مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام13%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77952 / تحميل: 4612
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين وقال أكره أن أبدأهم بقتال.

لما نظر الحسينعليه‌السلام إلى جمعهم كأنّه السيل رفع يديه بالدعاء وقال : اللهم أنت ثقتى فى كلّ كرب ورجائى فى كلّ شدّة ، وأنت لى فى كلّ أمر نزل بى ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّى إليك ، عمّن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولى كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة.

ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم : أيّها الناس اسمعوا قولى ولا تجعلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم علىّ وحتّى اعتذر إليكم من مقدمى عليكم فان قبلتم عذرى وصدقتم قولى وأعطيتمونى النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علىّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منى العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .

فلمّا سمعن النساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس وابنه على الأكبر ، وقال لهما اسكتاهنّ فلعمرى ليكثر بكاؤهنّ ، ولما سكتن حمد الله واثنى عليه وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء وقال فى ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه فى منطقه ، ثمّ قال :

الحمد لله الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقىّ من فتنته فلا تغرّنكم هذه الدنيا فانّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلّ بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انّكم زحفتم الى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان ،

٤١

فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين ، أيّها الناس انسبونى من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلى وانتهاك حرمتى ، ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه ، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى ، أو ليس جعفر الطيّار عمّى ، أو لم يبلغكم قول رسول الله لى ولاخى: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ، فان صدقتمونى بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه وان كذّبتمونى فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم.

سلوا جابر بن عبد الله الانصارى ، وأبا سعيد الخدرى ، وسهل بن سعد الساعدى وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لى ولأخى ، أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى ، فقال الشمر ، هو يعبد الله على حرف إن كان يدرى ما تقول ، فقال له حبيب بن مظاهر : والله إنّى أراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدرى ما يقول قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال الحسينعليه‌السلام : فان كنتم فى شك من هذا القول أفتشكّون إنّى ابن بنت نبيّكم ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبىّ غيرى فيكم ولا فى غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ، فأخذوا لا يكلّمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعى ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلىّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضر الجنات ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟

فقالوا : لم نفعل. قال : سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس إذا

٤٢

كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم الى مأمنى من الارض ، فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بنى عمّك؟ فانّهم لن يروك الّا ما تحبّ ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال الحسينعليه‌السلام : أنت أخو أخيك أتريد أن يطلب بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدى اعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد عباد الله( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) ، أعوذ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) ثمّ أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها.

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام ركب فرسه وأخذ مصحفا ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم وقال : يا قوم إنّ بينى وبينكم كتاب الله وسنّة جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة ما عليه من سيف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق ، فسألهم عما أقدمهم على قتله قالوا : طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

فقالعليه‌السلام : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا فى أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأى لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثمّ نفضتموها ، فسحقا لكم يا عبيد الأئمّة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم وعصبة الاثم ونفثة الشيطان ومطفى السنن.

ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب ، ألا وإنّ الدعىّ بن الدعىّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف

٤٣

حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّى زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر ، ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادى :

فان نهزم فهزامون قدما

وإن نغلب فغير مغلّبينا

وما أن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس

بكلكله أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس حتّى تدوركم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلىّ أبى عن جدّى رسول الله( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

ثمّ رفع يديه نحو السماء وقال : اللهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنى يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، فانّهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكّلنا وإليك المصير ، والله لا يدع أحدا منهم الّا انتقم لى منه قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، وإنّه لينتصر لى ولأهل بيتى وأشياعى.

استدعى عمر ابن سعد فدعى له وكان كارها لا يحبّ أن يأتيه فقال : أى عمر أتزعم أنّك تقتلنى ويولّيك الدعى بلاد الرى وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع فانّك لا تفرح بعدى بدنيا ولا آخرة ، وكأنّى برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتّخذونه غرضا بينهم فصرف بوجهه عنه مغضبا(١)

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٥٦.

٤٤

٢٤ ـ الحافظ أبو نعيم : حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علىّ بن عبد العزيز ، ثنا الزبير بن بكّار ، حدثني محمّد بن الحسين ، قال : لما نزل القوم بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه ، قام فى أصحابه خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل من الأمر ما ترون ، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها ، وانشمرت ، حتّى لم يبق منها إلّا كصبابة الإناء ، إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله وإنّى لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلّا جرما(١) .

٢٥ ـ الهيتمى باسناده : عن محمّد بن الحسن ، قال لما نزل عمر بن سعد بالحسين ، وأيقن أنهم قاتلوه قام فى أصحابه خطيبا فحمد اللهعزوجل وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر ، وأنّ الدنيا تغيرت وتنكّرت وأدبر معروفها وانشمر حتّى لم يبق منها إلّا صبابة الإناء إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء الله ، فانّى لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما(٢) .

٤٣ ـ باب شهادة الحرّ بن يزيد

١ ـ قال الصدوق : فضرب الحرّ بن يزيد فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد لعنه الله إلى عسكر الحسينعليه‌السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهمّ إليك أنبت فتب علىّ فقد ارعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك ، يا ابن رسول الله هل لى من توبة

__________________

(١) حلية الاولياء : ٢ / ٣٩

(٢) مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٢.

٤٥

قال نعم تاب الله عليك ، قال يا ابن رسول الله أتأذن لى فأقاتل عنك ، فأذن له فبرز وهو يقول :

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثمّ قتل فاتاه الحسينعليه‌السلام ودمه يشخب ، فقال بخّ بخّ يا حرّ أنت حرّ كما سميت فى الدنيا والآخرة ، ثمّ أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحرّ حرّ بنى رياح

ونعم الحرّ عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ اذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح(١)

٢ ـ قال المفيد : فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسينعليه‌السلام ، قال لعمر بن سعد : أى عمر أمقاتل أنت هذا الرجل قال : أى والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر : اما لو كان الأمر الىّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس فقال له يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم ، قال لا قال : فما تريد أن تسقيه قال قرّة وظننت والله انّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال :

فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وأنا منطلق لأسقيه ، فاعتزل ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أنّه اطّلعنى على الّذي بريد لخرجت معه الى الحسينعليه‌السلام ، فاخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجرين أوس ما تريد يا ابن يزيد تريد أن تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الا فكل وهى الرّعدة فقال له المهاجر انّ أمرك لمريب والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل هذا ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك.

