مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام10%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78226 / تحميل: 4666
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ونكسا نكسا! لقد خاب السعى ، وتبت الأيدى ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

أتدرون ويلكم اىّ كبد لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فرثتم؟ وأىّ عهد نكثتم؟ وأىّ كريمة لله أبرزتم؟ وأىّ حرمة هتكتم وأىّ دم له سفكتم؟! لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا! لقد جئتم بها شوهاء صلعاء ، عتقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء كطلاع الأرض ، أو ملأ السماء أفعجبتم ان تمطر السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فانه عزوجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثار كلا إنّ ربك لنا ولهم لبالمرصاد ، ثم انشأت تقولعليه‌السلام :

ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم

ما ذا صنعتم وأنتم آخر الامم

بأهل بيتى وأولادى وتكرمتى

منهم اسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان ذاك جزائى إذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى

انى لأخشى عليكم أن يحلّ بكم

مثل العذاب الذي أودى على ارم

ثم ولت عنهم ، قال حذيم : فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم فى أفواههم ، فالتفت الىّ شيخ فى جانبى يبكى وقد اخضلت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة الى السماء وهو يقول : بأبى وامى كهولهم خير كهول ، ونساؤهم خير نساء ، وشبابهم خير شباب ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد :

كهولكم خير الكهول ونسلكم

إذا عدّ نسل لا يبور ولا يخزى

فقال على بن الحسينعليه‌السلام : يا عمة اسكتى ففى الباقى من الماضى اعتبار ، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة ، ان البكاء والحنين لا يردّ ان من قد أباده الدهر ، فسكنت ، ثم نزلعليه‌السلام وضرب فسطاطه ، وأنزل نسائه ودخل

٢٤١

الفسطاط(١) .

١٨ ـ قال الطبرى : أقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ، ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمرىّ فأذّن فى الناس بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وعلىّ بن الحسين مريض(٢) .

١٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى أبو زهير العبسىّ ، عن قرّة بن قيس التميمىّ ، قال : نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههنّ. قال : فاعترضتهنّ على فرس ، فما رأيت منظرا من نسوة قطّ كان أحسن من منظر رأيته منهنّ ذلك اليوم والله لهنّ أحسن من مهايبرين. قال : فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعا وهى تقول.

يا محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذريتك مقتّلة ، تسفى عليها الصّبا. قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق ، قال : وقطف رءوس الباقين ، فسرح باثنين وسبعين رأسا مع شمر بن ذى الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد(٣) .

٢٠ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى سليمان بن أبى راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال: دعانى عمر بن سعد فسرّحنى إلى أهله لأبشرّهم بفتح الله عليه وبعافيته ، فأقبلت حتى أتيت أهله ، فأعلمتهم ذلك ، ثمّ أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس ، وأجد الوفد قد قدموا عليه ، فأدخلهم ، وأذن للناس ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٥.

(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٥.

٢٤٢

ساعة ، فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب.

قال له : اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثم انفضخ الشيخ يبكى ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك! فو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، قال : فنهض فخرج ، فلمّا خرج سمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله ، قال : فقلت : ما قال : قالوا : مرّ بنا وهو يقول : ملّك عبد عبدا ، فأتّخذهم تلدا ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ ، فبعدا لمن رضى بالذل!

قال : فلمّا دخل برأس الحسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد قال : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال ذلك ثلاثا ، كلّ ذلك لا تكلّمه فقال بعض إمائها هذه زينب ابنة فاطمة قال : فقال لها عبيد الله الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فقالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهرنا تطهيرا لا كما تقول أنت انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ، قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده قال فغضب ابن زياد واستشاط قال : فقال له عمرو ابن حريث أصلح الله الأمير إنما هى امراة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها إنها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل.

فقال لها ابن زياد قد أشفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك قال فبكت ثم قالت لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فإن يشفك هذا فقد اشتفيت فقال لها عبيد الله هذه سجاعة قد

٢٤٣

لعمرى كان أبوك شاعرا سجاعا قالت ما للمراة والسجاعة انّ لى عن السجاعة لشغلا ولكن نفسى ما اقول(١) .

٢١ ـ عنه ، قال أبو مخنف وأما سليمان بن أبى راشد فحدثنى عن حميد بن مسلم ، قال انى لقائم عند ابن زياد ، حين عرض عليه علىّ بن الحسين فقال له ما اسمك قال أنا على بن الحسين قال أو لم يقتل الله علىّ بن الحسين فسكت ، فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم ، قال قد كان لى أخ يقال له أيضا علىّ فقتله الناس ، قال إنّ الله قد قتله قال فسكت على فقال له ما لك لا تكلم قال :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) قال أنت والله منهم فقال لرجل عنده اقتله.

فقال على بن الحسين : من توكّل بهؤلاء والنسوة وتعلقت به زينب عمّته فقالت يا ابن زياد حسبك منّا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا قال فاعتنقته فقالت أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لمّا قتلتنى معه قال وناداه على فقال يا ابن زياد ان كانت بينك وبينهن قرابة فابعث معهنّ رجلا تقبّا بصحبهنّ صحبة الاسلام قال فنظر إليها ساعة ثم نظر الى القوم فقال عجبا للرحم والله إنى لأظنها ودّت لو أنّى قتلته أنّى قتلتها معه دعوا الغلام انطلق مع نسائك(٢) .

٢٢ ـ قال محمّد بن إسحاق كان على بن حسين الاصغر مريضا نائما على فراش فقال شمر بن ذى الجوشن الملعون اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه : سبحان الله أتقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل وجاء عمر بن سعد فقال لا تعرضوا لهولاء النسوة ولا لهذا المريض.

قال على بن حسين فغيّبنى رجل منهم وأكرم نزلى واحتضننى وجعل يبكى كلّما خرج ودخل حتى كنت أقول ان يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا إلى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٦.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٦.

