من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟12%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44004 / تحميل: 4784
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٢٥٠١-٩٧-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

مسألة ١٥٤ : والأذان من وكيد السنن إجماعاً‌ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون : رجل ينادي بالصلوات الخمس في كلّ يوم وليلة ، ورجل يؤم قوماً وهم به راضون ، وعبد أدّى حقّ الله وحقّ مواليه )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( من أذّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة ، وكتب له بكل أذان ستون حسنة ، وبكلّ إقامة ثلاثون حسنة )(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة في الجنّة على المسك الأذفر : مؤذن أذن احتساباً ، وإمام أمّ قوماً وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه »(٤) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « من أذّن سبع سنين احتساباً جاء يوم القيامة ولا ذنب له »(٥) .

مسألة ١٥٥ : الإمامة أفضل من الأذان‌ وهو أحد قولي الشافعي(٦) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل الإِمامة ولم يشتغل بالاذان والإِقامة بل قام بهما غيره ، ولا يجوز أن يترك الأفضل لغيره ، ولأن الإِمام يحتاج الى معرفة أحوال الصلاة‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٧ / ٢٧ ، عوالي اللآلي ٤ : ١٦ / ٤١ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٩٧ / ٢٥٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ / ٧٢٨ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٠٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٢٦ ، ثواب الاعمال : ٥٢ / ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٣ - ١١٢٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ / ١١٢٨ ، ثواب الاعمال : ٥٢ / ١.

(٦) المجموع ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٨ ، كفاية الاخيار ١ : ٧٠ ، السراج الوهاج : ٣٨.

٤١

والقيام بما تحتاج إليه الإِمامة ، وتحصيل الفضيلة ، ولهذا نقل أنّه ضامن والمؤذن أمين(١) ، والضامن أكثر عملاً من الأمين فثوابه أكثر ، وفي الآخر : الأذان أفضل(٢) لقولهعليه‌السلام : ( الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذّنين )(٣) [ وبه ](٤) قال الشيخ(٥) .

والإِقامة أفضل من الأذان. ويؤيّده : شدّة تأكيد الطهارة والاستقبال والقيام وترك الكلام وغير ذلك في الإقامة على الأذان.

مسألة ١٥٦ : وعدد فصول الاذان ثمانية عشر فصلاً عند علمائنا : التكبير أربع مرات ، وكلٌّ من الشهادتين ، والدعاء إلى الصلاة ، والى الفلاح ، والى خير العمل ، والتكبير ، والتهليل مرتان مرتان ؛ لأن الصادقعليه‌السلام حكى الأذان فقال : « الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أشهد أن محمداً رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، حي على خير العمل حي على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، لا إله إلّا الله»(٦) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « الاذان والإِقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً. والإِقامة سبعة عشر حرفاً »(٧) ‌وخالف الجمهور في‌

____________________

(١) اُنظر : الهامش (٣) من هذه الصفحة : والتهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، المجموع ٣ : ٨٧ - ٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٤٣ / ٥١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٢ / ٢٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ٣٨٢ ، سنن البيهقي ١ : ٤٣٠.

(٤) زيادة يقتضيها السياق ، والضمير راجع الى عنوان المسألة.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٩٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ١١٣٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٢.

٤٢

مواضع :

أ - قال مالك ، وأبو يوسف : التكبير في أوله مرّتان(١) - ووافقنا الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري(٢) - لأن عبد الله بن زيد قال له الرجل في المنام : الله أكبر مرتين(٣) .

وهو غلط ، لما بيّنا من أن الأذان بوحي إلهي ، وقد روى محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال ، قلت : يا رسول الله علّمني سنة الأذان. فمسح مقدم رأسه ، وقال : ( تقول : الله أكبر ) فذكر أربع مرات(٤) .

ب - منع الجمهور من قول : حيّ على خير العمل(٥) ، وأطبقت الإِمامية على استحبابه لتواتر النقل به عن الأئمةعليهم‌السلام (٦) ، والحجة في قولهم.

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، بلغة السالك ١ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٧ ، المجموع ٣ : ٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٠ ، سبل السلام ١ : ٢٠٠.

(٢) الاُم ١ : ٨٤ - ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٧ ، اللباب ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ - ٥٤.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٢٤١ - ٢٩ ، وانظر أيضاً سنن الترمذي ١ : ٣٦٠ ذيل الحديث ١٨٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٣٦ - ٥٠٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٤.

(٥) المجموع ٣ : ٩٨ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المحلى ٣ : ١٤٩.

(٦) انظر على سبيل المثال : التهذيب ٢ : ٦٠ - ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ - ١١٣٣.

٤٣

ج - أطبقت الإِمامية على استحباب التهليل مرتين في آخر الأذان ، وخالف فيه الجمهور كافة واقتصروا على المرة ،(١) وهو مدفوع بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإِقامة ، رواه أنس(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام لـمّا وصف الأذان : « لا إله إلّا الله لا إله إلّا الله »(٣) .

وكذا في حديث الباقرعليه‌السلام لـمّا وصف أذان جبرئيل لـمّا اُسري بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

مسألة ١٥٧ : الإِقامة عندنا سبعة عشر فصلاً‌ كالاذان إلّا أنه ينقص التكبير من أولها مرتين والتهليل من آخرها مرة ويزيد : ( قد قامت الصلاة ) بعد ( حيّ على خير العمل ) مرتين - وبه قال أبو حنيفة(٥) - لما رواه أبو محذورة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّمه الإقامة سبع عشر كلمة(٦) ، ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « والإِقامة مثنى مثنى »(٧) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، العدة شرح العمدة : ٦١ ، القوانين الفقهية : ٥٤ ، المحلى ٣ : ١٥٠.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦ - ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ - ٧٢٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ - ٣٧٠ - ١٩٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ - ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٩ - ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ - ١١٣٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٠ - ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ - ١١٣٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، اللباب ١ : ٥٩ ، المجموع ٣ : ٩٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٨ ، ، المغني ١ : ٤٥١ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥.

