مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام12%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75284 / تحميل: 4508
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

الجزء الثالث

المؤلف: الشيخ عزيز الله العطاردي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٨١ ـ باب نوح البوم والحمام على الحسينعليه‌السلام

١ ـ محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الجامورانىّ ، عن ابن أبى حمزة ، عن صندل ، عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا فى بيت أبى عبد اللهعليه‌السلام فنظرت الى حمام راعبىّ يقرقر طويلا فنظر الىّ أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟ قلت لا والله جعلت فداك ، قال : يدعو على قتلة الحسينعليه‌السلام فاتّخذوه فى منازلكم(١) .

٢ ـ عنه ، عن علىّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونى ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : اتّخذوا الحمام الراعبيّة فى بيوتكم فانّها تلعن قتلة الحسين بن علىعليهما‌السلام ولعن الله قاتله(٢) .

٣ ـ ابن قولويه ، حدّثنى محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، وجماعة مشايخى عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن

__________________

(١) الكافى : ٦ / ٥٤٧. وكامل الزيارات : ٩٨.

(٢) الكافى : ٦ / ٥٤٧. وكامل الزيارات : ٩٨.

٣

الحسين بن أبى منذر ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول فى البومة قال : هل أحد منكم رآها بالنّهار قيل له لا تكاد تظهر بالنهار ولا تظهر الّا ليلا ، قال : أما إنّها لم تزل تأوى العمران أبدا فلمّا انّ قتل الحسينعليه‌السلام آلت على نفسها أن لا تأوى العمران أبدا ولا تأوى الّا الخراب ، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها اللّيل فاذا جنّها اللّيل فلا تزال ترنّ على الحسينعليه‌السلام حتّى تصبح(١) .

٤ ـ عنه ، حدّثنى حكيم بن داود بن حكيم ، عن سلمة بن أبى الخطاب ، عن الحسين بن علىّ بن صاعد البربرى قيّما لقبر الرّضاعليه‌السلام قال حدّثنى أبى قال دخلت على الرضاعليه‌السلام فقال لى ترى هذه البومة ما يقول الناس؟ قال قلت جعلت فداك جئنا نسألك فقال هذه البومة كانت على عهد جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأوى المنازل والقصور والدور وكانت إذا أكل النّاس الطعام تطير وتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام وترجع الى مكانها ، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام خرجت من العمران الى الخراب والجبال والبرارى وقالت بئس الامّة أنتم قتلتم ابن بنت نبيّكم ولا آمنكم على نفسى(٢) .

٥ ـ روى المجلسى ، عن كتاب المناقب القديم ، عن علىّ بن أحمد العاصمى ، عن إسماعيل بن أحمد البيهقي ، عن أبيه ، عن أبى عبد الله الحافظ ، عن يحيى بن محمّد العلوىّ ، عن الحسين بن محمّد العلوىّ ، عن أبى علىّ الطرسوسى ، عن الحسن بن علىّ الحلوانى ، عن على بن يعمر ، عن إسحاق بن عباد ، عن المفضّل بن عمر الجعفى ، عن جعفر بن محمّد الصادق ، عن أبيه ، عن علىّ بن الحسينعليهم‌السلام ، قال : لمّا قتل الحسين بن علىّ جاء غراب فوقع فى دمه ثمّ تمرّغ ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علىّعليهما‌السلام ، وهى الصغرى فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت

__________________

(١) كامل الزيارات : ٩٨.

(٢) كامل الزيارات : ٩٩.

٤

بكاء شديدا وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب

قال الامام فقلت من؟ قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء بين الأسنّة والضّراب

فابكى الحسين بعبرة ترجى الاله مع الثواب

قلت الحسين؟ فقال لى حقّا لقد سكن التراب

ثمّ استقلّ به الجناح فلم يطق ردّ الجواب

فبكيت ممّا حلّ بى بعد الدّعاء المستجاب

قال محمّد بن علىّ : فنعته لأهل المدينة فقالوا : قد جاءَتنا بسحر عبد المطّلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علىّعليهما‌السلام (١) .

٨٢ ـ باب من قال بيتا للحسينعليه‌السلام

١ ـ ابن قولويه : حدّثنا أبو العبّاس القرشى ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطّاب ، عن إسماعيل ، عن صالح عقبة ، عن أبى هارون المكفوف ، قال : أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أبا هارون أنشدنى فى الحسينعليه‌السلام قال : فأنشدته فبكى ، فقال أنشدنى كما تنشدون يعنى بالرقّة قال فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيّة

قال : فبكى ثمّ قال : زدنى قال فأنشدته القصيدة الاخرى قال : فبكى وسمعت

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٥ / ١٧١.

٥

البكاء من خلف الستر قال : فلمّا فرغت قال لى يا با هارون من أنشد فى الحسينعليه‌السلام شعرا ، فبكى وأبكى عشرا كتبت له الجنّة ومن أنشد فى الحسين شعرا ، فبكى وأبكى واحدا كتبت لهما الجنّة ، ومن ذكر الحسينعليه‌السلام عنده فخرج من عينه من الدّموع مقدار جناح ذباب ، كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة(١) .

٢ ـ عنه ، حدّثنى أبو العبّاس ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن علىّ بن أبى عثمان ، عن حسن بن علىّ بن أبى المغيرة ، عن أبى عمارة المنشد ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : قال لى يا با عمارة أنشدنى للعبدى فى الحسينعليه‌السلام قال فأنشدته فبكى ثمّ أنشدته فبكى ثمّ انشدته فبكى ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكى حتّى سمعت البكاء من الدار.

فقال لى يا أبا عمارة من أنشد فى الحسينعليه‌السلام شعرا فأبكى خمسين فله الجنّة ومن أنشد ، فى الحسين شعرا فأبكى أربعين فله الجنّة ومن أنشد فى الحسين شعرا فأبكى ثلثين فله الجنّة ، ومن أنشدنى فى الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد فى الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد فى الحسينعليه‌السلام شعرا فأبكى واحدا فله الجنّة ومن أنشد فى الحسينعليه‌السلام شعرا فبكى ، فله الجنّة ومن أنشد فى الحسين شعرا فتباكى فله الجنّة.(٢)

٣ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبى عمير ، عن عبد الله بن حسّان ، عن أبى شعبة ، عن عبد الله بن غالب قال دخلت على أبى عبد اللهعليه‌السلام فأنشدته مرثية الحسينعليه‌السلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع.

لبليّة تسقوا حسينا

بمسقاة الثرى غير التراب

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٤.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٤.

٦

فصاحت باكية من وراء السّر وا أبتاه(١) .

٤ ـ عنه ، عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : من أنشد فى الحسينعليه‌السلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة ومن أنشد فى الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة ، فلم يزل حتّى قال : من أنشد فى الحسين بيتا فبكى ، وأظنّه قال : لو تباكى فله الجنّة(٢) .

٥ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن أبى هارون المكفوف ، قال :

دخلت على أبى عبد اللهعليه‌السلام فقال لى أنشدنى فأنشدته فقال لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره قال فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيّة

قال : فلمّا بكى أمسكت أنا ، فقال : مر فمررت قال ثمّ قال : زدنى زدنى قال فأنشدته :

يا مريم قومى فاندبى مولاك

وعلى الحسين فاسعدى ببكاك

قال : فبكى وتهايج النساء قال : فلمّا أن سكتن قال لى يا با هارون ، من أنشد فى الحسينعليه‌السلام فأبكى عشرة فله الجنّة ثمّ جعل ينقص واحدا واحدا حتّى بلغ الواحد ، فقال من أنشد فى الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة ثمّ قال : ومن ذكره فبكى فله الجنّة(٣) .

٦ ـ عنه ، روى عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : لكلّ شيء ثواب إلّا الدمعة فينا(٤)

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٥.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٥.

(٣) كامل الزيارات : ١٠٥.

(٤) كامل الزيارات : ١٠٦.

٧

٧ ـ عنه ، حدثني محمّد بن أحمد بن الحسين العسكرى ، عن الحسن بن علىّ بن مهزيار ، عن أبيه ، عن محمّد ابن سنان ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : من أنشد فى الحسين بيت شعر ، فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد فى الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة ، فلم يزل حتى قال : من أنشد فى الحسين بيتا فبكى وأظنّه قال أو تباكى فله الجنّة(١)

٨٣ ـ باب من شرب الماء وذكر الحسينعليه‌السلام

١ ـ ابن قولويه حدثني محمّد بن جعفر الرزاز الكوفى ، عن محمّد بن الحسين عن الخشاب ، عن على بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير ، عن داود الرقى قال : كنت عند أبى عبد اللهعليه‌السلام اذا استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، ثم قال لى يا داود لعن الله قاتل الحسينعليه‌السلام فما من عبد شرب الماء ، فذكر الحسينعليه‌السلام ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف درجة وكأنما أعتق مائة ألف نسمة وحشره الله تعالى يوم القيمة ثلج الفؤاد(٢) .