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٧.

٤٦

فقال له الحرّ : انّى والله اخيّر نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا اختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسينعليه‌السلام ، فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك فى الطريق وجعجعت بك فى هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت ، فانّى تائب إلى الله ممّا صنعت فترى لى من ذلك توبة.

فقال له الحسينعليه‌السلام نعم يتوب الله عليك فانزل ، قال فأنا لك فارسا خير منّى راجلا اقاتلهم لك على فرسى ساعة وإلى النزول آخر ما يصير أمرى ، فقال له الحسينعليه‌السلام فاصنع يرحمك الله ، ما بدا لك ، فاستقدم أمام الحسينعليه‌السلام ، فقال يا أهل الكوفة لامّكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتّى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه واحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه فى بلاد الله العريضة.

فصار كالأسير فى أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا تدفع عنها ضرّا وجلأتموه ونسائه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجارى يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد ، وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش بئس ما خلّفتم محمّدا فى ذرّيته لا سقاكم الله يوم الظّماء ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فاقبل حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام (١) .

٣ ـ قال ابن شهرآشوب : فحرّك الحرّ دابّته حتّى استامن الى الحسين وقال له : بأبى وأمّى ما ظننت أنّ الامر ينتهى بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فامّا الآن جئتك

__________________

(١) الارشاد : ٢١٨.

٤٧

تائبا ومواسيا لك حتّى أموت بين يديك ، أترى إلى ذلك توبة قال : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. ثمّ برز وهو يرتجز :

إنّى أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب فى أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

فقتل نيفا وأربعين رجلا(١) .

٤ ـ قال ابن طاوس : فمضى الحرّ ووقف موقفا من أصحابه وأخذه مثل الافكل ، فقال له المهاجر بن أوس : والله إنّ أمرك لمريب ، ولو قيل لى من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك ، فقال والله إنّى أخير نفسى بين الجنّة والنار ، فو الله لا أختار على الجنّة شيئا ، ولو قطعت واحرقت ، ثمّ ضرب فرسه قاصدا الى الحسينعليه‌السلام ويده على رأسه هو يقول : اللهم إليك أنبت ، فتب علىّ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك.

قال للحسينعليه‌السلام جعلت فداك أنا صاحبك الّذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك وما ظننت أنّ القوم يبلغون منك ما أرى وأنا تائب الى الله تعالى ، فهل ترى لى من توبة ، فقال الحسينعليه‌السلام : نعم يتوب الله عليك فنزل فقال أنا لك فارسا خير منّى لك راجلا وإلى النزول يصير آخر أمرى.

ثمّ قال فاذا كنت أوّل من خرج عليك ، فأذن لى أن أكون أوّل قتيل بين يديك لعلّى أكون ممّن يصافح جدّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله غدا فى القيامة وإنّما أراد أوّل قتيل من الآن ، لأنّ جماعة قتلوا قبله ، كما ورد ، فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثمّ استشهد فحمل الى الحسينعليه‌السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه يقول أنت الحرّ كما سمتك أمك حرّا فى الدنيا والآخرة(٢)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) اللهوف : ٤٤.

٤٨

٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : عن أبى جناب الكلبى ، عن عدى بن حرملة ، قال : ثمّ انّ الحرّ بن يزيد لما زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فى واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضا؟ قال عمر بن سعد ، أما والله لو كان الأمر إلىّ لفعلت ، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك ، قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس.

فقال : يا قرّة ، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال : إنّما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم اسقه ، وأنا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي ، كان فيه ، قال : فو الله لو أنّه اطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ، قال : فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا.

فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لى : من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك! قال : إنّى والله أخير نفسى بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسينعليه‌السلام .

فقال له : جعلنى الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسائرك فى الطريق ، وجعجعت بك فى هذا المكان ، والله الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت فى نفسى : لا أبالى أن أطيع القوم فى بعض أمرهم ، ولا يرون أنى خرجت من طاعتهم ، وأما هم فيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم.

٤٩

والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّى قد جئتك تائبا ممّا كان منى إلى ربّى ، ومواسيا لك بنفسى حتّى أموت بين يديك ، أفترى ذلك لى توبة؟ قال : نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، ما اسمك؟ قال : أنا الحرّ بن يزيد ، قال : أنت الحرّ كما سمّتك أمك ، أنت الحرّ ان شاء الله فى الدنيا والآخرة ، انزل ، قال : أنا لك فارسا خير منّى راجلا ، أقاتلهم على فرسى ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمرى قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :

أيّها القوم ، ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال الّتي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد فكلّمه ، فكلّمه بمثل ما كلمه به قبل ، وبمثل ما كلّم به أصحابه ، قال عمر : قد حرصت ، لو وجدت الى ذلك سبيلا فعلت ، فقال : يا أهل الكوفة ، لامّكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه.

ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، فمنعتموه التوجّه فى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، وأصبح فى أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجارى الذي يشربه اليهودىّ والمجوسىّ والنصرانيّ ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا فى ذرّيته! لا سقاكم الله يوم الظماء إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا فى ساعتكم هذه ، فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين(١) .

٦ ـ قال الدينورى : وانحاز الحرّ بن يزيد الّذي كان جعجع بالحسين إلى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢٧.

٥٠

الحسين ، فقال له : قد كان منّى الّذي كان ، وقد أتيتك مواسيا لك بنفسى ، أفترى ذلك لى توبة ممّا كان منّى؟ قال الحسين : نعم ، إنّها لك توبة ، فابشر ، فأنت الحرّ فى الدنيا ، وأنت الحرّ فى الآخرة ، إن شاء الله(١) .

٤٤ ـ باب شهادة أصحاب الحسينعليه‌السلام

١ ـ قال الشيخ أبو عبد الله المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فانّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد صدقت ، الرأى ما رأيت ، فأرسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم.

ثمّ حمل عمرو بن الحجاج وأصحابه على الحسينعليه‌السلام ، من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ، فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا» ودنى منه حبيب بن مظاهر ، فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ، ابشر بالجنّة فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير ، فقال له حبيب لو لا أنّى أعلم أنّى فى أثرك من ساعتى هذه لا حببت ان توصينى بكلّ ما اهمّك.