(٦) سنن الترمذي ١ : ٣٦٧ - ١٩٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٥ - ٧٠٩ ، سنن النسائي ٢ : ٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧١.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٣ - ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ - ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ - ١١٤١.

٤٤

وقال الشافعي : الإِقامة أحد عشر كلمة ، التكبير مرتان ، والشهادتان مرتان ، والدعاء إلى الصلاة مرة ، والدعاء الى الفلاح مرة ، والإِقامة مرتان ، والتكبير مرتان ، والتهليل مرة. وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(١) .

قال ابن المنذر : وهو مذهب عروة بن الزبير ، والحسن البصري ، وعمر بن عبد العزيز ، ومكحول ، والزهري(٢) ، لأنّ أنساً روى أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يوتر الإِقامة(٣) ، وهو استناد الى المنام الذي ضعفناه.

وللشافعي في القديم : أنها عشر كلمات. فجعل الإِقامة مرة. وبه قال مالك ، وداود(٤) للحديث(٥) وقد بينا ضعفه.

مسألة ١٥٨ : قد ورد عندنا استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات‌

____________________

(١) المغني ١ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، الأم ١ : ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥.

(٢) المجموع ٣ : ٩٤ وفيه : البيهقي بدل ابن المنذر فلاحظ.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦ - ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ - ٧٢٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ - ٣٧٠ - ١٩٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ - ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

(٤) المجموع ٣ : ٩٢ و ٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٦١ و ١٦٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥ ، المغني ١ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٢١.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦/ ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ / ٧٢٩ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠. سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ / ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

٤٥

كأوله ، والباقي كما تقدم(١) ، وروي أيضا استحباب التكبير في أول الإقامة أربعا ، وفي آخرها أربعاً ، والتهليل في آخرها مرتين(٢) ، قال الشيخ : ولو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما ، فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول : « أن علياً ولي الله ، وآل محمد خير البرية » فممّا لا يعمل عليه في الأذان فمن عمل به كان مخطئاً(٣) .

ويجوز في حال الاستعجال ، والسفر إفراد الفصول ، جمعاً بين فضيلة الأذان وإزالة المشقة عن المسافر والمستعجل ، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح قال : رأيت الباقرعليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلاً »(٤) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحداً واحداً ، والإِقامة واحدة »(٥) .

تذنيب : تثنية الإِقامة أفضل من إفراد الاذان والإِقامة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن اُؤذّن واُقيم واحداً واحداً »(٦) .

مسألة ١٥٩ : يكره الترجيع عند علمائنا‌ - وهو تكرار الشهادتين مرتين في‌

____________________

(١) مصباح المتهجد : ٢٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٢٦.

(٣) النهاية : ٦٩. وقال في المبسوط ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ / ٢١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٠٨ / ١١٤٢.

٤٦

الأذان ، وبه قال الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي(١) .

وربما قال أبو حنيفة : إنّه بدعة(٢) . وهو جيد عندي ؛ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( الأذان مثنى )(٣) ولم يذكر الترجيع عبد الله بن زيد الذي أسندوا الأذان إليه(٤) .

ومن طريق الخاصة حكاية الباقر والصادقعليهما‌السلام صفة الأذان ولم يذكرا الترجيع(٥) .

وقال الشافعي ، ومالك : باستحبابه(٦) ، وروى ابن المنذر عن أحمد أنه قال : إن رجع فلا بأس وإن ترك فلا بأس(٧) ، حتى أن للشافعي قولين في الاعتداد بالأذان مع تركه(٨) لأنّ أبا محذورة قال : علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنّة الأذان ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر مرتين ، أشهد أن محمداً رسول الله فذكر مرتين ، تخفض بها صوتك ، ثم‌

____________________

(١) المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٠ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.

(٢) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٣) اُنظر سنن النسائي ٢ : ٣.

(٤) سنن ابي داود ١ : ١٣٥ / ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ / ٧٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٩ / ١٨٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٤١ / ٢٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١٠ و ٢١١ و ٦١ / ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٣ و ١١٣٤.

(٦) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٩١ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، بلغة السالك ١ : ٩٢ ، المنتقى ١ : ١٣٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.

(٧) مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦١ ، الانصاف ١ : ٤١٣.

(٨) المجموع ٣ : ٩١ - ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٨.

٤٧

ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر مرتين ، أشهد أن محمداً رسول الله. فذكر مرتين(١) .

وليس حجة ؛ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل به ذلك ليقر بالشهادتين لأنه كان يحكي أذان مؤذن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مستهزئاً فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صوته فدعاه فأمره بالأذان قال : ولا شي‌ء عندي ولا أنقص من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا مما يأمرني به(٢) فقصد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نطقه بالشهادتين سراً ليسلم بذلك ، ولم يوجد هذا في أمر بلال ولا غيره ممن كان ثابت الإِسلام.

تذنيب : قال الشيخ : لو أراد المؤذن تنبيه غيره جاز له تكرار الشهادتين مرتين(٣) لقول الصادقعليه‌السلام : « لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة ، أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس »(٤) .

مسألة ١٦٠ : التثويب عندنا بدعة ، وهو قول الصلاة خير من النوم ، في شي‌ء من الصلوات - وبه قال الشافعي في الجديد(٥) - لأن عبد الله بن زيد لم‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٨٧ / ٣٧٩ ، سنن ابي داود ١ : ١٣٦ / ٥٠٠ ، سنن النسائي ٢ : ٦ ، مسند احمد ٣ : ٤٠٨ - ٤٠٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٣ / ١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٤ / ٧٠٨ ، مسند احمد ٣ : ٤٠٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٣ / ١.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٩.

(٥) الاُم ١ : ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨.

٤٨

يحكه في أذانه(١) ، وأهل البيتعليهم‌السلام لمـّا حكوا أذان الملك لم يذكروه(٢) .

وقال الشافعي في القديم : باستحباب التثويب بعد الحيعلتين في الصبح خاصة. وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٣) لأنّ أبا محذورة قال : لما علمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال بعد قوله حي على الفلاح : فإن كانت صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم(٤) .

