مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام10%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77913 / تحميل: 4602
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين وقال أكره أن أبدأهم بقتال.

لما نظر الحسينعليه‌السلام إلى جمعهم كأنّه السيل رفع يديه بالدعاء وقال : اللهم أنت ثقتى فى كلّ كرب ورجائى فى كلّ شدّة ، وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّى إليك ، عمّن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولى كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة.

ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم : أيّها الناس اسمعوا قولى ولا تجعلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم علىّ وحتّى اعتذر إليكم من مقدمى عليكم فان قبلتم عذرى وصدقتم قولى وأعطيتمونى النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علىّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منى العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .

فلمّا سمعن النساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس وابنه على الأكبر ، وقال لهما اسكتاهنّ فلعمرى ليكثر بكاؤهنّ ، ولما سكتن حمد الله واثنى عليه وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء وقال فى ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه فى منطقه ، ثمّ قال :

الحمد لله الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقىّ من فتنته فلا تغرّنكم هذه الدنيا فانّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلّ بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انّكم زحفتم الى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان ،

٤١

فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين ، أيّها الناس انسبونى من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلى وانتهاك حرمتى ، ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه ، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى ، أو ليس جعفر الطيّار عمّى ، أو لم يبلغكم قول رسول الله لى ولاخى: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ، فان صدقتمونى بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه وان كذّبتمونى فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم.

سلوا جابر بن عبد الله الانصارى ، وأبا سعيد الخدرى ، وسهل بن سعد الساعدى وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لى ولأخى ، أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى ، فقال الشمر ، هو يعبد الله على حرف إن كان يدرى ما تقول ، فقال له حبيب بن مظاهر : والله إنّى أراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما يقول قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال الحسينعليه‌السلام : فان كنتم فى شك من هذا القول أفتشكّون إنّى ابن بنت نبيّكم ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى فيكم ولا فى غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ، فأخذوا لا يكلّمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعى ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلىّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضر الجنات ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟

فقالوا : لم نفعل. قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس إذا

٤٢

كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم الى مأمنى من الارض ، فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بنى عمّك؟ فانّهم لن يروك الّا ما تحبّ ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال الحسينعليه‌السلام : أنت أخو أخيك أتريد أن يطلب بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدى اعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد عباد الله( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) ، أعوذ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) ثمّ أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها.

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام ركب فرسه وأخذ مصحفا ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم وقال : يا قوم إنّ بينى وبينكم كتاب الله وسنّة جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة ما عليه من سيف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق ، فسألهم عما أقدمهم على قتله قالوا : طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

فقالعليه‌السلام : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا فى أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأى لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثمّ نفضتموها ، فسحقا لكم يا عبيد الأئمّة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم وعصبة الاثم ونفثة الشيطان ومطفى السنن.

ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب ، ألا وإنّ الدعىّ بن الدعىّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف

٤٣

حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّى زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر ، ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادى :

فان نهزم فهزامون قدما

وإن نغلب فغير مغلّبينا

وما أن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس

بكلكله أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس حتّى تدوركم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلىّ أبى عن جدّى رسول الله( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

ثمّ رفع يديه نحو السماء وقال : اللهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنى يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، فانّهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكّلنا وإليك المصير ، والله لا يدع أحدا منهم الّا انتقم لى منه قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، وإنّه لينتصر لى ولأهل بيتى وأشياعى.

استدعى عمر ابن سعد فدعى له وكان كارها لا يحبّ أن يأتيه فقال : أى عمر أتزعم أنّك تقتلنى ويولّيك الدعى بلاد الرى وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع فانّك لا تفرح بعدى بدنيا ولا آخرة ، وكأنّى برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتّخذونه غرضا بينهم فصرف بوجهه عنه مغضبا(١)

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٥٦.

٤٤

٢٤ ـ الحافظ أبو نعيم : حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علىّ بن عبد العزيز ، ثنا الزبير بن بكّار ، حدثني محمّد بن الحسين ، قال : لما نزل القوم بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه ، قام فى أصحابه خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل من الأمر ما ترون ، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها ، وانشمرت ، حتّى لم يبق منها إلّا كصبابة الإناء ، إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله وإنّى لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلّا جرما(١) .

٢٥ ـ الهيتمى باسناده : عن محمّد بن الحسن ، قال لما نزل عمر بن سعد بالحسين ، وأيقن أنهم قاتلوه قام فى أصحابه خطيبا فحمد اللهعزوجل وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر ، وأنّ الدنيا تغيرت وتنكّرت وأدبر معروفها وانشمر حتّى لم يبق منها إلّا صبابة الإناء إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله ، فانّى لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما(٢) .

٤٣ ـ باب شهادة الحرّ بن يزيد

١ ـ قال الصدوق : فضرب الحرّ بن يزيد فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد لعنه الله إلى عسكر الحسينعليه‌السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهمّ إليك أنبت فتب علىّ فقد ارعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك ، يا ابن رسول الله هل لى من توبة

__________________

(١) حلية الاولياء : ٢ / ٣٩

(٢) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٢.

٤٥

قال نعم تاب الله عليك ، قال يا ابن رسول الله أتأذن لى فأقاتل عنك ، فأذن له فبرز وهو يقول :

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثمّ قتل فاتاه الحسينعليه‌السلام ودمه يشخب ، فقال بخّ بخّ يا حرّ أنت حرّ كما سميت فى الدنيا والآخرة ، ثمّ أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحرّ حرّ بنى رياح

ونعم الحرّ عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ اذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح(١)

٢ ـ قال المفيد : فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسينعليه‌السلام ، قال لعمر بن سعد : أى عمر أمقاتل أنت هذا الرجل قال : أى والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر : اما لو كان الأمر الىّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس فقال له يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم ، قال لا قال : فما تريد أن تسقيه قال قرّة وظننت والله انّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال :

فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وأنا منطلق لأسقيه ، فاعتزل ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أنّه اطّلعنى على الّذي بريد لخرجت معه الى الحسينعليه‌السلام ، فاخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجرين أوس ما تريد يا ابن يزيد تريد أن تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الا فكل وهى الرّعدة فقال له المهاجر انّ أمرك لمريب والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل هذا ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك.

