مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام0%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مؤلف: الشيخ عزيز الله العطاردي
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 71309
تحميل: 3435


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71309 / تحميل: 3435
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
العربية

خلفته عند اخته وأظنّ النساء أفقن وشاركنها فى الحسرة ، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهنّ بكلام يطيب قلوبهنّ فقام حبيب ونادى يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالاسود الضارية.

فقال لبنى هاشم ارجعوا الى مقرّكم لا سهرت عيونكم ، ثمّ التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع ، فقالوا بأجمعهم : والله الّذي منّ علينا بهذا الموقف ، لو لا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة فطب نفسا وقرّ عينا فجزاهم خيرا ، وقال هلمّوا معى لنواجه النسوة ، ونطيب خاطرهنّ فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلّا فى رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا فى صدور من يفرق ناديكم.

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل ، وقلن أيّها الطيّبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين. فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأنّ الأرض تميد بهم ، وفى السحر من هذه اللّيلة خفق الحسين خفقة ثمّ استيقظ وأخبر أصحابه بأنّه رأى فى منامه كلابا شدّت عليه تنهشه وأشدّها عليه كلب أبقع وانّ الّذي يتولّى قتله من هؤلاء رجل أبرص. وإنّه رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له :

أنت شهيد هذه الامّة وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى وليكن افطارك عندى اللّيلة عجّل ولا تؤخّر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك فى قارورة خضراء(١) .

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٤٠.

٢١

٤٢ ـ باب ما جرى فى يوم عاشوراء

١ ـ قال الصدوق : انّ الحسينعليه‌السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليّا ابنهعليه‌السلام فى ثلثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء وهم على وجل شديد ، وأنشأ الحسينعليه‌السلام يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك فى الاشراق والأصيل

من صاحب وما جد قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنمّا الأمر الى الجليل

وكلّ حىّ سالك السبيل

ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضئوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم ، لتكون اكفانكم ، ثمّ صلى بهم الفجر ، وعبأهم تعبية الحرب وأمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار ، ليقاتل القوم من وجه واحد وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له ابن أبى جويرية المزنى فلمّا نظر الى النار تتقد صفق بيده ونادى يا حسين وأصحاب حسين ابشروا بالنار فقد تعجلتموها فى الدنيا.

فقال الحسينعليه‌السلام : من الرجل فقيل ابن أبى جويرية المزنى ، فقال الحسينعليه‌السلام : اللهمّ أذقه عذاب النار فى الدنيا فنفر به فرسه وألقاه فى تلك النار ، فاحترق ، ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن الحصين الفزارى ، فنادى يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون الى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيات والله لاذقتم منه قطرة حتّى الموت جرعا.

٢٢

فقال الحسينعليه‌السلام من الرجل؟ فقيل تميم بن حصين ، فقال الحسينعليه‌السلام هذا وأبوه من أهل النار اللهمّ اقتل هذا عطشا فى هذا اليوم ، قال فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات ثمّ أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد ، يقال له محمّد بن أشعث بن قيس الكندى ، فقال يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك.

قال الحسينعليه‌السلام : هذه الآية( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً ) الآية ، ثمّ قال : والله ان محمّدا لمن آل إبراهيم وإنّ العترة الهادية لمن آل محمّد من الرجل فقيل محمّد بن اشعث بن قيس الكندى فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه الى السماء فقال : اللهم أر محمّد بن الأشعث ذلّا فى هذا اليوم لا تعزّه بعد هذا اليوم أبدا فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلّط الله عليه عقربا فلدغه فمات بادى العورة.

فبلغ العطش من الحسينعليه‌السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له يزيد بن الحصين الهمدانيّ ، قال إبراهيم بن عبد الله راوى الحديث هو خال أبى إسحاق الهمدانيّ ، فقال يا ابن رسول الله أتأذن لى فأخرج إليهم ، فاكلّمهم فاذن له فخرج إليهم ، فقال يا معشر الناس إنّ اللهعزوجل بعث محمّدا بالحقّ بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد ، وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد فقد اكثرت الكلام فاكفف فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله.