ثمّ تراجع القوم إلى الحسينعليه‌السلام فحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٦.

٥١

على أهل الميسرة فثبتوا له وطاعنوه وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسينعليه‌السلام قتالا شديدا ، فاخذت خيلهم تحمل ، وإنمّا هى اثنان وثلثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته ، فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل أهل الكوفة ، بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما يلقى خيلى هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، ابعث إليهم الرجال والرماة فبعث إليهم بالرماة فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه ونزل عنه فجعل يقول :

ان تعقرونى فانا ابن الحرّ

اشجع من ذى لبد هزبر

ضربهم بسيفه فتكاثروا عليه فاشترك فى قتله أيّوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة وقاتل أصحاب الحسينعليه‌السلام القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسينعليه‌السلام ، تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة نابل ان يرشقوا أصحاب الحسينعليه‌السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم ، واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال من أصحاب الحسينعليه‌السلام فكشفوهم عن البيوت وعطف عليهم شمر بن ذى الجوشن فقتل من القوم وردّ الباقين إلى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسينعليه‌السلام لقلّة عددهم ، ولا تبيّن فى أصحاب عمر بن سعد ، لكثرتهم واشتدّ القتال والتحم وكثر القتل والجراح فى أصحاب أبى عبد الله الحسينعليه‌السلام ، الى أن زالت الشمس فصلّى الحسينعليه‌السلام بأصحابه صلاة الخوف(١) .

٢ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين

__________________

(١) الارشاد ٢٢١.

٥٢

من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـرحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا ، فسعى إليه الحسينعليه‌السلام ، فاذا به رمق فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم( مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) . وحمل شمر بن ذى الجوشن فى الميسرة على أهل الميسرة وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب.

قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هى اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلّا كشفته فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ، وهو على خيل الكوفة بعث الى عمر بن سعد أما ترى ما تلقى خيلى منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، فابعث عليهم الرجال من الرماة ، فبعث عليهم بالرماة ، فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه فنزل عنه وهو يقول :

ان تعقرونى فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذى لبد هزير

فجعل يضربهم بسيفه وتكاثروا عليه حتّى قتلوه ، وقاتل الأصحاب القوم أشدّ قتال حتّى انتصف النّهار ، فلمّا رأى الحصين بن نمير وكان على الرماة صبر أصحاب الحسينعليه‌السلام تقدّم إلى أصحابه وكانوا خمسمائة فأمر أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرّجال حتّى أرحلوهم واشتدّ القتال بينهم ساعة وجاءهم شمر بن ذى الجوشن فى أصحابه.

فحمل عليهم زهير بن القين فى عشرة رجال وكشفوهم عن البيوت وعطف عليه شمر فقتل من القوم وردّ الباقين الى مواضعهم ، وكان القتل بيّن فى أصحاب الحسينعليه‌السلام ، لقلّة عددهم ولا يبين فى أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم ، واشتدّ القتال وكثر القتل فى أصحاب أبى عبد اللهعليه‌السلام الى أن زالت الشمس فصلّى الحسين

٥٣

بأصحابه صلاة الخوف(١) .

٣ ـ قال عبد الرزّاق المقرّم : تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى يسهم وقال : اشهدوا لى عند الأمير أنّى أوّل من رمى ثمّ رمى الناس ، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد الا أصابه ، من سهامهم ، فقالعليه‌السلام لأصحابه : قوموا رحمكم الله إلى الموت الّذي لا بدّ منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعا(٢) .

٤ ـ عنه خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فطلبا البراز فوثب حبيب وبرير ، فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد الله بن عمير الكلبى من «بنى عليم» وكنيته أبو وهب وكان طويلا شديد الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين شريفا فى قومه شجاعا مجرّبا فأذن له وقال : أحسبه للاقران ، قتالا فقالا له من أنت؟ فانتسب لهما فقالا : لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير وكان يسار قريبا منه.

فقال له : يا ابن الزانية أو بك رغبة عن مبارزتى ، ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه ، وبينا هو مشتغل به اذ شدّ عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه ومال عليه عبد الله فقتله وأقبل الى الحسين يرتجز وقد قتلهما.

أخذت زوجته أمّ وهب بنت عبد الله من النمر بن قاسط عمودا وأقبلت نحوه تقول له : فداك أبى وامى قاتل دون الطيبين ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول : لن أدعك دون أن أموت معك ، فناداها الحسين جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا ارجعى الى

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٤١.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٧.

٥٤

الخيمة فانه ليس على النساء قتال فرجعت(١) .

٥ ـ عنه لما نظر من بقى من أصحاب الحسين الى كثرة من قتل منهم ، أخذت الرجلان والثلاثة والاربعة يستأذنون الحسين فى الذب عنه والدفع عن حرمه ، وكل يحمى الآخر من كيد عدوه ، فخرج الجابريان وهما : سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم وأخوان لأمّ وهما يبكيان قال ما يبكيكما انى لارجو أن تكونا بعد ساعة قريرى العين قالا : جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكى ولكن نبكى عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك فجزاهما الحسين خيرا.

فقاتلا قريبا منه حتى قتلا وجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا : قد حازنا الناس إليك ، فجعلا يقاتلان بين يديه حتى قتلا ، وخرج عمرو بن خالد الصيداوى وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلمانى ومجمع بن عبد الله العائذى وشدوا جميعا على أهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم فندب إليهم الحسين أخاه العباس فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم ، وفى أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوا فى مكان واحد(٢) .

٦ ـ عنه لما نظر الحسين كثرة من قتل من أصحابه قبض على شيبته المقدسة وقال : اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمى ، ثم صاح أما من مغيث يغيثنا أما

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٦٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٦٩.

٥٥

من ذابّ يذب عن حرم رسول الله فبكت النساء وكثر صراخهنّ. وسمع الانصاريان سعد بن الحارث وأخوه ابو الحتوف استنصار الحسين ، واستغاثته وبكاء عياله وكانا مع ابن سعد فما لا بسيفهما على أعداء الحسين وقاتلا حتى قتلا(١) .