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٧.

٤٦

فقال له الحرّ : انّى والله اخيّر نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا اختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسينعليه‌السلام ، فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك فى الطريق وجعجعت بك فى هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت ، فانّى تائب إلى الله ممّا صنعت فترى لى من ذلك توبة.

فقال له الحسينعليه‌السلام نعم يتوب الله عليك فانزل ، قال فأنا لك فارسا خير منّى راجلا اقاتلهم لك على فرسى ساعة وإلى النزول آخر ما يصير أمرى ، فقال له الحسينعليه‌السلام فاصنع يرحمك الله ، ما بدا لك ، فاستقدم أمام الحسينعليه‌السلام ، فقال يا أهل الكوفة لامّكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتّى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه واحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه فى بلاد الله العريضة.

فصار كالأسير فى أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا تدفع عنها ضرّا وجلأتموه ونسائه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجارى يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد ، وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش بئس ما خلّفتم محمّدا فى ذرّيته لا سقاكم الله يوم الظّماء ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فاقبل حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام (١) .

٣ ـ قال ابن شهرآشوب : فحرّك الحرّ دابّته حتّى استامن الى الحسين وقال له : بأبى وأمّى ما ظننت أنّ الامر ينتهى بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فامّا الآن جئتك

__________________

(١) الارشاد : ٢١٨.

٤٧

تائبا ومواسيا لك حتّى أموت بين يديك ، أترى إلى ذلك توبة قال : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. ثمّ برز وهو يرتجز :

إنّى أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

فقتل نيفا وأربعين رجلا(١) .

٤ ـ قال ابن طاوس : فمضى الحرّ ووقف موقفا من أصحابه وأخذه مثل الافكل ، فقال له المهاجر بن أوس : والله إنّ أمرك لمريب ، ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك ، فقال والله إنّى أخير نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا أختار على الجنّة شيئا ، ولو قطعت واحرقت ، ثمّ ضرب فرسه قاصدا الى الحسينعليه‌السلام ويده على رأسه هو يقول : اللهم إليك أنبت ، فتب علىّ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك.

قال للحسينعليه‌السلام جعلت فداك أنا صاحبك الّذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك وما ظننت أنّ القوم يبلغون منك ما أرى وأنا تائب الى الله تعالى ، فهل ترى لى من توبة ، فقال الحسينعليه‌السلام : نعم يتوب الله عليك فنزل فقال أنا لك فارسا خير منّى لك راجلا وإلى النزول يصير آخر أمرى.

ثمّ قال فاذا كنت أوّل من خرج عليك ، فأذن لى أن أكون أوّل قتيل بين يديك لعلّى أكون ممّن يصافح جدّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله غدا فى القيامة وإنّما أراد أوّل قتيل من الآن ، لأنّ جماعة قتلوا قبله ، كما ورد ، فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثمّ استشهد فحمل الى الحسينعليه‌السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه يقول أنت الحرّ كما سمتك أمك حرّا فى الدنيا والآخرة(٢)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) اللهوف : ٤٤.

٤٨

٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : عن أبى جناب الكلبى ، عن عدى بن حرملة ، قال : ثمّ انّ الحرّ بن يزيد لما زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فى واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضا؟ قال عمر بن سعد ، أما والله لو كان الأمر إلىّ لفعلت ، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك ، قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس.

فقال : يا قرّة ، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال : إنّما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم اسقه ، وأنا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي ، كان فيه ، قال : فو الله لو أنّه اطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ، قال : فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا.

فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لى : من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك! قال : إنّى والله أخير نفسى بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسينعليه‌السلام .

فقال له : جعلنى الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسائرك فى الطريق ، وجعجعت بك فى هذا المكان ، والله الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت فى نفسى : لا أبالى أن أطيع القوم فى بعض أمرهم ، ولا يرون أنى خرجت من طاعتهم ، وأما هم فيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم.

٤٩

والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّى قد جئتك تائبا ممّا كان منى إلى ربّى ، ومواسيا لك بنفسى حتّى أموت بين يديك ، أفترى ذلك لى توبة؟ قال : نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، ما اسمك؟ قال : أنا الحرّ بن يزيد ، قال : أنت الحرّ كما سمّتك أمك ، أنت الحرّ ان شاء الله فى الدنيا والآخرة ، انزل ، قال : أنا لك فارسا خير منّى راجلا ، أقاتلهم على فرسى ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمرى قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :

أيّها القوم ، ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال الّتي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد فكلّمه ، فكلّمه بمثل ما كلمه به قبل ، وبمثل ما كلّم به أصحابه ، قال عمر : قد حرصت ، لو وجدت الى ذلك سبيلا فعلت ، فقال : يا أهل الكوفة ، لامّكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه.

ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، فمنعتموه التوجّه فى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، وأصبح فى أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجارى الذي يشربه اليهودىّ والمجوسىّ والنصرانيّ ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا فى ذرّيته! لا سقاكم الله يوم الظماء إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا فى ساعتكم هذه ، فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين(١) .

٦ ـ قال الدينورى : وانحاز الحرّ بن يزيد الّذي كان جعجع بالحسين إلى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٧.