فقال الحسين اقعد يا يزيد ثمّ وثب الحسينعليه‌السلام متوكّيا على سيفه فنادى بأعلى صوته فقال : انشدكم الله هل تعرفونى قالوا نعم أنت ابن رسول الله وسبطه ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا اللهم نعم ، قال أنشدكم الله هل تعلمون ان امّى فاطمة بنت محمّد قالوا : اللهمّ نعم ، قال أنشدكم الله

٢٣

هل تعلمون ان أبى على بن أبى طالب قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان جدّتى خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الامّة إسلاما قالوا اللهم نعم.

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أنّ سيد الشهداء حمزة عمّ أبى قالوا : اللهم نعم قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار فى الجنّة عمّى قالوا : اللهم نعم ، قال : فانشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله وانا متقلّده قالوا : اللهم نعم ، قال : فانشدكم الله هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله أنا لابسهما قالوا : اللهم نعم. قال : فانشدكم الله هل تعلمون انّ عليا كان أولهم اسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وانّه ولىّ كلّ مؤمن ومؤمنة قالوا : اللهم نعم ، قال فبم تستحلّون دمى وابى الذائد عن الحوض ، غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد فى يدى جدّى يوم القيمة ، قالوا قد علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا.

أخذ الحسينعليه‌السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ، ثمّ قال : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا : عزير بن الله واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا : المسيح بن الله ، واشتد ، غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ، واشتدّ غضب الله على قوم قتلوا نبيّهم واشتدّ غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم(١) .

٢ ـ قال المفيد : واصبح الحسينعليه‌السلام فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلثون فارسا وأربعون راجلا ، فجعل زهير بن القين فى ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر فى ميسرة أصحابه وأعطى رايته العبّاس أخاه ، وجعلوا البيوت فى ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك فى خندق كان قد

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٥.

٢٤

حفر هناك وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

أصبح عمر بن سعد فى ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت فعبّأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسينعليه‌السلام ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذى الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعى ، وأعطى الراية دريدا مولاه فروى عن علىّ بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام انّه قال :

لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسينعليه‌السلام رفع يديه وقال : اللهمّ أنت ثقتى فى كلّ كرب وأنت رجائى فى كلّ شدّة وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّى إليك ، عمّن سواك ففرّجته عنّى وكشفته فانت ولىّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة.

قال وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسينعليه‌السلام فيرون الخندق فى ظهورهم ، والنار تضطرم فى الحطب والقصب الّذي كان القى فيه ، فنادى شمر بن ذى الجوشن بأعلى صوته يا حسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة فقال الحسينعليه‌السلام من هذا كأنّه شمر بن ذى الجوشن فقالوا له : نعم ، فقال له يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك.

فقال له دعنى حتّى أرميه فانّه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين ، وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسينعليه‌السلام لا ترمه فانّى أكره أن أبدأهم ثمّ دعى الحسينعليه‌السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته يا أهل العراق وجلّهم يسمعون ، فقال : أيّها الناس أسمعوا قولى ، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم علىّ وحتّى اعذر إليكم فان أعطيتمونى النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطونى النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم.

٢٥

( ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ثمّ حمد الله وأثنى عليه وذكر الله تعالى بما هو أهله ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكته وأنبيائه فلم يسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ فى منطق منه ، ثمّ قال : أمّا بعد فانسبونى فانظروا من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلى وانتهاك حرمتى ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما جاء به من عند ربّه.

أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّى أو ليس جعفر الطيّار فى الجنّة بجناحين عمّى ، أو لم يبلغكم ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لى ولأخى هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ، فان صدّقتمونى بما أقول ، وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذبا منذ علمت انّ الله يمقت عليه أهله وان كذبتمونى فانّ فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الانصارى وأبا سعيد الخدرى ، وسهل بن سعد الساعدىّ وزيد بن أرقم وأنس بن مالك ، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لى ولأخى ، أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى.

فقال له شمر بن ذى الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدرى ما يقول فقال له حبيب بن مظاهر : والله انّى لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما يقول قد طبع الله على قلبك ، ثمّ قال لهم الحسينعليه‌السلام فان كنتم فى شك من هذا فتشكّون انّى ابن بنت نبيّكم ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى فيكم ، ولا فى غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة فاخذوا لا يكلّمونه.

