الصلف النطف والصدر الشنف خوارون فى اللقاء عاجزون عن الاعداء ناكثون للبيعة مضيعون للذمة «فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون» أتبكون اى والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا.

فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا فبسلل خاتم الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملا ذخيرتكم ومفزع نازلتكم وأمارة محجتكم ومدرجة حجتكم خذلتم وله قتلتم ألا ساء ما تزرون فتعسا ونكسا فلقد خاب السعى وتربت الأيدى وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم أتدرون أىّ كبد لمحمد فريتم وأىّ دم له سفكتم وأى كريمة له أصبتم لقد جئتم شيئا ادّا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا.

لقد أتيتم بها خرماء شوهاء طلاع الأرض والسماء أفعجبتم أن قطرت السماء

٢٢٥

دما ولعذاب الآخرة أخزى فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحضره البدار ولا يخاف عليه فوت الثار كلا ان ربك لبالمرصاد ، قال ثم سكتت فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم فى أفواههم ورأيت شيخا قد اخضلت لحيته وهو يقول كهولهم خير الكهول ونساؤهم خير النساء اذا عدو انسل لا يخيب ولا يخزى(١)

٥ ـ قال الطبرسى : ثمّ نادى ابن سعد فى الناس بالرّحيل وتوجّه نحو الكوفة ومعه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من النساء والصبيان وعلىّ بن الحسين فيهم وهو مريض بالذّرب وقد أشفى ، فلما رحل ابن سعد خرج قوم من بنى أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسين وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسين حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علىّ بن الحسين الأصغر عند رجليه وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الّذين صرعوا حوله حفيرة ممّا يلى رجله فجمعوهم ودفنوهم جميعا معا ودفنوا العبّاس بن علىّ فى موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن.

لما وصل رأس الحسينعليه‌السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله جلس ابن زياد فى قصر الإمارة وأذن للنّاس إذنا عامّا وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله وهو شيخ كبير ، فقال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله ما لا أحصيه يترشفهما ثمّ انتحب باكيا ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك أتبكى لقدرة الله ولو لا أنّك شيخ كبير وقد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

فنهض زيد بن أرقم وصار إلى منزله وادخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد ، فدخلت زينب اخت الحسين فى جماعتهم. عليها أرذل ثيابها فمضت حتّى

__________________

(١) أمالي المفيد : ١٩٨.

٢٢٦

جلست ناحية من القصر وحفّت بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذا الّتي انحازت ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب فأعادها ثانية وثالثة فقال له بعض إماؤها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله ، فأقبل عليها ابن زياد وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّدعليه‌السلام وطهّرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم يوم القيامة فتحاجّون إليه وتختصمون عنده ، فغضب ابن زياد ، واستشاط فقال عمرو بن حريث : إنّها امرأة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك ، فرقّت زينب وبكت وقالت :

لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى ، وقطعت فرعى فإن يشفيك هذا فقد اشتفيت ، فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ولعمرى لقد كان أبوها سجّاعا ، فقالت : ما للمرأة والسّجاعة وإن لى عن السجاعة لشغلا ولكن صدرى نفثت بما قلت. وعرض عليه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال له : من أنت؟ قال : أنا علىّ بن الحسين قال : أليس قد قتل الله علىّ بن الحسين؟ فقال : كان لى أخ يسمّى عليّا فقتله النّاس ، قال ابن زياد : بل قتله الله ، فقال علىّ بن الحسينعليهما‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) .

فغضب ابن زياد وقال : لك جرأة على جوابى وفيك بقيّة للرّدّ علىّ اذهبوا واضربوا عنقه ، فتعلّقت به زينب عمّته فقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلنى معه ، فنظر ابن زياد إليها ساعة وقال : عجبا للرّحم والله لأظنّها ودّت انّى قتلتها معه ، دعوه فإنّى أراه لما به مشغول ،

٢٢٧

ثمّ قام من مجلسه ، ولما أصبح ابن زياد بعث برأس الحسينعليه‌السلام فدير به فى سكك الكوفة وقبائلها.