٥٠

الحسين ، فقال له : قد كان منّى الّذي كان ، وقد أتيتك مواسيا لك بنفسى ، أفترى ذلك لى توبة ممّا كان منّى؟ قال الحسين : نعم ، إنّها لك توبة ، فابشر ، فأنت الحرّ فى الدنيا ، وأنت الحرّ فى الآخرة ، إن شاء الله(١) .

٤٤ ـ باب شهادة أصحاب الحسينعليه‌السلام

١ ـ قال الشيخ أبو عبد الله المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فانّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد صدقت ، الرأى ما رأيت ، فأرسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم.

ثمّ حمل عمرو بن الحجاج وأصحابه على الحسينعليه‌السلام ، من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ، فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا» ودنى منه حبيب بن مظاهر ، فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ، ابشر بالجنّة فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير ، فقال له حبيب لو لا أنّى أعلم أنّى فى أثرك من ساعتى هذه لا حببت ان توصينى بكلّ ما اهمّك.

ثمّ تراجع القوم إلى الحسينعليه‌السلام فحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٦.

٥١

على أهل الميسرة فثبتوا له وطاعنوه وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسينعليه‌السلام قتالا شديدا ، فاخذت خيلهم تحمل ، وإنمّا هى اثنان وثلثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته ، فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل أهل الكوفة ، بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما يلقى خيلى هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، ابعث إليهم الرجال والرماة فبعث إليهم بالرماة فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه ونزل عنه فجعل يقول :

ان تعقرونى فانا ابن الحرّ

اشجع من ذى لبد هزبر

ضربهم بسيفه فتكاثروا عليه فاشترك فى قتله أيّوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة وقاتل أصحاب الحسينعليه‌السلام القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسينعليه‌السلام ، تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة نابل ان يرشقوا أصحاب الحسينعليه‌السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم ، واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال من أصحاب الحسينعليه‌السلام فكشفوهم عن البيوت وعطف عليهم شمر بن ذى الجوشن فقتل من القوم وردّ الباقين إلى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسينعليه‌السلام لقلّة عددهم ، ولا تبيّن فى أصحاب عمر بن سعد ، لكثرتهم واشتدّ القتال والتحم وكثر القتل والجراح فى أصحاب أبى عبد الله الحسينعليه‌السلام ، الى أن زالت الشمس فصلّى الحسينعليه‌السلام بأصحابه صلاة الخوف(١) .

٢ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين

__________________

(١) الارشاد ٢٢١.

٥٢

من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـرحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فسعى إليه الحسينعليه‌السلام ، فاذا به رمق فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم( مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) . وحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة على أهل الميسرة وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب.

قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هى اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل الكوفة بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما تلقى خيلى منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، فابعث عليهم الرجال من الرماة ، فبعث عليهم بالرماة ، فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه فنزل عنه وهو يقول :

ان تعقرونى فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذى لبد هزير

فجعل يضربهم بسيفه وتكاثروا عليه حتّى قتلوه ، وقاتل الأصحاب القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النّهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسينعليه‌السلام تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة فأمر أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرّجال حتّى أرحلوهم واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال وكشفوهم عن البيوت وعطف عليه شمر فقتل من القوم وردّ الباقين الى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسينعليه‌السلام ، لقلّة عددهم ولا يبين فى أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم ، واشتدّ القتال وكثر القتل فى أصحاب أبى عبد اللهعليه‌السلام الى أن زالت الشمس فصلّى الحسين

٥٣

بأصحابه صلاة الخوف(١) .

٣ ـ قال عبد الرزّاق المقرّم : تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى يسهم وقال : اشهدوا لى عند الأمير أنّى أوّل من رمى ثمّ رمى الناس ، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد الا أصابه ، من سهامهم ، فقالعليه‌السلام لأصحابه : قوموا رحمكم الله إلى الموت الّذي لا بدّ منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعا(٢) .

٤ ـ عنه خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فطلبا البراز فوثب حبيب وبرير ، فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد الله بن عمير الكلبى من «بنى عليم» وكنيته أبو وهب وكان طويلا شديد الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين شريفا فى قومه شجاعا مجرّبا فأذن له وقال : أحسبه للاقران ، قتالا فقالا له من أنت؟ فانتسب لهما فقالا : لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير وكان يسار قريبا منه.

فقال له : يا ابن الزانية أو بك رغبة عن مبارزتى ، ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه ، وبينا هو مشتغل به اذ شدّ عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه ومال عليه عبد الله فقتله وأقبل الى الحسين يرتجز وقد قتلهما.

أخذت زوجته أمّ وهب بنت عبد الله من النمر بن قاسط عمودا وأقبلت نحوه تقول له : فداك أبى وامى قاتل دون الطيبين ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول : لن أدعك دون أن أموت معك ، فناداها الحسين جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا ارجعى الى

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٤١.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٧.

٥٤

الخيمة فانه ليس على النساء قتال فرجعت(١) .

٥ ـ عنه لما نظر من بقى من أصحاب الحسين الى كثرة من قتل منهم ، أخذت الرجلان والثلاثة والاربعة يستأذنون الحسين فى الذب عنه والدفع عن حرمه ، وكل يحمى الآخر من كيد عدوه ، فخرج الجابريان وهما : سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم وأخوان لأمّ وهما يبكيان قال ما يبكيكما انى لارجو أن تكونا بعد ساعة قريرى العين قالا : جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكى ولكن نبكى عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك فجزاهما الحسين خيرا.

فقاتلا قريبا منه حتى قتلا وجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا : قد حازنا الناس إليك ، فجعلا يقاتلان بين يديه حتى قتلا ، وخرج عمرو بن خالد الصيداوى وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلمانى ومجمع بن عبد الله العائذى وشدوا جميعا على أهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم فندب إليهم الحسين أخاه العباس فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم ، وفى أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوا فى مكان واحد(٢) .