٧ ـ عنه ، أخذ أصحاب الحسين بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل ، فأكثروا القتل فى أهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه : أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم الا قتلوه على قلتهم ، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت أرسل فى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحدانا لآتوا عليكم.

ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين ، فثبتوا له وجثوا على الركب ، وأشرعوا الرماح ، فلم تقدم الخيل ، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل ، فصرعوا رجالا وجرحوا آخرين ، وكان عمرو بن الحجاج يقول لاصحابه : قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة ، فصاح الحسين : ويحك يا حجاج أعليّ تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون اذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار(٢)

٨ ـ عنه ، التفت أبو ثمامة الصائدى الى الشمس قد زالت فقال للحسين : نفسى لك الفداء انى أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة الّتي دنا وقتها ، فرفع الحسين رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين ، الذاكرين نعم هذا أوّل وقتها

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٠.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧١.

٥٦

سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّى فقال الحصين : إنّها لا تقبل(١) .

٩ ـ عنه قال حبيب بن مظاهر : زعمت أنّها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه ، وقاتلهم حبيب قتالا شديدا فقتل على كبره اثنتين وستين رجلا ، وحمل عليه بديل بن صريم ، فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه إلى الأرض فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسيف ، على رأسه فسقط لوجهه ونزل إليه التميمى واحتزّ رأسه فهد مقتله الحسين ، فقال عند الله أحتسب نفسى وحماة أصحابى واسترجع كثيرا(٢) .

١٠ ـ قام الحسين الى الصلاة ، فقيل إنّه صلّى بمن بقى من أصحابه صلاة الخوف ، وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفى ، فى نصف من أصحابه ويقال إنّه صلّى وأصحابه فرادى بالايماء(٣) .

١ ـ شهادة نافع بن هلال

١١ ـ قال المفيد : وبرز نافع بن هلال وهو يقول :

أنا ابن هلال البجلى

أنا على دين على

فبرز إليه مزاحم بن حريث ، فقال له أنا على دين عثمان ، فقال له نافع أنت على دين الشيطان وحمل عليه فقتله(٤) .

١٢ ـ قال ابن شهرآشوب : ثمّ برز نافع بن هلال البجلى ، قائلا.

__________________

(١) مقتل الحسين : ٢٧٦.

(٢) مقتل الحسين : ٢٧٧.

(٣) مقتل الحسين : ٢٧٩.

(٤) الارشاد : ٢٢١.

٥٧

أنا الغلام اليمنيّ البجلى

دينى على دين حسين بن على

أضربكم ضرب غلام بطل

ويختم الله بخير عملى

فقتل اثنى عشر رجلا وروى سبعين رجلا(١) .

١٣ ـ قال المقرم : ورمى نافع بن هلال الجملى المذحجى ، بنبال مسوّمة ، كتب اسمه عليه وهو يقول :

أرمى بها معلمة أفواقها

مسمومة تجرى بها أخفاتها

ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثنى عشر رجلا سوى من جرح ، ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه ، فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت ، فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟

فقال : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسى على الجهد ولو بقيت لى عضد ما أسرتمونى وجرّد الشمر سيفه فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ثمّ قدمه الشمر وضرب عنقه(٢) .

١٤ ـ قال الطبرى : قال هشام بن محمّد ، عن أبى مخنف ، قال حدّثنى يحيى بن هانئ بن عروة ، أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». قال : فخرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث ، فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان ، ثمّ حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو ابن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١١٩.

(٢) مقتل الحسين : ٢٨٣.

٥٨

الحجّاج بالناس : يا حمقى ، أتدرون من تقاتلون! فرسان المصر ، قوما مستميتين لا يبرزنّ لهم منكم أحد ، فانّهم قليل ، وقلّما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم : فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأى ما رأيت ، وأرسل إلى الناس يعزم عليهم ألّا يبارز رجل منكم رجلا منهم(١) .

١٥ ـ عنه عن أبى مخنف : كان نافع بن هلال الجملى قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمى بها مسوّمة وهو يقول : «أنا الجملى ، أنا على دين على». فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح ، قال : فضرب حتّى كسرت عضداه وأخذ أسيرا ، قال : فأخذه شمر بن ذى الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا ، حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّى يعلم ما أردت.

قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : والله لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسى على الجهد ، ولو بقيت لى عضد وساعد ما أسرتمونى ، فقال له شمر : اقتله أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله ، قال : فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله أن لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدى شرار خلقه ، فقتله.

قال : ثمّ أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن شمر

يضربهم بسيفه ولا يفرّ

وهو لكم صاب وسمّ ومقر(٢)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٤١.

٥٩

٢ ـ شهادة مسلم بن عوسجة

١٦ ـ قال المفيد : فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون ، تقاتلون فرسان أهل المصر وتقاتلون قوما مستميتين لم يبرز إليهم منكم أحد فإنّهم قليل وقلّ ما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال له عمر بن سعد ، صدقت ، الراى ما رأيت ، فارسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج وأصحابه على الحسينعليه‌السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة.

فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه ، وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة ، فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسينعليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال رحمك الله يا مسلم «منهم( مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ودنى منه حبيب بن مظاهر فقال عزّ علىّ مصرعك يا مسلم ابشر بالجنّة ، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب لو لا انّى فى أثر من ساعتى هذه لأحببت ان توصينى بكلّ ما أهمّك ثمّ تراجع القوم الى الحسينعليه‌السلام .(١) .

١٧ ـ قال الطبرسى : ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ـرحمه‌الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فسعى إليه الحسينعليه‌السلام فاذا به رمق ، فقال له : رحمك الله يا مسلم «منهم من قضى

__________________

(١) الارشاد : ٢٢١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالثوبين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به » وقد سُئل عن الثوب بالثوبين(١) .

وكذا يجوز بيع الغزل بالثياب المبسوطة وإن كان أحدهما أكثر وزناً ؛ لخروج الثوب بالصنعة عن الوزن.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة والغزل أكثر وزناً من الثياب ، قال : « لا بأس »(٢) .