فنادى يا شبث بن ربعى ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا الىّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجنات ، وإنمّا تقدم

٢٦

على جند لك مجنّد ، فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بنى عمّك فانّهم لم يروك إلّا ما تحبّ فقال له الحسينعليه‌السلام : لا والله لا أعطيكم بيدى إعطاء الذليل ولا افرّ فرار العبيد ، ثمّ نادى يا عباد الله( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) أعوذ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) ثمّ انّه اناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها فأقبلوا يزحفون نحوه(١) .

٣ ـ قال الطبرسى : أصبحعليه‌السلام وعبّاء أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا فجعل زهير بن القين فى ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظهّر فى ميسرة أصحابه ، وأعطى الراية العبّاس أخاه ، وجعل البيوت فى ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك فى خندق كان هناك قد حضروه أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

أصبح عمر بن سعد فى ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل : يوم السبت فعبّأ أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذى الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعى ، ونادى شمر ـ لعنه الله ـ بأعلى صوته ـ يا حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة فقال : يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا ، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم.

فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك ، فقال له : دعنى حتّى أرميه فانّ الفاسق من عظماء الجبّارين ، وقد أمكن الله منه فقال : أكره أن أبدأهم ، ثمّ دعا الحسينعليه‌السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته وكلّهم يسمعونه فقال : أيّها النّاس اسمعوا قولى ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ عليكم ، وحتّى أعذر إليكم فإن أعطيتمونى النصف كنتم بذلك أسعد وان لم تعطونى النصف من أنفسكم ، فاجمعوا رأيكم ثمّ لا يكن

__________________

(١) الارشاد : ٢١٦.

٢٧

أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إلىّ ولا تنظرون ، إنّ وليّى الله الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.

ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ فلم يسمع متكلّم قطّ بعده ولا قبله أبلغ فى منطق منه ، ثمّ قال : أمّا بعد فانسبونى وانظروا من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم ، وعاتبوها ، فانظروا هل يصلح لكم قتلى وانتهاك حرمتى؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّقين لرسول الله وبما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى؟ أو ليس جعفر الطيّار بجناحين عمّى ، أو لم يبلغكم ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لى ولأخى : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة».

فان صدقتمونى بما أقول وهو الحقّ فو الله ما تعمّدت كذبا منذ علمت أنّ الله تعالى يمقت عليه وإن كذّبتمونى فإنّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدرى ، وسهل بن سعد الساعدى ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لى ولأخى ، أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى؟ فقال له شمر : هو يعبد الله على حرف إن كان يدرى ما تقول :

فقال له حبيب بن مظهّر : والله انّى لأراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما تقول قد طبع الله على قلبك ، فقال لهم الحسين : فان كنتم فى شكّ من هذا أفتشكّون أنّى ابن بنت نبيّكم فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى فيكم ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلّمونه.

فنادى يا شبث بن ربعى ، يا حجّار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا الىّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجنات ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّد؟ فقال له قيس بن الأشعث : ما ندرى ما تقول ، ولكن انزل على حكم ابن

٢٨

عمّك ، فانّهم لم يريدوا بك الّا ما تحبّ ، فقال الحسينعليه‌السلام : لا والله لا أعطيكم بيدى إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد ، ثمّ نادى يا عباد الله( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) وأعوذ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) ثمّ انّه نزل عن راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه(١) .

٤ ـ قال ابن طاوس : فلمّا كان الغداة أمر الحسينعليه‌السلام بفسطاط فضرب فأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثمّ دخل ليطلى ، فروى انّ برير بن خضير الهمدانيّ وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصارى ، وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعد فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن يا برير أتضحك ما هذه ساعة ضحك ولا باطل فقال برير لقد علم قومى اننى ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وإنمّا افعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فو الله ما هو الا ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثمّ نعانق الحور العين(٢) .

٥ ـ عنه قال الراوى : وركب أصحاب عمر بن سعد لعنهم الله فبعث الحسينعليه‌السلام برير بن خضير ، فوعظهم فلم يستمعوا وذكرهم فلم ينتفعوا ، فركب الحسينعليه‌السلام ناقته وقيل فرسه فاستنصتهم فانصتوا ، فحمد الله واثنى عليه ، وذكره بما هو أهله وصلّى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ فى المقال ثمّ قال :

تبّا لكم أيتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا والهين ، فاصرخنا لكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا فى أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتم ألباء لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والراى

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٣٦

(٢) اللهوف : ٤١

٢٩

لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.