٦ ـ عنه لما نظر الحسين كثرة من قتل من أصحابه قبض على شيبته المقدسة وقال : اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمى ، ثم صاح أما من مغيث يغيثنا أما

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٦٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٩.

٥٥

من ذابّ يذب عن حرم رسول الله فبكت النساء وكثر صراخهنّ. وسمع الانصاريان سعد بن الحارث وأخوه ابو الحتوف استنصار الحسين ، واستغاثته وبكاء عياله وكانا مع ابن سعد فما لا بسيفهما على أعداء الحسين وقاتلا حتى قتلا(١) .

٧ ـ عنه ، أخذ أصحاب الحسين بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل ، فأكثروا القتل فى أهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه : أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم الا قتلوه على قلتهم ، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت أرسل فى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحدانا لآتوا عليكم.

ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين ، فثبتوا له وجثوا على الركب ، وأشرعوا الرماح ، فلم تقدم الخيل ، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل ، فصرعوا رجالا وجرحوا آخرين ، وكان عمرو بن الحجاج يقول لاصحابه : قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة ، فصاح الحسين : ويحك يا حجاج أعليّ تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون اذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار(٢)

٨ ـ عنه ، التفت أبو ثمامة الصائدى الى الشمس قد زالت فقال للحسين : نفسى لك الفداء انى أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة الّتي دنا وقتها ، فرفع الحسين رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين ، الذاكرين نعم هذا أوّل وقتها

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٠.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧١.

٥٦

سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّى فقال الحصين : إنّها لا تقبل(١) .

٩ ـ عنه قال حبيب بن مظاهر : زعمت أنّها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه ، وقاتلهم حبيب قتالا شديدا فقتل على كبره اثنتين وستين رجلا ، وحمل عليه بديل بن صريم ، فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه إلى الأرض فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسيف ، على رأسه فسقط لوجهه ونزل إليه التميمى واحتزّ رأسه فهد مقتله الحسين ، فقال عند الله أحتسب نفسى وحماة أصحابى واسترجع كثيرا(٢) .

١٠ ـ قام الحسين الى الصلاة ، فقيل إنّه صلّى بمن بقى من أصحابه صلاة الخوف ، وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفى ، فى نصف من أصحابه ويقال إنّه صلّى وأصحابه فرادى بالايماء(٣) .

١ ـ شهادة نافع بن هلال

١١ ـ قال المفيد : وبرز نافع بن هلال وهو يقول :

أنا ابن هلال البجلى

أنا على دين على

فبرز إليه مزاحم بن حريث ، فقال له أنا على دين عثمان ، فقال له نافع أنت على دين الشيطان وحمل عليه فقتله(٤) .

١٢ ـ قال ابن شهرآشوب : ثمّ برز نافع بن هلال البجلى ، قائلا.

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٦.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧٧.

(٣) مقتل الحسين : ٢٧٩.

(٤) الارشاد : ٢٢١.

٥٧

أنا الغلام اليمنيّ البجلى

دينى على دين حسين بن على

أضربكم ضرب غلام بطل

ويختم الله بخير عملى

فقتل اثنى عشر رجلا وروى سبعين رجلا(١) .

١٣ ـ قال المقرم : ورمى نافع بن هلال الجملى المذحجى ، بنبال مسوّمة ، كتب اسمه عليه وهو يقول :

أرمى بها معلمة أفواقها

مسمومة تجرى بها أخفاتها

ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثنى عشر رجلا سوى من جرح ، ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه ، فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت ، فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟

فقال : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسى على الجهد ولو بقيت لى عضد ما أسرتمونى وجرّد الشمر سيفه فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ثمّ قدمه الشمر وضرب عنقه(٢) .

١٤ ـ قال الطبرى : قال هشام بن محمّد ، عن أبى مخنف ، قال حدّثنى يحيى بن هانئ بن عروة ، أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». قال : فخرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث ، فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان ، ثمّ حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو ابن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١١٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٨٣.

٥٨

الحجّاج بالناس : يا حمقى ، أتدرون من تقاتلون! فرسان المصر ، قوما مستميتين لا يبرزنّ لهم منكم أحد ، فانّهم قليل ، وقلّما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم : فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت ، وأرسل إلى الناس يعزم عليهم ألّا يبارز رجل منكم رجلا منهم(١) .

١٥ ـ عنه عن أبى مخنف : كان نافع بن هلال الجملى قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمى بها مسوّمة وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح ، قال : فضرب حتّى كسرت عضداه وأخذ أسيرا ، قال : فأخذه شمر بن ذى الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا ، حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت.

قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسى على الجهد ، ولو بقيت لى عضد وساعد ما أسرتمونى ، فقال له شمر : اقتله أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله ، قال : فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله أن لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ، فقتله.

قال : ثمّ أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن شمر

يضربهم بسيفه ولا يفرّ

وهو لكم صاب وسمّ ومقر(٢)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٤١.

٥٩

٢ ـ شهادة مسلم بن عوسجة

١٦ ـ قال المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون ، تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فإنّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد ، صدقت ، الراى ما رأيت ، فارسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج وأصحابه على الحسينعليه‌السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة.

فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة ، فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسينعليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم( مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ودنى منه حبيب بن مظاهر فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ابشر بالجنّة ، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب لو لا انّى فى أثر من ساعتى هذه لأحببت ان توصينى بكلّ ما أهمّك ثمّ تراجع القوم الى الحسينعليه‌السلام .(١) .

١٧ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـرحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فسعى إليه الحسينعليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى

__________________

(١) الارشاد : ٢٢١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنّ الولاية الّتي يستحقّ صاحبها الكرامة ، وكذلك الكرامة الّتي تثبتُ لصاحب الولاية ، إنّما يحتاجانِ إلى إثباتٍ.