٢ ـ قال ابن شهرآشوب : شرب الصادقعليه‌السلام وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه وقال يا داود لعن الله قاتل الحسين ثم قال بعد كلام وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله الا كتب الله له مائة ألف حسنة ورفع له مائة الف درجة وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة ومحا عنه مائة ألف سيئة وحشره يوم القيمة

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٦.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٦.

٨

أبلج الوجه(١) .

٨٤ ـ باب انهعليه‌السلام قتيل العبرة

١ ـ ابن قولويه حدثني أبىرحمه‌الله وعلى بن الحسين ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله ، جميعا عن سعد بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح عن أبى يحيى الحذاء ، عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام الى الحسين فقال يا عبرة كلّ مؤمن ، فقال أنا يا أبتاه قال : نعم يا بنىّ(٢) .

٢ ـ عنه حدثني جماعة مشايخى ، عن محمّد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن عبد الله ، عن الحسن بن على بن أبى عثمان عن الحسن بن على بن عبد الله بن المغيرة ، عن أبى عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسينعليه‌السلام عن أبى عبد اللهعليه‌السلام فى يوم قطّ فرأى أبو عبد اللهعليه‌السلام متبسما فى ذلك اليوم الى الليل وكانعليه‌السلام يقول الحسينعليه‌السلام عبرة كل مؤمن(٣) .

٣ ـ عنه حدثني أبى عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن اسماعيل بن مهران ، عن على بن أبى حمزة ، عن أبى بصير قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال الحسين بن علىعليه‌السلام أنا قتيل العبرة لا يذكرنى مؤمن الا استعبر(٤) .

٤ ـ عنه حدثني أبىرحمه‌الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام ، قال قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة(٥)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٠٧.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٣) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٤) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٥) كامل الزيارات : ١٠٨.

٩

٥ ـ عنه حدثني محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبان الأحمر ، عن محمّد بن الحسين الخزاز ، عن هرون بن خارجة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : كنا عنده فذكرنا الحسينعليه‌السلام وعلى قاتله لعنة الله ، فبكى أبو عبد اللهعليه‌السلام وبكينا قال ثمّ رفع رأسه فقال قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرنى مؤمن الّا بكى(١) .

٦ ـ عنه حدثني على بن الحسين السعدآبادى ، قال : حدثني أحمد بن أبى عبد الله البرقي ، عن أبيه عن ابن مسكان ، عن هرون بن خارجة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا حقيق علىّ أن لا يأتينى مكروب قط الّا رده الله إلى أهله مسرورا(٢) .

٨٥ ـ باب ان الملائكة تشيع ذاكر الحسينعليه‌السلام

١ ـ ابن قولويه حدثني أبى ومحمّد بن الحسن عن الحسين بن حسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهرى ، عن إسحاق بن ابراهيم ، عن هرون بن خارجة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : وكلّ الله بقبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه الى يوم القيمة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيّعوه حتى يبلغوه مأمنه إن مرض عادوه غدوة وعشيّة وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له يوم القيامة(٣)

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٩.

(٣) كامل الزيارات : ١٨٩.

١٠

٢ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، عن أبى اسماعيل السراج ، عن يحيى بن معمّر العطّار ، عن أبى بصير ، عن أبى جعفرعليه‌السلام قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسينعليه‌السلام إلى يوم القيمة ، فلا يأتيه أحد الّا استقبلوه ، ولا يرجع أحد من عنده الّا شيّعوه ، ولا يمرض أحد الّا عادوه ، ولا يموت أحد الّا شهدوه(١) .

٣ ـ عنه ، حدّثنى جعفر بن محمّد بن إبراهيم ، عن عبد الله بن نهيك ، عن ابن أبى عمير ، عن سلمة صاحب السّابرى ، عن أبى الصباح الكنانى ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : إنّ إلى جانبكم قبرا ما أتاه مكروب الّا نفس الله كربته وقضى حاجته ، وإنّ عنده أربعة آلاف ملك منذ يوم قبض شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيمة فمن زاره شيّعوه ومن مرض عادوه ، ومن مات اتبعوا جنازته(٢) .

٤ ـ عنه ، حدّثنى أبى وجماعة مشايخى ، عن محمّد بن يحيى العطار ، عن حمدان بن سليمان النيسابوريّ ، عن عبد الله بن محمّد اليمانى ، عن منيع بن الحجّاج ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن صفوان الجمّال ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : إنّ الرجل إذا خرج من منزله يريد زيارة الحسينعليه‌السلام شيّعته سبعمائة ملك من فوق رأسه ومن تحته ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن بين يديه ومن خلفه حتّى يبلغوه مأمنه فاذا زار الحسينعليه‌السلام ناداه مناد قد غفر لك ، فاستأنف العمل ، ثمّ يرجعون معه مشيّعين له إلى منزله فاذا صاروا إلى منزله ، قالوا : نستودعك الله فلا يزالون يزورونه الى يوم مماته ثمّ يزورون قبر الحسينعليه‌السلام فى كلّ يوم وثواب ذلك للرّجل(٣) .

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى باسناده إلى منيع ، عن زياد ، عن عبد

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٨٩.

(٢) كامل الزيارات : ١٩٠.

(٣) كامل الزيارات : ١٩٠.

١١

الله بن مسكان ، عن محمّد الحلبىّ ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : إنّ الله وكلّ بقبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا الى أن تقوم السّاعة ، يشيّعون من زاره يعودونه إذا مرض ويشهدون جنازته إذا مات(١) .

٦ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن الحسن بن علىّ بن عبد الله بن المغيرة ، عن العبّاس بن عامر ، عن أبان ، عن أبى حمزة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : إنّ الله وكّل بقبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا فلم يزل يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، فاذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك ، وصعد أربعة آلاف ملك فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر ، ويشهدون لمن زاره ويشيّعونه بالوفاء إلى أهله ويعودونه اذا مرض ويصلّون عليه اذا مات(٢) .

٧ ـ عنه ، حدّثنى أبى وجماعة مشايخى ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبى إبراهيمعليه‌السلام ، قال : من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبى عبد الله الحسينعليه‌السلام وكّل الله به ملكا يضع إصبعه فى قفاه ، فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتّى يرد الحائر ، فاذا دخل من باب الحائر وضع كفّه وسط ظهره ثمّ قال له : أما ما مضى فقد غفر لك ، فاستأنف العمل(٣) .

٨ ـ عنه ، حدّثنى أبى ومحمّد بن عبد اللهرحمه‌الله جميعا ، عن عبد الله بن جعفر الحميرى ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علىّ بن مهزيار ، عن أبى القاسم عن القاسم بن محمّد ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن هارون بن خارجة قال سئل

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٩٠.

(٢) كامل الزيارات : ١٩١.

(٣) كامل الزيارات : ١٩١.

١٢

رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده فقال : ما لمن زار قبر الحسينعليه‌السلام قال : إنّ الحسينعليه‌السلام ، لمّا أصيب بكته حتّى البلاد ، فوكّل الله به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقّه شيّعوه حتّى يبلغوه مأمنه وان مرض عادوه غدوة وعشيّة وان مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة(١) .

٩ ـ عنه ، حدّثنى محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمر بن أبان الكلبى ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هبط أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسينعليه‌السلام فلم يؤذن لهم فى الفتال ، فرجعوا فى الاستيذان فهبطوا وقد قتل الحسينعليه‌السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور فلا يزوره زائر الّا استقبلوه ولا يودّعه مودّع الّا شيعوه ولا يمرض مريض الّا عادوه ولا يموت الّا صلّوا على جنازته واستغفروا له بعد موته وكل هؤلاء فى الأرض ينتظرون قيام القائمعليه‌السلام (٢) .

١٠ ـ عنه ، حدّثنى أبو العبّاس الرزّاز ، عن ابن أبى الخطّاب قال : حدّثنى محمّد بن الفضيل ، عن محمّد بن مضارب ، عن مالك الجهنى ، عن أبى جعفرعليه‌السلام قال قال : يا مالك انّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض الحسينعليه‌السلام بعث إليه أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقّه غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وكتب له حجّه ولم يزل محفوظا حتّى يرجع إلى أهله قال : فلمّا مات مالك وقبض أبو جعفرعليه‌السلام دخلت على أبى عبد اللهعليه‌السلام فاخبرته بالحديث فلمّا انتهيت الى حجّة ، قال وعمرة يا محمّد(٣) .