فروى عن زيد بن أرقم أنّه قال : مرّ به علىّ وهو على رمح وأنا فى غرفة فلمّا حاذانى سمعته يقرأ :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فقفّ والله شعرى وناديت : رأسك يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ، فلما فرغ القوم من الطواف به ردّوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فقال يزيد : قد كنت اقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أنّى كنت صاحبه لعفوت عنه؟!(١)

٦ ـ قال ابن شهرآشوب : من كلام لزينب بنت علىعليه‌السلام يا أهل الكوفة ويا أهل الختر والختل والخذل والمكر ، فلا رقأت الدّمعة ولا هدأت الزّفرة إنمّا مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، هل فيكم إلا الصّلف والعجب والشّنف والكذب وملق الاماء وغمز الاعداء كمرعى على دمنة أو كقصّة على ملحودة ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب انتم خالدون حتّى انتهى كلامها الى قولها ألا ساء ما قدّمتم لانفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم.

فتعسا تعسا ونكسا نكسا لقد خاب السّعى وتبّت الأيدى وخسرت الصّفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذّلة والمسكنة ، أتدرون ويلكم أىّ كبد لمحمّد فريتم وأىّ عهد نكثتم وأىّ كريمة أبرزتم واىّ دم له سفكتم( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ) لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع الارض والسّماء أفعجبتم ان تمطر السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى و

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٤٦.

٢٢٨

هم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل فانّهعزوجل لا يحقره البدار ولا يخشى عليه فوت ثار كلّا انّ ربّك لناولهم بالمرصاد ثمّ انشات تقول :

ما ذا تقولون ان قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى

منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم

ان كان هذا جزائى إذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء في ذوى رحمى(١)

٧ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى ولما انفصل عمر بن سعد لعنه الله عن كربلا خرج قوم من بنى أسد فصلّوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هى الآن عليه ، وسار ابن سعد بالسبى ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع اهلها للنظر إليهنّ ، قال الراوى : فاشرفت امرأة من الكوفيات فقالت من أىّ الاسارى أنتنّ ، فقلن نحن أسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنّ ملاء وأزرا ومقانع وأعطتهن فتغطّين ، قال الراوى وكان مع النساء على بن الحسينعليه‌السلام قد نهكنه العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان قد واسى عمه وامامه فى الصبر على ضرب السيوف وطعن الرّماح وقد اثخن بالجراح(٢) .

٨ ـ روى مصنّف كتاب المصابيح أن الحسن المثنى قتل بين يدى عمّه الحسينعليه‌السلام فى ذلك اليوم سبعة عشر نفسا واصابه ثمانية عشر جراحة فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله الى الكوفة وداواه حتى برأ وحمله الى المدينة وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولد الحسن السبطعليهم‌السلام فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون فقال على بن الحسينعليهما‌السلام تنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا.

٩ ـ عنه قال بشير بن خزيم الأسدي ونظرت الى زينب بنت علىّ يومئذ ولم أر خفرة والله أنطق منها كانها تفرع من لسان أمير المؤمنين على بن ابى طالبعليه‌السلام

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٢٦

(٢) اللهوف : ٦٣.

٢٢٩

وقد أومأت الى الناس ان اسكتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت الحمد لله والصلاة على أبى محمّد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا اهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم.

الأهل فيكم الا الصلف والنطف والصدر الشنف وملق الاماء وغمز الأعداء او كمرعى على دمنة أو كفصة لمن على ملحودة «ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون» أتبكون وتنتحبون اى والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا

فلقد خاب السعى وتبت الأيدى وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أىّ كيد لرسول الله فريتم وأىّ كريمة له أبرزتم واىّ دم له سفكتم وأىّ حرمة له انتهكتم ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الارض أو ملاء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فانّه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار وإنّ ربكم لبالمرصاد(١)

١٠ ـ عنه قال الراوى فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم فى أفواههم ورأيت شيخا واقفا الى جنبى يبكى حتى اخضلّت لحيته وهو يقول بأبى أنتم وأمى كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسائكم

__________________

(١) اللهوف : ٦٤.

٢٣٠

خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبرى.(١) .

١١ ـ عنه روى زيد بن موسى قال حدثني أبى عن جدّىعليهم‌السلام قال خطبت فاطمة الصغرى بعد آن وردت من كربلاء فقالت الحمد لله عدد الرمل والحصا وزنة العرش الى الثرى أحمده وأو من به وأتوكّل عليه وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ اولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا تراب.

اللهم انّى أعوذ بك أن أفترى عليك الكذب أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه على بن ابى طالبعليه‌السلام المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس فى بيت من بيوت الله فيه معشر مسلمة بالسنتهم تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما فى حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم وعذل عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا.