فلا يثبتان بالادّعاء ، أو بالتوهّم ، أو الفرض ، وإنّما هما بحاجة إلى مثبتات بمستوى الحُجج الصالحة للاستناد والاعتماد.

ومن أوضح أدلّة ذلك :

الشهرة والشيوع عند المؤمنين ، شهرةً مفيدةً للعلم ، ونافيةً للريب ، ومفندهً للإنكار والمعارضة.

فكيف بها إذا سلّم بها الخصمُ ، وتناقلَها الأعداءُ ، ولم يُعارضها نقلٌ ولو ضعيفٌ؟!

وإذا ارتفعت الموانع ، وتمّت المُثبتات ، فلا يجدُ المسلمُ المتشرّعُ إشكالاً أو شبهةً في الالتزام بما يتحقّق من الكرامات ، قديماً وحديثاً.

وأمثلة ذلك في حضارة الإسلام كثيرةٌ جدّاً ، كما لم تخلُ من نماذج ثابتة لذلك في الحضارات السابقة ، إلاّ أنّ النماذج الإسلاميّة قد تناقلتها الرواياتُ والأحاديثُ ، وسجّلتها الدواوينُ والمصادرُ ، واستقرّتْ في الصدور وشاعتْ على الألسن ، ووصلتْ إلينا بالتواتُر المعنويّ القاطع لكلّ مكابرةٍ والدافع لكلّ إنكارٍ.

وإذا خضعت الكراماتُ للإمكان الموضوعيّ عقلاً ، وثبت وقوعُها بالروايات والآثار نقلاً ، فلم يبقِ للإنسان المتشرّع والمتعبّد إلاّ القبولُ والاقتناعُ بها وجداناً ، بل تكون مفخرةً للمسلمين وللإسلام أن يوجد فيهم

٢٤١

مثلُ تلك النماذج الرائعة ، وبكثرةٍ ملحوظةٍ ، ممّا يدلّ على عمق الإيمان في قلوب معتنقيه ومدى رسوخ العقيدة في نفوس تابعيه ، وبلوغ أوليائه إلى القِمَمِ ، وسيطرتهم على مقدّرات الكون لكونهم أفضل الاُمم ، مع تواضع فذٍّ للهِ الخالق جلّ وعلا ، وخدمةٍ خالصةٍ للخلق المبتلى.

وبعد هذا الّذي أوردنا ؛ فمن يحاول الاستغرابَ من بعض الكرامات ، أو يُكابِرُ قبول شيء منها ، أو يُناقِشُ في إمكانها ، أو ثبوتها ، أو صحّتها ، أو إثباتها ، مستنداً إلى عقله! أو نظره! فانّما يُنْبِىء عن قُصُور من تناول تلك المحكَمات من الآياتِ ، أو جهلٍ بتلك المشهورات من الأخبار ، أو تعامٍ عن الحقّ : رغبةً في المخالفة. وحبّاً للشهرة. أو تزلّفاً إلى الأعداء بموافقتهم في الأفكار. أو معاندة وعصبيّة لمرض في قلبه ، وعَمَىً في بصيرته ، وهوىً في نفسه. نعوذ بالله من الخذلان.

ولقد انبرى جمعٌ من العلماء لجمع عيّناتٍ بارزةً من النماذج الإسلاميّة من الكرامات لأصحابها ، بالطرق الموثوقة رواية عن الرجال الموثوقين ، لتكون شواهدَ صدقٍ ، ونواطق حقّ ، بتحقّق ذلك.

وليكون دليلاً واضحاً على بلوغ تلك الكرامات مبلغ الشهرة المؤدّية إلى القناعة والعلم ، لسعة رواياتها ونقولها ، واعتماداً على رواتها الّذين يعدّون من رجالات العلم والدين.

وإنّ مثل هذه الكرامات يعدّ دعماً لمواقف أهل الحقّ على طول تاريخ النضال العقيديّ المُستميت ، الّذي خاضَهُ اُولئك الأبرارُ الأوتادُ

٢٤٢

الأولياءُ لله وللرسول وللأئمّة الأطهار من آل محمّد عليهم السلام ولا يزال يخوضه المجاهدون الأحرارُ من شيعتهم الأخيار ، وهم الّذين وقفوا ـ ولا يزالون ـ على طول خطّ التاريخ وحتّى اليوم ـ في صفّ المواجهة الأوّل ، للدفاع عن القرآن الكريم ، والإسلام العظيم ، والرسول الأعظم ، والأئمّة الطاهرين ، وكلّ المقدّسات ؛ بِنِيّاتٍ صادقةٍ ، وعزماتٍ قويّةٍ وإرادات جادّة ، ويقين بوعد الله جلّ وعزّ بالنصر ، والمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ليستخلفنّهم فيها ، ويجعلهم أئمّةً ويجعلهم الوارثين.

جعلنا اللهُ ممّن ينتصرُ به لدينه تحت راية نبيّه وأوصيائه والأولياء من شيعتهم ، وقيادة صاحب الأمر إمام الزمان المهديّ المنتظر عليه السلامُ وعجّل اللهُ فرجه ، الّذي يملأ الدُنيا عَدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئتْ ظُلماً وجَوراً.

وأمّا كرامات العَبّاس عليه السلام :

فقد ملأتْ أسماعَ التاريخ ، وأوراقَ الكتب ، وأجواءَ الفضاء ، وبلغت من الشُهرة والشُيوع ما أقرّ بِها الأولياءُ ، وخضعَ لها الأعداءُ ، ولا تزال ـ حتّى في عصرنا ـ تُحَسُّ وتُمَسُّ ، وتُرَى وتُرْوَى ، وتُسَجَّلُ وتُنْقَلُ ، بما لا مجال لاستيعاب جميعها ، بل ، ولا لتعدادها ، ولا للوصول إلى غورها ومدى أبعادها.