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٩١.

(٢) كامل الزيارات : ١٩٢.

(٣) كامل الزيارات : ١٩٢.

١٣

٨٦ ـ باب فضل كربلا والحائر

١ ـ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، قال : حدّثنى أبو عيسى عبيد الله ابن الفضل بن محمّد بن هلال الطائى البصرىرحمه‌الله قال حدّثنى أبو عثمان سعيد ابن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن سلام بن يسار الكوفى ، قال حدّثنى أحمد بن محمّد الواسطى ، قال حدّثنى عيسى بن أبى شيبة القاضى قال حدّثنى نوح ابن درّاج ، قال : حدّثنى قدّامة بن زائدة ، عن أبيه ، قال : قال علىّ بن الحسينعليه‌السلام بلغنى يا زائدة أنّك تزور قبر أبى عبد الله الحسينعليه‌السلام أحيانا فقلت انّ ذلك لكما بلغك ، فقال لى فلمّا ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الامّة من حقّنا.

فقلت والله ما أريد بذلك الّا الله ورسوله ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر فى صدرى مكروه ينالنى بسببه فقال والله انّ ذلك لكذلك ، فقلت : والله انّ ذلك لكذلك يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا فقال أبشر ، ثمّ أبشر ، ثمّ أبشر ، فلأخبرنّك بخبر كان عندى فى النخب المخزون ، فانّه لما أصابنا بالطفّ ما أصابنا وقتل أبىعليه‌السلام وقتل من كان معه من ولده واخوته وساير أهله وحملت حرمه ونساءه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت انظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك فى صدرى واشتدّ لما أرى منهم قلقى فكادت نفسى تخرج وتبينت ذلك منّى عمّتى زينب الكبرى بنت علىّعليه‌السلام .

فقالت ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّى وأبى واخوتى ، فقلت وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدى وإخوتى وعمومتى وولد عمّى وأهلى مصرّعين

١٤

بدمائهم مرمّلين بالعرى مسلّبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر فقالت : لا يجزعنّك ما ترى فو الله انّ ذلك لعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك ولقد أخذ الله الميثاق لأناس من هذه الامّة لا تعرفهم فراعنة هذه الامّة وهم معروفون فى أهل السماوات إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة ، فيوارونها وهذه الجسوم المخرجة.

ينصبون لهذا الطفّ علما لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالى والأيّام ، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة قي محوه وتطميمه فلا يزداد أثره إلّا ظهورا وأمره الّا علوّا فقلت : وما هذ العهد وما هذ الخبر ، فقالت : نعم ، حدّثنى أمّ أيمن أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زار منزل فاطمةعليها‌السلام فى يوم من الأيّام فعملت له حريرة وأتاه علىّعليه‌السلام بطبق فيه تمر ، ثمّ قالت أمّ أيمن : فأتيتهم بعسّ فيه لبن وزبد ، فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام من تلك الحريرة وشرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشربوا من ذلك اللّبن ثمّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد.

ثمّ غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده وعلىّ يصبّ عليه الماء فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ثمّ نظر الى علىّ وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا به السرور فى وجهه ، ثمّ رمق بطرفه نحو السّماء ، مليّا ثمّ انّه وجّه وجهه نحو القبلة ، وبسط يديه ، ودعا ثمّ خرّ ساجدا وهو ينشج ، فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثمّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر فحزنت فاطمة وعلىّ والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وحزنت معهم ، لما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له علىّ وقالت له فاطمة ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك ، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال يا أخى سررت بكم.

قال مزاحم بن عبد الوارث فى حديثه هاهنا فقال يا حبيبى إنّى سررت بكم

١٥

سرورا ما سررت مثله قطّ وإنّى لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علىّ فيكم اذ هبط علىّ جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى ، اطّلع على ما فى نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فاكمل لك النعمة وهنّاك العطيّة بأن جعلهم وذرّيّاتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك فى الجنّة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحبى ، ويعطون كما تعطى ، حتّى ترضى وفوق الرّضا على بلوى كثيرة تنالهم فى الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدى أناس ينتحلون ملّتك ويزعمون أنّهم من أمّتك براء من الله ومنك خبطا خبطا وقتلا قتلا. شتّى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ، ولك فيهم فاحمد اللهعزوجل على خيرته وأرض بقضائه فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم.

ثمّ قال لى جبرئيل يا محمّد إنّ أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمّتك متعوب من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة وأشقى البريّة يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته وهو مغرس شيعته وشيعة ولده وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم وانّ سبطك هذا وأومى بيده الى الحسينعليه‌السلام مقتول فى عصابة من ذرّيّتك وأهل بيتك وأخيار من أمّتك بضفّة الفرات بأرض يقال لها كربلا من أجلها يكثر الكرب والبلاء ، على أعدائك وأعداء ذرّيّتك فى اليوم الّذي لا ينقضى كربه ولا تفنى حسرته ، وهى أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة.

يقتل فيها سبطك وأهله وانّها من بطحاء الحنّة فاذا كان ذلك اليوم الّذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها وماجت السموات بأهلها غضبا لك يا محمّد ولذرّيتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ولشرّ ما تكافى به فى ذرّيتك وعترتك ، ولا يبقى شيء من ذلك إلّا استأذن الله عزّ و

١٦

جلّ فى نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الّذين هم حجّة الله على خلقه بعدك فيوحى الله إلى السموات والأرض والجبال والبحار ومن فيهنّ انّى أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع.

أنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام وعزتى وجلالى لأعذبن من وتر رسولى وصفيى وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فعند ذلك يضج كل شيء فى السموات والارضين ، بلعن من ظلم عترتك واستحلّ حرمتك فاذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى اللهعزوجل قبض أرواحها بيده وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء معهم آنية من الياقوت والزمرد ، مملوءة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنّة فغسلوا جثثهم بذلك الماء والبسوها الحلل وحنّطوها بذلك الطيب وصلت الملائكة صفا صفا عليهم.

ثم يبعث الله قوما من امتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا فى تلك الدماء يقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق وسببا للمؤمنين إلى الفوز وتحفّه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك فى كل يوم وليلة ويصلون عليه ويطوفون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء من ياتيه زائرا من امتك متقربا الى الله وإليك بذلك وأسماء آبائهم وعشائر هم وبلدانهم ويوسمون وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء.

فاذا كان يوم القيمة سطح فى وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدلّ عليهم ويعرفون به وكأنى بك يا محمّد بينى وبين ميكائيل وعلىّ امامنا ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عددهم ونحن نلتقط من ذلك الميسم فى وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده وذلك حكم

١٧

الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمّد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير اللهعزوجل وسيجتهد أناس ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحو أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم الى ذلك سبيلا.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهذا أبكانى وأحزننى قالت زينب فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبىعليه‌السلام ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له يا أبه حدثتنى أم ايمن بكذا وكذا وقد أحببت أن اسمعه منك فقال : يا بنية الحديث كما حدثتك أم ايمن ، وكأنى بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس فصبرا صبرا فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولى غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم.

لقد قال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أخبرنا بهذا الخبر انّ ابليس لعنه الله فى ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة وبلغنا فى هلاكهم الغاية وأورثناهم النار الّا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم واغرائهم بهم ، وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناج ولقد صدق عليهم ابليس وهو كذوب انه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر.

قال زائده ثمّ قال على بن الحسينعليه‌السلام بعد أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك ما لو ضربت فى طلبه آباط الابل حولا لكان قليلا(١)

٢ ـ ابو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّى الفقيهرحمه‌الله قال حدثني أبى ، وعلى بن الحسين وجماعة مشايخىرحمهم‌الله عن سعد بن عبد الله بن أبى

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٦٠ ـ ٢٦٦

١٨

خلف ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن ابى سعيد القمّاط ، قال حدثني عبد الله بن أبى يعفور ، قال سمعت أبا عبد الله يقول لرجل من مواليه يا فلان أتزور قبر أبى عبد الله بن الحسين بن علىعليهما‌السلام قال نعم انّى أزوره بين ثلاث سنين أو سنتين مرّة فقال له وهو مصفر الوجه : أما والله الذي لا إله الا هو لو زرته لكان أفضل لك ممّا أنت فيه.