فسحقا لكم يا عبيد الامّة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ، ومحرّفي الكلم وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ، ومطفئ السنن أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم وشجت إليه اصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكلة للغاصب ، ألا وأن الدعىّ ابن الدعىّ قد ركز بين اثنين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله ، والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ، وانوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا وإنّى زاحف بهذا الأسرة مع قلّة العدد ، وخذلة الناصر ، ثمّ أوصل كلامه بابيات فروة بن مسيك المرادى :

فان نهزم فهزامون قدما

وان نغلب فغير مغلبينا

وما ان طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموت رفع عن اناس

كلا كله أناخ بآخرينا

فأفنى ذلكم سرواة قومى

كما افنى القرون الاوّلينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا

ولو بقى الكرام إذا بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

ثمّ أيم الله لا تلبثون بعدها الاكريث ما يركب الفرس حتّى تدور بكم دور الرحى ، وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده الىّ أبى عن جدّى ،( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

اللهمّ احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنى يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأسا مصبرة ، فانّهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ثمّ نزلعليه‌السلام ودعا بفرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المرتجز

٣٠

فركبه وعبّى أصحابه للقتال(١) .

٦ ـ عنه باسناده ، عن الباقرعليه‌السلام انّهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وروى غير ذلك(٢) .

٧ ـ عنه قال الراوى فتقدم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسينعليه‌السلام بسهم ، وقال : اشهد والى عند الامير أنى أول من رمى وأقبلت السهام من القوم كانها القطر ، فقالعليه‌السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه ، فان هذه السهام رسل القوم إليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة ، حتّى قتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام جماعة.

قال فعندها ضرب الحسينعليه‌السلام بيده الى لحيته وجعل يقول اشتدّ غضب الله تعالى على اليهود اذ جعلوا له ولدا واشتدّ غضب الله تعالى على النصارى ، اذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتدّ غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتدّ غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم ، أما والله لا أجيبهم الى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالى وانا مخضب بدمى(٣) .

٨ ـ عنه روى عن مولانا الصادقعليه‌السلام انّه قال : سمعت أبى يقول : لما التقى الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب أنزل الله تعالى النصر حتّى رفرف على رأس الحسينعليه‌السلام ، ثمّ خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله رواها أبو طاهر محمّد بن الحسين النرسى فى كتاب معالم الدين(٤) .

٩ ـ عنه قال الراوى ثمّ صاحعليه‌السلام أما من مغيث يغيثنا لوجه الله أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله ، قال فإذا الحرّ بن يزيد قد أقبل الى عمر بن سعد ، فقال

__________________

(١) اللهوف : ٤٢.

(٢) اللهوف : ٤٣.

(٣) اللهوف : ٤٣.

(٤) اللهوف : ٤٤.

٣١

أمقاتل أنت هذا الرجل قال : اى والله قتالا أيسره أن تطير الرءوس وتطيح الأيدى(١) .

١٠ ـ أبو جعفر المشهدى باسناده : عن الصادق صلوات الله عليه ، قال : لمّا تهيّأ الحسينعليه‌السلام للقتال أمر باضرام النار فى الخندق الذي حول عسكره ، ليقاتل القوم من وجه واحد ، فأقبل رجل من عسكر ابن سعد لعنه الله ، يقال له : ابن أبى جويرية المزنىّ ، فلمّا نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين ، ويا أصحاب الحسين ، أبشروا بالنار ، فقد تعجّلتموها فى الدنيا.

فقال الحسين صلوات الله عليه : من الرجل؟ فقيل : ابن أبى جويرية المزنىّ ، فقال صلوات الله عليه : اللهمّ أذقه عذاب النار فى الدنيا قبل الآخرة. فنفر به فرسه ، فألقاه فى تلك النار فاحترق(٢) .

١١ ـ عنه ، قال : ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد لعنه الله رجل يقال له : تميم ابن الحصين فنادى : يا حسين ، ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيات ، والله لاذقتم منه قطرة ، حتّى تذوقوا الموت جزعا ، فقال الحسين صلوات الله عليه : هذا وأبوه من أهل النار ، اللهمّ اقتل هذا عطشا فى هذا اليوم ، قال : فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها حتّى مات لعنه الله(٣) .