وهو معارض بإنكار الشافعي - في كتاب استقبال القبلة - للتثويب وقال : إنّ أبا محذورة لم يحكه(٥) . قال أبو بكر بن المنذر : هذا القول سهو من الشافعي ونسيان حين سطر هذه المسألة فإنه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن أبي محذورة.

وعن أبي حنيفة روايات : إحداها كقول الشافعي في القديم(٦) ، والثانية : أنه يقول بين الأذان والإقامة : حي على الصلاة حي على‌

____________________

(١) سنن ابي داود ١ : ١٣٥ / ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ / ٧٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٨ ، مسند احمد ٤ : ٤٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١٠.

(٣) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٩٢ و ٩٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، المنتقى ١ : ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ٩١ ، القوانين الفقهية : ٥٤ ، المغني ١ : ٤٥٣ - ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٣ ، مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦٢ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦.

(٤) مسند احمد ٣ : ٤٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٦ / ٥٠٠ ، سنن النسائي ٢ : ٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٤ / ٣ و ٢٣٥ / ٤.

(٥) فتح العزيز ٣ : ١٧٠.

(٦) فتح العزيز ٣ : ١٧٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ ، اللباب ١ : ٥٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢١٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤١.

٤٩

الفلاح(١) ، والثالثة : أن الاُولى في نفس الأذان ، والثانية بعده(٢) ، والرابعة : أنه يقول : الصلاة خير من النوم بين الأذان والإِقامة(٣) ، لأن بلالاً كان إذا أذن أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ، ثم قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، يرحمك الله(٤) .

وأذن بلال يوماً ، فتأخر خروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء الى باب الحجرة ، فقيل : إنّه نائم فنادى بلال الصلاة خير من النوم مرتين فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرّه عليه(٥) .

وهذا كلّه باطل عندنا ؛ لأنه ليس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجتهد في الأحكام ، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان.

فروع :

أ - كما أنّه لا تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره‌ ، وبنفي غيره ذهب أكثر العلماء(٦) ، لأن ابن عمر دخل مسجداً يصلّي فسمع رجلاً يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه فقيل له : إلى أين تخرج؟ فقال : أخرجتني البدعة(٧) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ و ١٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٣ : ١٧٢ ، المغني ١ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٢) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، رحمة الاُمة ١ : ٣٦.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢٣٤.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٠٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٧ / ٧١٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٢ ، المحرر في الحديث ١ : ١٦٥ ذيل الحديث ١٧٨.

(٦) منهم : ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

٥٠

وحكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء ؛ لأنه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة(١) .

وقال النخعي : إنه مستحب في جميع الصلوات ؛ لأن ما يسن في الأذان لصلاة يسن لجميع الصلوات كسائر الألفاظ(٢) .

والأصل في الأول ، والعلة في الثاني ممنوعان.

ب - لا يستحب أن يقول بين الأذان والإِقامة : حي على الصلاة حي على الفلاح‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأن عمر قدم مكة فأتاه أبو محذورة وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة ، حي على الفلاح فقال : ويحك أمجنون أنت؟ ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى تأتينا(٤) .

وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنه سئل عن التسليم على الاُمراء فقال : أول من أحدثه معاوية وأقره عمر بن عبد العزيز(٥) ، وقال النخعي : إن الناس أحدثوا حي على الصلاة حي على الفلاح وليس بسنّة(٦) ، وقالعليه‌السلام : ( كل محدث بدعة )(٧) .

ج - التثويب : الرجوع‌ ، فالمؤذن يقول : حي على الصلاة ، ثم عاد بقوله : الصلاة خير من النوم ، إلى الدعاء إلى الصلاة ، وحيّ معناه : هلمّ ، ويقرن‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٩٨ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، رحمة الاُمة ١ : ٣٦ ، المحلى ٣ : ١٦١.

(٢) المجموع ٣ : ٩٨ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، رحمة الاُمة ١ : ٣٦.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي عنه في الخلاف ١ : ٢٨٩ مسألة ٣٣.

(٤) كنز العمال ٨ : ٣٤٠ - ٢٣١٦٨.

(٥) انظر كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري : ١٦٤.

(٦) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ١٨ / ٤٦ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٨ - ١٨٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١٤.

٥١

بـ ( على ) و ( الى ) معاً ، والفلاح : البقاء والدوام وهو ثواب الصلاة.

مسألة ١٦١ : الترتيب شرط في الاذان والإِقامة‌ لأنّهما أمران شرعيان فيقفان على مورده ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « من سهى في الاذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره »(١) ولأنّ الاذان يتميز بترتيبه عن جميع الأذكار فإذا لم يرتبه لم يعلم أنه أذان ولم تحصل الفائدة ؛ وبه قال الشافعي(٢) .

مسألة ١٦٢ : يكره الكلام خلال الاذان والإِقامة‌ لئلا ينقطع توالي ألفاظه ، فإن تكلّم في الأذان لم يُعده ، عامداً كان أو ساهياً - وبه قال الشافعي - لأنّ الكلام لا يقطع الخطبة وهي آكد من الاذان(٣) ، وحكي عن سليمان بن صرد أنّه كان يأمر بحاجته في أذانه وكان له صحبة(٤) . وللشافعي قول باستحباب إعادة الأذان(٥) .

فروع :

أ - لو طال الكلام‌ حتى خرج عن نظام الموالاة أعاد.

ب - لو كان الكلام لمصلحة الصلاة لم يكره‌ إجماعاً لأنّه سائغ في الإِقامة ففي الأذان أولى.

ج - لو سكت طويلاً يخرج به في العادة عن الأذان أعاد‌ وإلّا فلا لعدم الانفكاك من القليل كالتنفس والاستراحة ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ - ١١١٥.

(٢) المجموع ٣ : ١١٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٣ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥ ، السراج الوهاج : ٣٧ - ٣٨.

(٣) المجموع ٣ : ١١٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥ - ١٨٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥.

(٤) فتح الباري ٢ : ٧٧ ، المغني ١ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٠.