فقال له جعلت فداك كلّ هذا الفضل ، فقال نعم والله لو أنى حدثتكم زيارته وبفضل قبره لتركتم الحجّ رأسا وما حجّ منكم أحد ، ويحك أما تعلم ان الله اتخذ بفضل قبره كربلا حرما أمنا مباركا قبل أن يتّخذ مكة حرما ، قال ابن أبى يعفور : فقلت له قد فرض الله على الناس حجّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فقال وان كان كذلك فان هذا شيء جعله الله هكذا ، أما سمعت قول أبى أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث يقول ان باطن القدم أحق بمسح من ظاهر القدم ، ولكن الله فرض هذا على عباده أو ما علمت أن الموقف لو كان فى الحرم كان أفضل لأجل الحرم ولكن الله صنع ذلك فى غير الحرم(١)

٣ ـ عنه حدثني محمّد بن جعفر القرشى الرزاز ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبى سعيد القمّاط ، عن عمر بن يزيد بياع السابرى ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : ان أرض الكعبة قالت من مثلى وقد بنى الله بيته على ظهرى ويأتينى الناس من كل فجّ عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه ، فأوحى الله إليها أن كفّى وقرّى فو عزّتى وجلالى ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلا الا بمنزلة الابرة غرست فى البحر فحملت من ماء البحر ولو لا تربة كربلا ما فضلتك ولو لا ما تضمنته أرض كربلا لما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به فقرّى واستقرّى

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٦٦

١٩

وكونى دنيّا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلا والا سخت بك وهويت بك فى نار جهنم(١)

٤ ـ عنه حدثني أبو العباس الكوفى ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطاب ، عن أبى سعيد العصفرى ، عن عمر وبن ثابت ، عن أبيه عن أبى جعفرعليه‌السلام قال : خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلا قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض فى الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه فى الجنه(٢)

٥ ـ عنه حدثني محمّد بن جعفر القرشى الرزاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطاب ، عن أبى سعيد ، عن بعض رجاله ، عن أبى الجارود قال قال على بن الحسينعليه‌السلام اتخذ الله أرض كربلا حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرما بأربعة وعشرين ألف عام وانه اذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيرها رفعت كما هى بتربتها نورانية صافية ، فجعلت فى أفضل روضة من رياض الجنة وأفضل مسكن فى الجنة لا يسكنها الا النبيون والمرسلون أو قال أولو العزم من الرسل ، وأنها لتزهر بين رياض الجنة ، كما يزهر الكوكب الدري بين الكوكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهى تنادى أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيّد الشهداء وسيد شباب ، أهل الجنة(٣)

٦ ـ عنه قال أبو جعفرعليه‌السلام الغاضرية هى البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمرانعليه‌السلام ، وناجى نوحا فيها وهى أكرم أرض الله عليه ولو لا ذلك ما استودع الله

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٦٧

(٢) كامل الزيارات : ٢٦٨

(٣) كامل الزيارات : ٢٦٨

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفيلسوف اليوناني «أشين» :

«الآن وقد هرمت فإنني أرى الأشياء على حقيقتها ، فتعلمت كثيراً ، ولم يبقَ شيء لم أتعلمه إلا أنني أرى نفسي جاهلاً ، يبحث لا أفهم كيفية ذَرّة واحدة لا قيمة لها»(٤٨٢) .

إذن ، نستفيد مما تقدم من دعاة العلم والثقافة العصرية ، الذين يعبرون عن المعجزات والكرمات بأنّها خزعبلات وخرافات ، بناء منهم على أنّ أي ظاهرة غريبة على العقول يتم تفسيرها على أساس من دراسة وبحث علمي ، وعندما تفسر ويدرك سرُّها تنتفي في الحال معجزاتها ؛ ولهذا يقولون : إذا بزع نور العقل ؛ ولى زمن المعجزات!. وهذا الإدعاء غير صحيح لسوء فهم معنى المعجزة ، وقد برهنا على هذا العجز في وصولهم إلى سرّ المعجزة. وذلك من خلال إعترافات بعض علماء العلم الحديث في ذلك.

ثانياً ـ إعتراف علماء الغرب بوجود المعجزة :

يقول الدكتور ألكسيس كاريل(٤٨٣) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) :

__________________

(٤٨٢) ـ المصدر السابق.

(٤٨٣) ـ جَرّاح وعالم أحياء فرنسي ، ولد بالقرب من ليون بفرنسا عام (١٨٧٣ م) ، وحصل على إجازة الطب من هذه المدينة ، كما حصل على إجازة في العلوم من ديّجون ، وبعد أن تعلم ومارس التدريس في ليون عدة أعوام ، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (١٩٠٥) ، وتوظف في معهد روكفلر للأبحاث العلمية (جامعة روكفلر) بنيويورك ، وبقي قرابة ثلاثين عاماً حتى إعتزال وعاد إلى فرنسا في عام (١٩٢٩ م). وقد منح جائزة نوبل لأبحاثه الطبية الفَذّة عام (١٩١٢ م) ، تقديراً لجهوده في جراحة الأوعية الدموية ، وفي زراعة الأعضاء والأنسجة. وفي فترة الحرب العالمية الأولى عام (١٩١٤ م ـ ١٩١٨ م) ، طَوّر مع العالم الإنجليزي هنري داكين ، المحلول المطهر كاريل ـ داكين ، لعلاج الأصابات والجروح. وبعد إعتزاله في عام (١٩٣٩ م) إستمر في أبحاثه المتعلقة بـ(القلب الميكانيكي) ، الذي قيل : إن في امكانه وصل (الحياة) لأ عضاء الجسم التي تفصل عن القلب الحقيقي فترة غير محدودة. ومن بين مؤلفاته (الإنسان ذلك المجهول ، والدعاء). وقد مات في باريس في شهر نوفمبر من عام (١٩٤٤ م).

٤٠١

«ففي جميع البلاد والأزمان آمن الناس بوجود المعجزات وبشفاء المرض سريعاً في أماكن الحج وفي معابد معينة. بيد أنّ قوة العلم الدافعة إبان القرن التاسع عشر ، جعلت مثل هذا الإيمان يختفي تماماص ، ولقد كان المعترف به بصفة عامة أنّ مثل هذه المعجزات لم تحدث فحسب ، بل أيضا أنّها مستحيلة الحدوث ، فكما أنّ قوانين علم الحرارة الديناميكي تجعل الحركة مستمرة مستحيلة ، فإنّ القوانين السيكولوجية تعارض المعجزات. ذلك هو إذن موقف علماء النفس والأطباء ومع ذلك ، فبالنظر إلى الحقائق التي لوحظت خلال الخمسين عاماً الأخيرة ، فلن يكون في الإمكان الإصرار على هذا الموقف ، فإنّ أكثر حالات الشفاء الإعجازي أهمية هي التي سجلها المركز الطبي للورد ، أما فكرتنا الحالية عن تأثير الصلاة على الأمراض الباثولوجية ؛ فقائمة على ملاحظة المرضى الذين شفوا فوراً تقريباً من الأمراض المختلفة ، مثل : سل البريتون ، والخراجات الباردة ، وإلتهاب العظام والجروح العفنة ، وسِل الأنسجة والسرطان الخ. وتختلف عملية الشفاء قليلاً من شخص لآخر.

وغالباً ما يشعر المريض بألم حاد يعقبه على الفور إحساس مفاجئ بالشفاء ففي ثوان معدودة ، أو دقائق معدودة ، أو على الأكثر في ساعات معدودة تلتئم الجروح وتختفي الأعراض الباثولوجية (المرضية) ، ويسترد المريض شهيته. وقد تختفي الإضطرابات الوظيفية أحياناً قبل أن نصلح الجروح التشريحية. وقد تستمر التشوهات الهيكلية الناتجة من مرض بوت أو الغدد السرطانية ، يومين أو ثلاثة أيام بعد شفاء القروح الرئيسية ، وتتصف المعجزة الرئيسية بسرعة متناهية في عملية الإصلاح العضوي. وليس هناك شك في أنّ درجة إلتئام التناقص التشريحية أكثر بكثير من الدرجة العادية ، بيد أنّ الشرط

٤٠٢

الذي لا مَفرّ منه لحدوث الظاهرة هو : الصلاة إلا أنّه لا توجد ضرورة تدعو المريض نفسه للصلاة ، أو أن يكون على درجة من الإيمان الديني ، وإنما يكفي أن يصلي أحد الموجودين حوله ، إنّ لمثل هذه الحقائق مغزى عظيماً ، فإنّها تدل على حقيقة علاقات معينة ، ذات طبيعة ما زالت غير معروفة بين العمليات السيكولوجية والعضوية ، وتبرهن على الأهمية الواضحة للنشاط الروحي التي أهمل علماء الصحة والأطباء والمربون ورجال الإجتماع دراستها إهمالاً يكاد يكون تاماً إنّها تفتح للإنسان عالماً جديداً»(٤٨٤) .