ويكفي الحضور في مزاره الشريف ، ليرى الطالبُ للكرامة تحقّقها في كلّ ساعةٍ ، ويومٍ ، وأسبوعٍ ، وشهرٍ ، وسنةٍ.

وليس كلّ هذا إلاّ من بعض إكرام الله تعالى لهذا العَبْد ، الصالح ، المطيع

٢٤٣

لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسن ولأخيه الحسين عليهم السلام.

وبما حصّل بذلك من الدرجة الراقية والمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند الله.

فسلامُ الله عليه :

يوم وُلِدَ ،

ويوم جاهد وناضل ،

ويوم استشهد بين يدي أخيه المظلُوم ،

ويوم يقُوم بين يديه في الجنّة ، ويحظى بدرجته ومقامه.

ونسألُ الله تعالى أن يشفّعه فينا يوم لقائه ، وأن يجعلنا معهُ في الآخرة كما وفّقنا لحُبّه ولخدمته والفوز بزيارته في الدُنيا.

آمين يا ربّ العالمين.

٢٤٤

الملاحق

الملحق الأوّل : نصوص الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

الملحق الثاني : زوجة العَبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيّته في كتب

النسب والأعلام منهم عبر التاريخ

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب

٢٤٥
٢٤٦

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

زيارة العبّاس عليه السلام المُطلَقَهُ :

روى ابن قولويه ، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات ، قالا : إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء ، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً ، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(١) فإذا أتيت ، فقفْ على باب السقيفة ، وقل :

سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبداه الصالحين ، وجميع الشهداء والصِدِّيقين ، والزاكِياتُ الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله المُرسَلِ ، والسِبطِ المُنتَجَبِ ، والدَليلِ العالمِ ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ ، أشهدُ أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً ،

__________________

(١) ما بين القوسين من كامل الزيارات ، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

٢٤٧

وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم ، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين ، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين ، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين ، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن .

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل :

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ ، وعلى روحك وبدنك.

أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله ، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه ، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وأفْضَلَها غُرَفاً ، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً ، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين ،

٢٤٨

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس ، فَصَلِّ رَكعتين ، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ ، وادعُ اللهَ كثيراً ، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ :

اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ ، والمشهدِ المُعظّمِ ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ ، ولا مرضاً إلاّ شفيته ، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين ، وقُلْ :

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً ، وأقْدَمِهم إيْماناً ، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ ، فنعمَ الأخُ المُواسِي ، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام ، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ ، المُحامي الناصِرُ ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ .

٢٤٩

اللّهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ ، رَغْبَةً في ثوابِكَ ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين ، وأنْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً ، وعَيْشَي قارّاً ، وزِيارَتِي بِهِمْ مقبُولَةً ، وحياتِي بِهِم طيّبَةً ، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً ، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ ، وسَتْرَ العُيُوبِ ، وكَشْفَ الكُرُوبِ ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ .

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف ، فقفْ عندَ القبرِ ، وقل :

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ ، اللّهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين ، اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي ، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ ، اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم ، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ .

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(١) .

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر ،

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٠٦ ، ٢١٧ ـ ٢١٩) و(٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢٥٠

وفي أوّل يوم من شهر رجب ، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره ، وفي النصف من شهر شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاث ، وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما ، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.

ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس عليه السلام كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ عليه السلام.

وفقنا الله لذلك إنّه خير موفقٍ ومعين.

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي ـ أيضاً ـ كما في ما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت ٦١٤ هـ) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه : إذا وصلتَ ؛ فاغتسل ـ إن شاء الله ـ على الفُرات ، ومسّ ما أمكنك من الطِيب ، ثمّ ادْنُ إلى القبر ؛ فكبّر اللهَ تعالى ، ، ثمّ تقول :

السلامُ عليك يا سبطَ رسول الله.

السلامُ عليك يا ريحانةَ الرسول. السلامُ عليك يا فرخَ البتول.

السلامُ عليك أيُّها الشهيدُ السعيدُ. السلامُ عليك أيُّها الفقيدُ الحميدُ.

السلامُ عليك أبا الشُهداء. السلامُ عليك يا ثمرةَ قلب المصطفى. السلامُ عليك يا بحرَ العطاء. السلامُ عليك يا جمّ النَوال. السلامُ عليك يا ليثَ النِزال. السلامُ عليك يا نورَ الملّة. السلام عليك يا واهبَ نفسِه لله. السلامُ عليك يا ليثَ العرين. السلامُ عليك يا معدوم القَرِين.

السلامُ عليك يا شهيدَ الطُفُوف. السلامُ عليك يا مُلاقيَ الأُلُوف. السلامُ عليك يا مَسْتَهْوِنَ الحُتُوف. السلامُ عليك يا سيّد شباب أهل

٢٥١

الجنّة ، السلامُ عليك يا قويّ المنّة ، السلامُ عليك يا مَن مَطَرَت السماءُ لِقَتلِهِ دَماً ؛ لِغَضَبِ ربّ السماء ، السلامُ عليك يا مَنْ فرّقَ بهِ بينَ الشَقِيّ والسعيد ، السلامُ عليك يا مَنْ باءَ بِالخِزْيِ والعارِ فيه يَزِيدُ. السلامُ عليك يا قتيلَ الدَعِيّ. السلامُ عليك يا سبطَ النبيّ. يا أبا عبد الله ابن رسول الله ، هذه كلماتٌ أَهْدَيْناها إليك ، فصلوات الله وملائكته على جدّكَ وأبيكَ وأمّكَ وأخيكَ وعليكَ وعلى الطيّبينَ من آلِكُم ، ورحمة الله ، أرَدْنا بإهدائِها القُرْبَ إليكم والفوز لَدَيْكُم (١) .