٢٤٤

أن نادى منادى ابن زياد ألا من وجد علىّ بن حسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم ، قال فدخل والله علىّ وهو يبكى وجعل يربط يدى الى عنقى وهو يقول : أخاف فاخرجنى والله إليهم مربوطا حتى دفعنى إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وانا أنظر إليه.

فأخذت فأدخلت على ابن زياد فقال ما اسمك فقلت على بن حسين قال أو لم يقتل الله عليّا قال : قلت كان لى أخ يقال له علىّ أكبر منى قتله الناس ، قال بل الله قتله قلت الله يتوفّى الأنفس حين موتها فأمر بقتله فصاحت زينب بنت على بابن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلّا قتلتنى معه فتركه.

قال : ولمّا امر عمر بن سعد بثقل الحسين أن يدخل الكوفة إلى عبيد الله بن زياد ، وبعث إليه برأسه مع خولى بن يزيد الأصبحى ، فلمّا حمل النساء والصبيان فمرّوا بالقتلى صرخت امرأة منهم يا محمداه هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماء وأهله ونساؤه سبايا ، فما بقى صدّيق ولا عدوّ الا اكبّ باكيا ثمّ قدم بهم على عبيد الله بن زياد فقال عبيد الله من هذه.

فقالوا زينب بنت على بن أبى طالب فقال كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم ، قال الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم قالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهّرنا تطهيرا ، فلمّا وضعت الرءوس بين يدى عبيد الله بن زياد جعل يضرب بقضيب معه على فىّ الحسين وهو يقول :

يفلقن هاما من أناس اعزة

علينا وهم كانوا أعقّ وأشأما.

فقال له زيد بن أرقم لو نحيت هذا القضيب فانّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع فاه على موضع هذا القضيب(١) .

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات : ٧٨.

٢٤٥

٢٣ ـ عنه قال أخبرنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن على ابن زيد ، عن أنس بن مالك قال شهدت عبيد الله بن زياد حيث أتى برأس الحسينعليه‌السلام قال فجعل ينكت بقضيب معه على أسنانه ويقول إن كان لحسن الثغر قال فقلت والله لأسوأنك فقلت أما أنى قد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقبل موضع قضيبك من فيه(١) .

٣٠ ـ باب شهادة عبد الله بن عفيف

١ ـ قال المفيد : قام عبد الله بن عفيف الأزدى وكان من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال لابن زياد يا عدوّ الله انّ الكذّاب أنت وأبوك والّذي ولّاك وأبوه يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيّين وتقوم على المنبر مقام الصّديقين ، فقال ابن زياد علىّ بن فاخذته الجلاوزة فنادى شعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة فلمّا كان اللّيل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه فى السّبخة رحمة الله عليه(٢) .

٢ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى ثم ان ابن زياد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال فى بعض كلامه : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الكذاب بن الكذاب فما زاد على الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدى ، وكان من خيار الشيعة ، وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت فى يوم الجمل والأخرى فى يوم صفين وكان يلازم المسجد الأعظم ، يصلّى فيه الى الليل.

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من الطبقات.

(٢) الارشاد : ٢٢٩.

٢٤٦

فقال يا ابن زياد إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدوّ الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين ، قال الراوى فغضب ابن زياد وقال من هذا المتكلّم فقال : أنا المتكلم يا عدوّ الله أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس وتزعم انك على دين الاسلام وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقمون من طاغتيك اللعين بن اللعين على لسان رسول رب العالمين.

قال الراوى : فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجه وقال علىّ به فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية لياخذوه فقامت الأشراف من الازد من بنى عمه فخلّصوه من أيدى الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله ، فقال ابن زياد اذهبوا الى هذا الأعمى أعمى الازد أعمى الله قلبه ، كما أعمى عينه فاتونى به قال فانطلقوا إليه فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، قال بلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمّهم الى محمّد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم.

قال الراوى فاقتتلوا قتالا شديدا حتّى قتل بينهم جماعة من العرب قال ووصل اصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت ابنته اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناولينى سيفى قال فناولته اياه فجعل يذبّ عن نفسه ويقول:

انا ابن ذى الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخى وابن أمّ عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغاور

قال وجعلت ابنته تقول يا أبت ليتنى كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلى العترة البررة قال وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد وكلما جاءه من جهة قالت يا أبت جاءوك من

٢٤٧

جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به فقالت بنته واذلّاه يحاط بأبى وليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيفه ويقول :

اقسم لو يفسح لى عن بصرى

ضاق عليك موردى ومصدرى

قال الراوى فما زالوا به حتى أخذوه ثم حمل فادخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله الذي أخزاك فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدوّ الله وبما ذا أخزانى الله :

والله لو فرج لى عن بصرى

ضاق عليكم موردى ومصدرى

فقال ابن زياد يا عدوّ الله ما تقول فى عثمان بن عفان فقال يا عبد بنى علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما أنت وعثمان بن عفان أساء وأحسن واصلح أم فسدوا لله تبارك وتعالى ولىّ خلقه يقضى بينهم وبين عثمان بالعدل والحقّ ولكن سلنى عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه فقال ابن زياد لأسألنك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة.

فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين أما أنى قد كنت أسأل الله ربى أن يرزقنى الشهادة من قبل أن تلدك أمك وسألت الله ان يجعل ذلك على يدى ألعن خلقه وأبغضهم إليه فلما كف بصرى يئست عن الشهادة والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها وعرفنى الإجابة منه فى قديم دعائى فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب فى السبخة(١) .

٣ ـ قال سبط ابن الجوزى : قال ابن أبى الدنيا : ثم جمع ابن زياد الناس فى المسجد ، ثم خطب وقال : الحمد لله الذي قتل الكذاب ابن الكذاب حسين وشيعته ، فقام إليه عبد الله بن عفيف الازدى وكان منقطعا فى المسجد ذهبت عينه اليمنى مع علىّعليه‌السلام يوم صفين فقال يا ابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي

__________________

(١) اللهوف : ٧١.