إذن ، بعد الإعتراف من هذه الشخصية البارزة في الأوساط العلمية الأوربية ، التي أثبتت وجود المعجزات والكرامات ، لا داعي لما يقوله منكري المعجزات والكرامات. بل يمكن القول : بأنّ وقوع هذه المعجزات والكرامات ضروري كي يتوجه البشر إلى عظمة الخالق عَزّ وجَلّ ، وما يفيضه عليهم من العم والسعادات الدنيوية والأخروية. لكن مما يؤسف له ، أنّ الإنسان بدل أن يتوجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بالحمد والشكر على ما توصل إليه من إنجازات علمية ، تجعله يلتزم بالقيم الإنسانية ، إنغمس في الحياة المادية ، فأوقعه في مهالكها وشرورها ، فحطم شرفه وسعادته بذلك.

يقول ألكسيس كاريل : «إنّ الحضارة لم تفلح حتى في خلق بيئة مناسبة للنشاط العقلي وترجع القيمة العقلية والروحية المنخفضة لأغلب بني الإنسان إلى حد كبير ، للنقائض الموجودة في جَوّهم السيكولوجي ؛ إذ أنّ تفوق المادة ومبادئ دين الصناعة حطمت الثقافة والجمال والأخلاق»(٤٨٥) .

__________________

(٤٨٤) ـ كاريل ، ألكسيس : الإنسان ذلك المجهول / ١٥٩ ـ ١٦١.

(٤٨٥) ـ نفس المصدر / ١٦٣.

٤٠٣

إلى أن قال : «وتدهورت الطبقات المثقفة لإنتشار الصحف إنتشاراً واسع المدى ، كذا الأدب الرخيص والراديو ودور السينما. ومن ثم فإنّ إزدياد الطبقة الغبية آخذ في الإزدياد أكثر فأكثر ، بالرغم من كمال المناهج التي تدرس في المدارس والكليات والجامعات. ومن العجيب أنّ بلادة الذهن توجد غالباً حيثما تتقدم المعرفة العلمية»(٤٨٦) .

وبعد هذا الباين إتضح لنا جواب هذا السؤال ، وتبين لنا أنّ القصص الدينية التي أهمها المعجزات ، هي أكبر برهان على إثبات الرسالات والمعتقدات الدينية ، التي جاءت لنشر ال علم وكل ما هو مفيد لسعادة الإنسان.

السؤال الثاني : هل ما نسبه الشيعة الإمامية من القصص والكرامات ، التي لها إرتباط بالحسين عليه السلام ، وتربته الطاهرة لها واقع ، أم أنّها اسطورة وخرافة ، الهدف منها دعم معتقدهم؟

يتضح جواب هذا السؤال بعد بيان العناوين الآتية :

الأول ـ الإمامة :

قبل الحدث عن الكرامة التي هي صلب موضوع السؤال ، لا بد من الحديث عن الإمامة التي يرجع إليها موضوع هذا السؤال ؛ إذ الكرامات هي إحدى الصفات التي تبرز شخص الإمام أمام عامة الناس ، وخصوصاً المعاندين والمشككين منهم في هذا الأمر. وقد عَرّفوا الإمامة بأنها :

رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فنستفيد من هذا التعريف ، أنّ الإمامة تشكل ركناً هاماً باعتبارها إمتداداً للنبوة ، فكما أنّ النبوة عهد إلهي يصطفي له الباري عَزّ وجَلّ من يشاء من

__________________

(٤٨٦) ـ المصدر السابق ١٦٣.

٤٠٤

عباده ؛ باعتباره خالق البشر ومحيط بأسرارهم ومصالحهم الحقيقة ، فكذلك الإمامة التي هي إمتداد لها. وهذا هو معتقد الإمامية ، إذ تنفرد عن بقية المذاهب الإسلامية ؛ بأنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا به ، وأنّها بمثابة روح الشريعة والقلب النابض فيها ، وأنّ حذفه أو تهميشه سيجعل من الدين جثة هامدة لا حياة فيها ، وإلى هذا يشير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف : (من مات ولم يعرف إمام زمانه ؛ مات ميتة جاهلية). وهذا الحديث معروف مشهور بين علماء المسلمين ، فعلى هذا إتضح لنا أنّ الجهل بالإمامة ، هو إبتعاد عن الدين ، بل هو جاهلية لا تعرف الدين ، ولذا لا بد أن يلي أمر الدين بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، شخص لائق تتجسد فيه كل مقومات النبوة باستثناء الوحي ، كما أشار إلى ذلك سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف : (أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبي بعدي). وهذا حديث مشهور لا ينكره إلا جاهل معاند.

نستفيد منه أنّ لأمير المؤمنين عليه السلام كل ما كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من رتبة وعمل ومقام وحكم وسيادة ، عدا ما أخرجه الإستثناء من النبوة ، كما كان هارون من موسى عليه السلام ، بل هو نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في آية المباهلة( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) [آل عمران / ٦١]. وخلاصة القول : إنّ الإمام بمنزلة المرآة التي تنعكس فيها كل حقايق الإسلام ، وقد بلغ من الصفاء والطهر درجة ، مدحه وأثنى عليه العدو والصديق.

الثاني ـ الكرامة :

إنّ الله عَزّ وجَلّ قد وَفّرَ كل ما هو ضروري لحاجات الإنسان الفردية والإجتماعية ، لتي تؤدي إلى سعادته الدنيوية والأخروية ، ولا يضمن توجيه

٤٠٥

الإنسان إلى كل ذلك إلا الشخص الذي تنعكس من خلاله فيوضات السماء ، ويكون حلقة الوصل بين عالمي الغيب والشهادة ، المصان المسدد من وحي السماء ، فلا مانع من ظهور الكرامة على يديه ، تأييداً أو إبرازاً لمقامه ومنصبه المرتبط بعالم الغيب. وبعد هذا الإيضاح توصلنا إلى تعريف الكرامة ، وهي :

«أن يظهر الله تعالى على يدي ولي من الأولياء شيئاً يخالف العادة»(٤٨٧) .

وسميت بالكرامة ؛ لأنّها مشتقة من كَرُمَ. والتكريم والتعظيم والتنزيه والتشريف ، كل هذه الألفاظ يشتركن في مدلول واحد ، وهو أنّ الله تعالى يُكرِّم العبد الصالح بما يُظهره على يده ، أو عند قبره بما يخرق به العادة ، وما يسهله من الأمور الصعبة وإن لم تكن خارقة للعادة : كشفاء المرض وتعجيل البرء ، وإعطاء الأماني وما شاكل ذلك ، حتى تصل إلى حد الإعجاز ، فكل هذه الكرامات التي يكرم الله تعالى بها الأولياء والبررة الأتقياء ، وكل مقدور لله فهو ممكن.

إذن ، فالكرامة كالمعجزة في الشكل والصورة والتأثير على الطبيعة ، فما هو الفرق بينهما؟

يمكن التفريق بينهما بما يلي :

١ ـ أنّ المعجزة أمر خارق للعادة يقترن بإدعاء النبوة ، بخلاف الكرامة ، فإنّها ليست مقرونة بهذا الإدعاء ، أي أنّ المعجزة والكرامة كلاهما أمر إلهي ، لكنّه إن صدر من عبد صالح من دون إدعاء يقال له : كرامة. وإن كان مقترناً للإدعاء يقال له : معجزة. إذن ، فالمعجزة في حالة الإدعاء للنبوة أو الإمامة ـ باعتبارهما دليل إلهي لإتمام الحجة على الناس ، وإثبات مقامهما

__________________

(٤٨٧) ـ إعداد مجمع البحوث الإسلامية : شرح المصطلحات الكلامية / ٢٨٦.

٤٠٦

من باب اللطف ـ ، مقترناً بالتحدي لمن خالف ذلك مما يؤدي إلى عجز المخالف عن المكابرة.

٢ ـ إنّ المعجزة لا بد أن تقع وقت الطلب ، ولا يمكن تأخيرها ؛ حتى لا يلزم كذب المرسل إلى هداية الخلق من قبل الله تعالى. بخلاف الكرامة ، فإنّه يجوز إظهارها تفضلاً وإكراماً للولي وتشريفاً لا لزوم فيها ولا تحتمة ، وفائدتها صيانة ا لولي عن التعدي عليه وهتك حرمته ، وبظهور الكرامة لديه لا يمتهن ولا يحتقر ، بل يعظم ويحترم.

٣ ـ أطلق بعض العلماء إسم المعجزة على كل الخوارق للعادة ، التي صدرت من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام سواء صدرت في مقام التحدي أو في غير مقام التحدي. إلا أنّ البعض الآخر قسم الكرامة إلى قسمين :

أولهما ـ الكرامة الثابتة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ، وأنّها بيده وإختياره ، فإنّ أراد حصولها ؛ حصلت بإذن الله تعالى ، وإن لم يرد لم تحصل.