ج - لو كان الشي‌ء في أصله غير موزون ولا مكيل ثمّ صار باعتبار صفةٍ إلى الكيل أو الوزن ، جرى فيه الربا حالة اتّصافه بتلك الصفة لا قبلها ، وذلك كالبطّيخ ، والرمّان إذا كان رطباً ولم يدخله الكيل والوزن حينئذٍ ، فإنّه لا يجري فيه الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً. أمّا إذا جُفّف وصار موزوناً حالة جفافه ، فإنّه يثبت فيه الربا في هذه الحال ، فلا يجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً ، بل متساوياً.

وللشافعي حال رطوبته قولان :

الجديد : ثبوت الربا فيه ، فلا يجوز بيع بعضه ببعض رطبين إذا كان له حالة جفاف متساوياً ومتفاضلاً ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب وإن تساويا. ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي.

والقديم : عدم الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً وإن جفّ ؛ لأنّه ليس مال ربا.

وإن كان ممّا لا يجفّ ، كالقثّاء ، ففي جواز بيع بعضه ببعضٍ في حال الرطوبة قولان : المنع مطلقاً ، كبيع الرطب بالرطب. والجواز مع التساوي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٢٠ / ٥٢٤ ، وفي الأخيرين : « المنسوجة » بدل « المبسوطة ».

٢٠١

وزناً ؛ لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة ، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ والقثّاء ، بِيع وزناً. وإن أمكن ، كالتفّاح والتين ، ففي بيعه وزناً وجهان للشافعيّة ، أصحّهما : الوزن ؛ لأنّه أحصر. وعلى الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه(١) .

د - كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافاً كذا لا يجوز بيعه مكيلاً ، إلّا إذا عُلم عدم التفاوت فيه. وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافاً ولا موزوناً ، إلّا مع علم عدم التفاوت.

ه- لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدّرة بالكيل ، والدقيق المقدّر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن(٢) ؛ للاختلاف قدراً. وتسويغه بالوزن.

و - يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة. وكذا الخلّ بمثله ؛ لعدم الأصالة.

[ الأمر الثاني ](٣) : في الأحكام.

مسألة ٩٨ : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويّات متفاضلاً مع اتّحاد الجنس ، وجب توسّط عقد بينهما‌ ، فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس ، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزناً ، بِيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس ؛ لانتفاء الربا هنا ؛ لعدم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) في « ق ، ك» : بالوزن.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : المطلب الثالث. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّفقدس‌سره .

٢٠٢

شرطه ، وهو اتّحاد الجنس.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَّر أخا عَدِيٍّ على خيبر ، فأتى بتمر جيّد ، فقال : « أوَ تمر خيبر كلّه هكذا؟ » فقال : لا ، ولكنّا نبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : « لا تفعلوا ولكن بِيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر »(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلّا إن كان صرفته نوعاً إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر »(٢) .

فروع :

أ - لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا‌ - وبه قال الشافعي(٣) - للأصل.

وقال مالك : يجوز مرّة واحدة ، ولا يجوز أن يجعله عادة(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ المقتضي إن كان كونه رباً ، لم يجز ولا مرّة. وإن كان غيره ، فلا بدّ من بيانه.

ب - يجوز توسّط غير البيع ، وذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقصَ ثمّ يتباريان ، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه ، أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢ و ٢٢٩ ، و ٥ : ١٧٨ ، و ٩ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٥ / ١٥٩٣ ، سنن النسائي ٧ : ١٧١ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٧ / ٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٥ و ٢٩١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٣ / ٢٠ و ٢١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، المغني ٤ : ١٩٣.

٢٠٣

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة ويهب صاحب المكسّرة الزيادة منه ، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر أو لا ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه(١) .

لنا : عموم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) .

ج - لو باع النصف الشائع من دينارٍ قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانةً في يده. أمّا لو كان له عشرة على غيره فأعطاه عشرةً عدداً فوُزنت فكانت أحد عشر ، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه على الإشاعة ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر ، فيكون جميع الدينار له ، وعليه خمسة.

ولو باعه بعشرة وليس مع المشتري إلّا خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أُخرى وردّها إليه عن باقي الثمن ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) . أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه ، جاز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٩٩ : القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر وإفراز الحقوق بعضها من بعض‌ ، وليست بيعاً - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ لها اسماً

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

٢٠٤

يخصّها ، وتدخل فيها القرعة ، ولا تفتقر إلى لفظ بيعٍ أو تمليكٍ ، ولا يجوز إلّا بقدر الحقّين ، ولا يثبت بها الشفعة.

والقول الأصحّ : أنّها بيع ؛ لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما ، فإذا تعيّن لأحدهما شي‌ء بالقسمة ، فقد اشترى نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه ، فكان ذلك بيعاً(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا ، جازت القسمة كيلاً ووزناً ، وقسمة المكيل بالوزن وبالعكس ، وما لا يباع بعضه ببعضٍ عنده(٢) ، كالرطب بمثله والعنب بمثله ، متساوياً ومتفاضلاً ، نقداً ونسيئةً وإن كان يمنع ذلك في البيع.

وكذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب والآخر التمر أو الزبيب.

ويجوز قسمة الثمرة على رؤوس النخل.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ القسمة بيعٌ أم لا ، فإن كانت بيعاً ، لم تجز ، كما لا يجوز بيع الثمرة على أصلها بمثلها.

ونحن نمنع ذلك ؛ لجواز بيع الثمرة على رؤوس النخل بمثلها. نعم ، الممنوع بيعها بخرصها تمراً.

وإن لم تكن عنده بيعاً وإنّما هي إفراز حقٍّ ، فقولان ، أحدهما : المنع مطلقاً. والثاني : الجواز في الرطب والعنب خاصّةً دون باقي الثمار ؛ لأنّ للخرص مدخلاً فيهما ، ولهذا جاز خرصهما على الفقراء ، فجازت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

٢٠٥

قسمتهما بين الشركاء ، بخلاف باقي الثمار(١) .

والحقّ عندنا الجواز مطلقاً.

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ الجيّد والردي‌ء في الجنس الواحد واحدٌ لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجل استبدل قَوْصَرتين(٢) فيهما بسرٌ مطبوخ بقَوْصَرة فيها مشقّق ، فقال : « هذا مكروه ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن [ عليّ ](٣) عليه‌السلام يكره الحلال »(٤) .