٢٤٨

ولاك يا ابن مرجانة أتقتلون أولاد النبيين ، وتتكلمون بكلام الفاسقين ، فقال ابن زياد دونكم واياه ، فصاح عفيف بشعار الازد فثار إليه منهم سبعمائة رجل فحملوه الى داره(١) .

٤ ـ قال الطبرى : قال حميد بن مسلم : لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس ، نودى : الصلاة جامعة! فاجتمع الناس فى المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب ، الحسين بن على وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدىّ ثم الغامدىّ ، ثم أحد بنى والبة ـ وكان من شيعة علىّعليه‌السلام ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علىّ ، فلما كان يوم صفّين ضرب على رأسه ضربة ، وأخرى على حاجبه ، فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف.

قال : فلمّا سمع مقالة ابن زياد ، قال : يا ابن مرجانة إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولّاك وأبوه ، يا ابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيّين ، وتكلّمون بكلام الصدّيقين! فقال ابن زياد : علىّ به ، قال : فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه ، قال : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور ـ قال وعبد الرحمن بن مخنف الأزدىّ جالس ـ فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك ، وأهلكت قومك ، قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل ، قال : فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله ، فأرسل إليه من أتاه به ، فقتله ، وأمر بصلبه فى السّبخة ، فصلب هنا لك(٢)

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٥٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٥٨.

٢٤٩

٤ ـ باب ما جرى لاهل بيتهعليه‌السلام فى دمشق

١ ـ قال الصدوق : أمر ابن زياد بالسبايا ورأس الحسين فحملوا الى الشام فلقد حدث جماعة كانوا خرجوا فى تلك الصحبة انهم كانوا يسمعون بالليالى نوح الجنّ على الحسينعليه‌السلام الى الصباح وقالوا فلمّا دخلنا دمشق ادخل بالنساء والسبايا بالنهار مكتشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة ابنة الحسين نحن سبايا آل محمّد فاقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا وفيهم على بن الحسينعليهما‌السلام وهو يومئذ فتى شابّ فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم : الحمد لله الذي قتلكم وأهلكم وقطع قرن الفتنة فلم يألوا عن شتمهم.

فلما انقضى كلامه قال له على بن الحسينعليه‌السلام : أما قرأت كتاب اللهعزوجل قال نعم قال : أما قرأت هذه الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال بلى قال : فنحن أولئك ثم قال أما قرأت( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) قال بلى قال فنحن هم ، فهل قرأت هذه الآية( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال بلى قال فنحن هم فرفع الشامى يده الى السماء ثم قال : اللهم انّى أتوب إليك ثلاث مرات ، اللهم انى أبرأ إليك من عدوّ آل محمد ومن قتلة أهل بيت محمّد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

ثم ادخل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله ولو لن وأقمن الماتم ووضع رأس الحسين بين يديه فقالت سكينة والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ولا

٢٥٠

أجفأ منه وأقبل يقول وينظر الى الرأس :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

ثم امر برأس الحسين فنصب على باب مسجد دمشق فروى عن فاطمة بنت علىّعليه‌السلام ، انها قالت لما اجلسنا بين يدى يزيد بن معاوية رقّ لنا أوّل شيء وألطفنا ثم انّ رجلا من أهل الشام أحمر ، قام إليه فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية تعيننى ، وكنت جارية وضيئة فارعبت وفزعت وظننت انه يفعل ذلك فاخذت بثياب اختى وهى اكبر منى ، وأعقل فقالت كذبت والله ولعنت ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد فقال بل كذبت والله لو شئت لفعلته قالت لا والله ما جعل الله ذلك لك الا ان تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا.

فغضب يزيد ثم قال اياى تستقبلين بهذا انما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت بدين الله ودين أبى واخى وجدّى اهتديت أنت وجدّك وأبوك قال كذبت يا عدوّة الله قالت أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه قالت فكانه لعنه الله استحيا فسكت فأعاد الشامى فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية فقال له اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا(١) .

٢ ـ حدثني محمّد بن على ماجيلويهرحمه‌الله عن عمه محمّد بن أبى القاسم ، عن محمّد بن على الكوفى ، عن نصر بن مزاحم ، عن لوط بن يحيى ، عن الحرث بن كعب ، عن فاطمة بنت علىّ صلوات الله عليهما ان يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسينعليه‌السلام فحبس مع علىّ بن الحسينعليه‌السلام فى محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشرت وجوههم ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض الا وجد تحته دم عبيط وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنه الملاحف المعصفرة الى ان خرج على بن الحسينعليه‌السلام بالنسوة وردّ رأس الحسين الى كربلاء(٢)

__________________

(١) أمالى الصدوق : ١٠٠.

(٢) أمالي الصدوق : ١٠٠.

٢٥١

٣ ـ قال المفيد : لمّا اصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسينعليه‌السلام فدير به فى سكك الكوفة كلّها وقبايلها فروى عن زيد بن أرقم انّه قال مرّ به علىّ وهو على رمح وأنا فى غرفة لى ، فلمّا حاذانى سمعته يقرأ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فقفّ والله شعرى ، وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ولمّا فرغ القوم من الطواف به فى الكوفة ردّوه الى باب القصر ، فدفعه ، ابن زياد الى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه وسرّحه الى يزيد بن معاوية وأنفذ معه ابا بردة بن عوف الأزدى وطارق بن أبى ظبيان فى جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها على يزيد بن معاوية بدمشق(١)

٤ ـ عنه روى عبد الله بن ربيعة الحميرى قال انّى لعند يزيد بن معاوية بدمشق اذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما ورائك وما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علىّعليهما‌السلام فى ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستّين من شيعته فسرنا إليهم ، فسألناهم ان يتسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختار والقتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشّمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية حتّى اذا أخذت السّيوف مأخذها من هام القوم وجعلوا يهربون الى غير وزر ويلوذون منّا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من صقر.