(٥) المجموع ٣ : ١١٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥.

(٦) المجموع ٣ : ١١٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الوجيز ١ : ٣٦.

٥٢

د - لو اُغمي عليه. أو جُنّ ، أو نام في خلاله استحب له الاستئناف‌ لخروجه عن التكليف ، ولو تمم غيره ثم أفاق جاز البناء عليه قاله الشيخ(١) .

ه - لو ارتد في أثنائه ثم رجع الى الإِسلام استأنف ، وهل يبنى عليه؟ للشافعي وجهان : المنع - وهو الأقوى عندي - لبطلانه بالردة ، والجواز ؛ لأنّ الردة لا تحبط العمل إلّا اذا اتصل بها الموت فصار كاعتراض الجنون والإِغماء لو بنى عليه جاز(٢) .

ولو ارتد بعد فراغه من الأذان ، قال الشيخ : جاز أن يعتد به ، ويُقيم غيره ، لأنّه أذّن أذاناً مشروعاً محكوماً بصحته فلا يؤثر فيه الارتداد المتعقب(٣) .

وقال الشافعي : لا يعتد بأذانه(٤) .

و - لو تكلّم خلال الإِقامة أعادها‌ - وبه قال الزهري(٥) - لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإِقامة »(٦) .

وقال الشافعي : لا يعيد لأنّها دعاء الى الصلاة فلم يقطعها الكلام كالأذان(٧) ، والفرق ما تقدم.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٩٦.

(٢) المجموع ٣ : ١١٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥ ، الوجيز ١ : ٣٦.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٦.

(٤) المجموع ٣ : ٩٩ و ١١٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٦ - ١٨٧.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢١٣ ، حلية العلماء ٢ : ٣٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ / ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ - ١١١٢.

(٧) الاُم ١ : ٨٥.

٥٣

ز - الكلام وإن كره في الأذان فإنه في الإِقامة آكد‌ ، وقال الشيخان ، والمرتضى : إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة حرم الكلام على الحاضرين إلّا بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام ، أو تسوية صف(١) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام »(٢) وهو محمول على شدة الكراهة ، وفي الطريق ضعف.

مسألة ١٦٣ : يستحب ترك الإِعراب في أواخر فصول الأذان والإِقامة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد(٣) - وحكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة(٤) ، لأن إبراهيم النخعي قال : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما : الأذان والإِقامة(٥) . وهذا إشارة إلى جماعتهم.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإِقامة حدر »(٦) ونحوه عن الصادقعليه‌السلام (٧) .

وقال الباقون : يستحب الإِعراب فيهما.

مسألة ١٦٤ : يستحب أن يترسل في أذانه‌ بأن يتمهل فيه مأخوذ من قولهم جاء فلان على رسله أي على هنيئة من غير عجل ولا متعب نفسه ، وأن يحدر الإِقامة ويدرجها إدراجاً مبيناً لألفاظها مع الإدراج - ولا نعلم فيه خلافاً - لقول‌

____________________

(١) المقنعة : ١٥ ، النهاية : ٦٦ - ٦٧ ، المبسوط للطوسي ١ : ٩٩ ، ونقل المحقق قول المرتضى في المعتبر : ١٦٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٥ - ١٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٧.

(٣) المغني ١ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٤ ، الإِنصاف ١ : ٤١٤ ، كشاف القناع ١ : ٢٣٨.

(٤) عمدة القاري ٥ : ١٠٨ ، المغني ١ : ٤٥٣ ، الإِنصاف ١ : ٤١٤.

(٥) المغني ١ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٤ ، الإِنصاف ١ : ٤١٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٤.

٥٤

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لبلال : ( إذا أذّنت فرتّل ، وإذا أقمت فاحدر )(١) (٢) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإِقامة حدر»(٣) .

ولأن القصد من الأذان إعلام الغائبين ، والتثبت فيه أبلغ للإِعلام ، والإِقامة لإِعلام الحاضرين ، وافتتاح الصلاة فلا فائدة للتطويل فيها ، ولو أخلّ بهذه الهيئة أجزأه لأنّها مستحبة فيه ولا يخلّ تركها به.

مسألة ١٦٥ : يستحب رفع الصوت بالأذان‌ ، وعليه إجماع العلماء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يغفر للمؤذن مدى صوته ، ويشهد له كل رطب ويابس )(٤) .

وقال أبو سعيد الخدري لرجل : إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك جن ولا إنس إلّا شهد لك يوم القيامة ، سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أذّنت فلا تخفين صوتك فإن الله يأجرك مدّ صوتك فيه »(٦) ، ولأن القصد به الإِعلام وهو يكثر برفع الصوت فيكون النفع به أتم.

____________________

(١) فاحدر : أي أسرع. لسان العرب ٤ : ١٧٢ مادة حدر.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٣٧٣ / ١٩٥ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٣.

(٤) المقنعة : ١٥ ، سنن ابي داود ١ : ١٤٢ / ٥١٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ / ٧٢٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥٨ ، سنن النسائي ٢ : ١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٩ / ٧٢٣ ، الموطأ ١ : ٦٩ / ٥ ، مسند أحمد ٣ : ٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٥.

٥٥

وقد روي أن رفع الصوت بالاذان في المنزل يزيل العلل والأسقام ويكثر النسل ، فإن هشام بن إبراهيم شكى الى الرضاعليه‌السلام سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال : ففعلت ، فأذهب الله عني سقمي ، وكثر ولدي.

قال محمد بن راشد : وكنت دائم العلّة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي فلما سمعت كلام هشام عملت به فأذهب الله عني وعن عيالي العلل(١) .

ولا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلّا يضر بنفسه وينقطع صوته ، فإن أذّن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ، ولا يجهر ببعض ، ويخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإِعلام ، وإن أذّن لنفسه أو لجماعة حاضرين جاز أن يخافت ويجهر ، ويخافت ببعض ويجهر ببعض.