مسألة ١٠١ : يجوز بيع العصير بالبُخْتُج(٥) مِثْلاً بمِثْل نقداً ؛ لأنّ خالد بن أبي الربيع(٦) سأل الصادقَعليه‌السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مِثْلاً بمِثْل؟ قال : « لا بأس » قلت : فالبُخْتُج والعصير(٧) مِثْلاً بِمثْل؟ قال : « لا بأس »(٨) .

واعلم أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

والمراد به البسرُ المطبوخ بالنار ؛ لذهاب رطوبته ، ومساواته للتمر في عدم‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) القَوْصَرَّة - بالتشديد - : هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. وقد يخفّف. الصحاح ٢ : ٧٩٣ « قصر ».

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ - ٩٧ / ٤١٢.

(٥) البُخْتُج : العصير المطبوخ. وأصله بالفارسيّة : ميبخته ، أي : عصير مطبوخ. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٠١ «بختج ».

(٦) كذا ، وفي المصدر : عن خالد عن أبي الربيع.

(٧) في التهذيب : « العنب » بدل « العصير ».

(٨) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ٩٧ - ٩٨ / ٤١٨.

٢٠٦

النقصان عند الجفاف ، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز بيع البُرّ بالسويق متساوياً نقداً‌ ، ولا يجوز متفاضلاً ولا نسيئةً ؛ لاتّحاد الأصل فيهما ، ولا اعتبار بزيادة الرَّيع(١) في أحدهما ؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : ما تقول في البُرّ بالسويق؟ فقال : « مِثْلاً بمِثْل لا بأس به » قال : قلت له : إنّه يكون له رَيْعٌ أو يكون له فضل ، فقال : « ليس له مؤونة؟ » قلت : بلى ، قال : « فهذا بذا » وقال : « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يداً بيد »(٢) .

مسألة ١٠٣ : لو دفع إلى الطحّان طعاماً وقاطعه على أن يُعطيه به طحيناً أنقص‌ ، أو دفع إلى العصّار سمسماً وقاطعه على شيرج أنقص ، لم يجز.

وكذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل : فلربا الفضل ، وأمّا الثاني : فلربا النسيئة.

وسأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يُعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقاً ، فقال : « لا » قال : فقلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن له لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة ، قال : « لا »(٣) .

مسألة ١٠٤ : يكره أن يدفع الإنسان إلى غيره البقر والغنم‌ على أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها شيئاً معلوماً. وإن فعل ذلك ، كان ضريبةً غير لازمة.

وكذا يكره أن يدفع الغنم والإبل إلى غيره على أن يبدل له - إذا‌

____________________

(١) الرَّيْعُ : النماء والزيادة. لسان العرب ٨ : ١٣٧ « ريع ».

(٢) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١١.

٢٠٧

ولدت - الذكور بالإناث وبالعكس.

لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجلٍ قال لرجلٍ : ادفع إليَّ غنمك وإبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها ، فقال : « إنّ ذلك فعلٌ مكروه ، إلّا أن يبدلها بعد ما تولّد ويعزلها ».

قال : وسألته عن الرجل يدفع إلى الرجل بقراً وغنماً على أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها كذا وكذا ، قال : « ذلك مكروه »(١) .

مسألة ١٠٥ : لا ربا بين الولد ووالده‌ ، فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه ؛ لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. وكذا بين السيّد وعبده المختصّ به ؛ لأنّ مال العبد لمولاه. ولا بين الرجل وزوجته ، ولكلٍّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. ولا بين المسلم والحربيّ ، فيأخذ منهم الفضل ولا يعطيهم إيّاه ؛ لأنّهم في الحقيقة في‌ءٌ للمسلمين.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » قلت : والمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم » قلت : فإنّهم مماليك ، فقال : « إنّك لست تملكهم ، إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيّد وعبده ربا »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٠ - ١٢١ / ٥٢٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٩١ / ٩ بدون الذيل.

(٢) الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، والتهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ بزيادة يسيرة.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٦.

٢٠٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم »(١) .

فروع :

أ - لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب ودار الإسلام ، فلا يجوز للمسلم أن يُربي على المسلم في الدارين - وبه قال مالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف(٢) - للعموم(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا ربا بين مسلمَين(٤) إذا أسلما في دار الحرب(٥) .

ب - لا ربا عندنا بين المسلم والحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا ، وسواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب - وبه قال أبو حنيفة(٦) - للأحاديث السابقة.

وروى الجمهور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب »(٧) ونحن لم نشرط الدار.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٠ - ٧١ / ٢٣٥.

(٢) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) في « ق ، ك» : المسلمَيْن.

(٥) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ - ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٧٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٠٠ نقلاً عن مكحول.

٢٠٩

ولأنّه في الحقيقة في‌ء للمسلمين وقد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز(١) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف : يثبت الربا بين المسلم والحربيّ مطلقاً كثبوته بين المسلمين ؛ للعموم(٢) (٣) .

ج - هل يثبت الربا بين الجدّ وولد الولد؟ إشكال ، أقربه : الثبوت ؛ عملاً بالعموم الدالّ على التحريم ، وأصالة إرادة الحقيقة ، وولد الولد يسمّى ولداً مجازاً.

وكذا يثبت بينه وبين زوجته بالعقد المنقطع ؛ لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت(٤) في حقّ العقد الدائم ، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

ولا فرق بين الولد الذكر والأنثى ، لشمول اسم الولد لهما.

د - يثبت الربا بين السيّد وعبده المشترك بينه وبين غيره ، لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد وفيما في يده ، وعليه دلّ حديث الباقر(٥) عليه‌السلام .

ه- في ثبوت الربا بين المسلم والذمّيّ خلاف أقربه : الثبوت ؛ لعصمة أموالهم ، وعموم الأحاديث والنصوص الدالّة على تحريم مطلق الربا.

مسألة ١٠٦ : يجب على آخذ الربا المحرَّم ردّه على مالكه إن عرفه‌ ؛ لأنّه مالٌ له لم ينتقل عنه إلى الآخذ ، ويده يد عادية ، فيجب دفعه إلى المالك‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : فجائز.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٨ - ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢.

(٤) في « ق ، ك» : ثبت.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ ، الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦.