لم يزل ناصحا لك ولرسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبضته إليك زاهدا فى الدنيا غير حريص عليها راغبا فى الآخرة مجاهدا لك فى سبيلك رضيته فاخترته فهديته الى صراط مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء حكمته على الأرض فى بلاده لعبادة أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير ، ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كأننا أولاد ترك وكابل كما قتلتم جدّنا بالامس وسيوفكم تقطر من دمائنا

__________________

(١) اللهوف : ٦٥.

٢٣١

أهل البيت لحقد متقدم لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم على افتراء الله ومكر مكرتم والله خير الماكرين.

فلا تدعونكم أنفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة فى كتاب من قبل أن نبرئها ان ذلك على الله يسير( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكان قد حلّ بكم وتواثرت من السماء نقمات فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون فى العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم وأية نفس نزعت الى قتالنا أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فانتم لا تهتدون فتبا لكم يا أهل الكوفة أى تراث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلكم ، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه على بن أبى طالب جدّى وبنيه وعترته الطيبين الاخيار فافتخر بذلك مفتخر وقال :

نحن قتلنا عليا وبنى على

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نسائهم سبى ترك

ونطحناهم فأى نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس فاكظم واقع كما أقعى ابوك فانما لكلّ امرئ ما كسب وما قدمت يداه أحسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله

فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا

وبحرك ساج ما يوارى الدعا مصا

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له

٢٣٢

نورا فما له من نور(١)

١٢ ـ عنه ، قال وخطبت أمّ كلثوم بنت علىّعليه‌السلام فى ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نسائه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا ويلكم أتدرون أىّ دواه دهتكم وأى وزر على ظهوركم حملتم وأىّ دماء سفكتموها وأىّ كريمة أصبتموها وأىّ صبية سلبتموها وأىّ اموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا ان حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت :

قتلتم أخى صبرا فويل لأمكم

ستجزون نارا حرّها يتوقد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثم محمد

ألا فابشروا بالنار انكم غدا

لفى سقر حقا يقينا تخلدوا

وانى لا بكى فى حياتى على أخى

على خير من بعد النبيّ سيولد

(٢) بدمع غريز مستهل مكفكف

على الخد مني دائما ليس يجمد

قال الراوي فضج الناس بالبكاء والنوح ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رءوسهنّ وخمشن وجوههن وضربن خدودهنّ ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك اكثر من ذلك اليوم.

ثم ان زين العابدينعليه‌السلام أو ماء الى الناس ان اسكتوا فقام قائما فحمد الله واثنى عليه وذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم صلّى عليه ، ثم قال أيها الناس من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فانا أعرّفه بنفسى أنا على بن الحسين بن على بن ابى طالبعليهم‌السلام ، أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته ، وانتهب ماله وسبى عياله أنا ابن المذبوح

__________________

(١) اللهوف : ٦٥.

(٢) كذا فى الاصل.

٢٣٣

بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا ، أيها الناس فانشدكم الله هل تعلمون انكم كتبتم الى أبى وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه فتبا لما قدمتم لانفسكم وسوءة لرأيكم بأية عين تنظرون الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ يقول لكم قتلتم عترتى وانتهكتم حرمتى فلستم من امتى.

قال الراوى فارتفعت الاصوات من كل ناحية ويقول يعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقالعليه‌السلام رحم الله أمرا قبل نصيحتى وحفظ وصيتي فى الله وفى رسوله وأهل بيته فان لنا فى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسوة حسنة فقالوا بأجمعهم نحن كلّنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك زاهدين فيك ولا راغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لناخذن يزيد لعنه الله ونبرأ ممن ظلمك.

فقالعليه‌السلام هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا الىّ كما أتيتم الى آبائى من قبل كلا وربّ الراقصات فان الجرح لما يندمل قتل أبى صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته ومعه ولم ينسى ثكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثكل أبى وبنى أبى وجده بين لهاتى ومرارته بين حناجرى وحلقى وغصصه تجرى من فراش صدرى ومسئلتى ان تكونوا لا لنا ولا علينا ثم قال :

لا غرو إن قتل الحسين فشيخه

قد كان خيرا من حسين وأكرم

فلا تفرحوا يا اهل كوفان بالذى

اصيب حسين كان ذلك أعظم

قتيل بشط النهر روحى فدائه

جزاء الذي أرداه نار جهنم

٢٣٤

ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا يوم علينا(١)

١٣ ـ عنه قال الراوى ثم ان ابن زياد جلس فى القصر للناس واذن اذنا عاما وجيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه وادخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه إليه فجلست زينب بنت علىعليه‌السلام متنكرة فسأل عنها فقيل زينب بنت علىعليه‌السلام فأقبل إليها فقال الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم.