مسألة ١٦٦ : يستحب الفصل بين الأذان والإِقامة‌ بجلسة ، أو سجدة ، أو سكتة ، أو خطوة ، أو صلاة ركعتين في الظهرين إلّا المغرب فإنه لا يفصل بينهما إلّا بخطوة ، أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا - وبه قال أحمد(٢) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبلال : ( اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته )(٣) .

ومن طريق الخاصة ما رواه سليمان بن جعفر قال : سمعته يقول : « افرق بين الأذان والإِقامة بجلوس أو ركعتين »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٣ ، الفقيه ١ : ١٨٩ / ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٧.

(٢) المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤ ، الإِنصاف ١ : ٤٢١.

(٣) سنن الترمذي ١ : ٣٧٣ / ١٩٥ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٧.

٥٦

وقال الصادقعليه‌السلام : « بين كل أذانين قعدة إلّا المغرب فإن بينهما نفساً »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام أو الكاظمعليه‌السلام : « يؤذن للظهر على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر(٢) .

وروي عن الصادقعليه‌السلام « من جلس بين أذان المغرب والإِقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله »(٣) ولأنّ الاذان للإِعلام فيسن الإِنتظار ليدرك الناس الصلاة.

إذا عرفت هذا فقد قال أحمد باستحباب الفصل في المغرب بجلسة خفيفة(٤) . وحكي عن أبي حنيفة ، والشافعي أنه لا يسن في المغرب(٥) .

وسئل الصادقعليه‌السلام ما الذي يجزي من التسبيح بين الاذان والإِقامة ، قال : « يقول : الحمد لله »(٦) .

وقد روي أنه يقول إذا جلس بعد الأذان : « اللهم اجعل قلبي باراً ، ورزقي داراً ، واجعل لي عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قراراً ومستقراً »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٩ ، الإِستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٥ / ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٥١ ، المحاسن : ٥٠ / ٧٠.

(٤) المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤ ، المجموع ٣ : ١٢١.

(٥) المجموع ٣ : ١٢١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٠ ، عمدة القارئ ٥ : ١٣٨ ، المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٣٠.

٥٧

البحث الثاني : المحلّ‌

مسألة ١٦٧ : لا يسن الأذان لشي‌ء من النوافل‌ ، ولا لشي‌ء من الفرائض - عدا الخمس اليومية - كالعيدين ، والكسوف ، والأموات ، بل يقول المؤذن في الكسوف والعيدين : الصلاة ثلاثاً ، وكذا في الاستسقاء ، وفي الجنازة إشكال ينشأ من العموم ، ومن انتفاء الحاجة لحضور المشيعين - وللشافعي وجهان(١) - وعليه إجماع علماء الأمصار ، وفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الصلوات من غير أذان(٢) .

ويستحب في الفرائض الخمس اليومية ، ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه بالقراءة ، وآكده الغداة ، والمغرب ؛ لأنّ في الجهر دلالة على طلب الإِعلام فيها ؛ والتنبيه بالأذان زيادة في المطلوب شرعاً ، وشدّة تأكيده في الصبح والمغرب لعدم التقصير فيهما فلا يقصر مندوباتهما ، وليكون افتتاح النهار والليل بذكر الله تعالى.

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تدع الأذان في الصلوات كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنه ليس فيهما تقصير »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « إنّ أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة ، ويفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان »(٤) .

مسألة ١٦٨ : يستحب الأذان والإِقامة للفوائت من الخمس‌ كما يستحب‌

____________________

(١) الاُم ١ : ٨٣ ، المجموع ٣ : ٧٧ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٨.

(٢) انظر على سبيل المثال : صحيح مسلم ٢ : ٦٠٤ / ٨٨٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٩ / ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٥.

٥٨

للحاضرة عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة(١) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته )(٢) ولأنّ ما يسنّ للصلاة في أدائها يسنّ في قضائها كسائر الأذكار.

وقال الشافعي : يقيم لكلّ صلاة ، وفي الأذان له ثلاثة أقوال ، أحدها : لا يستحب الأذان - وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وإسحاق(٣) - لرواية أبي سعيد الخدري قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهويّ(٤) من الليل فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً فأمره فأقام الظهر فصلّاها ثم أقام العصر فصلّاها(٥) ، ولأنّ الأذان وضع للإِعلام بدخول الوقت وهو منتف هنا.

ويحمل على العذر بالسفر ، والخوف ، وضيق وقت المغرب حينئذ ، مع أنه روي أنه أمر بلالاً فأذّن ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر(٦) ، ونفي المظنة لا يوجب نفي السبب كالمشقة ، وينتقض بالإِقامة ، ونمنع العلية.

الثاني : يؤذن للاُولى خاصة - وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر(٧) - لأن عمران بن حصين قال : سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٢ ، شرح فتح القدير ١ : ٢١٩ ، اللباب ١ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧ ، المغني ١ : ٤٦٣.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ / ١٤٣ و ٣ : ١٠٧ / ١٥٠.

(٣) المجموع ٣ : ٨٤ و ٨٥ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٩ ، المدونة الكبرى ١ : ٦١ - ٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٩١ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٦.

(٤) الهوي : الساعة الممتدة من الليل. لسان العرب ١٥ : ٣٧٢ مادة هوا.

(٥) سنن النسائي ٢ : ١٧ ، مسند احمد ٣ : ٤٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٢.

(٦) سنن البيهقي ١ : ٤٠٣.

(٧) المجموع ٣ : ٨٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٦.

٥٩

وآله في غزاة أو سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما أيقظنا إلّا حرّ الشمس فأمرنا فارتحلنا ثم سرنا حتى ارتفعت الشمس ونزلنا فقضى القوم حوائجهم ، وأمر بلالاً فأذّن فصلّينا ركعتين ، ثم أمره فأقام فصلّى الغداة(١) . ولا حجة فيه.

الثالث : إن كان يرجو اجتماع الناس أذّن(٢) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤذن بعرفات للعصر ، ولا بمزدلفة للعشاء(٣) لاجتماع الناس. ولا حجة فيه لسقوطه هناك للاشتغال بالعبادة.