٢١٠

كالغصب. ولو لم يعرف المالك ، تصدّق به عنه ؛ لأنّه مجهول المالك. ولو وجد المالك قد مات ، سلّم إلى الوارث ، فإن جهلهم ، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. ولو لم يعرف المقدار وعرف المالك ، صالحه. ولو لم يعرف المالك ولا المقدار ، أخرج خُمْسه ، وحلّ له الباقي.

هذا إذا فَعَل الربا متعمّداً ، وأمّا إذا فَعَله جاهلاً بتحريمه ، فالأقوى أنّه كذلك.

وقيل : لا يجب عليه ردّه(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢) وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا.

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه له حلال(٣) ، قال : « لا يضرّه حتى يصيبه متعمّداً [ فإذا أصابه متعمّداً ](٤) فهو بمنزلة الذي قال الله عزّ وجلّ »(٥) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال : « أتى رجل إلى أبيعليه‌السلام (٦) ، فقال : إنّي قد(٧) ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يُربي وقد عرفت أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا : لا يحلّ لك أكله‌

____________________

(١) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٦.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أنّ له حلالاً. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٦.

(٦) في « ق ، ك » : أتى رجل أبيعليه‌السلام . وفي الطبعة الحجريّة والتهذيب : أتى رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام . وهو كما ترى.

(٧) كلمة « قد » لم ترد في « ق ، ك».

٢١١

من أجل ما فيه ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : إن كنت تعرف أنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخُذْ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكُلْه هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه ، كما يجب على مَنْ يأكل الربا »(١) .

إذا تقرّر هذا ، فإنّما أباحعليه‌السلام له الربا مع امتزاجه بناءً على أنّ الميّت ارتكبه بجهالةٍ ، وتمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث : الغرر. وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر(٢) ، كبيع عسيب الفحل ، وبيع ما ليس عنده ، وبيع الحمل في بطن اُمّه ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(٣) . ولأنّه غرر ؛ لعدم العلم بسلامته وصفته وقد يخرج حيّاً أو ميّتاً ، ولا يقدر على تسليمه عقيب العقد ولا الشروع فيه ، بخلاف الغائب.

ومن الغرر بيع الملاقيح والمضامين. والملاقيح ما في بطون الاُمّهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول. وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عام أو أعوام(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦ / ٧٠ ، وبتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي ٥ : ١٤٦ ضمن الحديث ٩ ، والفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣. ١٥ / ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ و ٣٤١ ، غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٤) كما في المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

٢١٢

ومنه بيع المـَجْر ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(١) . ولأنّه غرر.

قال أبو عبيدة : هو بيع ما في الأرحام(٢) . وقيل : القمار(٣) ، وقيل : المحاقلة والمزابنة(٤) .

ويجوز أن يبيع الدابّة ويشترط حملها ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٥) والجهالة هنا لا تضرّ ؛ لأنّه تابع ، فأشبه أساسات الحيطان ، وهو أحد قولي الشافعيّة بناءً منه على أنّ الحمل له حكمه(٦) ، فيجوز اشتراطه. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على أنّه لا حكم للحمل(٧) .

ولو باعها على أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها ، بطل العقد - وبه قال الشافعي(٨) - لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة ١٠٧ : لو باع شاةً على أنّها لبون ، صحّ‌ - وبه قال الشافعي في أحد‌

____________________

(١) غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٢) حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤.

(٣ و ٤) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

واختلف في معنى المحاقلة ، فقيل : هي اكتراء الأرض بالحنطة. وقيل : هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما. وقيل : هي بيع الطعام في سُنبلة بالبُرّ. وقيل : بيع الزرع قبل إدراكه. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤١٦ « حقل».

وأمّا المزابنة فهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر. وأصله من الزبن ، وهو الدفع ، كأنّ كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه بما يزداد منه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢٩٤ « زبن ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : حكم.

(٧) الوسيط ٣ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

٢١٣

القولين(١) - لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان ، ويأخذ قسطاً من الثمن ، فجاز شرطه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه ، كالحمل(٢) .

وبطلان التالي ممنوع. والفرق : عدم العلم بوجود الحمل ، بخلاف اللبن ، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم ، فإنّه لا يصحّ ، لتعذّر الوفاء به ، ولعدم ضبط اللبن.

مسألة ١٠٨ : يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المقصود وإن كان مستوراً إلّا أنّه لمصلحته ، كالجوز.

وإن كان غير ما يؤكل لحمه ، جاز عندنا أيضاً إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخاً ؛ لأنّه لا ينتفع به في الأكل ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على أنّ منيّة نجس أم لا ، فإن كان نجساً ، لم يجز بيعه ، وإلّا جاز(٤) .

وأمّا إذا كان متّصلاً بالحيوان ، فلا يجوز بيعه منفردا ، كالحمل ، ويجوز اشتراطه.

وإن انفصل من الحيوان بعد موته ، فإن كان قد اكتسى الجلد الفوقاني الصلب ، كان مباحاً. وإن لم يكتس الجلد الصلب ، كان حراماً ؛ لأنّه مائع‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٣) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢.

٢١٤

فينجس بها ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه لا يحلّ(٢) ؛ لأنّه بمنزلة لحمها. وهو ممنوع.

ويجوز بيع بزر القزّ عندنا ؛ لأنّه طاهرٌ ينتفع به ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على بيض ما لا يؤكل لحمه(٣) .

مسألة ١٠٩ : ومن الغرر بيع الطير في الهواء والسمك في الماء‌ وقد سلف(٤) . ولا يجوز استئجار بِرَك الحِيتان لأخذ السمك منها - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ العين لا تُملك بالإجارة. وبيع السمك فيها لا يجوز ؛ لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها ويأخذه ، جاز ، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. ولأنّه عقد على منفعة مقصودة ، فجاز العقد عليها ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٦) .

وقال أبو حامد(٧) في التعليق : لا يجوز. وفرّق بين البِرْكة والشبكة ؛ فإنّ الشبكة تحبس الصيد، والاصطياد يكون بها ، وأمّا البِرْكة فإنّ الصيد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ - ١٢٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤.

(٤) في ص ٥٠ و ٥١ ، المسألتان ٢٧ و ٢٨.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢٥.