ثمّ قال : وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت ، بالطَفِّ ، وتقول :

السلامُ عليك يا عبّاسُ ، يا ثابتَ الأساس ، ونُورَ النِبْراس ، وعروس الأفراد(٢) . السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد ، وسيفَ الجِلاد ، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين ، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين.

ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين ، وعموم بني هاشم ، وعلى أوليائهم الشهداء(٣) .

__________________

(١) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٢) وفي نسخة : «عروس الأفراس».

(٣) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

٢٥٢

الملحق الثاني

زوجة العَبّاس عليه السلام

وأولاده

وذريّته في كتب النسب والأعلام منهم عبرَ التاريخ

٢٥٣
٢٥٤

زوجتُهُ لُبابَةُ بنتُ عُبَيْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب

اتّفق أهل النسب ـ وورد في أكثر المصادر ـ على :

أنّ العَبّاس الأكبر السقّاء عليه السلام تزوّج (لُبابة) بنت (عُبَيْد الله) بن العَبّاس ابن عَبْد المطّلب.

وأنّعُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من لُبابَة بنت عُبَيْد الله.

وأنّعقب العَبّاس السقّاء عليه السلام منحصرٌ في أولاد عُبَيْد الله ابنه هذا .

قال أبو نصر البخاري ـ نقلاً عن عدّة من النسّابين والمؤرّخين تبلغ(١٨) شخصاً ، أنّهم ذكروا(١) : إنّ العَبّاس بن علي عليه السلام وَلَدَ عُبَيْدَ الله بنَ

__________________

(١) قال : ذكر :

أبو اليقظان سحيم بن حفص النّسّابة ؛

وعليّ بن مجاهد الكابليّ ؛

ومحمّد بن عمر الواقديّ ؛

وعليّ بن محمّد بن سيف المدائنيّ ؛

وهشام بن محمّد الكلبيّ ؛

والشَرَقيّ بن القطاميّ ؛

والهيثم بن عديّ ؛

وأبو القاسم خرداذبه ؛

ومحمّد بن حبيب ؛

٢٥٥

العَبّاس ، من بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب(١) .

أقولُ : وبهذا تتمّ الحُجّةُ على الجميع في الأمور الثلاثة :

الأوّل : أنّ اسم زوجة العَبّاس عليه السلام هو «لُبابَة» بلامٍ مضمومةٍ وبائين موحّدتين ، بينهما ألِفٌ ، وفي آخره تاءٌ مُثنّاةٌ قصيرةٌ.

الثاني : أنّهابنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، لا عَبْد الله.

الثالث : أنّعقب العَبّاس من عُبَيْد الله ابنه ، وحدَهُ ، وغيرهُ من أولاده لم يُعْقِبُوا. وعلى هذا أثبت الأكثر من القُدماء والمتأخّرين.

لكنّ وقع في هذه الأُمور خلافٌ من آحادٍ منهم ، كما يلي :

الأمر الأوّل : اسم زوجة العَبّاس عليه السلام لُبابَة :

لكنّ المطبوع في (الدرجات الرفيعة) : وكان له من الولد ولُبانَة

__________________

والزّبير بن بكار الزّبيريّ ؛

وعَبْد الله بن سليم القينيّ ؛

ومحمّد بن أبي الجَهْمِ العدويّ ؛

وحمزة بن الحسن الأصفهانيّ ؛

وأحمد بن حييى ثعلب ؛

ومحمّد بن جرير الطّبريّ ؛

والشّريف أبو الحسين يحيى بن الحسن بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبيد الله بن الحسين الأصغر ؛

وأبو طاهر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛

والنّاصر الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ أنّ كلّهم ذكروا : أنّ العبّاس بن عليّ ولد عُبَيْد الله بن العَبّاس ، من لُبابة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب.

أبو نصر ، سرّ السّلسلة ، / ٨٨ ـ ٩٥.

(١) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب (ص ٢٥٦).

٢٥٦

وأسماء(١) والظاهر أنّه خطأٌ مطبعيٌّ ، والصواب : لُبابَة ، فقد انفردت تلك النسخة بذلك ، وإنّما المذكور في المصادر (لُبابة) لا غير.

وجاء في مخطوطة كتاب النسب ليحيى بن الحسين باسم (أُمامة) وهي نسخةٌ فريدةٌ قال : والعقب من ولد العَبّاس من عُبَيْد الله ، وأُمّه أُمامة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٢) .

إلاّ أنّ ذلك غير موثوق ، لعدم التأكّد من صحّة هذه النسخة ، لكونها وحيدةً ، ولم تحتوِ على شيءٍ من أدوات التوثيق العلميّ المتداولة.

والمظنون تصحيف كلمة أُمامة من كلمة (لُبابة) للتشابُه الكبير بينهما في الرسم والوزن ، المؤدّي إلى مثل ذلك.

وقد وقع مثل ذلك التصحيف في ما ذكره الزَبِيدي قال : وأُمامة بنت الحارث الهلاليّة ، إنّما هي (لُبابة) صحّفها بعضهم(٣) .

ووقع عكس هذا التصحيف في اسم ابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ذكرها الشيخ المفيد باسم (لُبابة)(٤) لكنّها مسمّاةٌ بأُمامة في كتاب نصر بن علي الجهضمي(٥) . والظاهر صحّة ما في الإرشاد للمفيد ، لأنّ النُسخة المُعتَمَدة منهُ موثوقةٌ جيّدةٌ.

__________________

(١) الدرجات الرفيعة للمدني (ص ١٤١) ذكر ذلك في أولاد عُبَيْد الله بن العَبّاس.

(٢) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام.

(٣) تاج العروس (٨ / ١٩٢).

(٤) الإرشاد (٢ / ٢٤٤).