فقالت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك فقالت ما رأيت إلّا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن يكون الفلج يومئذ هبلتك امك يا ابن مرجانة.

قال الراوى فغضب ابن زياد وكانه همّ بها فقال له عمرو بن حريث انها امراة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها فقال لها ابن زياد لقد شفى الله قلبى من طاغتيك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك فقالت لعمرى لقد قتلت كهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان كان هذا شفاك فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمرى لقد كان أبوك شاعرا سجاعا فقالت يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة ، ثم التفت ابن زياد الى على بن الحسينعليهما‌السلام فقال من هذا فقيل على بن الحسين فقال أليس قد قتل الله على بن الحسين.

فقال علىعليه‌السلام قد كان لى أخ يقال له علىّ بن الحسين قتله الناس ، فقال بل الله قتله فقال على( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) فقال ابن زياد ألك جرأة على جوابى اذهبوا به فاضربوا عنقه فسمعت به عمته زينب فقالت يا ابن زياد انك لم تبق منّا أحدا فان كنت عزمت على قتله فاقتلنى معه ،

__________________

(١) اللهوف : ٦٦.

٢٣٥

فقال علىعليه‌السلام لعمته اسكتى يا عمة حتى اكلمه ثم أقبلعليه‌السلام فقال أبا القتل تهدّدنى يا ابن زياد ما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.

ثم أمر ابن زياد بعلى بن الحسينعليه‌السلام وأهله فحملوا الى دار جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت علىعليه‌السلام لا يدخلنّ عربية إلّا أم ولد أو مملوكة فانهن سبين كما سبينا ثم أمر ابن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فطيف به فى سكك الكوفة ويحقّ لى ان أتمثل هنا بابيات لبعض ذوى العقول يرثى بها قتيلا من آل الرسول :

رأس ابن بنت محمّد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزءك كل اذن تسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وانمت عينا لم تكن بك تهجع

ما روضة إلّا تمنت أنها

لك حفرة ولخط قبرك مضجع(١)

١٤ ـ قال الفتال : ارسل ابن زياد لعنه الله الى أمّ كلثوم بنت الحسين صلوات الله عليه فقال : الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترين ما فعل لله بكم فقالتعليها‌السلام يا ابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسينعليه‌السلام فطالما قرّت عين جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله به وكان يقبّله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه يا ابن زياد أعدّ لجده جوابا فانّه خصمك غدا(٢) .

قال حاجب عبيد الله بن زياد لعنهم الله لما جئ برأس الحسينعليه‌السلام امر فوضع بين يديه فى طشت من ذهب وجعل يضرب بقضيب فى يده على ثناياه ، ويقول لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله فقال رجل من القوم مه فانّى رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثم حيث تضع قضيبك فقال يوم بيوم بدر ثم أمر بعلىّ بن الحسينعليه‌السلام فغلّ وحمل مع السّبايا والنّسوة الى السّجن وكنت معهم فما مررنا بزقاق الّا

__________________

(١) اللهوف : ٦٩.

(٢) روضة الواعظين : ١٦٣.

٢٣٦

وجدناه ملأن رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون فحبسوا فى سجن وضيّق عليهم.

ثم انّ ابن زياد لعنه الله دعا بعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام والنّسوة وأحضر رأس الحسين صلوات الله عليه وكانت زينب ابنة علىّ فيهم فقال ابن زياد لعنه الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحاديثكم فقالت زينبعليها‌السلام : الحمد لله الّذي اكرمنا بمحمّد وطهّرنا تطهيرا انما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر قال : كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت قال : كتب عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم ، فيتحاكمون عنده فغضب ابن زياد لعنه الله وهمّ بها فسكّن منه عمرو بن حريث.

فقالت زينب يا ابن زياد وحسبك ما ارتكبت منّا فلقد قتلت رجالنا وقطعت أملنا وأبحت حريمنا وسبيت نساءنا وذرارينا فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت ، فأمر ابن زياد بردّهم الى السّجن وبعث البشاير الى النّواحى بقتل الحسين(١) .