فو الله يا أمير المؤمنين ما كانوا الّا جزر جزور أو نومة قائل حتّى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجرّدة وثيابهم مرملة وخدودهم معفّرة تصهرهم الشّموس وتسفى عليهم الرّياح زوّارهم العقبان والرّخم ، فأطرق يزيد هنيئة ثمّ رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام ، أما لو أنّى صاحبه لعفوت عنه(٢)

__________________

(١) الارشاد : ٢٢٩.

(٢) الارشاد : ٢٢٩.

٢٥٢

٥ ـ عنه ثمّ انّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسينعليه‌السلام أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام فغلّ الى عنقه ثمّ سرّح بهم فى أثر الرّءوس مع محفّر بن ثعلبة العائذى وشمر بن ذى الجوشن فانطلقوا بهم حتّى لحقوا بالقوم الّذين معهم الرّأس ولم يكن علىّ بن الحسين يكلّم أحدا من القوم الّذين معهم الرّاس فى الطّريق كلمة حتّى بلغوا فلمّا انتهوا الى باب يزيد رفع محفّر بن ثعلبة صوته ، فقال هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللّئام الفجرة فأجابه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام ما ولدت أمّ محفّر أشرّ وألأم ، قال ولمّا وضعت الرّءوس بين يدى يزيد وفيها رأس الحسينعليه‌السلام قال يزيد :

ففلق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :

لهام بأدنى الطّف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

أميّة امسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى بن الحكم يده وقال اسكت ثمّ قال لعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام يا ابن حسين أبوك قطع رحمى وجهل حقّى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما قدر رأيت فقال علىّ بن الحسينعليهما‌السلام :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يردّ عليه فقال له يزيد قل( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) .

ثمّ دعى بالنّساء والصّبيان فاجلسوا بين يديه فراى هيئة قبيحة فقال قبّح الله ابن مرجانة لو كانت بينه وبينكم قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم على هذه الحالة فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، فلمّا جلسنا بين يدى يزيد رقّ لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشّام أحمر ، فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية

٢٥٣

يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعدت وظننت انّ ذلك جائز لهم ، فاخذت بثياب عمّتى زينب وكانت تعلم انّ ذلك لا يكون ، فقالت عمّتى للشّامى كذبت والله ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد وقال كذبت انّ ذلك لى ولو شئت أن أفعل لفعلت قالت كلّا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا ان تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال ايّاى تستقبلين بهذا إنمّا خرج من الدّين أبوك وأخوك قالت : بدين الله ودين أبى ودين أخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك ، ان كنت مسلما قال كذبت يا عدوّة الله قالت له أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكانّه استحيا وسكت ، فعاد الشّامى فقال هب لى هذه الجارية فقال له يزيد أعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ، ثمّ أمر بالنّسوة ان ينزلن فى دار على حدة معهنّ أخوهنّ علىّ بن الحسينعليهما‌السلام فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أيّاما(١)

٦ ـ قال الطبرسى : فلما فرغ القوم من الطواف به ردّوه إلى باب القصر ، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه ، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فقال يزيد : قد كنت أقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أما لو أنّى كنت صاحبه لعفوت عنه.

ثم إنّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعلىّ بن الحسين أن يغلّ فى عنقه ثمّ سرّح به إلى أثر الرأس مع محفر بن ثعلبة العائذىّ وشمر بن ذى الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الّذين معهم الرأس ، ولم يكن علىّ بن الحسينعليهما‌السلام يكلّم أحدا من القوم فى الطريق كلمة حتّى بلغوا باب يزيد بن معاوية فرفع محفر بن ثعلبة صوته فقال : أتى محفر بن ثعلبة

__________________

(١) الارشاد : ٢٣٠.

٢٥٤

أمير المؤمنين باللّئام الفجرة ، فأجابه علىّ بن الحسينعليه‌السلام : ما ولدت أمّ محفر أشرّ والأم ، ولمّا وضعت الرءوس بين يدى يزيد وفيها رأس الحسينعليه‌السلام قال يزيد :

ففلّق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :

لهام بأدنى الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

أميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى بن الحكم وقال : اسكت ، ثم قال لعلىّ بن الحسينعليه‌السلام : أبوك قطع رحمى وجهل حقّى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علىّ بن الحسين :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه فقال له يزيد : قل( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يدى فرأى هيئة قبيحة.

فقال : قبّح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا ، قالت فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بين يديه رقّ لنا فقام رجل من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمّتى زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون فقالت عمّتى للشامى : كذبت ولؤمت ما ذلك لك ولا له فغضب يزيد وقال : كذبت إنّ ذلك لى ولو شئت لفعلت ، قالت : كلّا والله ما جعل الله ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضبا وقال : إيّاى تستقبلين بهذا إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب بدين الله وبدين أبى وأخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوّة الله ، قالت : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر

٢٥٥

بسلطانك ، فإنّه استحيا وسكت ، فعاد الشامى فقال : هب لى هذه الجارية فقال له يزيد : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ، ثم أمر بالنسوة أن ينزلن فى دار على حدة ، معهنّ علىّ بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام فأنزلوهم دارا تتصل بدار يزيد فأقاموا أيّاما(١) .

٧ ـ قال الفتال ثم أمر ابن زياد بالسّبايا ورأس الحسين فحملوا الى الشّام ، ولقد حدّث جماعة كانوا خرجوا فى تلك الصّحبة انّهم كانوا يسمعون باللّيالى نوح الجنّ على الحسينعليه‌السلام الى الصّباح وقالوا : لمّا دخلنا دمشق ادخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة ، ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة بنت الحسينعليه‌السلام نحن سبايا آل محمّد فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السّبايا وفيهم على بن الحسينعليه‌السلام ، وهو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشّام فقال لهم : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة فلم يأل عن شتمهم.