فروع :

أ - الأذان وإن استحب‌ لكنّه في الأداء أفضل إجماعا.

ب - يجزيه مع التعدد الأذان لأول ورده ، ثم الإقامة للبواقي‌ ، وإن اقتصر على الإقامة في الجميع أجزأه.

ج - إذا جمع بين صلاتين أذّن للاُولى منهما وأقام ، ويقيم للثانية‌ خاصة سواء كان في وقت الاُولى أو الثانية وفي أي موضع كان ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام روى عن أبيه عن جابر : « أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين »(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يقيم ولا يؤذّن للعشاء بمزدلفة(٥) لأنّ ابن عمر صلّى‌

____________________

(١) مسند احمد ٤ : ٤٤١ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٨٥ - ١١.

(٢) المجموع ٣ : ٨٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧.

(٣) سنن النسائي ٢ : ١٥ و ١٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٥ / ٣٠٢١.

(٤) سنن النسائي ٢ : ١٦.

(٥) المبسوط للسرخسي ٤ : ١٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٤٥ ، عمدة القارئ ١٠ : ١٢ فتح العزيز ٣ : ١٥٦ ، الموطأ برواية الشيباني : ١٦٥ ذيل الحديث ٤٩٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمرهما ، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً ، والسلام.

فكتبَ إليه يزيد :

أمّا بعد ، فإنّك لم تَعْدُ أن كنت كما أُحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصُلْتَ صولة الشجاع الرابط الجأشِ ، وقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوتُ رسولَيْك فسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوصِ بهما خيراً.

وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق ، فضع المناظر والمسالح واحترسْ ، واحبس على الظنّة ، واقتُل على التهمة ، واكتب إليّ في ما يحدث من خبرٍ إن شاء الله»(١) .

كتاب عمرو بالأمان

قالوا : ولمّا خرج الإمامعليه‌السلام من مكّة كتب عمرو بن سعيد مع أخيه يحيى في جندٍ أرسلهم إليه : «إنّي أسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ،

__________________

(١) الإرشاد ـ للشيخ المفيد ـ ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٣ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٦٩ ـ ٧٠ ، الأخبار الطوال : ٢٤٢ ، وقعة الطفّ : ٧٧ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ف ١٠ ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٤ / ١٠٢ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٩ ب ٣٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٣٤ رقم ١٣٧٤ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، تاريخ الإسلام ٢ / ٢٧٠ ، مروج الذهب ٣ / ٦٠ ، المنتظم ٤ / ١٤٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٦

١٨١

فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ كنت خائفاً فأقبل إليَّ ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة»(١) .

أقول :

فهو لم يتعرّض للإمام بسوء ، بل كتب إليه يعطيه الأمان ويعده البرّ والصلة والإحسان!!

ثمّ إنّ يحيى ومن معه حاولوا الحيلولة دون خروجه ، وتدافع الفريقان ، وبلغ ذلك عمرو بن سعيد ، فأرسل إليهم يأمرهم بالانصراف(٢) .

ولكنّ عمرو بن سعيد الأشدق قد كتب في الحال إلى عبيد الله بن زياد :

«أمّا بعد ، فقد توجّه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد»(٣) .

أقول :

فانظر ما معنى ذلك؟!

هذا ، وقد جاء في بعض التواريخ أنّه قد خرج من مكّة مع الإمام

__________________

(١) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٦ رقم ١٣٧٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٠ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩١ رقم ١٣٠٥ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣١ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤١

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٥ ، الأخبار الطوال : ٢٤٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١

(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٩ رقم ١٣٧٤ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٢ رقم ١٥٦٦

١٨٢

عليه‌السلام نحو العراق ستّون شيخاً من أهل الكوفة(١) .

لكنْ مَن كان هؤلاء؟ وهل بقوا معه؟ وماذا كان مصيرهم؟

وكتب ابن عبّاس ليزيد : «وما أنس من الأشياء ، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول الله إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله ، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة»(٢) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام ما زال يخبر من معه بمقتله ، وإنّ من يبقى معه منهم فإنّهم سيقتلون.

فتارةً يشبّه نفسه بيحيى بن زكريّا ويقول : «إنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريّا أُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل»(٣) .

وأُخرى : يخبرهم عن رؤيا رآها ، فقال : «قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم إلى الجنّة ؛ فقال له ابنه عليّ : يا أبة! أفلسنا على الحقّ؟! فقال : بلى يا بنيّ والذي إليه مرجع العباد. فقال له : يا أبة! إذاً لا نبالي بالموت»(٤) .

ومرّةً أُخرى أخبرهم بذلك ، «قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟! قال : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علَيَّ كلب أبقع»(٥) .

وثالثةً : لمّا اعتذر بعض الناس من نصرته قال : «... فإنّه من سمع

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٢ رقم ١٥٦٦

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٣

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٠٢

(٤) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣١ ـ ١٣٢

(٥) كامل الزيارات : ٧٥ ب ٢٣ ح ١٤

١٨٣

واعيتنا ، أو رأى سوادنا ، فلم يجب واعيتنا ، كان حقّاً على الله أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم»(١) .

وجاء في كلام الإمام عند وصوله إلى كربلاء : «اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله ، قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدّنا ...»(٢) .

وقالعليه‌السلام : «ها هنا والله محطّ ركابنا وسفك دمائنا ، ها هنا مخطّ قبورنا ، وها هنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدّثني جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

__________________

(١) انظر : رجال الكشّي ١ / ٣٣١ رقم ١٨١ ترجمة عمرو بن قيس المشرقي

(٢) مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٣٧ ف ١١

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٩ ، الأخبار الطوال : ٢٥٣

١٨٤

الحلقة الثانية

دور يزيد

والحزب الأُموي في الكوفة

في بابين :

١٨٥
١٨٦

البابُ الأوّل :

دور يزيد بن معاوية

في فصول :

١٨٧
١٨٨

الفصل الأوّل :

في أنّ يزيد أمر بقتل الإمامعليه‌السلام

١٨٩
١٩٠

قال ابن حجر الهيتمي المكّي ، في كلامٍ له عن يزيد :

«قال أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به ورعاً وعلماً بأنّه لم يقل ذلك إلّالقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده ...»(١) .