١٣ ـ قال الدينورى : قالوا : وأمر الحسين أصحابه أن يضمّوا مضاربهم بعضهم من بعض ، ويكونوا أمام البيوت ، وأن يحفروا من وراء البيوت أخدودا ، وأن يضرموا فيه حطبا وقصبا كثيرا ، لئلّا يؤتوا من أدبار البيوت ، فيدخلونها.

__________________

(١) اللهوف : ٤٤.

(٢) الثاقب : ٣٤٠.

(٣) الثاقب فى المناقب : ٣٤٠.

٣٢

قالوا : ولما صلّى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه ، وعلى ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذى الجوشن ـ واسمه شرحبيل بن عمرو بن معاوية ، من آل الوحيد ، من بنى عامر بن صعصعة ـ وعلى الخيل عزرة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث ابن ربعى ، والراية بيد زيد مولى عمر بن سعد(١) .

١٣ ـ عنه عبّى الحسينعليه‌السلام أيضا أصحابه ، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا ، فجعل زهير بن القين على ميمنته ، وحبيب بن مظاهر على ميسرته ، ودفع الراية الى أخيه العباس بن على ، ثمّ وقف ، ووقفوا معه أمام البيوت(٢) .

١٤ ـ قال اليعقوبى : خرج زهير بن القين على فرس له فنادى : يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ، عباد الله ولد فاطمة أحقّ بالودّ والنصر من ولد سميّة فان لم تنصروهم فلا تقاتلوهم. أيّها الناس انّه ما أصبح على ظهر الأرض ابن بنت نبى الا الحسين ، فلا يعين أحد على قتله ولو بكلمة إلّا نغصه الله الدنيا وعذبه أشد عذاب الآخرة ، ثمّ تقدموا رجلا رجلا حتّى بقى وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه(٣) .

١٥ ـ قال الطبرى : عبّأ الحسين أصحابه ، وصلّى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، فجعل زهير بن القين فى ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر فى ميسرة أصحابه ، وأعطى رأيته العبّاس بن علىّ أخاه ، وجعلوا البيوت فى ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

قال : وكان الحسينعليه‌السلام أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٦.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٥٦.

(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٣١.

٣٣

كأنّه سياقة ، فحفروه فى ساعة من الليل ، فجعلوه كالخندق ، ثمّ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا تؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد. ففعلوا ، وكان لهم نافعا(١) .

١٦ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى فضيل بن خديج الكندى ، عن محمّد بن بشر عن عمرو الحضرمى ، قال : لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن مسلم الأزدى ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبى سبرة الجعفىّ ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحى.

فشهد هؤلاء كلّهم مقتل الحسين إلّا الحرّ بن يزيد فانّه عدل الى الحسين ، وقتل معه ، وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجّاج الزبيدىّ ، وعلى ميسرته شمر ابن ذى الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية ـ وهو الضبّاب بن كلاب ـ وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسى ، وعلى الرجالة شبث بن ربعى الرياحى ، وأعطى الراية ذويدا مولاه(٢) .

١٧ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى عمرو بن مرّة الجملى ، عن أبى صالح الحنفى ، عن غلام لعبد الرّحمن بن عبد ربه الأنصاري ، قال : كنت مع مولاى ، فلمّا حضر الناس وأقبلوا الى الحسين ، أمر الحسين بفسطاط فضرب ، ثمّ أمر بمسك فميث فى جفنة عظيمة أو صحفة ؛ قال ثمّ دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة. قال : ومولاى عبد الرحمن بن عبد ربه وبرير ابن خضير الهمدانيّ على باب الفسطاط تحتكّ مناكبهما ، فازدحما أيهما يطلى على أثره ، فجعل بريرها زل عبد الرحمن.

فقال له عبد الرحمن : دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل ، فقال له برير : والله

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٢.

(٢) الطبرى : ٥ / ٤٢٢.

٣٤

لقد علم قومى أنا ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ، ولكن والله إنّى لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم. قال : فلمّا فرغ الحسين دخلنا فاطّلينا ؛ قال : ثمّ إنّ الحسين ركب دابّته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، قال : فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا ، فلمّا رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم(١) .

١٨ ـ عنه قال أبو مخنف : عن بعض أصحابه ، عن أبى خالد الكابلى ، قال : لما صبّحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه ، فقال : اللهمّ أنت ثقتى فى كلّ كرب ، ورجائى فى كلّ شدّة ، وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدوّ ، أنزله بك ، وشكوته إليك ، رغبة منى إليك عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت ولىّ كلّ نعمة ، وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة(٢) .

١٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى عبد الله بن عاصم ، قال : حدّثنى الضحّاك المشرقى ، قال : لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم فى الحطب والقصب ، الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا ، لئلّا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة ، فلم يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فاذا هو لا يرى إلّا حطبا تلتهب النار فيه ، فرجع راجعا ، فنادى بأعلى صوته ، يا حسين ، استعجلت النار فى الدنيا قبل يوم القيامة.

فقال الحسين : من هذا؟ كأنّه شمر بن ذى الجوشن! فقالوا : نعم ، أصلحك الله هو هو ، فقال : يا ابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّا ، فقال له مسلم بن عوسجة : يا ابن رسول الله ، جعلت فداك! ألّا أرميه بسهم! فإنّه قد أمكننى ، وليس يسقط :

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٢.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٣.

٣٥

منّى سهم ، فالفاسق من أعظم الجبّارين ؛ فقال له الحسين : لا ترمه ، فإنّى أكره أن أبدأهم ، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علىّ بن الحسين.

قال : فلمّا دنا منه القوم عاد براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ الناس: أيّها الناس ، اسمعوا قولى ، ولا تعجلونى حتّى أعظكم بما الحقّ لكم علىّ ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمى عليكم ، فان قبلتم عذرى ، وصدّقتم قولى ، وأعطيتمونى النّصف ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم علىّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّى العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ،إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .

قال : فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته فارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن على وعليّا ابنه ، وقال لهما : أسكتاهنّ ، فلعمرى ليكثرنّ بكاؤهنّ ، قال : فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال : لا يبعد ابن عبّاس ، قال : فظنّنا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهنّ ، لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ ، فلمّا سكتن حمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد صلى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه ، فذكر من ذلك ما الله أعلم وما لا يحصى ذكره.

قال : فو الله ما سمعت متكلّما قطّ قبله ولا بعده أبلغ فى منطق منه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فانسبونى فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا ، هل يحلّ لكم قتلى وانتهاك حرمتى؟ ألست ابن بنت نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه! أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى! أو ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّى! أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم : إنّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله قال لى ولأخى : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة».

٣٦

فان صدّقتمونى بما أقول ـ وهو الحق ـ فو الله ما تعمّدت كذبا مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ، وان كذّبتمونى فانّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الانصارى ، أو أبا سعيد الخدرى ، وسهل ابن سعد الساعدى ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك ، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لى ولأخى ، أفما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى!

فقال له شمر بن ذى الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدرى ما يقول! فقال له حبيب مظاهر : والله إنّى لأراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال لهم الحسين : فان كنتم فى شكّ من هذا القول أفتشكون أثرا ما أنّى ابن بنت نبيّكم! فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة ، أخبرونى ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته ، أو بقصاص من جراحة؟ قال : فأخذوا لا يكلّمونه ، قال : فنادى : يا شبث بن ربعى ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث.

ألم تكتبوا الىّ أن قد أينعت الثمار ، واخضرّ الجنات ، وطمّت الجمام ، وإنّما تقدّم على جند لك مجنّد ، فأقبل! قالوا له لم نفعل ، فقال : سبحان الله! بلى والله ، لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إذ كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم إلى مأمنى من الأرض ، قال : فقال له قيس بن الأشعث : أو لا تنزل على حكم بنى عمّك ، فإنّهم لم يروك الّا ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه؟

فقال الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك ، بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ، لا والله لا أعطيهم بيدى اعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد عباد الله «انّى عذت بربّى وربّكم أن ترجمون أعوذ بربّى وربّكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» قال : ثمّ انّه أناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، واقبلوا

٣٧

يزحفون نحوه(١) .

٢٠ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى علىّ بن حنظلة بن أسعد الشبامى ، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل يقال له كثير بن عبد الله الشعبى ، قال : لما زحفنا قبل الحسين خرج إلينا زهير بن قين على فرس له ذنوب ، شاك فى السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة ، وعلى دين واحد وملّة واحدة ، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، وأنتم للنصيحة منا أهل ، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا أمّة وأنتم أمّة.

إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فانّكم لا تدركون منهما الّا بسوء عمر سلطانهما كلّه ، ليسملان أعينكم ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ، ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدىّ وأصحابه ، وهانى بن عروة وأشباهه ، قال : فسبّوه ، وأثنوا على عبيد الله بن زياد ، ودعوا له وقالوا : والله لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه الى الأمير عبيد الله سلما.

فقال لهم : عباد الله ، إنّ ولد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فان لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم ، فخلّوا بين الرجل وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية ، فلعمرى إنّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، قال : فرماه شمر بن ذى الجوشن بسهم وقال : اسكت أسكت الله نامتك ، أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال له زهير : يا ابن البوّال على عقبيه ، ما ايّاك أخاطب ، إنّما أنت

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٥ / ٤٢٣

٣٨

بهيمة ، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فابشر بالخزى يوم القيامة والعذاب الاليم.

فقال له شمر : إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال : أفبالموت تخوّفنى! فو الله للموت معه أحبّ إلىّ من الخلد معكم ، قال : ثمّ أقبل على الناس رافعا صوته ، فقال : عباد الله ، لا يغرّنكم من دينكم هذا الجلف الجافى ، وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هراقوا دماء ذرّيته ، وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم ، قال: فناداه رجل فقال له : إنّ أبا عبد الله يقول لك : أقبل ، فلعمرى لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ فى الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والابلاغ!(١) .

٢١ ـ روى ابن عبد ربه : عن علىّ بن عبد العزيز قال : حدّثنى الزبير قال : حدّثنى محمّد بن الحسن قال : لما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه ، قام فى أصحابه خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد نزل بى ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها واشمعلّت ، فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء الأخنس ، عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا ينهى عنه؟ ليرغب المؤمن فى لقاء الله ، فإنّى لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا ذلّا وندما(٢) .

٢٢ ـ الحافظ ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقى : أنبأنا أبو محمّد الشيرازى ، أنبأنا أبو عمر الخزاز ، أنبأنا أبو الحسن الخشاب ، أنبأنا الحسين بن محمّد أنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا علىّ بن محمّد عن أبى الأسود العبدى : عن الأسود بن قيس العبدى ، قال : قيل لمحمّد بن بشير الحضرمى وهو مع الحسين فى كربلا : قد أسر

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٦.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٣٨٠.

٣٩

ابنك بثغر الرى ، قال : عند الله احتسبه ونفسى ، ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده ، فسمع قوله الحسينعليه‌السلام فقال له : رحمك الله أنت فى حلّ من بيعتى فاعمل فى فكاك ابنك! قال : أكلتنى السباع حيّا إن فارقتك! قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود تستعين بها فى فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(١)

٢٣ ـ قال عبد الرزّاق المقرّم : قال ابن قولويه والمسعودى : لما أصبح الحسين يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح قام خطيبا فيهم ، حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الله تعالى أذن فى قتلكم وقتلى فى هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال ، ثمّ صفّهم للحرب وكانوا اثنين وثمانين ما بين فارس وراجل ، فجعل زهير بن القين فى الميمنة وحبيب بن مظاهر فى الميسرة ، وثبت هوعليه‌السلام وأهل بيته فى القلب وأعطى رأيته أخاه العبّاس.

اقبل عمر بن سعد نحو الحسينعليه‌السلام فى ثلاثين ألفا وكان رؤساء الأربعة بالكوفة يومئذ : عبد الله بن زهير بن سليم الأزدى على ربع أهل المدينة ، وعبد الرحمن بن أبى سبرة الحنفى على ربع مذحج وأسد ، وقيس بن الأشعث على ربع ربيعة وكندة ، والحرّ بن يزيد الرياحى على ربع تميم وهمدان ، وكلّهم اشتركوا فى حرب الحسين الّا الحرّ الرياحى وجعل ابن سعد على الميمنة عمرو بن الحجّاج الزبيدى ، وعلى الميسرة شمر بن ذى الجوشن العامرى ، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسى وعلى الرجالة شبث بن ربعى والراية مع مولاه ذويد.

ثمّ أقبلوا يجولون حول البيوت فيرون النار تضطرم فى الخندق ، فنادى شمر بأعلا صوته يا حسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامة ، فقال الحسين من هذا كأنه شمر ابن ذى الجوشن ، قيل نعم ، فقالعليه‌السلام : يا ابن راعية المعزى أنت اولى بها منّى صليّا

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٥٤.

٤٠