(٥) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٢٠).

٢٥٧

الأمر الثاني : إنّها بنت عُبَيْد الله ، لا عَبْد الله :

وقد أثبت ذلك ـ مع مَنْ ذُكِرَ سابقاً ـ ابنُ قتيبة ، قال : العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب ، قُتِلَ مَعَ الحُسين عليه السلام وَلَدَ العَبّاسُ عُبَيْد الله ، أُمّه لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، وحسَنَاً : لأُمّ ولدٍ ، وله عقبٌ(١) .

وقد أصرّ السيّد الأعرجيّ على كون زوجة أبي الفَضْلِ هي (لُبابة بنت عَبْد الله) فقال : لُبابة بنت عَبْد الله ، خرجت إلى العَبّاس ابن أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام(٢) .

وقال الناسبُ البيهقيّ : عُبَيْد الله بن العَبّاس السقّاء ، أُمّه لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العَبّاس بن عَبد المطّلب(٣) .

وكذا جاء في مطبوعة (سرّ السلسلة) قال : كان لزيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابنةٌ يُقال لها : «نفيسةٌ» أُمّها : لُبابَة بنت عَبْد الله بن عبّاس بن عَبْد المطّلب ، وكانتْ تحت العَبّاس بن عليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قُتِلَ عنها يوم الطَفّ مع الحسين عليه السلام تزوّجها(٤) زيدُ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وأخو نفيسة هذه لأُمّها : عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ عليه السلام ونفيسةٌ تزوّجها الوليدُ بن عَبْد الملك بن مروان ، ووُلِدَ له منها أولاد(٥) .

__________________

(١) المعارف ط مصر (٢١٧).

(٢) مناهل الضرب (ص ١ ـ ٦٢) ولعلّ هذا من الأخطاء الكثيرة في هذا الكتاب.

(٣) لباب الأنساب (١ / ٣٥٧).

(٤) في المطبوعة : فزوّجها.

(٥) سرّ السلسلة (ص ٢٩).

٢٥٨

أقولُ : والتحقيق في هذا الأمر ، يبتني على معرفة أُمور :

أوّلاً : إنّ كلا الرَجُلين : عَبْد الله ، وعُبَيْد الله ، ابني العبّاس بن عَبْد المطّلب ، قد سمّيا بنتيهما باسم أُمّهما (لُبابة بنت الحارث) فهما اثنتان : لُبابَة بنت عَبْد الله ، ولُبابة بنت عُبَيْد الله.

ثانياً : خرجتْ لُبابَة بنت عَبْد الله الحَبْر ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى : عليّ بن عَبْد الله بن جعفر(١) .

ثمّ إسماعيل بن طلحة(٢) .

قال في المحبّر : وتزوّجتْ لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب : عليَّ بن عَبْد الله بن جعفر ، ثمّ خلف عليّاً : إسماعيلُ بنُ طلحة بن عُبَيْد الله ، ثمّ محمّدُ بنُ عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٣) ؛ وهو ابنُ عمّها.

وقال الزُبيريّ : كانتْ عند عليّ بن عَبْد الله بن جعفر : فولدتْ له محمّداً.

ثمّ خلف عليها إسماعيلُ بن طلحة بن عُبَيْد الله ؛ فولدتْ له يعقوب.

ثمّ فارقها فتزوّجها محمّدُ بن عُبَيْد الله(٤) بن العَبّاس(٥) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣٣) والمحبّر (ص ٤٤١) ومستدرك الحاكم (٣ / ٥٤٥) وشرح الأخبار (٣ / ٣٠٣) وشرح النهج الحديدي (١٥ / ٢٧٧) وبحار الأنوار (٤٧ / ١٧٦)

(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٢٣٢).

(٣) المحبّر (ص ٤٤٠).

(٤) في المطبوعة (عَبْد الله) وهو خطأ.

(٥) نسب قريش (ص ٢٩).

٢٥٩

وذكر يحيى بن الحسن في كتاب (تسمية المُعْقِبِيْنَ) : لُبابَة بنت عَبْد الله ابن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، وقال : والعقب من ولد عليّ بن عَبْد الله بن جعفر ابن أبي طالب : من (محمّد بن عليّ) و(إسحاق بن عليّ) وأُمّهما (لُبابة بنت عَبْد الله بن العَبّاس)(١) .

لكنّ ابن عَبْد ربّه قال : إنّها من العقائل اللّاتي كُنّ عند الوليد بن عَبْد الملك الأمويّ(٢) .

وقد ردّ السيّدُ الخِرْسان هذا ، واعتبر القول «كذبةً شنعاء»(٣) بل الّتي كانت عند الوليد الأموي هي «نفيسةٌ» بنتها ، كما مرّ عن البخاري في (سرّ السلسلة)؟ أو أنّه خلط بين الوليد بن عتبة ، وبين الوليد بن عَبْد الملك ، فلاحظ.

مع أنّ زوجة الوليد بن عتبة هي لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، لا بنت عَبْد الله(٤) .

ثالثاً : خرجت لُبابَة بنت عُبَيْد الله الجواد ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قال البخاري : كانت تحت العَبّاس بن عليّ ، قُتِلَ عنها يومَ الطَفّ ،

__________________

(١) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام (ص ١٠٦).

(٢) العقد الفريد (٢ / ١١٢).

(٣) موسوعة ابن عبّاس (٥ / ٥ ـ ٤٠٦).

(٤) ويلاحظ أنّ التي كانت عند عَبْد الملك بن مروان (لُبابة بنت عَبْد الله بن جعفر بن أبي طالب) وقد تزوّجها بعده ابن عمها علي بن عَبْد الله بن عباس ، فضربه الوليد بالسياط لذلك ، كما في الجوهرة للبري الأندلسي ص ٣٧٢ تحقيق التونجي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571