نعم وقعت منه قضايا ثابتة توجب الحكم بكفره

لقد ثبت أمره بقتل الإمام السبط الشهيدعليه‌السلام ، والأدلّة المثبتة لذلك كثيرة ، سنذكرها بشيء من التفصيل ، وسيرى القارئ خلال أخبار ذلك طرفاً من القضايا المثبتة لكفره

وهذا بعض تلك الأدلّة على ضوء ما ورد في الكتب الأصليّة المعتمدة :

١ ـ كتاب يزيد إلى الوليد والي المدينة

فلقد جاء في غير واحدٍ من التواريخ أنّ يزيد قد أمر الوليد بن عتبة

__________________

(١) المنح المكّيّة ـ شرح القصيدة الهمزية ـ : ٢٧١.

وقد ذكر ابن الجوزي وسبطه وابن حجر أنّ أحمد بن حنبل ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة ؛ انظر : الردّ على المتعصّب العنيد : ١٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٧ ، الصواعق المحرقة : ٣٣٢ ـ ٣٣٣

١٩١

ابن أبي سفيان ـ وهو على المدينة ـ بقتل الإمام إنْ هو لم يبايع :

قال اليعقوبي ، المتوفّى سنة ٢٩٢ :

«وملك يزيد بن معاوية وكان غائباً ، فلمّا قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو عامل المدينة ـ :

إذا أتاك كتابي هذا ، فأحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليَّ برؤوسهما ، وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير ؛ والسلام»(١) .

وقال الطبري ، المتوفّى سنة ٣١٠ :

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد ، حين دعا الناس إلى بيعته وأنّه وليّ عهده بعده ، والفراغ من أمرهم ، فكتب إلى الوليد :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ، أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه وخوّله ومكّن له ، فعاش بقدر ومات بأجل ، فرحمه‌الله ، فقد عاش محموداً ومات برّاً تقيّاً ؛ والسلام».

وكتب إليه في صحيفة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام»(٢) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٤

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٦٩

١٩٢

وقال ابن أعثم الكوفي ، المتوفّى حدود سنة ٣١٤ :

«ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة :

من عبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ؛ أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً لله من عباده ، أكرمه الله واستخلفه وخوّله ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه وقد كان عهد إليّ عهداً وجعلني له خليفةً من بعده ، وأوصاني أنْ آخذ آل أبي ترابٍ بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل ...».

ثمّ كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ الحسين بن عليّ وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطّاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه»(١) .

وقال الخوارزمي ، المتوفّى سنة ٥٦٨ :

«كتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد ابن عتبة ؛ أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً من عبيد الله ، أكرمه واستخلفه ومكّن له وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء ، وقد علمت ـ يا وليد ـ أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم عثمان بن عفّان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل ...».

ثمّ كتب صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٩

١٩٣

بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه ؛ والسلام»(١) .

وقال ابن الجوزي ، المتوفّى سنة ٥٩٧ :

«فلمّا مات معاوية كان يزيد غائباً فقدم فبويع له ، فكتب إلى الوليد ابن عتبة ـ واليه على المدينة ـ :

خذ حسيناً وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً ، ليست فيه رخصة ، حتّى يبايعوا»(٢) .

هذا ما نقله هؤلاء

لكنّ ابن سعد ، المتوفّى سنة ٢٣٠

يروي ـ في ترجمة الإمامعليه‌السلام من طبقاته ـ أنّه «لمّا حُضِرَ معاوية ، دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به ، وقال : أُنظر حسين بن عليّ ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصِل رحمه وارفق به ، يصلح لك أمره ، فإنْ يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين ، وبايع الناس ليزيد.

فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري ، عامر بن لؤي ـ إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة ، أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ ، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه»(٣) .

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ٢٦٢ ف ٩ ح ٦

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد : ٣٤

(٣) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤ رقم ١٣٧٤

١٩٤

والبلاذري ، لم يرو نصّ الكتاب

وإنّما قال : «كتب يزيد إلى عامله الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة على الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، فدافع الحسين بالبيعة ، ثمّ شخصَ إلى مكّة»(١) .

وقال ابن عساكر ، عن ابن سعد :

«فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو ـ أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فإنّ أمير المؤمنين ـرحمه‌الله ـ عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه»(٢) .

وكذا روى الحافظ أبو الحجّاج المزّي ، قال :

«فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ ، فإنّ أمير المؤمنين ـرحمه‌الله ـ عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه»(٣) .

وقال ابن الأثير الجزري :

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعته ، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية وكتاباً آخر صغيراً فيه :

__________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٦٨

(٢) تاريخ دمشق ١٤ / ٢٠٦ رقم ١٥٦٦ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٣٨ رقم ١٢٦

(٣) تهذيب الكمال ٤ / ٤٨٨ رقم ١٣٠٥

١٩٥

أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام»(١) .

وقال الذهبي :

«قالوا : ولمّا حُضِرَ معاوية دعا يزيد فأوصاه ، وقال : انظر حسيناً فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصِل رحمه وارفق به ، فإنْ يك منه شيء فسيكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

ومات معاوية في نصف رجب ، وبايع الناس يزيد ، فكتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، أنِ ادعُ الناس وبايعهم ، وابدأ بالوجوه ، وارفق بالحسين ، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل ودعاهما إلى بيعة يزيد ، فقالا : نصبح وننظر في ما يعمل الناس ؛ ووثبا فخرجا.

وقد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه حسين وأخذ بعمامته فنزعها ، فقال الوليد : إنْ هجنا بهذا إلّاأسداً ؛ فقال له مروان أو غيره : أُقتله! قال : إنّ ذاك لدم مصون»(٢) .