فلمّا انقضى كلامه فقال له علىّ بن الحسينعليهما‌السلام أما قرأت كتاب اللهعزوجل قال نعم قال أما قرأت هذه الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال بلى قال فنحن اولئك ثمّ قال أما قرأت( آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) قال بلى قال فنحن هم ثمّ قال فهل قرأت هذه الآية( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال بلى قال فنحن هم فرفع الشّامى يده الى السّماء ثمّ قال.

اللهمّ انّى أتوب إليك ثلث مرّات ، اللهم انّى أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد ومن قتل أهل بيت محمّد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم ، ثمّ ادخل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية لعنهما الله وأخزاهما فصحن نساء أهل يزيد وبنات معاوية وأهله وو لو لن وأقمن الماتم ووضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه لعنه

__________________

(١) اعلام الورى : ٣٤٨.

٢٥٦

الله فقالت سكينة والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا ولا مشركا أشرّ منه ولا أجفا منه ووضع الرأس بين يديه وأقبل يزيد ويقول وينظر إلى الرّاس :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لاستهلّوا واستطاروا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

ما أبالى بعد فعلى بهم

نزل الويل عليهم أم رحل

لست من خندف إن لم انتقم

من بنى أحمد ما كان فعل

قد قتلنا الشيب من أبنائهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

فبذاك الشيخ أوصانى به

فاتبعت الشيخ فى قصد سبل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحى نزل

ثمّ امر برأس الحسينعليه‌السلام فنصب على باب مسجد دمشق فروى عن فاطمة بنت علىعليه‌السلام انّها قالت لما أجلسنا بين يدى يزيد لعنه الله رقّ لنا اوّل شيء والطفنا ، ثمّ إنّ رجلا من أهل الشام أحمر ، قام إليه فقال له يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية ، يعنينى وكنت جارية وضيئة فارعبت وفزعت وظننت أنّه يفعل ذلك فاخذت بثياب أختى وهى اكبر منّى وأعقل فقالت كذبت والله ولعنت ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد لعنه الله وقال بل كذبت والله لو شئت لفعلته.

قالت والله ما جعل الله ذلك لك الّا ان تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا ، فغضب يزيد لعنه الله قال إيّاى تستقبلين بهذا إنمّا خرج من الدّين أبوك وأخوك فقالت بدين الله ودين جدّى وأبى واخى اهتديت أنت وجدّك وأبوك قال كذبت يا عدوة الله قالت أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه قالت فكانّه لعنه الله استحيا فسكت فعاد الشّامى لعنه الله فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية فقال اعزب وهبك الله حتفا قاضيا ثمّ انّ يزيد لعنه الله امر بنساء الحسينعليه‌السلام فحبسن مع علىّ بن

٢٥٧

الحسينعليهما‌السلام فى مجلس لا يكنّهم من حرّ ولا برد حين تقشّرت وجوههن(١) .

٨ ـ قال ابن شهرآشوب : قال الطّبرى والبلاذرى والكوفى لمّا وضعت الرّءوس بين يدى يزيد جعل يضرب بقضيبه على ثنيته ثمّ قال يوم بيوم بدر وجعل يقول :

تفلّق هاما من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال يحيى بن الحكم أخو مروان :

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل

سميّئة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله أمست بلا نسل

فضرب يزيد فى صدر يحيى وقال اسكت لا أمّ لك ، فقال ابو برزة ادفع قضيبك يا فاسق فو الله رايت شفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكان قضيبك يقبله فرفع وهو يتدمّر مغضبا على الرّجل وزاد غيرهم فى الرّواية انّه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم احد :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستطاروا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا السّبط من أسباطهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لست من خندف ان لم أنتقم

من بنى أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالدّين فلا

خبر جاء ولا وحى نزل(٢)

٩ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى وكتب عبيد الله بن زياد الى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسينعليه‌السلام وخبر أهل بيته وكتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك أمّا عمرو فحيث وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك فعظمت واعية بنى هاشم وأقاموا المصائب والماتم وكانت

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٦٤.

(٢) المناقب : ٢ / ٢٢٥.

٢٥٨

زينب بنت عقيل بن ابى طالبعليه‌السلام تندب الحسينعليه‌السلام وتقول :

ما ذا تقولون ان قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الامم

بعترتى وباهلى بعد مفتقدى

منهم اسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائى اذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى

فلما جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفا ينادى :

أيها القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبىّ وما لك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الانجيل

أما يزيد بن معاوية فانه لما وصله كتاب عبيد الله بن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورءوس من قتل معه وبحمل أثقاله ونسائه وعياله فاستدعى ابن زياد بمحفر بن ثعلبة العائذى فسلّم إليه الرءوس والأسرى والنساء فصار بهم محفر الى الشام كما ياسر بسبايا الكفار يتصفح وجوههنّ أهل الاقطار(١) .

١٠ ـ عنه ، روى ابن لهيعة وغيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال كنت أطوف بالبيت فاذا برجل يقول اللهم اغفر لى وما أريك فاعلا فقلت له يا عبد الله اتّق الله ولا تقل مثل ذلك فان ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك فانه غفور رحيم ، قال فقال لى تعال حتى أخبرك بقصتى ، فأتيته فقال اعلم أنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسينعليه‌السلام الى الشام فكنا اذا أمسينا وضعنا الرأس فى تابوت وشربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابى ليلة حتّى سكروا ولم أشرب معهم.

فلما جنّ الليل سمعت رعدا ورأيت برقا فاذا أبواب السماء قد فتحت ونزل

__________________

(١) اللهوف : ٧٤.