ثانيهما ـ الكرامة الثابتة لأولياء الحق من العبّاد والزهّاد الصالحين والشهداء والعلماء والأتقياء الورعين. فغالباً لا تكون باختيارهم ، فإنّ دعوتهم لشخص أو عليه ، قد تستجاب وقد لا تستجاب ، وكذلك ما يطلبونه لأنفسهم ، وأن ظهور الكرامة على يد أحدهم ، دليل على فضله وكونه مقرباً عند الله عَزّ وجَلّ.

الثالث ـ نهضة الحسين (عليه السلام) في نظر الآخرين :

إنّ نهضة الحسين عليه السلام ذات طابع روحاني مقدس يُهيمن على النفوس البشرية بشتى مللها ودياناتها ، وقد تفاعل معها منذ حدوثها بعض علماء اليهود والنصارى ، وقتلوا في مجلس يزيد (لع) ، بل استشهد فيها بعض من لا يعتقد

٤٠٧

بالحسين عليه السلام ، أمثال : وهب الكلبي ، فقد كان نصرانياً قبل دخوله في أنصار الحسين عليه السلام ، وكذلك زهير بن القين ، فقد كان عثمانياً ، كما هو مذكور في السيرة الحسينية ، وما زالت محوراً للدراسة والبحوث إلى يومنا هذا.

فقد ظهرت في هذا العصر عِدّة كتب ومقالات وبحوث ودراسات ، هدفها إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد ، ومن بين تلك الدراسات واقعة كرباء وما تحويه من شعائر حسينية. إلا أنّ الواقع هو تحريف التاريخ الإسلامي ، وهذا واضح للباحث والقارئ المنصف ، حينما يتأمل في خطوات هذه الدراسات ؛ إذ يلاحظ مبدأ التشكيك والرفض ، ونزع لباس الحقيقة والموضوعية عنها ، بجمع الأكاذيب والإفتراءات التي قيلت وكتبت فيها ، والهدف من كل ذلك هو تشوييها وتحريفها عن واقعها ، ورسم صورة سوداء وغريبة في مخيلة القارئ ، بحيث تجعله يستعد نفسياً وعقلياً لتقبل تلك التشكيكات والطعون ، بعيداً عن البحث النزيه ، والحقيقة أنّ هذه الأفكار تدور في حلقة مفرغة لا تتعداها ، لا تفهم إلا لغة السب والشتم والقذف من دون دليل أو برهان ، لكل من يعتقد بقداسة وشعائر هذه النهضة الحسينية ، إلا أنّ هذا لا يُغيِّر من الواقع شيئاً ؛ إذ يوجد كثير من العقلاء الأحرار من المسلمين وغيرهم ، ممن وقف أمام هذه النهضة الحسينية وقفة إجلال وإكبار ، نذكر منهم ما يلي :

٤٠٨

١ ـ الشيخ عبد الله العلايلي(٤٨٨) :

درس الشيخ عبد الله العلايلي التاريخ يثقافة واعية ، وتجرّد وموضوعية وجرأة ، بعيداً عن التعصب الأعمى ، والنزعات المذهبية ، تعاطى مع قضية الحسين عليه السلام بحيادية وتجرد عن الميول والهوى ، قرأ حياة الحسين عليه السلام وحياة يزيد. قرأ سيرة بني هاشم ، وسيرة بني أمية ، وبعد دراسة السيرتين أحصى أعمال الهاشميين ، وإذا بها تدور في حقل الفضائل ، متناهية في حبّ الخير وفعله. وأحصى أعمال الأمويين ؛ فوجدها تدور في حقل الشرّ والحقد ، والإنتقام. والدسائس ، والدهاء. والمكر والقتل. عرض أعمال الهاشميين وتركها تشرق بفضائلها. وعرض أعمال الأمويين تتلفّح بعتمة الشرّ

كان منصفاً لم يحاول تجميل خبائث الأمويين ، وتصرفاتهم مثلما فعل كثير من المؤرخين الذين وقعوا في فتنة الأمويين ، فبدّلوا سيئاتهم إلى حسنات ، ودافعوا عن شرورهم ومفاسدهم ، أو ممن كتب بروح عدائية لآل البيت عليهم السلام أمثال : أبي بكر بن العربي ، المتوفي ام (٥٤٣ هـ) ، وعبد الرحمن بن خلدون المتوفي (٨٠٨ هـ) ، صاحب المقدمة التي تضمنت أسساً لكتابة التاريخ ، وما إستطاع أن يعمل بها عند ما كتب عن الحسين عليه السلام ، بل أظهر نصبه وتخبطه في ذلك ، فقد سار هؤلاء على منهاج يزيد ، وابن زياد ، وعمر بن سعد ، إلا أنّهم

__________________

(٤٨٨) ـ علم من أعلام المسلمين اللبنانيين ؛ فهو لغوي ، عريق مجدد ، وأديب مبدع : شعراً ونثراً. وفقيه ومصلح إجتماعي سياسي. ولد في بيروت سنة (١٩٢٤ م) ، الموافق لسنة (١٣٣٥ هـ) ، وتلقى علومه الإبتدائية في مدارس جمعية المقاصد ، ثم تابع تحصيله العلمي في الأزهر الشريف بالقاهرة من عام (١٩٢١ م حتى عام ١٩٢٧ م). ومما ينبغي الإشارة به ، أن الشيخ العلايلي أظهر إهتماماً كبيراً بالدرس والإتجاه بكله إلى العلم ، وإنتفع بتجارب نخبة من الأعلام ، حتى تسنى له أن يصل إلى هذه المكانة من النشاط الثقافي المنقطع النظير ، حتى حاز هذه المنزلة في العالم العربي والاسلامي. وافاه الأجل المحتوم ، مساء الثلاثاء في ٣ كانون الأول سنة (١٩٩٦ م).

٤٠٩

أسفوا ، لأنّهم لم يكونوا على عهده ليشركوا في دمه ، فشاركوا في قتل مبدئه وشعائر نهضته. نعم إنّها الجرأة التي حملت الشيخ العلايلي على الخوض في هذا الموضوع ، لكشف المغالطات التاريخية التي سيطرت على قضية الحسين عليه السلام ، تعاطى مع هذه النهضة في كتبه الثلاثة التي أدرجها تحت عنوان الإمام الحسين عليه السلام : (ـ تاريخ الإمام الحسين ـ نقد وتحليل ، وأيام الحسين ، وسمو المعنى في سمو الذات ، أو أشعة من حياة الحسين). بحيث شغل فكره في سيرة الحسين عليه السلام وأخباره ، ويمكن التركيز على نقاط مهمة في حياة وسيرة الحسين عليه السلام نذكر منها التالي :

الأولى ـ طفولة الحسين (عليه السلام) :

قال الشيخ العلايلي (ره) : «جاء في أخبار الحسين أنّه كان صورة إحتبكت ظلالها من أشكال جده العظيم ، فأفاض النبي عليه شُعَاعة غامرة من حبه وأشياء نفسه لِيَتمَّ له أيضا من وراء الصورة معناها ، فتكون حقيقته ، من بعدُ كما كانت من قبلُ ، إنسانية إرتقت إلى نبوّة (أنا منْ حُسَيْن).

ونبوّة هبطت إل ىإنسانية (حُسَيْنٌ مني) فسلام عليه يوم ولد

والحسين الطفل حَلّ في بيئة النبوة التي هي الإنسانية العليا في المظهر البشري ، فكان بذلك أسمى رجل ؛ لأنّه أسمى طفل في أسمى بيئة. فسلام عليه يوم ولد ...»(٤٨٩) .

وقال أيضاً : «إرتحل الحسين عليه السلام ظهر جده العظيم وهو ساجد في الصلاة ، وجاء في الحديث إنّ أقرب ما يكون المرء من ربه وهو ساجد.

__________________

(٤٨٩) ـ العلايلي ، الشيخ عبد الله : الإمام الحسين / ٢٩٠ ـ ٢٩١.

٤١٠

ومع هذا أنّ النبوة الساجدة كانت معراجاً روحياً لهذا الطفل الذي إستودع في النبي أسراره العظمى وإنسانيته العليا. فسلام عليه يوم ولد»(٤٩٠) .

الثانية ـ شخصية الحسين (عليه السلام) :

«ونحن إذا قدمنا حسيناً بين العظماء ، فإنا لا نقدم فيها عظيماً فحسب ، وإنما نقدم فيه عظيماً دونه كل عظيم ، وشخصية أسمى من كل شخصية ، ورجلاً فوق الرجال مجتمعين.