فهؤلاء لا يروون لا القتل ولا استعمال الشدّة ، بل بالعكس ، ينقلون الرفق بالإمام

وأبو الفداء

لا يروي شيئاً ، لا القتل ، ولا الشدّة ، ولا الرفق وإنّما جاء في تاريخه :

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٣٧٧ حوادث سنة ٦٠ ه‍ ، وانظر : البداية والنهاية ٨ / ١١٨

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٥ رقم ٤٨

١٩٦

«أرسل إلى عامله بالمدينة بإلزام الحسين وعبد الله بن الزبير وابن عمر بالبيعة»(١) .

وفي روايةٍ أُخرى لابن عساكر عمّن حمل كتاب يزيد إلى الوليد :

«فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه ، جزع من موت معاوية جزعاً شديداً ، فجعل يقوم على رجليه ثمّ يرمي بنفسه على فراشه ؛ ثمّ بعث إلى مروان ، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة مورّدة ، فنعى له معاوية وأخبره بما كتب إليه يزيد ، فترحّم مروان على معاوية وقال : ابعث إلى هؤلاء الرهط الساعة ، فادعهم إلى البيعة ، فإنْ بايعوا وإلّا فاضرب أعناقهم.

قال : سبحان الله! أقتل الحسين بن عليّ وابن الزبير؟!

قال : هو ما أقول لك»(٢) .

أقول :

فلماذا هذا الاختلاف والاضطراب في نقل كتاب يزيد إلى الوليد؟!

ثمّ إنّ يزيد بن معاوية عزل الوليد عن المدينة لمّا بلغه أنّ الإمامعليه‌السلام وابن الزبير غادراها ولم يبايعا

قال ابن كثير : «عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة لتفريطه»(٣) .

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ١ / ١٨٩

(٢) انظر : تاريخ دمشق ١٩ / ١٧ رقم ٢٢٥٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٣٨ رقم ١٠ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧٧ حوادث سنة ٦٠ ه

(٣) البداية والنهاية ٨ / ١١٩ حوادث سنة ٦٠ ه

١٩٧

وقال ابن خلدون : «لمّا بلغ الخبر إلى يزيد ـ بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر ـ عزله عن المدينة ، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق»(١) .

وكيف كان فالنقل ـ في نصِّ كتابه إلى الوليد ـ مختلفٌ والذي أظنّه أن صنيع الوليد مع الإمامعليه‌السلام كان ضمن الخطّة المرسومة من معاوية كما تقدّم سابقاً نعم ، قد فرّط الوليد في أمر ابن الزبير ؛ والله العالم.

٢ ـ كتاب يزيد إلى ابن زياد

أمّا أنّ يزيد أمر عبيد الله بن مرجانة بقتل الإمامعليه‌السلام ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ، فقد قال :

«وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق ، وكان يزيد قد ولّى عبيد الله ابن زياد العراق ، وكتب إليه : قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم ، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم ، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان ، وأيّامك من بين الأيّام ، فإنْ قتلته وإلّا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر أنْ يفوتك»(٢) .

ورواه البلاذري :

«بلغني مسير حسين إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٥

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٥

١٩٨

أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد»(١) .

ورواه الطبراني :

«حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، ثنا الزبير بن بكّار ، حدّثني محمّد بن الضحّاك بن عثمان الحزامي ، عن أبيه ، قال : خرج الحسين بن عليّ رضي الله عنهما إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية ، فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه على العراق : إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد.

فقتله عبيد الله بن زياد ، وبعث برأسه إليه ، فلمّا وضع بين يديه تمثّل بقول الحصين بن الحُمَام(٢) :

نفلّق هاماً من رجال أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما»(٣)

وقال ابن عساكر :

«أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين ابن الآبنوسي ، أنبأنا عبيد الله بن عثمان بن جنيقا الدقّاق ، أنبأنا إسماعيل بن

__________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٧١

(٢) هو : أبو مَعِيّة الحصين بن حُمَام بن ربيعة المرّي الذبياني ، كان رئيساً وفياً ، شاعراً ، فارساً ، ياقّب مانع الضيم ، وكان من الشعراء المقلّين في الجاهلية ، وهو ممّن نبذ عبادة الأوثان في الجاهلية ، توفّي قبل ظهور الإسلام ، وقيل : بل أدرك الإسلام.

انظر : الشعر والشعراء ٢ / ٦٤٨ رقم ١٢٨ ، الأغاني ١٤ / ١٠ ، الاستيعاب ١ / ٣٥٤ رقم ٥٢٠ ، الإصابة ٢ / ٨٤ رقم ١٧٣٥

(٣) المعجم الكبير ٣ / ١١٥ ـ ١١٦ ح ٢٨٤٦

١٩٩

عليّ الخطبي ، قال : وبلغ يزيد خروجه ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد ، وهو عامله على العراق ، يأمره بمحاربته وحمله إليه إنْ ظفر به ؛ فوجّه اللعينُ عبيدُ الله بن زياد الجيشَ إليه مع عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وعدل الحسين إلى كربلاء ، فلقيه عمر بن سعد هناك ، فاقتتلوا ، فقتل الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته ، ولعنة الله على قاتله

أخبرنا أبو غالب أيضاً ، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون ، أنبأنا عبيد الله ابن محمّد بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله بن محمّد ، حدّثني عمّي ، أنبأنا الزبير ، حدّثني محمّد بن الضحّاك ، عن أبيه ، قال :

خرج الحسين بن عليّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد ، فكتب يزيد إلى ابن زياد فقتله ابن زياد ، وبعث برأسه إليه»(١) .

ورواه الهيثمي عن الطبراني ، ووثّق رجاله(٢) .

وقال الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨ :

«خرج الحسين ، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه : إنّ حسيناً صائر إلى الكوفة ، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وأنت من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً ؛ فقتله ابن زياد ، وبعث برأسه إليه»(٣) .

وقال السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١ :

«وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٣ ـ ٢١٤

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٣

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٥ رقم ٤٨

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482