٢٥٩

آدمعليه‌السلام ونوح وابراهيم واسماعيل واسحاق ونبينا محمّدعليه‌السلام أجمعين ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت وأخرج الرأس وضمّه الى نفسه وقبله ثم كذلك فعل الأنبياء كلّهم وبكى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأس الحسينعليه‌السلام وعزاه الأنبياء وقال له جبرئيلعليه‌السلام يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى أمرنى أن اطيعك فى امتك فان أمرتنى زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يا جبرئيل فان لهم معى موقفا بين يدى الله يوم القيامة ، ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا فقلت الأمان يا رسول الله فقال اذهب فلا غفر الله لك(١) .

١١ ـ عنه رأيت فى تذييل محمّد بن النجار شيخ المحدثين ببغداد فى ترجمة على ابن نصر الشبوكى باسناده زيادة فى هذا الحديث ما هذا لفظه قال لما قتل الحسين بن على وحملوا برأسه جلسوا يشربون ويجئ بعضهم بعضا بالرأس فخرجت يد وكتبت بقلم الحديد على الحائط :

أترجو امة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

قال فلما سمعوا بذلك تركوا الرأس وهزموا(٢)

١٢ ـ عنه قال الراوى وسار القوم برأس الحسين ونسائه والأسرى من رجاله فلما قربوا من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر وكان من جملتهم فقالت له لى إليك حاجة فقال ما حاجتك قالت اذا دخلت بنا البلد فاحملنا فى درب قليل النظارة وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرءوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن فى هذه الحال فأمر فى جواب سؤالها أن يجعل الرءوس على الرماح فى المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك

__________________

(١) اللهوف : ٧٤.

(٢) اللهوف : ٧٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بمكارم الاخلاق فإن الله عزّوجلّ يحبها، وإياكم ومذام الافعال فإن الله عزّوجلّ يبغضها، وعليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فكلما قرأ آية رقي درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وعليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك، وعليكم بالسواك فإنها مطهرة وسنة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدوها، وعليكم بمحارم الله فاجتنبوها(١) .

٥٨٧/١١ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب، كلاهما من أهل الجنة، فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فو عزتك انك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأودي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفاف على ما علمت وقدرت لي. فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي، خلوا عنه يدخل الجنة.

ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها ثم يدخل الجنة، فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي، ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدني الله عزّوجلّ منه برحمته، وألحقني بالتأئبين، فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا. فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي(٢) .

٥٨٨/١٢ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١١.

(٢) بحار الانوار ٧: ٢٥٩/٤.

٤٤١

ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن سليمان ابن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت مني وأنا منك، يا علي أنت وصيي وخليفتي وحجة الله على أمتي بعدي، لقد سعد من تولاك، وشقي من عاداك(١) .

٥٨٩/١٣ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

٥٩٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبورجاء قتيبة ابن سعيد، عن حماد بن زيد، عن عبد الرحمن السراج، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: إذا كان يوم القيامة يؤتي بك - يا علي - على نجيب من نور، وعلى رأسك تاج، قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمّد رسول الله؟ فتقول: ها أنا ذا. قال: فينادي المنادي: يا علي، أدخل من أحبك الجنة، ومن عاداك النار، فأنت قسيم الجنة، وأنت قسيم النار(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/٢٠١، بحار الانوار ٦٨: ٩/٥.

(٣) بحار الانوار ٧: ٢٣٢/٣.

٤٤٢

[ ٥٨ ]

المجلس الثامن والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

النصف من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٩١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الاستر آبادي رحمه الله، قال: حدّثنا عبد الملك بن أحمد بن هارون، قال: حدّثنا عمار بن رجاء، قال: حدّثنا يزيد ابن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين، فأسرع الكرة، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده، وأوسع قراباته وجيرانه؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما، ازداد صاحبه بلاء، فلا تغبطوا أصحاب الاموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة، وأسرع منه كرة، وأعظم منه غنيمة، وما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن؟ قالوا: بلى، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انظروا إلى هذا المقبل إليكم. فنظرنا فإذا رجل من الانصار رث الهيئة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والارض،

٤٤٣

لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له. قالوا: بماذا، يا رسول الله؟ فقال: سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم.

فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا له: هنيئا لك بما بشرك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها، فخشيت أن تكون فاتتني، فقلت في نفسي لاعتاضن منها النظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إي والله عبادة، وأي عبادة! إنك - يا عبدالله - ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك ففاتك ذلك، فاعتضت منه النظر إلى وجه علي، وأنت له محب، ولفضله معتقد، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك(١) .

٥٩٢/٢ - حدّثنا محمّد بن بكران النقاش رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم، قال: حدثني المنذر بن محمّد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بادروا إلى رياض الجنة. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر(٢) .

٥٩٣/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي،

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٩٧/٥.

(٢) معاني الاخبار: ٣٢١/١، بحار الانوار ٩٣: ١٥٥/٢٠.

٤٤٤

قال: حدّثنا الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأن عليا عليه السلام قضى به بالعراق(١) .

٥٩٤/٤ - وبهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله، قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(٢) .

٥٩٥/٥ - حدّثنا الحسين بن عليّ الصوفي رضي الله عنه، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الوزان، عن يحيى بن سعيد الاهوازي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد ابن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق، وثبتني على الايمان. فإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وأستعيذ بك من أذاه. وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس، وطهر جسدي وقلبي. وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك، وصب منه على رجليك، وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل، فإنه ينقي المثانة، والبث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة. ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى، وجنبني الردى، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/١.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/٢.

(٣) بحار الانوار ٧٦: ٧٠/٣.

٤٤٥

٥٩٦/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن جعفر بن محمّد الفزاري، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي(١) ، قال: أرسل عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي(٢) بعض شرطه، فمروا به على مسجد سماك(٣) ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي، فحال بينهم وبينه، فأرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجئ به، قال: فرفع أميرالمؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: وتعلم ذلك؟ قال: نعم. قال: خلوه(٤) .

٥٩٧/٧ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ، قال: حدّثنا محمّد بن أيوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن عبدالله بن سليمان النوفلي، عن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله عزّوجلّ، وأحبوا أهل بيتي لحبي(٥) .