فرجل كيفما سموت به من أي جهاته إنتهى بك إلى عظيم ، فهو ملتقى عظمات ومجمع أفذاذ ؛ فإنّ من ينبثق من عظمة النبوة (محمد) ، وعظمة الرجولة (علي) ، وعظمة الفضيلة (فاطمة) ، يكون امثولة عظمة الإنسان ، وآية الآيات البينات ، فلم تكون ذكراه ذكرى رجل بل ذكرى الإنسانية الخالدة ، ولم تكن أخباره أخبار بطل بل خير البطولة الفذّة.

ومن ثم كان جديراً بنا أن نستوحيه على الدوام ، كمصدر إلهامي إنبثق وهاجاً قوياً ، وإمتد بأنواره أجيالاً وأجيالاً. ولا يزال يسطع كذلك حتى ينتظم اللانهايات وينفذ إلى ماوراء الأرض والسموات ، وهل لنور الله حد يقف عنده أو مَعْلم ينتهي إليه (ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره).

على أنّ السبط الشهيد عليه السلام من وجه آخر ، تمت به روعة القداسة التي إبتدأت بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ القداسة جلالها ، ولكن روعة القداسة لن تكون إلا بالدم على جوانبها.

نحيى الطهارة في بيتها

إطار الطهارة قُدسٌ ودم

__________________

(٤٩٠) ـ المصدر السابق / ٢٩٣.

٤١١

فلتسمع الأجيال ولتستيقظ الإنسانية ، على صوت الرّجاف الذي ينبعث من أعماق الرّجم ومن وراء القبور ، حياً جيّاشاً ينفذ إلى الأعماق فتستعر له الضمائر ، وينثال إلى مواطن الشعور فيحيا به الوجدان ، وعلى نبرات مثل هذا الصوت فقط ، يتأتى للإنسانية أن تغسل آثامها وتخلص من أدرانها وتتطهر من أرجاسها ، حتى تعود إنسانية كما أرادتها الشرائع واحتفلت بها الأديان. وحتى تكون إنسانية عمادها المثل العليا والفضائل الصالحة والخير المطلق وإحقاق الحق ، فإنّ لهذه الخصال وحدها ضَحّى الحسين عليه السلام»(٤٩١) .

هذه بعض المقتطفات التي ذكرها الشيخ العلايلي (ره) من دراسته لشخصية الحسين عليه السلام ونهضته المباركة.

٢ ـ الأديب الكبير بولس سلامه(٤٩٢) .

لقد أبرز مرئياته ودراسته حول الحسين عليه السلام ونهضته المباركة ، من خلال مقدمته لملحمته (عيد الغدير) ، مع العلم بأنه مسيحي العقيدة ؛ إلا أنّ حرية

__________________

(٤٩١) ـ المصدر السابق / ٩٠ ـ ٩١.

(٤٩٢) ـ بولس يوسف سلامة ، أديب لبناني ، واسع المعرفة ، من الرعيل الأول من أدباء العرب ، ولد في قرية (بتدين اللقش) ، قضاء جزين (لبنان الجنوبي) ، سنة (١٩٠٢ م) ، درس في مدرسة قريته ، ثم دخل مدرسة الأخوة المريمين في صيدا سنة (١٩١٣ م) ، لم تكتمل السنة المدرسية حتى وقعت الحرب العالمية الأولى ، فانقطع عن الدرس حتى سنة (١٩١٨ م) ، ثم دخل مدرسة الحكمة ، ثم مدرسة الفرير في صيدا وجونيه ، فكان مجموع سني الدراسة في هذه الفترة ثلاث سنوات ، ثم دخل بعدها مدرسة الحقوق الفرنسية في بيروت ، ونال شهادة (الليسانس) ، وقد تدرج في المحاماة زهاء سنتين ، ثم انخرط في سلك القضاء مدة خمس عشرة سنة. وقد نظم بين سنة (١٩٤٦ م) ، وسنة (١٩٤٨ م) ، أروع مطولاته التي طبعت في كراريس على حده ، وهي : علي والحسين ، وفلسطين وأخواتها ، والأمير بشير. أما آياته ؛ فهي ملحمة (عيد الغدير) ، أو ملحمة عربية تنطوي على ثلاثة آلاف وخمسمائة بيت من الشعر الرفيع ، وتناول أهم نواحي التاريخ الإسلامي. أصيب بناسور في العمود الفقري منذ سنة (١٩٣٦ م) ، وبقي على فراش المرض منذ سنة (١٩٤٢ م) ، حتى وافاه الأجل عام (١٩٧٩ م).

٤١٢

الفكر المبتني على الإنصاف ، هو الذي دعاه إلى ذلك. ويمكن تلخيص هذه الدراسة من خلال التالي :

أولاً ـ إختيار الشخصية :

وقد أشار إلى ذلك بقوله : «ولا يخفى أنّ في ذلك نشراً لناحية عظمى من التاريخ العربي ، وأنّ العروبة المستيقظة اليوم في صدور أبنائها من المغرب الأقصى إلى آخر جزيرة العرب ، لأحوج ما تكون إلى التمثل بأبطالها الغابرين ، وهم أكثر ، على أنّه لم يجتمع لواحد منهم ما اجتمع لعلي من البطولة والعلم والصلاح ، ولم يقم في وجه الظالمين أشجع من الحسين ، فقد عاش الأب للحق وجَرّد سيفه للذياد عنه منذ يوم بدر ، واستشهد الابن في سبيل الحرية يوم كربلاء ، ولا غرو فالأول ربيب محمد ، والثاني فلذة منه»(٤٩٣) .

ثانياً ـ مبررات الإختيار :

وقد برر وبرهن على إختيار الشخصية من خلال ما يلي :

١ ـ «ولما عزمت على النظم إنصرفت إلى درس المراجع التأريخية ولكنني قطعاً للظن والشبهات ـ قلما إعتمدت مؤرخي الشيعة بل الثقات من أهل السنة ـ الذين عصمهم الله من فتنة الأمويين ـ ، وتقيدت بالتاريخ جهد الإستطاعة ، فلو تقيدت أكثر مما فعلت ؛ لكنت كاتب عدل يخضع التاريخ للقوافي»(٤٩٤) .

«ورب قارئ حسبني متحاملاً على بني أمية ، ويعلم الله أني لم أقل فيهم إلا ما أجمعت عليه السير النبوية ، ومؤرخو الإسلام : كأبي الفداء ، والمسعودي ، والطبري ، وابن الأثير ، وابن خلكان.

__________________

(٤٩٣) ـ سلامة ، بولس : عيد الغدير / ٨.

(٤٩٤) ـ نفس المصدر.

٤١٣

وما أقره الأدباء المعاصرون ، وقد أشرت إلى مراجع في الهوامش ؛ ليكون الكلام على بينة ، ولا ريب أنّ الأمويين شادوا في الشرق والغرب حضارة لها مكانتها الشامخة في عين من ينظر إلى الدنيا ولكنني قمت بالمقاييس الروحية ، وإنّ قصور العالم جميعاً لا تعادل في كفة الفضيلة جناح بعوضة.

فإنّ سقراط الفيلسوف الخيّر الذي كان يمشي حافياً في أسواق أثينا لأجلّ قدراً في ميزان القيم الروحية من الإسكندر على عرشه ، ومن كسرى انوشروان في ايوانه»(٤٩٥) .

٢ ـ ورُبّ معترض قال : «ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة إسلامية بحتة؟

أجلّ إنني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للعالمين. أجلّ إني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة ، فيرى في غاندي الوثني قديساً ، مسيحي يرى (الخلق كلهم عيال الله) ، ويرى أن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ..»(٤٩٦)

٣ ـ «بقي لك بعد هذا أن تحسبني شيعياً ، فإذا كان التشيع تنقصاً لأشخاص ، أو بغضاً لفئات ، أو تهوراً في المزالق الخطرة فلست كذلك ، أما إذا كان التشيع حباً لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين ، وثورة على الظلم وتوجعاً لما حَلّ بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التاريخ ، فإنني شيعي»(٤٩٧)

__________________

(٤٩٥) ـ المصدر السابق / ٩ ـ ١٠.

(٤٩٦) ـ نفس المصدر.

(٤٩٧) ـ نفس المصدر / ١٢.