١٥ ـ قال الدينورى : أمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه فى المحامل المستورة على الإبل. وكانت بين وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين قتل الحسين خمسون عاما.

قالوا : ولما أدخل رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فوضع بين يديه جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانة ثنايا الحسين ، وعنده زيد بن أرقم ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : مه ، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا ، فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثمها ، ثم خنقته العبرة ، فبكى. فقال له ابن زياد : ممّ تبكى؟ أبكى الله عينيك ، والله لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك.

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٦٣

٢٣٧

قالوا : وكانت الرءوس قد تقدم بها شمر بن ذى الجوشن أمام عمر بن سعد ، قالوا : واجتمع أهل الغاضريّة فدفنوا أجساد القوم ، وروى عن حميد بن مسلم قال : كان عمر بن سعد لى صديقا ، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين ، فسألته عن حاله ، فقال : لا تسأل عن حالى ، فإنه ما رجع غائب إلى منزله بشر مما رجعت به ، قطعت القرابة القربية ، وارتكبت الأمر العظيم.(١)

١٦ ـ روى ابو منصور الطبرسى : عن زيد بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال : خطبت فاطمة الصغرىعليها‌السلام بعد ان ردّت من كربلاء فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش الى الثرى ، أحمده واومن به وأتوكل عليه ، وأشهد ان لا إله الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ اولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا تراث ، اللهم انى أعوذ بك ان أفترى عليك الكذب ، وأن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه على بن أبى طالبعليه‌السلام .

المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس فى بيت من بيوت الله وبها معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم! ما دفعت عنه ضيما فى حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيب الضريبة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته يا ربّ للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك ، زاهدا فى الدنيا غير حريص عليها ، راغبا فى الآخرة مجاهدا لك فى سبيلك ، رضيته فاخترته ، وهديته الى طريق مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، إنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته فى الأرض فى بلاده لعباده ، أكرمنا الله

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٩.

٢٣٨

بكرامته ، وفضّلنا بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير من خلقه تفضيلا ، فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد الترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت بذلك عيونكم ، وفرحت به قلوبكم ، اجتراء منكم على الله ، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين.

فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة فى كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحبّ كل مختال فخور ، تبا لكم! فانتظروا اللّعنة والعذاب ، فكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلدون فى العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ، أو أية نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأية رجل ، مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا؟! قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فانتم لا تهتدون ، تبا لكم يا أهل الكوفة! كم تراث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلكم ، وذحوله لديكم ، ثم غدرتم بأخيه على بن أبى طالبعليه‌السلام جدّى ، وبنيه عترة النبيّ الطيبين الأخيار وافتخر بذلك مفتخر فقال :

نحن قتلنا عليا وبنى

علىّ بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبى ترك

ونطحناهم فأىّ نطاح

فقالت : بفيك أيها القائل الكثكث ولك الأثلب افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وطهّرهم ، وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم واقع كما أقعى أبوك ، وإنما لكل امرئ ما قدّمت يداه ، حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله.

فما ذنبنا ان جاش دهر بحورنا

وبحرك ساج لا يوارى الدعامصا

٢٣٩

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا : حسبك يا بنت الطّيّبين! فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام(١) .

١٧ ـ عنه باسناده عن خديم بن شريك الأسدي قال : لما أتى على بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء وكان مريضا ، واذا نساء اهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدينعليه‌السلام ـ بصوت ضئيل وقد نهكته العلة ـ ان هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ، فأومأت زينب بنت على بن أبى طالبعليهما‌السلام الى الناس بالسكوت.

قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط انطق منها ، كأنها تنطق وتفرغ على لسان علىعليه‌السلام ، وقد أشارت الى الناس بان انصتوا فارتدّت الانفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت ـ بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، والخذل أفلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة ، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم هل فيكم إلّا الصلف والعجب ، والشنف ، والكذب ، وملق الاماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفى العذاب انتم خالدون.

أتبكون اخى؟ أجل والله فابكوا فانكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فقد أبليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ولن ترحضوها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم ، وآسى كلمكم ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم ومنار محجتكم ، ألا ساء ما قدمت لكم

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٧.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571