٥٩٨/٨ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم المكتب رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا الهيثم بن عبدالله، قال: حدّثنا المأمون، عن أبيه الرشيد، عن المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن

______________

(١) في نسخة: ابن أبي سليمان الضبي، وفي الغارات: ٧٢: قدم الضبي.

(٢) في الغارات: لبيد بن عطارد التميمي، وقد ترجم له بهذا العنوان ابن حجر في الاصابة ٣: ٣٢٨، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٣٢٨ (في هامش الاصابة).

(٣) مسجد سماك: بالكوفة منسوب إلى سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث الاسدي.« مجمع البلدان ٥: ١٢٥ ».

(٤) بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/٢.

(٥) أمالي الطوسي: ٢٧٨/٥٣١، بحار الانوار ٢٧: ٧٦/٥، ٦.

٤٤٦

عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: أنت وارثي(١) .

٥٩٩/٩ - حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن اللؤلؤي، قال: حدّثنا عليّ بن نوح الجنائي، قال: حدثني أبي، عن محمّد بن مروان، عن أبي داود، عن معاذ بن سالم، عن بشر بن إبراهيم الانصاري، عن خليفة بن سليمان الجهني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: غزا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي عليه السلام تخلف على أهله، فقسم المغنم، فدفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام سهمين فقال الناس: يا رسول الله، دفعت إلى عليّ بن أبي طالب سهمين وهو بالمدينة متخلف!

فقال: معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم، ثم رجع إلي فقال: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب؟ وهو جبرئيل عليه السلام.

معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم، ثم رجع فكلمني، وقال لي: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ وهو ميكائيل، فوالله ما دفعت إلى علي إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر الناس بأجمعهم(٢) .

٦٠٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن أبي أحمد الازدي، عن عبدالله بن جندب، عن أبي عمر العجمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الملوك،

______________

(١) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٣.

(٢) علل الشرائع: ١٧٢/١، ٢، بحار الانوار ٣٩: ٩٤/٤.

٤٤٧

وقلوبهم بيدي، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم(١) .

٦٠١/١١ - حدّثنا جعفر بن عليّ الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن الصادق جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي: الامراء والقراء(٢) .

٦٠٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن بشار بن يسار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره، فإن العبد ليصوم اليوم الحار يريد به ما عند الله عزّوجلّ، فيعتقه الله من النار، ويتصدق بصدقة يريد بها وجه الله، فيعتقه الله من النار(٣) .

٦٠٣/١٣ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه: ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر(٤) .

٦٠٤/١٤ - حدّثنا الحسن بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٣٤٠/٢١.

(٢) نوادر الراوندي: ٢٧، بحار الانوار ٩٢: ١٧٨/٧.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٢١٥/١٤.

(٤) بحار الانوار ١٤: ٢٨٧/١٠.

٤٤٨

بكير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(١) .

٦٠٥/١٥ - وبهذا الاسناد، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار(٢) .

٦٠٦/١٦ - وقال عليه السلام: من صلى معهم في الصف الاول، فكأنما صلى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصف الاول.(٣) .

٦٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة، عن عمرو بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن صدقة النهار تميث(٤) الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب جل جلاله(٥) .

٦٠٨/١٨ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه(٦) .

٦٠٩/١٩ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي

______________

(١) تقدم في المجلس (١٠) الحديث (٦).

(٢) بحار الانوار ٨٩: ١٨٤/١٩.

(٣) بحار الانوار ٨٨: ٨٧/٤٨.

(٤) أي تذيب.

(٥) بحار الانوار ٩٦: ١٧٦/١.

(٦) بحار الانوار ٢: ٢٢٧/٤.

٤٤٩

عمير، عن أبان الاحمر، عن سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: يا علي، أنت خليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، وأنت مني كشيث من آدم، وكسام من نوح، وكاسماعيل من إبراهيم، وكيوشع من موسى، وكشمعون من عيسى.

يا علي، أنت وصيي ووارثي وغاسل جثتي، وأنت الذي تواريني في حفرتي، وتؤدي ديني، وتنجز عداتي. يا علي، أنت أميرالمؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغر المجلين، ويعسوب المتقين. يا علي، أنت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي، وأبو سبطي الحسن والحسين. يا علي، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلبك.

يا علي، من أحبك ووالاك أحببته وواليته، ومن أبغضك وعاداك أبغضته وعاديته، لانك مني وأنا منك. يا علي، إن الله طهرنا واصطفانا، لم يلتق لنا أبوان على سفاح قط من لدن آدم، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته.

يا علي، أبشر بالشهادة فإنك مظلوم بعدي ومقتول. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. يا علي، إنك لن تضل ولم تزل، ولولاك لم يعرف حزب الله بعدي(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٣/٢٦.

٤٥٠

[ ٥٩ ]

المجلس التاسع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ. وحق اللسان إكرامه عن الخنا(١) ، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم. وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه. وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. وحق يدك أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك. وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما(٢) تقف على الصراط، فانظر أن لا تزل بك فتتردى في النار. وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع. وحق

______________

(١) الخنا: الفحش في الكلام.

(٢) في نسخة: فيهما.

٤٥١

فرجك أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن ينظر إليه.

وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عزّوجلّ، أنك فيما قائم بين يدي الله عزّوجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عزّوجلّ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عزّوجلّ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، وتعلم أنها تدفع البايا والاسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.

وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك. وحق الهدي أن تريد به الله عزّوجلّ، ولا تريد به خلقه، وتريد به التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.

وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعل الله عزّوجلّ له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وحق سايسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله - جل اسمه - لا للناس. وأما حق سايسك بالملك، فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما حق رعيتك بالسلطان، فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك،

٤٥٢

فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله على ما آتاك من القوة عليهم.

وأما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم(١) ، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك.

وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعلها لك سكونا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عزّوجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها.