(٧) هو أحمد بن محمّد الإسفرائيني ، المتوفّى سنة ٤٠٦ ه‍ ، له مصنّفات منها :

التعليقة الكبرى في الفروع. كشف الظنون ١ : ٤٢٣ - ٤٢٤. وانظر ترجمته في طبقات الفقهاء - للشيرازي - : ٢٢٣ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٣٦٨ - ٣٧٠ / ٢٢٣٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٠٨ - ٢١٠. وكتابه هذا لم يتوفّر لدينا.

٢١٥

ينحصر فيها بغيرها.

وهذا لا معنى له ؛ لأنّ البِرْكة بها يمكن الاصطياد ويحبس كالشَّرَك(١) ، والانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع :

أ - لو استأجر أرضاً للزراعة فدخل إليها السمك‌ ثمّ نضب الماء منها وبقي السمك ، لم يملكه المستأجر بذلك ، بل كان أحقّ به ؛ لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض ولا الانتفاع بها ، فلو تخطّى أجنبيٌّ فأخذ السمك ، ملكه بالأخذ.

ب - لو طفرت سمكة إلى سفينة فيها رُكّاب ، لم يملكها صاحب السفينة ، وهي لآخذها ، وليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب ؛ لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج - لو عشَّش الطائر في دار أو أرض وفرَّخ فيها ، أو توحَّل الظبي في أرضه ، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه ، ويكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. وكذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان ، لم يملكه بذلك ، وكان أحقّ به. ولو دخل الماء في أرضه ، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد ، ملكه وإن كانت في غير أرضه ؛ لأنّها بمنزلة يده. وكذا لو غرف الماء بدلوه ولو من أرض غيره ، ملكه. وهذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة(٢) .

مسألة ١١٠ : بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفاً على إجازة المالك‌ ، فإن أجاز البيع ، لزم ، وإلّا بطل. ولا يقع فاسداً في أصله ولا لازماً.

____________________

(١) الشَّرَك : حبائل الصائد. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٢) لم نعثر على تلك الفروع في مظانّها من المصادر المتوفّرة لدينا.

٢١٦

ولا فرق بين البيع والشراء - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه ، وله مُجيزٌ في حال وقوعه ، فجاز أن يقف على إجازته ، كالوصيّة.

ولأنّهعليه‌السلام دفع إلى عروة البارقي ديناراً يشتري به شاةً ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ، ودينار ، فقال النبيّعليه‌السلام : « بارك الله في صفقة يمينك »(٢) فأجازعليه‌السلام بيع الشاة وشراء الشاتين ، ولو كان بيع الفضولي وشراؤه باطلين ، لما أقرّهعليه‌السلام على ذلك.

وقال أبو حنيفة : يقف البيع على إجازة المالك ، ولا يقف الشراء على إجازة المشتري له ، بل يقع للوكيل(٣) .

وعن أحمد روايتان في البيع والشراء جميعاً(٤) .

وقال الشافعي في الجديد : يبطل البيع من أصله(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام لحكيم ابن حزام : « لا تبع ما ليس عندك »(٦) .

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ و ٢٦١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ و ٧٧ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ / ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ / ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٨ و ٦٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ و ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٧٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٢.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٢ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن النسائي =

٢١٧

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن »(١) .

ولأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكاً ؛ لعدم القدرة على التسليم ، فبيع ما لا ملك فيه ولا قدرة على تسليمه أولى.

والجواب : النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات. ونمنع التعليل في الآبق بما ذُكر ، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع :

أ - هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح على الأقوى‌ وإن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفاً بل إمّا لازم أو باطل(٢) .

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه وكذا في العتق(٣) .

وأمّا الإجارة والهبة فعندنا يقعان موقوفين على الإجازة. وللشافعي القولان(٤) .

ب - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بعين مال الغير ، وقف على الإجازة‌

____________________

= ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ / ١٤٨٨٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٢١٧ / ٣٠٩٧.

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٤ : ١٦٣ ، الخلاف ٤ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، المسألة ١١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢١٨

عندنا ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد لا يصحّ(١) .

وإن اشترى في الذمّة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن ردّ ، نفذ في حقّه ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد يقع للمباشر(٢) .

ولو أضاف فقال : اشتريت لفلان بألفٍ في ذمّته ، فهو كما لو اشترى بعين ماله. ولو قال : اشتريت لفلان بألف ، ولم يضف الثمن إلى ذمّة الغير ، وقف على إجازة الغير ، فإن ردّ ، احتمل نفوذه في حقّه. والبطلان.

وعلى قول الشافعي في القديم : يقف على الإجازة ، فإن ردّ ، فالاحتمالان(٣) . وعلى الجديد وجهان : إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. والبطلان(٤) .

ج - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بمال نفسه ، فإن لم يُسمّه ، وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سمّاه ، فإن لم يأذن له ، لغت التسمية ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل يقع عنه أو يبطل من أصله؟ احتمال. وللشافعي وجهان(٦) .

وإن أذن له ، فهل تلغو التسمية؟ للشافعي وجهان ، فإن قلنا به ، ففي‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) في « ق ، ك» ، والطبعة الحجريّة : فالاحتمالات. وما أثبتناه موافق لما في المصادر.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ - ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٥ و ٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

٢١٩

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. وإن قلنا : لا ، وقع عن الآذن(١) .

والثمن المدفوع هل يكون قرضاً أو هبةً؟ فيه للشافعي وجهان(٢) .

والأقرب : البطلان فيما لو أذن ؛ إذ ليس للإنسان أن يملك شيئاً والثمن على غيره.

وقال أبو حنيفة في البيع والنكاح : إنّه يقف عقد الفضولي فيه على الإجازة. وأمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق : يقع عن العاقد ، ولا يقع موقوفاً(٣) .

وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّى الغير(٤) .

د - شرط الوقف(٥) عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مُجيزٌ في الحال‌ سواء كان مالكاً أو لا حتى لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته ، لا يتوقّف على إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز ، لم ينعقد. وكذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه وأجاز(٦) .

والمعتمد : أنّ الطلاق لا يقع موقوفاً.

ه- لو غصب مالاً وباعه وتصرّف في ثمنه مرّة بعد اُخرى ، كان ذلك موقوفاً على اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء ، وفسخ الجميع أو أيّها شاء ، وله تتبّع العقود الكثيرة ، فيراعي مصلحته ، وهذا أضعف‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

(٥) أي : توقُّف صحّة تصرّف الفضولي على الإجازة.

(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571