٤١٤

هذه بعض النماذج من الأقلام الحرّة من غير الشيعة ـ سواء كانوا مسلمين أو غيرهم ـ ، وهذا دليل واضح على مظلومية سيد الشهداء عليه السلام الذي جذب إليه القلوب ؛ فهذا المسلم ، والمسيحي ، والمجوسي ، والبوذي ، يقف بخضوع إعظاماً للحسين عليه السلام ونهضته المباركة ، ولم نرَ شخصية لقيت هذا الإهتمام والعناية من جميع الفئات الفكرية المختلفة جيلاً بعد جيل ، كالحسين عليه السلام. ومن الشواهد على ذلك ما قاله الكاتب الفرنسي (الدكتور جوزف) : «ومن جملة الأمور التي صارت سبباً في ترقي هذه الفرقة وشهرتها في كل مكان ، هو غزادة أنفسهم بالرأي الحسن ؛ بمعنى أنّ هذه الطائفة بواسطة مجلس المآتم واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين ، جلبت إليها قلوب باقي الفرق ، بالجاه والإعتبار ، والقوة والشوكة». ويختم الكاتب كلامه بقوله : «لهذا نرى أنّه في كل مكان ولو كانت جماعة من الشيعة قليلة ، يظهر عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين ، وشوكتها وقدرتها بقدر ما هي عليه عشرات المرات ، وأكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم وترقيهم هي هذه النكبة. ومصنفوا أوربا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم ، مع أنّه ليس لهم عقيدة بهم قط ، أذعنوا بظلم قاتليهم وتعدّيهم ، وعدم رحمتهم ، ويذكرون أسماء قاتليهم بالإشمئزاز ، وهذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء ، وهذه النكبة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة»(٤٩٨) .

السؤال الثالث : يتساءل بعض شبابنا قائلاً : نسمع ونقرأ قصصاً مفادها ، أنّ السماء إحمرّت وأمطرت دماً عبيطاً ، وأنّ التربة التي أودعت عند أم سلمة (رض) تحوّلت إلى دم عبيط ، وأنّ بعض الأشجار

__________________

(٤٩٨) ـ الشهرستاني ، السيد صالح : تاريخ النياحة ، ج ٢ / ٣٥ ـ ٣٦.

٤١٥

في اليوم العاشر من المحرم في كل عام يسيل منها الدم ، وجاء في زيارة الإمام الصادق عليه السلام لجده سيد الشهداء عليه السلام : (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد ، واقشعرّت له أظلة العرش) ، فهل كل ذلك صحيح أم لا؟ ولماذا التركيز على الدم؟

يتضح جواب هذا السؤال بعد دراسة العنوانين التاليين :

الأول ـ صحة هذه القصص والروايات :

قصص وروايات الدم المرتبطة بشهادة الحسين عليه السلام ، هي من الواضحات في كتب المسلمين كالتالي :

أولاً ـ في كتب السنة والجماعة :

ذكرت روايات الدم في كثير من مصادر العامة نتقصر منها على التالي :

١ ـ أسد الغابة ـ لإبن الأثير الجزري ، ت (٥٥٥ هـ أو ٦٣٠ هـ) :

بإسناده عن ابن عباس قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الدم؟

ثال : هذا دم الحسين ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فوجد قد قتل في ذلك)(٤٩٩) .

٢ ـ أنساب الأشراف ـ لأبي جعفر البلاذري ، ت (٢٧٩ هـ) :

١ ـ قال البلاذري : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن أبي حصين ، قال : (لما قتل الحسين مكثوا شهرين أو ثلاثة أشهر ، وكأنما يلطخ الحيطان بالدم ، من حين صلاة الغداة ، إلى طلوع الشمس).

__________________

(٤٩٩) ـ ابن الأثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ٢ / ٣٠.

٤١٦

٢ ـ وقال : حدثني عمر بن شبه ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حَمّاد بن سلمة ، عن سالم القاص قال : (مطرنا أيّام قتل الحسين دما).

٣ ـ وقال : حدثني عمر بن شبة ، عن عفان ، عن حمادة عن هشام ، عن محمد بن سيرين قال : «لم نرّ هذه الحمرة في آفاق السماء حتى قتل الحسين».

٤ ـ وقال : وحدثت عن ابي عاصم النبيل ، عن بن جريح ، عن ابن شهاب قال : «ما رُفع حجر بالشام يوم قتل الحسين إلا عن دم»(٥٠٠) .

٣ ـ تاريخ الخلفاء ـ للحافظ أبي بكر السيوطي ، ت (٩١١ هـ) :

١ ـ قال السيوطي : «ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله».

٢ ـ وقال : «إنّه لم يقلب حجر البيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط ، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً ، ونحروا ناقة في عسكرهم ، فكانوا يرون في لحمها مثل النيران ، وطبخوها فصارت مثل العلقم ، وتكلم رجل في الحسين بكلمة ؛ فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره».

٣ ـ وقال : أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنصف النهار أشعث أغبر ، وبيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذٍ)(٥٠١) .

__________________

(٥٠٠) ـ البلاذري ، أحمد بن يحيى : أنساب الأشراف / ترجمة الإمام الحسين (ع).

(٥٠١) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر : تاريخ الخلفاء / ٢٠٧ ـ ٢١٠.

٤١٧

٤ ـ تاريخ ابن عساكر ـ للحافظ علي بن الحسن الدمشقي ، ت (٥٧١ هـ) :

١ ـ ابن عساكر ، باسناده عن خلاد صاحب السمسم ـ قال : (حدثتني أمي قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعَشيّ. قالت : وكانوا لا يرفعون جدراً إلا وجدوا تحته دماً).

٢ ـ وباسناده عن الأسود بن قيس قال : (إِحمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدم).

قالت : فحدثت بذلك شريكاً فقال لي : ما أنت من الأسود؟ قلت : هو جدي أبو أمي.

قال : أما والله إن كان لصدوق الحديث ، عظيم الأمانة ، مكرماً للضيف.

٣ ـ وبإسناده عن أم شرف العبدية قالت : حدثتني نصرة الأزدية ، قالت : (لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً ، فأصبحت وكل شيء ملآن دماً).

٤ ـ وبإسناده عن حَمّاد بن زيد ، عن هشام ، عن محمد قال : (تعلم هذه الحمرة في الأفق ممّ هو؟

فقال : من يوم قتل الحسين بن علي).

٥ ـ وبإسناده عن يحيى بن السري ، عن روح بن عبادة ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : (لم تكن ترى هذه الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي).

٤١٨

٦ ـ وبإسناده عن مروان ـ مولى هند بنت المهلب ـ يقول : (قال أبو غالب : قال : حدثني بَوّاب عبيد الله بن زياد ، أنّه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه ، رأيت حيطان دار الإمارة تتسايل دماً)(٥٠٢) .

٥ ـ تاريخ اليعقوبي ـ لأحمد بن إسحاق اليعقوبي ، ت (٢٨٤ هـ) :

قال : «.. وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إنّ جبرئيل أعلمني إنّ أمتي تقتل الحسين وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قتل. وكانت عندها ، فلما حضر ذلك الوقت ؛ جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلما رأتها قد صارت دماً ، صاحت : وا حسيناه ، وا ابن رسول الله ، وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى إرتفعت المدينة بالرجّة التي ما سُمِعَ بمثلها قط»(٥٠٣) .

٦ ـ تهذيب التهذيب ـ لابن حجر العسقلاني ، ت (٨٥٢ هـ) :

١ ـ وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن معمر قال : (أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري : بلغني أنّه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط).

٢ ـ وقال ابن حجر في حاشية التهذيب : (لما قتل الحسين ، إسودت السماء نهاراً ، ووجد تحت أحجار بيت المقدس دم عبيط يوم قتله)(٥٠٤) .

__________________

(٥٠٢) ـ ابن عساكر ، علي بن الحسن : تاريخ ابن عساكر / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ترجمة الإمام الحسين (ع).

(٥٠٣) ـ اليعقوبي ، احمد بن إسحاق : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٢٤٦.

(٥٠٤) ـ ابن حجر ، احمد بن علي : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٣٥٢.

٤١٩

٧ ـ جامع كرامات الأولياء ـ ليوسف بن إسماعيل النبهاني ، ت (١٣٥٠ هـ) :

قال : «وحكى إنّ شخصاً حضر قتله عليه السلام فقط فعمي ، سئل عن سبب عماه فقال : إنّه رأى النبي وعشرة من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ثم لعنه وسَبّه بتكثيره سوادهم ، ثم أكحله بمرود من دم الحسين ، فأصبح أعمى»(٥٠٥) .

٨ ـ الخصائص الكبرى ـ للحافظ أبي بكر السيوطي ، ت (٩١١ هـ) :

١ ـ قال : وأخرج أبو نعيم ، عن أم سلمة قالت : (كان الحسن والحسين يلعبان ببيتي ، فنزل جبريل فقال : يا محمد ، إنّ أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، وأومأ إلى الحسين وأتاه بتربة فشَمّها ، ثم قال : ريح كرب وبلاء ، وقال : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد تقل فجعلتها في قارورة).

٢ ـ قال : وأخرج أحمد ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم ذات يوم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصى ذلك الوقت فوجد قد تقل ذلك اليوم).

٣ ـ وأخرج البيهقي ، وابو نعيم عن الزهري قال : بلغني أنّه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط)(٥٠٦) .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496