وأما حق مملوكك، فأن تعلم أنه خلق ربك، وابن أبيك وأمك، ولحمك ودمك لم تملكه لانك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا، ولكن الله عزّوجلّ كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولن تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتظلك وتضحى(٢) ، وتهجر النوم لاجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، وأنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.

وأما حق أبيك، فأن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على

______________

(١) خرق بالشئ: جهله ولم يحسن عمله.

(٢) ضحى: برز للشمس فأصابه حرها.

٤٥٣

قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب، والدلالة على ربه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه.

وأما حق أخيك، فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له، فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك المنعم عليك، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، فأطلقك من أسر الملكية، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك، وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وبعد موتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعل عتقك له وسيلة إليه، وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم، مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة.

وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه القالة(١) الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته.

وأما حق المؤذن، فأن تعلم أنه مذكر لك بربك عزّوجلّ، وداع لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

وأما حق إمامك في صلاتك، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين

______________

(١) القالة: اسم للقول الفاشي في الناس، خيرا كان أو شرا.

٤٥٤

ربك عزّوجلّ، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فإن كان (به)(١) نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت به شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.

وأما حق جليسك، فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.

وأما حق جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصاحب، فأن تصحبه بالتفضل والانصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، وإن سبق كافيته، وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الشريك، فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فإن يد الله عزّوجلّ على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مالك، فأن لا تأخذه إلا منحله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق غريمك الذي يطالبك، فإن كنت موسرا أعطيته، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردا لطيفا.

______________

(١) من الخصال.

٤٥٥

وحق الخليط أن لا تغره، ولا تغشه، ولا تخدعه، وتتقي الله في أمره.

وحق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك، ولم تظلمه و أوفيته حقه، وإن كان ما يدعي باطلا رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، ولا قوة إلا بالله.

وحق خصمك الذي تدعي عليه، إن كنت محقا في دعواك، أجملت مقاولته، ولم تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك، اتقيت الله وتبت إليه، وتركت الدعوى.

وحق المستشير، إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وإن وافقك حمدت الله عزّوجلّ.

وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به. وحق الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عزّوجلّ، وإن لم يوفق رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك، إلا أن يكون مستحقا للتهمة، ولا تعبأ بشئ من أمره على حال، ولا قوة إلا بالله.

وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته بحق الاسلام وحرمته، وحق الصغير رحمته وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له.

وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره. وحق من سرك الله به أن تحمد الله أولا ثم تشكره. وحق من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو يضره انتصرت، قال الله عزّوجلّ:( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) (١) .

وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم، والرحمة بهم، والرفق بمسيئهم،

______________

(١) الشورى ٤٢: ٤١.

٤٥٦

وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكف الاذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بمنزلة أولادك(١) ، وحق الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده، ولا قوة إلا بالله(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: إخوانك.

(٢) الخصال: ٥٦٤/١، بحار الانوار ٧٤: ٢/١.

٤٥٧

[ ٦٠ ]

المجلس الستون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت عليهم السلام، وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت أنا ومحمّد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما السلام، فدخل، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه، فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن، كيف عيالك، كيف عيال أبيك، كيف أنتم، ما حالكم؟ فما زال يسأله عن هذا وأبو الحسن عليه السلام يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض، فأقسم عليه أبوالحسن عليه السلام فقعد، وعانقه وسلم عليه وودعه.

قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قلت لابي: يا أميرالمؤمنين، لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين والانصار ولا ببني هاشم! فمن هذا الرجل؟ فقال: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردت العلم

٤٥٨

الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم(١) .

٦١٢/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: رفع(٢) الخبر إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره، فقال لاهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نرى أن تتباعد عن هذا الرجل، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره. فتبسم أبوالحسن عليه السلام، ثم قال:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب(٣)

ثم رفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: إلهي، كم من عدو شحذ لي ظبة مديته(٤) ، وأرهف لي سنان حده، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح(٥) ، صرفت ذلك عني بحولك وقوتك لا بحولي ولا بقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك.

سيدي اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى(٦) حاضرة، تكون من غيظي

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٣/١٢، بحار الانوار ٤٨: ١٣٤/٦.

(٢) في نسخة: وقع.

(٣) البيت لكعب بن مالك، وقيل: لحسان بن ثابت، وسخينة: لقب قريش، لانها كانت تعاب بأكل السخينة، وهي طعام يتخذ من الدقيق، وإنما يأكلونها في شدة الدهر وغلاء السعر.

(٤) الظبة: حد السيف ونحوه: والمدية: الشفرة الكبيرة.

(٥) الجائحة: المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله.

(٦) أعداه: نصره وأعانه وقواه، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه.

٤٥٩

شفاء، ومن حقي عليه وفاء(١) ، وصل اللهم دعائي بالاجابة، وانظم شكاتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.

قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي(٢) .

٦١٣/٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس هارون الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام، جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى عليه السلام طهوره، واستقبل بوجهه القبلة، وصلى لله عزّوجلّ أربع ركعات، ثم دعا بهذه الدعوات، فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يديه، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الاحشاء والامعاء، خلصني من يدي هارون.

قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات، رأى هارون رجلا أسود في منامه، وبيده سيف قد سله، واقفا على رأس هارون، وهو يقول: يا هارون، أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف هارون من هيبته، ثم دعا لحاجبه، فجاء الحاجب، فقال له: اذهب إلى السجن، وأطلق عن موسى بن جعفر.

قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر، فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه. فصاح السجان، يا موسى، إن الخليفة يدعوك. فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا، وهو

______________

(١) في نسخة: ومن حنقي عليه وقاء.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٧٩/٧، أمالي الطوسي: ٤٢١/٩٤٤، مهج الدعوات: ٢٨، بحار الانوار ٤٨:٢١٧/١٧ - ١٩ و ٩٤: ٣٣٧/٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571